الأحد، 5 أبريل 2020

حكم قيام ليلة النصف من شعبان ...؟!

مسألة فقهية مهمة ..
كثر الكلام في مسألة قيام ليلة النصف من شعبان , بعد القرآءة والبحث العلمي في هذه المسألة , وجدت أن العلماء قد اختلفوا على قولين :

القول الأول:
يشرع تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام وتهجد ومزيد اجتهاد في العبادة والذكر والدعاء على وجه الإجمال , واختلفوا في كيفيتها على ثلاثة أقوال :
1_ تستحب الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان ( رأي الغزالي رحمه الله ) .
اتفقت كلمة جماهير أهل العلم على عدم مشروعية هذه الصلاة ..
قال النووي ( رحمه الله ) في معرض حديثه عن صلاة الرغائب وصلاة الألفية في النصف من شعبان: (( وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمها من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك )) .



2_يستحب إحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة والتهجد جماعة في المساجد ..
وهذا رأي خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة .
وخالف هذا القول جمهور العلماء .

3_ يشرع إحياؤها فرادى:
وذلك بأن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه أو في جماعة خاصة، ولا تشرع لها الجماعة في المساجد.
وبه قال الإمام الأوزاعي وجماعة من أهل العلم.
قال ابن الصلاح ( رحمه الله ) :(( وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد من غير جماعة )) ..
وعلى هذا القول مذهب الحنفية وظاهر كلام الإمام الشافعي ورواية في مذهب أحمد خرّجها أصحابه واعتمدها متأخِّروهم )) .
واستند أصحاب هذا القول على عموم الأحاديث التي تروى في فضل ليلة النصف من شعبان واستحباب قيامها، وهي وإن كان فيها ضعف إلا أنه يعمل بها في فضائل الأعمال.

القول الثاني :
عدم مشروعية تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام ودعاء خاصين، وإن هذا بدعة محدثة.
قال ابن رجب ( رحمه الله ) : ((وأنكر ذلك ـ أي: تخصيص ليلة النصف بعبادة ـ أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة"
وممن اختار هذا القول الشاطبي , وحجتهم في ذلك أنه لم يثبت ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن أصحابه ولا عن التابعين عدا الثلاثة الذين اشتهر عنهم ذلك.

فالمسألة خلافية , فلا داعي للنزاع والجدال , وشق صف المسلمين في مسأله فرعية , ونحن في وقت يجب أن نجتمع ونوحد صفنا , اسأل الله تعالى أن يتقبل منا , وأن يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه , آمين

-----------
يَجوزُ إِحياءْ ليلة النصف مِن شعبان بالأعمال الصالحة مِن صَلاةٍ واستِغفارٍ وأذكار وغير ذلك فُرادَى أو جَماعَة مِن غَيرِ أن يكون ذلك فَرضاً . وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى صَلَاةٍ مُقَدَّرَةٍ . كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مِائَةِ رَكْعَةٍ فهذا غَير جَائزِ .

¤ قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله في كتابه (الأم) : " وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ : إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ ؛ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى ، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ حَتَّى تَمْضِيَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ، وَبَلَغْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ جُمَعٍ ، وَلَيْلَةُ جُمَعٍ هِيَ لَيْلَةُ الْعِيدِ لِأَنَّ صَبِيحَتَهَا النَّحْرُ .
وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّ مَا حُكِيَتْ فِي هَذِهِ اللَّيَالِيِ الخَمْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ".

¤ وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوي) : " وَأَمَّا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ؛ فَقَدْ رُوِيَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ وَآثَارٌ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا فَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِيهَا وَحْدَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ فِيهِ سَلَفٌ وَلَهُ فِيهِ حُجَّةٌ فَلَا يُنْكَرُ مِثْلُ هَذَا ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهَا جَمَاعَةً فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ".
¤ وَسُئِلَ الإمام ابن تيمية رحمه الله عَنْ صَلَاةِ نِصْفِ شَعْبَانَ ؟
فَأَجَابَ : إذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ لَيْلَةَ النِّصْفِ وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ فَهُوَ أَحْسَنُ . وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى صَلَاةٍ مُقَدَّرَةٍ . كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مِائَةِ رَكْعَةٍ بِقِرَاءَةِ أَلْفٍ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } دَائِمًا . فَهَذَا بِدْعَةٌ لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

¤ وقال الإمام ابن تيمية أيضا في (اقتضاء الصراط المستقيم) : " أما ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأنَّ مِن السَّلف مَن كان يَخُصّها بالصَّلاة فيها ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة ، ومِن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف: مَن أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها وقال : لا فرق بينها وبين غيرها ، لكن الذي عليه كثيرٌ مِن أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد ابن حنبل ، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفيَّة ، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن ، وإن كان وضع فيها أشياء أُخر ".

¤ وجاء في " كشاف القناع عن متن الإقناع" للإمام البهوتي الحنبلي : " وَأَمَّا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَفِيهَا فَضْلٌ وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يُصَلِّي فِيهَا ، لَكِنَّ الِاجْتِمَاعَ لَهَا لِإِحْيَائِهَا فِي الْمَسَاجِدِ بِدْعَةٌ ؛ وَفِي اسْتِحْبَابِ قِيَامِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مَا فِي إحْيَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ بْنِ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى ( اللَّطَائِفَ ) ".

¤ وقال الإمام العلامة ابن نُجيم الحنفي في كتابه "البحر الرائق" : " وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ : إحْيَاءُ لَيَالِي الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَلَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ ، وَلَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان".

¤ وجاء في حاشية الإمام ابن عابدين الحنفي : " وإحياء ليلة العيدين والنصف من شعبان والعشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة ؛ ويكون بكل عبادة تعم الليل أو أكثره ".

¤ وقال الإمام ابن رجب الحنبلي في (لطائف المعارف) : " وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها . واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين : أحدهما ؛ أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس ببدعة . والثاني ؛ أنه يكره الإجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم . وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى ".
- وقال أيضا : " فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب ، ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة وقبول الدعاء في تلك الليلة ".

¤ وقال الإمام النووي رحمه الله في (المجموع) عن إحياء ليلة النصف من شعبان : (واستحبَّ الشافعيُّ والأصحابُ الإحياء المذكور مع أنَّ الحديث ضعيف لما سبق في أول الكتاب أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها ويعمل على وفق ضعفيها) .

¤ وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله : (وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا وَأَنَّهُ يَقَعُ فيها مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فيها وَإِنَّمَا النِّزَاعُ في الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا وقد عَلِمْت أنها بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ منها فَاعِلُهَا ". (الفتاوى الفقهية الكبرى)
______________

ومِمّا تَقدّم يَتبَيّن جَواز إحياء ليلة النصف مِن شعبان بالأعمال الصالحة مِن صَلاةٍ واستِغفارٍ وأذكار وغير ذلك فُرادَى أو جَماعَة مِن غَيرِ أن يكون ذلك فَرضاً . وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى صَلَاةٍ مُقَدَّرَةٍ كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مِائَةِ رَكْعَةٍ فهذا غَير جَائزِ .