& الرد على الألباني و الوهابية في تحريم السفر والاختلاف إلى قبور الصالحين &
~~~~~~~~~~~~~~~~
أما تحريم السفر إلى قبور الصالحين فهو أمر ظاهر البطلان لعدم الدليل عليه ، بل هو محض افتراء من الألباني ( انظر : تحذير الساجد ص98) حمله عليه الغلو و التنطع في الدين على طريقة سلفه الخوارج المتنطعين ؛ حيث أن النبي عليه الصلاة و السلام أمر أمته على سبيل الاستحباب بزيارة القبور فقال:( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم و في زيادة عند الترمذي فإنها تذكر الآخرة) . انظر: بلوغ المرام ص139.
ولم يقل فزوروا القريب منها) ، وكان عليه الصلاة و السلام يتردد دائما على مقبرة البقيع كما في صحيح مسلم عن عائشة (ض) كان رسول الله (ص) كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول:السلام عليكم دار قوم مؤمنين...........إلخ).انظر : الأذكار للنووي ص152.
فهذا الحديث دليل قوي على إثبات التردد و الاختلاف إلى القبور بناء على قول عائشة كلما كان ليلتها) ؛ فلا ندري من أين نزل هذا الفقه على الألباني و طائفته بتحريم التردد على القبور !؟، لا أظنه إلا من كيسه !! والله المستعان .
ومما يضحك الثكلى أنه قال في التعليق(ص99) : ( وهذا مستفاد من قوله : اللهم لا تجعل قبري عيدا) . قال العلامة البوطي: فإنما معناه لا تتخذوا لزيارة قبري وقتا معينا كما هو شأن العيد كما فسره بذلك الحافظ المنذري وغيره من علماء الحديث ، ولا مانع أن يضاف إليه النهي عن إظهار الصخب واللهو ومظاهر الزينة عنده على نحو ما يكون في الأعياد ، أما أن تدل الكلمة على النهي عن زيارة قبره فإنها عن ذلك بمعزل ، وما كان النبي(ص) لينهى عن اتخاذ قبره عيدا ثم يعمد هو فيتخذ من البقيع في كل يوم عيدا ( فقه السيرة للبوطي ص477).
قال الوهابي: ولكن رسول الله (ص) قال :(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام و مسجد الرسول و مسجد الأقصى).رواه الشيخان عن أبي هريرة ( اللؤلؤ و المرجان ص268).
قلت أولا : استعمل في الحديث أسلوب الاستثناء و أركانه :المستثنى منه و المستثنى وأداة الاستثناء.
و نجد أن المستثنى منه محذوف ، فإما أن يقدر عاما فيكون المكان المسافر إليه عاما؛ فيحرم هنا السفر للتجارة و طلب العلم و الجهاد في سبيل الله و زيارة الإخوان والأرحام و السياحة في أرض الله الواسعة وهلم جرا ، وهل يقول بمثل هذا القول عاقل !!؟.
فيبقي أن يقدر المكان المسافر إليه خاصا يدل عليه سياق الكلام وهو ( المساجد) لأنه الوصف المشترك بين الأمور الثلاثة المذكورة .
فإدخال القبر النبوي بهذا التقرير و كذا بقية قبور الصالحين في النهي من الألباني و الوهابية متبعين في ذلك شيخ إسلامهم ابن تيمية محض ضلال وافتراء على الشريعة الغراء كما هو واضح للغاية!!
ثانيا : لاحظنا أن الوهابية قد حملوا النهي في لا تشد) على التحريم ، وهو أحد المعاني الثلاثة المحتملة عند الأصوليين لأسلوب النهي ، فبقي الحمل على الكراهة و الحمل على خلاف الأولى ، والحمل على التحريم هو الأصل إلا إذا صرفته قرينة، ومثال حملهم النهي على الكراهة أو خلاف الأولى قوله(ص):( لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا) ؛ قال الحافظ : رواه ابن ماجة و أصله في مسلم :(زجر أن يقبر الرجل بليل حتى يصلى عليه).انظر : بلوغ المرام ص140.
