الخميس، 24 نوفمبر 2022

التهنئة بالعام الهجري جائزة أم ممنوعة؟

 كان كلام العلماء في القديم في هذه المسألة أقل حدة مما نراه الآن، وخلاصة القول في هذه المسألة أذكره على هذا النحو:

 

القول الأول: حرمة التهنئة: 

وقد طالعت عددا من الفتاوى والمقالات التي ذهب أصحابها (جلهم من التيار السلفي) إلى البدعية والحرمة، وكان مجمل أدلة التحريم ما يأتي:

  • أنه تشبه بالآخر ونحن منهيون عن التشبه، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ[1]».

ويجاب عن ذلك: بأن التشبه المنهي عنه الذي يوافق فيه الظاهر الباطن، قال المناوي تشبه بقوم: أي تزيا في ظاهره بزيهم، وفي تعرفه بفعلهم، وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم، أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن[2].

  • أنه بدعة لم يفعلها النبي ولا الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه:"وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ[3]".

ويجاب عن ذلك: بأن البدعة المنهي عنها ما كان في العقائد والعبادات، وهذه التهنئة من العادات التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من العقائد والعبادات.

  • أن التهنئة إنما تكون عند حدوث نعمة أو دفع نقمة، وأي نعمة أتت أو نقمة دفعت في مجيء شهر أو عام جديد؟

ويجاب عن ذلك: بأن كل يوم ينشق فجره، وكل شهر يبزغ هلاله، وكل عام تتجدد ساعاته، هو نعمة من نعم الله أمد الله للعبد فيها عمره، فإن كان العبد محسنا زاد من إحسانه، وإن كان مسيئا فتح له من أبواب التوبة ما لا يكون لغيره من الأموات، وفي البخاري "وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ[4]".

  • تكرار التهنئة في كل شهر وكل عام يجعلها عيدا ونحن ليس لنا سوى عيدين.

ويجاب عن ذلك: بأن تكرار التهنئة في كل شهر وفي كل عام لا يجعل ذلك المناسبة عيدا، لأن العيد ما جاء به الشرع والدين، وكان فيه ما فيه من العبادات والطاعات، كل ما في الأمر أن مناسبة طيبة حلّت، وأيام نفحات طلت فاغتنم الناس الفرصة لتهنئة أنفسهم وذويهم.

  • تكرار التهنئة يفتح الباب على مصراعيه للتهنئة بيوم الاستقلال واليوم الوطني، وهذا أيضا لم يكن معروفا من قبل.

ويجاب عن ذلك[5]: بأن التهنئة بيوم الاستقلال واليوم الوطني لأي بلد لم يأت دليل على منعه، لأنه كما سبق من العادات لا العبادات، كما أن استقلال البلاد أمر يستوجب الفرح والتهنئة.

 

القول الثاني: عدم البدء وجواز ردّ التهنئة: 

ويرى أصحاب هذا الرأي عدم البدء بالتهنئة، لكنهم يرون جواز الردّ، واستدلوا بما ساقه المانعون من أدلة، لكنهم لا يرون في الرد على من هنأ حرمة ولا بدعة، وقد نقل ذلك ابن تيمية عن أحمد فقال: قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحدا، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها، ولا هو أيضا مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة. والله أعلم[6].

 

القول الثالث (الراجح): جواز الابتداء بالتهنئة والرد على من هنأ: 

وهناك قول ثالث؛ وهو لا يمنع من التهنئة بالعام الهجري، لا ابتداء ولا ردّا، وهذا ما أراه راجحا، سواء كان ذلك تهنئة بالأيام أو الشهور أو الأعوام (الهجرية) وبأي مناسبة إسلامية؛ ما قصد بذلك التواصل بين الناس، وإبداء حسن الخلق، والتودد إلى الناس، وإظهار الود والإخاء في المجتمع، وذلك للأدلة التالية:

عدم مجيء نهي عن التهنئة لا بالشهور ولا بالأعوام، وما لم يرد نهي يبقى في الأمر متسع.
أن هذه التهنئة بــ (الشهور والأعوام والأعياد) لا يدخل في أمور العبادات؛ بل هو من العادات، والأمر فيها واسع.

التهنئة دعاء لا بأس به في الأعياد وفي غيرها، وإذا قصد بها إظهار السرور والبشر وحسن الخلق، والتذكير بنعم الله تعالى، فهذا لا بأس به.

ما رواه أحمد :"قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ  شَهْرٌ مُبَارَكٌ… فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ[7]"، قال الحافظ ابن رجب: قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟ كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين؟ من أين يشبه هذا الزمان زمان[8]؟ وإذا جازت التهنئة برمضان فيجوز بكل مناسبة فيها من عطايا الله ونفحاته ما يفرح به المسلم.

نقل صاحب "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" كلاما رائعا لابن حجر جاء فيه: (فائدة) قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلاما في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس لكن، نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة، وأجاب عنه شيخنا حافظ عصره الشهاب ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة، واحتج له بأن البيهقي عقد لذلك بابا فقال: باب: "ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في يوم العيد: تقبل الله منا ومنك"؛ وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة لكن مجموعها يحتج به في مثل ذلك، ثم قال: ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية.

وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنأه[9].

قياس ذلك على التهنئة بالعيد، ومن ذلك أن بن تيمية سئل عن التهنئة بالعيد فقال: أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك؛ فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة…..[10].

ولعبد الرحمن السعدي كلام أصولي جاء فيه: هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرّم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد .

أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم، لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر.

ثم اعلم أن ها هنا قاعدة حسنة، وهي أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يُلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضارّ ما يُلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جدا[11]. ..

وأخيرا، فكل عام وأنتم بخير، وأعاد الله علينا وعليكم الأعوام بالخير والبركات.

 

 

[1] رواه أبو داود في اللباس (4031) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6148).

[2] فيض القدير (6/ 104).

[3] رواه أحمد (17144) وقال محققو المسند: حديث صحيح.

[4] رواه البخاري في المرضى (5673).

[5] لا مانع من الاحتفال باليوم الوطني.

[6]  مجموع الفتاوى (24/ 253).

[7] رواه أحمد (7148) وقال محققو المسند: صحيح، وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين.

[8] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف/ ابن رجب/ ط دار ابن حزم/ ط أولى ط 2004م/ ص148.

[9]  أسنى المطالب في شرح روض الطالب/ زكريا بن محمد الأنصاري/ ط دار الكتاب الإسلامي/ بدون (1/ 283).

[10]  مجموع الفتاوى (24/ 253).

[11]  المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي (الفتاوى السعدية) ص 348.


ايهما اختار الأحوط أم الأيسر؟

 في مقطع طريف تسأل المتصلة: "زوجي يطلب مني أن أضع قليلًا من المكياج حين نخرج، ما حكم ذلك يا شيخ؟".

لم تتمالك مقدمة البرنامج نفسها لتسمع إجابة الضيف، فقالت لها بلهجتها المصرية: "طيب حطي شوية، أنا عارفة أنه الشيخ حيقول حرام بس معليش شوية بس".

وبعد جدال حار بينها وبين الضيف المفتي حول حرمة الزينة، بكت وقالت: "لكني أحب أن أتجمل وأخفي معايبي؛ ألم يفت الفقهاء بجواز بعض الزينة؟"، فقال لها: "صحيح، لكنا لا نفتي للناس بهذا حتى لا يتساهلوا فيه، نحن نفتي بالأحوط".

وبعيدًا عن التعليق على المقطع والحكم الشرعي للزينة، ما استوقفني عبارة "نحن نفتي بالأحوط".

فهل صحيح أن واجب المفتي إفتاء الناس بالأحوط والأورع؟ وهل هذا ما يفعله المفتون دومًا؟ وما أصل المسألة؟

الأحوط: هو ما يسمى في الفقه الإسلامي "الخروج من الخلاف أو قاعدة مراعاة الخلاف".

والمقصود من الخلاف هو الاختلاف الواقع بين المذاهب الفقهية، ومراعاته بترك قول المذهب، والأخذ بالمذهب الآخر كما ورد في كتاب "القواعد الفقهية" للزحيلي.

والاحتياط كما عرفه القرافي: "ترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس".

ضوابطه:

ولمراعاة الخلاف شروط تكررت في غير موضع، فإن لم تتوفر فلا يراعى الخلاف في المسألة، أسوق منها ما ذكره الزحيلي في كتابه "القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة":

  • ألا توقع مراعاته في خلاف آخر.
  • ألا يخالف سُنَّة ثابتة صحيحة أو حسنة.
  • أن يقوى مَدرَكُه، أي دليله الذي استند إليه المجتهد.

وجاء في مجلة البيان في الحديث عن "الاحتياط الشرعي حقيقته وضوابطه" لقطب الريسوني تفصيلات أخرى:

  • ألّا يكون في المسألة المحتاط فيها نصّ.
  • أن تكون الشبهة الحاملة على الاحتياط قوية معتبرة.
  • ألّا يفضي العمل بالاحتياط إلى مخالفة النص الصحيح الصريح.
  • ألّا يفضي الاحتياط إلى مشقة فادحة.
  • ألّا يفضي الاحتياط إلى تفويت مصلحة راجحة.

عمومًا، فإن الأخذ بالأحوط على سبيل الاختيار الشخصي الوَرِع أمرٌ محمود ومطلوبٌ من المسلم إذا كان مراعيًا الشروط والاعتبارات المذكورة سابقًا، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)، فإن اختلّت الشروط أو واحد منها يصبح الأخذ به مذمومًا وقد يؤدي إلى مفاسد عظيمة.

"إن الاحتياط مسلك تُجتنب به الشبهات، ومرجّح عند تعارض الأدلة، ومخصّص لعموم الإباحة إذا ثبت، ولا خلاف في حُسنه بين العقلاء في الجملة، إلا أن الإغراق فيه يؤول في نهاية المطاف إلى الاستدراك على الشرع، واجتراح البدعة المذمومة" (مجلة البيان).

قد يؤدي التمسك بالأحوط تورّعًا إلى مفسدة عظيمة، حينئذ يلحق بالمسلم الإثم بدل الأجر.

"وليس كل احتياط يشرع ويستحب من باب الورع والتنزه عن الشبهات! ذلك أن منه ضربًا مذمومًا لا يلتفت إليه، وهو ما كان مفضيًا إلى محظور شرعي، أو كان من قبيل الوساوس التي تتخذ دينًا وهي إملاء من الشيطان الرجيم، ومن صوره الشائعة: سد الذرائع التي تفضي نادرًا إلى المفسدة، والتنزّه عن الرخص المشروعة، والزيادة في المشروع على سبيل الوسوسة" (مجلة البيان).

فإذن، ما أحوال الإفتاء التي يفتي بها المفتي؟ يذكر الشيخ الحسن ولد الددو 3 حالات لها: فإما أن يفتي بما ترجّح لديه هو، أو يفتي بالمذهب السائد في البلد الذي يستفتي منه المفتي ومحل ذلك قبل انتشار المذاهب والعولمة، أو أن يذكر أقوال العلم في المسألة وأدلتهم فيكون لا له ولا عليه.

من الأيسر إلى الأحوط

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بدأت تتغير بعض الأحكام التي كانت على أصل الإباحة أو الندب عملًا بالأحوط، وسدًّا للذرائع، ونظرًا لفساد الزمان، كما ورد في عدد من الروايات وأشهرها ما ورد في قصة ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنه حين قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها" قال بلالُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمر: واللهِ لنمنَعهنَّ -إذًا يتخذنه دغلًا- قال: فسبَّه عبدُ اللهِ بنُ عمرَ أسوأَ ما سمِعْتُه سبَّه قطُّ وقال: سمِعْتَني قُلْتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها" قُلْتَ: واللهِ لنمنَعهنَّ؟! (صحيح البخاري).

ومنها ما ورد في منع ابن هشام طواف الرجال مع النساء، ففي الحديث عن عطاء "إِذْ مَنَعَ ابنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مع الرِّجَالِ، قالَ: كيفَ يَمْنَعُهُنَّ؟ وقدْ طَافَ نِسَاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع الرِّجَالِ؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قالَ: إي لَعَمْرِي، لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ.."، والشاهد الأخير الذي أسوقه ما ورد من منع العواتق ذوات الخدور (أي صغيرات السن أول البلوغ) بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج للعيدين، وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الحديث "لتخرجِ العواتقُ وذواتُ الخدورِ والحُيَّضُ فيشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمينَ" (صحيح النسائي).

ونلاحظ من الأمثلة السابقة أن كلها مما اختصت به المرأة بالمنع وبالأحوطية أكثر من الرجل وهذا المجال هو أكثر ما وقع فيه المبالغة بالأحوطيَّة.

وهكذا كما يقول القرضاوي "وكل جيل أخذ يضيف بعض (الأحوطيات) إلى ما قبله، وقد أدّت كثرة الأحوطيات في الفقه المتصل بحياة الناس إلى تضييق وتشدد لحق بالإسلام منه أذى كثير".

الأيسر أم الأحوط؟

تضافرت النصوص الشرعية التي تحضّ المسلم على اتخاذ التيسير منهجًا لحياته حتى غدا اليسر علامة مميزة يمتاز بها الإسلام، قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُم اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُم العُسْرَ} [البقرة:185]، كما ورد في الحديث: "خَيرُ دينِكم أَيْسرُه".

لكن وردت نصوص أخرى تحض المرء على التورع والاحتياط منها "دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإنّك لن تجد فقد شيء تركته لله عزَّ وجلَّ".

فما ضابط ذلك؟ وأي الأحكام ينبغي فيها الأورع وأيها ينبغي فيها الأيسر؟

تنقسم الفروع الشرعية إلى 3 أنواع كما بيّنها الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى في كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته":

الأول ـ ما بني في الشريعة على اليسر والتسامح، وهو العبادات المحضة، فينبغي عدم الغلو بها؛ لأن التنطع يؤدي إلى الهلاك، أما العبادات المالية: فإنها مما يجب التشديد بها احتياطًا خشية ضياع حقوق الفقراء، فلا يؤخذ بالقول الضعيف أو يلفق من كل مذهب ما هو أقرب لمصلحة المزكي لإضاعة حق الفقير، وإنما يجب الإفتاء بالأحوط والأنسب لمصلحة الفقراء.

الثاني ـ ما بني على الورع والاحتياط، وهو المحظورات: وهي مبنية على مراعاة الاحتياط والأخذ بالورع ما أمكن.

الثالث ـ ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم، ومعيار المصلحة: "هو كل ما يضمن صيانة الأصول الكلية الخمسة".

على أن اليسر يغلب العسر، وأرى -والله أعلم- أنه الأقرب إلى روح الإسلام ومنهجه لتضافر الأدلة على الحض عليه، فعلى المرء أن يجتهد في الموازنة بين الأمرين ما أمكن؛ ففي الحديث النبوي: "إن الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلا غلبه، فسَدِّدوا، وقارِبوا، وأبشرُوا" (صحيح البخاري)، وقال الشعراني "إن العزيمة والرخصة هما سور الشريعة، فإذا رأيت من مال إلى التشدد في مسألة فقد مال إلى سور العزيمة، ومن مال إلى التساهل في مسألة فقد مال إلى سور الرخصة، ولم يخرجا عما بين السوريين لأن الشريعة لا تخرج عن هاتين المرتبتين".

لكن بعض الناس يتورع عن الأخذ بالرخص ظنًّا منه أن العزيمة دومًا أحب إلى الله تعالى رغم أن الحديث النبوي قد رغب بالترخص حال المشقة "إن الله يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه، كما يَكره أن تُؤْتَى معصيته" (مسند أحمد).

وفرق بين أن يتخذ الإنسان من الورع منهجًا ذاتيًّا يحتاط لنفسه وبين أن يفتي لغيره به فضلًا عن أن يلزمه به، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما سأل عن أمر إلا اختار أيسر المسلكين ما لم يكن قطعيًّا، وقد نهى عن أن يلزم المرء غيره بما يتورع فيه لنفسه.

أفتان أنت يا معاذ؟

صلى معاذٌ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ جاء يؤمُّ قَومَه، فقرأ البَقَرةَ، فاعتزل رجلٌ مِن القَومِ فصَلَّى، فقيل: نافَقْتَ يا فُلانُ! فقال: ما نافَقْتُ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّ مُعاذًا يصَلِّي معك، ثمَّ يرجِعُ فيؤُمُّنا يا رَسولَ اللهِ، وإنَّما نحن أصحابُ نواضِحَ، ونعمَلُ بأيدينا، وإنَّه جاء يؤمُّنا فقرَأَ بسورةِ البقَرةِ! فقال: يا مُعاذُ، أفتَّانٌ أنت؟! أفتَّانٌ أنت؟ (أخرجه البخاري).

لذلك، فإن على الإمام أو المفتي أن يراعي حال الناس، فيفتي بالأيسر والأخف عليهم فيما يجوز فيه التيسير إذا كان المستفتي من أهل الترخص، وأن يراعي اختلافاتهم الفردية، فما كان عسيرًا في حق بعض الناس قد يكون يسيرًا في حق آخرين والعكس صحيح، ويفتي بالأحوط فيما يقتنع بقوة دليله ورجحانه من دون أن يجعل من التشديد أو التراخي منهجًا تربويًّا مميزًا.

يقول الشيخ الددو: "لا يجوز للمفتي أن يفتي على مجرد الدواعي التربوية، بل يفتي بناء على ما ترجّح له من الأدلة؛ فهو مؤتمن عليه لا يجوز له أن يفرّط به، أما العمل التربوي فهو مجال الدعاة -كمثل الإفتاء بوجوب تغطية الوجه لفساد الناس وحرصًا على صيانة المرأة، فلا يوجبه بل يقول للرجل: لكن عليك غض البصر- لكن له أن يفتي بما فيه صلاح الناس من باب السياسة الشرعية، لا من باب التربية والدعوة، و لا يخبر بأنه الراجح لديه، كما لو حصلت دافَّة فيفتي بعدم ادّخار لحوم الأضاحي لكن يبيّن العلة في ذلك".

لكن الحاصل أن بعض المفتين يشددون على الناس بحجة فساد الزمان ورغبة في تهذيبهم وضبطهم وتربيتهم، فيؤدي ذلك إلى تنفير الناس وإرهاقهم وتحريف الشرع وتشويهه.

يقول الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى: "كما أن هناك فقه التيسير فإن هناك فقه التعسير"، والأول محمود أما الثاني منفر مذموم، وقد قال تعالى: {يُريدُ الُله أن يُخَفِّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، ومثل ذلك قوله تعالى: {ما يُريدُ اللهُ لِيَجعلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6].

حكم المظاهرات والعصيان المدني والجهاد في سبيل الله ؟

 

حلقة مفتوحة للعلامة يوسف القرضاوي 

– حول المظاهرات والعصيان المدني والجهاد في سبيل الله
– أسئلة في العلاقات الاجتماعية وإشكاليات المسلمين في الغرب

– عن الطب والدجل والقرآن بين الحقيقة والشريعة

عثمان عثمان
عثمان عثمان
 

يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام وأهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة المفتوحة والمباشرة من برنامج الشريعة والحياة والتي نجيب فيها على أسئلتكم واستفساراتكم وللراغبين في إرسال أسئلتهم ومشاركاتهم يمكنهم ذلك عبر الهاتف والبريد الإلكتروني وصفحة البرنامج على الـ facebook كما يمكنهم أيضا الاتصال عبر الهاتف وكل هذه العناوين ستظهر على الشاشة لاحقا إن شاء الله، ننبه الإخوة المشاهدين إلى ضرورة أن تكون الأسئلة مختصرة جدا ومباشرة. كما أحب أن ألفت إلى أن هناك الكثير من الأسئلة وردت إلينا عبر بريد البرنامج وعبر صفحة البرنامج على الـ facebook هي أسئلة مكررة أو أجاب عنها فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في حلقات سابقة خاصة ما جاء في موضوع الموسيقى والغناء، موضوع الاقتراب من البنوك الغربية الربوية في شراء منازل إلى غير ذلك، يمكن للمشاهدين الكرام أن يعودوا إلى أرشيف البرنامج وإلى الحلقات السابقة لمعرفة هذه الإجابات على هذه الأسئلة. حلقتنا اليوم بطبيعة الحال مع فضيلة شيخنا العلامة يوسف القرضاوي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك يا أخ عثمان.

حول المظاهرات والعصيان المدني والجهاد في سبيل الله


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور تحدثنا في حلقتين سابقتين عن الجهاد فقه الجهاد وتطبيقاته، هناك بعض الأسئلة وردت استكمالا لهذا الموضوع الأخ المحمدي إبراهيم يقول ذكرتم في الحلقة الماضية أن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، فهل العصيان المدني والمظاهرات للتعبير عن الرفض للظلم والاستبداد والغضب يعتبر من أشكال الجهاد أم أنه بدعة غربية كما يقول البعض؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فقبل أن أجيب عن سؤالك لا بد أن أذكر كلمة عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي انعقد مجلس أمنائه خلال الأيام الماضية كان هذا هو اليوم الثالث، يومنا هذا، وفيه ختمنا هذا المجلس المبارك وألقينا البيان الختامي على لسان الأخ الأمين العام الدكتور علي القرداغي وعقدنا مؤتمرا صحفيا وأجبنا فيه عن أسئلة الإخوة وكان هذا المجلس مجلسا متميزا الحقيقة ويتميز بالحيوية والدفء وقوة الإرادة والتصميم على الإنجاز وفيه دماء جديدة وفيه عناصر جديدة، العنصر النسائي لم يكن موجودا معنا فأصبح معنا ثلاث أخوات يعني متميزات يعني

لو كانت النساء كمثل هذه

لفضلت النساء على الرجال

والحمد لله نطلب من الإخوة المسلمين أن يكونوا سندا لهذا الاتحاد، مشكلتنا في الحقيقة هي المشكلة المالية يعني نحتاج إلى تمويل ونحن عن قريب إن شاء الله سنعرض إنشاء وقف إسلامي، المسلمون طوال تاريخهم اعتمدوا على الوقف في المشروعات العلمية والتربوية والطبية والصحية والخيرية والاجتماعية التي شملت الإنسان والحيوان حتى وقفوا على الكلاب الضالة والقطط العمياء وغيرها، فنحن سندعو الإخوة المسلمين ليساندونا هنا ونحن نشكر دولة قطر أن أتاحت إنشاء فرع للاتحاد في الدوحة خصوصا وأن رئيس الاتحاد في الدوحة وأمين عام الاتحاد في الدوحة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لخدمة الإسلام والمسلمين وخدمة القضايا الإسلامية.


عثمان عثمان: ما أبرز القضايا فضيلة الدكتور والنقاط البارزة في البيان الختامي وفي نقاشاتكم السابقة في الجلسات السابقة؟


يوسف القرضاوي: الحقيقة كان هناك عمل يعني حول أعمال تنظيمية وإدارية بداخل المؤسسة والخطة الإستراتيجية ناقشناها في الجمعية العمومية الماضية والآن ننزلها على السنوات ونبين مدى الصلاحيات والمسؤوليات إلى آخره، بعدين هناك دراسة طويلة حول القضايا الإسلامية، للأسف الأمة الإسلامية الأمة الوحيدة التي إذا فتحت التلفزيون أو الإذاعة تجد مصائب المسلمين ومآسي المسلمين في كل مكان وقضايا طويلة المدى يعني يكفي قضية فلسطين وما يجري فيها من تهويد القدس ومن حفريات حول المسجد الأقصى وقضية غزة ومحنة غزة وحصار غزة وتجويع غزة إلى آخره والمسلمين للأسف هم الفئة الوحيدة التي يقاتل بعضها بعضا، الأمة يعني لم تعد حتى تكتفي بأن يجافي بعضها بعضا أو يعادي بعضها بعضا أصبح يقاتل بعضها بعضا، أصبح بأسنا بيننا شديد فناقشنا هذه الأشياء كلها..


عثمان عثمان (مقاطعا): بارك الله جهودكم فضيلة الدكتور.


يوسف القرضاوي: ولا نريد أن نطيل لأن الوقت ضئيل.


عثمان عثمان: نفسح مجالا لأسئلة المشاهدين نعم. المظاهرات العصيان المدني هل هي نوع من أنواع الجهاد ضد الظلم أم تقليد غربي؟


يوسف القرضاوي: نعم، هي جزء من المقاومة، يعني مسألة البدعة، البدعة هي ما كان في أمر الدين يعني طريقة في الدين الأمور الدينية إنما لا يجوز أن نقول على.. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من.. عندنا في التاريخ نعرف حاجة اسمها "أوليات عمر" نقول هو أول من مصر الأمصار يعني افتتح أمصارا جديدة، من دون الدواوين أول من عمل وأحدث للمسلمين تاريخا، أوليات كثيرة، ونمدحه بهذا، هو ابتكر. فليس كل ابتكار مذموما فقلت بدعة لازم يكون في أمور دينية الناس اخترعوا الانتخابات مثلا وتقسيم البلاد إلى دوائر وإلى.. وجدوا أن ده هو أقرب وسيلة للإتيان بأهل الحل والعقل، في المجتمعات القليلة والبسيطة يعني ممكن تعرف أهل الحل، شيخ القبيلة هنا وشيخ الجامع هنا وكذا واحد تعرف، إنما المجتمعات الكبيرة إندونيسيا 250 مليون، باكستان 170 مليون، بنغلاديش.. حتى مصر والبلاد دي كلها ليس من السهل، فلما نجد هذا لا ينبغي أنه إحنا نقول هذا فالناس يعني اخترعوا المظاهرات وإن كان المظاهرات لها أصل أنه ورد لما أسلم سيدنا عمر خرج هو والمسلمون صفين يعني صف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وصف على رأسه، ومشيوا في مكة.


عثمان عثمان: مظاهرة صحابية.


يوسف القرضاوي: نوع من التظاهر يعني إثبات القوة، هذا يعني لا مانع من ذلك والعصيان المدني، ولكن كل شيء يجب أن ينظر إليه في ضوء الأحكام الشرعية وفي ضوء المقاصد الكلية وفي ضوء المصالح، يعني إذا وجدنا أن العصيان المدني سيخرب البلاد ويعمل كذا يعني إذاً أوقفه، يعني الإضراب عن الطعام مثلا يعمل، ولكن إذا كان الإضراب يضر بالناس ضررا بليغا نوقف هذا..


عثمان عثمان: درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.


يوسف القرضاوي: نعم نعم.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور سؤال من الأخ محمود يعني يقول أيهما أفضل الموت في سبيل الله أم الحياة في سبيل الله؟


يوسف القرضاوي: كل واحد منهما أفضل في ساعة معينة، عندما يكون مطلوبا الموت يبقى الموت أفضل، وأحيانا يبقى مطلوب العيش مش مطلوب الموت، أنا قلت بهذه المناسبة لإخواننا الأفغان يعني خصوصا الذين ينتسبون إلى الحركة الإسلامية برهان رباني وحكمتيار وعبد الرسول سياف ويونس خالص وأمثال هؤلاء أنهم بعدما انتصروا على الاتحاد السوفياتي وكانوا هم من أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي قدموا خدمة عظيمة للأميركان وللمعسكر الغربي ولكن بعد ذلك اختلفوا على أنفسهم وأصبحوا يقاتلون بعضهم بعضا، أنا قلت لهم إنكم أحسنتم أن تموتوا في سبيل الله ولم تحسنوا أن تعيشوا في سبيل الله. كنا نود أن تحسنوا العيش معا يعني تستطيعوا أن تتقاسموا الحياة ولذلك المسلمون يعني أنا أقول لك للأسف أنه إذا طلبت من المسلمين عشرة ليموتوا في سبيل الله يجي لك مائة أو ألف أما إذا طلبت منهم يعني مائة علشان يعيشوا ويروحوا الأدغال كما يذهب المبشرون وبتاع ويعيشوا مع المسلمين البعيدين عن المدينة يجي لك يعني إذا طلبت عشرة يجي لك واحد ويمكن ما يجي لك حد، لأنه إنما في الموت مستعدون، لا، لازم يكون عندنا ناس مستعدة أن تموت في سبيل الله وأن تعيش في سبيل الله.


عثمان عثمان: الأخ أبو عقيل الخطيب يقول بالنسبة لدعوتكم المجاهدين الشيشان إلى مراجعات فقهية فهل كانت هذه الدعوة دعوة إلى مراجعات فقهية للسلوك الذي يتبعه المجاهدون في نضالهم من عمليات تضر بالمدنيين وغيرها أم أنها دعوة لترك الجهاد المسلح؟


يوسف القرضاوي: لا هي للقضية كلها، يعني ينظروا في القضية كلها، هل الجهاد جهاد الأقلية أمام بلد ضخم وكبير ويملك قوات ضخمة ويملك أسلحة دمار ويملك أسلحة نووية هل في استطاعتي أن أقاومه أم أنني أضحي بالمسلمين لغير شيء، لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه" المسألة تحتاج مش بس لفرد، الجماعة تبحث عن تستطيع ولا ما تستطيع وتستطيع بتضحيات معقولة ولا بتضحيات هائلة إنما تهدم بلدك وتعمل كذا ولا تحصل على شيء لازم نراجع فقه هذا الموضوع من أوله إلى آخره.

أسئلة في العلاقات الاجتماعية وإشكاليات المسلمين في الغرب


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني هناك مجموعة من الأسئلة في العلاقات الاجتماعية في الزواج وإلى غير ذلك، الأخ عبد الله من تركيا يسأل عن حكم المحادثة عبر الإنترنت بين النساء والرجال خاصة إذا كانت الأحاديث تتناول مواضيع اجتماعية؟


يوسف القرضاوي: والله يعني إذا كان أحاديث جادة يعني الإسلام لا يحرم أن الرجل يتكلم مع المرأة، سيدنا موسى قال للمرأتين يعني {..قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}[القصص:23]، {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا..}[القصص:25] وسيدنا زكريا كان بيكلم مريم وهي ليست محرما، هو زوج خالتها وزوج الخالة ليس محرما، فيعني كلام الرجل مع المرأة ليس محرما وخصوصا يعني مش جالس معها ولا بيمسها ولا.. فإذا كان كلاما ليس فيه إثم وليس فيه حرج لا مانع من ذلك إذا كان في فائدة.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني جاءتنا مجموعة أسئلة من المسلمين في الغرب ومن إسبانيا بشكل خاص، أبرز هذه المشكلات هو الحجاب يعني حيث تضطر البنات لخلع الحجاب في حصص التربية الرياضية وإلا فلن يشاركن وسيرسبن في المادة وإذا رسبن لن يتخرجن وهذا يعني المنع من حضور الحصص الرسوب آخر العام تراكم الرسوب عدم الحصول على الشهادة إلى آخر ذلك، يعني ما الحل هنا ماذا يفعلون؟


يوسف القرضاوي: شوف، أنا قلت للإخوة من زمان فرنسا كانت أول من أثار هذه القضية حول الطالبات ومنعت الطالبات أنها تذهب إلى المدرسة، فأنا قلت للمسلمين هناك لا يجوز أن نحرم بناتنا من حقهن في التعليم وإلا حنبقى جماعة متخلفة، لا بد أن نحرص على.. وهنا في عندنا قواعد نحكمها وهي قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وهذه قاعدة فيها خمس آيات في كتاب الله عز وجل {..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ..}[البقرة:173] ولكن هذه القاعدة تكملها وتضبطها قاعدة أخرى، إن الضرورة أو ما أبيح للضرورة يقدر بقدره، ولذلك أنا قلت للمسلمة إنك تأخذي تلبسي الإشارب بتاعك أو الخمار أو الخمار كما يسمونه وتذهبين إلى المدرسة عند باب المدرسة اخلعي الخمار وادخلي وخذي حصصك وإلا حنجهّل بناتنا، حصص الرياضة إذا كانت حترسب بسبب الرياضة تدخل الرياضة وتلبس آخر ما يمكن لبسه، يعني إذا كان يمكن أنها تغطي صدرها تغطي إذا ما فيش يعني.. وهكذا، فنحن نأخذ، بس نعتبر أن هذه الأشياء ضرورة، معنى ضرورة أنه لا نتوسع فيها بحيث تصبح أصلا في الحياة، لازم نعتبرها استثناء يحفظ ولا يقاس عليه وعندما تنتهي الضرورة نرجع إلى الحياة العادية، هذا هو المطلوب من كل مسلم ومسلمة.


عثمان عثمان: ونفس السياق يعني ينطبق على حصص السباحة.


يوسف القرضاوي: آه، كل هذا.


عثمان عثمان: البعض فضيلة الدكتور بيقول لك أمام هذا الواقع بيقول لك إذا لم تستطع أن تعيش حياتك الإسلامية في الغرب فعد إلى بلدك!


يوسف القرضاوي: يعني ليس من السهل على بعض الناس، يعني بعض الناس صار لهم مدة هناك وولدوا هناك وأصبحوا يمكن لما يعود إلى بلده لا يجد عملا ولا يجد كذا، بعدين أنا أحب أن أقول شيئا، إنما لا ننظر إلى هذا إلى الناحية الفردية فقط ننظر إلى الجماعة المسلمة الأقلية المسلمة، أنا ما أقدرش أقول المسلمين في فرنسا خمسة مليون ستة مليون اتركوا فرنسا، لا، ده هو المسلمين بعد كم سنة حيصبحوا الأغلبية في فرنسا والأوروبيون يخافون، عندهم خوف مرضي من تزايد أعداد المسلمين، هم ينقصون لأنهم لا يتناسلون والمسلمون أمة ولود باستمرار، فيعني أنا أرى أن الوجود الإسلامي في بلاد الغرب ضرورة ويجب أن نقوي هذا الوجود الإسلامي بالتعليم والتثقيف وعمل المؤسسات التي يحتاج إليها، نحن محتاجون إلى مؤسسات دينية زي المساجد ولكن المساجد ليست هي وحدها التي تكفي المجتمع، المجتمع يحتاج إلى المسجد وإلى المدرسة وإلى النادي وإلى الترويح وإلى كل ناحية من النواحي فلازم تتعاون المجموعة الإسلامية على إيجاد هذه المسهلات وتسهيل الانتفاع بها.


عثمان عثمان: أحيانا ينسب الناس أبناءهم إلى الأم لا إلى الأب في الدول الغربية هل هو مقبول كتقليد عندهم وماذا لو تزوجت مسلمة مسلما منسوبا إلى أمه لا إلى أبيه؟


يوسف القرضاوي: هذا موجود عند بعض القبائل في العالم من قديم، أن النسبة يعني ليست إلى الأب ولكن إلى الأم، نحن المهم أنها حتتزوج واحدا معروفا هو فلان الفلاني حتى لو نسب إلى أمه معروف أبوه من، فهذا لا يمنع، واليهود لا يعترفون بيهودية الإنسان عندهم إلا إذا كانت أمه يهودية مش أبوه يهودي، الأم هي الأساس فلا مانع من هذا.


عثمان عثمان: أخ أيضا يسأل، أو ضمن الأسئلة، يشكل الختان أزمة عند بعض الجاليات ويعدونه كأنه من الفرائض حتى إنهم يعودون إلى بلادهم ببناتهم ليختنوهن وإذا اكتشفت حكومات البلاد التي هاجروا إليها ذلك عاقبوا الأب الذي يفر أحيانا ويترك الأسرة كلها في مهب الريح.


يوسف القرضاوي: أنا أرى أن قضية الختان هذه يعني لا تستحق هذا، الختان هناك قليل من الفقهاء من يقول بوجوبه وبعضهم يقول باستحبابه وبعضهم -بالنسبة للمرأة يعني- ختان الرجال سنة شعائرية، في سنن شعائرية معنى شعائرية يعني مما يتميز به المسلمون عن غيرهم زي الأذان هذه سنة ولكن سنة شعائرية لا يجوز أن تترك، لو أن بلدا من البلدان تركت عمدا الأذان ولم يؤذن في أي، تقاتل على هذا، تجبر إلى حد القتال، من السنن الشعائرية الختان ما يتميز به المسلمون، سنة ورثوها عن إبراهيم عليه السلام واليهود أيضا مع المسلمين لا يزالون يحترمون سنة إبراهيم في هذا. إنما ختان النساء فيه خلاف كثير، ولا يوجد دليل في الحقيقة صحيح الثبوت صريح الدلالة على أن الختان لا بد منه يعني لا داعي أن نجعله قضية، كل الأحاديث التي استدلوا بها لا يوجد فيها حديث صحيح إلا حديث "مس الختان الختان" وهذا ليس فيه دليل الوجوب إنما ربما كان موجود نساء يعني يختنون في الجاهلية، ونحن يعني حتى بالنسبة للواقع الآن لأن الكثير من البلاد ليس فيها ختان، المملكة العربية السعودية والمفروض أن دي ورثت التقاليد من عهد النبوة، بلاد الخليج كلها ليس فيها ختان، بلاد الشمال الإفريقي كلها يعني ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا كثير من البلاد الإسلامية ليس فيها ختان، إنما هناك بعض البلاد يعني مثل مصر والسودان ودي حاجة موروثة من أيام الفراعنة، فإذا كان كثير من المسلمين، وبعدين هناك شيء يعني البعض يعني أكثر رأي في الفقه أن الختان مباح لأنه قالوا إنه سنة للرجال ومكرمة للنساء، وبعضهم بيورد حديثا في هذا.. ولكن متفقون على أن الحديث ضعيف، طيب حتى سلمنا بالحديث مكرمة يعني شيء مستحسن ولكن الاستحسان هذا كان في بعض الأزمنة الآن لم يعد مستحسنا، معظم الأطباء يقولون إنه ضار بالمرأة لوما نيجي ننظر إلى القواعد القواعد المباحات يجوز أن تمنع يعني سيدنا عمر منع الذبح في عدد من الأيام ليوفر اللحم لبقية الأيام والناس في مصر.. أيام يمنع فيها الذبح لأنه لا يوجد من اللحوم العجول وهذه الأشياء ما يكفي لجميع الأيام، فأنت بتمنع، في مصر مثلا يمنعون زراعة القطن إلا بنسبة معينة لأنه لا بد أن تبقى أرض يزرع فيها القمح والذرة وهذه الأشياء، فمنع المباح أو تقييد المباح هذه قاعدة شرعا خصوصا أن هذا الأمر يعني فيه أيضا يعارضه شيء آخر أن الأصل من الختان ده تغيير لخلق الله، ربنا خلق المرأة بطريقة معينة ببظر معين وكذا وهذا له أثر في استكمال اللذة والإسلام لم يحرم أن يتلذذ الرجل مع امرأته وتتلذذ المرأة مع، ليس هذا يعني حراما وحتى جاء من ضمن الأحاديث التي استدلوا بها حديث ابن عطية، أن الرسول قال للمرأة الخاتنة اللي بتختن النساء قال لها "أشمي ولا تنهكي" يعني أشمي كده يعني خذي طرف صغير خالص ما تجوريش على، ولا تنهكي، ما تبالغيش فهذا لا يؤثر، قال فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج. إذا أخذت شيئا قليلا ده يبقى وجه المرأة نضر بخلاف ما لو تجوري عليها، وأحظى عند الزوج يعني تبقى متجاوبة مع زوجها ولذلك بعض الناس بيقولوا إن الختان ده بيؤدي إلى استعمال المخدرات والأشياء دي والبتاع علشان، فلماذا نفعل هذا والأصل أن الواحد ليس مباحا له أن يؤذي أي مخلوق، تؤذي الطفل تثقب أذنه بعض الفقهاء يقول لك ما يصحش ثقب الأذن ولكن الفقهاء الآخرين ردوا عليها وقالوا إن هذا كان موجودا من أيام الجاهلية وفي عهد النبوة ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره، وبعض الأحاديث فيها أناس من حلي أذني إلى آخره. فالشيطان هو الذي قال {..وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ..}[النساء:119] فتغيير خلق الله من عمل الشيطان إلا إذا جاء به شرع محكم مثل ختان الذكور، إنما لم يجئ في ذلك بالنسبة للنساء، فأنا أرى أن ختان الإناث لا حجر أن يترك الرجل ختان ابنته، واتركها على الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهذا أحظى عند الزوج وأنضر للوجه كما جاء في الحديث الآخر.


