الجمعة، 19 يونيو 2020

بيان شذوذ الألباني في مسألة التوسل والاستغاثة

الشبهة:
زادت جرأة الألباني وتطاوله على الحق وأهله حين حرّم [1] التوسل بذات النبي (صلى الله عليه وسلم) وجعل الاستغاثة بغير الله شركا[2].



الرد:
روى البخاري[3] عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد)، والتوسل والاستغاثة بمعنى واحد كما قال الحافظ اللغوي تقي الدين السبكي الذي قال فيه السيوطي إنه حافظ مجتهد لغوي فقيه أصولي نحوي متكلم.
ومما يدل على ذلك أن حديث الشفاعة روي بلفظين، رواه البخاري عن ابن عمر بهذا اللفظ، ورواه أيضا عن أنس بلفظ الاستشفاع ونصه: (فاشفع لنا عند ربنا)، فهاتان الروايتان يؤخذ منهما أن الاستغاثة توسل والتوسل استغاثة.
ومن أدلة أهل السنة على جواز الاستغاثة ما رواه البخاري في الأدب المفرد[4] عن ابن عمر أنه قال: يا محمد، وذلك عندما خدرت رجله، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وكلامه هذا استغاثة ويقال عنه توسل أيضا.
ومن أدلة التوسل ما رواه الحافظ الطبراني[5] عن عثمان بن حنَيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان فكان عثمان لا يلتَفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حُنَيْف فشكى اليه ذلك فقال: ائت الميضأةَ فَتَوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتَوجّه إليك بنبِيّنا محمد نبيّ الرحمة، يا محمّدُ إني أتَوجهُ بكَ إلى ربّي في حاجتي لتُقضَى لي)، ثم رح حتى أرُوحَ معك.
فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتَى عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتَك حتى كانَت هذه الساعة، وقال له ما كان لك من حاجة فأتنا ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلمته فيَّ، فقال عثْمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال النبي: «أو تصبر» فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضأ وصل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات”. قال عثمان ابن حنيف: فوَالله مَا تفرقنا ولا طال بِنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرّ قط. قال الطبراني[6]: والحديث صحيح. ففي هذا الحديث الصحيح دليل على جواز التوسل بالنبي في حياته بغير حضوره وبعد وفاته.
ومن أدلة الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ما رواه الحافظ البيهقي[7] أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال: (أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام – أي رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام – فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبرعمر فقال: (يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت”، انتهى. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري[8] ما نصه: “وروى ابن شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر … الحديث. وقد روى سيف الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث المزني أحد الصحابة”، انتهى.
ولما لم يستطع الألباني أن يثبت ضعف هذا الأثر عمد إلى الافتراء على الحافظ ابن حجر بأنه ضعفه[9] مع أن الحافظ صرّح بصحة سنده كما نقلنا عنه من كتابه “فتح الباري”، وهذا دليل أيضا على أن الألباني لا يوثق بنقله ولا برأيه الذي يحرّف الحقائق والوقائع نصرة لرأيه.
ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته شرك وكفر عند هذا الرجل أي ناصر الدين الألباني فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أوقعه في التجسيم وتوابعه في قوله في كتابه الذي سماه “الكلم الطيب”، أي أن كل ما فيه شئ حسن أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) خدرت رجله – أي أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرِّجل وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال: يا محمد، فكأنما نشط من عقال.
وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها، فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية حيث انه استحسن هذا ومن استحسن الكفر فهو كافر ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر، فهل يكفر ابن تيمية لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يُكفر المستغيثين بالرسول بعد وفاته على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفر ابن تيمية لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا قيل له: إذن أنت تتحكم تطبق على الناس ما لا تطبقه على زعيمك فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدّلوا حكم التوراة في الرجل الزاني المحصن كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء ولا يرجمونه إن كان من أشرافهم. وقد اعترفت يا ألباني بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما عرف الناس سواك لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد من مؤلفاته، فأين المهرب؟!
ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب[10] بسنده إلى عبد الواحد بن آدم يقول: (رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع، فسلمت عليه فرد على السلام، فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل – إلى آخر ما تقدم – وقال القسطلاني: لما ظهر أمره بعد وفاته، خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة، وقال أبو علي الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي، قدم علينا “بلنسية” عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام، فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك، قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا، فقال القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير، أدام الناس من أجله «بخرتنك» سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته”، انتهى.
وقد حصل لي أن ذهبت إلى شعيب الأرناؤوط لمناقشته في مسألة التوسل والاستغاثة فتكلمت معه في موضوع التوسل أولا وأعطيته حديث الطبراني فقال لي: إنه يجيز التوسل بالنبي في حال حياته وبعد مماته، وكذلك حديث بلال بن الحارث المزني الذي ذهب إلى قبر النبي وتوسل به بعد موته، فقال لي: هذا الحديث ضعيف، فقلت له رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح وكذلك صححه ابن كثير، فقال لي: ابن حجر يقول رواه البيهقي بسند صحيح إلى مالك الدار أي أن الحديث صحيح إلى مالك الدار، ومالك الدار هذا مجهول، فلا حجة في الحديث، فقلت له: عمر يولي على خزائن المسلمين على بيت مال المسلمين رجلا مجهولا ليس معروفا أم ثقة، فسكت. ثم رجع فقال: أنا التوسل أقول إن فيه خلافا فلا أعترض على من يتوسل أما الاستغاثة بغير الله هي المحرّمة ولا يجوز لمخلوق أن يستغيث بمخلوق آخر، فقلت له: ماذا تقول في الحديث الذي رواه البخاري من طريق ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم)، فقال لي: هذا في حال حياتهم يجوز أن تستغيث بهم أما بعد مماتهم لا يجوز.
فقلت له: إذا أنت تُقرُّ بجواز الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم فقال لي: نعم، فقلت له: ما المانع عقلا أو شرعا من الاستغاثة بهم بعد مماتهم، فقال لي: حديث أحمد الذي رواه في مسنده والذي أقوم بتحقيقه ولم تر الأسواق مثله، ثم قال لي: الحديث هو أن الرسول قال: (إنه لا يُستغاث بي، إنما يُستغاث بالله)، فقلت له أنت شهدت على نفسك الآن بالتناقض، فقد قلت لي لما ذكرت لك حديث ابن عمر إن الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم جائزة فكيف تُورِد حديثا أن النبي في حال حياته قال إنه لا يُستغاث بي، فقال لي: هذا الحديث ضعيف لا حُجة فيه!!! ثم قال لي: أعطني واحدا من الأئمة الأربعة ذهب إلى قبرٍ أو ولي تبرك أو استغاث به، فقلت له: روى الخطيب البغدادي بإسناد صحيح في تاريخ بغداد –[11] – أن الشافعي قال: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وأتيت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى، فقال لي: هذا ليس صحيحا وصار يصرخ ويقول: من أين أتيت بهذا، فكان الكتاب كتاب تاريخ بغداد خلف ظهره، فقلتُ له: أعطني الكتاب ففتحت له الكتاب حيث الرواية فلما رأى ذلك بعينه عجب وقال لشخص عنده: اذهب وخرّج لي رواه هذا الحديث، وهذا يعني أن يُجرئ الذين عنده على التصحيح والتضعيف، فذهب هذا ورجع فسمعته يقول له بصوت منخفض: كل رواة الحديث ثقات، فقلت له فورا: ماذا وجدت في رواة هذا الحديث، فقال: كل رواته ثقات إلا راوٍ لم أجد له عندي ترجمة، فقال الوهابي: إذا هذا الحديث ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول، فقلت له: كيف تحكم بضعف هذه الرواية لأنك لم تجد ترجمة لراوٍ عندك والقاعدة تقول “عدم الوجدان ليس دليل العدم”، فقال لي: ما معنى هذه القاعدة، فقلت له: إذا لم تجد ترجمة لراوٍ عندك فليس المعنى أنه مجهول ضعيف فقال لي: إذا أتيتني بترجمة هذا الراوي أنا أبصم لك بالعشرة، ثم قال لي: أنا مشغول الآن، وسألني عن اسمي، فقلت له اسمي وليد السعيد من تلاميذ الشيخ عبد الله الهرري.
