الاثنين، 18 أكتوبر 2021

السؤال: شيخنا اذا ترك رسول الله عليه الصلاة والسلام امرا معينا ولم يفعله ، هل يدل ذلك على منعه وتحريمه؟

لم يفعله رسول الله صل الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام ؟!


💥هل يدل الترك على التحريم ؟
السؤال: شيخنا اذا ترك رسول الله عليه الصلاة والسلام امرا معينا ولم يفعله ، هل يدل ذلك على منعه وتحريمه؟ جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد:
👈فمن المقرر عند العلماء لابد من التفريق في باب التروك بين العادات والعبادات، فإن (الأصل في العادات الإباحة، بينما الأصل في العبادات التوقيف أو المنع)، فما عدا العبادات فالأصل فيها الحل، فلا يمتنع المكلف عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو معاملة من المعاملات إلا أن يقوم دليل شرعي على المنع، حسب ما هو مقرر في القاعدة الفقهية المذكورة.
وعلى ذلك فكل عبادة فيها مظنة القربة تركها الرسول - صلى الله عليه وسلم- مع وجود المقتضي لها، وعدم المانع منها، فترْكُها سُنّة محمودة، وفعْلُها لا يجوز ويدخل في باب البدعة المذمومة.
👈والمراد بالمقتضِي: الداعي إلى الفعل والباعث عليه، فالباعث على فعل العبادات هو إرادة التقرب، والباعث على فعل العادات والمعاملات هو تحصيل المصلحة العامة الحقيقية وغير المتوهمة.
✨ومن القواعد التي ذكرها الشيخ بكر أبوزيد -رحمه الله تعالى- في كتابه تصحيح الدعاء قاعدة: (إذا وُجدَ المُقتضي في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفقد المانع، ولم يرتب -صلى الله عليه وسلم- تشريعاً قولاً أو فعلاً، فإن السُّنة هي الترك تأسياً).
فاذا كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لكن تركه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمعارض زال بموته، فتركه لا يدل على التحريم او المنع ، فيجوز الفعل اذا زال المانع .
فمثلا صلاة التراويح جماعة فقد وُجد مقتضاها وهو قيام ليل رمضان قربة الى الله تعالى، ولكن مع وجود المانع وهو الخوف من أن تُفرض، فتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لهذا المانع .
وهذا الترك لا يدل على عدم جواز صلاتها جماعة اذا زال المانع، ولهذا عندما زال المانع بوفاته -صلى الله عليه وسلم- وهو مخافة فرضها أرجعها امير المؤمنين عمر بن الخطاب جماعة بإمامة ابي بن كعب – رضي الله عنهما- .
ومثال لما حدث مع قيام المقتضي له وهو النداء للصلاة قربة لله ، وزوال المانع منه وتركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- هو: الأذان في العيدين ، الذي أحدثه بعض الأمراء بزعم أن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - له لا يدل على التحريم ، وكذلك تقديمهم الخطبة على الصلاة ، وقد أنكر العلماء ذلك لأنه بدعة محرمة.
وعليه فإن كل ما يبديه المُحدِث لهذا من المصلحة ، أو يستدل به من الأدلة ، قد كان ثابتا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومع هذا لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فهذا الترك سنة ، مقدمة على كل عموم وكل قياس.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في بيان هذه القاعدة أيضا في مجموع الفتاوى[ 26 / 172]: (بِخِلَافِ مَا كَانَ تَرْكُهُ لِعَدَمِ مُقْتَضٍ، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، وَحَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، مَا دَلَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى فِعْلِهِ حِينَئِذٍ، كَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَجَمْعِ النَّاسِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ، وَتَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَسْمَاءِ النَّقْلَةِ لِلْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ، بِحَيْثُ لَا تَتِمُّ الْوَاجِبَاتُ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ.
فَأَمَّا مَا تَرَكَهُ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفَعَلَهُ أَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالصَّحَابَةُ: فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ فِعْلَهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ جَازَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِثْلُ قِيَاسِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَنْ يُجْعَلَ لَهَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْمَرْوَانِيَّةِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَقِيَاسُ حُجْرَتِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي تُشْبِهُ قِيَاسَ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ).
وقال الامام ابو العباس ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الحديثية [1/200 ]: ( كل بِدعَة ضَلَالَة فَمَعْنَاه الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة، أَلا ترى أَن الصَّحَابَة -رَضِي الله عَنْهُم- وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَنْكَرُوا [ الاذان] في غير الصَّلَوَات الْخمس كالعيدين وَإِن لم يكن فِيه نهي، وكرهوا استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين، وَالصَّلَاة عقيب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قِيَاسا على الطّواف، وَكَذَا مَا تَركه - صلى الله عليه وسلم - مَعَ قيام الْمُقْتَضى فَيكون تَركه سنة وَفعله بِدعَة مذمومة، وَخرج بقولنَا مَعَ قيام الْمُقْتَضى فِي حَيَاته تَركه إِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب وَجمع الْمُصحف وَمَا تَركه لوُجُود الْمَانِع كالاجتماع للتراويح فَإِن الْمُقْتَضى التَّام يدْخل فِيهِ الْمَانِع).
👍الخلاصة:
فرق العلماء في باب التروك ، أي ما ترك العمل به رسول الله – صلى الله عليه وسلم- واصحابه الكرام ، بين العادات والعبادات، فحسب القاعدة الاصولية المهمة (الأصل في العادات الإباحة، والأصل في العبادات التوقيف أو المنع)، فما عدا العبادات فالأصل فيها الحِل والاباحة، فلا يمتنع المكلف عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو معاملة من المعاملات إلا أن يقوم دليل شرعي على المنع.
✨واما العبادات التي فيها مظنة القربة لله تعالى، والتي قد تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مع وجود المقتضي لها الباعث على الفعل وهو ارادة التقرب الى الله تعالى ، ولا يوجد مانع من فعلها ، فترْكُها سُنّة محمودة، وفعْلُها لا يجوز ويدخل في باب البدعة المذمومة. والله تعالى اعلم
✍د. ضياء الدين عبدالله الصالح

هل يعد الخلع طلاقا؟

 

💥هل يعد الخلع طلاقا
السؤال: شيخنا هل يعتبر الخلع طلاقا، فيحسب من عدد الطلقات ، ام يعتبر تفريقا وفسخا فلا يحسب من التطليقات؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فقد اتفق اكثر الفقهاء على أن الخُلع اذا نوى به الطلاق او جاء بلفظ الطلاق فانه يقع طلقة بائنة واحدة، لأن الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها، ولأن غرضها من التزام البدل أن تتخلص من الزوج ولا يحصل ذلك إلا بوقوع البينونة في الطلاق .
👈واختلفوا في وقوع الخلع طلاقا ام فسخا اذ خلعها الزوج في القضاء بدون لفظ الطلاق او نية الطلاق على قولين وكما يأتي:
القول الأول: ان الخلع يُعد طلاقًا بائنا ويحسب من الطلقات الثلاث .
وهو مذهب الجمهور، من الحنفية، والمالكية، والقول الجديد الأظهر عند الشافعية، وهي رواية للإمام احمد.
قال الامام السرخسي الحنفي في المبسوط، (5/ 32).: ( والخلع تطليقة بائنة عندنا).
وقال الامام ابن عبد البر المالكي في الكافي في فقه أهل المدينة(2/593 ): ( الخلع ليس بفسخ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن).
وقال الامام الماوردي الشافعي في الحاوي، (10/ 9): ( فهل يكون طلاقًا أو فسخًا؟ فيه قولان: أحدهما: قاله في الأم، والإملاء، وأحكام القرآن أنه صريح في الطلاق).
وقال الامام المرداوي الحنبلي في الإنصاف، (8/ 392): ( والرواية الثانية أنه طلاق بائن بكل حال).
القول الثاني: أن الخلع يُعد فسخًا. وليس طلاقا فلا يحسب من الطلقات الثلاث.
وهو المشهور من مذهب الحنابلة وعندهم وان جاء بلفظ الطلاق، والقول القديم للإمام الشافعي، وهو قول عكرمة وطاوس اليماني من التابعين وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.
قال الامام المرداوي الحنبلي في الإنصاف، (8/ 392): ( الصحيح من المذهب أن الخلع فسخ؛ لا ينقص به عدد الطلاق، بشرطه الآتي، وعليه جماهير الأصحاب... وهو من مفردات المذهب).
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني (7/228 ): (اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع؛ ففي إحدى الروايتين أنه فسخ. وهذا اختيار أبي بكر وقول ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي..).
وقال الامام النووي الشافعي في روضة الطالبين، (7/ 375) : ( والقديم أنه فسخ لا ينقص به العدد، ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر... ورجح الشيخ أبو حامد وأبو مخلد البصري القديم).
قال الامام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (5/180 ): (ولا يصح عن صحابي أنه طلاق ألبتة، فروى أحمد عن يحي بن سعيد عن سفيان عن عمر وعن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه قال: "الخلع تفريق وليس بطلاق"، وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمر ، وعن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس: نعم، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك).
👍المفتى به:
هو ان الخلع إذا لم يكن بلفظ الطلاق ، ولم ينو به الطلاق ، فهو فسخ وليس طلاقا فلا يحسب من الطلقات الثلاث ، فمن خالع زوجته مرتين ، فله أن يرجع إليها بعقد جديد ، ولا يحسب عليه شيء من الطلاق .
وأما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق الصريح ، كقوله : طلقت زوجتي على مال قدره كذا، او نوى فيه الطلاق فإنه يكون طلاقا، ويحسب من الطلقات الثلاث. وكما ذهب جمهور الفقهاء والله تعالى اعلم
✍د. ضياء الدين عبدالله الصالح

الاحتفال بذكرى ميلاد الرسول صل الله عليه وسلم في الميزان

 #فتوى_موجزة_القره_داغي



بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :
كثرت الأسئلة في هذه الأيام حول الاحتفال بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول، فهل هو بدعة مطلقاً، أم مستحبة، أم جائزة مطلقاً؟ أفيدونا وفق فقه الميزان أثابكم الله تعالى.
الجواب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد، فقد اختلف في هذه المسألة العلماء منذ القرن الرابع الهجري بين مجيز، وهم الأكثرية، ومحرم وهم الأقلية، ولكل أدلته، ووجهته التي هو موليها.
ودون الخوض في تفاصيل هذه المسألة وأدلة كل فريق، أقول :
أولاً: إن فقه الميزان يقتضي أن باب العبادات المحضة والشعائر التعبدية مقفول على الزيادة فيها أو تغيير شكلها ما لم يرد في ذلك نص صريح، وأما باب العادات والمعاملات فمفتوح، لأن الأصل فيها الإباحة إلا ما دل دليل صحيح وصريح على حرمتها.
ثانياً: أن جمهور العلماء أقروا بالقياس في بعض أنواع العبادات، وبوجود البدعة الحسنة التي توافق أصول الشريعة ولا تعارضها، فقد جمع عمر رضي الله عنه الناس على أبي بن كعب ليؤمهم في صلاة القيام في ليالي رمضان، ثم لما رآهم منتظمين خلف إمام واحد قال : " نعمت البدعة هذه " قال ابن تيميه في مجموع الفتاوى ( ٢٠/ ١٦٣): إسناده صحيح وقال ابن عمر في صلاة الضحى : ( بدعة، نعمت البدعة) قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٣/٦٣ إسناده صحيح
كما أن عثمان أحدث الأذان الثاني ليوم الجمعة .
ويقول أبو شامة في : الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 62 : " فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها " ثم عرف البدعة الحسنة بأنها " كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فعله محذور شرعي ... "
ثالثاً: إن هناك فرقاً بين الوسائل والمقاصد، فوسائل العبادات ليست على سنن واحد، فهناك من الوسائل ما هي قابلة للاجتهاد مثل وسائل الجهاد، وتوصيل الأذان بالوسائل الحديثة.
رابعاً: إن مفهوم العبادة واسع، فتشمل العبادات المحضة والشعائر التعبدية التي لا يجوز إحداث أي زيادة أو تغيير إلا بدليل صحيح .
وكذلك تشمل بقية أنواع القرب إلى الله مثل الجهاد، والدعوة إلى الله، بل تشمل كل عمل صالح يراد به وجه الله تعالى من الزراعة، والصناعة والتجارة ونحوها.
الراجح :
وبعد تدبري في مسألة الاحتفال بالمولد الذي يقام دون مخالفات شرعية بل إلقاء الخطب والدروس للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله وشريعته فإن ميزانه وفق فقه الميزان الذي نزل مع القرآن هو ميزان الدعوة إلى الله تعالى، وميزان وسائل التعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله وأقواله وأفعاله، وان الخطأ عند المحرمين له قد وقع في الميزان حيث اخضعوه لميزان العبادات المحضة.
ومن المعلوم أن الأصل في وسائل الدعوة الإباحة إلا إذا كانت وسائل محرمة، أو تصحبها محرمات، والدليل على هذا الأصل قوله تعالى: ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل 125
فالحكمة تشمل كل وسيلة نافعة مؤثرة مناسبة للأشخاص والأزمان والأماكن، وليست خاصة بما ورد في الشرع فقط.
والموعظة الحسنة بما فيها المبشرات، والزواجر، هي الأقوال اللينة والعبر الجميلة، والقصص الصادقة ونحوهما مما يؤثر في القلوب والنفوس.
والجدال هو الحوار ووصفه بالتي هي أحسن يدل على وجوب السعي أو استحبابه مز قبل الداعية للوصول إلى ما هو الأحسن لفظاً وأسلوباً ومعنى ومحتوى، وهذا يعني التجديد حيث تقتضي الآية أن نجدد اختيار الأحسن حسب الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وأن أحسن الأمس قد لا يكون أحسن اليوم، وهكذا، يقول ابن القيم في تفسير هذه الآية :
" جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده غفلة وتأخر يدعى بالموعظالحسنة، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن "
فكما أن وسائل الجهاد ليست مقيدة بما ورد فيها نص، بل هي شاملة لكل ما يحقق الغرض المنشود منه، ولكنها مقيدة بأن لا تتعارض مع النصوص الشرعية، حيث ذكر الله تعالى من وسائله رباط الخيل، واليوم أضيف إليها رباط الدبابات والطائرات ونحوهما، فكذلك وسائل الدعوة، بما فيها الدعوة إلى الله تعالى وإلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع منهاجه وسيرته وسنته.
وإذا وصلنا إلى ذلك فإن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، والتعريف برسوله صلى الله عليه وسلم وطريقته وشمائله، فحينئذ تكون مشروعة بل يثاب عليها الإنسان بالشروط الآتية :
1- أن يراد بالاحتفال الدعوة إلى الله تعالى وإلى حبه، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وإحياء سنته واتباع شرعه، والالتزام بمنهاجه.
2- أن لا يصاحب الاحتفال أي شيء حرمه الله تعالى من الرقص والاختلاط المحرم وغيرهما من المحرمات القولية والفعلية.
3- أن لا يصاحبه أيضاً الإسراف أو التبذير والمباهاة.
4- وإن كان يصحبه أكل فينبغي أن يدعى إليه الفقراء مع غيرهم.
خامساً: وإذا ثبت هذا فلا يقبل الإنكار الشديد من قبل بعض الدعاة إنكاراً تتجاوز شدته الإنكار على المحرمات القطعيات حتى قال أحدهم: إن الذي يحتفل بالمولد النبوي أعظم إثماً ممن شرب الخمر ويزني ويقتل " كما نقله صاحب مفهوم البدعة ص 21- 22
فهذا غلو في الدين يؤدي إلى الاختلال في الموازين، وإلى صناعة التكفير ثم التفجير،والتفرقة بين المسلمين
فمنتهى القول أن القضية خلافية، ولكل الحق في ترجيح ما يراه دون تبخيس لحق الآخرين، ولا تقديس لرأيه.
هذا ما توصلنا إليه وفقا لفقه الميزان، والله أسأل أن يعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل، وأن يجعلنا مخلصين لدينه، وأن يغفر عن أخطائنا وخطايانا.. (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)
آمين يارب العالمين
كتبه الفقير إلى ربه
علي محيي الدين القره داغي

هل هناك الاحتفال المشروع او الاحتفال غير المشروع للمولد النبوي؟



 ما هو المولد باختصار؟

▪ هو مناسبة إسلامية كبرى مؤصل لها من الكتاب والسنة لتذكير الغافلين والمتشاغلين؛ لتذكيرهم بقدر النبي ﷺ العظيم، وتدارس سيرته ووصفه وشمائله وأخلاقه وسنته، لأننا مأمورون بنص الكتاب والسنة أن نحب رسول الله ﷺ أكثر من النفس والولد والوالد والناس أجمعين، والمحبة لا تتأتى مع الغفلة والجهل بالمحبوب، بل تتطلب المعرفة به والعناية الفائقة والإهتمام.

