الاثنين، 8 أبريل 2024

الفرق بين النموذج الأزهري والنموذج الخليجي .. في الإفتاء!

 الفرق بين النموذج الأزهري والنموذج الخليجي .. في الإفتاء!

أشار إليَّ بعض المتابعين في تعليق؛ بأنه يريد من علماء الأزهر أن يخرجوا في بثوث مباشرة، على مدار الساعة، يجيبون فيها على أسئلة الناس وفتاواهم، بالكتاب والسنة، على نحو ما يفعل أهل الخليج، ومن والاهم، وأن سبب تسلل هؤلاء إلى قلوب العامة وعقولهم؛ اعتمادهم على الكتاب والسنة في الإفتاء، ووضوح كلامهم، بخلاف الإفتاء عند علماء الأزهر؛ فإن لغته علمية دقيقة لا تفهمها العامة غالبا!
وهذا التعليق جدير بالنظر والمناقشة، ويمكن تلخيصه في عدة أمور:
أولا: تختلف مناهج الإفتاء من مُفْتٍ لآخر، ولا يلزم المفتي أن يذكر دليل الحكم للعوام؛ فإن أقوال العلماء بالنسبة للعوام؛ كالأدلة بالنسبة للمجتهدين!
وإنما وردت هذه الشبهة على ذهن صاحبها؛ من ظنه بأن أقوال الفقهاء غير نصوص الكتاب والسنة، والحق أنها فهمهم لنصوص الكتاب والسنة، في ضوء قواعد الاجتهاد!
ثانيا: الفتوى بمجرد الكتاب والسنة؛ ليست من عمل الفقهاء؛ لِما يطرأ عليهما من تخصيص وتقييد ونسخ، فالمفتي بهما مجرَّدَيْنِ - ما لم يكن فقيها - على خطر عظيم!
ثالثا: من قال: إن لغة علماء الأزهر في الإفتاء؛ لا تفهمها العامة، فهذه فتاوى الشيخ عطية صقر؛ لغتها أوضح من الشمس في رابعة النهار، سواء كانت مقروءة أو مسموعة، وبرامج الفتوى في الإذاعة والتلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ يفهمها العامة قبل الخاصة، فاللغة العلمية غير اللغة الإعلامية، والمفتي كثيرا ما يستعمل اللغة الإعلامية بديلا عن اللغة العلمية قصد الإفهام!
رابعا: إذا لم يرد دليل المسألة في الكتاب والسنة؛ فماذا يصنع المفتي؟! وبماذا يفتي؟! إن أكثر المسائل المستجدة اليوم؛ ليس لها دليل خاص في الكتاب والسنة، فيضطر المفتي المتمرس إلى البحث لها عن دليل آخر من القياس أو قول الصحابي أو الاستحسان أو الاستصحاب أو العرف أو المصلحة المرسلة وغيرها من الأدلة المعتبرة!
هذا هو المنهج الصحيح المعتبر في الإفتاء، لكن أصحاب هذا المنهج المشار إليه؛ حين لا يجدون دليلا للمسألة من الكتاب والسنة؛ يقولون بالتحريم، فضيقوا على الناس واسعا، مع أنه لا تحريم إلا بنص، وعدم العلم بالدليل؛ لا يعني عدم الدليل!
واستدلالهم بأن هذا الأمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس دليلا على التحريم؛ لأن ترك الفعل لا يعني تحريمه بيقين؛ لاحتمال تركه لأسباب أخرى غير كونه حراما، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال؛ سقط به الاستدلال!
ومن هذه الدائرة ضيقوا على الناس حياتهم، حتى أصيب الناس بوسواس البدعة؛ إذا هم فعلوا أمرا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم!
خامسا: كثير من المواقع الخليجية اليوم؛ رجعَتْ إلى منهج الأزهر في الإفتاء، وصارت تنقل أقوال الفقهاء ومذاهبهم من كتب الفقه المعتمدة، كموقع إسلام ويب، وإسلام أون لاين، وغيرهما من المواقع!
سادسا: بعض المشار إليهم ممن يتبعون المنهج الخليجي في الإفتاء؛ ثبتت عنه كوارث إفتائية؛ لأخذه مباشرة من الكتاب والسنة، ولجهله بقواعد الإفتاء، وخلوه من أدوات المفتي!
سابعا: نحن مع ما اقترحه صاحب التعليق المشار إليه؛ من أن الأفضل لعلماء الأزهر أن يخرجوا في بثوث مباشرة؛ ليتكلموا مع الناس في قضاياهم ومشاكلهم، بلغة سهلة واضحة؛ ليزاحموا هؤلاء الذين أفسدوا عقول الناس بفتاواهم!
وهذا واجب الوقت على علماء الأزهر، يوشك أن يأثموا بتركه جميعا، ما لم يقم بعضهم به، وقد أطلقنا الدعوة لهم - عبر صفحاتنا - من خلال مبادرة قافلة #نور_الأزهر_، وبالله التوفيق.
د محمد ابراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف