الخميس، 21 سبتمبر 2023

أدلة جواز الإحتفال بالمولد النبوى الشريف من القرآن والسنة والإجماع،والقياس :

 أدلة جواز الإحتفال بالمولد النبوى الشريف من القرآن والسنة والإجماع،والقياس :

***********************************************
(((((أقول لكل غبى جهول يعترض على إحتفالنا بمولد سيدنا الحبيب محمد النبى الرسول:
هل تستطيع أن تعترض وتمنع إحتفالك بمولد
الست حرمك أو أحد أبنائك ،وإلا كانت طينت عيشتك وطردتك تبات عند الست أمك أو تنام على كنبة الصالون أو على كنب الركنة ؟!!!!)))))
#أولا: أدلة من القرآن الكريم:
------------------------------------
-إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء (107)]ويؤيد هذا تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الآية قال :فضل الله العلم ، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى 🙁 وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ). فالفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب في كل وقت وفي كل نعمة ، وعند كل فضل ، ولكنه يتأكد في كل يوم اثنين وفي كل عام في شهر ربيع الأول لقوة المناسبة وملاحظة الوقت ، ولا يغفل عن المناسبة ويعرض عنها في وقتها إلا من لا بصيرة له .
-أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ وهو يفيد سنية واستحباب تذكر الأيام العظيمة القدر لا في حياة المسلمين فقط وإنما في مسيرة أهل الأرض جميعا، ولا شك أن يوم مولد سيد الخلق هو من أحق الأيام وأولاها بالتذكر والاحتفال والاهتمام. ومن السنة: الحديث الذي بين أيدينا وقد بينا وجه الاستدلال به هنا».
-الْحَمْدُ للهِ الَّذي أرسَلَ لَنا مَنْ بِالْحَقِّ سَنَّ، وجَعَلَ لَنا مِنَ البِدَعِ ما هُوَ حَسَنٌ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على صاحِبِ الصَّوْتِ والوَجْهِ الْحَسَنِ، أَبي القاسِمِ جَدِّ الْحُسينِ والْحَسَنِ.
يقول اللهُ تعالى : ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التّوبة آية 128].
-أمَّا بَعْدُ فَهَذَا بيانُ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. نَقولُ مُتَوَكِّلينَ على اللهِ، البِدعَةُ : لُغَةً هيَ مَا أُحْدِثَ على غَيْرِ مِثالٍ سابِقٍ وشَرْعًا الْمُحْدَثُ الَّذي لَمْ يَنُصَّ عليهِ القُرءانُ ولا الْحَديثُ.
الدَّليلُ مِنَ القُرءانِ الكَريمِ على البِدْعَةِ الْحَسَنَةِ : قَوْلُهُ تعالى في مَدْحِ الْمُؤمنينَ مِنْ أمَّةِ سَيِّدِنا عيسى قَالَ تعالى : { وَجَعَلْنَا في قُلُوب الَّذينَ اتَّبَعُوهُ رَأفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاها عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله } [سورة الحديد، 27]، فاللهُ امتَدَحَ الْمُسْلِمِينَ الَّذينَ كانُوا على شَريعَةِ عيسى عليه السلام لأنَّهُمْ كانُوا أَهْلَ رَحْمَةٍ ورأفَةٍ ولأنَّهُمْ ابْتَدَعُوا الرَّهْبانيةَ وَهِيَ الانْقِطاعُ عنِ الشَّهواتِ الْمُباحَةِ زيادَةً على تَجَنُّبِ الْمُحرَّماتِ، حَتَّى إنَّهُمْ انَقطَعُوا عنِ الزِّواجِ وتَرَكُوا اللذَائِذَ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ والثِّيابِ الفاخِرَةِ وأقْبَلُوا على الآخِرَةِ اقْبالاً تامًّا، فاللهُ امْتَدَحَهُمْ عَلَى هَذِهِ الرَّهْبانِيَّةِ مَعَ أنَّ عيسى عليه السلام لَمْ يَنُصَّ لَهُم عَلَيْهَا.
أمَّا قوْلُهُ تعالى في بَقِيَّةِ الآيةِ { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } [سورة الحديد، 27] فَلَيْسَ فيها ذَمٌّ لَهُمْ وَلا لِلرَّهبانِيَّةِ الَّتي ابتَدَعَهَا أولَئِكَ الصَّادِقُونَ الْمُؤمِنُونَ بَلْ ذَمٌ لِمَنْ جاءَ بَعْدَهُم مِمَّنْ قَلَّدَهُم في الانْقِطاعِ عَنِ الشَّهواتِ مَعَ الشِّرْكِ أي مَعَ عِبادَةِ عيسى عليه السلامُ وأُمِّهِ.
-والدَّليلُ مِنَ السُّنةِ الْمُطَهَّرَةِ على البِدْعَةِ الْحَسَنَةِ : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنقُصَ مِنْ أُجورِهِم شىْءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئةً كانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِن بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِم شىْءٌ"، رواهُ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ مِنْ حَديثِ جَريرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ. فأفْهَمَ هَذا الْحَديثُ أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذي عَلَّمَ أُمَّتَهُ أنَّ البِدْعَةَ على ضَرْبَيْنِ : بدعَةُ ضَلالةٍ : وَهِيَ الْمُحْدَثَةُ الْمُخَالِفَةُ لِلْقُرءانِ والسُّنَّةِ. وَبِدْعَةُ هُدًى : وَهِيَ الْمُحْدَثَةُ الْمُوافِقَةُ لِلْقُرءانِ والسُّنَّةِ.
- فإنْ قيلَ : هَذا مَعْناهُ مَنْ سَنَّ في حياةِ رَسُولِ اللهِ أمَّا بَعْدَ وَفاتِهِ فلا، فالْجوابُ أنْ يُقالَ "لا تَثْبُتُ الْخُصُوصِيَّةُ إلا بِدَلِيلٍ" وَهُنا الدَّليلُ يُعْطِي خِلافَ ما يَدَّعونَ حَيْثُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال "مَنْ سَنَّ في الإسلام" وَلَمْ يَقُلْ مَنْ سَنَّ في حياتِي ولا قالَ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أنا عَمِلْتُهُ فأحْياهُ، وَلَمْ يَكُنْ الإسلامُ مَقْصورًا على الزَّمَنِ الَّذي كانَ فيهِ رسولُ الله، فَبَطَلَ زَعْمُهُم.
-فإِنْ قالُوا : الْحَديثُ سَبَبُهُ أنَّ أُناسًا فُقَراءَ شديدي الفَقْرِ يَلْبَسُونَ النِّمارَ-نوع من الثّياب- جاؤوا فَتَمَعَّرَ -أى تغيّر- وَجْهُ رسولِ اللهِ لِما رأى مِنْ بُؤسِهِم فَتَصَدَّق النَّاسُ حَتَّى جَمَعُوا لَهُم شيئًا كثيرًا فَتَهَلَّلَ وَجْهُ رسولِ اللهِ فقالَ "مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها"، فالْجَوَابُ أَنْ يُقالَ : العِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا ذَكَرَ عُلَمَاءُ الأُصُولِ.
-الدَّليلُ مِنْ أَقوالِ وأفعالِ الْخُلَفاءِ الرَّاشدينَ على البِدْعَةِ الْحَسَنَةِ : فَقَدْ أَحْدَثَ الخُلَفاءُ الرَّاشدُونَ الْمَرْضِيُّونَ أَشْياءَ لَمْ يَفْعَلْها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم ولا أمَرَ بِها مِمَّا يُوافِقُ الْكِتابَ والسُّنَّةَ فكانوا قُدْوَةً لنا فيها، فَهَذا أبو بَكْرٍ الصِّديقُ يَجْمَعُ القُرءانَ ويُسَمِّيهِ بِالْمُصْحَفِ، وهَذا عُمَرُ بنُ الْخطَّابِ يَجْمَعُ النَّاسَ في صلاةِ التَّراويحِ على إمامٍ واحِدٍ وَيَقولُ عَنْها : "نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ"، وهَذا عُثمانُ بنُ عَفَّانَ يأمُرُ بِالأَذانِ الأوَّلِ لِصَلاةِ الْجُمَعَةِ، وهَذا الإمامُ عليٌّ يُنْقَطُ الْمُصْحَفُ وَيُشَكَّلُ في زمانِهِ على يَدِ يَحْيى بنِ يَعْمَرَ،
- وهَذا عُمَرُ بنُ عَبِدِ العزيزِ يعْمَلُ الْمَحارِيبَ والْمآذِنَ لِلْمَساجِدِ. كُلُّ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ في زَمانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهَلْ سَيَمْنَعُها الْمانِعُونَ لِلْمَوْلِدِ في أيَّامِنا هَذِهِ أوْ أَنَّهُم سَيَتَحَكَّمُونَ فَيَسْتَبِيحُونَ أَشياءَ وَيُحَرِّمُونَ أَشياءَ؟! وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فإِنَّهُم حَرَّمُوا الْمَوْلِدَ وأباحُوا نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ وأباحُوا أشياءَ كثيرَةً مِمَّا لَم يَفْعَلْهَا الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم كَالرُّزْناماتِ -مواقيتِ الصَّلواتِ- الَّتي لَمْ تَظْهَرْ إلا قَبْلَ نَحْوِ ثلاثِمِائَةِ عامٍ وَهُم يَشْتَغِلُونَ بِهَا وَيَنْشُرونَها بينَ النَّاسِ.
-الدَّليلُ مِنَ أقْوالِ عُلَمَاءِ السَّلَف على البِدْعَةِ الْحَسَنَةِ :
قالَ الإمامُ الشَّافِعيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمورِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُما ما أُحْدِثَ مِمَّا يُخالِفُ كِتابًا أو سُنَّةً أو إِجْماعًا أوْ أَثَرًا فَهَذِهِ البِدْعَةُ الضَّلالةُ
والثَّانِيَةُ ما أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ ولا يُخالِفُ كِتابًا أوْ سُنَّةً أَو إِجْماعًا وهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ" رواهُ البَيْهَقِيُّ بالإسْنادِ الصَّحيحِ في كِتابِهِ مَناقِبُ الشَّافِعِيِّ. وَمَعْلومٌ أنَّ الْمُحَدِّثينَ أَجْمَعُوا على أنَّ الشَّافِعِيَّ رَضيَ اللهُ عنهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِقوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "عالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِباقَ الأَرْضِ عِلْمَا" رَواهُ التِّرْمِذِيُّ. أَمَّا البَيْهَقِيُّ فَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ السَّبْعَةِ الَّذينَ اتُّفِقَ على عَدَالَتِهِم.
