الأحد، 3 فبراير 2019

حكم الغناء والموسيقى والرد على أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى !

مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى

من الملاحظ بأن أدلة من يرى التحريم تتصف بالتالي:

  1. خلو ما يستدلون به من التصريح بالتحريم؛ فكلها تأويلات وشروحات وتوضيحات تنم عن فهم من يرى بهذا الرأي وليس الشرع، كما سنبين بإذن الله. لو طالبت أياً منهم بأن يأتيك بلفظ "حرام" أو "حُرم عليكم" فلن يستطيع. هي يثبت فيها أنها صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة. ففي هذا الباب من التحريم جملة ضخمة من الأحاديث الواهية والموضوعة والضعيفة (سنذكر بعضها لاحقاً إن شاء الله). والصحيح منها، والذي سنذكره هنا، غير صريح، هو فهم من المنقول له.

  2. قلة عدد أدلة المحرمين بالمقارنة بما ذكرناه من الأدلة الثابتة والصحيحة في وجود ذلك في بيئة ومجتمع الأنبياء ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  3. تكرارها بنفس الأسلوب ومن نفس الأشخاص فهي تقريباً كلها تنسب لكتاب السماع لابن القيم - رحمه الله - ما زاد المتأخرون شيئاً جديداً بالمقارنة بأدلة المجوزين الذين يضيفون كل يوم معلومة مبهرة. فقط هذه المقالات شهدت عشرات من الناس يقولون بأنهم ولأول مرة يسمعون هذا الكلام أو الاستدلال، بينما كلام من يرى التحريم هو نفسه سمعه الكل ومن الكل وبنفس الأسلوب.

  4. كل الأدلة التي يستدل بها من يرون بالتحريم والتي سنذكرها قابلة للتأويل المعاكس، بينما ما ذكرناه من أدلة التحليل يستحيل أو يصعب فيها التأويل لغير ما ورد واضحاً بالجواز. ولهذا تلاحظ من يرى التحريم يفغل عن ذكرها لأنها واضحة الدلالة. بينما من يرون بحلية الغناء والموسيقى يظهرون أدلة المحرمين ويناقشونها، وهو بالضبط ما نفعله هنا في بحثنا.

  5. معظم من يرى التحريم منتمي لفكر، لم أقرأ لعالم أو شيخ غير منتمي يرى بالحرمة حتى الآن. وربما تكون هذه ملاحظة دقيقة فلاحظها، وقد تلمس فيهم بعض التعصب والشدة لفكرهم، كما أنهم يزكون أنفسهم دائماً، فيرون أنهم أفضل من الآخرين، وأن الله سيغفر لهم ولكن سيعذب المغنين والرقاصين والملحنين والفنانين، ويهزأون بالمغنين والمغنيات ويغتابونهم ويبهتونهم أحياناً، حتى أني أقول ربما يدخل الله سبحانه وتعالى جميع الفنانين والمطربين الجنة بسبب ما تلقوه من غيبة ونميمة ممن ربما اتصف بالدين أحياناً فضلاً عن من لا يتمسك بأدبيات الدين العالية. وقد شاهدت في اليوتوب وسمعت من الأشرطة مشايخ ودعاة يذكرون المغنين والمغنيات بطريقة خشيت عليهم دينهم وعقيدتهم. كم فيها من التجرؤ على الله! وفيها لغة أنهم قد ضمنوا الجنة لهم وأخلدوا فيها من خالفهم. والله يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم/32). لا ينتبهون بأن الله سبحانه قد يدخل راقصة متعرية الجنة ويدخل شيخ زاهد أفنى عمره في العلم النار! ما يدريك؟! المسألة نية وإخلاص ومصداقية. قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد/30). تعرفهم من لغتهم العنيفة، وألسنتهم الغليظة، يضاربون الأدلة ببعضها، يخفون ما يحل ويأتون بما يعتقدون أنه يحرم، يقدمون كلام صحابي على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام تابعي على صحابي، وكلام ابن القيم على ابن الماجشون، وكلام عشرة مشايخ في الجزيرة لم يختلطوا في العالم ولا يعرفونه على مائة شيخ من مصر والأندلس والمغرب والعراق والشام كلهم عاشر الدنيا ولف أطرافها وبلغ من العلم أضعافاً، تختلط عندهم الأمور عندما تربكهم بمجموعة مسائل يحومون حولها مثل الاختلاط والغناء والموسيقى ومس الجن وعمل وخروج المرأة والبراء من كل البشر سوى المسلمين .. ولو كلمتهم بالحجة والديل يتهمونك بدينك! لديهم اعتقاد باطن بأنهم يمتلكون الله ويتحكمون في دينه، كما قالت الكاتبة الأمريكية الفذة، صاحبة واحد من أجمل الكتب المعاصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كارين أرمسترونج، أنهم (أي رجال الدين) يشكلون الله وفق مفاهيمهم (The Case for God).

