الأحد، 1 يوليو 2018

مواقف اهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث

مواقف اهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث
**المفاهيم المغلوطة للسلفية اوقعت شباب الأمة في منزلقات خطرة منها التكفير 

**لا بد من توضيح مفهوم السلف الصالح وتخليصه من الغموض والابهام 

**بعض السلفيين اساء فهم الخيرية وحصر نفسه في القرون الثلاثة الاولى من الهجرة 

اعتمد المنتسبون للسلفية على الخلط بين مفهوم السلف الصالح وانتسابهم للتيار السلفي وبين جماعتهم والطائفة المنصورة أو الناجية التي وردت في الاحاديث الشريفة واختلطت لديهم اصول العقائد وفروعها فاتجهوا في مسار تنصيب المحاكم الفكرية والشرعية والعلمية يحاكمون فيها الدعاة والعلماء والجماعات الاسلامية التي تبذل جهودا في دعوة الناس الى الاسلام دون أن يكلفوا انفسهم عناء الجلوس اليهم والاستماع الى ما عندهم من الحجج والأدلة وعلى اثر هذه المفاهيم التي اتسمت بالخلط وسوء التقدير الشرعي لها.
فالكثير من العلماء والفقهاء تنبهوا الى مخاطر أدعياء السلفية وما ترتب على منهجهم الدعوي والتعليمي من انحرافات في الفهم والتصورات وما أحدثوه من قواعد مستحدثة لم تكن عند السابقين من العلماء فقاموا بترشيدهم بالانكار عليهم وبيان منهج سلفنا الصالح في معالجة الخلافات المذهبية والفقهية وكيفية بناء الاحكام الشرعية في المسائل المختلف فيها بين الجماعات والدعوة .
ونحن من خلال هذه المحاولة لا نريد التشهير بهم بقدر ما نريد :
1- ان نحفظ اعراض العلماء والدعاة الذين ابلوا البلاء الحسن في توجيه الامة المسلمة الى الخير والعمل الصالح ودعوة الضالين منها وهذه المفاهيم المغلوطة اوقعت شبابنا في منزلقات خطيرة منها تكفير الناس وتفسيقهم واتهامهم بالبدع واتباع الضلالة.


2- ومن جهة اخرى نريد ان ننزه كثير من العلماء السنة الاموات منهم والاحياء مما نسب اليهم من اقوال مبتورة وملفقة من غير تمحيص وتدقيق في اتهام العلماء واقحامهم في متاهات الهوى وصرف الجهود عن البناء مما جعل البعض من غير تثبت يتحامل على هؤلاء الأفذاذ فيقع في ما نهى عنه الشرع.
السلف الصالح والسلفية المستحدثة
ان الحديث عن السلف الصالح هو حديث عن مرجعية علمية وروح مباركة صاحبت العهود الاولى في فهم الاسلام وشرح احكامه وتوضيح تعاليمه وهي في اطار الاستدلال والاستشهاد تعتبر ضرورية في ادراك الاحكام الشرعية وبناء المفاهيم حيث نجد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول عن نفسه وعلمه (اني والله لأعلمكم بكتاب الله وآياته اين نزلت ومتى نزلت وفيمن نزلت) والسلفية المستحدثة وأدعياؤها تجدهم يكثرون من استعمال وترديد عبارات السلف الصالح ويتحدون سائر الجماعات الاسلامية على اعتبار انها لا تلتزم مرجعية وفهم السلف الصالح واحتكروا هذا المصطلح لأنفسهم والى كل من ينتسب الى جماعتهم ويريدون التميز به عن سائر المدارس الاسلامية. فنجد هذا المعنى عند احد اقطابهم حيث يبنى انحراف الجماعات الاسلامية غير جماعته لأنها لا تعتمد في اصولها عند فهم احكام الاسلام من مدلول الكتاب والسنة على ركن - كما يرون - فهم السلف الصالح.
توضيح :
ان هذا يدفعنا الى توضيح مفهوم السلف الصالح لكي لا يبقى هذا المفهوم غامضا مبهما لا يعرفه سائر المسلمين وبصفة خاصة طلبة العلم الشرعي في سعيهم العلمي او يستعمل في غير سياقه الشرعي ومدلوله المعرفي.
فكلمة السلف تطلق لغة على ما هو سابق وماض او قديم في الزمن فنقول: في سالف الزمن اي في الماضي القديم ويقال هؤلاء سلفنا اي احدادنا الاوائل وقال تعالى (فجعلنا سلفا ومثلا للأخرين) الزخرف 56 قال العلامة اللغوي الفراء: جعلناهم سلفا متقدمين لتغظ بهم الاخرين.
وكما قال امام دار الهجرة مالك بن أنس ( لا يصلح اخر هذه الأمة الا بما صلح أولها) اي سلفها وقال الشاعر قيس بن الخطيم:
لو عرجوا ساعة نسائلهم . ريث يضحى جماله السلف
معناها القوم الذين يتصدرون ويتقدمون السير في الركب والسير يستطلعون لقومهم.
أما في الاصطلاح فلا يعرف لها تعريف معين لان هذه الكلمة أصلا لم يكن لها اثر في عهد الصحابة والتابعين لها ولم نجد لها تداول علمي في الاستدلالات الشرعية ومصادر التشريع وأليات الاستنباط الفقهي اللهم الا ما يعرف في مصادر الاستنباط والتشريع من قول الصحابي او عمل اهل المدينة او ما وجدناه عند اتباع التابعين لدى استدلالاتهم الفقهية يقولون: كان الصحابة يفعلونه او يرونه ويستحسنونه او عبارة هذا ماذهب اليه الصحابة رضي الله عنهم.
اما لفظة السلف فقد شاع استعمالها في القرن الثالث حيث ذكرها جمهرة من العلماء والفقهاء واهل التفسير :
فالامام ابو حامد الغزالي يعتبر الصحابة والتابعين من السلف والعلامة ابن كثير والمسفرابن الجوزي صاحب زاد المسير والمحدث ابن حجر العسقلاني عند ذكر السلف يشير الى الصحابة والتابعين لهم وكذلك الامر بالنسبة لشيخ الاسلام تقي الدين بن يتمية فان السلف عنده القرون الثلاثة ومن اتبع منهجهم ومسلكهم من الخلف.
وعلى هذا الاعتبار فمصطلح السلف :
هو اقوال وافعال الصحابة والتابعين لهم ومن تابعهم فهم من حيث الزمن القرون الثلاث المشهود لهم بالخيرية والافضلية لما جاء في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة احدهم يمينه، ويمينه شهادته) رواه مسلم أبو داود في سننه.
وروى الامام مسلم في جامعه الصحيح عن ام المؤمنين الصديقة عائشة رضي الله عنها انها قالت: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم اي الناس خير؟ قال(القرن الذي انا فيه ثم الثاني ثم الثالث) .
واختلف العلماء في المقصود بالقرن هل:
- هو الزمن أي مئة عام.
- أو المراد الأمة .
والعرب اطلقت القرن على مجموعة من السنين فالقرن اطلق على الثلاثين والاربعين والستين والسبعين وهو متوسط اعمار امة الاسلام .
والراجح في كل ذلك هو ما اقترن الناس فيه من اعمارهم وظروفهم .
وقال العلامة الأزهري (القرن اهل كل مدة كان فيها نبي او كان فيها طبقة من اهل العلم قلت السنون او كثرت) وعلى هذا المعنى فالقرن هم الصحابة والتابعون وتابعوهم.


.

مفهوم الخيرية
قد اساء بعض ادعياء السلفية فهم الخيرية المنصوص عليها في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ان الخيرية اقتصرت على القرون الثلاث الاولى التي جاءت من بعد ذلك فاتجهوا الى رفض ومعارضة كل رأي او فهم يأتي من خارج دائرة القرون الثلاث الا بانتقاء الاراء بعد ذلك من العصور المتأخرة.
والحقيقة التي يجب ان نجليها ان الخيرية لم تكن في جميع من عاش القرون الثلاث الاولى بل الخيرية كانت في العموم والمجموع الغالب واذا كان الامر على المعنى الاول لما ظهرت في هذه المرحلة اغلب المدارس والمذاهب والفرق والطوائف الاسلامية المعتدلة منها والمتطرفة حتى الغلاة من الكفرة والزنادقة وما كان منها في حدود الاسلام او خارجه سواء في الابعاد السياسية عندما اختلفوا في مشروعية الحكم والولاية والسلطان او العقيدية في مسائل التوسل وخلق القرآن والنظر لوجه الله تعالى القضاء والقدر ومسألة القيامة وغيرها والفقه في احكام العبارات والمعاملات والمغازي وقضية التصوف والتزكية ومنهج التربية والتنمية الروحية.
في هذه المرحلة كان فيها الصلاح والفساد والخير والشر الا ان الصلاح والخير كانا هما الغالب والعام والشر قليل ومنحصر بالخير وهو موجود في مجموع الأمة وليس في جميعها وهذا يقتضي ان الخير والصلاح يمكن ان يتوفر وينشر في من يأتي بعد القرون الثلاث الاولى كما اشار الى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله تعالى يبعث على كل رأس كل مئة سنة لهذه الامة من يجدد لها امر دينها) رواه البخاري.


تقرير
واذا رجعنا الى تقدير الزمن في القرون الثلاث الاولى فنجد:
عهد التابعين يبدأ بعد وفاة الصحابة رضي الله عنهم في السنة العاشرة من التاريخ الهجري فكل من ولد بعد العاشر فهو تابعي عايش الصحابة وتعلم من علمهم وفهم الاسلام وفق فهمهم واخر الصحابة موتا هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم انس بن مالك رضي الله عنه توفي المئة الاولى (102هـ) .
وبعد هذه السنة تأتي طبقة اتباع التابعين فأئمة المذاهب من ابي حنيفة النعمان والامام مالك والامام احمد والامام محمد بن ادريس الشافعي والامام الاوزاعي والثوري والزهري والليث بن سعد وأئمة الحديث ابي اسماعيل البخاري والحجاج بن مسلم النيسابوري وابي عيسى الترمذي وابو داود السجستاني وابن خزيمة والنسائي وابن ماجه والامام النخعي والمدني ويحي بن معين وغيرهم كل هؤلاء يعتبرون من قرون الثلاث الاولى.
لما لا تسمع لهم ذكر في استدلالات واستشهادات ادعياء السلف الصالح اليس الامام مالك وابي حنيفة من أئمة السلف الصالح ؟ فلماذا هذا التمييز والتصنيف؟ ومن المستفيد منه؟ وهل الامانة العلمية تقتضي الاقصاء والتجاوز ام الاحاطة والادراك مع الاستفادة؟
هلامية
ما هو مفهوم السلف الصالح عند ادعياء السلفية او السلفية المستحدثة؟ فانهم عند اطلاقهم لعبارة السلف الصالح لا يظهرون لنا مفهوما واضحا تتضح فيه حدود لفهم المصطلح والمعالم المنهجية في الاستنباط والاستدلال الشرعي للاحكام الفقهية فمرة يقولون ان سألتهم ما السلف الصالح قالوا هي اقوال واعمال ومواقف الصحابة رضي الله عنهم ومرة اخرى يقولون السلف الصالح ما كان عليه الصحابة من هدي وعلم ومنهج حياة واذا اوغلت في الابعاد العلمية وسألتهم ما هو منهاج الصحابة اجابوا بان المنهج هو ما اوثر عنهم من اقوال وافعال فتجدنا ندور حول مفهوم السلف الصالح بلا محدد ولا معيار علمي فيه كأنه مصطلح هلامي لا يفقهه دعاته والحقيقة ان كل اطلاقاتهم لمفهوم السلف الصالح لا تجعلهم يميزون به لان كل الجماعات الاسلامية العاملة في الساحة ترجع الى فهم السلف الصالح من اقوال وافعال الصحابة عليهم الرضوان وكذلك علماء القرون الثلاث .

فجماعة الاخوان المسلمين صرحت على لسان مؤسسها الامام حسن البنا رحمه الله تعالى في رسالة المؤتمر الخامس وهي مؤتمرات يعقدها الاخوان ليبينوا للعالم ومن حولهم فكرتهم وعقائدهم ومنطلقاتهم ومواقفهم من ابرز الاحداث حيث اشار الى طبيعة دعوة الاخوان المسلمين فقال ان دعوة الاخوان سلفية وقصد بها كما اشار (انهم يدعون الى العودة بالاسلام الى معينة الصافية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال عن دعوته انها طريقة سنية لا الاخوان يحملون انفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء وبخاصة في العقائد والعبادات وما وجدوا الى ذلك سبيلا( .

وجماعة الدعوة والتبليغ لئن وضعت لنفسها اصولا تسير عليها في دعوة الى الله واعتمدت على المرجعية والكتاب والسنة وفهم الصحابة رضي الله عنهم وهم عندها سلف صالح وقد قال فيهم الشيخ الامام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وهو يعظ احد الدعاة الذي ارسل اليه خطابا فيه طلب استصدار فتوى في تفسيقهم وتبديعهم فقال فضيلة الشيخ وصلني رسالة منك حول جماعة التبليغ ويؤسفني ان ينهج احد الدعاة الى الله هذا المنهج المخالف لشرع الله في سب اقرانه في الدعوة الى الله وشتمهم وتضليلهم واتهامهم بتنفيذ مخططات الاعداء في الكيد للاسلام والمسلمين وكل ما في الامر ان جماعة التبليغ نهجت في الدعوة الى الله منهجا اخطأت - فيما نري - في بعض جوانب منه من الواجب ان ننبههم على هذا الخطأ كما نرى من الواجب الاعتراف بما في منهجهم من صواب وليت اخي يخرج معهم ليتعلم منهم اللين بدل القسوة والدعاء للمسلمين بدل الدعاء عليهم والجدل بالتي هي احسن بدل الجهر بالسوء وكلنا محتاج لتفقد نفسه وتصحيح منهجه والرجوع الى الله والى سنة رسوله في طاعة الله والدعوة اليه) رسالة مؤرخة يوم 3/3/1408هـ ديوان الافتاء.
انه كلام من عالم حريص على وحدة الدعاة الى الله ويرفض التصنيف والجرح في الدعاة وهذا الخطاب دال على هذه المنهجية في التعامل مع الجماعات المتعددة وكلها منسوبة الى فهم سلفنا الصالح.
وعلى هذا الاساس وبناء عليه فما هو المفهوم الحقيقي لمصطلح السلف الصالح الذي حوله اقام ادعياء السلفية والسلفية المستحدثة معاركهم وجرحهم وتعديلهم للاشخاص والجماعات والمناهج وجعلوه حديثهم عشية وضحاها هل هي اقوال واعمال الصحابة من يلونهم؟ وهل هو اجماعهم او اجماع الخلفاء الراشدون؟ هل المصدر الثالث في التشريع الاسلامي يقتصر على اجماع الصحابة وحدهم ام يتعدى الى سائر من يأتي بعدهم فيجمعون على امر معين؟
فالاجابة عن هذه التساؤلات لا تقدم ولا تؤخر بحكم ان ادعياء السلفية لا أثر لهم في الامر من جهة الاختصاص لان هذه القضايا معلومة عند اهل الذكر والعلم في القديم والحديث فليست اختصاص مذهب دون الاخر.
ومن هنا فمصطلح مذهب السلف والسلف الصالح هو عبارة عن كلمة انشائية لا وجود لها في القاموس الفقهي والدليل التاريخي انما كل ما عندنا منهج فكري تصوري يعتمد الاخراج الشرعي في المسائل المختلف فيها او يقيم موازين المحاكمة الشرعية لأغلب الاراء الفقهية فليس هناك مذهب او مدرسة تسمي مذهب السلف او المدرسة السلفية إنما ما هو موجود المذاهب الاربعة لائمة الاعلام وهم من السلف واصحاب القرون الثلاث الاولى وتجدهم اختلفوا في كثير من مسائل الفروع في الفقه واما الاصول فلم يختلفوا كثيرا الا في بعض المسائل العقدية بينهم وعند مناقشتهم لها فلا يوجد عندهم مذهب السلف فكل ما هو موجود عندهم المتقدمون او المتأخرون او عندهم رأي السلف ورأي الخلف في المسألة المختلف فيها وقد اشار الدكتور حسن بن علي السقاف في كتابه (البشارة والاتحاف فيما بين ابن تيمية والالباني في العقيدة من خلاف. )
فشيخ الاسلام لا يقول الا بما يوافق الكتاب والسنة ورأي السلف الصالح وكذلك الشيخ ناصر الدين الالباني.
ومع هذا الاتفاق في المستند نجد ان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يثبت قدم العالم بالنوع والامام ناصر الدين الالباني ينفيه , كما نجد الامام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يعتقدان بفناء النار ويثبتان ذلك والامام الالباني ينكر عليهما ويصرح بخطورة قولهما وعدم جواز هذا المعتقد رغم اخذهما من معين واحد ومستند واحد.

مواقف اهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث «2» 