-الْموْلدُ هُوَ شُكْرٌ للهِ تعالى عَلَى أنَّهُ أَظْهَرَ مُحَمَّدًا في مِثْلِ هَذا الشَّهر، لَيْسَ عِبَادَةً لِمُحَمَّدٍ : نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَلا نَعْبُدُ شَيْئًا سِوى اللهِ، لَكِنْ نُعَظِّمُهُ تَعْظيمًا فَقَط، نُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنبياءِ والْمَلائِكَةِ، ثُمَّ نُعَظِّمُ كُلَّ الأَنْبياءِ ولا نَعْبُدُ واحِدًا مِنْهُم، لا نَعْبُدُ مُحَمَّدًا ولا أَيَّ مَلَكٍ وَلا أَيَّ نَجْمٍ ولا الشَّمْسَ ولا القَمَرَ، نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ عِنْدَنا لله، نَضَعُ جِباهَنا بِالأرْضِ وَنُقَدِّسُهُ، نِهايةُ التَّذَلُّلِ هِيَ العِبادَةُ، هَذِهِ نَحْنُ لا نَفْعَلُها لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، إِنَّما نَحْنُ عِبادَتُنا للهِ، نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحمَّدًا بَلْ نَعْتَبِرُ مُحَمَّدًا دَاعِيًا إلى اللهِ، هَدَى النَّاسَ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْظيمَ، أَقَلَّ مِنَ العِبادَةِ، أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ، واللهُ تعالى امْتَدَحَ الَّذينَ ءامنُوا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَزَّرُوهُ أي عظَّمُوهُ فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ { فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون } [سورة الأعراف، 157].
-الْمَوْلِدُ فيهِ اجْتِمَاعٌ على طاعَةِ اللهِ، اجْتِمَاعٌ على حُبِّ اللهِ وحُبِّ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اجْتِمَاعٌ على ذِكْرِ اللهِ وَذِكْرِ شَىْءٍ مِنْ سيرَةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونَسَبِهِ الشَّريفِ، وشَىْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْخَلْقِيَّةِ والْخُلُقِيَّةِ، وَفيهِ إِطْعامُ الطَّعامِ لِوجْهِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى واللهُ تعالى يَقول { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً } [سورة الإنسان، 8] .
بَعْدَ كل هذا كَيْفَ يُحَرِّمُ شَخْصٌ يَدَّعي العِلْمَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ فَرَحًا بِوِلادَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟!
-قال الشيخ محمد الخضر حسين التونسي المالكي (1378 هـ ) شيخ جامع الأزهر سابقا، في مجلة الهداية الإسلامية (ج11 م2 ) ما نصه:
"أما احتفالنا بذكرى مولده فإنا لم نفعل غير ما فعله حسان بن ثابت رضي الله عنه حين كان يجلس إليه الناس و يُسمعهم مديح رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعر, و لم نفعل غير ما فعل علي بن أبي طالب أو البراء بن عازب أو أنس بن مالك رضي الله عنهم حين يتحدثون عن محاسن رسول الله الخُلقية و الخلقية في جماعة"..
-الحافظ العراقي (وهو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني) (725 - 808 هـ) له مولد باسم المورد الهني في المولد السني ذكره ضمن مؤلفاته، قال فيها:
"إنَّ اتّخاذَ الوليمَةِ وإطعامَ الطّعامِ مُستحبٌّ في كلِّ وقتٍ فكيف إذا انضَمّ إلى ذلك الفرحُ والسُّرورُ بظُهور نور النّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلَّم في هذا الشَّهْرِ الشَّريفِ. ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة" شرح المواهب اللدنية للزرقاني.
الأصْلُ الذي اسْتَخْرَجَهُ الْحافِظُ ابنُ حَجَرٍ مِنَ السُّنةِ على جَوازِ عَمَلِ الْمَوْلِدِ في كِتَابِه الحاوي للفتاوي : (1/189-197) مَا رَوَاهُ ابنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قال : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدينةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عاشُوراءَ، فَسُئلوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالوا: "هُوَ الْيَومُ الَّذي أَظْهَرَ اللهُ مُوسى وَبَني إسْرائيلَ على فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نصُومُهُ تَعْظيمًا لَهُ"، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "نَحْنُ أوْلى بِموسى" وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ أَمْرَ اسْتِحْبابٍ. فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ فِعْلُ الشُّكْرِ للهِ تعالى على ما تفَضَّلَ بِهِ في يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِن حُصُولِ نِعْمَةٍ أَو رَفْعِ نِقْمَةٍ، ويُعادُ ذَلِكَ في نَظيرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، والشُّكرُ للهِ يَحْصُلُ بِأَنْواعِ العِبادَةِ كالسُّجودِ والصِّيامِ والصَّدَقَةِ والتِّلاوَةِ، وأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ بُرُوزِ النَّبيِ صلى الله عليه وسلم.
-الأصْلُ الذي اسْتَخْرَجَهُ الْحَافِظُ السِّيوطِيُّ مِنَ السُّنةِ على جَوازِ عَمَلِ الْمَوْلِدِ في رِسَالَتِهِ حُسْنُ الْمَقْصِدِ في عَمَلِ الْمَوْلِدِ :
قَولُهُ صلى الله عليه وسلم "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فيهِ وفيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ" لَمَّا سُئِلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ سَبَبِ صِيامِهِ لِيوْمِ الاثنينِ. وفي هَذَا الْحديثِ إِشارَةٌ إِلى اسْتِحْبابِ صِيامِ الأيَّامِ الَّتي تَتَجَدَّدُ فِيها نِعَمُ اللهِ تعالى على عِبادِهِ، وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَيْنا إِظْهَارَهُ صلى الله عليه وسلم وَبِعْثَتَهُ وإرسالَهُ إِلَيْنَا، وَدَليلُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِم } [سورة آل عمران، 164]. قالَ الْحافِظُ السيوطيُّ في رِسَالَتِهِ:
"وقَدِ اسْتَخْرَجَ لَهُ - أي الْمَوْلِدِ - إِمامُ الْحُفَّاظِ أبو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ حَجَرٍ أَصْلاً مِنَ السُّنَّةِ واسْتَخْرَجْتُ لَهُ أَنا أَصْلاً ثانيًا..." اهـ.
الحافظ العراقي (وهو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني) (725 - 808 هـ) له مولد باسم المورد الهني في المولد السني ذكره ضمن مؤلفاته، قال فيها: إنَّ اتّخاذَ الوليمَةِ وإطعامَ الطّعامِ مُستحبٌّ في كلِّ وقتٍ فكيف إذا انضَمّ إلى ذلك الفرحُ والسُّرورُ بظُهور نور النّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلَّم في هذا الشَّهْرِ الشَّريفِ. ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة) شرح المواهب اللدنية للزرقاني.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ كَمَا قيلَ إِنَّ أصلَهُ هُوَ أنَّ أُناسًا كانُوا يَحْتَفِلُونَ بِوفاتِهِ صلى الله عليه وسلم : فَقَدْ ذَكَرَ الْحُفَّاظُ والعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحابِ التَّوارِيخِ وغَيْرِهِم:
*- أنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَحْدَثَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ هُوَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ الَّذي كانَ يَحْكُمُ إِرْبِلَ، وَهُوَ وَرِعٌ، صالِحٌ، عالِمٌ، شُجَاعٌ، ذُو عِنَايَةٍ بِالْجِهَادِ، كانَ من الأَبْطالِ، مَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ الفِرِنْجَ بِعَكَّا، هُوَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَحْدَثَ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ وافَقَهُ العُلَماءُ والفُقَهاءُ، حَتَّى عُلَمَاءُ غَيْرِ بَلَدِهِ الَّذينَ لا يَحْكُمُهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحافِظُ السيوطِيُّ في كِتابِهِ الأوائِلِ، ولا زالَ الْمُسْلِمونَ على ذَلِكَ مُنْذُ ثَمانِمِائةِ سَنَةٍ حَتَّى الآنَ. فأيُّ أَمرٍ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وأَجْمَعوا عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَيُّ شىءٍ اسْتَقْبَحَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ قَبيحٌ، ومَعْلومٌ أنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ لا يَجْتَمِعُونَ على ضَلالَةٍ لِحديثِ "إِنَّ أُمَّتي لا تَجْتَمِعُ على ضَلالةٍ" رَواهُ ابنُ ماجَه في سُنَنِهِ.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ عَنْهُ لوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّ الرَّسُولُ أُمَّتَهُ عليهِ :
فَجَمْعُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ وتَشْكيلُهُ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. فَهُؤلاءِ الَّذينَ يَمْنَعُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعوى أنَّهُ لَوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّنا الرَّسولُ عليهِ وَهُم أَنْفُسُهُم يَشْتَغِلُونَ في تَشْكيلِ الْمُصْحَفِ وَتَنْقيطِهِ يَقَعونَ في أَحَدِ أمْرَيْنِ : فَإِمَّا أنْ يَقولُوا إِنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ لَيْسَ عَمَلَ خَيْرٍ لأنَّ الرَّسولَ ما فَعَلَهُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ، وإِمَّا أنْ يَقولُوا إنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ عَمَلُ خيرٍ لَو لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسولُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عليهِ لِذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ. وَفي كِلا الْحالَيْنِ نَاقَضُوا أَنْفُسَهُم.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ الرَّسُولُ لَمْ يأتِ بِه فَلا نَعْمَلُهُ احْتِجَاجًا بِقولِهِ تعالى { وَما ءاتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فانْتَهوا } :
