الأحد، 19 يوليو 2020

الصوفية ... !! بين الامس واليوم !

الصوفية ... !!
لايهم سبب التسمية مايهمنا ماهم عليه من التعبد و الإعتقاد
فالصوفية تاريخا وحاضرا ليسوا سواء ...
ففرق بين من يقول نحن نتقيد بالكتاب والسنة ولايحرف النصوص ولا معانيها وبين من يتأول الآيات والأحاديث على هواه فيأتي الناس بفهم ومعاني وافعال مخالفة لما عليه السابقون الأولون .
كمن يرقص في الذكر ويضطرب اضطراب المصروع ويضرب بالحراب ويعتقد ان شيخه رفع عنه التكليف والحجاب !
فرق بين من يقول لمريديه أو تلامذته لاتستغيثوا إلا بالله ولاترجوا إلا إياه وبين من يعتقد بغوث الأغواث والحلول والإتحاد وأن هناك من له إذن يتصرف في الكون من الاوتاد والأقطاب
فرق بين كثير الذكر غير مخالف للسنة وبين ذاكر على سبيل
بدعة
قال القاضي عياض رحمه الله :
" قال المسيبي: كنا عند مالك وأصحابُه حوله ، فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية ، يأكلون كثيراً ، ثم يأخذون في القصائد ، ثم يقومون فيرقصون . فقال مالك : أصبيان هم ؟ قال : لا .
قال أمجانين ؟ قال : لا ، قوم مشايخ .
قال مالك : ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا .
قال الرجل : يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله .... "ترتيب المدارك" (2/ 53) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (14/176)
أن الناس تنازعوا في الصوفية :
" فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " . وقالوا : إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .
وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .
و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه .
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلا؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق . مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره .
كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد "
يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله :
" طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا "
وقال: "كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة، طِر إلى الحق عزَّ وجلَّ بجناحي الكتاب والسنة، ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. "
ويقول " ترك العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية " الفتح الرباني
وقال الجنيد - رحمه الله - : "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ."
ويروى عنه انه رؤي في المنام بعد موته فقال ذهبت تلك الاشارات و تلك العبارات وما نفعتنا غير ركيعات ركعناها في جوف الليل .
قال شيخ الإسلام في الفتاوى :
" الْجُنَيْد مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " .
- وقال أيضا :
" كَانَ الْجُنَيْد رحمه الله سَيِّدُ الطَّائِفَةِ ، إمَامَ هُدًى " .
- وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في "تاريخ الإسلام" :
الجنيد " كان شيخ العارفين وقُدْوة السّائرين وعَلَم الأولياء في زمانه ، رحمة الله عليه " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى :
" وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا ، وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا ، وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا ، مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ ، وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ ،
وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ : جَيِّدٌ ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِهِمْ ، وَكَلَامِ نُظَرَائِهِمْ ، مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَرْجُوحَةِ ، وَالدَّلَائِلِ الضَّعِيفَةِ ؛ كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ ، وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِدُ ، مَعَ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ ؛
وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
وهذا بخلاف ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم فقد كفره كثير من العلماء وهو الذي كان يقول أن مرتبة الولاية أعظم وأعلا من مرتبة النبوة
وقال في قوم نوح : إنهم لو تركوا عبادتهم لودٍّ وسواعٍ ويغوث ويعوق ، لجهلوا من الحق أكثر مما تركوا .
وهذا ابن عطاء الله السكندري من ضلالاته كما جاء في كتابه الحكم الإلهية
يقول " سؤالك منه اتهام له " .!!
ويستدلّ ابن عطاء الله على ذلك بحديث باطل على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " ،
وهو مخالف للآيات والأحاديث الكثيرة التي تحض على دعاء الله كقوله تعالى :
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي )
أي : عن دعائي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/ 60 .
ويقول " من عبده لشيء يرجوه منه ، أو ليدفع عنه ورود العقوبة منه : فما قام بحق أوصافه" .
قال شيخ الاسلام "فإن ابن عربي وأمثاله _وإن ادعوا أنهم من الصوفية_ فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة , ليسوا من صوفية أهل الكلام فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة , كالفضيل بن عياض , و إبراهيم بن أدهم , و أبي سليمان الداراني , و معروف الكرخي ,والجنيد بن محمد ,و سهل بن عبد الله التستري , وأمثالهم , رضوان الله عليهم أجمعين."[ الفرقان ص142]
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بكرامات الأولياء وأن الله تعالى قد يكرم البعض بمكاشفة أو مخاطبة أو مشاهدة لكن هذا ليس على سبيل الدوام
وهذا يكون لأولياء الله المتقين
وليس لمن يعمل نفسه عرافا وكاشفا ومشاهدا ومُخاطبا لكل من يأتيه وليس عليه أثر عبادة ولا التزام بمسجد فهذا واضح أنه باطل وتدجيل
يقول ابن تيمية رحمه الله "وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلا بد أن يكذبوا وتكذبهم شياطينهم.
ولا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة؛
ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن. قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} مجموع الفتاوى
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله :
" وتارة يستغيث أقوام بشخص يحسنون به الظن إما ميت وإما غائب فيرونه بعيونهم قد جاء ، وقد يكلمهم ، وقد يقضي بعض حاجاتهم ، فيظنونه ذلك الشخص الميت ، وإنما هو شيطان زعم أنه هو ، وليس هو إياه .
وكثيرا ما يأتي الشخص بعد الموت في صورة الميت ، فيحدثهم ، ويقضي ديونا ويرد ودائع ، ويخبرهم عن الموتى ، ويظنون أنه هو الميت نفسه قد جاء إليهم ، وإنما هو شيطان تصور بصورته.
وهذا كثير جدا ، لا سيما في بلاد الشرك ، كبلاد الهند ونحوها ...
وقد يرى أشخاصا في اليقظة ، إما ركبانا وإما غير ركبان ، ويقولون هذا فلان النبي ، إما إبراهيم وإما المسيح ، وإما محمد ،
وهذا فلان الصديق ، إما أبو بكر وإما عمر وإما بعض الحواريين ، وهذا فلان لبعض من يعتقد فيه الصلاح ، إما جرجس أو غيره ممن تعظمه النصارى ، وإما بعض شيوخ المسلمين ، ويكون ذلك شيطانا ادعى أنه ذلك النبي أو ذلك الشيخ أو الصديق أو القديس.ومثل هذا يجري كثيرا لكثير من المشركين والنصارى ، وكثير من المسلمين ؛ ويرى أحدهم شيخا يحسن به الظن ويقول أنا الشيخ فلان ، ويكون شيطانا .)) الفتاوى
وقال رحمه الله (( ومن هؤلاء من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت؛ فيكلمهم ، ويقضي ديونه ، ويرد ودائعه ، ويوصيهم بوصايا ، فإنهم تأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة ، وهو شيطان يتمثل في صورته؛ فيظنونه إياه.
وكثير ممن يستغيث بالمشايخ فيقول: يا سيدي فلان أو يا شيخ فلان اقض حاجتي ، فيرى صورة ذلك الشيخ تخاطبه ، ويقول: أنا أقضي حاجتك وأطيب قلبك ، فيقضي حاجته أو يدفع عنه عدوه، ويكون ذلك شيطانا قد تمثل في صورته ، لما أشرك بالله فدعا غيره.)) الفتاوى
اللهم اجعلنا من أهل الكتاب السنة اعتقادا وقولا وعملا واجعلنا على سبيل الأولين من الصحابة والتابعين يا ارحم الراحمين يارب العالمين
وصل يارب وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
Abd Alrahman Talabani، حسين القاسمي و٩٢ شخصًا آخر
٦٩ تعليقًا
٥ مشاركات
أعجبني
تعليق
مشاركة

حكم الصلاة في المقبرة وفي مسجد فيه قبر دراسة فقهية مقارنة؟!

حكم الصلاة في المقبرة وفي مسجد فيه قبر دراسة فقهية مقارنة
حكم الصلاة في المقبرة وفي مسجد فيه قبر
دراسة فقهية مقارنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ومن تبع هداه وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم الصلاة في مسجد فيه قبر وقد جعلته في مبحثين:
المبحث الأول: حالات الصلاة في مسجد فيه قبر وحكم كل حالة
والمبحث الثاني: في أدلة أهل العلم في المسألة

المبحث الأول:
حالات الصلاة في مسجد فيه قبر وحكم كل حالة
الصلاة بالنسبة للقبور لها ثلاثة أحوال:
1- أن تكون على القبور
2- أن تكون إلى القبور
3- أن تكون عند القبور
ولكل من ذلك حالتان:
الحالة الأولى : أن توجد في موضع الصلاة نجاسة من صديد الموتى فلا خلاف بين أهل العلم في حرمة الصلاة في ذلك الموضع والصلاة عندئذ باطلة
والحالة الثانية : ألا توجد في الموضع نجاسة وقد اختلف أهل العلم في هذه الحالة على ثلاثة أقوال :
- القول الأول :أن ذلك مكروه والصلاة صحيحة وهو مذهب الجمهور وعليه الشافعية وهو رواية عند الحنابلة وعليه الحنفية في حالة الصلاة إلى القبور , وكذا في حالة الصلاة على القبور مالم يكن قبر نبي
- والقول الثاني :أن ذلك جائز وهو مذهب المالكية, وهو أيضا مذهب الحنفية في حالة الصلاة عند القبور
- والقول الثالث :أن ذلك حرام وهو الرواية الأخرى عند الحنابلة وعليها المذهب, وفي صحة الصلاة عندهم روايتان والأصح عدم الصحة, ثم الكلام السابق عند الحنابلة إنما هو إذا كانت الصلاة في مقبرة أما القبر والقبران فلا يمنعون من الصلاة عندها وخالف في ذلك بعضهم كما سيأتي إن شاء الله
والآن إليك بعض أقوال أهل العلم من المذاهب الأربعة في المسألة ضمن الفروع التالية :

الفرع الأول:
من أقوال الحنفية
في بدائع الصنائع 1/301: (وأما المقبرة فقيل : إنما نهى عن ذلك لما فيه من التشبيه باليهود كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا قبري بعدي مسجد .
وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يصلي بالليل إلى قبر فناداه: القبر القبر, فظن الرجل أنه يقول القمر القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى تنبه ، فعلى هذا تجوز الصلاة وتكره
وقيل : معنى النهي أن المقابر لا تخلو عن النجاسات لأن الجهال يستترون بما شرف من القبور فيبولون ويتغوطون خلفه، فعلى هذا لا تجوز الصلاة لو كان في موضع يفعلون ذلك لانعدام طهارة المكان)اه
وفي البحر الرائق 5/217: (ويكره أن يكون محراب المسجد نحو المقبرة أو الميضأة أو الحمام)اه
وفي حاشية ابن عابدين 1/38 قوله: (ومقبرة) مثلث الباء, واختلف في علته:
- فقيل: لأن فيها عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر
- وقيل: لأن أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد
- وقيل: لأنه تشبه باليهود وعليه مشى في الخانية
ولا بأس بالصلاة فيها [يعني المقبرة] إذا كان فيها موضع أعد للصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة كما في الخانية ولا قبلته إلى قبر حلية)اه
وفي حاشية الطحطاوي 2/351 قوله: وفي المقبرة بتثليث الباء لأنه تشبه باليهود والنصارى قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وسواء كانت فوقه أو خلفه ، أو تحت ما هو واقف عليه
ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقا منبوشة أو لا, بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة, لأنهم أحياء في قبورهم ألا ترى أن مرقد إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب وأن بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى للصلاة بخلاف مقابر غيرهم أفاده في شرح المشكاة
وفي زاد الفقير: وتكره الصلاة في المقبرة إلا أن يكون فيها موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ، ولا قذر فيه اهـ
قال الحلبي : لأن الكراهة معللة بالتشبه ، وهو منتف حينئذ ، وفي القهستاني عن جنائز المضمرات: لا تكره الصلاة إلى جهة القبر إلا إذا كان بين يديه بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه)اه

الفرع الثاني
من أقوال المالكية
في المدونة الفقهية 1/90 : (قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوسع أن يصلي الرجل وبين يديه قبر يكون سترة له؟ قال: كان مالك لا يرى بأسا بالصلاة في المقابر وهو إذا صلى في المقبرة كانت القبور أمامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره
قال: وقال مالك: لا بأس بالصلاة في المقابر, قال: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون في المقبرة)اه
وفي الذخيرة للقرافي 2/95 وثالثها المقبرة :قال في الكتاب : لا بأس بالصلاة إلى القبر وفي المقبرة وبلغني أن أصحاب رسول الله كانوا يفعلون ذلك, قال صاحب الطراز : ومنع ابن حنبل من الصلاة إلى القبر وفي المقبرة
والمقبرة تنقسم إلى مقبرة الكفار والمسلمين وعلى التقديرين فإما أن يتيقن نبشها أو عدمه أو يشك في ذلك فهذه ستة أقسام منع أحمد والشافعي جميع ذلك, واختلف قول أحمد في صحة الصلاة فمرة حمل النهي على التعبد لا على النجاسة فحكم بالصحة
وفرق ابن حبيب بين قبور المسلمين والمشركين فمنع من قبور المشركين لأنه حفرة من حفر النار وقال : يعيد في العامرة أبدا في العمد والجهل لبقاء نبشها النجس ولا يعيد في الداثرة لذهاب نبشها وبين قبور المسلمين فلم يمنع كانت داثرة أو عامرة
قال صاحب الطراز : ويحمل قوله في الكتاب على أن المقبرة لم تنبش أما المنبوشة التي يخرج منها صديد الأموات وما في أمعائهم فلم يتكلم عليه مالك
حجتنا : أن مسجده عليه السلام كان مقبرة للمشركين فنبشها عليه السلام وجعل مسجده موضعها ولأنه عليه السلام صلى على قبور الشهداء, وهذه المسألة مبنية على تعارض الأصل والغالب فرجح مالك الأصل وغيره الغالب
حجة المخالف : ما في الترمذي نهى عليه السلام أن يصلى في سبعة مواضع في المزيلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق ومعاطن الإبل وفي الحمام وفوق ظهر بيت الله عز وجل وقال عليه السلام لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) اه
وفي مواهب الجليل 1/135 : ( ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إذا كان موضعه طاهرا, قال ابن ناجي: ظاهره وإن ظهر على الجدار نجاسة وهو كذلك لأن المعتبر محل قيام المصلي وقعوده وسجوده وموضع كفيه لا أمامه أو يمينه أو شماله انتهى) اه
وفي حاشية الدسوقي 1/188: (قوله : وجازت بمربض بقر أو غنم ولو على القبر) أي هذا إذا صلى بين القبور بل ولو صلى فوق القبر
فإن قلتَ : سيأتي أن القبر حبس لا يمشى عليه ولا ينبش والصلاة تستلزم المشي, قلتُ : يحمل كلامه على ما إذا كان القبر غير مسنم والطريق دونه فإنه يجوز المشي عليه حينئذ
(قوله: منبوشة أو لا) فيه أن المقبرة إذا نبشت صار التراب الذي نزل عليه الدم والقيح من الموتى ظاهرا على وجه الأرض فيكون قد صلى على تراب نجس فكيف يحكم بجواز الصلاة ؟
وحاصل الجواب :أنه سيأتي في كلام المصنف تقييد الجواز بالأمن من النجاسة بأن يعتقد أو يظن طهارة المحل الذي يصلي عليه والمقبرة إذا نبشت يمكن أن يعتقد أو يظن طهارة ما صلى عليه وأنه من غير المنبوش أو أن الدم والصديد النازل من الموتى لم يعم التراب, أو يقال إن جواز الصلاة في المقبرة المنبوشة مبني على ما قاله مالك من ترجيح الأصل وهو الطهارة على الغالب وهو النجاسة عند تعارضهما فتأمل
(قوله : خلافا لمن قال بعدم الجواز في مقبرتهم ) الذي في المواق ترجيح هذا القول فانظره اه ... (قوله: إن أمنت من النجس ) أي بأن تحقق أو ظن طهارة الموضع الذي صلى فيه منها ...(قوله : كموضع منها ) أي كأن يصلي في موضع من هذه الأمور الأربعة المقبرة والزبلة والمحجة والمجزرة منقطع عن النجاسة أي بعيد عنها) اه

