تحريك الإصبع في التشهد
أدلة تحريك الإصبع في التشهد
تحت عنوان (( تحريك الإصبع في التشهد )) كتب الشيخ الألباني
في كتابه (( صفة الصلاة )) أحاديث وأقوال إستدل بها على إثبات ما يذهب إليه من تحريك السبابة في
التشهد حركة مستمرة .
ونحن ننقلها هنا ونثبتها ، ثم نناقشها لنر
قوة هذه الأدلة ، وإلى أي مدى تثبت ما ذهب إليه الشيخ ؟ :
1 / و (( كان r
يبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها ، ويشير بأصبعه
التي تلي الإبهام إلى القبلة ، ويرمي ببصره إليها )) مسلم وأبو عوانة
وابن خزيمة
وزاد فيه الحميدي في (( مسنده )) ( 131 / 1 ) وكذا
أبو يعلى ( 275 / 2 ) بسند صحيح عن إبن عمر . (( وهي ندبة الشيطان لا
يسهو أحد وهو يقول هكذا )) ، ونصب الحميدي أصبعه .
قال الحميدي : قال مسلم بن أبي مريم : (( وحدثني رجل أنه رأى
الأنبياء ممثلين في كنيسة في الشام في صلاتهم قائلين هكذا ، ونصب الحميدي أصبعه )) .
قلت : وهذه فائدة نادرة غريبة ، وسندها إلى
الرجل صحيح ([1])
.
2 / و (( كان إذا أشار بإصبعه
وضع إبهامه على إصبعه الوسطى )) مسلم وأبو عوانة .
وتارة (( كان يحلق بهما حلقة )) أبو داود والنسائي
وابن الجارود في (( المنتقى )) ( 208 ) وابن خزيمة ( 1 / 86 / 1 – 2 ) وابن حبان في (( صحيحه )) ( 485 ) بسند صحيح
وصححه ابن الملقن ( 28 /
2 ) وله شاهد في ابن عدي ( 287 / 1 ) ([2])
.
3 / و (( كان أصحاب النبيّ r
يأخذ بعضهم على بعض ، يعني الإشارة بالإصبع في الدعاء )) . أبن أبي شيبة ( 2
/ 123 / 2 ) بسند حسن ([3])
.
4 / و (( كان r
يفعل ذلك في التشهدين جميعاً ))
النسائي والبيهقي بسند صحيح ([4])
.
5 / و (( رأى رجلاً يدعو
بإصبعيه فقال : (( أحِّد [ أحِّد ] [ وأشار بالسبابة ] )) .
إبن أبي شيبة ( 12 / 40 / 1 ) و ( 2 / 123
/ 2 ) والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وله شاهد عند إبن أبي شيبة ([5])
.
6 / ويقول : (( لهي أشد على الشيطان
من الحديد : يعني السبابة )) .
أحمد والبزار وأبو جعفر البختري في (( الأمالي )) ( 6 / 1 ) وعبد
الغني المقدسي في (( السنن )) ( 12 / 2 ) بسند حسن ، والروياني في (( مسنده )) ( 249 / 2 )
والبيهقي ([6])
.
7 / و (( كان إذا رفع إصبعه –
يحركها يدعو بها ))
أبو داود والنسائي وابن الجارود في (( المنتقى )) ( 208 ) وابن الملقن
( 28 / 2 ) وله وابن حبان في (( صحيحه )) ( 485 ) بسند صحيح وصححه ابن الملقن ( 28 / 2 ) وله شاهد في إبن عدي ( 287 / 1 ) وقوله (( يدعو بها )) قال الإمام الطحاوي
: (( وفيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة )) .
قلت ( الألباني ) : ففيه دليل على أن
السنة أن يستمر في الإشارة وفي تحريكها إلى السلام ، لأن الدعاء قبله ، وهو مذهب
مالك وغيره .
وسئل الإمام أحمد : هل يشير الرجل بأصبعه
في الصلاة ؟ قال : نعم ، شديداً .
ذكره ابن هاني في مسائله عن الإمام أحمد (
1 / 80 ) طبع المكتب الإسلامي .
قلت ( الألباني ) : ومنه يتبين أن تحريك
الأصبع في التشهد سنة ثابتة عن النبيّ r ، عمل بها أحمد وغيره من أئمة السنة .
فليتق الله رجال يزعمون أن ذلك عبث لا
يليق بالصلاة ، فهم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها ، ويتكلفون في
تأويلها بما لا يدل عليه الأسلوب العربي ، ويخالف فهم الأئمة له . . .
وحديث أنه كان لا يحركها ، لا يثبت من قبل
إسناده كما حققـته في (( ضعيف أبي داود )) (
175 ) ، ولو ثبت فهو ناف ، وحديث الباب مثبت ، والمثبت مقدم على النافي ، كما هو
معروف عند العلماء ([7])
.
هذه هي أقوى الأدلة التي ذكرها الشيخ
الألباني في كتابه (( صفة الصلاة )) في إثبات هذا الأمر .
مناقشة أدلة تحريك الأصبع في التشهد
أما الأحاديث رقم : ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ،
6 ) فلا علاقة لها بالعنوان ، والباب الموضوع لها أبدا .
وهذا يشبه ما فعله الشيخ الألباني في أدلة
وضع اليدين على الصدر ([8])
. ولنر ذلك :
نصب الإصبع
1 / أما الحديث الأول فهو كبقية الأحاديث الستة ، لا يدل إلا على مجرد
الإشارة بالسبابة فقط . ولا يشير إلى تحريك الإصبع لا من قريب ولا
من بعيد ! ولا سيما وقد إستدل الشيخ برواية (( الحميدي )) التي يذكر فيها رؤية
الرجل للأنبياء ممثلين في كنيسة في الشام ، وقد (( نصب )) كل واحد منهم أصبعه
.
أي : رأى هذا الرجل المجهول صورة
الأنبياء على الجدران ، أو تماثيلهم وهُم في حالة صلاة .
وكل واحد يعلم – والشيخ الألباني أوّلهم –
أن الصور أو التماثيل التي رآها الرجل لا تتحرك ، بل هي ثابتة جامدة ، ثبوت وجمود
الصخر والجدران ، فمن أين إستنبط منها الشيخ الدليل على تحريك الإصبع ؟
و (( النصب )) الذي ذكره (( الحميدي )) وفَعَله ، معناه هو
ما ذكره صاحب (( مختار الصحاح )) حيث قال : [ ن ص ب – ( نَصَب ) الشّيء : أقامه ] ([9])
.
وجاء في (( ترتيب القاموس
المحيط )) :
[ وكل ما رُفع واستُقبِلَ به شيء فقد نصب
. . وبِضمَّتَين : كلُّ ما جُعِل عَلَماً . . . والأنصاب : حجارة كانت حول الكعبة
تُنصَب فيُهلّ عليها ويُذبح لغير الله تعالى . . . ] ([10])
.
وكذلك ما ذكره الشيخ عن إبن عمر ، وبيّنه
الحميدي بنصب أصبعه تفسيراً له . .
كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على عدم
التحريك ، وذلك لأن النصب هو إقامة الأصبع وليس تحريكه .
التحليق
2 / وأما الحديث الثاني فهو أيضاً يتحدث
عن الإشارة بالإصبع وتحليق الإبهام مع الوسطى ، فما هي علاقته بتحريك السبابة ؟
3 / وكذلك الحديث الثالث أيضاً يتحدث عن
الإشارة لا التحريك .
الإشارة في التشهدين
4 / أما الحديث الرابع فهو يثبت الإشارة
في التشهدين ، فما علاقته بتحريك الإصبع ؟
أحِّد ، أحِّد
5 / أما الحديث الخامس فهو يأمر بعدم
الإشارة بأصبعين ، بل بأصبع واحد . فما علاقته بالتحريك ؟.
رمز التوحيد
6 / أما الحديث السادس فهو قد فسّر نفسه
بنفسه ، حيث جاء فيه : (( . . يعني السبابة )) .
فإن الذي هو أشد على الشيطان من الحديد هو
: الإشارة بالسبابة ، وليس تحريكها !
بدليل ما ذكرناه من الأحاديث التي تقتصر
على الإشارة فقط دون التحريك .
والإشارة بالسبابة هي رمز التوحيد الذي هو
أثقل على الشيطان وأشد عليه من الحديد ، ومن كل شيء .
فإن المصلي عندما ينطق بالتوحيد بلسانه
وهو (( لا إله إلا الله )) ، يقرن معه الإشارة بالسبابة .
والإشارة بالسبابة هي رمز الإسلام ، وقد
قيل إن المنارة التي تُرفع على المساجد ، هي مع القبة التي بصفها كأنها تجسّد اليد
عند الإشارة بالتوحيد وتحكيها ، فالمنارة هي السبابة ، والقبة هي بقية الأصابع
مضمومة !
معنى الإشارة
قال الإمام أبو بكر ابن العربي المالكي ،
رحمه الله :
[ وذكر حديث أبي هريرة (( أن النبيّ r
رأى رجلاً كان يدعو ويشير بأصبعين فقال : أحّد أحدّ )) حسن صحيح غريب ، وقد
قيل أن معنى الإشارة في الصلاة والحكمة فيه :
أن يستعمل في التوحيد قلبه إعتقاداً ،
ولسانه قولاً ، ويده عملاً ، حتى يكون الإستيفاء العموم ] ([11])
.
وقال الإمام النووي ، رحمه الله :
[ . . . الثانية : ينوي بالإشارة الإخلاص
والتوحيد ، ذكره المزني في مختصره وسائر الأصحاب .
واستدل له البيهقي بحديث فيه رجل مجهول عن
الصحابي t
: أن النبيّ r
كان يشير بها للتوحيد .
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال : هو
الإخلاص .
وعن مجاهد قال : مقمعة للشيطان ] ([12])
.
قال الأستاذ مازن بدران :
[ قلت : ولهم أقوال أخرى جامعها أنها
إشارة إلى وحدانية المعبود جلّ وعلا ، الذي هو لُبّ الإخلاص ، وبه يُقمع الشيطان .
ومثل هذا المعنى لا توافقه إلا هيئة واحدة
للإصبع عند الإشارة وهي : الرفع إلى الأعلى مع التثبيت .
وأما تحريكها دائماً صعوداً ونزولاً فلا
أدري أي معنى يمكن أن يفيده ذلك ! ] ([13])
.
هما حديثان وليسا حديثا واحدا
قد يظن كثير من قُرّاء (( الصفة )) أن ما ذكره الشيخ
الألباني من الحديثين السادس والسابع ( 6 ، 7 ) اللذين وضعهما على التوالي وقرن
بينهما بوضع واو العطف ( و ) بينهما ، قد يظن أنهما حديث واحد ، ولا يتفطن إلى ما
فعله الشيخ في التفريق بينهما في الهامش ! فيقع في الوهم والخطأ ([14])
.
والأصل أنهما ليسا بحديث واحد ، ولا
اقترنت الشدة على الشيطان بتحريك السبابة ، التي يريد الشيخ أن يصورها ويفهمها على
ذلك القاريء !
بل هما حديثان متغايران ، ولو أن الشيخ
ذكر كل واحد منهما بصورته المستقلة – كما هما في الأصل – لتبيّن لكل منصف أن الشدة
على الشيطان هي في الإشارة وليس في التحريك .
فلفظ الحديث كما هو في (( المسند )) ( 2 / 119 ) و (( الدعاء )) للطبراني ( 2 / 1087
) والبراز(( كشف الأستار )) ( 1 / 272 ) وغيرها :
(( عن نافع أن ابن عمر
كان إذا صلّى أشار بأصبعه وأتبعها بصره ، وقال : قال رسول الله r
: لهي أشد على الشيطان من الحديد )) !
فلم يقل (( يحركها )) – كما هو واضح –
وإنما قال : (( أشار )) بأصبعه .
قال البزار : تفرد به (( كثير بن زيد )) عن (( نافع )) وليس عنه إلا هذا .
وقد قال الشيخ الألباني في (( صحيحته )) ( 4 / 328 ) ما نصه
: (( قلت : كثير بن زيد هو الأسلمي ضعيف )) .
ثم إن الشيخ الألباني لم يذكر مَن صحح هذا
الحديث من الأئمة ، بل أشار إلى المصادر فقط ، وهو يعلم أن هذه المصادر لا تتوفر
عند عامة قراء كتابه . وحتى إذا توفرت فهم لا يميزون بين الصحيح والسقيم منها .
فقام هو بإعطاء درجة (( الحسن )) للحديث ، مع أن (( كثير بن زيد )) قد تفرد به ، وهو الذي قال عنه (( ضعيف )) !
يضاف إلى هذا أن الشيخ متساهل ( أحيانا !
) في تصحيح الأحاديث وتحسينها !
قال الشيخ (( محمد الصالح
العثيمين )) بعد أن مدح الشيخ الألباني وأثنى عليه :
[ . . . أما من حيث التحقيقات العلمية
الحديثية فناهيك به على تساهل منه أحيانا في ترقية بعض الأحاديث
إلى درجة لا تصل إليها من التحسين أو التصحيح وعدم ملاحظة ما يكون شاذ
المتن مخالفا لأحاديث كالجبل صحة ومطابقة لقواعد الشريع العامة ] ([15])
.
وحتى لو فرضنا أن الحديث صحيح ، فمعناه هو
ما ذكرناه والله أعلم .
7 / أما الحديث السابع مع تعقيبات
وتعليقات الشيخ عليه ، ففيها أمور ، وعليها ملاحظات :
أبو داود وتحريك الإصبع
أ – قول الشيخ
الألباني بأن هذا الحديث قد أخرجه (( أبو داود )) ليس بصحيح ، وذلك لأن أبا داود لم يخرج هذا الحديث .
وقد وقع الشيخ في هذا الوهم إما تقليدا
لغيره ممن وقع في نفس الوهم ، فظن أن أبا داود قد أخرج حديث تحريك الإصبع ، وهو لم
يخرجه .
أو قد وقع الشيخ في سوء فهم لما أخرجه أبو
داود في باب (( رفع اليدين في الصلاة )) وهو يقصد رفعهما عند
تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه ، فظن الشيخ أنه إنما يقصد به تحريك الإصبع
في التشهد !
أخرج أبو داود في سننه في باب (( رفع اليدين في
الصلاة )) فقال :
[ حدثنا مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، عن عاصم
بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قال : قلت : لأنظرن إلى صلاة رسول
الله r
كيف يصلي ، قال : فقام رسول الله r فاستقبل القبلة فكبّر فرفع يديه حتى حاذتا
أذنيه ، ثم أخذ شماله بيمينه ، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، ثم وضع يديه
على ركبتيه ، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك ، فلما سجد وضع رأسه بذلك
المنزل من بين يديه ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى
وحدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى وقبض ثِنتين وحلق حلقة ، ورأيته يقول هكذا ،
وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة ] ([16])
.
نفس الإسناد و (( المعنى ))
ثم قال أبو داود :
[ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا أبو الوليد
، حدثنا زائدة ، عن عاصم بن كليب ، بإسناده ومعناه ، قال فيه
: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ، وقال فيه : ثم جئت بعد
ذلك في زمان فيه برد شديد ، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم
تحت الثياب ] ([17])
.
فهو يقول (( تحرك أيديهم )) ولا يقول تحرك (( أصابعهم )) ! .
ثم قال أبو داود :
[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا شريك ،
عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قال : رأيت النبيّ r
حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أُذنيه ، قال : ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون
أيديهم إلى صدورهم في إفتتاح الصلاة وعليهم بَرانِس وأكسية ] ([18])
.
ثم ذكر أبو داود في
باب (( إفتتاح الصلاة )) حيث قال :
[ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ، حدثنا
وكيع ، عن شريك عن عاصم بن كليب ، عن علقمة بن وائل ، عن وائل بن
حجر قال : أتيت النبيّ r في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون
أيديهم في ثيابهم في الصلاة ] ([19])
.
فهذه الأحاديث التي نقلناها عن (( سنن أبي داود )) تتحدث عن رفع اليدين
، لا تحريك الإصبع .
فسوء الفهم هذا هو الذي أوقع الشيخ في هذا
الوهم ، إن لم يكن التقليد للغير هو السبب !
أبو داود يقول : لا يحركها !
وعلى عكس قول الشيخ الألباني ، فإن أبا داود قد روى ما يناقض ذلك ،
حيث قال في باب (( الإشارة في التشهد )) :
[ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ، حدثنا
حجاج عن ابن جريج ، عن زياد ، عن محمد بن عجلان ، عن عامر بن عبد الله ، عن عبد
الله ابن الزبير أنه ذكر ، أن النبيّ r كان يشير باصبعه إذا دعا ، ولا يحركها .
قال ابن جريج : وزاد عمرو بن دينار ، قال
أخبرني عامر عن أبيه أنه رأى النبيّ r يدعو كذلك ، ويتحامل النبيّ r
بيده اليسرى على فخذه اليسرى .
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى ، حدثنا
ابن عجلان ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، بهذا الحديث ، قال : لا
يجاوز بصره إشارته ، وحديث حجاج أتم ] ([20])
.
أحكام الأئمة عند الشيخ الألباني
ب / أما ذكر الشيخ الألباني لأسماء الأئمة
الذين أخرجوا الحديث الذي يريد إثباته ، ورووه ، أو صححوه :
فقد ذكرنا رأي الشيخ في بعضهم ، وها نحن
هنا نذكر رأيه في البعض الآخر ، لنبيّن فقط ، و نثبت أن الشيخ الألباني لا يقيم
وزناً لحكم أي إمام من الأئمة الذين ذكرهم إذا رأى هو ما يخالفهم .
أصحاب السنن
أما أصحاب السنن ( أبو داود ، النسائي ،
الترمذي ، إبن ماجه ) ، فقد رأينا كيف أن الشيخ قد إختصر كتبهم وحذف منها أحاديث
كثيرة رآها ضعيفاً أو موضوعاً .
قال الدكتور (( محمد الأحمد الرشيد )) المدير العام لمكتب
التربية العربي لدول الخليج بالرياض :
[ ويتوج المكتب جهده في هذا المجال بنشره
اليوم القسم الأول من المشروع العظيم وهو صحيح الكتب الأربعة ، وهي :
(( سنن أبي داود )) ، و (( سنن الترمذي )) ، و (( سنن النسائي )) ، و (( سنن إبن ماجه )) ، وقد قام بهذا
العمل الجليل المحدث الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ] ([21])
.
وقد حكم الشيخ الألباني على كتب الأئمة
وأحكامهم باجتهاده هو ، غير معتمد على أحكامهم وتصحيحاتهم أوتضعيفاتهم عن طريق
الكتب التالية :
صحيح الأدب المفرد ، صحيح الترغيب
والترهيب ، صحيح السيرة النبوية ، صحيح وضعيف الجامع الصغير ، صحيح
وضعيف سنن أبي داود ، صحيح وضعيف سنن إبن ماجه ، صحيح وضعيف سنن
الترمذي ، صحيح وضعيف سنن النسائي ، تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية
، تحقيق كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ، . . . إلخ .
الحاكم والذهبي
يقول الشيخ الألباني في ( الصحيحة ) : قال
( الحاكم ) : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي ، وذلك من أوهامه ، فإن
دراجاً عنده واهٍ ([22])
.
ويقول في ( الصحيحة ) أيضا : فقول الحاكم
عقبه : صحيح الإسناد ، مردود ، وإن وافقه الذهبي ، لجهالة المذكور ،
وقد صرح بها الذهبي كما تقدم ، وهذا من تناقضه الكثير ! ([23])
.
ويقول في ( الصحيحة ) : قال ( الحاكم ) :
صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، قلت : وفيه نظر ، لأن الصنعاني فيه
ضعف من قبل حفظه ([24])
.
ويقول في ( الضعيفة ) : قال الحاكم : صحيح
على شرط البخاري ووافقه الذهبي . . . وهذا من أوهامهما الفاحشة . .
. فأنى للحديث الصحة ، وفيه هذا الرجل المجهول ([25])
.
ويقول في ( الضعيفة ) : أخرجه الحاكم ( 3
/ 57 ) ، وقال : (( صحيح الإسناد )) ! ووافقه الذهبي ! ! وهذا من أوهامهما الفاحشة ! ومن الظاهر
أنهما لم يعرفا أبا الوليد المخزومي هذا . . ([26])
.
ويقول في ( الضعيفة ) : وقال الترمذي :
حديث حسن غريب . . . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي ، قلت :
وليس كما قالوا . . ([27])
.
المنذري
وقد إختصر الشيخ الألباني كتابه في ثلاثة
أجزاء : ( صحيح الترغيب والترهيب ) .
ويقول في ( الضعيفة ) : ومنه تعلم أن قول المنذري ( 1 / 41 ) : وإسناده لا بأس به ، ليس كما ينبغي
([28])
.
ويقول فيها : وقد ذهل المنذري عن علة الحديث
الحقيقية وهي الجهالة والضعف والإضطراب الذي فصلته ، فذهب
يعله . . . فذكر أقوال العلماء . . والراجح عندي أنه حسن الحديث . .
. وأما في (( الترغيب والترهيب )) . . فقال
. . : وإسناده حسن . . . قلت : والحق أن الحديث ضعيف . . ([29])
.
ويقول فيها : ومما سبق تبيّن خطأ قول المنذري ( 6 / 35
) .
ويقول فيها : ومما ذكرنا تعلم أن قول المنذري : (( رواه أحمد بإسناد
حسن وابن أبي الدنيا والطبراني )) غير حسن (
2 / 50 )
ويقول فيها: وإذا عرفت ضعف الحديث وعلتيه ؛ فمن الأوهام قول
المنذري ( 1 / 123 / 15 ) : (( رواه أحمد بإسناد
حسن )) ! ( 14 / 721 ) .
ويقول فيها: ثم إن المنذري كأنه نسي هذا فقال في (( الترغيب والترهيب )) ( 2 / 119 / 120 ) : رواه إبن ماجه بإسناد صحيح !
وأنى له الصحة وفيه ما ذكره هو وغيره من الإضطراب وجهالة حكيمة عندنا
؟! ( 1 / 379 )
ويقول فيها : وأما قول المنذري في (( الترغيب )) ( 2 / 136 ) : رواه
أحمد ورواته رواة الصحيح ، والطبراني في (( الأوسط )) . فوهم واضح ( 1 / 540 ) .
ويقول فيها : وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه
الذهبي وأقره المنذري . . . وأقول : كلا . .
. فأنى له الصحة ؟ ! ( 1 / 585 ) .
الحافظ إبن حجر
العسقلاني
يقول في ( الضعيفة ) : ومنه تعلم أن قول الحافظ في (( الفتح )) . . . : (( وإسناده حسن )) غير حسن ( 2 / 455 ) .
ويقول فيها : وقول الحافظ في (( الفتح )) . . . فأظنه وهما
منه . . . ( 3 / 174 ) .
ويقول فيها : وأما قول الحافظ في (( الفتح )) . . . (( في إسناده ضعف )) ، فهو مما لا
وجه له . . . ( 4 / 429 ) .
ويقول فيها : قلت : ومن ذلك تعلم أن قول الحافظ في (( الفتح )) ( 2 / 13 ) : (( رجاله ثقات ، رواه
أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان )) وهم أو تساهل منه ، وإن قلده فيه الصنعاني
في (( العدة )) ( 2 / 485 ) ، وأشد منه في الوهم قول البوصيري في (( الزوائد )) ( ق 46 / 1 ) : (( إسناده صحيح ،
ورجاله ثقات )) ! ! وليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد وفيه من كان يخطيء
كثيرا وهو معروف بذلك لدى أهل العلم ؟
( 2 / 362 ) .
ويقول فيها : ومثله ضعفاً ووقفاً ووهماً قول الحافظ في (( الفتح )) ( 9 / 229 ) : (( وفي مرسل الحسن . .
. )) فقوله : (( مرسل حسن )) ، وهم منه
رحمه الله ؛ لأن الحسن لم يعرفه( 14 / 1000 ) .