عثمان عثمان: طبعا هذا الموضوع التبرير فقط للنساء وللبنات أما الرجال فالختان مطلوب.


يوسف القرضاوي: لا، طبعا الرجال هذا شعار من شعائر الإسلام.


عثمان عثمان: نعم. هناك أسئلة كثيرة فضيلة الدكتور نتابع إن شاء الله في الأسئلة الواردة من الغرب ومن إسبانيا بشكل خاص وغيرها بعض الفاصل إن شاء الله. ابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي يجيب فيها فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على تساؤلاتكم. نتابع مولانا مع الأسئلة الواردة من إسبانيا، سؤال عن حكم المشاركة في الاحتفالات الدينية ودخول الكنيسة وتهنئة الجيران اللطفاء المسيحيين الذين يشاركوننا أفراحنا، كما جاء في نص السؤال؟


يوسف القرضاوي: يجوز للمسلم أن يهنئ المسيحي بالعيد وخصوصا إذا كان هو بيهنئه بعيد الفطر وعيد الأضحى، القرآن يقول وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها، ولكن الأشياء التي تتعلق بالطقوس الدينية إذا هم بيعملوا طقوسا دينية في عيد من الأعياد لا يجوز أن نشاركهم لأن الإسلام يأمر هنا بالتميز والمخالفة، بيظل للمسلم شخصيته المستقلة، هناك بعض الإخوة بيحرموا حتى التهنئة ولكن أنا أرى أن التهنئة داخلة في قوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ..}[الممتحنة:8] فهذا من البر وليس داخلا في المشاركة في الطقوس الدينية والإسلام يحب أن تكون هناك علاقات حسنة بين المواطنين بعضهم وبعض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعود بعض المرضى من اليهود وغيرهم ويسأل عنهم وهكذا كان الصحابة حتى في عبد الله بن عمر في أحد أعياد الأضحى يقول لغلامه يعني وهو يذبح الأضحية يقول لا تنس جارنا اليهودي، وكلما دخل لا تنس جارنا اليهودي، لا تنس، قال له أكثرت من.. قال إن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثني.

عن الطب والدجل والقرآن بين الحقيقة والشريعة


عثمان عثمان: نأخذ بعض المشاركات من السادة المشاهدين عبر الهاتف، نادر جنيد من سوريا السلام عليكم.


نادر جنيد/ سوريا: السلام عليكم.


عثمان عثمان: أخ نادر وسائر المشاهدين نرجو أن تكون المداخلة مختصرة وتقتصر فقط على السؤال بارك الله فيكم.

نادر جنيد: السؤال كالتالي دكتور اللي عم بيصير نحن بجميع أنحاء العالم الآن نحن عم نصلي الفجر قبل دخول الفجر -نسأل الله القبول- ما بين النصف ساعة والساعتين، عند خط الاستواء طول الليل قد طول النهار على مدار السنة كاملة يعني الشمس تغيب الساعة السادسة ولذلك نقدر نثبت زوايا الفجر، زوايا الفجر هي ثلاثة زاوية الفجر الحقيقي هي 12 درجة وربع قبل شروق الشمس، الكاذبة 13 درجة وربع، أنا حاسب زاوية الفجر اللي بتغيب فيها الليل ويبدأ بعدها النهار بتكون 14 درجة وربع، هلق وقت تنتقل الشمس لمدار السرطان بيزداد النهار وتكبر معه زاوية الفجر، أكبر زاوية الفجر بالعالم هي 21 درجة يوم 21 حزيران وفوق خط 54..


عثمان عثمان (مقاطعا): أخ نادر المسألة بحاجة إلى تفصيل أكثر يعني حبذا لو تدونها وترسلها إلى بريد البرنامج..

نادر جنيد: طيب دكتور الله يخليك أنا بدي منك بس شغلة ادخل موقعي نادر جنيد دوت كوم واقرأها إذا ممكن.


عثمان عثمان: إن شاء الله. أحمد تطرواي من الجزائر.

أحمد تطراوي/ الجزائر: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحية إليك أخي الدكتور عثمان وتحية إلى شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، والله أخي عثمان لدي سؤالان قصيران جدا، السؤال الأول أخي عثمان، ما رأي فضيلة الدكتور بالذين يقولون إن للقرآن حقيقة وشريعة فإذا وصلنا إلى الحقيقة أسقطنا الشريعة، هل هذا يتنافى مع الإسلام أو يؤيده الإسلام؟ السؤال الثاني أخي عثمان، ما هو واجب الشعوب العربية إذا صرف الحكام عن نصرة القدس، ماذا بإمكان الشعوب العربية أن تفعل أخي عثمان؟ تحياتي والسلام عليكم.


عثمان عثمان: شكرا جزيلا، أشكرك لاختصارك. الأخ محمد.

محمد أبو عبد العزيز/ السعودية: السلام عليكم. لي صاحب يشكو من والده أنه لا يعدل بين الإخوة ويولي الأخ الكبير ماله والأخ الكبير يبدو لي أنه يقوم بأخذ وبيع جزء من المال كذلك الإخوان الباقون مستحون أن والدهم حي ووالدهم مقصر يعني عليه أمور مش أمور دينية كذلك أخي فهل يجوز الحجر عليهم أو تقديم شكوى رسمية لوقف هذا التبذير؟


عثمان عثمان: شكرا الأخ محمد أبو عبد العزيز من السعودية. الأخ عمر فتحي السعودية.

عمر فتحي/ السعودية: السلام عليكم. السؤال بتاعي بخصوص بعض حملات الحج في السعودية بتقوم بحجز أماكن الإقامة في منطقة اسمها مزدلفة مستندين إلى فتوى يقال إنها من الدكتور القرضاوي وبعض هيئة كبار علما السعودية أنه طالما الخيام متصلة إذاً يجوز يعني اعتبار هذه المنطقة كاملة، فهل يعني الواحد يقدر يحجز في حملة من دول الحملات وهل إذا حجز في حاجة زي كده هل هو مضطر أن يقضي جزء من الليل في منى، وإذا لم يستطيع أن يفعل ذلك هل يكون عليه ذنب ولا لا؟


عثمان عثمان: شكرا جزيلا. الأخ صفوت خليلوفيتش من البوسنة.

صفوت خليلوفيتش/ البوسنة: السلام عليكم ورحمة الله. جزاكم الله على هذا البرنامج الطيب ونحيي أستاذنا الشيخ القرضاوي الذي نستفيد من كتبه وأبحاثه وجهوده. يا سيدي الفاضل في عندنا في البوسنة في الشهر الماضي يعني هذا حديث البوسنة كل الناس يتحدثون في هذا، قدم إلينا رجل من المغرب اسمه المكي الترابي ويزعم أنه يعالج الناس بالطاقة تأتيه من الكواكب الخمسة خارج المجموعة الشمسية ويزعم أنه يرى مخلوقات ليسوا من البشر طولها ستين سنتمترا ويكلمهم وتأتيه هذه الطاقة وهذه الكائنات تؤمن بالله وهو يقول يعني إن هذه مقدرة من الله، فالناس يعني يذهبون إليه بعشرات الآلاف، فماذا تنصحوننا في ذلك؟ وجزاكم الله خيرا.


عثمان عثمان: شكرا جزيلا. الأخ صفوت خليلوفيتش من البوسنة، مولانا نبدأ مع الأخ صفوت الصورة واضحة لديكم.


يوسف القرضاوي: نعم واضحة لأنني كنت في البوسنة الأسبوع الماضي وشهدت هذه القضية وسمعت بها، حديث الناس يعني أن رجلا جاي من المغرب ويدعي أنه يعالج كل الأمراض عن طريق الطاقة التي يأخذها من الكواكب، وهذا طبعا مرفوض إسلاميا قطعا، وهي دعوة في الحقيقة وللأسف المسلمون يعني يصدقون هذه الأشياء، أولا الكواكب هي مخلوقات لا تقدر أن تعطي للإنسان طاقة والله تعالى عرفنا فوائد الكواكب، قال {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..}[الأنعام:97] {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:16] وهي من ناحية زينة {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[الصافات:6] وهي رجوم للشياطين، إنما ما قال لنا النجوم تعطي طاقة للإنسان، عقائد الناس من قديم هناك من كانوا يعبدون الكواكب ومن يعبدون الشمس والقمر وهذه الأفلاك هي مخلوقات غير عاقلة يعني لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تعي فكيف تعطي غيرها؟! هذا مناف للعقيدة الإسلامية ومن ناحية الشريعة الإسلامية الشريعة الإسلامية لا تعالج الأمراض بمثل هذه الأشياء، ولكن كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله" وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو من فؤاده يعني مفؤود، فؤاده يعني كبده بيشكو من وجع الكبد فقال له "اذهب إلى الحارث بن كلدة الثقفي فإنه يتطبب" الرجل بيعرف بالطب وكان مشركا لم يكن أسلم بعد، فقال له "اذهب إليه" ما قال له تعال أنا أشوف وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لكل علم أهله {..فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}[الفرقان:59]، {..وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر:14] فيبحث عن الطبيب وجاءه اثنان من بني النار، طبيبان كل منهما يدعي، قال لهما أيكما أطب؟ يعني أمهر وأحذق، قال له ده، قال أنت ابدأ افحص المريض فحتى نبحث عن أحذق الأطباء وأمهر الأطباء، فهذا هو الإسلام يحترم السنن ويحترم شبكة الأسباب والمسببات، لو المسلمون عملوا هذا زي اللي بيقول هذا وزي اللي بيعالجوا بالقرآن واللي بيعالجوا.. ما قام الطب الإسلامي العظيم، الإسلام بنى صرحا طبيا في أطباء عالميون وتركوا كتبا الغرب انتفع بها عدة قرون وكان كثير من علماء الدين أطبقا مثل الفخر الرازي ومثل ابن رشد صاحب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" مثل ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية وهو من فقهاء الشافعية ترجم له ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، فهذا هو الذي جاء به الإسلام ولكن للأسف المسلمين يصدقوا كل شيء وإن كان مخالفا لدينهم، والإيحاء، الإيحاء في عملية نفسية معروفة عند علماء النفس الإيحاء، لما توحي للواحد أنه ما شاء الله أنت اليوم عظيم وكذا..


عثمان عثمان: العامل النفسي.