الفرع الثالث:
من أقوال الشافعية
في الأم 1/92 : روى حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ثم ( قال الشافعي ): وبهذا نقول ومعقول أنه كما جاء في الحديث ولو لم يبينه لأنه ليس لأحد أن يصلي على أرض نجسة لأن المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم وذلك ميتة وإن الحمام ما كان مدخولا يجري عليه البول والدم والأنجاس
( قال الشافعي ) والمقبرة الموضع الذي يقبر فيها العامة وذلك كما وصفت مختلطة التراب بالموتى وأما صحراء لم يقبر فيها قط قبر فيها قوم مات لهم ميت ثم لم يحرك القبر فلو صلى رجل إلي جنب ذلك القبر أو فوقه كرهته له ولم آمره يعيد لأن العلم يحيط بأن التراب طاهر لم يختلط فيه شيء وكذلك لو قبر فيه ميتان أو موتى )اه
وقال الإمام البيهقي 2/435 : ( عن أنس قال : قمت يوما أصلى وبين يدي قبر لا أشعر به فنادانى عمر القبر القبر فظننت أنه يعني القمر فقال لي بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه وروينا عن أبي ظبيان عن بن عباس أنه كره أن يصلى إلى حش أو حمام أو قبر وكل ذلك على وجه الكراهية إذا لم يعلم في الموضع الذي تصيبه ببدنه وثيابه نجاسة لما روينا في هذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلت لي الأرض طيبه طهورا ومسجدا ) اه
وقال النووي في المجموع 3/164: (حكم المسألة :
إن تحقق أن المقبرة منبوشة لم تصح صلاته فيها بلا خلاف إذا لم يبسط تحته شيء, وإن تحقق عدم نبشها صحت بلا خلاف وهي مكروهة كراهة تنزيه
وإن شك في نبشها فقولان :أصحهما تصح الصلاة مع الكراهة, والثاني لا تصح , هكذا ذكر الجمهور الخلاف في المسألة الأخيرة قولين كما ذكره المصنف هنا , ممن ذكرهما قولين الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي والشيخ أبو علي البندنيجي وصاحب الشامل وخلائق من العراقيين , ومعظم الخراسانيين ونقلهما جماعة وجهين منهم المصنف في التنبيه وصاحب الحاوي قال في الحاوي : القول بالصحة هو قول ابن أبي هريرة وبالبطلان قول أبي إسحاق والصواب طريقة من قال : قولان, قال صاحب الشامل: قال في الأم : لا تصح , وقال في الإملاء : تصح واتفق الأصحاب على أن الأصح الصحة وبه قطع الجرجاني في التحرير
قال أصحابنا : ويكره أن يصلي إلى القبر هكذا قالوا يكره , ولو قيل : يحرم لحديث أبي مرثد وغيره مما سبق لم يبعد, قال صاحب التتمة : وأما الصلاة عند رأس قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوجها إليه فحرام .
وقال النووي في المجموع 3/166 ( فرع ) في مذاهب العلماء في الصلاة في المقبرة :
- قد ذكرنا مذهبنا فيها , وأنها ثلاثة أقسام , قال ابن المنذر روينا عن علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي أنهم كرهوا الصلاة في المقبرة
- ولم يكرها أبو هريرة وواثلة بن الأسقع والحسن البصري
- وعن مالك روايتان أشهرهما لا يكره ما لم يعلم نجاستها
- وقال أحمد: الصلاة فيها حرام , وفي صحتها روايتان وإن تحقق طهارتها
- ونقل صاحب الحاوي عن داود أنه قال : تصح الصلاة وإن تحقق نبشها)اه
وفي المجموع أيضا 5/280: ( اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره , لعموم الأحاديث
قال الشافعي والأصحاب : وتكره الصلاة إلى القبور , سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام أبو الحسن الزعفراني رحمه الله : ولا يصلى إلى قبره , ولا عنده تبركا به وإعظاما له للأحاديث والله أعلم ) اه
وفي فتح المعين للمليباري 2/360 في شروط صحة النذر : ( وخرج بالقربة المعصية كصوم أيام التشريق وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه فلا ينعقدان, وكالمعصية المكروه كالصلاة عند القبر والنذر لأحد أبويه أو أولاده فقط ) اه ونحوه في حاشية الشرواني على التحفة 10/79
وقال الحافظ في الفتح 1/524 : ( قوله: (وما يكره من الصلاة في القبور) يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعا: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها) قلت: وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه اثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة ) اه
وقال الحافظ أيضا 1/529 : ( استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة…
قال بن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور, قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك)اه

الفرع الرابع
من أقوال الحنابلة
في المغني لابن قدامة 1/403: ( اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الصلاة في هذه المواضع, فروي أن الصلاة لا تصح فيها بحال .وممن روي عنه أنه كره الصلاة في المقبرة علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر ...
وعن أحمد رواية أخرى أن الصلاة في هذه صحيحة ما لم تكن نجسة . وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي; لقوله عليه السلام (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وفي لفظ (فحيثما أدركتك الصلاة فصل , فإنه مسجد) . وفي لفظ (أينما أدركتك الصلاة فصل , فإنه مسجد) متفق عليها ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه كالصحراء...
وقال بعض أصحابنا :إن كان المصلي عالما بالنهي في هذه المواضع , لم تصح صلاته فيها ; لأنه عاص بصلاته فيها , والمعصية لا تكون قربة ولا طاعة, وإن لم يكن عالما فهل تصح صلاته ؟ على روايتين :إحداهما : لا تصح لأنه صلى فيما لا تصح الصلاة فيه مع العلم , فلا تصح مع الجهل , كالصلاة في محل نجس .والثانية : تصح لأنه معذور)اه
وفي المغني لابن قدامة 1/405: (فصل : قال القاضي :المنع من هذه المواضع تعبد لا لعلة معقولة , فعلى هذا يتناول النهي كل ما وقع عليه الاسم فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة , وما تقلبت أتربتها أو لم تتقلب ; لتناول الاسم لها
فإن كان في الموضع قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنها لا يتناولها اسم المقبرة, وإن نقلت القبور منها , جازت الصلاة فيها; لأن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت فيه قبور المشركين , فنبشت متفق عليه ...
ويحتمل أن المنع في هذه المواضع معلل بأنها مظان للنجاسات, فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه صديد الموتى ودماؤهم ولحومهم, ومعاطن الإبل يبال فيها ...فنهي عن الصلاة فيها لذلك وتعلق الحكم بها وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة فيها , ومتى أمكن تعليل الحكم تعين تعليله , وكان أولى من قهر التعبد ومرارة التحكم)اه
وفي المغني لابن قدامة 1/406: (فصل : ويكره أن يصلي إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سئل عن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش ؟ قال : لا ينبغي أن يكون في القبلة قبر , ولا حش ولا حمام , فإن كان يجزئه
وقال أبو بكر : يتوجه في الإعادة قولان ; أحدهما : يعيد ; لموضع النهي , وبه أقول والثاني : يصح ; لأنه لم يصل في شيء من المواضع المنهي عنها .
وقال أبو عبد الله بن حامد : إن صلى إلى المقبرة والحش فحكمه حكم المصلي فيهما إذا لم يكن بينه وبينهما حائل ; لما روى أبو مرثد الغنوي , أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : { لا تصلوا إلى القبور , ولا تجلسوا إليها } . متفق عليه .وقال الأثرم : ذكر أحمد حديث أبي مرثد , ثم قال : إسناده جيد .
وقال أنس : رآني عمر , وأنا أصلي إلى قبر , فجعل يشير إلي : القبر , القبر .قال القاضي : وفي هذا تنبيه على نظائره من المواضع التي نهي عن الصلاة فيها .
والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرة ; لأن قوله عليه الصلاة والسلام { جعلت الأرض مسجدا } يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته , وقياس ذلك على الصلاة إلى المقبرة لا يصح لأن النهي إن كان تعبدا غير معقول المعنى امتنع تعديته ودخول القياس فيه , وإن كان لمعنى مختص بها , وهو اتخاذ القبور مسجدا , والتشبه بمن يعظمها ويصلي إليها , فلا يتعداها الحكم ; لعدم وجود المعنى في غيرها... فعلى هذا لا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها, ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه , والله أعلم)اه
وفي الفروع لابن مفلح 2/214: ( ويحرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها, وبنيها ذكره بعضهم, وقال شيخنا: يتعين إزالتها لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين
قال: ولا تصح الصلاة فيها على ظاهر المذهب للنهي واللعن وليس فيها خلاف لكون المدفون فيها واحدا وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهي عن الصلاة عند القبر الفذ على وجهين) اه
وفي الإنصاف للمرداوي 1/493 : (الثانية : إن بنى المسجد بمقبرة : فالصلاة فيه كالصلاة في المقبرة وإن حدثت القبور بعده حوله أو في قبلته ، فالصلاة فيه كالصلاة في المقبرة على ما يأتي قريبا. هذا هو الصحيح من المذهب قال في الفروع : ويتوجه تصح يعنى مطلقا ، وهو ظاهر كلام جماعة, قلت : وهو الصواب .
وقال الآمدي : لا فرق بين المسجد القديم والحديث . وقال في الهدى : لو وضع القبر والمسجد معا لم يجز ، ولم يصح الوقف ولا صلاة, وقال ابن عقيل في الفصول : إن بنى فيها مسجد بعد أن انقلبت أرضها بالدفن : لم تجز الصلاة فيه . لأنه بنى في أرض الظاهر نجاستها . كالبقعة النجسة وإن بنى في ساحة طاهرة ، وجعلت الساحة مقبرة جازت لأنه في جوار مقبرة)اه
وفي الإنصاف للمرداوي 1/493 : (قوله: (وتصح الصلاة إليها) هذا المذهب مطلقا مع الكراهة. نص عليه في رواية أبي طالب وغيره . وعليه الجمهور . وجزم به في الوجيز ، والإفادات ، وقدمه في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والفروع ، وابن تميم ، والحاويين ، والفائق ، وإدراك الغاية ، وغيرهم .
وقيل : لا تصح إليها مطلقا . وقيل : لا تصح الصلاة إلى المقبرة فقط . واختاره المصنف ، والمجد وصاحب النظم ، والفائق . وقال في الفروع : وهو أظهر . وعنه لا تصح إلى المقبرة والحش . اختاره ابن حامد ، والشيخ تقي الدين . وجزم به في المنور . وقيل : لا تصح إلى المقبرة ، والحش ، والحمام . وعنه لا يصلى إلى قبر أو حش أو حمام أو طريق . قاله ابن تميم . قال أبو بكر : فإن فعل ففي الإعادة قولان . قال القاضي : ويقاس على ذلك سائر موضع النهى إذا صلى إليها إلا الكعبة
تنبيه : محل الخلاف إذا لم يكن حائل فإن كان بين المصلى وبين ذلك حائل ، ولو كمؤخرة الرحل صحت الصلاة على الصحيح من المذهب . وقدمه في الفروع وغيره . وجزم به في الفائق وغيره .
قال في الفروع: وظاهره أنه ليس كسترة صلاة ، حتى يكفي الخط . بل كسترة المتخلى. قال: ويتوجه أن مرادهم لا يضر بعدٌ كثير عرفا، كما لا أثر له في مار أمام المصلى .
وعنه لا يكفي حائط المسجد. نص عليه . وجزم به المجد ، وابن تميم ، والناظم ، وغيرهم . وقدمه في الرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم . لكراهة السلف الصلاة في مسجد قبلته حش وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلى ، واستحسنه صاحب التلخيص . وعن أحمد نحوه .
قال ابن عقيل : يبين صحة تأويلي لو كان الحائل كآخرة الرحل : لم تبطل الصلاة بمرور الكلب . ولو كانت النجاسة في القبلة كهي تحت القدم لبطلت . لأن نجاسة الكلب آكد من نجاسة الخلاء ، لغسلها بالتراب قال في الفروع : فيلزمه أن يقول بالخط هنا . ولا وجه له وعدمه يدل على الفرق.
فائدة : لو غيرت مواضع النهى بما يزيل اسمها كجعل الحمام دارا ونبش المقبرة ونحو ذلك : صحت الصلاة فيها ، على الصحيح من المذهب. وحكى قولا : لا تصح الصلاة . قلت: وهو بعيد جدا)اه
وفي الفتاوي الكبرى لابن تيمية 5/326 ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها ، والنهي عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك ، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة ، لأنه لا يتناول اسم المقبرة ، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا . وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق ، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور ، وهو الصواب ، والمقبرة كل ما قبر فيه . لا أنه جمع قبر .
وقال أصحابنا : وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه, فهذا يعين أن المنع يكون متناولاً لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه ، وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه ، أي المسجد الذي قبلته إلى القبر ، حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر)اه

