هل للجمعة سنة قبلية ؟ - الإسلام سؤال وجواب .؟
أخي المسلم اعلم إن الإسلام
حرص على التآلف ونبذ التنازع وحذر من خطر الاختلاف الذي يؤدي إلى تمزيق وتفريق الأمة المسلمة .
قال تعالى : (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم )
وقال سبحانه ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ).
وقال ( اقرءوا القرآن ما ائتلف عله قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا )
اتفق عليه الشيخان .
س/ هل صحيح أن صلاة سنة الجمعة القبلية بدعة وأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم يصلها ؟ وما هو الضرر على من يصليها هل يأثم أم يؤجر ؟
ج/ سنة الجمعة القبلية من الأمور الفرعية في الدين وليست من الأمور العقائدية فلا يستوجب أن تجعل نقطة خلاف ونزاع بين المسلمين , إذ أن البعض أخذ يشدد في إنكارها والنهي عن صلاتها أكثر من تشديده على المنكرات المتفق على تحريمها بدافع الهوى والتشهي لا يدافع الوقوف على القول الحق والراجح . وإليك تفصيل الإجابة :-
أولا : لا يجوز إطلاق البدعة على سنة الجمعة القبلية ولا يجوز إطلاق لفظ المبتدع على من يصليها لأمور :
1- منها أنه لم يحصل خلاف في مشروعية الصلاة النافلة قبل صلاة الجمعة . إلا أنهم اختلفوا في هل هي سنة الجمعة القبلية أم هي صلاة نفل مطلق وعلى كلا الرأيين فإن الصلاة قبل الجمعة مشروعة وليست بدعة يدخل فاعلها النار .
2- ومنها إنها من المسائل المختلف في ثبوتها ونفيها وكل ما يحصل به خلاف بين العلماء لا يجوز إطلاق لفظ البدعة عليه لأن فيه شبهة مشروعية .
3- وعلى فرض عدم ورود دليل لإثباتها فلا يقال أن صلاتها بدعة لأنها تصلي في وقت ليس منهيا عن الصلاة فيه , والمسلم من حقه أن ينتقل في أي وقت شاء ما لم يكن وقت كراهية .
ثانيا : أما ثبوت كونها راتبة قبل الجمعة فقد حصل فيه الخلاف :
أولا : ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنها سنة مؤكدة راتبة قبل الجمعة منهم معظم فقهاء المذاهب الأربعة وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والثوري والنخعي وابن المبارك واستدلوا بما يلي :
1- ما رواه عبد الله بن الزبير أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان )) رواه ابن حبان وصححه . فهذا العموم يشمل فريضة الجمعة ولا يوجد دليل لتخصيصها من هذا الحديث .
2- ما رواه ابن ماجة والطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي قبل الجمعة أربعا وهذا الحديث ضعيف .
قال النووي فيه وهو حديث باطل اجتمع فيه هؤلاء الأربعة وهم ضعفاء ومبشر وضاع صاحب أباطيل والأربعة هم بقية بين الوليد عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي .
إلا أن متن هذا الحديث قد رواه أبو الحسن الخلعي في فوائده بإسناد جيد كما يقول الزين العراقي في طرح التثريب من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة عن علي رضي الله عنه عن النبي( صلى الله عليه وسلم ) . وكذا رواه بهذا الإسناد الطبراني في الوسط عن علي رضي الله عنه ثم أنه يقوي بالأثر التالي .
3- بما روى عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن مسعود أنه كان يصلي بل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وروي مثله الطبراني عن أبي إسحاق عن ابن مسعود وواه الترمذي وابن أبي شيبة أيضا .
4- روي عبد الرزاق عن الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال كان عبد الله أي ابن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ورواه الطبراني عن طريق عبد الرزاق وغيره .
فإذا قيل أن في إسناد عطاء ابن السائب هو ثقة إلا انه اختلط يقال : أن هذه الرواية عن الثوري وهو قد
سمع من عطاء قبل اختلاطه باتفاق المحدثين .
وبهذين صح عن ابن مسعود إنه صلى أربعا قبل الجمعة وأمر بها ولا شك إن فعل الصحابي في أمور لا تقبل الاجتهاد لها حكم الرفع .
5- وقد يستدل لثبوتها بما يرويه البخاري عن عبد الله بن مغفل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( بين كل آذانين صلاة )) فإنه يشير إلى وجود صلاة بين الآذان الأول والآذان الثاني وليس ذلك إلا السنة القبلية للجمعة .
فإن قيل ان الآذان الأول لم يكن على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حينما قال الحديث ؟ قلنا : أنه شرع بسنة سيدنا عثمان وأقره الصحابة عليه دون وجود منكر فصار إجماعا ولا شك أن أي سنة يسنها الخلفاء الراشدون تعد مقره من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القائل : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )) .
6- إثبات السنة قبل الجمعة من فقه الإمام البخاري لأن فقه منطو في عناوين صحيحة حيث جاء العنوان " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " فهو ذكر القبلية فيه ولك يذكرها في الحديث إسنادا إلى المبدأ الذي سار عليه في صحيحه أنه لا يكتب فيه كل صحيح إلا ما ثبت أن الراوي قد عاصر والتقى بمن روى عنه . فلعله قد ثبت لديه دليل ثبوتها ولكن الدليل لم يكن بالدرجة التي التزمها في صحيحه وإليك نص الحديث " عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين "
وقال ابن حجر في فتح الباري وقال ابن التين " لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا على الظهر " انتهى .