والصحابة قد دفنوا أبابكر بليل من غير ضرورة ، قال الإمام النووي وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري وهذا الحديث مما يستدل له به ، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف : لا يكره واستدلوا بأن أبابكر الصديق وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار) ؛ شرح النووي ج7ص11.
فالحسن حمل النهي على الكراهة والجمهور على خلاف الأولى .ومعلوم أن الاصل في النهي التحريم فإن وجدت قرينة تصرفه إلى الكراهة أي التنزيهية أو خلاف الأولى صرف إلى ذلك ضرورة .
وقد روي في هذا الشأن عن ابن عمر (ض) قال:(كان النبي(ص) يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا و راكبا)، وكان عبد الله يفعله . انظر : فتح الباري ج3ص69. فزيارة النبي (ص) لمسجد قباء وصلاته فيه قرينة صارفة للنهي من حيز التحريم إلى خلاف الأولى أي الأفضل هنا لبيان الجواز . فإن قال الخصم : هذا الانتقال قريب لأن قباء من نواحي المدينة والمقصود النهي عن السفر إلى المسجد البعيد .
قلت : هذا الفرق الذي تقولون به بين المسجد القريب و المسجد البعيد لم يقل به الصحابة أنفسهم وأنتم تدعون فهم النصوص بفهم السلف ؛ فقد روى الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن عمر بن الخطاب(ض) قال:( لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق ضربنا إليه أكباد المطي)، والأفق لغة هو المكان البعيد القاصي . انظر الحديث في : الألباني شذوذه و أخطاؤه للمحدث الأعظمي ص106.
وقال الحافظ في الفتح ومن فضائل مسجد قباء ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص(ض) قال:( لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من ان آتي بيت المقدس مرتين ، لو علموا ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل) . الفتح : ج3ص69.
فهذا إقرار من عمر و من سعد باستحبابهما السفر إلى قباء ولو كان في أقاصي الأرض ، فهما يجوزان شد الرحال إلى غير الثلاثة خلافا للوهابية و التيمية .،وكذلك أبو هريرة فرغم أنه سمع الحديث من رسول الله(ص) ووعاه إلا أنه قد ثبت عنه السفر إلى جبل الطور للصلاة فيه .
فالصحابة لم يفهموا من صيغة( لا تشد) حكم تحريم السفر إلى غير هذه المساجد الثلاثة كما هو واضح.
فإن قال الوهابي : قد روى الإمام أحمد بإسناد حسن أن أبابصرة لقي أبا هريرة وهو يسير إلى مسجد الطور ليصلي فيه فذكر له هذا الحديث كالمنكر عليه .
قلت : ثبت العرش أولا ثم انقش ؛ إذ لا دليل على أن أبابصرة قد فهم من الحديث حكم التحريم ، وليس فهمه للحديث - إن تنزلنا لكم جدلا- بمرجح عند التعارض مع فهم الصحابة الآخرين له وهم أبو هريرة و عمر و سعد بن أبي وقاص وهم أكثر عددا و أغزر علما . بل الراجح أن أبابصرة فهم من الحديث أن المسير إلى غير الثلاثة كجبل الطور للصلاة فيه خلاف الأولى لقوله لأبي هريرة لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت.....إلخ). فهو لم يمنع أبا هريرة من إكمال السفر و المسير للصلاة في جبل الطور ولكن أخبره أنه لو أدركه قبل أن يسافر ما تركه دفعا للمشقة لبعد المسافة لا للتحريم .
فالنهي في الحديث القصد منه دفع المشقة والضرر على المسلم لأنها كلها متساوية في الفضل أي بقية المساجد ، فلا داعي أن يلحق المسلم نصب ومشقة في طاعة يستطيع أن يؤديها في مسجد قريب والأجر هو نفسه دون فرق .بخلاف المساجد الثلاثة فالصلاة فيها تفضل أجرا على غيرها ، فإن سافر المسلم فلا إثم عليه بل تلحقه مشقة و يؤجر أجرا متساويا في كل المساجد عدا الثلاثة، وبالله التوفيق