_____________________________
[1] . انظر كتابه المسمى “التوسل” (ص/70 و 74).
[2] . المصدر السابق (ص/25).
[3] . أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة: باب من سأل الناس تكثُّرًا.
[4] . الأدب المفرد (ص/207).
[5] . المعجم الكبير (9/ 17)، والمعجم الصغير (1/ 201 – 202).
[6] . المعجم الصغير (1/ 201 – 202).
[7] . انظر البداية والنهاية (7/ 91 – 92).
[8] . فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/ 495 – 496).
[9] . انظر كتابه المسمى “التوسل أنواعه وأحكامه” (ص/13).
[10] . لامع الدراري (1/ 44).

[11] . تاريخ بغداد (1/ 123).

شبهة إنكار الاستغاثة بالموتى .. والرد عليها

شبهة إنكار الاستغاثة بالموتى .. والرد عليها
كثر الخوض ، واشتد الجدال ، وحدث الإنكار ، ضد الاستغاثة بالموتى ، ومنع النداء لهم ، ظناً من المنكرين ، أن سائر الموتى من الأنبياء ، والمرسلين ، والأولياء الصالحين ، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا ، صاروا تراباً لا بقاء لهم في قبورهم ، لا يسمعون ولا يدركون .




بيد أن الحق على خلاف ما يزعمون ، والصواب على غير ما يعتقدون . والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية ، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة .
أخرج البخاري ومسلم ، وأصحاب السنن ، من حديث ابن عمر قال : اطلع رسول الله على أهل القليب فقال :
" هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً " . فقيل له : أتدعون أمواتاً ؟ فقال : " ما أنتم بأسمع منهم ، ولكن لا يجيبون " .
فمن نظر بعين الحق والصواب والإنصاف إلى هذا الحديث وما اشتمل عليه من التصريح بلفظ : " ما أنتم بأسمع منهم " ، لأدرك لا محالة أن الموتى يسمعون ويدركون ، وأن الحياة البرزخية ثابتـة لهم . فلو اعتقد المنكر ذلك لما وسعه الإنكار ، فإن دار البرزخ هي دار انتقال من دار إلى دار ، وقد ثبت كل ما ذكرناه من هذه الأحوال ، بنص الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة خلفا عن سلف .
ومن لم يعتقد ذلك فقد ترك من واجب الإيمان شيئاً ، يجعله من الخارجين عن سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فإن البعث من أركان الإيمان الذي يكفر منكره ، وإنكار حياة القبر للنعيم والعذاب إنكار للبعث الأصغر الذي هو نموذج البعث . والمنكر لهذا إنما هو منكر في الواقع لما أجمعت الأمة عليه .
يقول صاحب ( نظم الشيبانية ) : إن عذاب القبر حق ، وإنه على الروح والجسم .
فالنعيم والعذاب على الروح والجسم ، وإن لم نره نحن ، لأنه من الإيمان بالغيب ، وهو راجع إلى قدرة الله ، وهذا بالنسبة إلى العقل .
أما بالنسبة إلى النقل فالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وأقوال السلف ، مطبقة على الأحوال التي ذكرناها لأهل البرزخ ، فإن كان المنكر يجهلها فنحن نذكرها .
قال الله تعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون " آل عمران : 169 . فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان ، فلا شك أن الأنبياء من باب أولى : " ما من نبي إلا ورزق الشهادة " ، وهذا ظاهر .
وأما قول الحلبي في ( السيرة النبوية ) : " قد يكون في المفضول ما لا يكون في الفاضل ، فلا يلزم القياس " ، فممنوع بأن ذلك ممكن فيما لم يرد به نص يوافق هذا القيـاس ، وقد ورد من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها ما يوافق ذلك ، ففي البخاري ومسلم : " مررت ليلة أسري بي على موسى وهو قـائم في قبره يصلي " .
وروى البيهقي وغيره بأسانيد صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون " . وورد " أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " . وقد أطبق العلماء على ذلك .