  6. يندر من تجد فيه اللين فيمن يرون بالتحريم وهذا مؤشر ربما على القسوة والتعصب، وأشد منهم أتباعهم إذ يتصفون - أي الاتباع - بالتقليد وبقلة العلم والوعي والاطلاع وعندهم التكرار مبرمجاً، ونسبة ذكائهم منخفضة كونهم مكررين. ومع ذلك فلا يخلو أن يكون من المشايخ والدعاة والعلماء من فيه لين وهو يرى بأدلة التحريم كالشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين وأمثالهما رحمهما الله، يرون بالتحريم لكنهم ليسوا على تعصب ولا تكفير ولا تفسيق ولا ينكرون على مخاليفهم بعنف بل يناقشون معتقدين أنهم على صواب مع احتمالية الخطأ. وفي الحديث: "إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". (رواه البخاري).

  7. ويتصف المعتقدون بالتحريم بضعف الحجة، فلا يناقشون الأدلة، بل يسردون ما يحفظون، ويشخصنون الردود على المتحدث، ويهزأون به، ويزعمون لهم العلم وليس لغيرهم، لأن صاحب التحريم في غالب الأديان يأخذ مأخذ القوة كونه يتحدث عن الله، أو على وصف الإمام ابن القيم، والعياذ بالله، يُوقعون عن الله!! ولو كنت في زمن الإمام - رحمه الله - لألفت رداً على هذا العنوان الخطير. وقد رأينا بعض أتباعهم أو مريدهم هنا كيف كانوا يُعلقون، بتواضع في المعلومات، وسطحية، تذكر لهم الحديث يذكرون لك قول ابن مسعود رضي الله عنه، تذكر له حديث يقولون لك قال فلان وعلان، مضطربون يخيفهم أن تقول قال الله وقال رسوله إذا كان لا يتوافق مع هواهم. وعندما تذكر لهم الأدلة يقولون "مالك ومال الغناء والموسيقى؟ أليس أفضل لك أن تنشغل بشيء آخر؟"، وتحسبهم على شغل، لا يوجد فيهم مخترع واحد، ولا رجل نفع الدنيا بشيء، ولا إمرأة ربت عالم فضاء أو فيزياء، ولا بنتاً مشغولة بالكيمياء وتجارب الأرض، ولا ولداً قام بتمثيل المسلمين أمام العالم فنال حبهم! يصدق فيهم "ما ترك قوم العمل إلا أتوا الجدل".

ودعنا ندخل في الموضوع مباشرة، وسوف أذكر أشهر الأدلة التي يستند لها العلماء الأفاضل الذين يرون بتحريم الغناء والموسيقى، وسوف أسردها أولاً ثم نناقشها على هدوء كون غالب "أتباع" من يرون بذلك متسرعين لا يصبرون، ولا يعرفون أصول البحث والنقاش، لذا فنسردها لنريحهم أولاً وإذا كان لديهم أي دليل آخر فسوف أيضاً نناقشه وننظر فيه، ولو ثبت لدينا الدليل بالتحريم فأعلن لله أني سوف أتوب وأعلن خطأي وأبين ذلك للناس، والله على ما أقول شهيد. ومن اتهمني بنيتي فالله حسيبه، وهو يتولى أمره، وهو المستعان، والَله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

أولاً: أدلة من التفسير: 
قالوا:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.

٢- ويقول الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) (الإسراء/64)، قالوا: قال مجاهد: بصوتك: المزامير.

٣- وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال/35)، قالوا: كون الله عاب المشركين على صلاتهم التي هي عبارة عن مكاء (صفير) وتصدية (تصفيق) فلذا فهي حرام وما هو أشد منها وهي المعازف حرام.