فإن قيل يحمل ما ورد على التنقل قبل دخول وقت الجمعة لا قبل صلاة الجمعة ؟ قلنا : أن الأصل في الحمل أن تحمل لفظ ( قبل ) على قبل الصلاة لا على قبل الوقت بدليل أن العلماء اتفقوا على أن المراد من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث أنف الذكر ( كان يصلي قبل الظهر ) هو قبل صلاته لا قبل وقته ، فيراد بالصلاة هنا السنة القبلية للظهر ولا يراد به النفل المطلق ولا قبل الزوال .
7- بما روى أبو داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال ( كان ابن عمر رضي الله عنه يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفعل ذلك ) يقول ابن حجر احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها .
8- جاء في المغني لأبن قدامه روي عمر بن سعيد بن العاص عن أبيه قال : كنت أبقي أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا . قال أبو بكر : كنا نكون مع حبيب بن أبي ثابت في الجمعة فيقول أزالت الشمس بعد ؟ ويلتفت وينظر فإذا زالت الشمس صلى الأربع التي قبل الجمعة .
وبمجموع هذه الأدلة يمكن القول بأن سنة الجمعة القبلية مشروعة وليست بدعة لا بل إنها سنة راتبة كسنة الظهر القبلية .
ثانيا : ذهب أكثر الحنابلة منهم ابن تيمية وابن القيم . وبعض الشافعية إلى عدم وجود سنة للجمعة قبلية وما ورد بذلك فإنه يحمل على التنفل المطلق .
واحتجوا لذلك بأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيرقى المنبر ثم يؤذن بلال بين يديه فإذا فرغ بلال من آذانه قام عليه الصلاة والسلام فشرعه في الخطبة من غير أن يفصل هو وأصحابه بصلاة سنة بين الآذان والخطبة ولم يكن في عهده عله الصلاة والسلام إلا الآذان الثاني وبهذا يتبين أنه لم يصل هو ولا أصحابه السنة القبلية وما صلاة الجمعة إلا كصلاة العيد لا سنة قبلها . وبالتالي فالصلاة قبل الجمعة ليست مشروعة باعتبارها راتبة وسنة قبلية لها . والجواب عن هذا من وجوه :
الوجه الأول : أن هذا لا يدل على نفي صلاة قبل الجمعة بل ينفي الصلاة بين خروج النبي( صلى الله عليه وسلم ) وبين الخطبة ونفي الصلاة بعد خروجه لا يدل على أنه لم يصل بعد الزوال وقبل الجمعة سنة إذ من المحتمل أنه صلاها في بيته قبل خروجه كما هو شأنه في بقية الرواتب حيث كان يصليها غالبا في بيته لا سيما وقد ورد في أدلة الجمهور أنه كان يصلي البعدية في بيته فكذا القبلية .
وقد روي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس , ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي في الناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين .
فإن قيل فكيف تثبت صلاته قبل خروجه إذ لا يدل خروجه من بيته ثم يرتقي المنبر على أنه صلى في بيته كما لا يدل على عدم صلاته ؟ قلنا : إن أدلة المثبتين تساعد على ثبوت صلاته لها في بيته ( صلى الله عليه وسلم ) .
وأيضا : بما روي أحمد والترمذي وحسنه بل صححه الشيخ أحمد شاكر عن عبد الله بن السائب أنه كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر ويقول هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح .
وفي رواية للإمام أحمد : ( أدمن رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) على أربع ركعات عند زوال الشمس ) والعلة هي أن أبواب السماء تفتح تلك الساعة فهل إنها تفتح في جميع الأيام وتغلق بعد زوال يوم الجمعة ؟ وما الفرق بين يوم الجمعة وغيره ؟
الوجه الثاني : أدلة الجمهور التي بمجموعها تثبت سنة قبلية للجمعة أدلة مثبتة وما جاء به مخالفوهم دليل ينفي فعلى فرض دلالته على نفي السنة ومساواته لأدلة الجمهور في القوة , فإن المثبت مقدم على النافي كما هي القاعدة الأصولية في الترجيح .
الوجه الثالث : إن قياس الجمعة على صلاة العيدين في عدم وجود سنة قبلية للعيد قياس مع الفارق لآن الجمعة فرض يمكن أن يكون قبلها وبعدها سنة , أما صلاة العيدين فإنها سنة مؤكدة قبلية أرجح الأقوال فكيف تكون للسنة المؤكدة سنة قبلية أو بعدية مثلها .
الوجه الرابع : أن تشريع الآذان الأول في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه كان باتفاق المسلمين فأصبح الآذان مشروعا فلا بد من شمول هذا الوقت بالسنة المطلوبة بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) (( بين كل آذانين صلاة )) ولذلك يقول الإمام ابن تيمية في الفتاوى : ( ويتوجه أن يقال هذا الآذان لما سنة عثمان واتفق المسلمون عليه صار آذانا شرعيا وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الآذان الثاني جائزة حسنة وليست سنة راتبة كالصلاة قبل المغرب وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ومن ترك ذلك لم ينكر عليه وهذا أعدل الأقوال ) .
وبعد هذا لم يبقى أي مجال لمن ينكر وجود سنة قبل صلاة الجمعة , وأوصي الأخوة المتحابين عليها بتخفيف الحملة على مثل هذه الأمور الخلافية حرصا على وحدة المسلمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين