الجمعة، 5 يناير 2018

حكم الوضوء لمن مس فرجه بدون حائل

حكم الوضوء لمن مس فرجه بدون حائل
السؤال: شيخنا هل ينقض وضوء مَن مسّ فرجه ذكراً أو أنثى بيده بدون حائل ؟ بارك الله فيك.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:


فقد اختلف الفقهاء في حكم مَن مس ذكره بيده من غير حائل على أربعة أقوال وكما يأتي:
القول الأول: ينتقض وضوء الرجل إن مس ذكره بيده من غير حائل وكذلك إذا مست المرأة فرجها. وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والامام الشافعي وقول للإمام أحمد، والنقض عندهم على من مسه بباطن كفه واما من مسه بظهر كفه فلا ينقض الوضوء ،لأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه، وأن التلذذ لا يكون إلا بالباطن، وهو مذهب الظاهرية ولكنهم لا فرق عندهم في المس بين باطن الكف وظهره ، وهو قول للحنابلة.
وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وسعد إبن أبي وقاص وعائشة (رضي الله عنهم)، وعطاء والزهري وابن المسيب ومجاهد وابان بن عثمان وسليمان بن يسار وإسحق وابن سيرين وابي العالية.
واستدلوا بما يأتي:
1- حديث بسرة بنت صفوان- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال ((مَن مسّ ذَكَرَه فليتوضـأ)). رواه ابو داود والترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجه والدارمي، وقال الإمام البخاري كما نقل الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير :هو أصح شيء في الباب.
2- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده)) متفق عليه.
وفيه دلالة واضحة على أن مس الذكر ينقض الوضوء، فقد قال سفيان الثوري كما في مسند ابي عوانة : هذا يشد قول من يقول الوضوء من مس الذكر.
3- وعنه أيضاً أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:((من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء)) صحيح ابن حبان ، مسند الإمام الشافعي ، سنن البيهقي الكبرى ، وحسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
قال الامام النووي – رحمه الله تعالى- في المجموع : (الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف، معناه الافضاء باليد لا يكون الا ببطن الكف، وإلا فالإفضاء يطلق على الجماع وغيره. قال الشافعي رحمه الله في الأم: والإفضاء باليد إنما هو ببطنها كما يقال أفضى بيده مبايعا وأفضى بيده إلى الارض ساجدا وإلى ركبتيه راكعا، هذا لفظ الشافعي في الأم ونحوه في البويطي ومختصر الربيع، وهذا الذى ذكره الشافعي مشهور كذلك في كتب اللغة. قال ابن فارس في المجمل: أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها براحته في سجوده ونحوه في صحاح الجوهري وغيره: وقوله: ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه معناه أن التلذذ لا يكون إلا بالباطن).
4- وعن أم المؤمنين أم حبيبة وأبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنهما- قالا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من مس فرجه فليتوضأ)). سنن ابن ماجة ، مصنف ابن أبي شيبة ، سنن الدارمي.
5- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ)). مسند الإمام أحمد، سنن البيهقي الكبرى. قال الترمذي في العلل نقلا عن الامام البخاري: هو عندي صحيح.
القول الثاني: مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقاً. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة ورواية عن الامام مالك، وهو مذهب الزيدية والإمامية. وهو قول علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- وبه قال الحسن البصري وربيعة والثوري وابن المنذر من الشافعية. 
قال الامام الترمذي في سننه: (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك).
واستدلوا بما يأتي:
1- حديث قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: (قدمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءه رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "وهل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك") سنن أبي داود ، سنن ابن ماجة ، مسند الإمام أحمد ، سنن الدار قطني.
2- ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ. سنن البيهقي الكبرى . قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير : قال البيهقي اسناده ليس بالقوي، وفيه قابوس بن أبي ظبيان وهو ضعيف.
3 - ولا خلاف من أن الذكر إذا مس الفخذ لا يوجب وضوءاً ولا فرق بين اليد والفخذ فهو كبقية أجزاء الجسم.
وأُجيب عنهم: ان الحديثين اللذين احتج بهما من قال بعدم النقض؛ معلولان فحديث قيس بن طلق قال فيه أبو زرعة: حديث قيس مما لا تقوم بروايته حجة، وحكى النووي في المجموع اتفاق الحفاظ على تضعيفه. وعلى فرض صحته فهو متقدم على ما رواه أبو هريرة لإن إسلامه كان متأخراً، وقدوم قيس بن طلق كان متقدماً زمن الهجرة وهم يؤسسون المسجد، فيكون حديث أبي هريرة ناسخاً لحديث قيس، وقد أدعى النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي وآخرون كما نقل ذلك الامام الشوكاني في نيل الاوطار.
ونقل الدار قطني في سننه قول ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر هذا فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه.
القول الثالث: ينتقض إذا كان مسه بشهوة وإلا فلا . وهو قول عند المالكية، وقول للامام احمد. وقد حملوا حديث بسرة على ما إذا كان لشهوة، وحديث طلق بن علي ما إذا كان لغير شهوة، قالوا دل عليه قوله ((إنما هو بضعة منك)) فإذا مس بغير شهوة صار كأنما مس سائر أعضاء بدنه.
القول الرابع: الوضوء مستحب لمن مس الذكر وليس بواجب. وهو قول للإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. وحملوا حديث بسرة بنت صفوان على الاستحباب، وحديث طلق على أن السؤال فيه كان عن الوجوب.
المفتى به: هو القول الاول مذهب الجمهور وهو نقض وضوء مَن مس ذكره بباطن كفه من غير حائل، واما من مسه بظهر كفه فلا ينقض الوضوء ،لأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه، وأن التلذذ لا يكون إلا بالباطن ، وكذلك إذا مست المرأة فرجها، وينتقض الوضوء مطلقاً سواء مسّه بشهوة أو بدونها، لأن الشهوة لا حد لها ولا دليل على اعتبارها، ولأن حديث طلق بن علي مبقٍ على الأصل وحديث بسرة بنت صفوان ناقل، والناقل مقدم لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه، كما أن رواة النقض بالمّس أكثر ومحتج بهم في الصحيحين، وأحاديثه أشهر وأنه قول أكثر الصحابة،وهذا لا يدرك بالقياس، فعلم أنهم قالوه عن توقيف ، وثم يمكن حمل حديث طلق على أنه حك فخذه فأصاب ذكره وراء الثوب. والله تعالى أعلم.
د. ضياء الدين الصالح