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما : " أن الله بعث لنبينا جميع الأنبياء ليلة الإسراء ، فصلى بهم إماماً ركعتين " . والصلاة ذات ركوع وسجود . وهي تستدعي جسداً حياً كما قالوه في صلاة موسى في قبره .
قال في ( المشكاة ) ناقلاً عن الصحيحين : " وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا هو رجل ضرب جعد - يعني شعره غير سبط - وكأنه من رجال شنوءة " وهم قوم سمر اللون .
وأخرج البيهقي في كتاب ( الاعتقاد ) : " الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم ، فغيبوا عنا ، وإن كنا لا نراهم كالملائكة ، إلا من أكرمه الله تعالى بنوع كرامة " .
وكذلك ذكر الإمام السيوطي ، وهو قول الإمام النووي والسبكي ، والقرطبي ، عن شيخه ، ونقـله ابن القيم الحنبلي في كتاب ( الروح ) ، وابن حجر والرملي ، والقاضي زكريا ، وكمال الدين الحنفي ، وابن أبي جمرة المالكي ، وتلميذه ابن الحاج في ( المدخل ) وغيرهم ممن وثقوا .
وقد صح عن سعيد بن المسيب أنه في وقعة الحرة لما خلى المسجد النبوي ، وتعطل المسجد عن الأذان والإقامة ، صار يسمع الأذان والإقامة من الحجرة الشريفة النبيوية . وذكره ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) .
والحاصل أن حياة الأنبياء ثابتة بالإجماع ولا يرد على هذا ما ورد في الحديث الصحيح : " ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام " . فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام ترد .
فقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة كثيرة أحسنها : أنه صلى الله عليه وآله وسلم يكون مستغرقاً بمشاهدة حظيرة القدس ، فيغني عن إحساسه الشريف ، فإذا سلم المسلم عليه ، ترد روحه من ذلك الاستغراق ، إلى الإحساس لأجل الرد المذكور ، ونحن نرى في الدنيا بعض من هو مشغول البال ، بأمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية ، وربما يتكلم أحد معه وهو لا يشعر بكلامه ، لاشتغال باله واستغراقه ، فكيف بمن هو مشغول بمشاهدة جمال ذي الجلال والإكرام .
ومن الأدلة الدالة على صحة التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ، ما روى الحافظ ابن حجر : عن أبي سعيد السمعاني ، أنه روى " عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، أنهم بعد دفنه صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام ، جاءهم أعرابي فرمى بنفسه على القبر الشريف ، على ساكنه أفضل الصلاة والسلام ، وحثى من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله .. قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله ما وعينـا عنك ، وكان فيما أنزله عليك قوله تعالى : " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً " . وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي إلى ربي ، فنودي من القبر الشريف : أن قد غفر الله لك " .
ويؤيد ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : " حياتي خير لكم ، تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم ، ما رأيت من خير حمدت الله ، وما رأيت من شر استغفرت لكم " .
وفي هذا الباب آثار كثيرة والأمر لا يحتاج إلى الإطالة .
ويدل عليه عرض أعمال الأحياء على الموتى ، فإنهم لو لم تكن لهم الرؤية ، لما صح عرض الأعمال عليهم ، والعرض لا يكون بداهة إلا على من يرى ، ويسمع ، ويحس ، ويشهد ، ويستطيع إصدار الحكم ، وهذا كله من صفات الأحياء لا الأموات بمعنى العدم .
أما عرض الأعمال من الأمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد روى البزار بسنده - ورجاله رجال الصحيح - عن أبي مسعود قـال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، فإذا أنا مت كانت وفاتي خير لكم ، تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله ، وإن رأيت شراً استغفرت لكم " .
أما علم الأموات بأحوال الأحياء وبما هم فيه : فقد روى الإمام أحمد في مسنده ، وعبد الرزاق في مصنفه عن سفيان عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات ، فإن كان خيراً استبشروا ، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " .
وروى الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) من حديث عبد الغفور ابن عبد العزيز عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله . وتعرض على الأنبياء وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة ، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً ، فاتقوا الله ولا تؤذوا موتاكم " .