▪ ثبت أن النبي ﷺ وصحابته الكرام احتفلوا بالمولد بعدة صور منها المداومة على صيام يوم الأثنين من كل أسبوع، فلما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن مداومته لصيام يوم الأثنين قال لهم: «ذلك يوم فيه ولدتُّ، وفيه أنزل علي ». ومنها أنه صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه وعمره الشريف بين الخمسين والستين، والعقيقة لا تعاد إلا من باب لفت نظر الأمة لنعمة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث الصحابة عن ميلاده الشريف ويقصُّ عليهم ما أخبرته به أمه، فالاحتفال بذكرى المولد يعتبر سُنة نبوية.
▪ يشتمل الاحتفال بالمولد على أمور جليلة منها إشعال جذوة حب النبي صلى الله عليه وسلم في النفوس، والتذكير بنعمة ميلاده العظيمة، ودراسة نسبه الشريف وصفاته وشمائله وسيرته وسُنَّته، وبيان قدره العظيم، وما يجب في حقه من التوقير والاحترام، ومدحه والتعبير عن السرور والفرح به صلى الله عليه وسلم، والتعرض لنفحات ذكرى ميلاده الشريف. لم يكن احتفال الصحابة رضوان الله عليهم بنفس طريقة احتفالنا اليوم لأن النبي ﷺ كان معهم وبينهم، فلا يحتاجون مثلا لمن يكلمهم عنه، ويذكرهم به، ويصفه لهم، ويستعرض شمائله وأخلاقه ويعلمهم حبه وتوقيره.
▪ بعد القرون الثلاثة المفضلة برزت الحاجة إلى تذكير الناس برسول الله ﷺ وقدره العظيم لطول المدة وزيادة المشاغل، وفي زماننا هذا، آخر الزمان، حيث افتتن الشباب بحب المشاهير من المطربين والمصارعين والممثلين ولعيبة الكرة أكثر من رسول الله ﷺ أضحى التذكير أوجب.
▪ المولد ذكرى مباركة طيبة، ومن يأبى الذكرى فكأنه أحمق أو غير مؤمن، لأن الذكرى تنفع المؤمنين كما قال تعالى.

▪ من الناحية الشرعية فقد أفتى بجواز المولد واستحسنه أكابر علماء الإسلام على مر العصور، أمثال: الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي شيخ الإمام الحافظ النووي شارح صحيح مسلم، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، أمير المؤمنين في الحديث الشريف، الإمام الحافظ العلامة جلال الدين السيوطي، خاتمة الحفاظ. وأجازه وألف فيه كتبًا تقرأ في احتفالات المولد كثير من الأئمة والحفاظ كالإمام الحافظ ابن الجوزي، والإمام الحافظ أبي الخطاب، والإمام الحافظ العزفي، والإمام الحافظ ابن كثير، والإمام الحافظ العراقي، والإمام الحافظ ابن الجزري، والإمام الحافظ السخاوي، والإمام الحافظ السمهودي، والإمام الحافظ ابن الديبع، والإمام المحدث ابن حجر الهيتمي، والإمام المحدث ملا علي القاري، والإمام الحافظ المناوي وغيرهم من أهل العلم إلى يومنا هذا، وهؤلاء المذكورين من الأئمة الأعلام يمثلون جمهور أهل العلم ورأيهم حجة على من هم دونهم.

▪ لم يشذ على الجمهور في استحسان الإحتفال بالمولد النبوي الشريف إلا فئة قليلة من الجماعات التكفيرية المتطرفة كالوهابية، ولم يُرصَد هذا الشذوذ إلا بعد القرن الثامن الهجري. واعترضوا بشُبه منها ما هو متعلق بتأصيل الاحتفال ومنها ما هو متعلق بطريقة الاحتفال وأجيب عليها كلها بما لم يترك مجالًا للإعتراض الشرعي اللهم إلا بدافع الحساسية المفرطة ضد تعظيم النبي ﷺ وتوقيره على عكس ما كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم.



_________
1_ الفرح بوجود سيد الوجود صلى الله عليه وآله وصحبه سلم
2_تذاكر سيرته وصفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم
3_ إنشاد الأشعار والمدايح
4_ إقامة اجتماعات أخوية ولقاءات دينية إظهارا للفرح به صلى الله عليه وسلم

الاحتفال غير المشروع
_____________
1_ الاحتفال مع اختلاط الرجال والنساء
2_ إقامة الاحتفال بنهب وسرقة أموال الناس فلا يمكن الاحتفال بما لا يرضاه صلى الله عليه وسلم
3_ وجود مظاهر مخالفة للشرع الحنيف فيكون ممنوعا لغيره لا لذاته
الشيخ علي اسماعيل القديمي الشافعي
#المولد_النبوي

السؤال : ما هي البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ أو حقيقية وإضافية؟