فَلَيْسَ كُلُّ أمْرٍ لَمْ يأمُرْنا بِهِ الرَّسُولُ ولا نَهانا عَنْهُ فَهُوَ حَرامٌ، فالرَّسُولُ لَمْ يأمُرْنا بِنَقْطِ الْمُصْحَفِ ولا نَهانا عَنْهُ فلَيْسَ حَرامًا عَلَيْنَا عَمَلُهُ لأنَّهُ مُوافِقٌ لِدينِهِ صلى الله عليه وسلم، كَذَلِكَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ الرَّسُولُ لَمْ يأمُرْنا بِهِ ولا نَهانا عَنْهُ فَلَيْسَ حَرامًا عَلَيْنا عَمَلُهُ لأَنَّهُ مُوافِقٌ لِدِينِهِ صلى الله عليه وسلم.
الْحاصِلُ لَيْسَتْ كُلُّ أُمُورِ الدِّينِ جَاءَتْ نَصًّا صَريحًا في القُرآنِ أوْ في الْحديثِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فيهِما فَلِعُلَمَاءِ الأُمَّةِ الْمُجْتَهِدينَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَديثِ أنْ يَسْتَنبِطُوا أَشْياءَ تُوافِقُ دينَهُ صلى الله عليه وسلم، وَيُؤيِّدُ ذَلِكَ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا..."، فيُسْتفَادُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أَذِنَ للمُسلمينَ أَنْ يُحدِثُوا في دينِهِ ما لا يُخالِفُ القُرءانَ والْحديثَ فيُقالُ لذلكَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً تَحْتَ نَهْيٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:
"مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ" : لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بِقَوْلِهِ "ما لَيْسَ مِنْهُ" أَنَّ الْمُحْدَثَ إِنَّما يَكُونُ ردًّا أيْ مَرْدُودًا إِذا كانَ على خِلافِ الشَّريعَةِ، وأَنَّ الْمُحْدَثَ الْمُوافِقَ لِلشَّريعَةِ لَيْسَ مَرْدُودًا. فالرَّسُولُ لَمْ يَقُلْ مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بَلْ قَيَّدَهَا بِقَولِهِ "ما لَيْسَ مِنْهُ" لِيُبَيِّنَ لَنَا أنَّ الْمُحْدَثَ إِنْ كانَ مِنْهُ (أي مُوافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَشْرُوعٌ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (أي لَمْ يَكُنْ موافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَمْنوعٌ. وَلَمَّا كانَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ أمْرًا مَشروعًا بِالدَّليلِ النَّقْلِيِّ مِنْ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ ثَبَتَ أنَّهُ لَيْسَ بِمَرْدُودٍ.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ وَلا تَكذيبًا لِقَولِهِ تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [سورة المائدة، 2]: لأنَّ مَعْناها أنَّ قواعِدَ الدِّينِ تَمَّت، قالَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ "وَقالَ الْجُمْهُورُ : الْمُرادُ مُعْظَمُ الفَرَائِضِ والتَّحليلِ والتَّحْريمِ، قالوا : وقَد نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرآنٌ كثيرٌ، ونَزَلَتْ آيةُ الرِّبا وَنَزَلَت آيةُ الكَلالَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ". ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ هِيَ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرآنِ بَلْ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ هِيَ قولُهُ تعالى { وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون } [سورة البقرة، 285] ذَكَرَ ذَلِكَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ اتَّهامٌ لِرَسُولِ اللهِ بِالْخِيانَةِ بِدَعْوى أنَّهُ لَمْ يُعَرِّفْ أُمَّتَهُ بِهِ كَمَا زَعَمَ الْمانعُونَ لِلمَوْلِدِ :
فإِنْ كانَ كُلُّ فِعْلٍ أُحْدِثَ بَعْدَ الرَّسُولِ لَمْ يُعَرِّفِ النَّبِيُّ أُمَّتَهُ بِهِ مِمَّا هُوَ موافِقٌ لِلقُرآنِ والسُّنةِ يَكونُ فيه إتَّهامٌ لِلرَّسولِ بِالْخِيانَةِ فَعلى قَوْلِكُمْ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وَعَلِيٌّ وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ وصَفوةٌ مِنْ عُلَماءِ الأُمَّةِ اتَّهَمُوا الرَّسُولَ بِالْخِيانَةِ لأنَّهُم أَحْدَثُوا أشياءَ موافِقَةً للقُرآنِ والسُّنَّةِ مِمَّا لَمْ يُعَرِّفِ الرَّسولُ أُمَّتَهُ بِها. أمَّا استِشهادُكُم بِما تَنْسُبُونَهُ للإمامِ مالِكٍ مِنْ أنهُ قالَ "مَنِ ابْتَدَعَ في الإسْلامِ بِدْعَةً يَراهَا حَسَنَةً فَقَد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خانَ الرِّسالةَ" فَمَعْناهُ البِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَعقيدَةِ التَّشبيهِ والتَّجسيم ولَيْسَ في الْمَوْلِدِ وما أَشْبَه. ثُمَّ أَنْتُمْ تَسْتَشْهِدُونَ بِقَوْلِ الإمامِ مالِكٍ وأَنْتُم تُكَفِّرونَهُ مَعْنًى وإنْ لَمْ تُكَفِّروهُ لَفْظًا، لأنَّ الْخَليفةَ الْمَنْصورَ لَمَّا جاءَ الْمَدينةَ سَأَلَهُ "يا أَبا عبدِ الله أسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ وأدْعو أم أسْتَقبِلُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ :
وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسيلَةُ أبيكَ ءادَمَ صلى الله عليه وسلم إلى اللهِ تعالى؟ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ واسْتَشْفِع بِهِ فَيُشَفِّعَهُ اللهُ"، وهَذا عِنْدَكُم شِرْكٌ وضلالٌ مُبين. رَمَيْتُم عُلَماءَ الأمَّةِ بالشِّركِ ثُمَّ اسْتَشْهَدْتُم بِأقْوالِهِم.؟؟؟
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلا يُمْنَعُ بِدَعْوى أنَّ فيهِ مُشابَهَةً لِلنَّصارَى في احْتِفالِهِم بِمَوْلِدِ عيسى عليه السلام :
لأنَّ ما يُوافِقُ دِينَ اللهِ مِمَّا عَمِلَهُ أولئكَ اليهودُ أوِ النَّصارى إِنْ نَحْنُ عَمِلْناهُ فَهُوَ مُرَخَّصٌ لَنا بِخِلافِ ما فَعَلُوهُ مِمَّا لا يُوافِقُ دِينَ اللهِ، أليْسَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رأى اليَهودَ تَصومُ يَوْمَ عاشُوراءَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدينةَ وقالُوا "هَذا يومٌ أَغْرَقَ اللهُ فِرْعَونَ وَنَصَرَ مُوسى" قال صلى الله عليه وسلم "نَحْنُ أولى بِموسى مِنْكُم" وأمَرَ بِصَوْمِهِ، ما قالَ لا تَصُومُوا عاشُوراءَ اليهودُ تَصُومُهُ هَذا تَشَبُّهٌ بِهِم، بَلْ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِصوْمِهِ، نُعَظِّمُ هَذا اليومَ كَمَا أتْباعُ موسى المسلمونَ عَظَّمُوا ذَلِكَ اليومَ، يومَ عَاشُورَاء.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَمَنِ اشْتَرَطَ لِجَوازِهِ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَمِلَهُ فَشَرْطُهُ باطِلٌ :
كَمَا أنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَمَنِ اشْتَرَطَ لِجَوازِهِ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَمِلَهُ فَشَرْطُهُ باطِلٌ لأنَّ هَذَينِ الشَّرْطَيْنِ لا أصْلَ لَهُمَا في دينِ اللهِ تعالى والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يقُولُ "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتابِ اللهِ تعالى فَهُوَ باطِلٌ وإِنْ كانَ مِائَةَ شَرْطٍ"، رَواهُ البَزَّارُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ داخِلاً في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ "وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ" :
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ في أَلْفِيَّتِهِ "وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ" مَعْنَاهُ أَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْوَارِدُ الْوَارِدُ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ أَحْسَنَ تَفْسيرٍ مَا وَافَقَ السِّيَاقَ، وَسِيَاقُ الْحَديثِ ابْتَدَأهُ الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ "فَإِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ" مَعْنَاهُ أَحْسَنُ الْكَلامِ كَلامُ اللهِ، "وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ" مَعْنَاهُ أَحْسَنُ السِّيَرِ سِيرَةُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ "وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا" الْحَدِيثَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى إِنَّ شَرَّ الأُمُورِ الْمُحْدَثَاتُ الَّتي خَالَفَتْ أَحْسَنَ الْحَديثِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ وَهِيَ بِدْعَةُ الضَّلالَة، فَلا دَخَلَ لِلْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ في ذَلِكَ الذَّمِّ الْمَذْكُورِ. قالَ النَّوَوَيُّ في شَرحِ صَحيحِ مُسْلِمٍ (الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ في صَحيفَةِ مِائَةٍ وأَرْبَعَةٍ وخَمْسينَ) ما نَصُّهُ: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم "وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" هَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ (أي لَفْظُهُ عامٌّ وَمَعناهُ مَخْصوصٌ)، والْمُرادُ بِهِ غالِبُ البِدَعِ "وقالَ أيْضًا" ولا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَديثِ عامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ "كُلُّ بِدْعَةٍ مُؤَكَّدًا بِكُلُّ، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْء } [سورة الأحقاف، 25].