يوسف القرضاوي: العامل النفسي، وهذا مطلوب منا، يعني لما تروح تزور واحدا بشره، ما تقول له مالك النهارده؟ النهارده أنت وجهك أصفر، النهارده حالتك سيئة، هذا ممنوع، أنت بشره يعني استفد من هذا. أحيانا يعني لما واحد رايح لهذا الشخص وهو يعني معتقد أنه بيشفي الأمراض بيحط يده على دماغه ويحط يده على، حتى يولوا الرجل ده يحط على صدر المرأة وعلى بطنها وعلى، وهذا يعني، فبالإيحاء يتهيأ له أنه شفي وهذا يظل فترة بعد أسبوعين ثلاثة وبعدين ترجع الحالة، وأنا أذكر يعني هنا من 10، 12 سنة 15 سنة جاء واحد في قطر وادعى أنه يشفي الأمراض ويخرج الجني من الجسم وهذه الأشياء وجاء له الآلاف من الناس خصوصا من النساء، يعني هو يقول أنا ما بأخذش من حد حاجة بس الناس بتحط له بجيبه في الآلاف ويعني طلع بالملايين بعد فترة وجاء بعد سنتين وقال أنا أتوب إلى الله مما كنت أقوله، هذه أشياء لا دليل عليها ولا تثبت لا بالعلم ولا بالدين ولا بالواقع وبرئ مما كان يحدث منه. فهذا يعني يغر الناس وسمعت للأسف أن بعض العلماء في البوسنة قال إن هذا لا يضر ولا ينفع، هذا غلط، هو يضر يعني يضر العقيدة ويضر العقلية يخلي المسلمين دائما متخلفين، يقولون لك الرجل من كثرة الناس الذي يأتون إليه ذهب إلى الاستاد يستقبل الناس بالاستاد وبيقول ما بيأخذش بس هو يبدو أنه بيأمر الناس أو بيطلب منهم يشتروا ماء معينا من شركة معينة، فالناس ذهبوا إلى هذه الشركة واشتروا بعشرات الآلاف من الاستفادة..


عثمان عثمان (مقاطعا): هناك أنواع كثيرة من الدجل في هذا المجال.


يوسف القرضاوي: (متابعا): بعضهم قال أنا رأيته في إدارة هذه الشركة. فعلى كل حال، أنا الذي أنبه إليه إخواننا المسلمين والمسلمات في البوسنة الشقيقة الحبيبة أن يحترسوا من هذا الكلام، يجب أن يكون المسلم واعيا متيقظا فاهما لدينه وفاهما لدنياه، مش كل اللي يقول له حاجة يصدقها، أين عقلك أين علمك أين دينك؟ فأنا أرفض هذا الكلام وأحذر إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات في البوسنة من هذا الدجل الذي لا يقوم على أساس علمي ولا أساس ديني.


عثمان عثمان: الأخ عمر فتحي من السعودية سأل عن موضوع المبيت في منى، هناك خيام متصلة بمنى ولكن خارج وادي منى.


يوسف القرضاوي: ما عادت منى تكفي، كثير من الناس لا يكتفون بالمبيت في منى ويذهبون إلى مكة وبعضهم يذهب إلى جدة وهذا جائز والعلماء يعني لم يعتبروا المبيت في منى، هناك منهم من قال إنه بس يكفيه يتصدق بشيء وبعضهم قال ولا يتصدق، خصوصا إذا كان هذا حكم الواقع، أحيانا الحج بيبقى ثلاثة مليون لا يمكن أن منى تتسع لهؤلاء فلا بد أن نوسع في المكان فيذهبوا إلى ما حول منى من مكة أو غيرها.


عثمان عثمان: لا يشترط أن يبيت ولو ساعات معدودة؟


يوسف القرضاوي: لو أمكن يذهب يجلس هناك بعض الساعات ويعود يكون أفضل إنما لو بات في غير منى للضرورة لا مانع من هذا.


عثمان عثمان: أحمد تطراوي من الجزائر يقول هناك من يقول بأن القرآن له حقيقة هو حقيقة وشريعة، فإذا وصلنا إلى الحقيقة أسقطنا الشريعة.


يوسف القرضاوي: الراسخون من علماء التصوف يقولون الشريعة لا تعارض الحقيقة والحقيقة لا تعارض الشريعة هم بيستدلوا بقصة الخضر مع موسى عليه السلام بيقولوا لك الخضر كان يمثل الحقيقة وموسى كان يمثل الشريعة ولكن القرآن قال إن الخضر هذا يعني عمل هذا بوحي، لأنه قال في نهاية القصة {..وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي..}[الكهف:82] ما عملتوش، ده من الله عز وجل، والعلماء مثل الإمام ابن تيمية والشاطبي فسروا حتى اللي عمله الخضر ليس منافيا للشريعة، السفينة خرقها {..قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}[الكهف:71] ففسر له القضية {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}[الكهف:79] يعني عمل فسادا جزئيا لكي ينقذ السفينة،يعني بعض الشر أهون من بعض، لتفادى شر أكبر ارتكب أخف الضررين أن يعمل فيها خرقا ويعيبها حتى يجي الملك يقول ما تنفعش، لأنه كلما تيجي سفينة جميلة ضموها إلى الأسطول الملكي إلى اليخت الملكي، فحتى ما فعله سيدنا الخضر قالوا إن له وجه في الشريعة، فنحن ولو تعارضت الحقيقة مع الشريعة ما يسمى حقيقة هذا لا يمكن أن يكون حقيقة أبدا بل هو باطل، الشريعة هي الحقيقة ما أوحى الله به إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يمثل الحقيقة وما خالف هذا يجب أن يؤول حتى يتفق مع شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


عثمان عثمان: أيضا يسأل عن واجب الشعوب العربية والإسلامية لنصرة القضية الفلسطينية، هذا موضوع طويل لم يبق إلا خمسة دقائق. الأخ محمد أبو عبد العزيز من السعودية يسأل إذا كان الأب لا يحسن أن يوزع الثروة على أبنائه أن يدير ماله هل يجوز الحجر عليه.


يوسف القرضاوي:إذا كان إيه؟


عثمان عثمان: عنده مشكلة في إدارة ماله.


يوسف القرضاوي: إذا كان يعني يديره بسفاهة يعني يمكن الحجر عليه والقرآن يقول {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً..}[النساء:5] يعني مع أن المال ماله إنما هي أموال المجتمع وأموال أولاده فإذا كان لا يحسن ولكن الذي يقرر هذا المحكمة لأنه جايز الأولاد عايزين يستولوا على مال أبوهم في حياته ويتهموه بهذا فالمحكمة هي التي تقرر إذا كان الأب محكوما عليه بالسفه أهو من أهل السفه فعلا أو لا.


عثمان عثمان: الأخ عماد من أميركا يقول، اشترت الجالية المسلمة كنيسة لتحويلها إلى مسجد وأصبح كل ما في الكنيسة ملكا للمسلمين من أثاث وغيره ومن ضمن هذه الأشياء التي كانت داخل البناء تماثيل للسيدة مريم والمسيح عليه السلام، هل يجوز بيع هذه التماثيل لصالح المسجد أم يجب إتلافها وعدم الانتفاع بها؟


يوسف القرضاوي: النبي صلى الله عليهم وسلم جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه "إن الله حرم بيع الأصنام" وما دامت هذه تماثيل تتخذ للعبادة إذا كانت تماثيل عادية ممكن يبيعهم إنما إذا كان الناس يتخذونها أصناما تعبد فلا يجوز يعني بيعها.


عثمان عثمان: أسامة يسأل أيضا ما حكم تلقي مسلمين مهاجرين إلى أوروبا مساعدات مالية أو غذائية من الكنائس أو الجمعيات الخيرية؟


يوسف القرضاوي: يعني المسلمون من حقهم أن يتصدقوا على غيرهم من غير المسلمين وكما قال تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}[الإنسان:8] كان الأسير في ذلك الوقت من المشركين، يجوز أيضا للمسلم أن يأخذ المساعدة من غيره، يعني الآن في الكوارث التي تحدث مثلا كارثة باكستان هذه يعني يتلقى الباكستانيون المعونات من العالم كله، اللاجئون الفلسطينيون من قديم يتلقون الغوث وكالة غوث اللاجئين ويعني من الغربيين ومن غيرهم، هذه معاني إنسانية مشتركة لا مانع فيها.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور أيضا يعني من الأسئلة التي تأتي من الغرب موضوع أكل اللحوم المذبوحة هناك، طرق الذبح والمسالخ الإسلامية يعني في خلال دقيقتين كيف نلخص هذه القضية؟


يوسف القرضاوي: هو يعني القرآن أباح لنا لحوم أهل الكتاب كما أباح لنا المصاهرة لأهل الكتاب، نأكل من ذبائحهم ونتزوج من نسائهم وهذا ما قررته سورة المائدة وهي من أواخر ما نزل من القرآن {..وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ..}[المائدة:5] فيعني يمكن أن تأكل من هذا إذا كان الذبيحة يعني مش خنزير أو كذا، وكان يعني هناك طبعا خلاف هنا، أنه لازم يكون الذبح على الطريقة الإسلامية، هناك من علمائنا من يشترط يقول لك إذا كان يعتبر هو هذه مذكاة في دينه وهي حلال يكفينا، لأنه طعامه، عندما قال {..وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ..} وهناك من يقول لازم تذبح بالطريقة الإسلامية، الطريقة الإسلامية فيها خلاف، ما هي الطريقة الإسلامية؟ أنا أرى أنه إذا كان يعني مقصلة وتذبح وتقرأ عليها اسم الله لا مانع. حتى الإمام الشافعي لا يشترط التسمية فهناك من يشدد في هذا، والبعض يرى أن الذبيحة إذا ضربت بمسدس أو كذا يعتبر أنها تحرم بهذا إنما هذا من باب إراحة الذبيحة، يقول "فليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" فهذا أشبه بتخدير المريض الذي يعمل عملية جراحية قبل إجراء العملية حتى لا يشعر بالألم هذا كذلك بالنسبة للحيوان المذبوح.


عثمان عثمان: مولانا هناك أسئلة كثيرة وكثيرة جدا لم نستطع الإجابة إلا على القليل القليل منها فهذه مشكلة لضيق الوقت دائما، أشكركم في ختام هذه الحلقة فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة الطيبة كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة وأعتذر منكم أيضا لعدم القدرة على الإجابة على كل أسئلتكم، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهي حدود البدعة المَنهي عنها، هل هي كل أمر مُحدث أو كل أمر مُخترع؟

 البدعة والاجتهاد والسنّة الحسنة

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم إلى هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، والتي تأتيكم على الهواء مباشرة من الدوحة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون..}[السجدة:24] وجاء في الحديث النبوي الشهير (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، فمتى تكون البدعة ضلالة؟ وهل يدخل الخلاف الفقهي في دائرة التبديع؟ وماالسبيل لعدم الخلط بين ما هو ابتداع في الدين وما هو اجتهاد فقهي معاصر؟.. البدعة ومجالاتها المعاصرة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الفقيه فضيلة الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي، مرحباً بكم فضيلة الدكتور ضيفاً في برنامج الشريعة الحياة.

وهبة الزحيلي: شكراً لكم، بارك الله فيكم.

عثمان عثمان: بدايةً دكتور، ماهي حدود البدعة المَنهي عنها، هل هي كل أمر مُحدث أو كل أمر مُخترع؟

وهبة الزحيلي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فإني أهنئ العالم الإسلامي بحلول عيد الأضحى المبارك يعد يومين، سائلاً المولى جل جلالة أن يجمع كلمتهم ويوحّد صفوفهم ويجعلهم أتباعاً فعالين وحقيقيين لهذا الدين وهذه السنّة المتبعة والتي هي منهج رب العالمين. إن حقيقة الإسلام أنه دين وعقيدة ونظام ومعاملة وعبادة ومنهج حياة ودولة أيضاً، حقق الله سبحانه وتعالى بهذا النوع من التكامل بين أجزاء المتطلبات التي ينبغي أن يحياها الإنسان، حقق فيها كل ما يصبو إليه الناس قاطبة، ويجعلهم يعيشون في حالة من الاستقرار والوئام والسعادة ودون حاجة إلى أخذ شيء من الآخرين، هذا النظام هو أمانة من الله جل جلاله في أعناقنا ينبغي علينا أن نلتزمه وأن لا نفرّط بشيء منه لأن الله سبحانه وتعالى يقول {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض..}[الأحزاب:72] والأمانة هي التكاليف الإلهية الثابتة في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، والله جل جلاله خاطب نبيه بقوله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون..}[الجاثية:18] وقال سبحانه وتعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون..}[الأنعام:153] أي أمركم، فهذا الأمر الإلهي، والذي أكدته السنّة النبوية للحفاظ على مقتضيات هذا النظام وأصوله وأحكامه ومبادئه، يتطلب منا أن نحترم هذا النظام وأن لا نزيد فيه ولا ننقص، ومن هنا وُجدت بعض الآراء التي تميّز بين ما هو سنّة ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام وبين ماهو مبتكر وجديد. فالسنّة في اللغة العربية كل مانشأ لا على مثال سابق أو كل ما كان هو غير مقرر ولا متعارف في هذا الدين، سواء أكان مذموماً أو محموداً، وأما الذي يقابل هذه السنّة هي البدعة التي نشأت في أعراف وعادات وظروف متأخرة عن وقت الهدي النبوي، فحدث فيها اختلاف فيما بين الناس لذلك اقتضى الكلام عن ما هو سنّة وما هو بدعة. فالسنّة هي ما ثبت نقله عن النبي عليه الصلاة والسلام وكل ما صادمها وخالفها فهو يُعد بدعة. والبدعة في واقع الأمر ينبغي أن لايكون لها مجال في هذا الدين لأن هذه قضية التزام بالوحي الإلهي المُعبّر عنه في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية، ومع ذلك نظراً لوجود اختلافات في تقييم بعض الأوضاع الطارئة، وأنها هل هي من الدين أو السنّة أم أنها غريبة عن ذلك مما يجعلها موصوفة بصفة تسمى البدعة. فالبدعة في حقيقة الأمر وفي منهج العلماء المحققين أن كل ما وافق منهج النبوة وتعاليم الإسلام وأحكامه ومبادئه فهو مستحسن ومقبول شرعاً، وكل ماصادم هذا الأصل وكان ذا منهج مستقبح يؤدي إلى الضرر وإلى الإساءة إلى مفهوم هذا النظام الإلهي فهو بدعة، هذا النظام الذي هو بدعة يختلف عما يُعرف بقضية الاجتهاد فالاجتهاد ينبغي أن ..