الحافظ إبن تيمية
يقول الشيخ الألباني :
[ أنصح لكل من وقف على هذا الكتاب ( يقصد (( الكلم الطيب )) لإبن تيمية ) وغيره
: أن لا يبادر إلى العمل بما فيه من الأحاديث ، إلا بعد التأكيد من ثبوتها
، وقد سهّلنا له السبيل إلى ذلك بما علّقنا عليه ، فما كان ثابتاً
منها عمل به . . . وإلا تركه ] ([30])
.
ويقول في كتابه (( إرواء الغليل )) : ( تنبيه ثان ) : إدّعى إبن تيمية أن لفظة (( ونوم )) مدرجة في هذا الحديث
وهي دعوى مردودة فهي ثابتة عند الجميع ثبوت ما قبلها ولم أجد
من سبقه إلى هذه الدعوى على خطأها . . . ([31])
.
ويقول فيه : وأما إنكار شيخ الإسلام إبن تيمية اللفظ
الثاني في أول ( كتاب الإيمان ) فمما لايلتفت إليه . . ( 3 / 13 ) .
ويقول فيه : وبذلك رددنا على إبن تيمية رحمه الله قوله
بضعفها في رسالة في ( الصيام ) فيما علقناه عليها . . ( 4/93 )
ويقول فيه : ويظهر أن إبن تيمية رحمه الله تعالى لم يعط هذه
الأحاديث والطرق حقها من النظر والنقد فقال في ( شرح العمدة ) بعد سرده
إياها : ( فهذه الأحاديث مسندة من طرق حسان ومرسلة وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب
الزاد والراحلة . . . ) فإنه ليس في تلك الطرق ما هو حسن بل ولا ضعيف منجبر
. ( 4 / 167 ) .
ويقول فيه : ( تنبيه ) قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى في
( مجموعة الفتاوى ) ( 1 / 379 ) : ( وقد ثبت في ( صحيح مسلم ) . . . وهذا من
أوهامه رحمه الله فإنه كان يكتب من حفظه قلما يراجع كتابا عندما يكتب
. ( 4 / 409 ) .
قال إبن تيمية : وقد بَلَغنا أنه من حافظ على هؤلاء
الكلام ، لم يأخذه إعياء ، فقال الشيخ الألباني : ما عرفتُ وجه هذا البلاغ ،
ولا عمن هو ؟ ومثله مما لا ينبغي أن يلتفت إليه . ( صحيح الكلم الطيب ) ص 39 .
حكى إبن تيمية عن الترمذي في حديث أنه قال : حديث حسن
غريب ، فقال الألباني : فيه ضعف عندي . ( ص 40 ) .
وذكر الحافظ إبن تيمية حديثا في ( ص 43 ) ، فقال الشيخ الألباني : لا
أعرفه وما إخالُه يصح
قال إبن تيمية : جاء الحديث عن النبيّ r
بالتبكير بالعصر . . . قال الألباني : ضعيف بهذا السياق ( ص 32 ) .
قال إبن تيمية : بل يُقوّيها ، قال الألباني : فيه
نظر ( 21 ) .
قال إبن تيمية : ولم يتفقا إلا على حجامة المُحرِم ،
فقال الألباني : فيه نظر ( ص 71 ) .
والمقصود من إيراد هذه الأقوال هو أن نبيّن ونثبت ما قلناه سابقاً :
من أن الشيخ الألباني لا يقيم وزناً لكائن من يكون إذا إختلف
إجتهاده وأحكامه معه .
الإمام أحمد وتحريك
الإصبع
ج / أما نقل الشيخ الألباني لقول الإمام أحمد ، وجعله دليلاً على
تحريك الإصبع في التشهد ، فمما لا ينقضي منه العجب !
وذلك لأنه لا توجد علاقة بين الأمرين ، فالإمام أحمد سُئِل : هل (( يشير )) الرجل بإصبعه في
الصلاة ؟ قال : نعم ، (( شديداً
)) !
فقد سُئِل رحمه الله : هل (( يشير بإصبعه )) ولم يُسئل هل (( يحرك أصبعه )) ؟
ثم بعد ذلك قال في الجواب : نعم (( شديداً )) ولم يقل : نعم (( كثيراً )) !
فكلمة (( شديداً )) جاءت صفة لإستقامة السبابة ، وذلك لأنه ورد حديث – رواه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن خزيمة – يفيد أن رسول الله r رفع أصبعه السبابة قد حناها شيئاً .
فيظهر أن الإمام أحمد لم يعمل بهذا الحديث ، ولم يصح عنده ، بل رأى أن
لا ينحن المصلي سبابته .
أما قول الشيخ الألباني : ومنه يتبيّن أن تحريك الإصبع في التشهد سنة
ثابتة عن النبيّ r
، عمل بها أحمد وغيره من أئمة السنة .
فقوله هذا لا أدري من أين إستنبطه ؟ !
مخالفة الأئمة للحديث
تعمداً !
د / أما قول الشيخ ( فليتق الله رجال يزعمون أن ذلك عبث لا يليق
بالصلاة ، فهُم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها ) .
فهذا طعن في الأئمة والعلماء الذين ذهبوا إلى عدم تحريك الإصبع في
التشهد إستناداً إلى أحاديث صحيحة ، وهو تجريح لهم ، وحكم على باطنهم الذي نهينا
عنه وعن شق القلوب .
وما هي مصلحة العلماء والأئمة في مخالفة حديث صحيح ، وسنة ثابتة مع
علمهم بثبوتها ؟ !
وهل تبقى لنا ثقة بأمانة وإخلاص العلماء والأئمة بعد طعنهم ورميهم
بهذا الإتهام المشين الفظيع ؟
(( لا يحركها )) حديث صحيح !
هـ / أما قول الشيخ الألباني : ( وحديث أنه كان لا يحركها ، لا يثبت من
قبل إسناده . كما حققته في (( ضعيف أبي داود )) ( 175 ) ) . فهو قول غير
صحيح !
فالحديث صحيح ثابت من قبل إسناده .
وإليك إسناد الحديث وبيان حال رجاله توثيقاً وتضعيفاً .
أما سند الحديث فهو كما ذكره أبو داود :
[ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ، حدثنا حجاج عن إبن جريج ، عن زياد
، عن محمد بن عجلان ، عن عامر بن عبد الله إبن الزبير أنه ذكر أن النبيّ r
كان يشير بأصبعه إذا دعا ، ولا
يحركها . . . ] ([32]) .
رجال الحديث وأقوال
أهل الجرح والتعديل فيهم
1 – إبراهيم بن الحسن المصيصي :
قال الحافظ في (( تقريب التهذيب )) ص ( 89 ) رقم ( 164 ) : ثقة ( د س ) . و ( د س ) يعني أنه من رجال أبي داود والنسائي
.
2 – حجاج بن محمد :
قال في الجرح والتعديل ( 3 / 66 / 78 ) قال علي المدني : ثقة صدوق .
وقال الحافظ في (( تقريب التهذيب )) ( 153 ) رقم ( 1135 ) : ثقة ثبت ( ع ) .
و ( ع ) : يعني أنه من رجال الجماعة ( الصحيحين والسنن الأربعة ) .
3 – إبن جريج :
قال في الجرح ( 5 / 357 / 1687 ) : قال أحمد : إبن جريج : ثبت صحيح
الحديث لم يحدث بشيء إلا أتقنه . إ هـ
( ع ) .
4 – زياد بن سعد :
قال في الجرح ( 3/ 533 / 2408 ) : قال أحمد : خراساني ثقة . إ هـ
وفي التقريب : ثقة ثبت ( ع ) .
5 – محمد بن عجلان :
قال في الميزان ( 3 / 664 / 7938 ) : إمام صدوق مشهور ، وثقه أحمد
وابن عيينة وأبو حاتم . ( وهو من رجال مسلم والأربعة ) .
6 – عامر بن عبد الله :
قال في الجرح ( 6 / 325 / 1810 ) : قال الإمام أحمد : ثقة من أوثق
الناس . إ هـ
وفي التقريب : ثقة عابد من رجال الستة .
وقد قال الإمام الحافظ النووي في شرح المهذب ( 3 / 454
) : ذكر البيهقي بإسناده الصحيح عن إبن الزبير أن
رسول الله r
كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها .
وقد روى هذا الحديث غير أبي داود ، فرواه أبو عوانة في
( صحيحه ) ( 2 / 226 ) والنسائي ( 3 / 38 ) والبيهقي ( 2 / 132 ) والبغوي في (( شرح السنة )) ( 3 / 178 ) بإسناد
صحيح .
وقد صحح الحديث الحفاظ ؛ فمنهم (( النووي )) في المجموع ( 3 /
454 ) – كما ذكرنا – و (( البيهقي )) و (( إبن حبان )) و (( الذهبي )) و (( الحافظ )) بإقراره .
(( يحركها )) شاذ !
إن حديث الإشارة بالإصبع هو حديث صحيح إلا لفظة (( يحركها )) التي فيه فهي شاذة ،
وذلك لان الحديث روي من طريق أحد عشر رجلاً من الثقات الحفاظ كلهم لم يذكروها ،
وانفرد (( زائدة بن قدامة )) الثقة بها مخالفاً رواية إبن الزبير الصحيحة التي فيها نفي التحريك ،
وكذا رواية ( إبن عمر ) التي في ( مسلم ) والتي ليس فيها ذكر للتحريك .
والعلماء قالوا في علم المصطلح :
وما يخالف ثقة به الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا
وقد أعلّ هذه الزيادة وهي
لفظة (( يحركها )) الحافظ إبن خزيمة في صحيحه ( 1 / 354 ) حيث قال : ليس في شيء من
الأخبار (( يحركها )) إلا في هذا الخبر (( زائدة )) ذكره . إ هـ
أسماء الثقات الحفاظ الذين
رووا حديث (( وائل )) دون ذكر التحريك ، والذين خالفهم (( زائدة )) الذي زاد فيه
التحريك :
1 – سفيان الثوري
2 – سفيان بن عيينة
3 – شعبة بن الحجاج
4 – عبد الواحد بن زياد
5 – عبد الله بن إدريس
6 – زهير بن معاوية
7 – أبو عوانة اليشكري
8 – أبو الأحوص سلام بن سليم
9 – بشر بن المفضل
10 – خالد بن عبد الله الطحان
وكل هؤلاء ثقات حفاظ
11 – غيلان بن جامع . وهو ثقة .
قال الإمام الحافظ العراقي في ألفيته في قواعد الحديث :
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة
فيه الملا فالشافعي حققه
تثبت (( زائدة
بن قدامة ))
إحتج الشيخ الألباني بشدة
تثبت زائدة بن قدامة – راوي الزيادة – في
رواياته ، مع الإجتماع على توثيقه ، فنقل عن (( إبن حبان )) في الثقات :
(( كان من الحفاظ
المتقنين وكان لا يعدّ السماع حتى يسمعه ثلاث مرات ، وكان لا يحدث أحداً حتى يشهد
عنه عدل أنه من أهل السنة )) انتهى .
وعن الدارقطني قال فيه : (( من الأثبات الأئمة )) انتهى .
زائدة بن قدامة خالف
مَن ؟
وهذا الكلام – الذي قاله
الشيخ الألباني – يُصارع به مَن هو مثل (( زائدة )) أو مَن هو دونه في
الحفظ والإتقان ، ويُجابَه به إمام أو إمامين !
أما أن يُصارع به أحد عشر
إماماً ثقاتاً حفاظاً - باستثناء واحد
منهم وهو ثقة – ولاسيما فيهم الثوري وابن عيينة وشعبة ، فهذا ما لا يمكن ، ولا
يستطيع (( زائدة )) أن يقف على قدميه أمام أولئك الأئمة الأثبات مجتمعين !
كيف وأن الشاذ هو مخالفة
الثقة للثقات ومَن هو أوثق منه ؟
قال الأستاذ مازن بدران
تعقيباً على قول الشيخ الألباني ذاك :
[ وليس ما قاله بحجة ، إذ هي
قضية لا يُسأل فيها فقط عن حفظ صاحب الزيادة ، بل لابد أيضا من الإمعان في حفظ
وإتقان المخالفين وعددهم ؛ كيف لا و (( زائدة )) يزيد في هذه الرواية
ما تركه أمثال (( شعبة )) و (( الثوري )) و (( إبن عيينة )) ! وإلى هؤلاء المنتهى في الحفظ والتثبت والإمامة ، لا يختلف في ذلك
إثنان .
ثم إن (( زائدة )) ليس الأوحد في تكرار
السماع إستيثاقاً وتثبتاً ، بل هذا مما قد عُرف به كثيرون ، ومنه :
ما رواه إبن أبي حاتم في
مقدمة الجرح والتعديل ( 1 / 168 ) عن أبيه قال : سمعت أبا الوليد – يعني الطيالسي –
قال : قال حماد بن زيد :
(( ما أبالي مَن خالفني
إذا وافقني شعبة ، لأن شعبة لا يرضى أن يسمع الحديث مرة ، يُعاود صاحبه مراراً ،
ونحن كنا إذا سمعناه مرة إجتزينا به )) انتهى .
وقال ( 1 / 164 ) :
(( أخبرنا يونس بن حبيب
أخبرنا أبو داود أخبرنا شعبة قال : سألت طلحة بن مصرف عن هذا الحديث أكثر من عشرين
مرة ، ولو كان غيري قال ثلاثين مرة ، قال : سمعت عبد الرحمن بن عوسجة يحدّث عن
البراء أن رسول الله r
قال : من منح منيحة ورق . . . الحديث )) انتهى .
ومع شدة إستيثاق (( شعبة )) فإنه كان يقول :
(( إذا خالفني سفيان في
الحديث فالحديث حديثه )) كما في مقدمة الجرح والتعديل ( 1 / 63 ) .
وفي سير الأعلام ( 7 / 240
) :
(( عن يحيى بن معين قال
: ما خالف أحد سفيان في شيء ، إلا كان القول قول سفيان )) انتهى .
إلى القبلة !
وهناك حديثان يوحيان بعدم
تحريك الأصبع في التشهد لمن تدبر فيهما وهما :
1 – روى (( مسلم )) في صحيحه
( 1 / 408 ) ومالك في موطأه ، واللفظ لمسلم
عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أنه قال : (( رآني عبد الله بن
عمر وأنا أعبث بالحصى في الصلاة ، فلما انصرف نهاني فقال : (( إصنع كما كان رسول
الله r
يصنع ! قال : (( كان إذا جلس في الصلاة ، وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى ، وقبض
أصابعه كلها ، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام [ (( إلى القبلة )) ، هذه الزيادة (( إلى القبلة )) بهذا اللفظ ثابتة في
صحيح (( إبن خزيمة )) ( 1 / 356 ) وفي صحيح (( إبن حبان )) ( 5 / 274 ) وهو في
النسائي ( 2 / 237 ) وفي (( شرح السنة )) للبغوي ( 3 / 177 ) والبيهقي ( 2 / 132 ) وابن المنذر في (( الأوسط )) ( 3 / 216 ) وابن
الجارود برقم ( 208 ) بمعناه ] ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى )) .
فلو كان r
يحرك أصبعه باستمرار ، لما كان لقول إبن عمر من معنى وهو قوله (( وأشار بأصبعه التي تلي
الإبهام إلى القبلة )) .
لأنه قد عيّن الجهة التي ثبت
الأصبع إليها .
أما في إستمرار الحركة فلا
يثبت الأصبع باتجاه القبلة ، بل مرة إلى القبلة ، ومرة إلى الأرض .
قد حنّاها شيئاً !
2 – عن نمير الخزاعي t
قال :
(( رأيت النبيّ r
واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعاً أصبعه السبابة قد حنّاها شيئاً )) .
رواه أحمد ( 3 / 471 ) وأبو
داود ( 1 / 260 ) والنسائي ( 3 / 39 )
وابن خزيمة في صحيحه ( 1 / 354 ) وأقرّ تصحيحه الحافظ إبن حجر في (( الإصابة )) برقم ( 8807 ) وابن
حبان في (( الصحيح )) ( 5 / 273 ) والبيهقي في (( السنن الكبرى )) ( 2 / 131 ) وغيرهم
، وهو صحيح ، وباقي الأحاديث التي ليس فيها ذكر التحريك تشهد له .