هـ. فَهَذِهِ الآيةُ لَفْظُها عامٌّ وَمَعْناهَا مَخْصُوصٌ لأنَّ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتي وَرَدَ أنَّها تُدَمِّرُ كُلَّ شىءٍ سَخَّرَهَا اللهُ على الكافِرينَ مِنْ قَوْمِ عادٍ فأهْلَكَتْهُم وَلَمْ تُدَمِّرْ كُلَّ مَن على وَجْهِ الأَرْضِ لأنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَنا أنَّهُ نَجَّى هُودًا عليه السلام وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤمِنينَ، قَالَ تعالى { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [سورة هود، 58] وَمِنَ الأَمْثِلَةِ على العامِّ الْمَخْصوصِ قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم "كُلُّ عَيْنٍ زانيةٌ" وَمْعلومٌ شَرْعًا أنَّ هذا الْحديثَ لا يَشْمَلُ أَعْيُنَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ اللهَ تعالى عَصَمَهُم مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعالى { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلى الْعَالَمين } [سورة الأنعام،86] وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديثِ الصَّحيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوودَ في سُنَنِهِ في بَابِ ذِكْرِ الصُّورِ وَالْبَعْثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ "كُلُّ ابْنِ آدَمَ تأكُلُهُ الأَرْضُ إلا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ" وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلّ لا تَأتي دَائِمًا لِلشُّمُولِ الْكُلِّيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء" فَيَكُونُ مَعْنَى "كُلُّ ابْنِ آدَمَ تأكُلُهُ الأَرْضُ" الأغْلَبَ لأَنَّ الرَّسُولَ اسْتَثْنَى في الْحَديثِ الآخَرِ الأَنْبِيَاءَ.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولَيْسَ دَاخِلاً في قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذينَ قَبْلَكُم" : لأنَّ مَعْنى الْحديثِ مِمَّا حَصَلَ مِنْ أُمورٍ دُنْيَوِيَّةٍ، أليْسَ الآنَ النَّاسُ في أثاثِ الْمنازِلِ والأزياءِ وأُمورٍ كثيرَةٍ قِسْمٌ مِنْهُ مُباحٌ لَيْسَ مُحَرَّمًا وقِسْمٌ مُحَرَّمٌ اتَّبَعَت هؤلاءِ، اليَوْمَ الأُمَّةُ اتَّبَعَتْ هَؤلاءِ في أشياءَ مُحَرَّمةٍ وفي أشياءَ غيرِ مُحَرَّمَةٍ إنَّما هِيَ تَوَسُّعٌ في الدُّنيا.
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً في الإطْراءِ الَّذي نَهانا عَنهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ :
"لا تُطْروني كما أطْرَتِ النَّصارى الْمَسيحَ ابنَ مَرْيَمَ" : لأنَّ مَعْناهُ لا تَرْفَعُوني فَوْقَ مَنْزِلَتي كَمَا رَفَعَتِ النَّصارى عيسى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، جَعَلُوهُ إلـهًا خالِقًا. أمَّا عَمَلُنَا لِلْمَوْلِدِ لَيْسَ رَفْعًا لِلرَّسُولِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ بَلْ هُوَ شُكْرٌ لله تعالى على وَلادَتِهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم "لا تُطْرُوني" لَيْسَ مَعْناهُ لا تَمْدَحُوني على الإطلاقِ، بَلِ الْحَقُّ أنْ يُقالَ ما كانَ غُلُوًّا فَهُوَ مَمنوعٌ وَما لَمْ يَكُن كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ، وإلا كَيْفَ أَذِنَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رضيَ اللهُ عَنْهُ أنْ يَمْدَحَهُ بَلْ وَدَعى لَهُ، فَقَد ثَبَتَ بِالإسْنادِ الْحَسَنِ فِيما رواهُ ابنُ حَجَرٍ في الأماليِّ أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ عَمُّهُ العباسُ رضيَ اللهُ عنهُ "يا رَسولَ الله إِنِّي امْتَدَحْتُكَ بِأبْياتٍ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "قُلْهَا لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ" فَكانَ مِمَّا قَالَهُ العبَّاسُ رَضيَ اللهُ عَنْهُ في مَدْحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أشْرَقَتِ الأَرْضُ وَضاءتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ".
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ اخْتِزَالٌ لِمَحَبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم في يَوْمٍ واحِدٍ :
ألَيْسَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قال لِليهُودِ "نَحْنُ أوْلى بِمُوسَى مِنْكُم" وَأَمَرَ بِصَوْمِ عاشُورَاءَ، فَهَلْ يَكُونُ الرَّسولُ بِذَلِكَ اخْتَزَلَ مَحَبَّةَ مُوسَى عليه السلام في يومٍ واحِدٍ فَقَط؟!
-الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ قَدْحٌ لِصَحابَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِزَعْمِ أنَّ فيهِ إِشارَةً إلى أنَّنا نُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْهُم :
فالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم ما جَمَعَ القُرآنَ في كتابٍ واحِدٍ بل أبو بَكْرٍ الصِّديقُ هُوَ الَّذي جَمَعَهُ وَسَمَّاهُ الْمُصْحَفَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ بِحُجَّةِ أنَّ فِعْلَهُ هَذَا يُشيرُ إلى أنَّهُ يُحِبُّ القُرآنَ أَكْثَرَ مِنَ رَسُولِ اللهِ. ثُمَّ أليْسَ الْعُلَمَاءُ قالُوا "الْمَزِيَّةُ لا تَقْتَضي التَّفْضيلَ"، فإنْ كانَ أبو بكْرٍ الصِّديقُ جَمَعَ القُرآنَ والرَّسولُ لَمْ يَجْمَعْهُ في كِتابٍ واحِدٍ على هَيْئَتِهِ اليوْمَ فهَذا لا يَعني أنَّهُ أفْضَلُ مِنْ رَسولِ الله، وإنْ كانَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ في صلاةِ التَّراويحِ على إمامٍ واحِدٍ وأبو بكْرٍ لَمْ يَفْعَلْهُ فهَذا لا يَعني أنَّهُ أفْضَلُ مِنْ أبي بَكْرٍ، وإنْ كانَ عُثْمانُ بنُ عَفَّانَ أمَرَ بالأذانِ الأوَّلِ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهذا لا يَعني أنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، كَذَلِكَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ إِنْ نَحْنُ عَمِلْناهُ لَكِنَّ الصَّحابَةَ ما عَمِلُوهُ فَمُجَرَّدُ هَذا لا يَعْني أنَّنا أَفْضلُ مِنْهُم ولا أنَّنا نُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْهُم.
-(((الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلا نُحَرِّمُهُ بِسَبَبِ ما يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ فيهِ :
فَمَعْلومٌ أنَّ الحَجَّ في أيَّامِنا هذِهِ وَمِنْ قَبْلُ يَحْصُلُ فيهِ مُنْكَراتٌ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ حَتَّى إِنَّهُ ومُنْذُ زَمَنٍ قال بَعْضُ العُلماءِ "ما أكْثَرَ الضَّجيجَ وأقَلَّ الْحَجيجَ"، كُلُّ هَذا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ الْحَجِّ أوْ مَنْعِ النَّاسِ مِنْهُ، كَذَلِكَ سائِرُ العِبادَاتِ، كَذَلِكَ الْمولِدُ إنْ حَصَلَ فيهِ مُنكراتٌ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ فلا نُحَرِّمُهُ على الإطْلاقِ بَلْ نُحَرِّمُ ما يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ فيهِ مِمَّا يُخالِفُ دينَ الله. ثُمَّ إِنْ حَصَلَ فَسادٌ في مَسْجِدٍ أيُغْلَقُ الْمَسْجِدُ أمْ يُنْهَى عَنِ الفَسَادِ الّذي فُعِلَ فيهِ ؟ الْحاصِلُ أنَّ عَمَلَ الْمَوْلِدِ خَيْرٌ وبَرَكَةٌ، هَذَا لَيْسَ شَيْئًا يَرُدُّ الأُمَّةَ إِلى الورَاءِ، لَيْسَ شَيئًا يُؤخِّرُ، هَذَا يُجَدِّدُ حُبَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الْمُسْلِمِ، يَبُثُّ فيهِ الشُّعُورَ بِالْحُبِّ للنَّبِيِّ والْمَيْلِ إِلَيْهِ. فَمَا لِهَؤُلاءِ الَّذينَ يُحَارِبُونَ الْمَوْلِدَ وَالْمُحْتَفِلينَ بِهِ وَيُبَدِّعُونَهُمْ وَيُفَسِّقُونَهُمْ بَلْ وَيُكَفِّرُونَهُمْ أَحْيَانًا تَرَكُوا إِنْكَارَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتي هِيَ مُنْكَرَاتٌ حَقًّا بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ كَالْكُفْرِ اللَّفْظِيِّ الْمُنْتَشِرِ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ مِنْ سَبِّ اللهِ وَغَيْرِهِ وَكَتَكْفيرِ الْمُسْلِمينَ بِلا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُمْ تَوَسَّلُوا بِالنَّبِيِّ أَوِ الصَّالِحِينَ أَوْ تَبَرَّكُوا بِالنَّبِيِّ أَوْ ءاثَارِهِ أَوْ قَرَءوا الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْءَانِ على الْمَيِّتِ، لِمَ لَمْ يُنْكِرُوا هَذَا وَأَنْكَرُوا الاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِ الْنَّبِيِّ الَّذي اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ إِلى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى اسْتِحْسَانِهِ إِنْ خَلا عَنِ الْمُنْكَرَاتِ كَتَحْرِيفِ اسْمِ اللهِ أَوِ الْكَذِبِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليهِ وسلَّم، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ ضَغِينَةٍ في قُلُوبِهِم تُجَاهَ أَفْضَلِ الْخَلْقِ.
#ثانيا: أدلة من السنة النبوية الشريفة:
-----------------------------------------------
(الدليل الأول ):