 تعريف #البدعة




السؤال : ما هي البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ أو حقيقية وإضافية؟
الجواب: البدعة لغة: إحداث شيء لا نظيرَ له سابقاً.
قال ﷲ تعالى: (بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ)[سورة البقرة 117] أي: خلقهن دون سبق نظير لها (1).
وفي الاصطلاح : إحداث فعل أو اعتقاد أو قول لم يرد به إذن من الشارع في كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ولم يدخل تحت القواعد والمبادئ العامة للإسلام، أو إحداث ما يعارض ذلك ويخالفه.
وعلى هذا فإن أي حدث يحدث يُنظر فيه: فإن دلَّ عليه دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس فهو مشروع، وإن لم يدل عليه الدليل من مصادر التشريع السابقة نظر أيضاً: هل يدخل تحت قاعدة من قواعد الإسلام وعمومياته أو لا؟ فإن دخل تحتها فهو مشروع أيضاً وليس بدعة، وإن لم يدخل فهو بدعة وضلالة.
وبهذا التعريف يمكننا أن نوفق بين النصوص المحذِّرة من الإِحداث والناهية عن البدع.
مثل قوله ﷺ : ((عليكم بالسمع والطاعة وإن تَأَمَّر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))، (2) وفي رواية ((كل ضلالة في النار)).
وبين النصوص المُسَوِّغة لِسنِّ السُنن الحسنة والمُرَغِّبة فيها.
مثل قوله ﷺ : (( من سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنَّ سُنَّةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) (3).
وإذا ما نظرنا إلى هذا التقسيم وجدنا أن شِقَّهُ الأول يُرَغِّب في إحداث السنن الحسنة؛ لأنها من الإسلام وتَقْبله مبادؤه، وأن الشِقَّ الثاني يذم من يُحْدِث سُنَةً سيئة يترتب عليها الوزر والإثم فهي البدعة والضلالة المقصودة بالحديث الأول.
وهذا التعريف والتقسيم استُمِدَّ من قوله ﷺ في - حديث البدعة - : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)) (4) وفي رواية ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (5)؛ حيث أشار الحديث إلى أن الإحداث سيكون لا محالة، ولكنه ينقسم إلى إحداثين:
١- إحداث مردود: وهو ما يخالف الدين، أخذاً بمنطوق الحديث.
٢- إحداث مقبول : وهو ما يوافقه، أخذاً بمفهوم المخالفة من الحديث؛ إذ مفهوم الحديث : من عمل عملاً عليه أمرنا أو من أَحدث في أمرنا هذا ما هو منه فهو مقبول، والمراد بالأمر في قوله: ((أمرنا)) الدين كله ويستوي فيه العبادات والمعاملات.
والمراد بلفظ سنّة: الطريقة، وهي أيضاً تشمل العبادات والمعاملات، فأي عمل يُحْدَثُ موافقاً للقواعد الشرعية فهو سنة حسنة، وأي عمل يُحْدَثُ يتنافى مع النصوص أو القواعد الشرعية فهو بدعة وسنة سيئة.
وقد تبين مما تقدم أن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، أو إلى حقيقية وإضافية - كما قسمها الشاطبي في الاعتصام - أو إلى واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة - كما قسمها العز بن عبد السلام: تقسيم لغوي لا غير.
أما في الشرع: فكل ما خالف المبادئ الإسلامية والأصول الشرعية فهو بدعة سيئة، والموافق لها هو من السنن الشرعية.
أنواع العبادات الواردة عن النبي ﷺ :
تنقسم العبادة عن النبي ﷺ إلى قسمين:
القسم الأول : ما ورد عنه ﷺ مقيداً بزمان أو مكان أو عدد أو هيئة أو حالة معينة، فهذا يجب أن يؤدى كما ورد دون زيادة أو نقص أو تغيير، فمن غَيَّرَ فيه بخلاف ما ورد فهو مبتدع، وذلك كأصول العبادات، وعدد الركعات، وأيام الصيام ووقته، ومناسك الحج، ومقادير الزكاة، والأموال التي تجب فيها الزكاة، والقضايا المتعلقة بالعقيدة ونحو ذلك.
القسم الثاني: ما ورد عنه ﷺ بأمر أو توجيه أو ترغيب أو وصية ولم يقيَّد ذلك بهيئة أو زمان أو مكان أو حال أو عدد ولم يرد نهي عن فعله في وقت من الأوقات، فالمسلمون أحرار في اختيار الوقت والمكان المناسبين لفعله، والهيئة المقارنة للفعل، على أن لا ينسب فعلَه على تلك الهيئة أو في ذلك الوقت أو المكان إلى النبي ﷺ، بل فَعَلَه استناداً إلى الإذن العام الحاصل من الشارع في فعله.
وذلك كصلاة النفل المطلق، والصوم المطلق، والذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والصلاة على النبي ﷺ، وإطعام الطعام، والذبح بقصد الصدقة والتقرب إلى ﷲ تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك.
فلو أراد المسلم إلزام نفسه بصلاة نافلة في وقت من الأوقات وليس وقت كراهة، وداوم على ذلك، لا يُعَدُّ فعله هذا بدعة، وكذا لو التزم دعاءً معيَّناً في وقت معيَّن، أو قراءة جزء من القرآن يومياً في وقت معيَّن لا يُعَدُّ ذلك بدعة.
وهكذا الصلاة على النبي ﷺ، ما لم يَنْسِب ثبوت ذلك الفعل إلى رسول اللّٰه ﷺ، فإن نَسَبَهُ صار بدعة؛ لأنه افتراء وكذب عليه ﷺ.
النقص والزيادة فيما حُدِّدَ شرعاً:
النقص في العبادات المُحَددَّة شرعاً حرام وبدعة ومفسد لها، وذلك كالنقص من الركعات، أو أيام الصوم، أو عدد أشواط الطواف، أو عدد الجمرات، أو التلاعب في مقادير الزكاة وأنصبتها، أو إنقاص ركن داخل العبادة، ونحو ذلك.
أما الزيادة فإنها تنقسم: إلى متصلة ومنفصلة، أو بعبارة أخرى: زيادة في العبادة أو زيادة على العبادة.
فالزيادة المتصلة أو الزيادة في العبادة:
بدعة وضلالة، كزيادة ركوع أو سجود أو ركعة كاملة تعمداً، أو زيادة ألفاظ في صيغة الأذان الواردة أو لفظة تخل في نظامه وأسلوبه وألحانه كزيادة عبارة على عباراته او زيادة سيدنا قبل اسم النبي ﷺ؛لأنها تخل في لحنه وأسلوبه، فإن لم يحصل خلل في زيادتها وزيدت لا بنية إكمال العبادة من النقص بل للاحترام والتأدب، كأن يزيد لفظ سيدنا قبل ذكر اسمه ﷺ أدباً معه ﷺ في الصلاة الإبراهيمية، فلا مانع من ذلك ولا تُعَدُّ الزيادة بدعة.
وأما الزيادة المنفصلة أو الزيادة على العبادة:
فإما أن تكون منهياً عنها أو لا:
فالمنهي عنها يكون عملها بدعة، كصلاة النافلة بعد الصبح والعصر، وكأن نستحدث صلاةً نجعلها مفروضة ولا يوجد دليل على فرضيتها.
وإن لم تكن منهياً عنها: فإن فَعَلَها المسلم اعتقاداً منه أن العبادة ناقصة يروم إتمامها بهذه الزيادة، ففعله حرام وبدعة، وإن عملها باعتبارها عبادة مستقلة مأذوناً بها على وجه العموم، فلا مانع من زيادتها بعد العبادة أو قبلها ما لم يَنْسِب ذلك إلى أنه ﷺ كان يفعل هكذا.
وذلك مثل: دفع مبلغ من المال للفقراء أكثر من المقرر دفعه زكاةً.
ومثل: أن يُصلي ركعتين بعد صلاة الفرض بنية التنفل ولم يكن وقتَ كراهة.
ومثل: زيادة الصلاة على النبي ﷺ بعد قول: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
ومثل: أن يَزِيد أذكاراً وأدعية أكثر من المأثورة.
ومثل: أن تطوف نفلاً بعد طوافك للفرض.
ومثل: ما يزاد قبل الأذان وبعده من ألفاظِ التنبيه بدخول الوقت، وهكذا.
أقوال العلماء في البدعة
يؤيد ما ذهبت إليه من تحديد البدعة التي فِعْلُها ضلالة ما جاء عن القدامى من العلماء المُعَوَّل عليهم على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الإسلامية.
وإليك نصوصاً من أقوالهم:
١- الإمام الغزالي - رحمه ﷲ - :
جاء في إحياء علوم الدين بعد أن تحدث عن الأكل على المائدة قال: (( واعلم أنّا وإن قلنا: الأكلُ على السُفرة أَولى فلسنا نقول: الأكل على المائدة منهي عنه نهي عنه نهي كراهة أو تحريم؛ إذ لم يثبت فيه نهي، وما يقال: إنه أُبْدِعَ بعد رسول اللّٰه ﷺ فليس كل ما أُبْدِعَ منهياً عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من أمر الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع فيه يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب، وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض؛ لتيسير الأكل)) (6).