السلفيون الجدد وضعوا منهجا مغايراً لمنهج علماء السنة وبأدلة ملفقة
ضيقوا واسعا وجمدوا العلم وحصروه وبعضهم شتم ابو حنيفة
جعلوا الشغب على العلماء من ابواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اصولهم في منهجية النقد والحكم على المسلمين وجماعتهم
ان ادعياء السلفية او السلفيون الجدد المستحدثون للسلفية وضعوا منهجا مغايرا لمنهج علماء السنة يؤصلون فيه حربهم على الدعاة والفقهاء والعلماء من يرون انهم انحرفوا عن الصراط والسنة المطهرة فلفقوا لمنهجهم ادلة من القرآن والاحادث النبوية وبعض مواقف السلف الصالح فقعدوا مجموعة من القواعد والاصول واجهدوا انفسهم في البحث عن الاستدلال من الكتاب والسنة ويثبت من عمل السلف الصالح ومن اصولهم.
اولا: .. اسقاط تحكيم الشريعة من منهج الانبياء والرسل.
قام هؤلاء الادعياء من خلال بعض رؤوسهم بحصر دعوة الانبياء والرسل عليهم السلام جميعا في توحيد التقرب بان تكون العبادات وما يتقرب به العبد لله تعالى وحده لا شريك له وهذا التوحيد اصطلح عليه بتوحيد الالوهية وكتب احد شيوخهم من شاع عنه محاربة اهل الدعوة والعلم رسالة وجود بعد الخلق الامر( ياايها الناس آمنوا واطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء 59 فتحكيم الله والرسول عند النزاع تشريع وتحكيم الشريعة من الايمان والتوحيد والايمان باليوم الآخر وقال الله تعالى في آية اخرى يعتب على الذين يشرعون بدون اذن من الله تعالى او يشرعون فيما يخالف العقيدة (ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) الشورى 21.
وقال عن دعاته وائمة العلم والحكم (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون) السجدة 24 فمن الايمان بالله وتوحيده ان يشرعوا بامر الله تعالى وجعل امامة الدين منوط بامر التشريع والرجوع الى التحكيم وهو من التوحيد.
ثانيا .. حصر علماء السلف في عدد محدد
ومن السقطات القاتلة في المرجعية العلمية ان ذهبوا الى القرون الثلاث كما يزعمون وقصروا الخيرية على بعض العلماء بعد ما كانت الخيرية شاملة فيهم بل ذهبوا الى ما هو اخطر وابعد من ذلك الى حصر الصحابة والاخذ عنهم فعبد الله بن عمر مقدم عندهم عن عبد الله بن عباس لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما اكثر في نظرهم تمسكا وشدة في اتباع السنة خلاف لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعندما جاؤوا الى عصر التابعين واتباعهم فعلماء السلف عندهم محصورون في عدد معين لا يتجاوز عدد اصابع اليدين وهم (الامام احمد بن حنبل - والامام الخلال - والمحدث الدرامي - والمحدث ابن خزيمة - والامام ابن حجر العسقلاني - ومن المتأخرين الامام ابن بطة والبريهاري - وشيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم الجوزية وفي العصر الاخير الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكل متأخر يتمسك بعلمهم ويأخذ منهم فهو سلفي ولعمري انه لمنطق تضييق الواسع وتجميد العلم وحصره وقد رأينا كيف تصرف امام السلف ودار الهجرة مالك بن انس الجمحي لما طلب منه الامير الاموي ابي جعفر المنصور ان يحمل الناس على تعلم كتابه الموطأ وهو اصح كتاب للسنة بعد القرآن قبل ظهور الجامع الصحيح للبخاري فقال الامام مالك بعد ان رفض ان يحمل المسلمون على علمه ( يا امير المؤمنين ان علم رسول الله انتشر في الامصار وما عندي الا النزر اليسير منه فلا تضيق واسعا) هذا هو موقف العقلاء من الامة وليس كموقف المتنطعين الذين قاموا بعملية بتر العلم عن الافذاذ والجهابذة وقصر بوجه غير شرعي في افراد يقل عددهم ولا يسع علمهم مهما بلغ امام جداول من الفقهاءوالمحدثين والاصوليين والمفسرين فالذين ذكروا لا يقلون شأنا عن الأخرين فهم اعلام ولكن الخيرية في مجموع القرون الثلاث للامة الاسلامية وياليت اكتفوا بهذه الثلة من الاعلام والائمة وانتصبوا لهم اتباع واشياع امسكوا السنتهم عن سائر العلماء والائمة خاصة ائمة المذاهب من اهل السلف لقد كتب احدهم يقول في الامام ابي حنيفية رحمه الله تعالى (استتيب ابو حنيفة من الكفر مرتين ولعنه الله ان كاد يهدم الاسلام عروة وما ولد في الاسلام مولود شر منه) كتاب مقابلة بين الهي والضلال ص 127 وقالوا في الامام الجويني امام الحرمين مثل هذا حيث شككوا في اسلامه وعقيدته والامام ابو حامد الغزالي اتهموه بالزندقة والانحراف عن الدين ومنعوا دراسة مصنفاته خاصة كتابه المشهور احياء علوم الدين ورموا الامام سيف الدين الآمدي لم يتوضأ قط معناه لم يؤد الصلاة في حياته انها بعض النماذج عن قدح العلماء فالله نسأل المغفرة.
ثالثا .. عدم الاعذار والاخذ بالزلة والخطأ
ارادوا صرف الشباب عن اتباع الجماعات الاسلامية والدعاة والمصلحين فاختلقوا اصلا اخر من اصولهم مفاده كل من وقع في بدعة وجب وصفه بالمبتدع ويجب شرعا هجرة المبتدع ومحاربته والتقرب الى الله بذلك ولا يجوز الاستفادة من علمه ودعوته ولاجهاده واستدلوا بالقرأن والسنة النبوية في ما ذهبوا اليه من تصور وجعلوا التشغيب على العلماء والدعاة من فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة اهل السنة والجماعة واخذ التشغيب اساليب العنف والطرد من المساجد وانزال الائمة من على المنابر وهم يخطبون وقراءة القرآن بصوت مرتفع والعالم يعقد حلقات العلم ونشر الرسائل واشاعتها بين العام للافساد على العلماء لما تحمله من طعن واتهام بالضلالة والفسق والابداع.
واطلعت على كتاب الفه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي عفا الله عنه يؤسس فيه لعلم ما كان قائما ومعروفا في السلف الاول منهج النقد او الجرح والتعديل في الرجال والمناهج والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف) والحقيقة ان علم الجرح والتعديل عرفه طلاب العلم في باب التحقيق والتمحيص في علم الحديث وروايته ويتعلق بعلم الرجال الذين يرون الحديث وكان الغرض الشرعي من الجرح وهو غير مأذون شرعا حماية ورعاية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوضع والكذب والتزوير فيه لانه جزء هام من التشريع الاسلامي ان ينصب الانسان نفسه وصيا وراعيا على الدين او مدافعا على اهل السنة والجماعة فهذا امر مناف لخلق اهل العلم انما الذود عن الدين مهمة العلماء والدعاة في عمومهم وليس في اشخاصهم فلا يحق للشيخ الربيع ان يقعد في الأمة مقعد الرقابة الفكرية او يمنح الاجازة الفكرية للدعاة والعلماء والفقهاء وانما الذي يصوب الاراء والنقاش ويصحح المسائل هو المناظرة والحوار والمجادلة بالحسني وليس اسلوب الجرح الذي اسقطوا عنه التعديل والتصنيف للعلماء من قريب لاهل السنة والجماعة او من بعيد عنهم.وكان خلاصة كتاب منهج اهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب ان من وقع من المسلمين في بدعة من البدع فيجب انكارها عليه وانه لا يجوز ان يذكر في المسلمين الا بها وانه يجب التحذير منه حتى لا يخدع الناس به وانه مهما عمل حتى لو استشهد في الجهاد او عمل صالحا فانه لا يقبل منه.