أخرج مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : "ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أنزل علي" . وهذا نص في الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتمل غيره . ولم أجد للمخالف جوابا عنه إلا طلب الاقتصار على الصيام فقط ، وهي ظاهرية محضة ، وتخصيص بدون مخصص ، لكنها مع ذلك موافقة لنا في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف . ولله در الحافظ ابن رجب الحنبلي حيث قال في هذا المعنى في كتابه لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص98) : فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده ، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم ، كما قال تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) (آل عمران:164) ، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر" انتهى .والمقصود الوصول بهذه الطاعة إلى محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد يتحقق هذه المقصود بأي وسيلة مشروعة ، فالوسائل لها حكم المقاصد إذا كان المقصد شرعيا .
( الدليل الثاني ):
قد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صيام عاشوراء ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا : هو اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصوم تعظيما له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "نحن أولى بموسى" . وأمر بصومه . أخرجه البخاري (7/215 ومسلم (رقم 1130) .وفي هذا الحديث تأصيل لملاحظة الزمان والعناية به . وقد استدل أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كما في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" انظر الحاوي للفتاوي (1/196) . فقال ما نصه : "فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم" انتهى.
(الدليل الثالث ):
كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته ، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم ، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86) وقال الترمذي : غريب ، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) :عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، تحته آدم فمن دونه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر . وهو حديث قوي ، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500) . وأصل الحديث في الصحيحين .ويؤيد هذه الرواية التي تؤكد على احتفاء الصحابة بذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كعب الأحبار رضي الله عنه يتذاكر مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه به ، فقال كعب : ما من فجر إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون أجنحتهم ويصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفا حتى يحفوا بالقبر فيضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين من الملائكة يزفونه –وفي لفظ يوقرونه- رواه إسماعيل القاضي وابن بشكوال والبيهقي في الشعب والدارمي وابن المبارك في الرقائق وهو حديث صحيح*.<p> </p>* انظر جزء فضل الصلاة على النبي (ص83-84) رقم (102) من طريق ابن المبارك ، وفيه ابن لهيعة قد صرح بالتحديث ، وأخرجه الدارمي في سننه (1/420) بطريق آخر ورجاله ثقات ، وإقرار عائشة له حكم الموقوف ، انظر القول البديع
( الدليل الرابع ) :
قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه : "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنشد :إذا كان هذا كافرا جاء ذمه == وتبت يداه في الجحيم مخلداأتى أنه في يوم الإثنين دائما == يخفف عنه بالسرور أحمدافما الظن بالعبد الذي كان عمره == بأحمد مسرورا ومات موحدا<p> </p>فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الذي يحتفل بذلك .وهذا ما ذكره وقرره أيضا شيخ القراء والمحدثين الحافظ شمس الدين بن الجزري في "عرف التعريف بالمولد الشريف
قال البخاري قال البخاري رحمه الله تعالى: (حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير قال: "وثوبية مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة[أي بشر حال، والحيبة والحوبة: الهم والحزن، والحيبة أيضًا الحاجة والمسكنة، النياية في غريب الحديث (1/466).].
قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أنّي سقيت في هذه بعتاقي ثويبة"[ صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب (وأمهاتهم اللاتي أرضعنكم) يحرم من الرضاعة ما حرم من النسب (3/243)
( الدليل الخامس ):
قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في رسالة "حسن المقصد" (وهي في كتابه الحاوي 1/196) : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ، وتشيع لأمته كما كان يصلي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات . انتهى .
( الدليل السادس ) :
لقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضل الجمعة : "وفيه خلق آدم" أخرجه مالك في الموطأ (1/108) والترمذي (رقم 491) وقال : حسن صحيح .فقد تشرف يوم الجمعة بخلق آدم ، فبدلالة النص وفحوى الخطاب وقياس الأولى ثبت فضل اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .ولا يختص هذا الفضل بنفس اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل يكون له نفس الفضل كلما تكرر ، كما هو الفضل في يوم الجمعة .
(الدليل السابع ) :
فيما أخرجه البخاري (الفتح 8/270) وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال : أي آية ؟ قال : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) (المائدة:3) فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة .وأخرج الترمذي (5/250) عن ابن عباس نحوه وقال : فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة ، وقال الترمذي : وهو صحيح .وفي هذا الأثر موافقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة عيدا ، لأن الزمان ظرف للحدث العظيم ، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة يكون موسما لشكر تلك النعمة وفرصة لإظهار الفرح والسرور بها .
( الدليل الثامن ) :
أعمال البر التي يشتمل عليها المولد ، إن الاحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذكر والصدقة ، ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر شمائله الشريفة وأخباره المنيفة ، وكل هذا مطلوب شرعا ومندوب إليه . وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا فهو مطلوب ، لذا قال تعالى مخبرا أنه هو وملائكته يصلون على النبي (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) (الأحزاب:56)قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/506) : "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر الله تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه أهل العالمين العلوي والسفلي" انتهى .وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدح نفسه وغيره من الأنبياء السابقين ، ورغب في ذلك ، وعمل به الصحابة بحضرته ، فرضي ودعا لمن مدحه وأثابه .وأخرج أحمد (4/24) وابن أبي شيبة (6/180) والطبراني في المعجم الكبير (1/رقم842) عن الأسود بن سريع قال : قلت : يا رسول الله مدحت الله بمدحة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هات وابدأ بمدحة الله .في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو مختلف فيه ، وذكره الذهبي في جزئه المفيد "من تكلم فيه وهو موثق" برقم (249) ، وقال "صويلح الحديث" وقد روى له مسلم مقرونا بغيره .لكن أخرج حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان (ص413 رقم 723) عن أبي سعيد الأشج ، حدثنا عبد السلام بن حرب بن عوف عن الحسن ، عن الأسود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه .إسناده صحيح ، مسلسل بالثقات المحتج بهم في الصحيح ، وعوف هو ابن أبي جميلة ، والحسن هو البصري ، وقد سمع من الأسود .ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء على لسان عدد من الصحابة ، فقد أخرج أحمد في المسند (3/451) وابن عساكر في التاريخ (مختصر ابن منظور 12/158) عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال :وفينا رسول الله يتلو كتابه == إذا انشق معروف من الفجر ساطعأرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا == به موقنات أن ما قال واقعيبيت يجافي جنبه عن فراشه == إذا استثقلت بالكافرين المضاجع .
والاستماع للحادي في المدح جائز لا شيء فيه ، ففي صحيح البخاري (كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر 5/294) عن سلمة بن الأكوع : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك . قال : وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :اللهم لولا أنت ما اهتديناولاتصدقنا ولا صلينافاغفر فداء لك ما اقتفيناوثبت الأقدام إن لاقيناوألقين سكينة عليناإنا إذا صيح بنا أتيناوبالصياح عولوا علينا <p> </p>ولهذا نظائر ، انظر صحيح البخاري (كتاب الأدب ، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه ، وباب المعاريض مندوحة عن الكذب) وفي صحيح مسلم في أوائل كتاب الشعر من صحيحه.
،(الدليل التاسع ):