المبحث الثاني
الأدلة
أولا : أدلة الجمهور

أدلة الجمهور هي :
1-حديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا :
وهو الصحيحين عن جابر رضي الله عنه وله شواهد كثيرة قالوا: فهو عام وقد جاء على سبيل الامتنان فلا يصح تخصيصه, وقالوا إن النهي عن الصلاة في المقبرة الوارد في بعض الأحاديث - إن صحت - فهو للكراهة لا التحريم بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على كثير من الأموات على قبورهم وكذا صلى عند قبر أمه ركعتين كما في صحيح ابن حبان 12/212 حيث قال : (أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر قال حدثنا عبد الرحمن بن عمرو البجلي قال حدثنا زهير بن معاوية عن زبيد الإيامي عن محارب بن دثار عن بن بريدة عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب فصلى بنا ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان فقام إليه عمر ففداه بالأب والأم وقال: مالك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إني استأذنت في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيني رحمة لها من النار) اه ورواه أحمد 5/355 والبيهقي 4/76 قال الالباني في الإرواء : 3/224 :وإسناده صحيح على شرط مسلم) اه
وقال ابن حبان 3/261: ( أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال حدثنا أحمد بن عيسى المصري قال حدثنا بن وهب قال حدثنا بن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع عن بن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوما فخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فجلس إليه فناجاه طويلا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باكيا فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثم أقبل علينا فتلقاه عمر رضوان الله عليه وقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله؟ فقد أبكيتنا وأفزعتنا فأخذ بيد عمر ثم أقبل علينا فقال: أفزعكم بكائي؟ قلنا: نعم فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب وإني سألت ربي الاستغفار لها فلم يأذن لي فنزل علي ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة فذلك الذي أبكاني ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة ) اه

كما حكى صلى الله عليه وآله وسلم صلاة بعض الناس عند القبور مستحسنا ففي منتخب عبد بن حميد 1/349 :(حدثني بن أبي شيبة ثنا وكيع عن الربيع بن سعد عن بن سابط عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم الأعاجيب, ثم أنشأ يحدث قال : خرجت طائفة منهم فأتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا لو صلينا ركعتين فدعونا الله عز وجل يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت
قال ففعلوا فبينا هم كذلك إذ طلع رجل رأسه من قبر بن عينيه أثر السجود فقال يا هؤلاء ما أردتم إلي فوالله لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن فادعوا الله أن يعيدني كما كنت ) اه وذكره الديلمي في فردوسه 2/193
2-أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون عند القبور :
كما ورد عن فاطمة رضي الله عنها ففي المستدرك 3/30: ( عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أباه علي بن الحسين حدثه عن أبيه :أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة بن عبد المطلب في الأيام فتصلي وتبكي عنده ) اه
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, لكن قال الذهبي في التلخيص: سليمان بن داود مدني تكلم فيه
وفي موارد الضمآن 1/485 : ( أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج مروان بن الحكم فقال تصلي إلى قبره فقال إني أحبه, فقال له قولا قبيحا, ثم أدبر فانصرف أسامة بن زيد فقال له: يا مروان إنك آذيتني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله يبغض الفاحش المتفحش وإنك فاحش متفحش ) اه وقال المحقق اسناده صحيح
ورواه المقدسي في الأحاديث المختارة 4/105 : ( أخبرنا عبد الله بن محمد اللفتواني بأصبهان أن الحسن بن عبد الملك الأديب أخبرهم قراءة عليه أنا عبد الرحمن بن أحمد المقرئ أنا جعفر بن عبد الله أنا محمد بن هارون نا محمد بن بشار وابن المثنى قالا نا وهب بن جرير نا أبي قال سمعت مع محمد بن إسحاق يحدث عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله قال رأيت أسامة بن زيد مضطجعا على باب حجرة عائشة رافعا عقيرته يتغنى ورأيته يصلي عند قبر النبي... ) اه وقال المحقق: اسناده حسن
وفي تاريخ الطبري 5/583 : ( قال أبو مخنف : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق ، قال : لما انتهى سليمان بن صرد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة : يا رب إنا قد خذلنا ابن بنت نبينا ، فاغفر لنا ما مضى منا ، وتب علينا أنت التواب الرحيم ، وارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين ، وإنا نشهدك يا رب أنا على مثل ما قتلوا عليه ، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
قال : فأقاموا عنده يوما وليلة يصلون عليه ويبكون ويتضرعون ، فما أنفك الناس من يومهم ذلك يترحمون عليه وعلى أصحابه ، حتى صلوا الغداة من الغد عند قبره . وزادهم حنقا .
ثم ركبوا ، فأمر سليمان الناس بالمسير ، فجعل الرجل لا يمضي حتى يأنى قبر الحسين فيقوم عليه ، فيترحم عليه ، ويستغفر له قال : فو الله لرأيهم ازدحموا على قبره أكثر من ازدخام الناس على الحجر)اه
وفي صحيح البخاري 1/165  باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, وما يكره من الصلاة في القبور ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة) اه
قال الحافظ في الفتح : 1/524 :(وقوله ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف)اه
وقال في الفتح أيضا 1/533 :(وإيراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمة ليست للتحريم لعموم قوله: جعلت لي الأرض مسجدا أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود أو يصلح أن يبني فيه مكان للصلاة, ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم وعموم حديث جابر مخصوص بها والأول أولى لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه
ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لأن التنجس وصف طارئ والاعتبار بما قبل ذلك ) اه
والصحابة رضوان الله عليهم هم أدرى بمراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ عليش في فتح العلي المالك 1/52: (نقل صاحب المدخل عن ابن بطال : أن العلماء قالوا : الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحتاج فيها إلى معرفة تلقي الصحابة كيف تلقوها من صاحب الشريعة صلى الله عليه و سلم فإنهم أعرف بالمقال وأقعد بالحال) اه
3-أن السلف كان يحصل ذلك منهم بلا نكير :
ففي الروح لابن القيم ص 11  قال يزيد بن هارون : أخبرنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، أن ابن ساس خرج في جنازة في يوم وعليه ثياب خفاف، فانتهى إلى قبر ، قال فصليت ركعتين ثم اتكأت عليه ، فوالله إن قلبي ليقظان إذ سمعت صوتا من القبر : إليك عني لا تؤذني فإنكم قوم تعملون ولا تعلمون ونحن قوم نعلم ولا نعمل ، ولأن يكون لي مثل ركعتيك أحب إلي من كذا وكذا . فهذا قد علم باتكاء الرجل على القبر وبصلاته
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني الحسين بن علي العجلي ، حدثنا محمد بن الصلت ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ثابت بن سليم ، حدثنا أبو قلابة قال : أقبلت من الشام إلى البصرة ، فنزلت منزلا ، فتطهرت ، وصليت ركعتين بليل ، ثم وضعت رأسي على قبر ، فنمت ، ثم انتبهت فإذا صاحب القبر يشتكيني يقول : قد آذيتني منذ الليلة ، ثم قال : إنكم تعملون ولا تعلمون ، ونحن نعلم ولا نقدر على العمل ، ثم قال : الركعتان اللتان ركعتهما خير من الدنيا وما فيها ، ثم قال : جزى الله أهل الدنيا خيرا ، أقرئهم منا السلام ، فإنه يدخل علينا من دعائهم نور أمثال الجبال)اه
وفي شعب البيهقي 7/19  أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو عبد الله الصفار نا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني الحسين بن علي العجلي نا عبد الله بن نمير نا مالك بن مغول عن ابن منصور عن زيد بن وهب قال : : خرجت إلى الجبانة فجلست فيها فإذا رجل قد جاء إلى قبر فسواه ثم تحول إلى مجلس فقلت له ما هذا القبر ؟ قال : أخ لي مات . فقلت : أخ لك ؟ فقال : أخ لي في الله رأيته فيما يرى النائم فقلت فلان عشت الحمد لله رب العالمين قال : قد قلتها لأن أقدر على أن أقولها أحب إلي من الدنيا وما فيها ثم قال : ألم تر حيث كانوا يدفنوني فإن فلانا قام فصلى ركعتين لأن أكون أقدر على أن أصليهما أحب إلي من الدنيا وما فيها ) اه وهو في حلية الأولياء 4/171
وفي شعب البيهقي أيضا 7/298  أخبرنا أبو سعيد بن عمرو أنا أبو عبد الله الصفار نا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني أبو بكر التيمي نا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني حميد الطويل عن مطرف بن عبد الله الجرشي قال : شهدت جنازة ثم اعتزلت من ناحية قريبا من قبر فركعت ركعتين خففتهما لم أرض إنفاقهما قال : فنعست فرأيت صاحب القبر يكلمني فقال : ركعت ركعتين لم ترض إنفاقهما . فقلت : قد كان ذلك . قال : تعلمون ولا تعلمون ولا تستطيع أن تعمل لأن أكون ركعت مثل ركعتيك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها . فقلت : من هاهنا ؟ فقال : كلهم مسلم وكلهم قد أصاب خيرا . فقلت : من هاهنا أفضل ؟ فأشار إلى القبر فقلت في نفسي : اللهم ربنا أخرجه إلي فأكلمه قال : فخرج من قبره فتى شاب . فقلت : أنت أفضل من هاهنا ؟ قال : قد قالوا ذلك . قلت : فبأي شيء نلت ذلك فوالله ما أرى لك تلك السن فأقول نلت ذلك بطول الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله عز وجل والعمل . قال : ابتليت بالمصائب فرزقت الصبر عليها فبذلك فضلتهم ) اه .وهو في تاريخ ابن عساكر 58/330