انه منطق الحرب والعداوة لاهل العلم والدعوة فالاستاذ عمرو خالد من ابرز الدعاة في علم الاعلام يتهم عندهم في دينه والسبب انه بلا لحية او ان غلب جمهوره من النساء ونسوا ان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يخصص للنساء يوما من ايامه لتعليمهن امور الدين والله تعالى ذكر حواره عليه عليه الصلاة والسلام مع امرأة تجادل في شأنها وسميت السورة بالمجادلة وهناك توجيهات شرعية متعددة في القرأن خاصة بالنساء ولهن سورة تسمى النساء واتهموا العلامة يوسف القرضاوي والشيخ البوطي والداعية الجفري والدكتور السلفي ابو اسحاق الحويني والداعية الدكتور عائض القرني والشيخ الدويش والشيخ الدكتور عبد المجيد الزنداني وغيرهم من العلماء والدعاة فان الاسباب في اتهامهم هو ان هناك من يسعى الى هؤلاء الادعياء بالترويج للسقطات وتضخيم الهفوات والاخطاء فيخرجون الاخطاء من دائرة الاجتهاد والعمل واثاره الى دائرة العقائد والاصول واحكام الملة حدثني احد ادعياء السلفية عن المفكر العملاق سيد قطب فبدأ يتهم عقيدته ودينه فلم اريد ان ارد عليه فقلت له: اتعرف سيد قطب قال: نعم فقلت: من اين الرجل؟ فقال وهو واثق من قوله: انه من سوريا (مصري) ثم قلت له هل قرأت له كتابا فاجابني بحدة (الجاهل) انا لا أقرأ من في عقيدتهم قول فقلت له: فكيف عرفت ان في عقيدته قول؟ فأجابني : اخبريني من اثق في علمه فقلت له: اخبرك من تثق في علمه فكيف حصلت لك الثقة وانت لم تجلس الى من اخبرك ولم تتعلم منه ولعله قرين لك في المستوى ولم يطلع مثلك عما كتبه سيد قطب وقلت له مسترسلا في الحديث هل تعلم ان الله قال في محكم تنزيله (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا) فلا يجوز لك شرعا اتبنى موقفا شرعيا بهذا الحكم في الحكم على عقائد الناس الا بعد العلم والنبيين من كل ذلك وهذا لم تفعله والامر الثاني لا تحكم على الناس بحكم الاخرين لقوله تعالى( يا أيها الذين امنو ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فلما انهيت كلامي معه رغم اني اختصرته فقال : مستوعبا لما قلته له : سأحرص على اقتناء مؤلفات سيد قطب وانظر فيها بنفسي ويكون لي حكم بعيد عن الاشاعة والترويج ففرحت له وسألت الله له التوفيق وادركت حينها ان هؤلاء الشباب وقعوا في مؤامرة صرف شباب الامة عن العمل والبذل والهموم الكبرى لامتهم. واصبح ادعياء السلفية او السلفيون المستحدثون يتتبعون سقطات الدعاة والعلماء والجماعات الاسلامية في الدعوة ويجمعون لهم ما اخطئوا فيه وكل ابن ادم مخطأ (ولكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة) واخطر ما تتبعهم للسقطات والاخطاء هو جعل سقطة احدهم عقيدة يؤاخد بها ولا تدرج له في الاعمال الاجتهادية اساسها الخطأ والصواب وليس الحق والباطل وجعلوا الخطأ في الفروع كالخطأ في الاصول وكذلك الجزئيات كالكليات وامهات المسائل في الدين فاللحية وتقصير الثوب اولوية في الالتزام بالدين وفي التعبير والالفاظ لا يحملون المطلق على المقيد ولا مبهما على مفسر ولا متشابها على محكم ولا متقدما على متأخر ولا عاما على خاص ويأخذون بلازم القول وظاهره.
فصرنا نسمع منهم هذا خارجي وذلك باطني والاخر معتزلي واولئك زنادقة جاؤوا يخربون الدين بحزبيتهم وتعدد جماعاتهم فوقعوا فيما هو شر منه تصفيف الناس بين الجنة والنار او بين الملة والخروج عنها فقال فيها الشيخ بكر بن عبد الله ابو زيد حفظه الله (تصنيف الناس ظاهرة عجيب نفودها هي رمز الجراحين او مرض التشكيك وعدم الثقة حملة فئام غلاظ من الناس يعبدون الله على حرف فألقوا جلباب الحياء وشغلوا به اغرار التبس عليهم الامر فضلوا واضلوا فلبس الجميع اثواب الجرح والتعديل وتدثروا بشهوة التجريح ونسج الاحاديث والتعلق بخيوط الاوهام فبهذه الوسائل ركبوا ثبج التصنيف للاخرين وللتشهير والتنفير والصد عن سواء السبيل، ومن هذا المنطلق الواهمي غسلوا السنتهم في ركام من الاوهام والانام ثم بسطوها باصدار الاحكام عليهم والتشكيك فيهم وخدماتهم والصاق التهم بهم وتوزيعهم اشتاتا وعزين: في عقائدهم وسلوكهم ودواخل اعمالهم وخلجات قلوبهم وتفسير مقاصدهم ونياتهم .. كل ذلك واضعاف ذلك مما هنالك من الويلات يجري على طرفي التصنيف : الديني واللاديني. فترى وتسمع كل ذلك او هذا بأنه : خارجي معتزلي -اشعري - طرقي. اخواني تبليغي مقلد متعصب متطرف. رجعي اصولي.
وفي السلوك: مداهن - مراء - من علماء السلطان - متعلما الوضوء والغسل.
ومن طرف لا ديني: ماسوني. علماني. شيوعي. بعثي. اشتراكي قومي. عميل وان نقبوا في البلاد وفتشوا عنه العباد ولم يجدوا عليه عثرة او زلة وتصيدوا له العثرات واوجدوا له الزلات مبنية على شبه واهية والفاظ محتملة اما اذا افلست جهودهم من كل هذا رموه بالأخرى فقالوا عنه متستراً محايداً.
الى غير ذلك من ضروب تطاول سعاة الفتنة والتفرق وتمزيق الشمل والتقطع، رسالة تصنيف الناس بين الظن واليقين ص 9و10 كتب الشيخ السلفي الرباني بكر ابو زيد لادعياء السلفية لما رأى منهم من تجاوز في اعراض العلماء وخصها بالتوجيه الى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي قعد مقعد التصنيف في الامة الاسلامية وتطاول على اقرانه ومشايخه فرماهم بالخروج عن منهج اهل السنة والجماعة.
رابعا .. ترك السياسة وعدم الاشتغال بها
هناك مقولة يرددها ادعياء السلفية عن السياسة وهي (من حسن السياسة هي ترك السياسة) مفادها ان السياسة فرقت الناس وجعلتهم في صراع ونزاعات مستمرة وصار المحكوم في مواجهة الحاكم ونتج تناحر بين المسلمين وتكالب على الدنيا والمناصب والذي نعرفه عن هؤلاء الادعياء من المستحدثين انهم يخوضون في السياسة بطريقة مغايرة حيث لا يرون الخروج على الحاكم ويعطونه الولاء المطلق بدون معارضته ويرون ان الاعلان عن المعارضة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تشهير به وفضحه على الملاء ويجب طاعة الحاكم في الصغيرة والكبيرة واعتقد اشياعهم ان السياسة ليست من الدين وصاروا يقدحون في الجماعات التي تمارس العمل السياسي ووصفوهم بالضالين والمنحرفين عن الاسلام ومن تركهم للسياسة انكروا القضايا الكبرى في الامة الاسلامية خاصة القضية الفلسطينية فافتوا بجواز الاتفاقيات السلام مع اليهود وتجريم من القى بنفسه بين العدو ليستشهد فيهم وجواز تواجد قواعد عسكرية لمحاربة الدول العربية المعادية للغرب وسئل احد اقطابهم عن الحكم الشرعي في الرد على العدوان اليهودي في ارض فلسطين فأجاب وهو واثق من فتواه: عليكم بالهجرة من ارض فلسطين كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة الى المدينة واستدل بقوله تعالى (ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها) فلما سمع بها الشيخ العملاق محمد الغزالي علق قائلا: انها فتوى قرة عين اليهود اي هذا ما يطلبه اليهود من فلسطين اي هذا ما يطلبه اليهود من الفلسطينيين وكأن اليهود اصحاب الارض على عكس الفلسطينيين.
ومن سياستهم سكوتهم عن اصحاب الباطل من العلمانيين والاباحيين والتغريين لاعتقادهم ان الدعاة هم الذين يشوهون الاسلام والدعوة الاسلامية وهم في نظرهم اخطر من النصارى والهيود فمحاربتهم اولى واسبق من محاربة اليهود والنصارى في هذا السياق يرى احد مشايخهم والذي يقوم مسيرتهم اليوم الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ان جماعات الدعوة القائمة ماعدا السلفية وجب قطع عملها من الارض كلها وان يحاربوا حرب الكفار من اليهود والنصارى لانهم اخطر من اليهود والنصارى ويجب ان تمنع كتبهم وينفر الناس عنهم ولو أدى ذلك بقاء الناس على معاصيهم فهو افضل من ان يهتدوا بهدي جماعات الدعوة فاصبح يرى حرب الجماعات والدعاة والمصلحين دينا يدين به وجهادا عظيما