ذكر ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" (2/634-635) وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا . قال : "أرجو أن لا يكون به بأس" ، وقال أبو سري الحربي قال أبو عبد الله : وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس –يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ويذكرون ما أنعم الله عليهم كما قالت الأنصار ؟ .
[ الدليل العاشر ] :
وأورد السيوطي في الدر المنثور عند تفسير سورة الجمعة من طريق عبد بن حميد وابن سيرين بسند صحيح : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : لو نظرنا يوما فاجتمعنا فذكرنا هذا الأمر ، الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم ، قالوا : الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم ، قالوا : فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم** انتهى .
ترى أيها القارئ أن هذا الحديث يمكن أن يستفاد منه أمور منها :- فيما يتعلق بالأمور المستجدة ، يمكن أن يفهم من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر ما يحدث من الأعمال مما يشهد له أصل من أصول الشريعة ، فقد أقرهم صلى الله عليه وآله وسلم على اجتماعهم في هذا اليوم ، دون أن ينتظروا إذنا منه فضلا عن أمر منه صلى الله عليه وآله وسلم .- يفهم من هذا الحديث كما استدل به ابن تيمية رحمه الله ضرورة مخالفة النصارى واليهود في كل ما هو من سماتهم وشيمتهم خصوصا ما له تعلق بأمر من أمور العبادات .- ويفهم منه استحباب ذكر النعمة والاحتفاء والاحتفال بأيامها ، وذلك أخذا من حديث الأنصار بمنة الله عليهم يوم وصلوا الإسلام ، ومن بحثهم عن يوم يختارونه لإظهار فرحتهم بذلك الحدث السعيد ** ذكره ابن حجر في الفتح (2/355) ، ثم قال وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن في حديث كعب بن مالك اه وذكره ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"
[ الدليل الحادي عشر ] :
جميع الأحاديث والآثار التي تحض وتأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعظم دليل بالابتهاج والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى في القول البديع (ص33) إن في الأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أي وقت كان وكيفية ذلك على اختلاف أنواعه ، والأمر بتحسين الصلاة عليه والترغيب في حضور المجالس التي يصلي فيها عليه ، وإن علامة أهل السنة*** الكثرة منها ، وإن صلاة الملائكة عليه صلى الله عليه وآله وسلم على الدوام لدليل عظيم على توقيره وتعظيمه ، كما قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : إن التعظيم منزلة فوق المحبة ، فحق علينا أن نحبه ونبجله ونعظمه أكثر من إجلال عبد لسيده .. إلى أن قال : وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى بالآيات والأحاديث انتهى .
#أدلة من إجماع علماء المسلمين:
------------------------------------------
-أول من أحدثه ملك إربل وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له المظفر. جمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين. فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، منهم الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي وغيرهم.
-وذكر الحافظ السخاوي في فتاويه أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
-وللحافظ السيوطي(1) رسالة سماها "حسن المقصد في عمل المولد"، قال: "فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ والجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرءان، ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له ءاثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون".ا.هـ.
-قال ابن كثير(2) في تاريخه: "كان يعمل المولد الشريف - يعني الملك المظفر - في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه. قال: وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدًا في المولد النبوي سماه "التنوير في مولد البشير النذير" فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة".ا.هـ.
-ويذكر سبط ابن الجوزي في مرءاة الزمان أنه كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية(3).
-وقال ابن خلكان(4) في ترجمة الحافظ ابن دحية: "كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق، واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي، فعمل له كتاب "التنوير في مولد البشير النذير"، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار".ا.هـ.
-قال الحافظ السيوطي: "وقد استخرج له - أي المولد - إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر أصلاً من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا..."ا.هـ.
فتبين من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة فلا وجه لإنكاره، بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء" وإن كان الحديث واردًا في سبب معين وهو أن جماعة أدقع بهم الفقر جاءوا إلى رسول الله وهم يلبسون النِّمار مجتبيها أي خارقي وسطها، فأمر الرسول بالصدقة فاجتمع لهم شىء كثير فسرّ رسول الله لذلك فقال: "من سنَّ في الإسلام ..." الحديث.
1.وذلك لأن العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين، ومن أنكر ذلك فهو مكابر.
2.الحاوي للفتاوي (1/189 - 197).
3.البداية والنهاية (3/136).
4.الحاوي للفتاوي (1/190).
5.وفيات الأعيان (3/449).
-وأقول أن الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وإِظْهارُنَا لِلفَرَحِ والسُّرورِ في مِثْلِ هَذا اليوم بِوِلادَتِهِ وَبِعْثَتِهِ لَيْسَ قَدْحًا في مَحَبَّتِنا لَهُ لِمُجَرَّدِ أنَّ يَوْمَ وَفاتِهِ كانَ في نَظيرِ يَوْمِ وِلادَتِهِ كَما زَعَمَ الْمانِعونَ لِلْمَوْلِدِ :
فَمَا اسْتَنَدُوا عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُمْ فيهِ مُتَمَسَّكٌ لأنَّ أيامَ الأُسبوعِ على مَرِّ العُصُورِ لا يَخْلُو مِنها يَوْمٌ إِلا وَحَصَلَ فيهِ حادِثٌ أو مُصيبَةٌ ألَمَّتْ بِالْمُسلمينَ وأحْزَنَتْهُم، فَعَلَى قَوْلِكُم الْمُسْلِمونَ لا يَحْتَفِلُونَ بِعُرْسٍ ولا بِعيدٍ لأنَّهُ قَد يَكُونُ في مِثْلِ اليوْمِ الَّذي ماتَ فيهِ الرَّسُولُ أو في مِثْلِ اليَومِ الَّذي كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُقَّتْ شَفَتُهُ الشَّريفَةُ كَمَا حَصَلَ في غَزْوَةِ أُحُدٍ. الْحاصِلُ أنَّ ما ادَّعَيْتُمُوهُ لا يَقْبَلُهُ العَقْلُ ولا النَّقْلُ. ثُمَّ ألَيْسَ الرَّسُولُ قال "خَيرُ يوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فيهِ خُلِقَ ءادَمُ وفيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وفيه أُخْرِجَ مِنْهَا"رَواهُ مُسْلِمٌ في الصَّحيحِ، فَتَفْضيلُ الرَّسُولِ لِيوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَفْضيلُنا لِهَذا اليوْمِ لَيْسَ فيهِ قَدْحٌ في مَحَبَّتِنا لآدَمَ مَعَ أنَّهُ نَظيرُ اليَومِ الَّذي أُخْرِجَ فيهِ مِنَ الْجَنَّةِ، كَذَلِكَ تَعْظيمُنا لِيومِ عاشُوراءَ لِقَوْلِهِ "نَحْنُ أوْلى بِمُوسى مِنْكُم" وأمَرَ بِصَوْمِهِ لَيْسَ فيهِ قَدْحٌ في مَحَبَّتِنا لِسَيِّدِ شبابِ أهلِ الجنَّةِ الْحَسَيْنِ بنِ عليٍّ رَضيَ اللهُ عَنْهُما مَعَ أنَّهُ نَظيرُ اليَومِ الَّذي قُتِلَ فيهِ، كَذَلِكَ إِظْهارُنا لِلْفَرَحِ في مِثْلِ يَوْمِ مَولِدِهِ لَيْسَ فيهِ قَدْحٌ لِمَحَبَّتِنا لَهُ مَعَ أنَّ وَفاتَهُ كَانَت في مِثْلِ هَذا اليومِ
وهذا منشور منقول عن صاحب الفضيلةالحبيب أ.د.عبدالرحمن حمدي رضى الله عنه ،قال فى هذا الشأن:
"يامن تنكر الاحتفال بيوم المولد بحجة انه يوم الوفاة
روى الامام مسلم في صحيحه قوله ﷺ
خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ.
ولم ينكر احد ان يكون يوم الجمعة عيدا اسبوعيا للمسلمين بحجة ان ادم عليه السلام اخرج من الجنة فيه وفيه تقوم الساعة ويموت كل حي من المخلوقات
لأن أقدار الله تعالى كلها خير حتى وفاته ﷺ خير لامته لان اي نبي يبقى بعد امته تعذب وان مات قبل امته كان فرطا لها يستغفر لها ويغفر الله تعالى لامته لاجله".
-منقول عن صاحب الفضيلة الحبيب أيمن ايمن وافي الوفائي رضى الله عنه وعنكم وعنا أجمعين:
"
اجتمع السادة الصحابة -رضي الله عنهم- لتكريم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وشكر الله عليه؟
روى سيدنا الإمام النسائي بسند صحيح عن سيدنا أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال معاوية -رضي الله عنه-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج على حَلْقَةٍ (يعني من أصحابه) فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا ندعو الله ونحمده على ما هدانا لدينه ، [ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ ] ......
قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وإنما أتاني جبريل عليه السلام، فأخبرنى أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة"
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب المحبوب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم.".
كل التفاعلات:
بصائر سلفية معاصرة