٢- الشيخ ابن تيمية - رحمه ﷲ - :
جاء في منهاج السنة النبوية بعد أن تحدث عن اجتماع الصحابة في صلاة التراويح على جماعة واحدة خلف أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه فقال سيدنا عمر رضي الله عنه : (( نِعْمَتِ البدعة هذه)) (7) قال: (( وهذا الاجتماع العام لمّا لم يكن قد فُعِلَ سمَّاه بدعة؛ لأن ما فُعِلَ ابتداءً يسمى بدعة في اللغة، وليس ذلك بدعة شرعية - كاستحباب ما لم يحبه ﷲ، وإيجاب ما لم يوجبه ﷲ، وتحريم ما لم يحرمه ﷲ - فلا تدفع الفعل من اعتقاد يخالف الشريعة، وإلا فلو عمل إنسان فعلاً محرماً يعتقد تحريمه لم يقل إنه فعل بدعة)) (😎.
٣- ابن حجر العسقلاني - رحمه ﷲ - :
جاء في فتح الباري لشرح البخاري عند شرح قول عمر رضي الله عنه (( نِعْمَتِ البدعة هي)) : (( والبدعة أصلها ما أُحْدِثَ على غير مثال سابق، ويطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة)) اهـ (9).
٤- الإمام النووي - رحمه ﷲ - :
قال في تهذيب الأسماء واللغات: ((البِدعة - بكسر الباء - في الشرع: هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول اللّٰه ﷺ، وهي منقسمة إلى: حسنة وقبيحة.
قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز لن عبد السلام - رحمه ﷲ ورضي عنه - في آخر كتاب القواعد: البدعة منقسمة إلى: واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة، قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة:
فإن دخلت في قواعد الإيجاب: فهي واجبة، أو في قواعد التحريم: فمحرمة، أو الندب: فمندوبة، أو المكروه: فمكروهة، أو المباح: فمباحة.
وللبدع الواجبة أمثلة:
الأول: الاشتغال بتعلم وتعليم النحو الذي يُفهم به كلام ﷲ تعالى أو كلام رسوله ﷺ وذلك واجب؛ لأن الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة.
الثالث: تدوين أصول الدين وأصول الفقه.
الرابع: الكلام فب الجرح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم.
وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين ولا يتأتى ذلك إلا بما ذكرناه.
وللبدع المحرمة أمثلة، منها:
مذاهب القَدَرِيَّة والجَبْرِيَّة والمُرْجِئَة والمُجَسِّمَة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة..
وللبدع المندوبة أمثلة، منها:
إحداث الرُّبُط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح، والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل، ومنها جمع المحافل؛ للاستدلال إن قصد بذلك وجه ﷲ تعالى.
وللبدع المكروهة أمثلة، منها:
زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف.
وللبدع المباحة أمثلة، منها:
المصافحة عقب الصبح والعصر، ومنها التوسع في اللذيذ في المآكل والمشارب، والملابس، والمساكن، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام)). أهـ.
ثم ينقل الإمام النووي عن الإمام الشافعي أنه يقول: ((المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أُحْدِثَ مِمَّا يُخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.
والثاني: ما أُحْدِثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء، وهذه مُحْدَثَة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: ((نعمت البدعة هذه)) : يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى)). أهـ.
وقال أيضاً: ((ما أُحْدِثَ وليس له أصل في الشرع سُمِّي في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة)) (10).
٥- الزرقاني - رحمه الله - :
قال في شرح المُوَطَّأ عند قول عمر رضي الله عنه : ((نِعْمَتُ البدعة هذه)) : ((إنما البدعة الممنوعة خلاف السنة، وقال ابن عمر رضي الله عنه في صلاة الضحى: ((نعمت البدعة...)) ثم قال: وهذا يبين صحة القول بالرأي والاجتهاد)) أهـ. (11).
٦- ابن رجب الحنبلي - رحمه ﷲ - :
((والمراد بالبدعة ما أُحْدِثَ مما لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدلُّ عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة)). أهـ. (12).
٧- ابن حجر الهيتمي - رحمه ﷲ - :
قال: (( هي لغة: ما كان مخترعاً، وشرعاً: ما أُحْدِثَ على خلاف أمر الشرع ودليلِهِ الخاص والعام)) (13).
٨- الزركشي - رحمه ﷲ - :
قال: ((البدعة في الشرع موضوعة للحادث المذموم الإبداع)).
٩- جاء في الإسعاف بالطلب مختصر شرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب للعلامة أحمد بن علي المنجور في الفقه المالكي نقلاً عن الإمام القرافي في الفرق الثاني والخمسين والمائتين قوله: ((اعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع، نصَّ على ذلك ابن أبي زيد وغيره)).
والحق التفصيل، وأنها خمسة أقسام:
القسم الأول : واجب، وهو ما تناوله قواعد الوجوب وأدلته من الشرع، كتدوين القرآن والشرائع إذ وإهمال ذلك حرام إجماعاً، فمثل هذا النوع لا ينبغي أن يختلف في وجوبه.
القسم الثاني: مُحَرَّم، وهو كل بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة: كالمكوس، والمحدثات من الظالم، والمحدثات المنافية لقواعد الشريعة : كتقديم الجُهَّال على العلماء، وتولية المناصب الشرعية لمن لا يصلح لها بطريق التوارث وجعل المستند في ذلك كون المنصب كان لأبيه وهو نفسه ليس أهلاً لها.
القسم الثالث: مندوب إليه، وهو ما تناولته قواعد وأدلته من الشريعة: كالاجتماع على صلاة التراويح، وإقامة هيئة لائقة للقضاء وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه الصحابة - رضوان ﷲ عليهم - بسبب أن المقاصد والمصالح الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس.
القسم الرابع: مكروه، وهو ما تناولتها أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها، كتخصيص الأيام الفاضلة، أو غيرها بنوع من العبادات.
القسم الخامس: مباحة، وهو تناولتها أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة، كاتخاذ المناخل للدقيق، ففي الآثار: أول شيء أحدثه الناس بعد الرسول ﷺ اتخاذ المناخل؛ لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة.
من كل هذا عرفنا أن ليس كلُّ ما يطلق عليه بدعة ضلالة؛ لأن قسماً من البدع تدخل تحت قواعد شرعية مُعْتَدٍّ بها فليس فعلها ضلالة، وإطلاق البدعة عليها يُراد به البدعة لغة لا شرعاً.
بل البدعة هي المحرمة أو المكروهة، والأمور التي لا تدخل تحت الأصول والقواعد العامة للشريعة (14).
________________
(1) المصباح المنير، مادة أبدع: ٢/ ٥٣.
(2) رواه أبو داود برقم ٤٦٠٧، والترمذي برقم ٢٦٧٦ وقال: حديث حسن صحيح.
(3) رواه مسلم برقم ٦٩، وغيره.
(4) رواه البخاري برقم ٢٦٩٧، ومسلم برقم ١٧١٨.
(5) رواه مسلم برقم ١٧١٨.
(6) الإحياء للغزالي: ٢/ ٣.
(7) رواه البخاري برقم ٢٠١٠، ومالك برقم ٣٧٨.
(😎 منهاج السنة لابن تيمية: ٤/ ٢٢٤.
(9) فتح الباري: ٤/ ٢٥٣.
(10) تهذيب الأسماء واللغات: ٣/ ٢٢، ويلاحظ طلك في كتاب عز الدين عبد السلام قواعد الأحكام في مصالح الأنام: ٢/ ١٧٣.
(11) شرح الموطأ للزرقاني: ١/ ٢٣٨.
(12) جامع العلوم والحكم لأبن رجب الحنبلي: ١٦٠.
(13) الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي: ٢٠٥.
(14) الإسعاف بالطلب مختصر شرح على قواعد المذهب لأحمد بن علي المنجور المالكي: ١٥٨، والتبيين بشرح الأربعين: ٢٤١.
نقله محمد حسين الشاويش
ص ١١ - ٢٠
📕 البدعة في المفهوم الإسلامي الدقيق
👤 أ. د. عبد الملك بن عبد الرحمن السعدي