ثانيا :
أدلة المالكية

وأما أدلة المالكية فهي :
1-حديث ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) :
وضعفوا الأحاديث التي تمنع من ذلك أو قالوا هي منسوخة قال ابن عبد البر في التمهيد 1/168 عن حديث جعلت لي الأرض :(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اولئك قوم اذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله
قال أبو عمر : هذا يحرم على المسلمين ان يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد وقد احتج من لم ير الصلاة في المقبرة ولم يجزها بهذا الحديث وبقوله: ان شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم : صلوا في بيوتكم ولا تجعلها قبورا وهذا الاثار قد عارضها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا
و تلك فضيلة خص بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز عند أهل العلم في فضائله النسخ ولا الخصوص ولا الاستثناء وذلك في غير فضائله ، إذا كان أمرا أو نهيا، أو في معنى الأمر والنهي, وبهذا يستبين أن الناسخ منها هو قوله صلى الله عليه و سلم جعلت لي الأرض مسجدا طهورا ) اه
وقال في التمهيد 5/221 عن حديث إلا المقبرة والحمام :(فلو صح لكان معناه أن يكون متقدما لقوله: جعلت لي الأرض كلها مسجدا طهورا ويكون هذا القول متأخرا عنه ، فيكون زيادة فيما فضله الله به صلى الله عليه وآله وسلم ) اه
ومما يقوي القول بالنسخ أن حديث جعلت لي الأرض... كان في غزوة تبوك ففي فتح الباري 1/436  قوله: (أعطيت خمسا..) بين في رواية عمرو بن شعيب أن ذلك كان في غزوة تبوك وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) اه
2-أن موضع مسجد النبي صلى الله عليه وآله سلم كان مقبرة للمشركين فنبشها وبنى المسجد عليها

ثالثا:
أدلة الحنابلة :

أدلة الحنابلة هي :
1-حديث إلا المقبرة والحمام :
ففي سنن الترمذي 2/131  عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )
لكن هذا الحديث فيه كلام قال أبو عيسى الترمذي بعد روايته :(وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وجابر وبن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر قالوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا قال أبو عيسى : حديث أبي سعيد قد روي عن عبد العزيز بن محمد روايتين منهم من ذكره عن أبي سعيد ومنهم من لم يذكره وهذا حديث فيه اضطراب ) اه
وفي سنن الدارمي 1/375 :(عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام, قيل لأبي محمد [ الدارمي ]: تجزئ الصلاة في المقبرة ؟ قال : إذا لم تكن على القبر فنعم وقال : الحديث كلهم أرسلوه)اه
وقد ذكر الحافظ في التلخيص 1/277 طائفة ممن تكلموا في الحديث وهم :
- الدارقطني في العلل فقال: المرسل المحفوظ
- وقال الشافعي : وجدته عندي عن بن عيينة موصولا ومرسلا
- ورجح البيهقي المرسل أيضا
- وقال النووي في الخلاصة : هو ضعيف
- وأفحش بن دحية فقال في كتاب التنوير له : هذا لا يصح من طريق من الطرق
- وقال ابن عبد البر في التمهيد 5/220 : وفي إسناد هذا الخبر من الضعف ما يمنع الاحتجاج به.
2-حديث نهى عن الصلاة في سبعة مواطن :
عن ابن عمر رضي الله عنهما  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يصلي في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله ) رواه الترمذي 2/177 وابن ماجه 1/246
وقال الترمذي بعد إخراجه :حديث ابن عمر ليس بذلك القوي ، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه , وقال الزيلعي في نصب الراية 2/323 : اتفق الناس على ضعفه, وقال ابن عبد البر في التمهيد 5/226  الحديث منكر ، لا يجوز أن يحتج عند أهل العلم بمثله )اه
3-حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
( نهاني حبّي صلى الله عليه و سلم أن أصلي في المقبرة ، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ) رواه أبو داود 1/132 والبيهقي 2/451
قال ابن عبد البر : هذا إسناد ضعيف مجمع على ضعفه ، وهو مع هذا منقطع غير متصل بعلي رضي الله عنه, وقال العيني : قال ابن القطان : هو حديث واه وقال البيهقي في المعرفة : إسناده غير قوي, وقال الخطابي رحمه الله : في إسناد هذا الحديث مقال ... وقد عارضه ما هو أصح منه ، وهو قوله صلى الله عليه و سلم : (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) اه انظر عون المعبود 1/183
4-أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد فمنها :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : في مرضه الذي مات فيه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا قالت ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مساجد ) رواه البخاري 1/446 ومسلم 1/376
5-حديث ولا تصلوا إليها :
فعن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) رواه مسلم 2/668
6-حديث لا تجعلوا بويتكم قبورا :
فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) رواه أبو داود 2/218

هذا هو آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
اليمن - صنعاء
ذو الحجة / 1427 هـ

ربما تحتوي الصورة على: ‏نص مفاده '‏حكم الصلاة في المقبرة؟! وفي مسجد فيه قبر؟! دراسة فقهية مقارنة‏'‏

التيار المدخلي وقائمة بأهم الردود على مرتكزاته الفكرية

في الجزء الأول تناولنا سياق نشأة التيار المدخلي وصراعه مع التيار الصحوي، وكيف استفاد حكام السعودية من ظهور التيار وفتاواه بإباحة الاستعانة بالمشركين وإدخالهم لجزيرة العرب، كما تعرفنا على أبرز رموزه، وما يقوم عليه التيار المدخلي من مرتكزات فكرية، وتمركزهم الجغرافي كذا نشاطهم الإعلامي.

ثم طالعنا في الجزء الثاني خطر المداخلة كأداة بيد السلط في تخطٍ واضح لدور التيار في المجال الديني إلى ما هو دونه من الأدوار الأمنية والمخابراتية وحمل السلاح وقتال بل واغتيال قادة العمل الإسلامي، إلا إن هذا الخطر لا يقل عما يشكله التيار المدخلي من تهديد في الساحة الدينية إذْ يُصدرون الفتاوى التي تطوع الناس لكل حاكم، لذا فحديثنا هنا في الجزء الثالث والأخير خصَّصناه لبسط أقوال أهل العلم في التيار المدخلي وثوابته ثم ننطلق للرد على ما يثيرونه من شبهات وفتاوى.

أقوال أهل العلم في مذهب وأصول التيار المدخلي

وحيال ما آل إليه التيار المدخلي صرَّح كثير من كبار العلماء الذين عاصروهم بموقفهم من المذهب المدخلي، بل وحقيقة نسبته إلى السلفية، ودعوى أنهم وحدهم من يمثلون السلفية، في حين أن السلفية ما هي إلا منهج ورؤية تقوم على الاجتهاد لمن هو أهل له، لمعرفة مقصود الشارع بحسب ما كان عليه السلف الصالح، بتطبيق ذات الطريقة التي كان يتبعها الصحابة والتابعين من بعدهم، وما سار عليه أئمتنا الكرام. لذا فمن اجتهد في سلوك طريقهم فهو سلفي أيًّا ما كانت الجماعة التي ينتمي إليها.

وهذا رأي الشيخ محمد المنجد في التيار المدخلي ورؤيته لخطر المداخلة على الإسلام حيث يدَّعون السلفية وهم يقعون في الكثير مما يخالف منهج السلف، وانعكاس ذلك على الناس، إذْ ينسبون هذه الكوارث التي وقعوا فيها للمنهج السلفي.

وهذا رأي الشيخ عبد العزيز الطريفي في طاعتهم العمياء لولي الأمر والمغالاة في هذا الباب

وهذا رد العلامة الفوزان على دعوى أن المداخلة هم حاملي راية الجرح والتعديل، بأن الجرح والتعديل في الإسناد وفي علم الحديث، وهذا أهله ماتوا. ولا يوجد أحدٌ فيما يعلم الشيخ من علماء الجرح والتَّعديل، وأضاف أن من يدّعي أنه حامل لراية الجرح والتعديل قد يكون من علماء الغيبة والنَّميمة. فهذا موجود ممن يجرِّح النَّاس ويغتاب النَّاس، هذا ما هو بالجرح والتعديل!

كما وصف الشيخ الفوزان كلام ربيع المدخلي بالكذب بالرغم من ذكر اسمه صريحًا

وبخصوص منع المظاهرات ومنع الخروج على الحكام الكفرة بدعوى عدم القدرة أو مخافة الهلاك، فيقول الشيخ اللحيدان-الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء السعودي-بأنه يرى في مذهب مالك: «أنه يجوز قتل الثلث ليسعد الثلثان، فلن يقتل من سوريا ثلثها إن شاء الله.»

قال الشيخ نبيل العوضي «هذه جماعة تهدف إلى شق صف المسلمين، وبذر الفتنة بينهم». ويردّ على دعواهم برمي مخالفيهم بأنهم من الخوارج، وتوضيح ما يستند إليه منهجهم.»

وهذا قول الشيخ الحويني فيهم وبيان خطأ طريقتهم في الحكم على العلماء، بل ويوضح الخطر الذي يمثلونه على المسلمين الجدد في أوروبا

وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-عن شريط لداعية يدعو إلى التحذير من سماع أشرطة الدعاة أمثال الشيخ سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهم بدعوى أنهم أصحاب بدعة وضلال وأنهم أضل من مبتدعة العصور الماضية. فردّ الشيخ بالآتي: «هذا غلط فلا ينبغي أن يسمع هذا الشريط، ينبغي أن يتلف، مثل هذا لا ينبغي أن يسمع له، ولا يتكلم فيه ولا ينشر عنه، نسأ الله العافية، الله يهدي الجميع».[1]

وهنا رأي مجموعة من أهل العلم في منهج التيار المدخلي وتبديعهم وتفسيقهم للعلماء وشدة المغالاة في تتبع زلات كل عالم والادعاء أنّ هذه الزلات هي الأصل، وترك كل منهج العالِم أمام زلة لا يخلُ منها بشر.

د. محمد موسى الشريف وتوضيح الجرم الذي ارتكبه التيار المدخلي في حق الأمّة

ثم هو هنا يشرح انحرافات التيار المدخلي والرد على زعمهم منع الخروج على بن علي في تونس ووصفهم لما حدث في تونس بأنه حرام وخروج على ولي أمر.

أما الشيخ نادر العمراني الذي لم ينجُ من سلاحهم، يوضح انحراف التيار المدخلي وقتالهم إلى جانب قوات حفتر، وكتيبة التوحيد

قائمة بردود العلماء الكبار على غلاة التجريح

الشيخ سلمان العودة يفند أخطاء الذين نصَّبوا أنفسهم قضاة على عقائد الناس

كلام جميل للشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان عن الجامية وتوضيح أنّ هذا الذي فعلوا هو من بلايا الأمّة

دفاع الشيخ بن عثيمين عن الشيخ سفر الحوالي ضد هجوم الجامية

الشيخ عبدالله بن جبرين (عضو هيئة كبار العلماء) رحمه الله يُعرّف المداخلة

وهنا تجد تَحذِيــر (عبد الله بن جبرين؛ بكر بن عبد الله أبو زيد ؛ عبد الله بن قعود ؛ عبد المحسن العباد؛ عبد العزيز آل شيخ؛ صالح العبود؛ صالح الفوزان؛ صالح السدلان؛ صـالح آل شيخ؛ عبد العزيز الـراجحي؛ عبد الكريم الخضير؛ عبد القادر شيبة الحمد؛ عبد الله الغديان؛ عبد الله الغنيمان؛ عبد الرحمن البراك؛ عبد الله الجربوع ؛ سعد الشثري؛ عبد الله المطلق؛ عبد الرحمن السديس؛ صالح اللحيدان؛ اللجنة الدائمة للإفتاء) مِن مَنْهَج ربيـع المدخلي

الرد على أساس مذهبهم

فلقد وقع التيار المدخلي في إشكالية عظيمة عندما أطلقوا الولاء للحاكم بلا قيد، وتبرَّأوا من كل من خالف منهجهم، ثم هم لا يرون حرجًا في الاستعانة بغير المسلمين على قتال المسلمين، بل ويُصرِّحون بذلك بلا أي مواراة وتمتلئ أدبياتهم بتلك الأطروحة. فبهتت لديهم قضية الولاء والبراء، ناهيك عن تفريطهم في قضايا مصيرية مثل قضية الصلح مع اليهود، بل والهجوم الضاري على مَن لا يرى جواز الصلح أو الاستعانة بالمشركين!

تحريم الخروج على أي حاكم

يجيب ربيع بن هادي المدخلي على سؤال حول الخروج على الحاكم الفاسق، فيقول: «الخروج على الحاكم المسلم لا يجوز بحال من الأحوال».

فيما يرى سعيد رسلان أن الخروج على الحاكم وإن كان كافرًا فهو أيضًا غير جائز بدعوى الاستضعاف وعدم التمكين. فيقول مُتهكِّمًا: «أم تريدون أن تخرجوا عليه بسكين المطبخ وعصا الراعي!»

وللرد على هذا يجب أولًا التفريق بين الحال التي يكون عليها الحاكم، فالحاكم: إما أن يكون مُسلمًا وإما أن يكون كافرًا سواء أكان كفرًا أصليًا أم طرأ عليه كفر عندنا فيه من الله بُرهان.

والحاكم المسلم: إما أن يكون مُقسطًا قائمًا بدين الله مُدافعًا عن حدوده مُجتنبًا نواهيه، وإما أن يكون ظالمًا، ظُلمًا لا يُخرجه من دائرة الإسلام.

أولًا: الحاكم المسلم القائم بدين الله

وهذا لا خلاف شرعًا ولا عقلًا في تحريم الخروج عليه، بل وقتال من نازعه الأمر. فعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم.

ويخرج عن هذا من عانى نقص الكفاءة بعجز عقلي، فيطرأ عليه ما يمنعه من أداء وظائف الإمامة: كالجنون، أو العمى، أو الصـمم أو البكم، أو صيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه، وهذا ما ينحل به عقد الإمامـة؛ فينعـزل الإمام في هذه الصور جميعًا.

ثانيًا: الحاكم الكافر

وفيه قد جاء إجماع الأئمة على الخروج عليه وعدم طاعته على ما نقله ابن المنذر والقاضي عياض والنووي وابن حجر، إذْ لا يجب أن يكون لكافرٍ سبيلًا على المؤمنين، كما أمرنا الله بطاعة أولي الأمر منّا، وهذا الحاكم الكافر ما هو منا ولا نحن منه.

ففي صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «دعانا رسـول صـلى الله عليـه وسلم فبايعناه فكان مما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسـرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله، قال صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه مـن الله برهان»»

فنقل الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم عند شرح هذا الحديث عن القاضي عياض الإجمـاع علـى الخروج على الحاكم إن كفر. فقال: «قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقـد لكـافر. وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل. وقال وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها. قال القاضي عياض: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسـلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك. فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلـع الكافر ولا يجب فى المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحقق العجز لم يجب القيام ويهاجر المسلم عـن أرضه ويفر بدينه.»[2]

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري: «إنه -أي الإمام-ينعزل بالكفر إجماعًا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثـم، ومـن عجـز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض.»

وهذا إن كان الحاكم كافرًا كُفرًا أصليًا أم طرأ عليه كفر، فقد جاء في صحيح البخاري: (من بدل دينه فاقتلوه) وفي رواية عند الإمام أحمد وابن حبان (من رجع عن دينه فاقتلوه) فهذه الأحاديث تأمر بعدم طاعته وتأمر بالخروج عليه، وعزله وقتله ولو زعم أنه مسلم إذا ظهرت عليه علامات الكفر.

وهنا يجب أن نحدد ما هي العلامات التي تظهر على الحاكم فيُقال بكفره:

  1. ألا يحكم بما أنزل الله، لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
  2. ألا يرضى بالرجوع إلى الله ورسوله عند التنازع ويرضى بالأحكام الوضعية.
  3. موالاة اليهود والنصارى أو موالاة أي كافر أو مشرك.
  4. الردة عن الدين بمشاركة الكفار أو المشركين في طقوسهم الدينية فيفعل مثل فعلهم، أو يرتدي صليبًا أو يسجد لصنم أو يتهود.
  5. أن يترك الصلاة أو لا يدعو لإقامتها. لحديث عوف بن مالك-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)
  6. أن يُحلّ ما حرم الله ورسوله ويحرم ما أحل الله ورسوله، وهذا من القضايا المجمع عليها عند أئمة المسلمين، كإباحة الربا والخمر، وكاستحلال دم المسلمين بغير حق ولمجرد مخالفة ذلك الحاكم ونظامه. وكتحريم الجهاد بحجة أنه إرهاب، وتعطيل الحدود الشرعية بزعم عدم توافقها مع أتت به القوانين والحضارات الحديثة.

ثالثًا: الحاكم الجائر ولم يتعدى ذلك إلى الخروج عن دائرة الإسلام

وهنا يجب تحرير محل النزاع أولًا، إذْ أن الحديث هنا عن حاكم مسلم لم يتلبس بفعل من الأفعال الست السابق ذكرها، فهو مؤمن يقيم الشرع لا يوالي الكافرين ولا المُشركين ولم يترك إقامة الصلاة ولا الدعوة إليها، ولم يُحل حرامًا ولم يُحرّم حلالًا. ورغم هذا فالمسألة محل خلاف عريض بين العلماء والأئمة.

وهنا يجب أن يثبت المداخلة أولًا وجود حاكم في هذا الزمان لم يقع في فعل من هذه الأفعال الستّ لننتقل بعدها إلى محل النزاع.

وفي محل النزاع أقسام [3]

1- أن يُوجد منـه مـا يوجب اختلال أحوال المسلمين ، وانتكاس أمور الدين يقول الشريف الجرجاني في شرح المواقف (8/353): «وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه، مثل أن يوجد منـه مـا يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين…. وإن أدى خلعـه إلـى فتنـة احتمل أدنى المضرتين». فيمكن أيضًا أن يقع الخلاف في تعيين أدنى المضـرتين، فكـلٌ يعمل بما يراه فيما بينه وبين الله. فلا يجوز لواحد أن يلوم الآخر. وعلى مثل هذه الأمور الاجتهادية يحمل اختلاف الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الخروج على بعض الأئمة فـي زمنهم. أي أنّ الأمر مرتبط بتعيين أخف الضررين أهو في عزل هذا الإمام المسلم الذي وُجِد منـه مـا يوجب اختلال أحوال المسلمين، أو انتكاس أمور الدين، أم في الاكتفاء بالنصح له ووعظه وتذكيره بالله.

2- أن يرتكب فسقًا مقتصرًا على نفسه: وحكمه أنه لا ينعزل به بنفسه، ولكنه يستحق العزل، فعلى الأمة أن تعزله إلا أن تترتـب على العزل فتنة. قال في الدر المختار، باب الإمامة: (يكره تقليد الفاسق ويعـزل بـه إلا لفتنة) وقال ابن عابدين تحته: (قوله: ويعزل به، أي بالفسق لو طرأ عليه، المـراد أنـه يستحق العزل كما علمت آنفا، ولذا لم يقل ينعزل) .

3- أن يرتكب فسقًا يتعدى أثره إلى أموال غيره: بأن يظلم الناس فـي أمـوالهم، ولكنه  يتأوَّل في ذلك بما فيه شبهة الجواز، مثل أن يحمل الناس الجبايات متأولًا فيها بمصـالح العامة. وحكمه أنه لا ينعزل بذلك، وتجب طاعته، ولا يجوز به الخروج عليه.

4- أن يظلم الناس أموالهم، وليس له في ذلك تأويل، ولا شبهة جواز: وحكمـه أنـه يجوز للمظلوم أن يدفع عنه الظلم، ولو بقتال، ويجوز الصبر أيضا بل يؤجر عليـه، وهنا يجب التنبيه إلى أنَّ هذا القتال ليس للخروج عليه، بل للدفاع عن المال، فلو أمسك الإمام عن الظلم وجـب الإمساك عن القتال.

وهذا حكـم المظلـوم الذي يقاتل دفعًا للظلم عن نفسه. أما غيره فهل يجوز له أن ينصر هـذا المظلـوم ضـد الإمام؟ اختلفت فيه عبارات القوم، فذُكِر في فتح القدير أنه يجب على غيـر الظلـوم أن يُعين هذا المظلوم و المقاتل حتى ينصفه الإمام ويرجع عن جـوره، وذُكِـر فـي جـامع الفصولين والمبتغي والسراج أنه لا ينبغي للناس معاونة السلطان ولا معاونتهم. ووفـق ابن عابدين بين القولين بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه، وإلا فلا.

وأما كون الصبر أولى في هذه الحالة: فهو لحديث حذيفة ابن اليمان-رضي الله عنهما-أخبر فيه عن أئمة الجـور، وفيـه: (قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهـرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع)

وهنا دقيقة يجب الالتفات إليها إذْ أنّ المراد من قوله عليه السلام: (فاسمع وأطع) نهيه عن الخروج. وأما القتال لدفع الظلم فجوازه مبني على الأحاديث التي تبيح القتال عن النفس وعن المال. وتركه أولى استبراءً للدين من أن يكون خروجًا على حاكم مسلم.

5- أن يرتكب فسقًا متعديًا إلى دين الناس، فيكرههم على المعاصي، وحكمه حكم الإكراه، ويدخل هذا الإكراه في بعض الأحوال في الكفر حقيقـة أو حكمـا. وحينئذ يلحق هذا القسم بالكفر البواح، فيجوز الخروج بشرط قطعية الكفر، وأن يكـون صدوره منه قطعيًا كرؤية العين، ولا يكتفى في ذلك بالروايات الظنية.

انتقاص العلماء وسبّهم بدعوى منهج الجرح والتعديل

ويرتكز منهج المداخلة في الحكم على الناس على ركيزتين: الأولى: إبطال منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، فهم يرون أنّ الرد على المخالف يستوجب ذكر مساوئه فقط، ولا يجوز ذكر شيء من محاسنة، لأن هذا يستلزم التزكية له، والرفع من قدره ومنزلته، وهذا أمر لا يجوز. وفيه قد جاء في كتاب ربيع المدخلي: المحجة البيضاء في الذب عن السنة الغراء، بعدما ذكر ما يراه من مفاسد في منهج الموازنات: “وبهذا القول والتقرير يسقط المذهب المبتدع المختَرع: مذهب وجوب الموازنات بين الحسنات والسيئات”، وبهذا من ثبتت له سيئة مُحيت حسناته، ووجب تحذير الناس منه ومن منهجه.

النقطة الثانية: أن من حكم عليه رموز المنهج وبخاصة المدخلي، بأنه حزبي أو سروري أو قطبي أو ضال مارق أو من كلاب أهل النار؛ فقد وجبت فيه الكلمة ولا يجوز بحال من الأحوال التلقي عنه، أو مجرد مدحه ولو في جزئية معينة، كمدح أسلوبه أو تمكنه في فنه، أو غير ذلك… لأن ذلك يعتبر تزكية له.

وهنا سيتركز ردنا على ثلاث نقاط: 1- الرد على منعهم الموازنة بين الحسنات والسيئات. 2- آثار هذا الغلو على انتشار المنهج الإسلامي، وعلى عوام الناس وأخذهم من العلماء. 3- انتشار التباغض والتحاسد نتيجة الظلم في الحكم.