مواقف اهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث «3» 

الاتجاه السلفي لا يقر بالتنظيم وقد افترق الى جماعات اختلفت فيما بينها
احيوا في الأمة المسائل الخلافية وخاصة على مستوى العقائد
ادعياء السلفية يريدون اجبار الناس على رأي واحد جامع مما يخالف طبيعة الأشياء
رفضوا المذاهب الفقهية واعلنوا الحرب عليها واتهموا الفقهاء


لا يعرف لادعياء السلفية منهج واضح ومحدد في الدعوة والعمل الاسلامي لأنهم لم يكتبوا في المنهجية والاساليب الدعوية وذلك لاعتبارات كثيرة اهمها في نظري .
أولها : ان الاتجاه السلفي مذهباً محدد المعالم كسائر المذاهب ولا يعتبر نفسه جماعة محددة التقاسيم ولها منهجية وتنظيم في العمل فهو في العقائد والاحكام والتربية قد تشترك فيها جميع الجماعات العاملة في الساحة .
ثانيهما : -
الاتجاه السلفي لا يقر بالتنظيم ولا يعمل على إيجاده من منطلق ان السلفية مرجعية في الفهم والعمل لمن اراد ان يعمل للاسلام ويدعو له .
ثالثاً : -
ان الكثيرين من كبار السلفين العلماء والمصلحين انخرطوا في اعمال دعوية كالتأليف ،ونشر العلم وتصحيح المفاهيم للمسلمين ومنهم من أسسوا جماعات وحركات تنظيمية تقوم بتأهيل الناس الى حمل الرسالة واصلاح الاوضاع المختلفة منهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ السنوسي والامام الشهيد حسن البنا والشيخ جمال الدين القاسمي ومحمد رشيد رضا وشيخة محمد عبده والشيخ جمال الدين الافغاني الشيخ عبد الكريم الخطابي .
فكل هذه الاعتبارات جعلتني لا أقف علِى حقيقة منهج معلوم وما جعلني أتعرض لهذا هو انني لاحظت فيمن ادعى السلفية ملامح منهجية ينتحلون منها الطريقة الدعوية فصارت فيهم شبه دعوة جماعية منظمة يسيرون وفقها ويجمعون الشباب حولها فصارت ظاهرة للعيان في الواقع مع التسليم انهم افترقوا الى مجموعات بعضهم اختلفوا على القيادات العلمية المرجعية والبعض على الاتجاه نحو السلفية والجهادية والحركية السياسية .
أولاً : اعتماد التعليمية التربوية
ما يمكننا ملاحظتة فيهم انهم يعتمدون على العلمية من تعليم وجمع الناس على حلقات العلم لاعتقادهم بالعلم انتشر الاسلام ونشر المفاهيم من خلال نشر الافكار بتطهير العقائد ومحاربة البدع والخرافات وركزوا على نشر الكتب والرسائل لمشايخهم ومفهومهم قائم على ان العلم كفيل بازالة الجهل والضلالة اما التربية فاختلطت عندهم بمفهوم التعليم فيعتقدون ان العلم هو تربية لطلب العلم والحقيقة ان التربية عملية عميقة تحدث على مستوى النفس فتحدث تغييراً جذرياً من حالة السوء الى حالة الحسن او الاحسن .
والتربية هي عملية طويلة المدى وتحتاج الى منهج يستوعب التحولات على مستوى الجزائر والعالم الخارجي وهؤلاء لا يمكن أن يتماشوا مع البعد التربوي لاعتمادهم على تعليم الناس فقط دون تربيتهم ويطلقون على طريقتهم تسمية التصفية والتزكية وهو شعار رفعوه ويريدون به تصفية عقائد المسلمين من الشركيات والخرافات وكل ما علق بها من الانحرافات وتزكية المسلم في عبادته لتصير وفق ما شرع ومن هنا انصرفت جهودهم الى مراقبة العقائد ومتابعة عبادة المسلمين وقاموا باحياء المسائل الخلافية التي وجدت في الامة خاصة على مستوى العقائد وبدأوا يتحدثون في العامة والدهماء عن الأشاعرة والمعتزلة والصفاتية واهل الكلام وغيرهم في زمن العلمانية والماسونية والغريب ومذهب العولمة وفي ظرف وتحدياته التي تستهدف الاسلام في كلياته وفروعه وانتشاره وخاصة بعد التذرع بأحداث 11 سبتمبر .
ومن خلال علميتهم يريدون الحسم في المسائل الخلافية التي تحملها كتب ومصنفات الفقهاء والعلماء منذ العهود الاولى بتحديد الثلاث الاولى ، وقد لا تجد بابا من احكام الفقة لا يحتوي على مسألة اختلف الفقهاء والخلاف فيها ليس مرده الى رغبتهم في الاختلاف انما يرجع الى ظنية النصوص في الثبوت أو الى احتمالة الدلالة وتعدد الفهوم ويريدون حمل العامة على رأي وا حد جامع وهو أمر متعذر ولما استحال حملهم على ذلك اتهموا المذاهب الفقهية واعلنوا الحرب عليها كما سيأتي بيان ذلك .
ثانياً : رفض المذاهب الفقهية ومصطلح الفقيه : -
من بعض ما شدني في أقوال واستدلالات أدعياء السلفية عدم ذكرهم مصطلح الفقيه فلما سألت عن ذلك وجدت الامر مرتبط برفضهم للمذاهب الفقهية خاصة الاربعة المشهورة وسبب في ذلك انهم يدعون انهم ينتسبون الى اهل الحديث ومدرسة الأثر ومن جهة اخرى يعتبون على الفقهاء انهم هم الذين فرقوا الناس الى جماعات وعصبيات في فهمهم للدين ويرون أن الفقهاء يمثلون أصحاب الرأي والنظر يعتمدون في استنباط الأحكام على القياس ولا يرجعون الى الكتاب والسنة .
ان مثل هذا التوجه خطير في مسيرة الأمة وعلى مسار التفافها حول علمائها وفقهائها حيث يمثلون لها مصدر علمها وهديها في الحياة لقولة تعالى ( واسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) .وهذا الرفض دفعهم الى الاخذ مباشرة من القرآن والسنة دون الرجوع الى فهم العلماء والفقهاء بدعوى ان المذاهب الفقهية وفهم العلماء هي مجرد أرآء واجتهادات لالزام في اتباعها والأخذ بها فالأولى الأخذ بالكتاب والسنة وكل الناس يوخذ من كلامهم ويرد الا صاحب القبر وهو المصطفى عليه الصلاة والسلام فمذهبنا هو ما قال الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وحيث وجد النص من القرآن والسنة ومن أقوال الصحابة فالأخذ به واجب ولا ينصرف عنه الى أي قول أو رأي لأن اساس الشريعة الاسلامية الكتاب والسنة النبوية ومن تمسك بغيرها فهو غير معصوم من الأخطاء كاتباع الائمة وغيرهم فيما ذهبوا اليه من أرآء وأقوال بدل الأقتداء بالمعصوم عليه السلام .
ان ظاهر الكلام يوحي على الفهم السليم للشريعة واحكامها والأخذ من المعين الصافي دون اللجوء الى مصادر أخرى ولكن ابعاد هذا النهج تدفع الى محاصرة الشريعة الاسلامية في ظواهر النصوص دون التبحر في عللها ومقاصدها وحكمها والاكتفاء بمصدرينت في التشريع هما الاصليين -لا خلاف فيهما - ونفى ما يتبعهما من مصادر بينت لنا الكثير من العلل والحكم التي احتوتها النصوص وهذا المنهج دفع بالشباب الى التطاول على العلماء والتجاوز في حقهم والعمل بمقتضى القول ان الشريعة هي قول الله ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام واعتقد الشباب وادعياء السلفية انه بمجرد الاطلاع على القرآن وكتب الحديث من صحيح البخاري او موطأ الامام مالك او الجامع الصحيح للامام مسلم كفيل باستنباط الاحكام الشرعية وهذه مغالطة علمية وادبية وشرعية يوقع أدعياء السلفية الشباب فيها ويدفعونهم الى الانحرافات والخلل في فهم النصوص لأن الكتاب والسنة بحران لا شاطئ لهما ويحتجان الى من يحسن الابحار والغوص فيهما دون ان يغرق ويعرف كيف يجيد استخراج الدرر متهما والابحار فيهما يحتاج الى دراية وخبرة ولا تتأتى ذلك الا بالمصادر التبعية والخادمة لهما مثل الاجماع وعمل أهل المدينة والاستحسان والقياس وقول الصحابي والاستصحاب وسد الذرائع وغيرها وأضف الى ذلك العلوم الخادمة واللازمة لفهم وأدراك النصوص القرآنية والنبوية منها علوم اللغة العربية وعلوم الحديث من مصطلح وعلم الرواية وغريب الحديث وسبب ورود الحديث وكذلك علوم القرآن من أسباب النزول والمحك والمتشابه فيه وسائر العلوم ويؤخذ بها على قاعدة ( ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب).ان كل من نحفظ لهم من اهل العلم لا يرون هذا المفهوم البسيط في عملية الاستنباط والنظر أي بمجرد توفر القرآن وصحيح البخاري او مسلم او سنن ابي داود يمكن لأي ان يستخرج الاحكام الشرعية نها والحقيقة العلمية أن الاستنباط يحتاج الى مؤهلات وقدرات وكفاية علمية ثابتة وقال الامام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله تعالى ( ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله ان يقول الا من جهة علم مضي قبلة وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والاجماع الأثار وما وصفت من قياس عليها ولا يقيس الا من جمع الاله التي له القياس بها وهي العلم بأحكام كتاب الله فرضه وادبه وناسخه ومنسوخه وعامه وخاصة وارشاده ) الرسالة ص508 .
وقال المولى عز وجل في كتابه العزيز ( واذا جاءهم من الأمن او الخوف أذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولى الأمر منهم الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان الا قليلا) النساء 83 ان هذه الاية اشارت الى مرتبة علمية واستنباطيه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في فهم الاحكام وخلفياتها وابعادها فمن هنا وجب على كل من يريد ان يفهم النصوص ان يستعين بمن لهم اهلية النظر والاستنباط وهم الفقهاء والعلماء وجاء في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ...) ان الرسول عليه الصلاة والسلام اشار الى وجود احكام شرعية واضحة وجلية تبين الحرام والحلال وبين هذه الاحكام امور تحتاج الى تجلية وايضاح فلا يتأتى علمها لجميع الناس انما لقلة القدرة والكفاية العلمية والشرعية لدرايتها وهذه القلة هم العلماء اهل النظر والاجتهاد في احكام الشريعة .
وقال الامام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى عند وضعه لاصول فهم الاسلام واحكامه في الاصل السابع من العشرين اصلآً ( ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في ادلة الأحكام الفرعية ان يتبع اماماً من أئمة الدين ويحسن به مع هذا الاتباع ان يجتهد ما استطاع في تعريف ادلته وان يتقبل كل ارشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من ارشده وكفايته وان يستكمل نقصه العلمي ان كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر ) انه كلام حليم من رجل تعلم من السلفية الحقيقية كيف يجمع الأمة على اعتدال في الفهم والتصور ومن الاعتدال ان يأتي الامى ومن لا يعرف الى العالم العارف بالشريعة ليسأله عن دينه وما غاب علمه عنه ، واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عايشوا التنزيل وتعلموا من الرسول علية الصلاة والسلام تجدهم وقد غابت عنهم بعض المسائل والامور في فهم القرآن ونزل بلسانهم وهذا الصحابي الجليل وترجمان القرآن وحبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنه يقول عن نفسه ( كنت لا اعرف فاطر السموات ) والصحابي عدي بن حاتم رضي الله عنه حين قرأ قوله تعالى ( وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ) البقرة 187. فاتى رضي الله عنه بعقالين - ا حدهما ابيض والاخر اسود وانتظر ان يميز بينهما فلما بلغ الامر رسول الله صلى الله عليه سلم ضحك من تصرفه وفهمه .
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في القرآن الكريم انه على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من لغتها وجه لا يعذر المسلم بجهله ( العموم علمه وشيوعه ) - وجه لا يعلمه الا العلماء - ووجه الا يعلمه الا الله تعالى .
وبناء على ما ذكرنا فالناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الى يوم الناس هذا بين عالم ومتعلم وتابع ومتبوع ومجتهد ومقلد .
جاء في كتاب أعلام الموقعين للامام ابن القيم الجوزية نقلا عن الامام احمد بن حنبل انه قال : ينبغي للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا ان يكون عالماً بوجوه القرآن عالماً بالاسانيد الصحيحة عالماً بالسنن وانما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتها بصحيحها وسقيمها وجاء عنه في رواية اخرى : ينبغي لمن أ فنى ان يكون عالماً بقول من تقدم والا فلا يفتي .
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (بينما انا نائم أتيت بقدح لب فشربت حتى اني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ) فقالوا : فما تأوليه يا رسول الله ؟ قال : العلم ) ا خرجه ابن ابي عاصم في السنة 1255 والبخاري ومسلم الترمذي والنسايئ في الكبرى والدرامي 2284 . وقد أثنى الله على العلماء في كثير من موضع القرآن فقال الله تعالى ( يا أيها الذين امنوا وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) النساء 9 5 قال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه : أولوا الفقه والخير )
اخرجه ابن جرير والآجري ( في أخلاق العلماء ) بسند حسن .
وقال مجاهد بن جبر رحمه الله - أهل العلم وهو قول جماعة من السلف لأنه هناك من قال الحكام ولكن من شروط الامامة الكبرى العلم فالحاكم لا يكون الا عالماً