أدلة جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .

 أدلة جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

أولا : من القرآن الكريم (7)
[إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء (107)]ويؤيد هذا تفسير حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الآية قال :
(فضل الله العلم ، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) اهـ فالفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب في كل وقت وفي كل نعمة ، وعند كل فضل ، ولكنه يتأكد في كل يوم اثنين وفي كل عام في شهر ربيع الأول لقوة المناسبة وملاحظة الوقت ، ومعلوم أنه لا يغفل عن المناسبة ويعرض عنها في وقتها إلا من لا بصيرة له .] (😎
ثانيا : من السنة
1- [ إن أول الناس احتفالا بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو الرسول الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم . ويدل على هذا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في باب الصيام عن رواية سيدنا أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال : ( ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه ) فهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين لأنه ولد فيه ونبئ فيه ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يُهتم بمثل هذا اليوم بفعل عبادة شكرا لله من صيام أو ما يستطيعه الفرد من أي عبادة وفعل لا يمنعه الشارع .] (9)
2- [الاحتفال بالمولد الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر . فقد روى الإمام البخاري تعليقا ونقله الحافظ ابن حجر في (الفتح) ورواه عبد الرزاق الصنعاني في (المصنف 7 / 478) والحافظ البيهقي في (الدلائل ) وابن كثير في (البداية والنهاية 1 / 224 ) وابن الديبع الشيباني في (حدائق الأنوار 1 / 134 ) والحافظ البغوي في شرح السنة (9 / 76 ) وابن هشام والسهيلي في (الروض الأنف 5 / 192 ) والعامري في ( بهجة المحافل 1 / 41) وغيرهم وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام .
وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام .
روى الإمام البخاري تعليق أن سيدنا العباس رأى أخاه أبا لهب بعد موته في النوم فقال له ما حالك فقال في النار إلا أنه خفف عني كل ليلة اثنين وأسقى من بين إصبعي هاتين ماء فأشار إلى رأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاق ثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له .
وقد قال العلامة الحافظ شمس الدين بن الجزري في عرف التعريف بالمولد الشريف بعد ذكره قصة أبي لهب مع ثويبة :
فإذا كان هذا أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته عليه السلام ، يسر ويفرح بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم . وعلق الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي على هذا الحديث حيث قال :
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا
وحديث سيدنا العباس رؤيا حق وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل لرؤيا الحق اعتبارا خاصا في التشريع حيث شرع الآذان موافقة لرؤيا رآها أحد الصحابة في منامه .
وهذه الرؤيا كانت في زمن كله صحابة ، فلم نسمع بأحد منهم قال : إنها أضغاث أحلام بل يعتبر هذا إجماعا سكوتيا على كل ما فيها ، ولم ينكرها أحد منهم بعد وفاته وقد تداولها التابعون بالقبول والاستحسان ولم نسمع بأحد منهم اعترض عليها إلى يومنا هذا .
وأما من قال : إن الرائي والمخبر هو العباس في حال الكفر ، والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا قول مردود ، لا رائحة للعلم فيه ، وهو باطل ، ذلك لأنه لم يقل أحد إن الرؤيا من باب الشهادة مطلقا ، وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان ، بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر وهو وثني لا يعرف دينا سماويا مطلقا ، ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية من دلائل نبوة يوسف عليه السلام وفضله وقرنها بقصته ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار .
ولهذا ذكر العلماء أن الكافر يرى الله تعالى في المنام ويرى في ذلك ما فيه إنذار له وتوبيخ وتقريع .
والعجب كل العجب من قول قائل : إن العباس رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذا المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه ، أخذ ذلك عنه ، وعمل به ، وانظر أمثلة ذلك في كتب المصطلح لتعرف بعد صاحب هذا القول عن العلم ، وإنما الهوى هو الذي حمل المعترض على الدخول فيما لا يتقنه .] (10)
3 - روى الإمام مسلم في صحيحه ( 5 / 198 ) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء] اهـ
وفي هذا الحديث الشريف نرى أن النبي r قد سمى بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجرا ، ويظهر لنا أنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول r من أجل زيادة الخير والأجر ومعنى سنّ سنة أي أنشأها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه ، وأي سنة أعظم من الاحتفال ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم.
ثالثا : من القياس
قال الإمام الحا فظ العلامة جلال الدين السيوطي : (11)
[وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر-العسقلاني- عن عمل المولد فأجاب بما نصه :
أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا .
قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون نجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه : فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به وما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى انتهى.
قلت :
وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو : ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات .] انتهى كلام الإمام السيوطي .
أسماء بعض الأئمة الذين أفتوا بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
- الإمام الحافظ شيخ الإسلام "أحمد بن حجر العسقلاني" كما أورد ذلك الإمام السيوطي في "فتوى حسن المقصد" مذكورة في كتاب "الحاوي للفتاوى" )[1 / 181 :189 ].
- الإمام الحافظ "جلال الدين السيوطي" كما ورد في الفتوى المشار إليها سابقا .
- الإمام "عبد الله ابن الحاج" كما ذكر الإمام السيوطي في فتواه المشار إليها .
- الحافظ السخاوي نقل عنه الإمام "ملا علي القاري"في كتابه"المورد الروي "صـ307 أنه قال(بل خرج شيخ مشايخ الإسلام العلامة أبو الفضل ابن حجر-العسقلاني-الأستاذ المعتبر تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته فعل المولد على أصل ثابت يميل إلى الاستناد إليه كل همام........ الخ ) اهـ وقد سبق ذكر هذا الأصل .
- الإمام الحافظ "القسطلاني"في كتابه"المواهب اللدنية"ج1/ صـ148
- الإمام خاتمة المحدثين "الزرقاني" في شرحه على "المواهب اللدنية"
- الإمام الحافظ ابن شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ، 24 ) ] .
- الإمام شيخ الإسلام "ابن حجر الهيتمي المكي" في كتابه "الفتاوى الحديثية"صـ 202 حيث أجاز الاحتفال بالموالد التي تشتمل على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه وأن تخلو من الشرور ، آي أنه يقول بمشروعية الاحتفال وجوازه.
أسماء بعض الأئمة الذين لم يكتفوا بإجازتهم الاحتفال ولكن ألفوا موالد – أي نظما من الشعر أو النثر يروي هذه الذكرى العطرة
- الإمام الحافظ "ابن دحية " كما أورد الإمام السيوطي في فتوى حسن المقصد في عمل المولد .
- الإمام شيخ القراء "الحافظ شمس الدين الجزري"له مولد اسمه"عرف التعريف بالمولد الشريف" وذكره الإمام السيوطي في فتواه .
- الإمام الحافظ "ابن ناصر الدمشقي" له مولد اسمه"مورد الصادي في مولد الهادي"وقد ذكره الإمام السيوطي في الفتوى وانظر أيضا كتاب"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"صـ319 .
- العلامة المحدث الفقيه"ملا على القاري" له مولد اسمه "المولد الروي في المولد النبوي" طبع في مصر بمطبعة السعادة عام 1980مـ .
- الإمام الحافظ"أبى الفرج بن الجوزي"له مولد مشهور يسمى العروس طبع عدة مرات .
- الإمام الحافظ "العراقي"له مولد أسماه (المورد الهني في المولد السني) وقد ذكره ضمن مؤلفاته الحافظ ابن فهد في ذيله على "التذكرة" .
- الإمام الحافظ "السخاوي"صنف مولدا نبويا سماه"الفخر العلوي في المولد النبوي"ذكره في كتابه الضوء اللامع "ج8 صـ18 " .
- الإمام الحافظ "عبد الرءوف المناوي"له مؤلف في المولد مشهور مطبوع متداول "بمولد المناوي" انظر كتاب "البراهين الجلية"صـ36 .
أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف احتفالا رسميا
[وأول من أحدث فعل ذلك صاحب أربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون .
قال ابن كثير في تاريخه :
كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه، قال وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلدا في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة .
وقال سبط بن الجوزي في مرآة الزمان:
حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم شوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة فرس ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، قال وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاث مائة ألف دينار وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يستفك من الفرنج في كل سنة أسارى بمائتي ألف دينار وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار هذا كله سوى صدقات السر، وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم قالت : فعاتبته في ذلك فقال لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير والمسكين .
وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية :
كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب التنوير في مولد البشير النذير وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار قال وقد سمعناه على السلطان في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة انتهى.] (12)
- وقال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22/صـ335، 336 ) عن الملك المظفر أبي سعيد كوكبري :
[ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وغزا معه، وتمكن منه، وأحبه، وزاده الرها، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية، وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين، وبين، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترد منه حران والرها.
وكان محبا للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقا ويعطيهم دينارا ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى، والأضراء، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه.
وبنى دارا للنساء، ودارا للأيتام، ودارا للقطاء، ورتب بها المراضع.
وكان يدور على مرضى البيمارستان، وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطى كل ما ينبغي له.
وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيرا، لم يكن له لذة في شئ غيره.وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات.
وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلا للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات.
وأما احتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه، كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا فتنحر وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أمولا جزيلة.
وقد جمع له ابن دحية " كتاب المولد " فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعا، خيرا، سنيا، يحب الفقهاء والمحدثين] اهـ
- وقال الإمام الحافظ أبو شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ،24 ) :
[ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة أربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكرا لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسلين ، وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره رحمهم الله تعالى ]اهـ (13)
شبهات مردودة
فإن قال قا ئل :
بأن هذا الاحتفال بهذه الطريقة بدعة ، لم يرد فعله بهذه الكيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحا بته أو عن أحد من السلف .
قلنا له :
إنك بقولك هذا قد بدعت أئمة أعلاما وعلماءا أجلاء قد سبق النقل عنهم بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كالإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني والإمام الحافظ جلال الدين السيوطي والإمام السخاوي والإمام ابن دحية والإمام ابن الجزري والإمام ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير قد سبق النقل عنهم .
فهل أنت يا هذا أعلم من هؤلاء بعلوم القرآن والسنة ؟!
وهل أنت يا هذا أقدر من هؤلاء على الاستنباط والأخذ من علوم الشريعة الغراء ؟!
وهل أنت يا هذا تعرف حدود البدعة والسنة ويجهلها أمثال هؤلاء الأئمة الأعلام ؟!
فلا والله يا مدعي العلم ما تبلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ، وليس لك ولأمثالك ممن يقول بقولك هذا من الحق نصيب .
فاكفف لسانك يا مسكين عن أمثال هؤلاء ، فما بينك وبينهم إلا كما بين الثرى والثريا ، فاعرف قدر نفسك تسلم .
فإن تماديت في غيك وسولت لك أمارتك بالسوء أن تردد بلا حياء أو إدراك مقولة : [كل يؤخذ منه ويرد ] ، فما لك عندنا بعد الحوقلة والاسترجاع إلا قولنا لك :
وهل تنتظر من جماهير الأمة أن تأخذ بقولك أنت وأمثالك وترد أقوال هؤلاء الأعلام ؟!
وإذا لم يجز في زعمكم متابعة الأئمة الأثبات الأعلام كالسيوطي والعسقلاني والهيتمي وغيرهم فمن إذا يتابع من بعدهم وهم أئمة الدين وعلماء المسلمين والأنجم الساطعة للمذاهب الأربعة التي ارتضتها الأمة على مدى تاريخها الطويل ؟!
فإن لم تشتفي يا مدعي العلم من هذه الكلمات ، وتعاميت عما سبق سوقه من أدلة من القرآن والسنة وقياس الأئمة الأعلام وما استخرجوه من أصول لجواز الاحتفال ، قلنا لك تنزلا :
قولك ببدعية الاحتفال [كلام غير مسلم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة .
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات :
البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة .
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد :
البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة، وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة:
منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى .
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشا فعي عن الشا فعي قال :
المحدثات من الأمور ضربان :
أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة .
والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان (( نعمت البدعة هذه )) يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى : هذا آخر كلام الشافعي .
فبطل بذلك قول القائل ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فان إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام .]اهـ (14)
ولا يفوتنا في نهاية الرد على هذه الشبهة أن نذكر بأنه بفرض عدم ورود الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عن أحد من السلف بهذه الكيفية فإن هذا الترك لا يدل على التحريم كما هو مقرر في علم الأصول .
[فقد روي في الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر "
ففي الحديث دليل للقاعدة الأصولية " أن ترك الشيء لا يقتضي تحريمه " قد يقال : سؤال خالد يدل على خلاف القاعدة وهو أن الترك يقتضي التحريم وقد استدل به بعضهم لذلك قال في جوابه "لما رأى خالد إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب بعدما أهوى ليأكل منه حصل عنده شبهة في تحريمه فلذلك سأل وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له مؤيدا للقاعدة ومؤكدا لعمومها في أن ترك الشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه ]اهـ (15)
- فإن قال قائل :
قد يحدث في بعض التجمعات للاحتفال بالمولد بعض المخالفات الشرعية من اختلاط أو رفع النساء لأصواتهن بالذكر والإنشاد أو ما شا به ، فيترتب على ذلك مفاسد توجب التحريم لمثل هذه الاحتفالات
قلنا له :
[ما سبق هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه لا من حيث الاجتماع لا ظهار شعار المولد بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلا لكانت قبيحة شنيعة و لا يلزم من ذلك ذم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح فهل يتصور ذم الاجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها كلا بل نقول أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع وكذلك نقول أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع .] اهـ (16)
- فإن قال قائل :
أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه.
نقول له :
[ أولا : أن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسلوان والكتم عند المصائب , وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود , و لم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع , فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته .
وقد قال ابن رجب في كتاب [اللطائف] في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم ؟ ] اهـ (17)
من عجائب الوهابية (18)
- العجيبة الأولى
الوهابية والإمام الفاكها ني .
المطالع لما يتوكأ عليه المعترضون والمنكرون لجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يجد أنهم لايستندون في فريتهم هذه على أي نقل لعالم معتبر اللهم فتوى الشيخ "الفاكهاني"التي شذ بها عن السواد الأعظم من علماء الأمة وهذا هو دأب الباطل دائما يتصيد زلات العلماء . وتدعيما لأكاذيبهم وتزيينا لباطلهم استدلوا بفتوى للإمام الفاكهاني من متأخري المالكية قال فيها بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ,وذلك حتى يخففوا من حدة باطلهم وليوهموا أتباعهم أن لهم سندا وتأصيلا علميا مستمدا من التراث الفقهي للأمة .
ولكن الإمام السيوطي في فتوى [حسن المقصد في عمل المولد] - والتي سبق الإشارة إليها كثيرا بين ثنايا هذه الرسالة - قد عرض للحكم الشرعي للاحتفال بالمولد النبوي الشريف وقرر أن هذا أمر جائز شرعا وقد رد فيها رحمه الله بثاقب علمه وغزير فضله علي فتوى الإمام الفاكهاني .
فماذا فعل الوهابية ؟
بالطبع لم يضيعوا الفرصة فها هي زلة لإمام كبير تنادي عليهم لينتشلوها ويعضدوا بها باطلهم , فقاموا بجمع أجزاء فتوى الإمام الفاكهاني من بين ثنايا فتوى " حسن المقصد " وطبعوها مستقلة بدون رد الإمام السيوطي عليها , وبالطبع لم ينسوا أن يقدموا رأيهم الشاذ معها , ثم بعد ذلك أتبعوا المجموع – الزلة ورأيهم الشاذ الباطل – بالجمل الرنانة الطنانة – مثل : هذا لم يجري عليه عمل السلف , باطل ... الخ – وقدموا كعادتهم هذا الهراء على أنه هو الحكم الشرعي الوحيد والصحيح لهذه المسألة .
فياترى من هو الإمام الفاكهاني ؟ وهل هو وفق أبجديات الفكر الوهابي ممن يؤخذ عنه ويعتمد عليه في الإفتاء ويعتد بأقواله ؟.
ولمن لا يعرف الإمام الفاكهاني وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول : اقرأ معنا بعض ما ذكره عنه الإمام ابن فرحون المالكي في كتابه [ الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب ] والمعروف أيضا باسم طبقات المالكية .
يقول الإمام إبن فرحون الما لكي عن الإمام الفا كها ني في هذا الكتاب [ صـ 184 ] :
[ وله شرح العمدة في الحديث لم يسبق إلى مثله لكثرة فائدته وشرح الأربعين للنووي وسماه المنهج المبين في شرح الأربعين وله الإشارات في العربية وشرحها و"التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة "وكتاب الفجر المنير في الصلاة على البشير النذير.
وفال في ذات الصفحة عن "الشيخ الفاكهاني"( وأخبرني جمال الدين: عبد الله بن محمد بن علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري المحدث أحد الصوفية بخانقاه سعيد السعداء في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة قال: رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني إلى دمشق فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بدار الحديث الأشرفية بدمشق وكنت معه فلما رأى النعل المكرمة حسر عن رأسه وجعل يقبله ويمرغ وجهه عليه ودموعه تسيل وأنشد:
فلو قيل للمجنون: ليلى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها ؟
لقال: غبار من تراب نعالـهـا أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها. ] اهـ
يتضح لنا من الأسطر القليلة السابقة ما يلي:
1-أن الشيخ الفاكهاني يجيز زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشد الرحال لها وله كتاب في الرد على المنكرين لها – ابن تيمية ومن لف لفه - .
2- أن له كتابا في الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- أنه كان صوفيا وكان شيخا للمتصوفة بخانقاه (سعيد السعداء) .
4- كان يقصد زيارة نعل النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرك به .
هذا هو الإمام الفاكهاني الذي يحتج به المعترضون , وبعدها من حقنا أن نسأل المتكثرين بزلة الإمام الفاكهاني عن الآتي :
- هل تستشهدون بمن يجيز زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال لها ويرد على منكريها وبمن يتبرك بآثار الأنبياء والصالحين وبمن هو من الصوفية ومن شيوخ الخنقاوات والتكايا الصوفية , وبمن يؤلفون كتبا في الصلاة على النبيr " كدلائل الخيرات" .
سيقولون بالطبع : " كل يؤخذ منه ويرد" نقول لهم صدقتم ولكن من يفعل ما سبق ذكره عن الشيخ الفاكهاني هو عندكم مبتدع كافر زنديق قبوري فهل تأخذون منه ؟!!!!
بالطبع هم سيأخذون منه زلته فقط , أما باقي ما اتفق وسار فيه مع الأمة فلا .
أنظر أخي القارئ وتمعن في المكيافلية(19) في أنقى صورها , فها هي الغاية لدى الوهابية تبرر الوسيلة .
- يأخذون زلة إمام ويتركون أقوال أكثر من عشرين آخرين .
- وياليتهم قالوا أن المسألة فيها قولين , ولكنهم يعرضون شذوذهم وزلة العالم على أن هذا هو الحق , - بالقطع لن يجرؤا على عرض المسألة والقول بوجود رأيين بها فكيف يستقيم أن تأخذ بزلة عالم مردود عليها وتدع أقوال عشرين من أئمة المسلمين - والمصيبة أنهم يتمادون في الضلال ويبدعون الناس بزلة عالم .