و (( مالك بن نمير
الخزاعي )) ثقة لأنه من أبناء الصحابة ، ولا يُعرف بجرح ، ووثقه (( إبن حبان )) فأورده في (( الثقات )) ( 5 / 386 ) و ( 7 / 460 ) ، وروى عنه ثقة وهو (( عصام بن قدامة الجدلي )) .
وهنا أيضا قوله (( حناها )) يفيد ثبات الأصبع
وعدم تحريكه ، وذلك لأن في إستمرار الحركة لا تتبيّن إنحناء السبابة ولا تثبت .
هل المثبت مقدم على
النافي دائماً ؟
و / أما قول الشيخ الألباني (( ولو ثبت فهو ناف ،
وحديث الباب مثبت ، والمثبت مقدم على النافي كما هو معروف عند العلماء )) ، فليس كذلك .
ليس كل مثبت مقدم على
كل ناف !
1 – يقول الأستاذ مازن بدران
:
[ وأما قاعدة المثبت مقدم
على النافي التي يتمسك بها الشيخ ناصر في تقديم حديث (( وائل )) على حديث (( إبن الزبير )) ، فلا أرى الصحة
الإحتجاج بها في هذا الموضع ؛ إذ الاصوليون إنما قدّموا الإثبات على النفي لما
ادّعوه من زيادة العلم عند المثبت على النافي ، وهذا قد يصلح في حالة تقبل تفاوت
العلم بينهما ، ولكن متى كان المنفي محصوراً ضيّق التحديد ، كان النفي بالضرورة
ناقضاً للإثبات وبالعكس .
ولتقريب الصورة أكثر ، فإليك
شاهداً من كلام الإمام النووي في (( المجموع )) ( 5 / 264 -265 ) ، إذ قد تناول هناك الإختلاف في جواز الصلاة على
الشهيد ، فذكر حجج المجيزين ، ومنها روايات مرسلة (( أن النبيّ r
صلّى على قتلى أُحُد ، وصلّى على حمزة صلوات )) ، ثم ذكر حجج
المانعين ، ومنها ما رواه البخاري عن جابر أن النبيّ r أمر في قتلى أحُد بدفنهم بدمائهم ولم يصلّ
عليهم ولم يُغسّلوا . ثم قال :
(( فإن قيل ما ذكرتموه
من حديث جابر لا يحتج به لأنه نفي ، وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها من رواية
الإثبات ، فأجاب أصحابنا بأن شهادة النفي إنما تُردّ إذا لم يُحط بها علم الشاهد
ولم تكن محصورة ، أما ما أحاط به علمه وكان محصوراً فيقبل بالإتفاق :
وهذه قصة معينة أحاط بها جابر وغيره علماً .
وأما رواية الإثبات فضعيفة ،
فوجودها كالعدم ، إلا حديث عقبة وقد أجبنا عنه )) انتهى .
إذا تعذر الجمع
بينهما !
2 – قاعدة (( المثبت مقدم على النافي
)) ثم السكوت عليها ، هذا غير معروف عند العلماء !
بل المعروف عند العلماء هو :
(( المثبت مقدم على
النافي ، إذا تعذر الجمع بينهما )) .
يقول أصحاب الأصول :
فالجمع بينهما
تعارضا هنا في الأولين واجب إن
أمكنا
وقال صاحب ألسنة الأصول (
مراقي السعود ) فيها :
والجمع واجب
متى ما أمكنا إلاّ فللأخير نسخ بينا
فعلى أقوال العلماء ؛ الجمع
واجب هنا بين الحديثين ( يحركها ، ولا يحركها ) . وقد قام العلماء بذلك :
قال الإمام الشوكاني :
[ قوله (( فرأيته يحركها )) قال البيهقي يحتمل
أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها ، لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض حديث (( إبن الزبير )) عند أحمد وأبي داود
والنسائي وابن حبان في (( صحيحه )) بلفظ (( كان يشير بالسبابة ،
ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته )) .
قال الحافظ وأصله في (( مسلم )) دون قوله (( لا يجاوز بصره إشارته
)) انتهى .
وليس في (( مسلم )) من حديث (( إبن الزبير )) إلا الإشارة دون
قوله ولا يحركها وما بعده .
ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي
رواية أبي داود لحديث (( وائل )) فإنها بلفظ (( وأشار بالسبابة )) ] ([33])
.
وجُمع بينهما بأن المراد بـ (( يحركها )) هي حركة السبابة أي
رفعها عند قول المصلي في تشهده (( إلا الله )) .
الدعاء بالسبابة
وقد ذكرنا رواية الإمام (( مسلم )) في (( صحيحه )) عن إبن عمر ، رضي
الله عنهما :
(( أن النبيّ r
كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي
تلي الإبهام فدعا بها ، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسِطُها
عليها )) ([34])
.
وروى الإمام (( إبن حبان )) في (( صحيحه )) ( 5 / 272 ) :
(( وقبض خنصره والتي
تليها ، وجمع بين إبهامه والوسطى ، ورفع التي تليها يدعو بها
)) .
والدعاء بالسبابة أي الإشارة
بها حال الدعاء لا سيما عند الخطبة ، هي عادة كل الخطباء ، بل وعادة عامة الناس
إذا أرادوا الدعاء وخاصة على الأعداء .
يقول الأستاذ مازن :
(( وتحريك السبابة في
هذه الحالة لا يكون بتحريك مفصل الأصبع دون باقي اليد كما هو قصد الشيخ ناصر ،
ولكن المعروف أن الخطيب يحرّك ويهز كامل ساعده ، فتهتز لذلك سبابته المنصوبة
بالضرورة .
وهذا بدهيّ جداً ولا علاقة
له بهيئة التحريك التي قصدها كما هو واضح )) .
وقد سأل رسولُ الله r
الناسَ في حجة الوداع ، بعد أن وعظهم وبلّغهم : وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون
؟
قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت
وأدّيت ونصحت . فقال بأصبعه السبابة ، يرفعها إلى
السماء ، ويَنكتها إلى الناس : اللّهم اشهد ( ثلاث مرات ) ([35])
.
ولا يُعقل أن يُقصد أن رسول
الله r
كان يحرك مفصل أصبعه السبابة فيرفعها إلى السماء متحركة حركة مستمرة ، وينكتها إلى
الناس كذلك !
هل الإشارة تعني
الحركة ؟
إحتج الشيخ الألباني بحجة
أخرى ، وهي : أن ترك عامة رواة حديث (( وائل )) ذكر
التحريك ليس ينفي له ، إذ
قولهم : (( يشير بأصبعه )) قد يجامع تحريكها .
واستشهد لذلك بحديث البخاري
ومسلم :
(( أن النبيّ r
لما صلى قاعداً وخلفه الصحابة قياماً أشار إليهم أن اجلسوا )) ، ومثل هذه الإشارة
لا بد وأن تكون مقرونة بالتحريك ! !
وذكر أيضا حديثاً آخر ضعّفه
هو في صحيح إبن خزيمة ( 1450 ) عن سهل بن سعد t ، قال :
(( ما رأيت رسول الله r
شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره ، ولكن رأيته يقول هكذا : وأشار
بإصبعه السبابة يحرّكها )) .
واقتصر الشيخ ناصر – والقول
كله للأستاذ مازن – على إيراد هذه العبارة ، وذكر ترجمة الباب وهي :
(( باب إشارة الخاطب
بالسبابة على المنبر عند الدعاء في الخطبة ، وتحريكه إياها عند الإشارة بها )) .
ويُجاب : بأن الإشارة تعني
الإيماء ، وهو قصد التعبير دون إستخدام اللفظ ، والمواضعة والعرف تضبط معناه .
فالإشارة بالجلوس تتضمن
تحريك اليد عرفاً وعادةً ، لا أن الأصل اللغوي يقتضي ذلك ؛ ففهم معنى الإشارة يفضي
إلى تصور هيئتها ، وأما معنى الإشارة في التشهد فقد تكلم فيه أهل العلم .