مواقف أهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث «4» 

أدعياء السلفية يتعمدون اثارة الشغب والإساة للعلماء والفقهاء
لا يراعون ادب الاختلاف ولا حرمة المخالف ويتعمدون الاساءة والتجريح


ناقشنا في الحلقة الماضية بعض ملامح منهج ادعياد السلفة في الدعوه والعمل الاسلامي ورأينا كيف انهم يتعمدون التعليمية التربوية وانهم يرفضون المذاهب الفقهية ومصطلح الفقيه ونواصل في هذه الحلقة استعراض ملامح هذا المنهج.
ثالثاً : -
التشغيب على المخالفين لهم من أهل العلم والتنفير منهم .ونريد بمعنى الشغب هو اثارة الناس على المخالفين بافساد مجالسهم ومنعهم من عقدها واتهامهم بشتي الاتهامات خاصة الاتهامات في العقيدة ،وأصول الدين ؟أو في الاخلاق والسلوك والسيرة الشخصية والتشغيب الذي نتحدث عنه هو على اهل العلم والفقه وتنفير الشباب منهم لكي يبقى هؤلاء تحت قبضتهم لا يتوجهون لغيرهم من أهل العلم والحق وقد سمعنا في عصرنا الحالي من التشغيب ما افقد فينا هيبة العلم واهله الكرام والعلماء ورثة الأنبياء وانوار الامة في الحوالك والظلمات ونصب العامي من لا يفقه شيئ نفس قاضياً والجاهل مرشداً فانحرف بتلك الموازين المقلوبة خلق كثير وبهذا النهج المنكوس جمع غفير وما اعظم المصيبة بمثل هذا التشغيب والتنفير الذي امتطاه من يرى في نفسه حق الاجتهاد في عقائد الدين واحكام عبادته وهو بعد لم يتضلع من علومها شيء فهو فرخ لم يريش .
عند استعراضنا للعصور السالفة لم نجد عصراً خلا من التشغيب والتنفير على أهل العلم والفقه ومنهم كبار الائمة في الفقة والحديث لأن نفوس أهل الحسد واصحاب الهوى لا يبارحها هذا المرض المزمن وهذا الداء العضال ، فهذا مذموم بائس قد انبرى للطعن في مشايخ الدعوة الذين بذلوا انفسهم واوقاتهم ونفائس جهودهم في الدعوة والتعليم والفتيا والافادة والارشاد والدفاع عن الثوابت في الدين فألف حقداً وبهتاناً وتجنياً على الدعوة واهلها ودعا الى تركهم والابتعاد عنهم واتهم علمهم ودينهم وجعل ما كتبه نصرة للسنة والجماعة وما قام به لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ولا يصح عن أحد من السلف ومن التشغيب على العالم، والفقيه والمحدث بعد موته التشغيب على تلاميذته والمقربين منه واتباعه واذا ترك جماعة واشياعا فعلى منهجه فيهم والطعن فيهم هو سبب في الطعن في شيخهم وثم اين كان هؤلاء في حياة الائمة وأين هي تلك العبارات الفجة المقية التي تطلق اليوم والاوصاف التي وصفوا بها العلماء من الارجاء والاعتزال والجهمية والقبورية وغيرها من التهم الباطلة التي اورثت طلبة العلم حب الاختلاف والطعن في العلماء والكلام فيما لا ينفع ولو ان هذه الجهود صرفت في تحصيل العلوم الشرعية والاعمال الصالحة بين المسلمين لكان ذلك خيراً كثيراً .
اتبع اصحاب التشغيب أو من يدفع العوام والجهلة والدهماء الى هذا طرق كثيرة في التشغيب والتنفير منها امتحانهم امام العامة في حلقاتهم في المسائل الخلافية خاصة في العقيدة ليسهل بعد الجواب اتهامهم حسب جوابهم في المسألة وان سكتوا فيها اتهمومهم بعدم العلم والجهل.
اتباع زلاتهم واخطائهم عند العامة وتعظيمها عند العامة وجعلها حديث الساعة واشغال الناس بها في كل مجلس وتأليف الرسائل حول اخطائهم بأقبح الاسماء وتحذير العامة منهم وفي بعض الاحيان الوشاية بهم عند المسؤولين لتعريضهم الى العقوبة والعداوة ، ومنها الطعن في كتبهم ومصنفاتهم ومنع العامة من الاستماع الى منتوجهم السمعي والبصري واتهامهم بشتى التهم والاباطيل يدفعون السفهاء ومن لا عقل لهم الى استعمال القوة والعنف عندما لا يقدرون على عالم او داعية وقد سمعت بأحد المشايخ حملة مجموعة من المشاغبين السفهاء المدفوعون من هؤلاء الادعياء حملوه بكرسيه الذي كان منه يلقي درساً ورموه خارج المسجد والشيخ محفوظ نحناج رماه أحد المشاغبين باحد المساجد بنعله وكثير من الخطباء لا يقبلون على الغاء درس قبل خطبة الجمعة تجد مجموعة من اهل التشغيب تحمل المصاحف في وجه الواعظ وتقرأ بصوت مرتفع لتحول بينه وبين الناس في المسجد لأن الدرس قبل خطبتي الجمعه بدعة وجب منعها ومحاربتها ،ومنها اظهار الامتعاض بذكر العالم او أصدار الحركات التي تدل على عدم الاعتبار له أو تشجع التشغيب على المنابر في قدح اهل العلم واتهام فتاويهم وتسفيهها والاستخفاف بها في المجالس هذه بعض ما رأيناه وسمعناه وقرأنا عن تشغيب هؤلاء الأدعياء وهو منافي لاخلاق المسلمين فضلاً عن طلبة العلم والفقه والحديث .
وقال التابعي أبي حازم يصف نبل العلماء وسيرتهم الفاضلة ( العلماء كانوا فيما مضى من الزمان اذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان غنيمة واذا لقي من هو دونه لم يزه عليه حتى كان هذا الزمان فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء ان ينقطع منه حتى يرى الناس انه ليس به حاجة اليه ولا يذاكر من هو مثله ويزهى على من هو دونه فهلك الناس ) انهم يرون بنور الله تعالى فهذا القول كان بعد عصر الصحابة في القرون الثلاث الاولى ولكن ينطبق كلية على ادعياء السلف الصالح واعمالهم في انقاض من هيبة العلماء واذهاب المرجعية العلمية للأمة لينتصبوا لها رؤوسا في الجهل ليضلوا ويضلوا ويقودها لما هو ضرر في الدين والدنيا.
رابعاً : المراء وعلم الردود
من الطبيعي ان يتجهوا الى المراء واعلان المخاصمة مع من لا يرون مذهبهم ونهجهم وذلك بناء على مفهوم الجرح والنقد والمراقبة الفكرية والعلمية على كل ما يكتب او ينشر او يبث في الوسائل الاعلامية المتنوعة ولا يتأتى لهم ذلك الا بانتهاج مسلك الردود ومقارعة حجج المخلفين لهم في كل مسألة تثار في ساحة الفكر والبحث الدراسة وما نلاحظة في ردودهم انها لا تتسم بادب الاختلاف ورعاية حرمة المخالف لهم فيخرج .الرد عن سياقة الاخلاقي الى التهمة والجرح في شخص المخالف ووصفه بأوصاف لا صلة لها بقيم العلم ونبله وتتسم ردودهم بقلة الموضوعية ومجانية العلم الصحيح فهي مجرد احكام يصدرونها دون ان تستند في عمومها الى ادلة تقوى على النهوض ويحتج بها عند الحوران سلموا به في نقاشهم للمخالفين لهم واشتهر بينهم فقه الردود ولهم في كل مسألة يختلفون فيها مع غيرهم رسالة رداً او أشرطة سمعية لدعاتهم فيها ردود وطعن واتهام وتذاع بين المسلمين فتزرع الفرقة والصراعات في المساجد وحدثت مناوشات وتراشق بالتهم ووصل الأمر الى استعمال العنف في منع ممارسة بعض احكام العبادات كذكر الله جماعة صبيحة العيد في المصلى وقضية زكاة الفطر اخراجها عينية وعدد ركعات صلاة التراويح ومصادفة يوم عرفة ليوم السبت ، وجلسة الاستراحة بين الركعتين وتقصير الثوب واسباله وغيرها من المسائل الخلافية التي تحتوي على آراء مختلفة لا يمكن حسمها وللمسلمين فيها خيار وقفة الردود واورثهم الغرور والتعصب لآرائهم وما انكروه على اتباع المذاهب الفقهاء من تقليد اعمى واتباع للهوى وتعصب للمذهب فعلوا ما هو اكثر منه هو من خالف احد شيوخهم المعتمدين لديهم فقد خالف في معتقدهم اهل السنة والجماعة وانكروا المذاهب بدعوى اللامذهبية وانشأوا لأنفسهم مذهباً يهدد ما هو قائم من المذاهب في فهم الشريعة الإسلامية من حيث لا يتصورون وهذا ما أكده فضيلة الشيخ سعيد رمضان البوطي في كتابه العلمي القيم بعنوان ( اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الاسلامية ) وكتابه الآخر ( السلفية مرحلة تاريخية مباركة ولا مذهباً فقهياً).
نماذج من سفههم
وهذا لعمري قمة ما وصل اليه المتعصبون في كل الازمنة ولكم بعض الشواهد مما كتبوا في المخالفين لهم وفي المشايخ المعتمدون عندهم جاء في كتاب ( حياة الألباني وأثاره ) لمحمد ابراهيم الشيباني عن محمد ابراهيم شقره من تلاميذ الالباني ( وأعجب من هؤلاء - أي الذين يقولون ان الألباني عالم السنة في هذا العصر وعلمها الشامخ ولكن في الفقه كسائر أهل العلم - بعض تلاميذاته تنكروا له وصاروا من فرط جهلهم يحسبون انهم مثله ) انه قول يفوح بالتعصب ليس للرأي فقط بل للشخص حيث حمل الشيخ الألباني الى مرتبة علمية لا يماثله فيها أحد من أهل زمانة وتعجب من الذين ينزلونه الى منزلة سائر العلماء في الفقه مع اقرارهم له بالمكانة العالية في الحديث وعلومه بل أكثر من ذلك أن كل من يخالفونه ولا يرونه برأية فهم يتصرفون من فرط جهلهم وادعائهم الباطل انما من مستواه .
سمعت من اكثريتهم ان الفتوى اذا أتتهم من مشايخهم لا ترد ولا تناقش بل هي فتوى أهل الحق والسنة وليست خلافية بل هي مقطوع بها ومحسومة ومن يرى غيرها فهو بدعي أو معارض لأهل السنة ورأيتهم في مجالسهم يتحدثون من صورة أن اقوالهم هي السنة بمعنى بفتواة آخر ممن يعتدون أيضاً بفتواه عنده يتحرجون كمخالفة فتوى شيخ الاسلام ابن تيمية لفتوى الشيخ الألباني او مخالفة الشيخ ابن باز للشيخ الألباني وحصل ذلك في كثير من المسائل فتراهم عند ذلك يعلنون ان المسألة خلافية وتحتمل الوجوه ويأتي أقرارهم بعلم أصول الفقه واختلاف التفاسير للقرآن الكريم .
ولا تجد حديثاً عن مخالفة أحدهما للسنة وأهلها بل كل ذلك يدور في دائرة أهل السنة ،والجماعة ، عجباً لهذا المنطق فالخلاف في المسائل الفقهية بينهم هو خلاف في دائرة أهل السنة أما الخلاف مع من لا يرون رؤيتهم وفي المسائل نفسها هو خلاف بين أهل السنة والجماعة وأهل البدعة والضلالة وجدتهم يعتبون على جماعة الاخوان المسلمين مع أنكار الجماعة لهذا المفهوم الخاطى ونبذهم له وانكار علمائهم لهذا وبيان المفهوم الشرعي له فهم يرون في علمائهم ومفاهيمهم واتباعهم ومنهجهم هو منهج أهل السنة والجماعة ومن لا يرى رأيهم وليس معهم فهو خارج عن أهل السنة واذا ذكر علماؤهم بالاعتراض والمخالفة فتراهم يرفعون شعار ( لحوم العلماء مسمومة ) ( والعلماء عصمة الأمة من الأنحراف ) اما إذا نشرت الرسائل القادحة والجارحة التي تحمل السباب والشتائم والطعون في العلماء كالشيخ المجاهد يوسف القرضاوي والداعية عمرو خالد والجفري والشيخ الزنداني والشيخ سعيد رمضان البوطي وغيرهم عن د ذلك لا نسمع منهم ما يدل على ان لحم العلماء مسموم وانهم عصمة الأمة الا من القليل لان الأمر بكل بساطة فهم لا يعتبرون من ذكرناهم من العلماء ، وهذا الكيل بمكيالين دفع ببعض علمائهم للانكار عليهم ورفض هذا الحصر لأهل السنة والجماعة ونهوا عن الغرور والتعصب للاشخاص فهذا الشيخ الألباني ينكر على اتباعه التعصب والغرور وشيء من دعوى المعرفة والعلم ) وفي نفس الاتجاه اتجه الشيخ بكر ابو زيد بقوة منكراً عليهم هذا المنهج فقال «في عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسالخ المنتسبين الى السنة متلفعين بمرط ينسبونه الى السلفية ظلما لها فنصبوا انفسهم لرمي الدعاة بالتهم الفاجرة المبنية على الحجج الواهية واشتغلوا بضلالة التصنيف، وهذا بلاء عريض وفتنة مضلة في تقليص ظل الدين وتشتيت جماعته وزرع البغضاء واسقاط حملته من أعين الرعية وما هناك من العناد وجحد الحق تارة وردة اخرى وصدق الأئمة الهداة ان رمي العلماء بالنقائص وتصنيفهم البائس من البينات فتح زندقة مكشوفة .
ولله . كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الألحادي والمد الطرقي العبث واعطاء الفرصة لهم في استباحة أخلاقيات العباد وتأجيج سبل الفساد والافساد الى آخر ما تجره هذه المكيده المهينة من جنايات علي الدين وعلى علمائها وعلى الأمة وعلى ولاة أمرها وبالجملة فهي فتنة مضلة والقائم بها مفتون ومنشق عن جماعة المسلمين ) التصنيف ص28 - 29 .
ان كلام الشيخ بكر ابو زيد في غاية المسؤولية والشجاعة التي يتسم بها العلماء الحريصون على رعاية الدين وصيانته من العابثين به باسم السنة والجماعة والدفاع عن الحديث فالشيخ لم يأبه بهم وقد قرأت له رسالة ذهبية في ترشيد والرد على الشيخ ربيع بن هادي المدخلي محترف الجرح والنقد لما كتبها في الشهيد العملاق سيد قطب رحمه الله وانكر عليه تهجمه عليه بقوة الشرع والعلم وادب العلماء ونصحه بترك هذا الاسلوب عند انتهاج مسلك البحث والتحقيق .واردف موصلاً انكاره لهم ومنبهاً لخطورة مما يتلفظون به بحق أعلام الأمة ( ولكن بلية لالعاً لها وفتنة وقي شرها حيث سرت في عصرنا ظاهرة الشغب هذه الى ما شاء الله من المنتسبين الى السنة ودعوى نصرتها فأتخذوا ( التصنيف والتجريح ) دنيا وديناً فصاروا ألباً الى اقرانهم من اهل السنة ووباء على رؤوسهم وعظامهم يلحقونهم الأوصاف المرذولة وينبزونهم بالالقاب المستنشعة المهزولة حتى بلغت بهم الحال أن فاهوا بقولتهم عن اخوانهم في الاعتقاد والسنة والأثر ( هم اكفر من اليهود ،والنصارى ) او فلان زنديق، وتعاموا عن كل ما يجتاب ديار المسلمين يخترق أفاقهم من الكفر والشرك والزنذقة والالحاد وفتح سبل الافساد والفساد وما يفد في كل صباح ومساء من مغريات وشهوات وأدواء وشبهات تنتج تكفير الامة وتقسيمها واخراجها نشأ منسلخاً من دينه وأمته ) التصنيف ص35.
فعلاً ما نعيشة اليوم من قمع فكري ومراقبة تصنيفية على الفكر والثقافة والعلم والابداع اوجد العنف المسلح والعدوانية التي لا مبرر لها في كثير من الأوطان والأوضاع ومورس العنف والارهاب تحت مسمى الجهاد الذي استعمل زوراً وعدواناً بين المسلمين وغير المسلمين .