- يكفرون الصوفية والمتوسلين والمتبركين وزائري المصطفى المعصوم عليه الصلاة والسلام , ثم يتكثرون بهم بعدها .
ولم لا طالما أن هذا سيخدم باطلهم .
حقا إنها الوقاحة والاستخفاف بالعقول في أبشع صورة .
- العجيبة الثانية
حكومة الدولة الراعية لهذه الحركة والتي يتولى أئمتها كبر الإنكار والتبديع للمحتفلين بمولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتفلوا بعيد ميلاد" كوندوليزا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة !!!!!!!
فقد نقلت صحيفة [البيان الإماراتية] في العدد الصادر بتاريخ14-11-2005 هذا النبأ :الفيصل يفاجئ رايس بكعكة عيد ميلادها الـ 51
[في ختام مداولات الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ السعودي في جدة أمس فاجأ وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس بكعكة عيد ميلادها الـ 51 الذي يصادف اليوم الاثنين فبعدما تطرَّق الفيصل ورايس إلى التعاون المشترك بين بلديهما في ما يخص قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والمواضيع الاقتصادية والسياسية الثنائية، وقبل اختتام المؤتمر الصحافي المشترك قال الوزير السعودي إنه لا يزال هناك موضوع آخر للمناقشة وعلى الفور تم إدخال كعكة كُتب عليها "عيد ميلاد سعيد لكوندي" في إشارة إلى كوندوليزا رايس. وزُيِّنت الكعكة بالعلمين السعودي والأميركي. وأعرب الفيصل عن تمنياته لرايس بـ "عيد ميلاد سعيد جداً" وهو ما شكرته عليه.] انتهى
فما هو موقف السادة الأفاضل مدعى العلم في هذه الدولة من يفتون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأن الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه بدعة فما موقفهم من هذا التصرف؟
وهل قالوا لحكامهم بأن هذا بدعة ؟
وماذا فعلوا تجاه هذا الموقف !!!!!!
وما هو موقف أذنابهم في مشارق الأرض ومغاربها من يرددون كالببغاوات ما يلقى لهم من هؤلاء الأدعياء بلا أدنى وعي أو روية ؟!
من يعرف الإجابة يتفضل بإعلانها ولا نملك إلا أن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل.
انتبه يا أخي
انتبه يا أخي :
المولد سنة حسنة ولا يقال عنه لو كان خيرا لدل الرسول أمته عليه : فجمع المُصحف ونقطه وتشكيله عمل خير مع أنه صلى الله عليه وسلم ما نص عليه ولا عَمِلَهُ. فهُؤلاء الذين يمنعون عمل المولد بدعوى أنه لو كان خيرا لدَلَّنا الرسول عليه وهم أنفسهم يشتغلون في تشكيل المصحف وتنقيطه يقعون في أحد أمرين: فإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله ليس عمل خير لأن الرسول ما فعله ولم يدل الأمة عليه ومع ذلك فنحن نعمله ، وإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله عمل خير لم يفعله الرسول ولم يدل الأمة عليه لذلك نحن نعمله . وفي كلا الحالين ناقضوا أنفسهم .
انتبه يا أخي :
المولد سنة حسنة وليس داخلا تحت نهي منه صلى الله عليه وسلم بقوله " مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ " لأنه صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بقوله " ما لَيْسَ مِنْهُ " أن الْمُحْدَثَ إنما يكون ردًّا أيْ مَرْدُودًا إذا كان على خلاف الشريعة ، وأن الْمُحْدَثَ الموافق للشريعة ليس مردودا .
فالرسول لم يقل مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بل قيدها بقوله : "ما لَيْسَ مِنْهُ" ليبين لنا أن المحدث إن كان منه ( أي موافقا للشرع ) فهو مشروع ، وإن لم يكن منه ( أي لم يكن موافقا للشرع ) فهو ممنوع .ولما كان عمل المولد أمرا مشروعا بالدليل النقلي من قرآن وسنة ثبت أنه ليس بمردود .
انتبه يا أخي :
المولد سنة حسنة وليس فيه قدح لصحابته صلى الله عليه وسلم بزعم أن فيه إشارة إلى أننا نحبه أكثر منهم: فالرسول صلى الله عليه وسلم ما جمع القرآن في كتاب واحد بل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي جمعه وسماه المصحف، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم بحجة أن فعله هذا يشير إلى أنه يحب القرآن أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أليس العلماء قالوا [المزية لا تقتضي التفضيل ]، فإن كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه جمع القرآن والرسول لم يجمعه في كتاب واحد على هيئته اليوم فهذا لا يعني أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد وسيدنا أبو بكر لم يفعله فهذا لا يعني أنه أفضل من سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما .
كذلك عمل المولد إن نحن عملناه لكن الصحابة رضي الله عنهم ما عملوه فمجرد هذا لا يعني أننا أفضل منهم ولا أننا نحبه r أكثر منهم .
وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد خير من صام وقام وركع وسجد .والله ولي التوفيق وعليه فليتوكل المؤمنون ،والحمد لله رب العالمين .
الهوامش
(1)- الجمعة : 3.
(2) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14، ومسلم في صحيحه ، ج1 ص 76.
(3) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14.
(4) - التوبة:24.
(5) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج6 ص 2445.
(6) - البيان لما يشغل الأذهان لفضيلة الإمام العلامة الأستاذ الدكتور عليّ جمعة مفتي الديار المصرية ( 1 / 164 ، 165 ) .
(7) - لتعلم يا أخي رزقني الله وإياك التوفيق أن الأدلة على جواز الاحتفال متوافرة من الكتاب والسنة والقياس عليهما ، ولكن اكتفينا بإيراد ما يفي بالغرض منها دون استقصائها كاملة طلبا للإيجاز والاختصار إذ هو المقصود من هذه الرسالة .
(😎 - انظر النجوم الزاهرة في جواز الاحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة لفضيلة الشيخ أحمد عبد الباقي ( 48 ، 49 ) .
(9) - المرجع السابق ( 40 ، 41 ) .
(10) - المرجع السابق ( 43 – 47 ) .
(11) - كتاب الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 188 ) .
(12) - المرجع السابق ( 1 / 181 ، 182 ) .
(13)- نقلا عن كتاب ليلة النصف من شعبان لفضيلة العلامة السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح ( صـ 109 ) .
(14) -انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 184 ، 185 ).
(15)- من كتاب " إتقان الصنعة " للحافظ أبى الفضل عبد الله الصديق الغماري ( صـ 9) .
(16) - انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 185 ) .
(17) - المرجع السابق ( 1 / 185 ) .
(18) - الوهابية فرقة ضالة تنسب لمحمد بن عبد الوهاب النجدي الذي ظهر في القرن الثاني عشر الهجري بأرض نجد ، وقد قامت دعوته على تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وكانت الدعامة الأساسية لدعوته هو زعمه بردة الأمة وكفرها وعبادتها للأولياء والصالحين ، وقد قام عليه أئمة المسلمين في عصره وحذروا منه وأظهروا بدعته ، وكان على رأسهم الشيخ سليمان بن عبد الوهاب شقيق محمد بن عبد الوهاب المذكور ، إذ أنه كان من أكبر المحذرين من ضلالات أخيه وكان له عليه الرد الذي اشتهر باسم : الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية .
ولما انتشر شرر هذه الدعوة الضالة وطال أرض الحرمين الشريفين وفعل أتباعها بالمسلمين في تلك البلاد الأفاعيل من قتل ونهب وسلب واستباحة للأعراض توالت الوقائع بين أتباع محمد بن عبد الوهاب من بعده وبين قوات الخلافة العثمانية إلى أن نجح محمد علي باشا والي مصر من قبل الخلافة العثمانية في القضاء عليهم وتدمير عاصمتهم الدرعية .
ثم وجد هذا الفكر الضال من أحياه مجددا في بدايات القرن الماضي وكان من أهم عوامل سقوط الخلافة العثمانية وهزيمتها في الشام في الحرب العالمية الأولى ومن ثم سقوط القدس في أيدي الإنجليز .
ومع توالي الفتن والمحن التي تعصف بالأمة ، ومع رفع العلم بقبض العلماء ، ومع الطفرة البترولية وما نتج عنها من توفير موارد مادية هائلة لأبناء هذه الحركة ، أخذ هذا الفكر الضال يبلور نفسه ويظهر للأمة في ثوب جديد ناصع براق تحت ستار الدعوة إلى مذهب السلف ، وتسمى أتباعه بالسلفيين إمعانا في الكذب وتضليل المسلمين ، ونفقت هذه السلعة الجديدة في سوق الجهل والتخبط ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا الفكر على التحقيق ما هو إلا مذهب الخوارج ، والسلف منه ومن القائمين على نشره براء .
ولله در الإمام العلامة إبن عابدين الحنفي حيث قال عنهم في كتابه [رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار] ( 4 / 262 ) : [مطلب في أتباع محمد بن عبد الوهاب الخوارج في زماننا : كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف .] اهـ
وحسبك أنك تجد أئمة هذا الفكر الضال هم من يتولون كبر الإنكار على المحتفلين بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهم القائمين بتبديعهم ورميهم بالضلال ، لذا قد توجب الإشارة إليهم والتحذير منهم على إيجاز يكون تفصيله إن شاء الله في أحد أعداد سلسلة [حقائق ] ، نخصصه في بيان حقيقة هذه الفرقة الضالة .
ولمزيد من المعلومات عن هذه الفرقة الضالة أنظر :
[الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية] للشيخ سليمان بن عبد الوهاب.
[الدرر السنية في الرد على الوهابية] للإمام العلامة أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية بمكة المكرمة.
[النقول الشرعية في الرد على الوهابية] للشيخ مصطفى بن أحمد بن حسن الشطي الحنبلي .
[سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلدة الظاهرية] للإمام إبراهيم المنصوري السمنودي .
[صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر] للسيد الشريف عبد الله حسن فضل الحسيني .
[الفجر الصادق] للعلامة جميل صدقي الزهاوي .
(19) - هي نسبة لميكيافللي صاحب مقولة الغاية تبرر الوسيلة .
المراجع
- البيان لما يشغل الأذهان - فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية
المقطم للنشر والتوزيع – القاهرة – 1426 هـ - 2005 م
- الحاوي للفتاوي – للإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى- 1421هـ - 2000م
- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج – للإمام الحافظ يحيى بن شرف النووي
دار البيان العربي – القاهرة – 2006 م
- النجوم الزاهرة في جواز الاحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة - الشيخ أحمد عبد الباقي
دار جوامع الكلم – القاهرة – الطبعة الأولى – 1425 هـ - 2004 م
- البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع – دكتور عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع
دار قرطبة – بيروت – الطبعة الأولى – 1422 هـ - 2001 م
- ليلة النصف من شعبان – السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح .
دار الركن والمقام – القاهرة – الطبعة الأول – 1430هـ - 2009م
- إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة – للحافظ أبي الفضل عبد الله الصديق الغماري
مكتبة القاهرة – القاهرة – 1997 م
- الفتاوى الحديثية – للإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي
دار إحياء التراث العربي – بيروت