ثم إننا قد ذكرنا عن الشيخ
الألباني ما يفيد بأن معنى الإشارة هو نصب الأصبع لا تحريكها ([36])
.
(( ونصب الشيء لغة : هو
وضعه وضعاً ناتئاً ، فيقال نصب الرمح ، ويقال : شاةٌ نصباء ، أي : منتصبة القرن .
وعليه فإن نصب السبابة لا
يكون أبداً بتحريكها حركة دائمة ، ولا يُعقل حمله على ذلك ، ويكون ما إدّعاه الشيخ
ناصر من كون الروايات الخالية من الزيادة غير مصرحة بنفي التحريك إدّعاء غير صحيح
، قد قامت الحجة على بطلانه ، ولله تعالى الحمد ))
ثم إن الإشارة بالجلوس إن
اقترنت بالتحريك فهي تعبير عن الجلوس بخفض اليد من الأعلى إلى الأسفل ، لا أن ذلك
تعبير وتفسير للإشارة .
فالإشارة التي هي بمعنى
التحريك عند الشيخ ، ويريد إثباته عند التشهد ، هذه الإشارة هي تعبير عن أي شيء ؟
هل هي تعبير عن الجلوس ؟
وإذا كانت الإشارة تعني
الحركة فكيف يفسر الشيخ الألباني هذا الحديث الذي يرويه (( مسلم )) في (( صحيحه )) :
هل معنى هذه الإشارة : أن
رسول الله r
كان يحرك كفيه حركات مستمرة من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس ؟ !
قال الإمام النووي ، رحمه
الله ، في شرح هذا الحديث :
[ قال جماعة من
أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر
كفيه إلى السماء ، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء ، احتجوا
بهذا الحديث ] ([38])
.
وعن أبي هريرة t
عن رسول الله r
قال :
(( لا يشير
أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار )) [39] .
وفي رواية لمسلم قال : قال
أبو القاسم r
:
فهل هذه الإشارة – في هذا
الحديث – مقيّد – عند الشيخ – بالحركة ، فإذا أشار أو وجّه أحد سلاحه – سواء
بندقية أو سكين أو سيف – إلى أخيه من غير تحريكه لا يشمله الحديث ولا يطبق عليه ؟
أم أن اللعنة تنصبّ عليه
سواء حرّك السلاح أم لم يُحرّكه ؟
فالإشارة في التشهد هي تعبير
عن التوحيد والإخلاص – كما ذكرنا سابقاً – وسميت السبابة بالشاهد لأن الإنسان إذا
نطق بلفظ الشهادة أشار بها ، وكان رسول الله r إذا نطق بلفظ (( أشهد )) و (( اللّهم اشهد )) أشار بالسبابة .
ففي صحيح مسلم ( 2 / 890 )
في حديث جابر أن رسول الله r
:
وفي (( سنن البيهقي )) ( 2 / 133 ) :
(( كان رسول الله r
يصنع ذلك لما يوحّد بها ربّه تبارك وتعالى )) .
والمفروض على الشيخ الألباني
– وهو محدث – أن يدور مع الحديث حيثما دار ، وأن يدع هذه الأمور للفقهاء ، لا أن
يحاول تغيير اللغة وإبداع معاني لها ، وكل ذلك من أجل رأي معين !
مذهب الإمام مالك
وتحريك الإصبع
ز / أما قول الشيخ الألباني
عن تحريك الأصبع في التشهد :( وهو مذهب مالك وغيره ) فليس كذلك .
· فقد روى الإمام مالك
في موطأه حديث (( إبن عمر )) : (( كان – أي رسول الله r - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه
اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ، ووضع كفه
اليسرى على فخذه اليسرى وقال هكذا كان يفعل )) .
ولم يذكر تحريك الأصبع كما نرى بل إكتفى بالإشارة وقال : هكذا كان
يفعل .
· وقد قال الإمام (( أبو الوليد الباجي )) – وهو من علماء
المالكية – في شرحه للموطأ :
[ وقد روي عن مالك أنه كان يخرجها من تحت البرنس ويواظب على تحريكها ،
وقال ابن القاسم : يمدها من غير تحريك ويجعل جنبها الأيسر من فوق ، وقاله يحيى بن
مريم .
فمن ذهب إلى تحريكها فهو الذي يتأول الإشتغال بها عن السهو وقمع
الشيطان ، ومن ذهب إلى مذّها فهو الذي يتأول التوحيد .
وقد روي عن يحيى بن عمر أنه كان يحركها عند قوله أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، ولعله يريد بذلك مدّها والإشارة بها والله أعلم ] ([42]) .
· وقال الحافظ أبو بكر
ابن العربي المالكي :
[ وإياكم وتحريك أصابعكم في التشهد ، ولا تلتفتوا إلى رواية العُتبية
( فإنها ) بليّة .
وعجباً ممن يقول إنها مقمعة للشيطان إذا حُرِّكت ، واعلموا أنكم إذا
حركتم للشيطان أصبعاً حرّك لكم عشراً ، إنما يقمع الشيطان بالإخلاص والخشوع والذكر
والإستعاذة فأما بتحريكه فلا . . . ] ([43])
انتهى .
· وقد نص الإمام إبن
الحاجب المالكي في مختصره الفقهي على أن عدم التحريك هو المشهور في
مذهب مالك .
فهذه هي أقوال أشهر
علماء المالكية ، هل نفهم منها تحريك الأصبع ، وأنه هو مذهب مالك ؟
الحنابلة وتحريك
الإصبع في التشهد
ح / أما الحنابلة فمن أشهر كتبهم في مذهب الإمام (( أحمد بن حنبل )) هو (( المغني )) و (( الشرح الكبير )) لإبني قدامة المقدسي
. فقد جاء فيه :
[ (( مسئلة )) قال ( ثم يبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه
اليمنى ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة ) ] ([44])
.
وقال في شرحه لهذه المسألة :
[ ويشير بالسبابة برفعها عند ذكر الله تعالى في تشهده
لما رويناه ، ولا يحركها لما روى (( عبد الله بن الزبير )) أن النبيّ r
كان يشير بأصبعه ولا يحركها . رواه أبو داود .
وفي لفظ كان رسول الله r إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى
ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار
بأصبعه ] ([45])
.
الإمام النووي وتحريك
الإصبع
وأخيراً قال الإمام النووي ، رحمه الله ،
في (( فتاواه )) ( 1 / 50 ) ما نصه : (( يستحب الإشارة برفع
المسبحة من اليد اليمنى عند الهمزة من قوله ( إلا الله ) مرة واحدة ولا يحركها ،
فلو كرر تحريكها كره ولم تبطل صلاته على الصحيح ، وقيل تبطل . . . )) .
فهذا هو موضوع (( تحريك الإصبع في
التشهد )) ، وهذه هي أدلتها ، وقد عرفنا مدى ثبوته من حيث السنة ، وقد قال
بعضهم – كما ذكر ذلك الإمام النووي – أنه يبطل الصلاة !
فهل يستحق هذا الموضوع الذي هو بهذه الصورة
القلقة الحرجة أن يكون سبباً لاختلاف القلوب ، وترجيحه على الأخوة والألفة – التي
هي فرض بين المسلمين – والشذوذ عنهم ؟
الخاتمة
وهكذا رأينا أن المواضيع المطروحة للنقاش
، كانت كلها مواضيع إجتهادية ، إختلفت فيها آراء العلماء واستنباطاتهم ، ولها
ميدان فسيح ومجال واسع للأخذ والرد .
ولم تكن من المواضيع القطعية المجمع عليها
، بحيث مَن خالفها كان من الذين يشاقون الرسول ، ويتبعون غير سبيل المؤمنين ،
وبالتالي يصلَون جهنم وساءت مصيرا كما يريد أن يصورها البعض !
ولم تكن غايتنا – بالدرجة الأولى – أن
نختار هيئة على هيئة – وإن كنا نميل إلى عكس ما ناقشناه – بل غايتنا الأساس هي أن
نبرهن للذين اتخذوا بعض هيئات الصلاة وكأنها هي أركان قطعية الثبوت والدلالة ، ولا
يجوز لأحد أن يخالفها وإلا كان من المبتدعين الضلال ، حيث كل بدعة ضلالة ، وكل
ضلالة في النار !