مواقف أهل السنة والجماعة من ادعياء السلفية في العصر الحديث «5» 

الاختلاف حول الفروع مصدر تنوع وابداع في الأمة
يكفي ادعياء السلفية ان يقرؤوا سيرة السلف ليتراجعوا عن التطاول على العلماء
لا أحد يرفض النقد العلمي وهناك فرق بين التجريح والتصنيف

قبل الحديث عن فقه الاختلاف وادابه يجدر بي ان أتعرض الى الحديث عن الاختلاف وموقعه من الاسلام وشريعته السمحاء .
الاختلاف الذي تحدث عنه علماء السنة والمذاهب الفقهية وجمعوا له ادابه هو الاختلاف المحمود والجائر الذي يتعلق بالفروع والمسائل الجزئية في الشريعة الاسلامية ولا يؤذي أحداً وكان سائداً بين أئمة المذاهب وكبار العلماء وما زال قائماً الى يومنا هذا ولا آخال انه ينقطع فهو مصدر تنوع وابداع في الأمة مما يعطيها قوة التكيف والاستمرار مع كل ما يستجد في حياة الأمم وقال عن هذا الاختلاف الشيخ الازهري الأصولي ائمة محمد ابو زهرة رحمة الله ( والاختلاف - الذي وقع بين هؤلاء الائمة وغيرهم من ائمة المسلمين - لم يكن في ذات الدين ولا في لب الشريعة ولكنه اختلاف في فهم بعض نصوصها وفي تطبيق كلياتها على الفروع كل المختلفين - متفقون - وعلى تقديس نصوص القرآن والسنة بل كانوا من فرط اتباعهم للاسلام لا يسمح أكثرهم بمخالفة اقوال الصحابة لأنهم الذين شاهدوا وعاينوا منازل الوحي ومدارك الرسالة وتلقوا علم النبوة من النبي صلى الله عليه وسلم ونقلوه الى الأخلاف ) .
ان الاختلاف المحمود الذي اقرته النصوص الشرعية وسيرة العلماء الأفاضل هو اختلاف في الفروع وليس في الاصول الى حيث لا يكون دليل قطعي حاسم وهذا الاختلاف قد فتح القرائح وانقدحت له العقول وابتهجت به الألباب فأتجهت الى تدوين علم الأسلام مجتهده متبعة من غير جمود وتركت من بعد ذلك تركه زاخرة بالأبحاث والدراسات وتعتبر من اضخم الثروات التشريعية في الانسانية بحيث أمدت الكثير من الشرائع الوضعية في العالم خاصة العالم الغربي بالمواد القانونية والدراسات الدستورية والاوضاع التشريعية المختلفة وقد وضح شيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية حقيقة الاختلاف الحاصل بين علماء أهل السنة والأئمة الاعلام على انه اختلاف تنوع وثراء وليس اختلاف تضاد وشقاق فلا يجعل منه ذريعة لتفريق الأمة وتشتيت وحدتها وجاء في رسالة ( الألفة بين المسلمين ) .
( ان العلماء كانوا يعرفون حق المعرفة ان المسائل الاجتهادية لا تتخذ مثار شقاق وتفريق ولا مثار وتعنيف ) .
وأشار الامام الشهيد حسن البنا رحمه الله وهو من علماء أهل السنة والجماعة في أصول فهم الاسلام وتوحيد تصور الداعين للاسلام الى مسألة الاختلاف التي كانت دوما وباستمرار من القضايا التي تثار في الشقاق وتأخير الأمة عن نهضتها الحقيقية فقال فيها ( والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً للتفرق في الدين ولا يؤدي الى خصومة او بغضاء ولكل مجتهد أجره ، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول الى الحقيقة من غير ان يجر ذلك الى المراء المذموم والتعصب ) الاصل الثامن من الاصول العشرين .
ولكل مجتهد مهما كانت نتيجة اجتهاده فأجره ثابت ولا مجال لمعارضة في مبدأ بذل الجهد في الوصول ما يغلب على ظنه انه من الاحكام الشرعية وجاء في السنة النبوية الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم ( اذا حكم الحاكم فأجتهد ثم أصاب فله أجران واذا حكم فأجتهد ثم أخطأ فله أجر ) رواه مسلم في صحيحة يمكن طرح القضايا المختلفة فيها على بساط البحث والمدارسة والمذاكرة العلمية وبذل ما في الوسع الى معرفة الصواب والخطأ في مناخ تسوده الأخوة والمحبة ونصرة الحق بدون تعصب وغلو واذا تساوت وجهات النظر وانعدم الترجيح في المختلف فيه فالاعذار هو المخرج السليم للحفاظ على وحدة المسلمين بناء علي القاعدة الذهبية في الخلاف ( فلنعمل فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) .يقول الشيخ محمد الحجوي الفاسي رحمه الله تعالى عن وضعية الفقه والتفقه في القرن الثاني في عهد ائمة المذاهب ومواقفهم فيها ( وكان هذا العصر زاهياً بسادات كبار أساطين الاجتهاد تقدمت تراجمهم مختصرة وكانت لهم اخلاق عالية وكمالات نفسانية فلم يكن خلاف بعضهم لبعض مؤدياً لتحقير أو تعصب أو تقاطع وتدابر كانوا يثنون على المخالف لهم بالثناء الجميل وتقدم ذلك في تراجمهم ).
حلية العلماء وجمال أدبهم عند الاختلاف
لدينا اسفار ومصنفات تزخر بمواقف علما ء السلف والأئمة الاعلام من القضايا الخلافية ومنهجهم في البحث عن المسائل العلمية من تناصح ومناقشة الحجة بالحجة من غير اغلاظهم للقول ولا انتقاص في التعبير مع اجتنابهم للسب والطعن فكانوا على سمو من الاخلاق ورفعة في الادب .
جاء في كتاب ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض قال : قال الليث بن سعد فقيه مصر : لقيت مالكاً بالمدينة فقلت له اني اراك تمسح العراق عن جبينك قال عرقت مع ابي حنيفة انه لفقيه يا معري ثم لقيت ابا حنيفة: ما أحسن قول ذلك الرجل فيك فقال ابو حنيفة : والله ما رأيت أسرع منه جواب صادق ونقد تام ) هذا هو الادب بين الائمة الشواهد وحلية أخلاقهم وكيف يقر كل واحد بفضل الأخر ولا يتهجم عليه رغم المناظرة والمناقشة والاختلاف الذي حصل فالخلاف لا يفسد للود قضية .
نقل الحافظ الذهبي في كتابه المشهور بعد الميزان ( سير أعلام النبلاء ) في ترجمة الامام محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه عن الامام ابي موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري أحد اصحاب الامام الشافعي أنه قال : ما رأيت اعقل من الشافعي ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا ابا موسى الا يستقيم ان نكون اخواناً وان لم نتفق في مسألة ؟ فعلق الامام الذهبي على هذا الموقف بقوله : هذا يدل على كمال عقل هذا الامام وفقه نفسه فما زال النظراء يختلفون .
ونقل الامام الذهبي قصة اخرى عن الامام مالك في ترجمته له رواه العلامة الاندلسي ابن عبد البر في كتابه التمهيد : ان عبدالله العمري العابد كتب الى مالك يحضه على الانفراد والعمل - الزهد - فكتب اليه مالك : ان الله قسم الاعمال كما قسم الارزاق فرجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وأخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الجهاد فنشر العلم من أفضل اعمال البر وقد رضيت بما فتح لي فيه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو ان يكون كلانا على خير وبر .
وحكى الحافظ بن حجر العسقلاني صاحب الفتح في كتابه ( تهذيب التهذيب) في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري المتوفى عام 168 احد سادات اهل البصرة وفقائها وعلمائها وكان قاضيها : قال له عبد الرحمن بن مهدي تلميذه : كنا في جنازة فسألته فغلط فيها فقلت له : أصلحك الله القول فيها كذا وكذا فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال :
اذاً ارجع وانا صاغر لان اكون ذنباً في الحق احب الي من أكون رأساً في الباطل ) ان مثل هذا الموقف ليكفي لأدعياء السلفية ان يتراجعوا عن التطاول على العلماء والفقهاء وليت شعري يصلهم ذلك .
هناك قصة لأحد اعلامنا وهي عجيبة لامامين كبيربن من أئمة السنة والجماعة المتخالفين في المذاهب والمنزع روى ابو قاسم بن عساكر الدمشقي في كتابة ( تبين كذب المفتري ) ص255و256 أنه قيل للحفاظ أبي ذر الهروي عبد بن أحمد الأشعري المالكي رواية الجامع الصحيح للبخاري : انت من هراة من اين لك ان تمذهبت لمالك والأشعري فقال : سبب ذلك أني قدمت بغداد لطلب الحديث فلزمت الدارقطني الشافعي امام اهل الحديث في زمانة فلما كان في بعض الأيام كنت معه فأجتاز به القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني المالكي الأشعري فأظهر الدارقطني من اكرامه ما تعجبت منه .... فلما فارقه قلت له : أيها الشيخ الامام من هذا الذي اظهرت من اكرامه ما رأيت فقال : أو ما تعرفه قلت : لا قال : هذا سيف السنة ابو بكر الاشعري . فلزمت القاضي مذ ذلك وأقتديت به في مذهبه جميعاً في الفقه وأصول الدين انتهى كلامه انه تقدير العلماء لبعضهم البعض ويعملون على تعليم تلاميذهم أدب واحترام العلم وأهله .
قال الامام الضعاني صاحب سبل السلام ( وليس أحد من افراد العلماء الا وله نادرة ينبغي ان تغمر في جنب فضله اتجتنب) نقله الامام أبو مدين الشنقيطي في '' الصوارم والأسنة '' وقال محمد بن عتاب بن المربع وهو ابو بكر الأعين قال سمعت العباس بن عبد العظيم العنزي أخبرني قال : كنت عند الامام أحمد بن حنبل وجاء علي بن المدين راكباً على دأبة قال : فتناظرا في الشهادة ( ان الامام احمد يرى ان الشهادة بالجنة لمن شهد بدراً والحديبية أو لمن جاء فيه أثر مرفوع على ما كان منهم من سفك دماء بعضهم ببعض وكان الامام علي بن المدين لا يرى ذلك ولا يصصحه ) وارتفعت أصواتهما حتى خفت ان يقع بينهما جفاء وكان احمد يرى الشهادة وعلي يابى ويدفع فلما اراد الانصراف قام احمد فأخذ بركابه - اركبه على فرسه باخذ بركبته وقدمه .
وقال ابو هلال العسكري ( ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة ان كانت على سبيل السهو والاغفال فانه لم يعصم من الخطأ ألا من عصم الله جل ذكره وقد ذكره وقد قالت الحكماء الفاضل من عدت سقطاته وليتناً ادركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم ) .
وقال الامام الذهبي في السير (ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل ) .