وأما عرض الأعمال على الأجانب ، فأخرج ابن المبارك ، وابن أبي الدنيا ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : " تعرض أعمالكم على الموتى ، فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا ، وإن رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع بهم " .
وأخرج الحكيم الترمذي ، وابن أبي الدنيا ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " اتقوا الله في إخوانكم من أهل القبـور ، فإن أعمالكم تعرض عليهم " . وهذان الحديثان عامان في مطلق الموتى .
وبما أنهم ثبت لهم وجاز في حقهم كل هذا ، فلا مجال لإنكار التوسل والاستغاثة بهم على ضوء ما قررنا .
وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم ، فقالوا :
إن النداء والخطاب للجمادات ، والغائبين ، والأموات ، من الشرك الذي يباح به الدم والمال ، ولا حجة لهم في ذلك ، فإن الأحـاديث الصحيحة صريحة في بطلان قولهم هذا .
إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء ، وأن الدعاء عبادة ، بل هو مخ العبادة . وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين ، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها .
وهذا كله منهم تلبيس في الدين ، فإنه وإن كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله تعالى : " لا تجعلوا دعـاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً " النور : 63 . لكن ليس كل نداء عبادة ، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات ، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً ، وليس الأمر كذلك ، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه .
فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى ، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فإنه ليس عبـادة ، ولو كان لميت أو غائب أو جمـاد وذلك كله وارد في كثير من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة .
والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة القبور في كثير منها النداء والخطاب للأموات كقوله : " السلام عليكم يا أهل القبور " . و " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، وأنا إن شاء الله بكم لاحقون " . ففيها نداء وخطاب ، وهي أحاديث كثيرة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها هنا .

ماهو التوسل وما معنى التوسّل لغة واصطلاحاً



ماهو التوسل وما معنى التوسّل لغة واصطلاحاً
لغةً:
التوسّل و الوسيلة هو ما يتقرّب به إلى الغير، توسّلت إلى فلان بكتاب، أي تقربتُ به إليه.
اصطلاحا:
هو أن يقدِّم العبدُ إلى ربّه شيئاً، ليكون وسيلةً إلى الله تعالى لأن يتقبّل دعاءه ويجيبه في ما دعا، وبذلك ينال مطلوبه.
مثلا إذا تقرب الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومجّده وقدّسه وعظّمه، ثم دعا بما يريد، فقد اتّخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه ونيل مطلوبه.
أهم شيء في التوسل أنّه على المتوسّل التأكد من أن كل ما يقوم به من التوسّلات يجب أن لا يتعارض مع أصل التوحيد وحرمة التشريع.
هل يوجد دليل من القرآن والسنة على التوسل؟
نعم فلو بحثنا في القرآن الكريم عن التوسل فسنجد أنه ذكرها وبعدة ألفاظ وإليكم بعضها:
1-( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة35
2-( أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) الإسراء57
3-(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) النساء64
4-(قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يوسف 97، 98.
في كتاب الرحيق المختوم:
أخرج ابن عساكر عن أبي عرفة، قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش، يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنّه شمس دجى تجلّت عن سحابة قتماء، وحوله أُغيلمه، فأخذ النبي أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذَ إلى الغلام وما في السماء قزعة، قأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب النادي، والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل
هي أقسام التوسل؟
1- التوسّل إلى الله بأسمائه وصفاته
أمر الله سبحانه عباده بدعائه بأسمائه الحسنى وقال تعالى: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (الأعراف/80).
2- التوسّل إليه بأفعاله سبحانه وتعالى ومنها القرآن الكريم
كتاب الله سبحانه وتعالى هو من أفعاله، والتوسّل والسؤال به، هو توسّل بفعله سبحانه وتعالى.
ومع ذلك يجب التحقّق من وجود دليل على جواز هذا النوع من التوسّل، لما عرفت أنّ كل ما يقوم به المسلم من التوسّلات لا بد أن لا يخالف الشرع.
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنّه يستحبّ في ليلة القدر أن يفتح القرآن فيقول: " اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل وما فيه، وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار "
3- التوسّل بالأعمال الصالحة
لا شك في أنّ العمل الصالح أحسن شيء يتقرّب به الإنسان إلى الله تعالى، وأحسنُ وسيلة يُتمسّك بها فتكون نتيجة التقرّب هي نزول رحمته عليه وإجابة دعائه.
قال تعالى:** وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم * ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أُمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم } (البقرة/127 ـ 128).
هنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قدّما إلى الله تبارك وتعالى وسيلة وهي بناء البيت، فعند ذلك طلبا من الله سبحانه عدّة أُمور: تقبّل منّا، واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريّتنا أُمّة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا، وتب علينا.
4- التوسّل بدعاء الأنبياء
إنّ للأنبياء مكانة مرموقة عند الله سبحانه وتعالى ليس لأحد مثلها، فهم أفضل الخلق، ودعاءهم مستجاب. قال سبحانه: {وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوكَ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً } (النساء/64).
أيضاً نرى أنّ أبناء النبي يعقوب عليه السلام بعدما كُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبيهم وقالوا له: ** يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم } (يوسف/97 ـ 98).
5- التوسّل بدعاء المؤمنين
التوسّل بدعاء المؤمن تمسّك بالسبب الذي جعله الله سبحانه سبباً لاستجابة الدعاء، وقد دلّت الآيات على أنّ الملائكة يستغفرون للّذين آمنوا، وأنَّ المؤمنين اللاحقين يستغفرون للسابقين، وهذا يدل على أنّ دعاء المؤمن في حقّ أخيه، أمر مرغوب ومطلوب ومستجاب، فإذا كان كذلك فعلى المذنب أن يتوسّل بهذا السبب المشروع ويطلب من أخيه الدعاء له، قال سبحانه: ** الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للَّذين آمنوا ربّنا وسعت كلَّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } (غافر/7).
وقال سبحانه: ** الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم } (الحشر/59).
فدعاء حملة العرش المؤمنين سبب صالح لإجابة الدعاء، فعلى المسلم الواعي التمسك بمثل هذا السبب وطلب الدعاء منهم.
وهناك أقسام سنأتي على ذكرها ضمن الموضوع
إلى هنا لا يوجد فرق بين المسلمين ولكن ما يؤخذ على الشيعة هو توسلهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
•هل التوسل بهم جائز أم لا؟
•ألا يعد التوسل بهم شركا بالله ؟
•ما الفرق بين التوسل بأناس وبين التوسل بصنم؟
•لماذا نتوسل بأهل البيت عليهم السلام؟
•هل يختلف التوسل بين أن يكون من الحي أوالميت؟
•هل يصح أن نقول يا رسول الله أو يا علي أو يا فلان اقضي حاجتي؟
نناقش هذه الإشكالات نقطةً نقطة
•هل التوسل بهم جائز أم لا؟
التوسل بالأنبياء والأولياء جائز ليس عند الشيعة فقط وإنما حتى عند السنة وإليكم الدليل
من صحيح البخاري
3757 ـ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ ـ رضى الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ فَيُسْقَوْنَ.
فهنا عمر بن الخطاب يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وعمه العباس.
ومَن أقرب إلى الله تعالى العباس أم ابنته فاطمة وزوجها وأبناءهم عليهم السلام الذين طهرهم الله؟!
ومن مسند أحمد
16604 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، اَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ اَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، اَنَّ رَجُلًا، ضَرِيرَ الْبَصَرِ اَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ اَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ اِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ وَاِنْ شِئْتَ اَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ فَقَالَ ادْعُهُ فَاَمَرَهُ اَنْ يَتَوَضَّاَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ اِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ اِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ.
•ألا يعد التوسل بهم شركا بالله ؟
بعد أن عرفنا معنى التوسل وهو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وأفعاله وبأعمالنا الصالحة وأمور قريبة منه لكي يستجيب دعاءنا وبعد أن وجدنا الأدلة من القرآن والسنة عليها لا مجال لنا إلا أن نؤمن بأن التوسل جائز. ومن أقرب إلى الله من النبي وأهل بيه عليهم الصلاة والسلام ليتقرب بهم؟
•ما الفرق بين التوسل بأناس وبين التوسل بصنم؟
لو لاحظنا الآية التي تتكلم عن المشركين وأنهم يعبدون الأصنام ليتقربوا إلى الله بها فسنعرف السر
قال تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
فالفرق هو أن المشركين يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله أما المتوسل بالصالحين فهم يعبدون الله ويتوسلون إليه بما يحبه وبما هو قريب منه.