عثمان عثمان (مقاطعاً): قبل أن ندخل في موضوع الاجتهاد ذكرتم بأن البدعة مقابل السنة، والسنة النبوية هي أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه السلام كان لشخصيته أبعاد متعددة، يعني كان هو النبي، كان هو المفتي، كان هو القاضي، كان هو رئيس الدولة، كان الزوج، كان الأب، يعني هل تُعتبر كل تصرفاته عليه الصلاة والسلام سنّة ويُعتبر من يخالفها مبتدعاً؟

وهبة الزحيلي: في واقع الأمر إن السنّة ليست هي الأفعال فقط، وإنما السنّة كل ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً، بحيث أقرّ ما يقع أمامه دون أن يتحدث فإقراره دليل القبول، فهذا يُعدّ من السنّة ولذلك يكون ما يخالف هذا الاتجاه هو في واقع الأمر، لأول وهلة، يسمى بدعة، لكن هذه البدعة ينبغي أن ننظر في شأنها فإن كان فيها تجديد لقضية من قضايا العقيدة الإسلامية أو عبادة من العبادات، فحينئذ يكون هذا مصادماً لتلك الأصول ويُعدّ بذلك بدعة.

عثمان عثمان: أنا أسأل فضيلة الدكتور عن الأبعاد الشخصية لشخصية النبي عليه الصلاة والسلام .

وهبة الزحيلي: النبي عليه الصلاة والسلام هو منفّذ لهذه الشريعة ومبين لآفاقها وحدودها، وشخصيته متكاملة غطّت جميع الأحداث باعتباره هو المشرع عن الله جل جلاله، فغطى كل هذه القضايا في عهده ولا مجال لأن يكون هناك خلاف أمام رأيه أو بيانه أو قوله أو فعله، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع هذا النبي {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..}[الأحزاب:21]،{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول..}[التغابن:12]،[المائدة:92] فهذه التغطية لاتتوافر في غير شخصية النبي عليه الصلاة والسلام في كل المجالات التي ذكرتموها، وأما ما بعد العهد النبوي وبعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): سنصل إلى هذه المسألة فضيلة الدكتور ولكن دعنا بداية نبيّن الفرق بين البدعة المَنهي عنها شرعاً، وبين الاجتهاد المطلوب شرعاً.

وهبة الزحيلي: أما البدعة المَنهي عنها شرعاً، فهي تلك الأوصاف التي تصادم أصلاً من أصول العقيدة أو العبادة أو المبدأ الشرعي في المعاملات والعادات..

عثمان عثمانمقاطعاً): أما الاجتهاد ؟

"
الاجتهاد هو إبداء الرأي في القضايا المختلفة وخصوصاً المستجدة والحوادث الطارئة، معتمداً فيها المجتهد على دليل من الأدلة الشرعية، لذلك فهو داخلٌ في نطاق الشريعة، وهو يختلف  عن البدعة حيث تنقصها الأدلة
"

وهبة الزحيلي(متابعاً): فأما الاجتهاد فهو إبداء الرأي في القضايا المختلفة وخصوصاً المستجدة والحوادث الطارئة، معتمداً فيها المجتهد على دليل من الأدلة الشرعية، فإذاً هو داخلٌ في نطاق الشريعة لأن الاجتهاد جزء من هذه الشريعة وهذه الشريعة هي شريعة خاتمة وشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فلا يمكن تغطية.. لبيان مايستجد من أحكام القضايا والمسائل الطارئة إلا بالاجتهاد، فالاجتهاد يختلف عن البدعة لأن الاجتهاد يدور في فلك النص ويدور في فلك الثابت في هذه الشريعة، أما البدعة فينقصها تغطيتها بدليل من الأدلة.

عثمان عثمان: فماذا عن الاستحسان بالرأي؟

وهبة الزحيلي: هناك أيضاً المصالح المرسلة، وهي الأوصاف التي تتلاءم مع تصرفات الشرع أو الاستحسان بالرأي، الاستحسان هو أحد أمرين إما أن يكون قياساً خفياً في مقابلة قياس جليّ، مثل قولهم الحكم بطهارة سؤر سباع الطير، الجوارح، فهذه قياساً على سؤر الآدمي فلا ينجس الماء بعد أن تشرب منه وتنقض من علياء سمائها فتشرب من إناء، هل ينجس هذا.. لاينجس، أو أن يكون الاستحسان استثناء مسألة جزئية من أصل عام أو قاعدة كلية، مثل قضية الاستصلاح، يعني يجوز أو لا يجوز.. مثلاً وصية المحجور عليه، فالاستحسان والمصالح المرسلة والأدلة الاجتهادية كلها تدور في فلك النص وتعتمد على دليل، هذا هو الفرق.

عثمان عثمان: دعنا نسأل سؤال آخر فضيلة الدكتور، هناك البدعة التي هي ضلالة بالطبع، وهناك قول النبي عليه الصلاة والسلام ( من سنّ في الإسلام سنّة حسنة) ما الفرق بينهما أيضاً؟

وهبة الزحيلي: نحن دائماً نسير في ضوء الهدي النبوي، ما يُسمى في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): ما الفرق بين السنّة الحسنة والاتباع؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): السنّة الحسنة هي تنفيذٌ وتطبيقٌ لتوجيهات الشرع، سواء أكان قرآناً أو سنّة نبوية فهذا التنفيذ.. مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام وجد جماعة محتاجين، مُجتابين نمار، يعني ثيابهم مخططة من اليمن، فدعا الصحابة الكرام إلى أن يتبرعوا وأن يتصدقوا عليهم، فجُمع مال كثير في إناء، والنبي أقرّ هذا العمل، وقال من سنّ سنّة حسنة، بأن دعا الناس إلى الإقبال على الصدقة وتغطيه حاجة هؤلاء الذين جاؤوا فقراء فهذه سنّة حسنة ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): تأتي ضمن أصل قرآني وهو الحث على الصدقة ..

وهبة الزحيلي(مقاطعاً): ما يتفق مع الأصل القرآني والتوجيهات الشرعية يُعد مقبولاً وهو السنّة الحسنة.

عثمان عثمان: وماذا عن صلاة التراويح التي جمع عليها سيدنا عمر رضي الله عنه المسلمين في رمضان، تحت أي باب تدخل؟

وهبة الزحيلي: هذه تعود إلى ما يُسمى بالبدعة الحسنة، كما قال سيدنا عمر حينما جمع الناس إلى الصلاة في صلاة التراويح في جماعة، قال، نعمت البدعة هذه. البدعة هنا يقصد بها الأمر المستجد الذي لم يكن عليه الناس في العهد السابق، حيث يصلون جماعة، ولكن هذا لا يخرج عن السنّة لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالصحابة الكرام يومين أو ثلاثة جماعة، فالعودة إلى أصل هذه السنّة بفعل سيدنا عمر هو سماه بدعة، وهو جمع الناس على إمام واحد بدل من أن هم كانوا يصلون فرادى، فقال، نعمت البدعة هذه، ولكن في الحقيقة هذه ليست بدعة بالمعنى الصحيح وإنما هي عودة إلى أصل تشريع أو الاستناد للنبوي، فلذلك كانت هذه مقبولة وهي مندوبة وفيها فائدة وفيها خير، بدلاً من أن يتوزع الناس في صلاة التروايح أفراداً وجماعات.

حالات تحوّل الابتداع إلى ضلالة أو كفر

عثمان عثمان: واضح. مسألة العلاقة بين الابتداع في الدين والكفر، يعني هل يمكن أن تؤدي البدعة إلى كفر؟ ومتى يحصل ذلك؟

وهبة الزحيلي: البدعة إما أن تكون في مجال العقائد أو العبادات أو العادات أو المعاملات، لأن أحكام هذه الشريعة إما عبادات وإما معاملات، فإذا كانت البدعة تصل بالإنسان إلى درجة التكفير، وكان المبتدِع كافراً في بدعته، فهذا يمكن أن يحدث هذا الأمر، مثل قول المجسِّمة أو المشبِّهة الذين شبهوا إلههم بخالق بأن له سبعة أشبار بشبر نفسه، هذا سخرية، أو المجسّمة الذين وصفوا الإله بأن له جسد والبدن حشو هذا الجسد، فهؤلاء في..

عثمان عثمان(مقاطعاً): هذا ابتداع يؤدي بصاحبه إلى الكفر؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): ابتداع يؤدي إلى الكفر لأنه يخالف حقائق الأمور بأن الله سبحانه تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فأنا..

عثمان عثمان(مقاطعاً): الخلاف الفقهي أو لنقل الابتداع، الخلاف الفقهي هل يدخل في باب الابتداع أيضاً؟

وهبة الزحيلي: لاشك أن الخلاف الفقهي، كما ذكرت سابقاً، يعتمد على الدليل واختلاف وجهات النظر بسبب اختلاف الفقهاء والمجتهدين في النظر إلى بعض القضايا أو الاعتماد على دليل من الأدلة، واحد يرى المصلحة في هذا الاتجاه، وآخر يرى المصلحة في اتجاه آخر، فهذا الخلاف الفقهي محمود وليس مذموماً، أما البدعة التي تخالف أصول الشريعة فهي مذمومة، أما هذا حضّ عليه النبي عليه الصلاة والسلام وقال للصحابة الكرام عمرو بن العاص وغيره، إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد، فإذاً هذا دليل على الترغيب في الاجتهاد، وأن الاجتهاد يكون في فلك الشريعة ومبادئها وتوجهاتها، وهذا يكون محموداً ومُثاباً عليه الإنسان على عكس البدعة التي تصادم أصول العقيدة فقد يصل بها الإنسان إلى الكفر.

عثمان عثمان: يعني تعقيباً على الحديث الذي ذكرتموه ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) ابن تيمية رحمه الله قرر أن كثيراً من مجتهدي السلف قد قالوا وفعلوا ماهو بدعة لسبب من الأسباب، وهذا جعلهم معذورين يشملهم قوله تعالى {..ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا..}[البقرة:286] فضيلة الدكتور ذكرتم أن ..

وهبة الزحيلي(مقاطعاً): النبي أقرّ الأمرين، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد. لأننا لسنا معصومين نحن العلماء والمجتهدون.

عثمان عثمان: ذكرتم أن الابتداع الوارد على سبيل التعبد إن كان مخالفاً للشرع، ماذا عن الابتداع في العادات والتقاليد، يعني ماذا لو كان هناك اختراع أو إحداث في العادات والتقاليد وليس على سبيل التعبد هل يجوز ذلك ؟

وهبة الزحيلي: كل مايتفق مع توجيهات الإسلام الكبرى فهو مقبول، فإن كانت العادة تخضع وتسير في فلك هذه الشريعة فهي مقبولة، أما إذا كانت العادة التي يخترعها بعض الناس تصادم الآداب والتوجيهات الشرعية ويكون فيها تقليد لغيرنا مما لا نألفه في شرعنا ولا في ديننا ولا أخلاقنا، فمثل هذه العادات تكون مذمومة ولكن لا تصل إلى حد التكفير.

عثمان عثمان: البعض يرى أن مفهوم البدعة قد تضخّم لدرجة مبالغ فيها، هل ترون ذلك؟

وهبة الزحيلي: الواقع أن مدرسة بعض الناس بالغوا في قضايا البدعة وخصوصاً بعد ظهور بعض الدعوات الإصلاحية في إنكار البِدع والخلافات، نحن معهم، نحن نرفض البدعة التي تكون مصادمة لأصول الشريعة، وثم جاء بعض هؤلاء المنتمين لتلك المدرسة ووسعوا في الكلام واتهموا كل من يقع في مخالفة إما بدرجة الضلالة أو الفسق أو ارتكاب المعصية، فشاع كلام كثير في وقتنا الحاضر مما أوقع الناس في خلافات وجزأهم إلى فرق ومذاهب وأحزاب مما أدى إلى ضرورة أن نعود إلى الأصل الشرعي لنجمع كلمة المسلمين..