ليس كل جديد بدعه - الاحتفال بالمولد النبوي نموذجا ؟!

 الاحتفال بالمولد النبوي








بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

ليس كل جديد بدعه

البدعة، بمعناها الاصطلاحي الشرعي، ضلالة يجب الابتعاد عنها، وينبغي التحذير من الوقوع فيها. ما في ذلك ريب ولا خلاف. وأصل ذلك قول رسول الله صلى الله علية وسلم فيما اتفق علية الشيخان (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد) وقوله فيما رواه مسلم : (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).
ولكن ما هو المعنى المراد من كلمة (بدعة) هذه ؟
هل المراد بها معناها اللغوي الذي تعارف علية الناس فيكون المقصود بها إذن، كل جديد طارئ على حياة المسلم، مما لم يفعله رسول الله صلى الله علية وسلم ولا أحد من أصحابه، ولم يكن معروفا لديهم ؟..
إن الحياة ما تزال تتحول بأصحابها من حال ألي حال، وتنقلهم من طور إلى آخر.. ولا مطمع في إمكان التغلب على قانونها هذا، وربطه بمسمار من الثبات والجمود على حالة واحدة، على مر الأزمنة والعصور. وحتى الفترة القصيرة التي عاشها النبي صلى الله علية وسلم مع أصحابه، لم تجمد الحياة خلالها على نسق مطرد ثابت، بل استقبل النبي واصحابه منها اطوارا اثر اطوارا .. ولكن (لحسن حظ ذلك الرعيل الأول) كان المصطفى صلى الله علية وسلم بين ظهر انيهم، فكان يرحب بسنة الحياة هذه، دون أي مقاومة لها أو ثورة عليها. فكم من عرف جديد أيده،وكم من كشف طارئ على حياة الصحابة والعرب رحب به ودعا إليه، بعد إن تأمل فرآه لا يخالف من أصول الدين واحكامه شيئا. بل ربما يسر سبيل أحيائه والأخذ به على خير وجه. حتى استظهر علماء الشريعة الإسلامية من ذلك، القاعدة القائلة : الأصل في الأشياء الإباحة، واستنبط من ذلك علماء الحنفية وآخرون.. إن العرف _ بقيود معينة _ مصدر لا يستهان به من مصادر الشريعة واحكامها.

لا يعقل _ إذن _ أن يكون المقصود بالدعة هذا المعنى اللغوي العام. بل ما رأينا واحدا من علماء المسلمين وفقهائهم ذهب في تفسير البدعة وتعريفها هذا المذهب العجيب. وانما تنطوي الكلمة على معنى اصطلاحي خاص، فما هو ؟

البدعة والدين

أمامي تعريفات كثيرة للبدعة، كلها يدور في فلك معنى اصطلاحي واحد، وإن تخالفت من حيث الصياغة والأسلوب. ولكني اختار منها تعريفين عرفها بهما الأمام الشاطبي في كتابة الاعتصام وذلك لسببين أحدهما إن الشاطبي يعد في مقدمة من خدم هذا البحث وتناوله بالشرح والتحليل من جوانبه.
ثانيهما إنه يعد من اكثر العلماء المتقدمين محاربة للبدعة وتشددا في الابتعاد عنها.