أردنا أن نبرهن لهؤلاء : أن المسألة ليست
كما يظنون .
ونقول عن ما كتبناه هنا في هذه الرسالة :
أنه [ ليس فيه ما اتفق العلماء على تركه – حاشاهم من ذلك – بل ما من مسألة وردت
فيه ؛ إلا وقد قال بها طائفة منهم ] كما قال الشيخ الألباني ذلك عن كتابه (( صفة الصلاة )) في أواخر مقدمته
.
وللعلم أن ما طُرح في هذه الرسالة ونوقش ،
هو كله هيئات للصلاة .
وقد قال العلماء والفقهاء أن المتروك (( من الصلاة ثلاثة
أشياء : فرض ، وسنة ، وهيئة ، فالفرض لا ينوب عنه سجود السهو بل إن ذكره والزمان
قريب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو ، والسنة لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض لكنه
يسجد للسهو عنها ، والهيئة لا يعود إليها بعد تركها ولا يسجد للسهو عنها )) .
فالهيئة لا يعود إليها المصلي بعد تركها ،
ولا يسجد للسهو عنها ، سواء تركها سهواً أم عمداً !
وربما يحتج البعض بالحديث الصحيح الذي
رواه البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث t أن رسول الله r قد قال : (( صلوا كما رأيتموني
أصلي )) .
ولنعلم أن رسول الله r قد علّم – بهذا الحديث – وفد بني ليث – ومنهم
مالك بن الحويرث – الذين وفدوا إلى رسول الله r في المدينة وأسلموا فدخلوا من الشرك إلى
الإسلام ، قد علّمهم رسول الله r أن يصلوا صلاة الإسلام ،
ويتركوا صلاة الجاهلية .
فقد كان المشركون قبل الإسلام لهم صلوات
لأصنامهم وطواغيتهم بهيئات وأشكال جاهلية من عند أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان
!
وكانوا يطوفون بالبيت العتيق ويصلون ،
ولكن [ ما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مُكاءً وتصدية ] ! كانت تصفيقاً وتصفيراً !
وقد علّم رسول الله r عامة المسلمين كيف يصلون ، فكان r
يرقى المنبر فيصلي لهم ليريهم كيف يصلون ، وكل ذلك لتمييز صلاة الإسلام عن صلاة
الجاهلية . وكذلك الصوم والحج وبقية الشعائر !
ونحن نعلم أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص
السبب .
ولكن معرفة السبب تعين على فهم الموضوع
والتفقه فيه !
وقد وردت أحاديث صحيحة متفق عليها بين
العلماء والأئمة والفقهاء ، تصحيح رسول الله r لصلاة الصحابة وتصويبها . فمن ذلك أنه رأى
صحابياً قد وضع يده اليسرى على يده اليمنى في الصلاة فجعل r يده اليمنى على يده اليسرى .
وكذلك رأى مَن يشير بأصبعين في التشهد
فقال له : أحِّد أحِّد .
ورأى مَن لا يقيم صلبه ، ولا يطمئن في
صلاته ، فعلمه كيف يصلي .
وكان r في تعليمه هذا يركّز على أهم ما في الصلاة وهي
الأركان التي اتفق العلماء والأئمة عليها واستنبطوها منه .
أما الهيئات وتفاصيلها فقد رأينا إختلاف
العلماء فيها وتنازعهم في تصحيح وتضعيف أحاديثها .
ولو كان المسلم بدونها يكون من المبتدعين
الضلال من أصحاب النار ، لكان الواجب على النبيّ r أن يبيّنها للناس بياناً شافياً بصورة قطعية لا
إختلاف فيها .
ولو بيّنها لهم هكذا ، لكان الصحابة
بيّنوها بتلك الصورة لمن بعدهم ، ولوصلت إلينا بصورتها المتفقة عليها بين العلماء
.
أما أنه لم يحدث من هذا شيء ، فيعني أنه
لا ضير في أخذ أية هيئة تطمئن إليها القلوب متبعاً في ذلك العلماء والفقهاء الذين
فيهم الثقة بعلمهم وفضلهم .
ولكن بشرط أن لا يكون هناك أي طعن أو جرح
للمخالف ، أو رميه بألقاب نهى الله تعالى عنها في كتابه العزيز ، فقال جل في علاه
: ( ولا تنابزوا بالألقاب ) .
وإن الله سبحانه وتعالى قد بعث موكباً
كريماً يضم آلافاً مؤلفة من الأنبياء والمرسلين ، فمنهم مَن عُذّب ، ومنهم مَن
أرادوا إخراجه من أرضه ، ومنهم مَن حاولوا إغتياله وقتله ، ومنهم مَن ذبحوه ،
ومنهم مَن شقوه بالمنشار شقين . . .
وكذلك أتباعهم من الدعاة والعلماء آلافاً
مؤلفة . . .
بعثهم واصطفاهم واختارهم لتحقيق التوحيد
في الأرض ، ورفع راية العبودية لله وحده بلا شريك .
فكان جل إهتمام الرسل والأنبياء ،
والعلماء والدعاة من بعدهم ، وأكبر جهودهم هو منصب في هذا المجال ، ولم يشغلوا
أوقاتهم الثمينة ولم يضيّعوها في بحث هيئات وجزئيات لا تغير من حقيقة الأمر شيء .
إلاّ بعد إقرار الأمور العظام في الأرض !
فإذا انشغل المسلم بهذه الأمور ، وسخّر له
جل أوقاته ، فماذا أبقى للأمور الكبار والعظام التي ضحى الأنبياء والرسل في سبيلها
بالروح والغالي والنفيس ، وأفنوا فيها حياتهم ؟ !
وإذا خضع الإنسان لله سبحانه وتعالى ،
ووقف بين يديه خاشعاً ذليلاً ، وأظهر السمع والطاعة ، فماذا يضيره أن يضع يديه على
صدره أو فوق سرته أو تحتها ؟ لا سيما والأدلة هي كما رأيناها ؟
وإذا استسلم هذا الإنسان لله تعالى ،
واعترف بألوهيته وربوبيته ، فماذا يضيره وهو يسجد لله سبحانه أن يضع ركبتيه قبل
يديه ، أو يديه قبل ركبتيه ؟
فإن قيل : يضره أنه يخالف سنة رسول الله r
، وقد أمر باتباعها ، وله r فيها توجيهات !
نقول :
1 – رأينا تعارض الأدلة واختلاف الأئمة
فيها !
2 – لو اطّلع رسول الله r
على هؤلاء الذين جعلوا هذه الأمور الفرعية الجزئية الإجتهادية الظنية من الأمور
العظام ، وصار مبلغ علمهم ، وبنوا عليها موالاتهم ومعاداتهم لساءه ذلك جداً ،
ولنهاهم عنها أشد النهي !
كيف وهو r قد قال :
وقال r
لعبد الله بن مسعود t
، لما اختلف مع صحابي آخر في قراءة القرآن :
فهذا في قراءة القرآن الذي أنزله الله
تعالى هدىً ونوراً وشفاءً ، والذي يُخرج اللهُ سبحانه به الناسَ من الظلمات إلى
النور !
فكيف بأمور ظنية غير قطعية لا تغير من
حقيقة الأمر من شيء ؟ !
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[39] ) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ،
كتاب الفتن ، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( من
حمل علينا السلاح فليس منا ) ، ( 6 / 2592 ) ،
حديث : 6661 . وصحيح مسلم ، كتاب
الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ
إِلَى مُسْلِمٍ ، ( 4 / 2020 ) ، حديث : 126 .
[40] ) صحيح مسلم ، كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ ، بَابُ النَّهْيِ
عَنِ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ إِلَى مُسْلِمٍ ، ( 4 / 2020 ) ، حديث : 125.
[41] ) صحيح مسلم ، كِتَابُ الْحَجِّ ، بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ( 2 / 886 ) ، حديث : 147 .
[46] ) صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن , باب ( اقرؤوا القرآن
ما ائتلفت عليه قلوبكم ) ، ( 4 / 1929 ) ، حديث : 4773 .
[47] ) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } ، ( 3
/ 1282 ) ، حديث : 3289 .