منهج الموازنة بين الحسنات والسيئات

قال الإمام مالك رحمه الله: «ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم».

لذا فكل إنسان معرّض للخطأ، والموقف في هذا إن ظهر من شخص خطأ فالواجب سماع حجته، فإن كان متأوِّلًا فيُردّ عليه بالدليل الصحيح، وما يبيّن خطأ تأويله، فإن تبيّن أن الحق معه وجب الإذعان إلى اجتهاده، وإن كان رأيه فيما يسع فيه الخلاف ولديه من الأدلة ما يدعمه، فكلٌ بحسب اجتهاده وما تراءى له، ولكن بعد النقاش فإن تبيّن خطأه وأصرَّ على رأيه، فحينها وجب التحذير من قوله لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز، لكن بدون الانتقاص من قدره ولا من علمه ولا مما صحّ فيه اجتهاده،  فكيف إن كان هذا الذي وقع في الخطأ عالمٌ من أهل الاجتهاد، ممن يُعتبر اجتهاده، ويُحتَجُّ بقوله؟!

يقول الشيخ ابن عثيمين في مسألة الموازنة بين الحسنات والسيئات: «لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعًا في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئًا واحدًا أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟! لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى.»[4]

انتشار التباغض والتحاسد نتيجة الظلم في الحكم

وماذا ستكون نتيجة الظلم ودحض الحق والغلو في التجريج، والرمي بأشنع الألفاظ وأكثرها قسوة، وترك كل المناقب والحسنات نتيجة سيئة أو خطأ، بل والافتراء وترك ما صححه المخالف والإصرار على أنّ هذا ما زال قوله الذي يأخذ به، واحتقاره لخطأ أو سيئة؛ سوى انتشار البغضاء والكُره والتدابر؟  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا-عباد الله-إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه، ولا يخذُله، ولا يكذِبه، ولا يحقِره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ-بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه». رواه مسلم.

بل إنّ هذا لربما يكون سببًا في الإفلاس يوم القيامة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال:” إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”.

ولهذا قد جاء في الحديث القدسي: “من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب”

آثار هذا الغلو على انتشار المنهج الإسلامي، وعلى عوام الناس وأخذهم من العلماء

وإذا أطلق هؤلاء ألسنتهم في العلماء بالغلو في الجرح، ففي مَن يثق العوام، ومِن أين يأخذ الناس فتواهم، وعن مَن يأخذون العلم، وفي مَن يثقون، ويأمنون على دينهم، ومَن يدلهم على الحلال والحرام، والخير والشر؟!

ومن تبعات هذا خلو الساحة من المتأهلين للفتوى وتصدّر أمور الناس؛ فيتصدر من ليس أهلًا لها… وهذا يكفي في بيان خطره حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»

فيقول ابن عثيمين-رحمه الله-مُستحضرًا توابع هذا الغلو والتشنيع والتجريح في العلماء: «وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرّح العالم فسيكون سبباً في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرّح العالم، لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحاً شخصياً بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جُرح.»

طرق مواجهة التيار المدخلي والتصدي له

ولإن كان التيار المدخلي يُصدِّر في كلماته ومواقفه ويزعم أنّ قولهم هذا هو أئمة السلف، فمن العقل والمنطق مواجهتهم في الميدان الذي نشطوا فيه وأوشكوا أن يُلبِّسوا على الناس دينهم فيه، ولَمِن أول ما يجب مراعاته في هذا هو تحذير الناس من اتِّباع الهوى وبيان آثاره على تصورات الإنسان ومعتقداته، ودوره في إحداث الفرقة بين المسلمين، وإضعاف صفّهم، فضلًا عن الحيد عن مراد الله.

كذلك الرّد العلمي المتين الموثّق على شبههم ودحض حججهم، ولا تُفرَّغ لهم ساحات العلم فيخلوا بالناس فيُسلِّمون لهم عقولهم ليزرعوا فيها منهجهم. وتفنيد مظاهر الغلو الذي اتبعوا وبيان آثاره ومقتضياته، وتحذير الناس من هذا المنهج ونشر أقوال أهل العلم ممن يثق الناس فيهم.

ثم نعمد إلى التحيزات الفكرية لأنصار التيار المدخلي فنُعالجها قبل الخوض في آثارها، والتشديد على بيان العدل مع المخالف. فيُقبَل الحقّ من قائله أيًّا ما كان، ما دام أثبت صحة قوله وأتى بصحيح الأدلة لتدعيمه. وإنه لمن العدل إثبات محاسن الخصم وعدم جحدها إذا تبيَّن صحتها وثبوتها عنهم، فإنه قد يجتمع في الشخص الواحد موجبات المدح وموجبات الذم.

وبعد محاججتهم وبيان خطأ منهجهم، وإقامة الحجة عليهم، فإن أبوا الرجوع إلى الجادّة واستمروا في منهجهم الذي أضعف صفّ المسلمين وأجمع الكثير من أهل العلم على خطأه وخطره، فحينها هَجْرٌ جميل، من باب العقوبات الشرعية. والهجر يكون بحسب الأحوال والأعمال.

ختامًا

إنّ هناك فارقًا بين طالب العلم المخالف وبين من حمل السلاح وأفضى إلى إراقة دمٍ حرام، لذا فمن الإنصاف التفريق بين هذا وذاك، وإن كنا بصدد الحديث عن مذهب وليس جماعة، فمن الإنصاف مراعاة من حرَّض على المسمين، ومن تلبَّس بدمٍ حرام، وقتل وشرَّد، لتعمده الوقوف في صفٍّ كل ذي سلطة، ومن خالف مظانة إصابة الحق.

فمن حرَّض وقتل فما هذا بمخالف شرعي، وإنما صائلٌ معتدٍ أوجب الإسلام قتاله ودفعه، مخافة الإفساد، وحفظًا للدماء والأنفس والأموال والأعراض، ومن كان مخالفًا في قول فحقه البيان والإيضاح وإقامة الحجة.

فلإن كان في مَن ينتسب إلى المسلمين مَن يُثني عليه بشخصه مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، ويوصي باستخدام منهجه في محاربة الأفكار المضادة للاحتلال والسيطرة الأمريكية، فإننا إذًا لسنا بصدد التعامل مع مخالف فكري، ولإن كانت كل الآراء والفتاوى مركزها تعظيم الحاكم، وصبغه بصبغة كهنوتية وأنه مؤيد من السماء، فإننا لسنا بصدد خلاف تأويلي، إذْ اختلفت مرجعية مصادرنا وأصول تفسيرها.

ولإن كان الطعن والتجريح في الدعاة والعاملين لنشر دين الله، منهجًا يُقام عليه الولاء داخل التيار المدخلي بقصد إفراغ الساحة الإسلامية من الدعاة العاملين وصدّهم عن قول الحق، وتعطيلهم عن المسير، والوشاية بالدعاة ممن يقولون الحق عند سلطان جائر-هذا إذا سلمنا بأنه فقط سلطان جائر-بل والتحريض على اعتقال هذا الذي لم يرتضي أن يسكت ويُقرّ باطلًا، وما يترتب عليه من توقيف كثير من الدعاة، وإغلاق كثير من الجمعيات الخيرية التي كان أهل الإسلام يستفيدون منها، من يتامى ودعاة وحفاظ للقرآن وتطويع الناس لحكوماتٍ يظهر للعيان ما تسببت فيه من ضرر للمسلمين، ومنافع لأعدائهم… فما هذا بقول عاقل، ولا يُنسب مثل هذا لمن أراد الخير لدعوته وأمته بحال من الأحوال!

ويبدو من خلال مسار التيار المدخلي عندما أُتِيح له التمدد في الساحة الليبية، أنه لم يتورع في مساندة أكبر طغاة العرب، بل وإعلان استقوائهم بالسلاح، واغتيال قادة الصف الإسلامي، ومفاخرتهم بإباحة الدماء، والاستبراء من المسلمين بزعم أنهم خوارج.

لذا فيظل خطر هؤلاء الحقيقي مرهونًا بمدى ترك الساحة لهم والسماح لهم بالتوسع. ومن هنا يمكننا القول إن إتاحة الفرصة لمثل هؤلاء-مؤيدي القتلة سفَّاكي الدماء-بالانتشار واجتذاب الناس إلى دعوتهم، لهو نذير بفتح المجال لطعن التيار الإسلامي من داخله، وإتاحة الفرصة لكل من أراد النيل من الأمّة الإسلامية أن يجد مُعاونًا ونصيرًا.

ولإن كان كبار علماء الأمّة ممن عاصروهم تبرَّأوا من منهجهم، وحذروا من عاقبته ومآله، ويقيمون المحاضرات في بيان فساد منهجهم؛ فلا يسعنا إلا اتباع خطوات صلاح الدين الأيوبي عندما أراد تنقية الصف الإسلامي من شوكة الفاطميين التي طعنت المسلمين في ظهورهم.

 

المصادر