التعريف الأول: أنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله عز وجل.

والتعريف الثاني: إنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشريعة).

وانما رددها الشاطبي رحمه الله بين هذين التعريفين، نظرا لرأي من حصر البدعة في العبادات، ولرأي من عممها في سائر أنواع السلوك والتصرفات.
على إنه مال فيما بعد إلى إن البدعة إنما تختص بالعبادات سواء منها القلبية وهي العقائد أو السلوكية وهي سائر أنواع العبادات الأخرى. ولا يعنينا الآن أن نقف عند هذا الترديد باي نظر أو تمحيص. إنما الذي يعنينا أن نلاحظ قولهم في التعريف : (طريقة في الدين مخترعة) أذن، فلكي يأخذ السلوك معنى البدعة وحكمها، يجب أن يمارسه صاحبه على أنه داخل في بنية الدين وأنه جزء لا يتجزأ منه، مع أنه في واقع الأمر على خلاف ذلك ، وتلك هي روح البدعة وسر تحذير الشارع منها، وذلك هو الملاحظ في تسميتها : (بدعة). والمستند الذي يشكل الدليل القطعي على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ..) إذ المقصود بـ (أمرنا هذا) الديـن، كما واضح، وقوله عليه الصلاة والسلام فيما اخرجه الطحاوي : (ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في دين الله والمكذب بقدر الله، والمسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز به من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله) ويتضح من ذلك أن مناط إنكار البدعة وردها على صاحبها، أن المبتدع يقحم في بنية الدين وجوهره ما ليس منه. ولما كان المشرع هو الله عز وجل، لم يبق مجال لأي تزيد أو تغيير على شرعه. أما سائر الأفعال والتصرفات الأخرى، التي قد تصدر من الإنسان، دون أن يتصور أنها جزء من جوهر الدين أو مصلحة له، دينية كانت أو دنيوية : فهي أبعد ما تكون عن احتمال تسميتها بدعة، وان كانت مستحدثة في حياة المسلمين غير معروفة لهم من قبل، بل مالها أن تصنف إما تحت ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : سنة حسنة، أو تحت ما سماه : سنة سيئة. وأنت تعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم وغيره (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها واجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء).

ما هو المعيار

ويحتاج بيان هذا الأمر إلى تفصيل طويل ولكننا نقتصر منه على الموجز التالي :
أولاً : أن كانت الأفعال والتصرفات التي تصدر من الإنسان (مما لا يدخل في معنى البدعة التي تم بيانها) تتعارض مع أوامر أو نواه ثابتة في الشرع، لا فرق بين أن تكون هذه المخالفات مستحدثة أو تكون قديمة معروفة كالمباذل الأخلاقية والأندية التي فيها المنكرات. وأمرها واضح لا يحتاج إلى بحث.

ثانياً : وان كانت مرسلة، أي غير معارضة ولا موافقة لشيء من احكام الشرع وادابه التفصيلية. فهي تصبغ، من حيث احكامها، بلون الآثار والنتائج التي تحققها. أي فما كان منها مؤديا الى تحقيق واحدة من سلم المصالح الخمسة التي جاء الدين لرعايتها (الدين والحياة والعقل والنسل والمال) فهو من قبيل السنة الحسنة، ثم أنه يتفاوت ما بين الندب والوجوب، حسب شدة الحاجة اليه لتحقيق تلك المصلحة، اذ قد يكون من ضرورياتها الذاتية وقد يكون من حاجياتهم الاساسية، وقد يكون من تحسيناتها المفيدة ، وما كان منها متسببا إلى هدم واحدة من تلك المصالح أو الأضرار بها، فهو من نوع السنة السيئة، ثم إن درجة سوئه تتفاوت حسب مدى الضرر الذي قد يلحقه بتلك المصلحة، فقد يكون مكروها وقد يصبح محرما. إما ما كان منه بعيدا عن أي تأثير ضار أو من قبيل العفو، كما يعبر بعضهم. وإذا استوعبنا هذه الحقيقة أدركنا أنه ليس ثمة ما يسمى بالبدعة الحسنة، كما توهم ذلك بعض الباحثين. بل البدعة لا تكون ألا ضلالة قبيحة، وذلك لضرورة أنها تعني التزيد على الدين والإضافة اليه. وهو لا يمكن أن يكون حسنا بحال من الأحوال. وانما يدخل هذا الذي توهموه (بدعة حسنة) فيما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة الحسنة، وهو ما اصطلح الأصوليون على تسميته فيما بعد بالمصالح المرسلة.

ومن أمثلة هذه السنة الحسنة تلك الاحتفالات التي يقوم بها المسلمون عند مناسبات معينة، كبدء العام الهجري، ومولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعند ذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى فتح مكة وغزوة بدر، ونحوها، مما يتوخى من تحقيق خير يعود إلى مصلحة الدين، سواء على مستوى الضرورات أو الحاجيات أو التحسينات.

ومن المفزوع منه أن ذلك كله مشروط بالا تستتبع هذه الأعمال آثارا ضارة تودي بجدوى ما حققته من المصالح أو تلحق الضرر بمصلحة مقدمة عليها.

المولد ليس بدعة

هـذا ما نعتقـد أنه المنهج العلمي الذي لا بديـل عنه ؛ عند الخوض في ذكر البدع ومحاربتها وجذب الناس عنها. ولا ريب أن أتباع المنهج العلمي يوصلنا إلى هذا القرار:

إن احتفالات المسلمين بذكرى مولده عليه الصلاة والسلام والمناسبات المشابهة،لا تسمي بدعة قبل كل شيء. لأن أحدا من القائمين على أمرها لا يعتقد أنها جزء من جوهر لدين وأنها داخلة في قوامة وصلبه،بحيث إذا أهملت أرتكب المهملون على ذلك وزرا. وإنما هي نشاطات اجتماعية يتوخي منها تحقيق خير ديني.

ثم أنها لا تدخل تحت ما يسمى بالسنة السيئة أيضاً، أن روعي في أقامتها أن تخلو من الموبقات وأن تهذب عن كل ما قد يعود على الخير المرجو منها بالنقض أو الإفساد.

وإذا رأينا من يخلطها بما يسيء إلى نتائجها، فأن التنبيه يجب أن يتجه إلى هذا الخلط، لا إلى جوهر العمل بحد ذاته وإلا فكم من عبادة صحيحه مشروعة يؤديها أناس على غير وجهها فتؤدي إلى نقيض الثمرة المرجوه منها أفيكون ذلك مبررا للتحذير من أدائها والقيام بها ؟

نعم أن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصره النبوه بل ما ظهر إلا في الأوائل القرن السادس الهجري ولكن أفيكون ذلك وحده كافيا لتسميته بدعة والحاقه بما قال عنه المصطفى عليه الصلاة والسلام : كل من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ؟ أذن فليجردوا حياتهم من كل ما استحداث بعد عهده عليه الصلاة والسلام – أن كانوا يستطيعون – فأن كل ذلك من البدع !.

أقول بعد هذا كله : فلنفرض أننا مخطئون في فهم (البدعة) على هذا النحو وأن الصواب ما يقوله الآخرون من أن كل ما استحداثه الناس حتى مما لا يدخلونه في جوهر الدين وأحكامه، بدعة محرمه، فان المسألة تغدو عندئذ من المسائل المختلف المتخلف في شأنها والخاضعة للاجتهاد.

ومما هو معروف في آداب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن القائم بهذا الشأن ينبغي (كلما وقف في موقف عام) أن ينهي عن المنكرات المجمع على أنها كذلك، ولا ينصرف عنها إلى النهي عما اختلف فيه المسلمون من المسائل الاجتهادية التي لا يكلف المجتهدون فيها بأكثر من الوقوف عندما قضت به اجتهاداتهم وفهومهم إذ الإمعان في النهي عن هذه المسائل لا يمكن أن ينتهي إلا إلى أثره أسباب الشقاق وتصديع وحده المسلمين وبث عوامل البغضاء فيما بينهم.

وإن في حياتنا ومن حولنا من المنكرات الشنيعة والمفاسد الخطيرة التي لا خلاف في مدى جسامتها وسوء آثارها ما يكفي الصف للقضاء عليها فلماذا نتشاغل عن هذا الذي اجمعت الأمة على أنه من المنكر الذي لا عذر في السكوت ثم نشتغل بالانتصار لاجتـهاداتنا الشخصية ومحــاربة ما يقابلها ويكافئـها من الاجتهادات الأخرى ؟ (أ. هـ).