عثمان عثمان(مقاطعاً): كيف ذلك فضيلة الدكتور؟ كيف نعيد مفهوم البدعة إلى حجمه الطبيعي الذي ينبغي أن يشغله؟

وهبة الزحيلي: يمكن دائماً بالتزام الأصول الشرعية التي قررها العلماء والتي استمدوها من صريح القرآن الكريم ونصوص السنّة النبوية، فدائماً.. الله سبحانه وتعالى يقول {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله..}[الشورى:10] فالرد إلى الكتاب والسنّة يُنهي كل هذه الخلافات ويمنعهم من الانقسام ومن التفرق ويعيدهم إلى ضروة الاجتماع على مائدة واحدة، وهي العمل بالقرآن الكريم والسنّة النبوية، دون أن يكون هناك نزاع في وجهات النظر أو الاختلافات في جزئيات لاينبغي أن تصل إلى هذه الدرجة من الاستقباح و التشويه ومن الإثارة وشحن النفوس بشيء من الأحقاد واتهام بعضهم بعضاً بالتضليل أو..

عثمان عثمان(مقاطعاً): فضيلة الدكتور يبدو أن الكل يقول أنه يعود إلى الكتاب والسنّة، سواء من كان يقول بالبدعة أو من ينفي حدوث بدعة من البدع، ولكن السؤال الأهم أي دور لعبته البدعة في القضاء على خلاف الرأي أو إقصاء الرأي الآخر؟

وهبة الزحيلي: في حقيقة الأمر يعني نحن دائماً نحترم الاختلاف في الرأي مادام هذا الاختلاف محموداً، مثل الاجتهاد، أما إذا كان منشأه العمل بالهوى والتعصب واتباع الشهوات والنزعات الهدامة، فهذا أدى إلى تفريق الأمة الإسلامية وجعلهم فرقاً وأحزاباً، فلذلك ينبغي أن نعود إلى هذه الأصول الأساسية، ولكن هناك فرق، بعضهم من يعمم الكلمة، مثلاً كل بدعة ضلالة، هذا العموم، أولاً ينبغي أن نتفق على أن هذا الشيء بدعة فيكون إذا كان بدعة في الاتفاق فيكون ضلالة، فبعضهم يأخذ بظواهر النص ولايُعمل نظره وفكره في آفاق النص ومحتوى النص وأبعاد النص والعمل بمقاصد الشريعة والعمل بالغايات التي يريد الوصول إليها، فإذاً الموضوع يعود إلى الاختلاف في وجهات النظر بعضهم مشدد ومتمسـ.. يعني هم أقرب إلى الظاهرية منهم إلى التعمق بالرأي.

عثمان عثمان: كل بدعة ضلالة. هذا النص في حديث النبي عليه الصلاة والسلام ما معناه؟ أسمع الإجابة، إن شاء الله، منك بعد وقفة قصيرة. فاصل قصير مشاهدينا الكرام ثم نعود إلى متابعة هذه الحلقة من برنامج الشريعة و الحياة فتفضلوا بالبقاء معنا.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: مرحباً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا اليوم من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان البدعة ومجالاتها المعاصرة، مع فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي. فضيلة الدكتور كنت سألت عن معنى، كل بدعة ضلالة.

وهبة الزحيلي: صحيح، أن كلمة كل من أدوات العموم، وظاهر الأمر أن كل ما هو مُبتدع في هذا الدين يؤدي إلى الضلالة أي الانحراف والتورط في مخالفة أصول هذا الشرع، والضلالة في واقع الأمر توقع في الإثم وتوقع فيما يغضب الله جل جلاله، لكن هذا العموم ليس هو المراد، دائماً عمومات الألفاظ التشريعية تحتاج إلى شيء من الضوابط، فالمقصود بالبدعة التي هي ضلالة هي التي تدل على أمر مُستقبح يناقض ويصادم أصول هذه الشريعة، فهذه هي الضلالة، والدليل، كما قلت لكم، سيدنا عمر قال، نعمت البدعة هذه. فإذاً البدعة إذا كانت متجهة إلى إحياء مَعلم من معالم الشريعة والالتزام بأصولها وتحقيق غاياتها، فهذه ليست من البدعة المذمومة وإنما هي مما قاله السابقون البدعة الحسنة، والبدعة الحسنة إذاً المتفقة مع كل أمر مستحسن في هذه الشريعة، هذا لا يصح أن يقال عنه كل بدعة ضلالة بعض الناس يعممون الحكم..

عثمان عثمان(مقاطعاً): هناك قول لابن عمر رضي الله عنهما يقول، كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.

وهبة الزحيلي: أيضاً كل بدعة المقصود توجيه الأنظار إلى ما هو مصادم للشرع وما هو مستقبح في دين الله وشرعه، وليس كل شيء جديد نسميه بدعة وإلا أقفلنا باب الحياة والتطورات التي تحدث في كل زمان ومكان فهذه لا يصح أن يُقال عنها بدعة.

بعض المسائل المطروحة بوصفها بدعاً

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، نحن الآن في موسم الحج، والآن الحجاج يعني مغمورين بالإيمان ذهبوا إلى بيت الله الحرام، هناك بعض الأمور يتحدث عنها البعض ويصفها بأنها بدعة، كزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، زيارة بعض الأماكن التاريخية والأثرية، التمسح بالكعبة، ما الحكم الشرعي في ذلك؟

"
يجب أن يكون العلماء دائما مع الاتجاه الذي يضبط البدعة ويقاومها ولا يقرها، فمن السنة مثلا تقبيل الحجر الأسود، أما التمسح بالأحجار وكسوة الكعبة المشرفة فلم يثبت في دين الله وشرعه
"

وهبة الزحيلي: أولاً نحن دائماً مع الاتجاه الذي يضبط البدعة ويقاومها ولا يقرها بحال من الأحوال، فكل ماشرّعه الشرع نتقيد به، مثل تقبيل الحجر الأسود، أما التمسُّح بالأحجار أو بكسوة الكعبة المشرفة هذا لم يثبت في دين الله وشرعه بل هو من المنكرات، وكذلك عند زيارة ضريح النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً مايفعله بعض العوام من التمسح بهذه الأسلاك والمعادن والشبابيك، أيضاً هذا كله بدعة بحق، أما أن نقول أن نفس الزيارة بحد ذاتها هي منكرة، هذا غير صحيح لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) أوليس هذا المقام الذي ضم رفات النبي عليه الصلاة والسلام وهو أقدس وأشرف مكان في العالم بعد الكعبة المشرفة، خلافاً لرأي الإمام مالك يعتبر هذا المكان حتى أفضل من غيره من الأماكن التي هي في مكة المكرمة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): شرعاً، هل تُشد الرحال لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟

وهبة الزحيلي: تشد الرحال لزيارة المسجد.. مسجد المدينة المنورة، وأما التعبير عن الإيمان والالتزام ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام والوفاء لمبادئه وتعاليمه ومنهجه هذا ما يعبر عنه زيارتنا لهذا المقام، ولهذا الأساس ملتزمين بأن كل شيء في هذا الوجود هو بأمر من الله جل جلاله وبقدرته وبأن كل شيء ينبغي أن نتقيد بحسب ماورد في هذه السنّة.

عثمان عثمان: لننزل هذا الكلام على بعض المسائل المطروحة الآن في شارعنا الإسلامي، الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، كثُر الكلام فيه بين المسلمين حتى أنه أُلّفت كتب وكتب مناقضة، يعني هل يجوز الحكم على هذا الفعل بالبدعة؟

وهبة الزحيلي: لاشك أن..

عثمان عثمان(مقاطعاً): البدعة المحرمة..

وهبة الزحيلي(متابعاً): لاشك أن الاحتفال بالمولد النبوي على الصعيد الرسمي هو من مخترعات الفاطميين فيمكن أن يقال عنه بدعة، ولكن هل هذه البدعة مذمومة أم أنها تحيي أشياء كثيرة؟ فإذا كان المولد النبوي مقتصراً على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولايكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله) و هذا إذا كان هذا الاتجاه.. في واقع الأمر لا يُعد من البدع، وإنما لوعددناه من البدع لألغينا كل دروس التاريخ وكل دروس التي فيها توجيه ودعوة للإسلام، نلغي الدعوة الإسلامية في هذه الأمور فإذاً هذا مانريده من الاحتفال بالمولد النبوي.

عثمان عثمان: البعض دكتور يطرح إشكالية أو تساؤل ربما الاحتفال بذكرى المولد يفتح الباب لما ذكرتوه من مغالاة.

وهبة الزحيلي: نحن لا نقرّ لا المغالاة ولا التعظيم بأكثر من الحدود المشروعة، النبي عليه الصلاة و السلام سن صوم يوم الإسلام، وقال، فيه ولدت وفيه بُعثت. فإذاً إحياء هذا المَعلم لايُعد بدعة وكذلك فيه ..

عثمان عثمان: لماذا لم يحتفل فيه السلف الصالح ؟

وهبة الزحيلي: لم يحتفلوا لأن السلف الصالح كانوا مشغولين بتثبيت قواعد الإسلام وأركانه والفتوحات ودفع أضرار الأعداء الذين تكالبوا على هذه الدعوة للقضاء عليها في مهدها، فلم يكونوا متفرغين لهذه الأمور بل لم يكن هناك حاجة إليها لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمامهم وهم يستمدون منه كل توجيه وكل ترغيب وكل أدب كريم، فلذلك القضية لم تثر في ذلك العهد ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): ماذا عن ميلاد المسيح عليه السلام؟

وهبة الزحيلي: نحن أيضاً نحترم كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سواء الأنبياء ذوي العزم، سيدنا نوح وابراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، نحن نحترم جميع الأنبياء، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل، لماذا يصوم اليهود في العاشر من محرم؟ فقالوا له، هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق. قال، أنا أحقّ بأخي موسى منهم. فسنّ صومه وقال: لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع والعاشر. فهذا إذاً دليل على أن الأنبياء كلهم في مكانة عظيمة ومُقدرة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أسأل عن الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.

وهبة الزحيلي(متابعاً): يعني إذا كنا نريد أيضاً أن نحيي معالم السيد المسح عليه السلام أو إبراهيم الخليل وبشيء من توجيه الأذهان والهمم للالتزام بتعاليم الأنبياء فهذا أمر لامانع منه، أما ما يفعله الناس من تقليد غيرنا فهذا هو الذي يكون فيه الإشكال .

عثمان عثمان: مايفعله الناس من تقليد غيرنا يجعلنا نسأل سؤالاً مهماً، ربما الكثير من المسلمين يسأل عنه، ماحكم الاحتفال بمولد الشخص؟ يعني الإنسان يحتفل بمولده، بمولد ولده، إلى ما هنالك؟

وهبة الزحيلي: هذه أيضاً كلها من البدع، الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، الاحتفال بالنصف من شعبان، الاحتفال بليلة القدر، الاحتفال بمولد الإنسان، وببعض الذكريات، هذه إذا قُصد بها أن يكون المراد منها عبادة وأنه يظن أن فيها مصلحة وفيها ثواب فهذه بدعة فعلاً، ولكن إذا خلا الذهن من قضايا التمجيد والتعظيم والعبادة وقصد الثواب وعدم تقليد الآخرين.. فهذا يعني الأصل في الأشياء..

عثمان عثمان(مقاطعاً): إذاً المسألة تعود، إنما الأعمال بالنيات؟

وهبة الزحيلي(متابعاً): الأصل في الأشياء الإباحة ولكن هي لم تكن موجودة لا في عهدنا ولا في عهد غيرنا.

عثمان عثمان: دكتور اسمح لنا نأخذ بعض المشاركات، معنا الأخ ابراهيم عبد الله من الإمارات العربية المتحدة.

ابراهيم عبد الله/ الإمارات: السلام عليكم.

عثمان عثمان: عليكم السلام ورحمة الله.

ابراهيم عبد الله: وكل عام وأنتم بخير إن شاء الله وأنا أرجو من الدكتور وهبة الزحيلي بارك الله في عمره أن يعدّ قائمة بالبدع الحديثة المنتشرة ويصدّقها من مجمع الفقه الإسلامي وأن ينشرها بارك الله فيكم وهذا أولاً، ثانياً أنا لي سؤالين، أعتقد حسب ما سمعت أن الخطبة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم من ضمن ما ذكر (لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) فهل الاقتتال بين الأخوة العراقيين هو كفر وخروج من الملة، وتطبيق ما يجري في بعض الدول الأخرى على ذلك؟ هذا السؤال الأول، السؤال الثاني أنا شخصياً متضايق من بدعة بدأت تنتشر في المساجد، عموم المساجد، وهو انتشار الكراسي والمقاعد فبدأ ازدياد عدد الكراسي هذا بالذات في خلال الجمعة وخلال الصلوات الأخرى مما يضايق المصلين، يعني حتى صار الصف ينحرف عن استوائه، فهل كثرة الكراسي..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أخي ابراهيم وضحت الفكرة، لنفسح المجال لمشترك آخر، الأخ عبد الفتاح حسين من العراق.

عبد الفتاح حسين/ العراق: السلام عليكم .

عثمان عثمان: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الفتاح حسين: أولاً أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي.

وهبة الزحيلي: بارك الله بك.

