الثلاثاء، 28 يوليو 2020

الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. بين الإباحة والتحريم‎

الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. بين الإباحة والتحريم‎

الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. بين الإباحة والتحريم‎

الصلاة

حالة من الجدل دارت خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر الصفحة الرسمية لـ"دار الإفتاء المصرية" لفتوى أكدت فيها أن الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة مباحة وقد تصل إلى درجة الاستحباب.

وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لهذه الفتوى، وكل منهم قد استند إلى أدلة وفتاوى أخرى مما زاد حدة الجدل والنقاش، وفي هذا الموضوع يستعرض "مصراوي" أبرز الآراء في هذه المسألة:

أدلة المجيزين

جاءت فتوى "دار الإفتاء المصرية" التفصيلية في مسألة الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة لتؤكد أن الصلاة فيها صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك ثابت بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي، واستندت الدار في أدلتها على عدة أدلة من بينها:

• قول الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾، موضحة أن سياق الآية يدل على أن القول الأول هو قول المشركين، وأن القول الثاني هو قول الموحِّدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار؛ فدل ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إن سياق قول الموحدين يفيد المدح؛ بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا وأن مرادهم ليس مجرد البناء بل المطلوب إنما هو المسجد.

• وعن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما: "أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمَّا مات وبنى على قبره مسجدًا بـ(سِيف البحر)، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة". وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.

• عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير

• وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات

• وحكى إمام دار الهجرة الإمام مالك في كتابه: "الموطأ" بلاغًا صحيحًا عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: [فقال ناسٌ: يُدفَنُ عندَ المِنبَرِ، وقال آخَرُونَ: يُدفَنُ بالبَقِيعِ، فجاءَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم يقولُ: «ما دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلَّا في مَكانِه الذي تُوُفِّيَ فيه»، فحُفِرَ له فيه].

• والمجيزون لذلك يفسرون حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ»؛ بأن المساجد: جمع مَسجِد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها؛ كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان؛ كما فسَّرَته الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ الله قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، فجملة «لعن الله قومًا..» بيانٌ لمعنى جَعل القبر وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد؛ كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.

• والذي نراه في مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأضرحة الصحابة رضوان الله عنهم، أن القبور غالباً مستقلة عن مكان الصلاة، بل تفصل القبور في غرف وتوضع ضمن جدر، فالمساجد على ذلك ليست على المقابر ولا فيها، بل بجوارها، فلا حرج في الصلاة فيها في هذه الحالة، بل حتى لو كان بناء المسجد واقعا في الكراهة كأن بني على قبر، فهذا لا يعني حرمة الصلاة في هذه المساجد، ولا بطلانها، ولم نجد أياً من فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم من يفتى بحرمة الصلاة فيها، فصحة الصلاة حكم مستقل عن كون المسجد بني على قبر أو بجواره.

أدلة المحرمين

• أما من يحرمون الصلاة في المساجد التي يوجد بها قبور فقد استدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي في هذا المعنى: "ألا وإن من كان قبلَكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، إني أنهاكم عن ذلك".

• وفي فتوى للشيخ ابن عثيمين حول هذه المسألة كان جوابه أن بناء المساجد على القبور محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرض موته: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا عليه الصلاة والسلام، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يلعن اليهود والنصارى من أجل بناء المساجد على قبور أنبيائهم، إلا من أجل:

- أن يحذر الأمة عن هذا العمل الذي هو من وسائل الشرك، وإذا بني المسجد على القبر وجب هدم المسجد، ولا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ؛ لأنه مسجد محرم وعمارته بالصلاة مضادة لله ورسوله، فالواجب هدمه، وألا يصلى حول القبر.

- أما إذا كان القبر بعد المسجد؛ أي أن الميت دفن في المسجد، فإن الواجب نبش الميت ودفنه مع الناس، فإن لم يمكن ذلك، فإن الصلاة في هذا المسجد صحيحة؛ لأنه أنشئ إنشاءً صحيحاً سليما؛ ولكن لا يصلى خلف القبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصلوا إلى القبور" فمن صلى في هذا المسجد وليس القبر بين يديه، فصلاته صحيحة، ومن صلى إلى القبر، فإن صلاته غير صحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصلوا إلى القبور".

• وكذلك في فتوى للشيخ ابن باز قال فيها إن كان القبر هو الأخير والمسجد سابق له في البناء، فإن القبر ينبش ويخرج من المسجد رفاته ويوضع الرفاة في المقبرة العامة يحفر للرفاة حفرة وتوضع الرفاة في الحفرة ويسوى ظاهرها كالقبر وحتى يسلم المسجد من هذه القبور التي فيه المحدثة وإذا نبشت القبور التي في المساجد ونقلت ونقل رفاتها إلى المقابر العامة صلي في هذه المساجد والحمد لله، إذا كانت المساجد هي الأولى هي القديمة والقبر حادث فإنه ينبش القبر ويخرج الرفاة ويوضع في المقبرة العامة والحمد لله.

أما إذا كان القبر هو الأصل والمسجد بني عليه فهذا صرح العلماء بأنه يهدم؛ لأنه أسس على غير التقوى فوجب أن يزال وأن تكون القبور خالية من المصليات لا يصلى عندها ولا فيها؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، ولأن الصلاة عندها وسيلة للشرك، الصلاة عندها وسيلة إلى أن تدعى من دون الله، وإلى أن يسجد لها، وإلى أن يستغاث بها، فلهذا نهى النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام وسد الذرائع التي توصل إلى الشرك عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.