وقال الحافظ البغدادي في مقدمة كتابه ( موضح اوهام الجمع والتفريق ) الذي بين فيه اوهام الامام البخاري وغيره من الأئمة في جعل الروايين واحداً والواحد اثنين وقال رحمه تعالى '' ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه وقف على ما لكتابنا هذا ضمناه يلحق سيئ الظن بنا ويرى أنا عمدنا للطعن على ما تقدمنا واظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا وأنى يكون ذلك وبهم ذكرنا وبشعاع ضيائهم تبصرنا وباقتفائنا واضح رسو مهم تميزنا وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيرنا وما مثلهم ومثلنا الا ما ذكر ابو علاء عمرو بن العلاء ( ما نحن فيمن مضى الا كبقل في اصول نخل طوال ) وقال الأحنف بن قيس '' الكامل من عدت سقطاته ''.
وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد '' لما وصل كتابي الذي عملته في أغلاط ابي عبدالله الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على صحيح البخاري أجابني وذكر انه اعلاه على الناس وضمن كتابه الى الاعتراف بالفائدة وبأنه لا يذكرها الا عني فعلمت أنه رجل عاقل ) انتهى كلامه .
هكذا يكون الاعتراف بالحق والميل اليه ولا ينظر الى الجهة التي صدر منها والاعتراف يصحبه الخلق الكريم التواضع والشكر والاقرار بالخير ومثوبته الكاملة ومن هذا تعلمنا كيف كان سلف هذه الامة على التناصح والبحث عن الصواب والحقيقة والحمدلله ان جعل الله في خلقه اعلاماً يهتدون بهم وجعل لكل قوم اماماً لزم المهتدين بصفاء وضياء انوارهم فهم مصابيح في الدجى ونور يزهو من وراء السديم والقائمين بالحق في أقتناء اثارهم ممن رزق موهبة البحث والتنقيب و حسن الفهم وقدرة النظر واجلاء ما اهمله الاولون وما وقعوا فيه من خلة او زلل وذلك حق السلف على الخلف وواجب التالي على المتقدم . ويجب ان يدرك قاصري النظر ومروجي الخلافات ومثيري الزوابع في الروائع ان العلم الصحيح هو الدافع والمانع انه ما وقع يقع بين الاقران من الأئمة والعلماء من اختلاف الذي احدث هجرة بيتهم الا انهم كانوا اهل انصاف وعدل ومرؤة وقال العلامة الاندلسي ابن عبد البر ر حمه الله ( هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس وضلت به ثابته جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك والصحيح في هذا الباب ان من صحت عدالته وثبت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه الى قول احد الا ان يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح جرحته ) جامع بيان العلم وفضله 2/ 156.
الخاتمة
وفي ختام هذه الرسالة التي أردت خلالها تبرئة العلماء والفقهاء ومنهجهم العلمي من الأغاليط التي تنشر وتنسب اليهم مع جلال موقعهم ومكانتهم العلمية في المجتمع وليس من مقاصدنا الدخول في مهاترات ومزايدات لا تزيدنا الا نفرة وانصرافاً عن الحق واقتراباً من الباطل وأهله وانما اردنا النصح والتنبيه والتصحيح وتوجيه ادعياء السلفية الى السلفية الحقيقية التي انبتت على الاحترام والتقدير لكل العاملين واشاعت في مراحلها الأولى أدب الخلاف وحسن التفاهم وان الحق مفرق على الجميع وهي مرحلة مباركة من مراحل الأمة وقد أظهرنا ما فيه الكفاية من أدب العلماء وحيلتهم الاخلاقية وسجاياهم الكريمة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولدينا مزيد في ذلك - وما فعلناه الا للفت النظر الى هذا الأمر الهام والسلوك المفقود وهو احترام الرأي والرأي المخالف له وعدم تجريح الأشخاص والهيئات والجماعات واجتناب كل ما يفرق الامة وقال الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله ( ان ما جمعته يد الله مستحيل ان تفرقه يد الشيطان ) والجرح والطعن وازالة الهيبة من العلماء والانتقاص من مراتبهم هو عمل يفرق الأمة ويبدد طاقاتها الفنية القوية وهو من أعمال الشيطان والعياذ بالله تعالى ولتعلم أنه اذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به وهناك من يذهب الى القول ان هدم الشريعة الاسلامية استعصى على العلمانيين وغيرهم مما يشجعون بطرق معلومة وغير معلومة نبز العلماء والتقليل من نفوذهم وكسر شوكتهم ونزع مهابتهم من قلوب عموم المسلمين بفعل التشكيك والتضليل واثارة الشبهات حولهم .
ان النقد العلمي الرصين لا يفر منه العالم العاقل الواعي بأمر الدين ورسالتة لكن هناك فرق بين النقد والتجريح والتصنيف واهانة العلماء والحط من اقدارهم والله تعالى قال فيهم ( يا أيها الذين آمنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم واذا قيل انشزوا فأنشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعلمون خبير ) .المجادلة 11 وقال تعالى فيهم ( انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور ) فاطر 28 وفي هذا السياق لا يسعني الا ان اتقدم بنصيحة شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله قدمها الى تلميذه العلامة ابن القيم الجوزية فقال له ( لا تجعل قلبك لا لايرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضج الا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصافئة ويدفعها بصلابته والا فاذا اشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار ممراً للشبهات ... وأعلم أن من قواعد الشرع والحكمة ايضاً ان من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الاسلام تأثير ظاهر فانه يحتمل له ما لا يحتمل لغيرة ويعفي عن غيره فان المعصية خبث والماء اذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث) هناك جملة من الاصول اعتمدها اصحاب السلفية الحقة التي تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم وتصلح ولا تفسد والتي يرتكز عليه جل العلماء والجماعات الدعوية الساسية منها وغيرها من خيرية وتربوية وثقافية .
اولاً ان المسلم يعتمد في فهمه للاسلام على مرجعية الكتاب والسنة المطهرة ولا يتأتى له ذلك الا بادراك اللغة العربية ولا يأخذ الحديث الا من المحدثين وعلمهم .
ثانياً : تصفية عقائد الناس من كل المنكرات من التمائم والرقي والودع والعرافة والكهانة وادعاء علم الغيب وكل ما التصق بهذا فهو منكر وجب محاربته الا ما كان أية قرأنية أو حديث شريف صحيح أو دعاء مأثور .
رابعاً : ان رأي الامام أو من ينوبه فيما لا نص فيه ويحتمل وجوهاً عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ومرجوح ما لم يصطدم بقاعد شرعية فقهية مع امكانية تغيره حسب الظرف والعرف والعادات .
خامساً : الأصل في العبادات التعبد دون النظر الى المعاني والعلل أما في العادات ينظر الى الأسرار والحكم والعلل والمقاصد .
سادساً : كل يؤخذ من كلامه ويرد الا المعصوم صلى الله عليه وسلم وكل ما جاء عن السلف الصالح رضوان الله عليهم موافقاً للكتاب والسنة والا فكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع ولكننا لا نعرض للاشخاص بطعن او تجريح فيما وقع من اختلاف وكلهم لنياتهم.
سابعاً : كل مسلم لم يبلغ درجة النظر في ادلة الاحكام الفرعية ان يتبع اماماً من أئمة الدين ويحسن به مع هذا الاتباع ان يجتهد ما قدر في تعرف ادلته وان يتقبل كل ارشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من ارشده وكفايته .
ثامناً : ان لا تجعل الخلاف الفقهي في االفروع سبباً للتفرق في الدين ولا يؤدي الى خصومة او بغضاء مع أثبات ان كل مجتهد مأجور.
تاسعاً : ترك الجدل والمراء وكل مسألة لا يبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً ومن ذلك كثرة التفريعات للاحكام التي لم تقع والخوض في معاني الآيات القرآنية التي لم يصل اليها العلم بعد وترك الكلام في المفاضلة بين اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وما كان بينهم من خلاف وشجار .
عاشراً '' معرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الاسلام وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال الله تعالى ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) . آل عمران 7.
احدى عشر : وكل بدعة في دين الله لا اصل لها- استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه او بالنقص منه - ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي الى ما هو شر منها هناك بدعة اضافية وتركية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي لكل فيه رايه ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان .
اثنى عشر : محبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب اعمالهم قربة الى الله تبارك تعالى والأولياء المذكرون في قوله تعالى ( الذين امنوا وكانوا يتقون ) يونس 63 والكرامة ثابتة لهم بشروطها الشرعية مع الاعتقاد انهم رضوان الله عليهم لا يمكلون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلاً على أن يهبوا شيئاً من ذلك لغيرهم ) .
ثلاث عشر : - لا نكفر مسلماً 0 أقر بالشهادة وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض - برأي أو معصية الا ان أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره بوجه لا تحتمله وجوه اللغة العربية بحال أو عمل عملاً لا يحتمل الا الكفر ) .
ان هذه الاصول التي ذكرنها هي الجامعة لفهم شباب الاسلام الذي على كاهله حمل الرسالة واخرج الأمة من ضيق التعصب والفتنة والتجريح والاتهام واذا اجتمع آدعياء السلفية على هذه الأصول المعتدلة الى نبعت من عقيدة اهل السنة والجماعة ومن الوسطية والاعتدال الذي جاء بهما الاسلام ومن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلاام الذي جمع الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا الهالك واخيراً ما اردت الا الصلح والنصح فاذا أصبت فذلك توفيق من الله واذا أخطأت فذلك من النفس الامارة بالسوء والشيطان والله أسأل الهداية والرشاد والله يهدي الى سبل السلام .

الكاتب :
بحث مقدم للمؤتمر الاسلامي الدولي الذي عقد في عمان خلال الفترة 4 - 6 تموز 2005