عثمان عثمان: مرحباً بك، تفضل أخي بسؤالك.

عبد الفتاح حسين: والله السؤال يعني أولاً بالنسبة للبدعة، تفضَّلَ الشيخ الدكتور بأن هذا نص العموم لازم يُخفف لأن البدعة لم تجر بما يعارض أصول الشريعة الإسلامية، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن لنا في حديثه النبوي (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) هذا الحديث النبوي يبين لنا كلمة البدعة بأن البدعة كل مايُخترع ويُحدث في الدين أما ما يكثر فيه ..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أين السؤال أي السؤال؟

عبد الفتاح حسين(متابعاً): الحديث في أيامنا هذا فهذا لايدخل في أبواب البدعة، لأن البدعة تكون خاصة في الدين وليس في أمور الدنيا. هذا أولاً، وثانياً ما قول الإمام مالك، رحمة الله عليه، من ظن أن في الإسلام بدعة حسنة فقد ظن أن محمداً خان الرسالة. فمعنى هذا الكلام أنه ليس في الدين شيء يسمى بالبدعة الحسنة، فكل ما ابتُدع في الدين ويسمى بدعة فهو سيئة ليس فيها بدعة حسنة أو سيئة، هذا في أمور الدين أما في الأمور الدنيوية، الاختراعات، الأمور التعليمية، السيارات، الكهرباء، هذه لا تدخل في أمور الدين حتى نسميها بدعة وإن كانت فيه حديثاً، وأشكر فضيلة الدكتور…

عثمان عثمان(مقاطعاً): شكراً لك. ومعنا الأخ صلاح صادق من الأردن.

صلاح صادق/ الأردن: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام، تفضل أخ صلاح.

صلاح صادق: تحية لك أخي الكريم، لدي سؤالان، السؤال الأول أن مصادر التشريع هي القرآن والسنة والاجماع والقياس، وهذه عليها أدلة قطعية. ولكن المصالح المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة فليس عليها أي دليل قطعي أو حتى ظني صحيح، فلذلك أدخلت على المسلمين ما أدخلته من البلاء الكثير. والسؤال الثاني، هل المطالبة بدولتين فلسطينية وإسرائيلية بدعة أم غير بدعة وشكراً لك .

عثمان عثمان: نعود دكتور، يعني الأخ ابراهيم أول مسألة طرح اقتراح بأن تكون هناك قائمة بالبدع الحديثة، هل لديكم اتجاه في مجمع الفقه الإسلامي؟

وهبة الزحيلي: لاشك أنني أولاً ألّفت كتاباً وسميته البدع المنكرة، وعرضت فيه أكثر هذه البدع. وفي اجتماعنا الأخير في مجمع الفقه في مكة المكرمة قدمت اقتراحاً لأمين المجمع الدكتور صالح المرزوقي أن يكون من أعمالنا في الدورة القادمة بيان ما هو سنّة وماهو بدعة وضوابط كل منهما ليرتاج الناس من هذه المعاناة والإشكالات التي تحوم فيها.

عثمان عثمان: جيد. دكتور السؤال الآخر تحدث عن خطبة النبي عليه السلام وخطبة حجة الوداع، لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. يسأل عن وضع المسلمين في العراق وقتالهم مع بعضهم البعض؟

وهبة الزحيلي: مما لاشك فيه أن كل ذي عقل وكل ذي دين وكل ذي غيرة على قيم الإسلام ومقدساته يرفض رفضاً قاطعاً هذا الاقتتال بين الأخوة في العراق، سواء أكانوا سنّة أو شيعة فهذا لايقرّه دين الله وشرعه، وهم في واقع الأمر يُعدّون ممن يسهمون في بقاء الاحتلال وتكريسه والقضاء على عروبة العراق وإحداث الفتن وإحداث شرخ وتمزق وتشتيت، فنحن نرفض هذا رفضاً قاطعاً وعليهم أن يعودوا إلى حظيرة الإسلام وإلى توحيد الكلمة وأن يتفقوا ضد العدو المحتل .

عثمان عثمان: دكتور يعني كمان سأل سؤال عن موضوع انتشار الكراسي والمقاعد والمفارش في المساجد، ماحكمه شرعاً؟

وهبة الزحيلي: أما هذه الكراسي إن كانت مخصصة للعجزة والذي أصيبوا، يصلّوا بأي كيفية من الكيفيات، أما المفارش فلا داعي لها، وأما وجود هذه الكراسي فيستحسن أن تكون في آخر الصفوف لا أن تكون مشتتة بين الصفوف منعاً من وجود هذا الانقسام وتفريق الصف بعضه عن بعض.

عثمان عثمان: جيد، دكتور، دعنا نأخذ أيضاً بعض المشاركات من الأخوة المشاهدين معنا الأخ أحمد عبد الله من الكويت تفضل أخ أحمد.

أحمد عبد الله/ الكويت: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

أحمد عبد الله: شيخنا الفاضل نريد منكم، من فضيلتكم، أن تتوسعوا في موضوع البدعة وأن لاتطلق البدعة على الأمور المُختلف فيها، وربما جاء فيها حديث ضعيف يعني دائماً رد الحديث الضعيف، وربما تكلم عن هذا الحديث الإمام ابن حجر، كمسح الوجه بعد الدعاء وتبديع من يفعل ذلك ويُقال أن هذا أمر بدعة وينكر عليه حتى وصل الأمر إلى أن الإمام إن قنت في صلاة الفجر يُقال له أنت مبتدع، فنريد وضع حد لهذه الأمور التي ربما تفرّق الأمة شيخنا الفاضل وجزاكم الله خيراً.

عثمان عثمان: هل من سؤال آخر أخ أحمد؟

أحمد عبد الله: شكراً .

عثمان عثمان: شكراً لك، عندنا الأخ محمد عيسى من أمريكا، أخ محمد تفضل؟

محمد عيسى/ أمريكا: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

محمد عيسى: أن أفضل أن أسأل الشيخ الفضيلة أيش الذي يجري عند العالم في الأيام هذه يا أخي يعني نشوف فلسطين، يعني يقتلوهم يدبحوهم العالم كله يتقاتل عليهم مش حرام يا أخي على الأمة الإسلامية والزعماء العرب..

عثمان عثمان(مقاطعاً): سؤالك أخ محمد هل من سؤال؟

محمد عيسى: لا هذا بس اللي عندي ياه.

عثمان عثمان: شكراً لك، معنا الأخ لطفي العربي أيضاً من فرنسا، تفضل أستاذ لطفي؟

لطفي العربي/ فرنسا: السلام عليكم .

عثمان عثمان:وعليكم السلام.

لطفي العربي: عندي سؤال للأستاذ، عندي سؤالين، هو يعني بموضوع البدعة، كيف يفسر لنا لما تكون البدعة.. هو يعني بالطبع البدعة الضالة هو كل شيء مخالف للشرع، هذا بدعة ضالة، الحمد لله الشيء معروف. هو القرآن لما جُمع القرآن والتشكيل فهذا كان بدعة من بعد النبي عليه الصلاة والسلام فهذا لا يضر هذا دليل أن هي بدعة حسنة ولم يكن في وقت النبي عليه السلام..

عثمان عثمان(مقاطعاً): أخ لطفي هل لديك سؤال محدد لضيق الوقت لو سمحت؟

لطفي العربي: يعني يبين للناس البدعة الحسنة والبدعة الضالة..

عثمان عثمان(مقاطعاً): شكراً جزيلاً أخ لطفي.

لطفي العربي: بارك الله بك، سؤال ثاني بارك الله بك.

عثمان عثمان: بسرعة وباختصار لوسمحت أخ لطفي.

لطفي العربي: إذا قال الشيخ قال أن التمسح بالحجر وهذا يقول أنه غير جائز، كيف يفسر لنا لما تمسّح بقميص سيدنا يوسف يعني النبي …

عثمان عثمان (مقاطعاً): هو الشيخ لم يقل بأن التمسح بالحجر غير جائز، شكراً جزيلاً أخ لطفي. دكنور يعني طبعاً فيه عندي الأخ عبد الفتاح حسين تحدث عن موضوع أن الإمام مالك تحدث عن البدعة الحسنة وقال أنه ليس هناك بدعة حسنة أظن أنكم تحدثتم في هذا الموضوع مطولاً. دكتور، أصحاب البدع، أهل البدع كيف يجب التعامل معهم، هل نحاروهم هل نجادلهم هل نرد عليهم أم ماذا ؟

وهبة الزحيلي: لاشك أننا نحن دائماً أمة الحوار والبيان، الإقناع ومحاولة الدعوة إلى الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتلطف لابالتنطع وبإحسان الظن بالآخرين حتى يعرفوا الحق من الباطل والصحيح من الخطأ، فإذاً منهجنا دائماً هو منهج الحوار، ومنهج إحسان الظن بالآخرين، ومنهج التعامل مع الكل، ولايصح أن نرفض رأياً، فمثلاً رأي الأمام مالك هو رأيه، قال ذلك وأنا معه، أنه لايصح أن يُقال هناك بدعة، لها أحكام خمسة أقول البدعة هي المذمومة وغيرها هو المتفق مع أصول الشرع ومقاصده فهو أمر حسن ولا أسميه بدعة وإنما أقول عمل بتوجيهات الشرع ومبادئه وأحكامه .

عثمان عثمان: الأخ صلاح صادق سأل سؤال عن موضوع المصالح المرسلة الاستحسان واعتبرها أنها ليست من مصادر التشريع.

وهبة الزحيلي: با أخانا الكريم، أنت يعني تتعصب ضد هذا الاتجاه فهذا مما اتفق عليه فقهاء المذاهب، صحيح ليس لها دليل خاص وإنما لها مجموعة أدلة، بأن المصالح المرسلة هي العمل بالغايات الكبرى والعمل بمقاصد الشريعة، وهي تدل على سعة هذه الشريعة، وعلى تغطيتها للحوادث المستجدة والقضايا الطارئة، فهذا دليل على مرونة الشريعة والحفاظ على صلاحيتها لكل زمان ومكان. فإذاً قضية أن تطلب لكل جزئية دليلاً خاصاً، صحيح أنت محق في هذا، لكن مجموعة الأدلة والعمل بمقاصد الدين والشريعة يقتضينا أن نأخذ بهذه المصادر المختلف فيها وإن لم يكن مُجمع عليها. وهذا من مزايا هذه الشريعة أن مصادرها كثيرة، وهذا دليل على إعمال العقل وإعمال طاقة الإنسان وأن الله سبحانه وتعالى أكرم الأمة حين فتح لها منافذ الاجتهاد وهذا يُعد مقبولاً كما قبله أئمتنا الكرام .

عثمان عثمان: دكتور لم يتبق معي الكثير من الوقت، يعني أريد إجابات موجزة لو سمحتم، يعني كيف يمكن قمع البدع في الدين دون فتنة؟

وهبة الزحيلي: الحقيقة أنا أرفض هذه المحاولات المتشددة والتي يحاول بعضهم فيها ثني الناس عن بعض الآراء التي هي محل خلاف، فهذا في واقع الأمر ليس من الإسلام، الإسلام دين الرفق دين التسامح دين المنطق دين العمل الذي يجمع ولا يفرق، فإذاً كل هذه المحاولات التي تكون فيها تنطع وتشدد وتعصب برأي معين هذا ليس من توجيهات هذه الشريعة ولا من أصولها، وعلينا أن نحمل الناس على الرأي والمنهج الطيب والقريب من الحق لا أن نتهمهم بالكفر والضلال، ونعاملهم معاملة قاسية. ياأخي الإسلام هو دين الاقناع، لم ينتشر الإسلام بهذه الأساليب التي تفرق ولا تجمع وإنما انتشر بالقناعة وبالأسوة الحسنة وبالكلمة الطيبة وبالحكمة والموعظة الحسنة، والله أمرنا بذلك، علينا أن نلتزم هذه الأصول لنكون خير أمة أخرجت للناس.

عثمان عثمان: دكتور يعني أريد منكم في ثلاثين ثانية وربما لا يكفي الوقت ما العقوبة الأخروية المترتبة على الابتداع في الدين؟

وهبة الزحيلي: إذا كانت البدعة مكفرة فلاشك أن صاحبها يكون من الكفار ويعذب ويكون من أهل العقاب المخلد في نار جهنم، أما إذا كانت البدعة لا تصل إلى حد التكفير، كالخوارج فهم أساؤوا إلى الإسلام ولكنهم ليسوا كفاراً فهؤلاء يعدون من العصاة أو الفسّاق، وكثيراً منهم في وقتنا الحاضر ليسوا من الخوارج ومع ذلك يفعلون أفعالاً مثل الخوارج، هؤلاء العصاة والفساق لهم عقاب من الله جل جلاله والأمر متروك لإرادته ومشيئته .

عثمان عثمان: أشكركم فضيلة الدكتور الفقيه وهبي الزحيلي على هذه الإضافة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحية من معد البرنامج معتز الخطيب ومن المخرج منصور الطلافيح وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله، وكل عام أنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.