•لماذا نتوسل بأهل البيت عليهم السلام؟
إن الله تعالى قال: ادعوني أستجب لكم. وهذا يعني أن العبد لابد أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كل شيء لافتقاره لكل شيء، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه، والله تعالى هو الغني عن عباده.
إلاّ أن ذلك لا يمنع من أن نجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وسيلة إلى الله تعالى، فكما أمرنا بدعائه فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه حيث قال تعالى): وابتغوا إليه الوسيلة )،
ولا شك أن من الأسباب التي تمنع استجابة الدعاء هي قلة الطاعة وكثرة الذنوب، إلاّ أن توسطهم وشفاعتهم وقرب منزلتهم عليهم السلام من الله تعالى يقتضي منه أن يستجيب دعائنا كرامة لهم، كما إنك لو سألت أحداً حاجة وتعلم أن قضاءها يكون بتوسط أحد مقربيه فان العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك وأن يتوسط بحقه وبمنزلته في قضاء حاجتك، فلا فرق في ذلك، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام لكرامتهم عند الله يستجيب الله تعالى لنا ويقضي حوائجنا بحقهم عنده.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ( الأئمة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى ).
فنحن ندعوا الله بهم وبألسنتهم لأنهم لم يعصوا الله سبحانه وتعالى فبذلك نكون دعونا اللهَ بألسنة طاهر فيكون الدعاء أقرب للإجابة.
•هل يختلف التوسل بين أن يكون من الحي أوالميت؟
التوسل على قسمين:
(1) تارة نطلب من الله بحقّ نبيّ أو إمام أو عبد صالح أن يقضي حوائجنا.
(2) وتارة نطلب من النبي والوصي والعبد الصالح أن يطلب من الله قضاء الحوائج.
قال تعالى في محكم كتابه: (( ...ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً )) [ النساء:64 ].
وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب: (( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم )) [ يوسف:97ـ98 ].
وربما يقول قائل: إنّ هذا جائز في حال الحياة, أما بعد الممات فلا, لكونه شركاً بالله تعالى.
فيقال: إن الشيء لا ينقلب عما هو عليه, وإذا كان جائزاً فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته, إذ أن النبي أتاه الله الدرجة الرفيعة, وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة, فلا بدع لو توسل به المؤمن في كل يوم وقال: يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.
ونحن نعلم أن النبي والأيمة شهداء عند الله سبحانه وتعالى والشهيد حي ، قال تعالى:
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169
فالنبي وآله عليهم السلام أحياء وليسوا أموات ونحن ندعوا الله بأرواحهم وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ).
•هل يصح أن نقول يا رسول الله أو يا علي أو يا فلان اقضي حاجتي؟
السؤال المباشر بصيغة يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أي ولي آخر لقضاء الحاجة، كأن تقول يا محمد أقضي حاجتي، أو يا علي أشف ولدي أوما شابه، هذا السؤال يسميه أهل البلاغة بالمجاز في الإسناد، لأن الناطقين بهذه الكلمات أُناس موحدون يعتقدون بالله الواحد الأحد، وأنه الخالق الرازق والنافع الضار، وإنما الأنبياء والصالحين عباد مكرمون يتوسل بهم إلى الله سبحانه وتعالى في قضاء حائجهم.
وكأن لسان الحال حين يقول: يا علي أشف ولدي، يريد: يا علي بجاهك عند الله أسأل الله تعالى أن يشفي ولدي.
والمجاز في الإسناد وارد في لغة العرب، وكذلك وارد في الكتاب والسنة، فلا محذور من استعماله وتداوله بعد ثبوت العقيدة والإيمان بالله الواحد الأحد النافع الضار. فيكون قول القائل: يا علي ارزقني, أو يا رسول الله اشفني.. مجازاً في الإسناد. فيجوز ذلك.