٤- ويقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/72)، قالوا: قال مجاهد: لا يشهدون الزور: لا يسمعون الغناء، وروي في الباب نفسه عن الحسن البصري رحمه الله قوله (الغناء والنياحة).

٥- ويقول الله تعالي: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) (النجم/59-61)، قالوا: قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية. وهذا دال على التحريم.

ثانياً: أدلة من أحاديث: 
قالوا:
١- أقوى الأدلة ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.

٢- وحديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور"، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير".

٣- وحديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.

٤- وحديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).

٥- وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي).

<b>ثالثاً: الإجماع وأقوال العلماء: 
١- ادعاء البعض بالإجماع على تحريم الغناء و / أو المعازف.
٢- وقالوا: أن أكثر أهل العلم على تحريم الغناء والمعازف، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة والمشاهير مثل شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً.
٣- أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال:لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال:ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول ابن القيم: لا يجتمع كلام الرحمن ومزمار الشيطان في قلب إمرء مؤمن أو اثنان لا يجتمعان حب القرآن وحب الأغان.

هذه أهم الأدلة، ولو عندك غيرها وتعتقد أنها بقوتهم أو أقوى فاذكرها مشكوراً سواء كنت ترى بالتحريم أو لا ترى أو غير محدد، حتى نجمعها ونثري البحث، وننظر فيها وما يقول العلماء فيها. مع الانتباه إلى أننا كمسلمين لا نعتد بالحديث الضعيف في الأحكام، وسوف أسرد أهم الأحاديث المشهورة الواهية والمكذوية مثل حديث "الغناء ينبت النفاق" "ويصب في أذنيه الضنك" .. الخ. وأمثالها. فلا اعتبار لها ويجب التحذر من ذكرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب عليه ونقل الكذب.
كيف تحدد حكم الإسلام في الغناء والموسيقى؟/>

قبل مناقشة أدلة التحريم أود أن أقول ليس من هدف هذا البحث تحليل أو تحريم الغناء والموسيقى، لو كنت تحب تعرف الحكم في هذه المسألة أو غيرها فأقترح عليك التالي:

  • تعلم ولا تقبل أن تكون تابعاً لشيخ أو لعالم أو مذهب، فلا يخلو هذا المنهج من التسطيح لشخصيتك ووقوعك في التبعية العمومية، وهذا يجعل منك إنساناً عاماً ليس له قلب وعقل يستخدمه كما يجب، شخصاً سلم عقله وقلبه لمجموعة من الناس في الغالب لا تعرف إلا ظواهرهم. إن هذا طبعاً يتطلب منك جداً واجتهاداً خاصة إذا كنت في مقتبل العمر. إبدأ باختيار بعض المعلمين (يُفضل غير المنتمين لجماعات وأفكار، ضماناً للحيادية) ثم استرشد منهم العلم والقراءة والتعلم. ثم عود نفسك الوصول إلى المصادر وتعلم الفهم والاستنباط حتى لو أخذ منك هذا الموضوع سنين.

  • لو لم تستطع، لأي سبب، فاجتهد ألا تتبع شيخاً واحداً بالذات من المنتمين فكرياً لجماعة أو مذهب. نوّع قليلاً مع أخذ الحيطة بعمل ذلك من باب العلم والانفتاح لا الأسهل.

  • انتبه من المتحدثين باسم الله وباسم السماء وباسم الجنة وباسم الأنبياء. هؤلاء في الغالب ليسوا على صواب. غالب الدجالين والمتعصبة والطائفيين والمتطرفين لغتهم هي تلك، يرعبونك ويخوفونك ويؤنبونك باسم الله. اعلم أن الله سبحانه لم يخلق العباد ليعذبهم، ويتربص بهم، ويوقعهم في الشرك (الفخ)، ويفتنهم ليل نهار، ويتصيد عليهم .. إن هذه العقيدة سطحية، وتقلل من منزلة المولى عزوجل. إن الله كل يوم هو في شأن، والأرض في المجموعة الشمسية مثل الإبرة في ملعب كرة قدم، المجموعة الشمسية في المجرة كلها مثل خرم الإبرة في الأرض، المجرة التي ننتمي لها مثل طرف الخرم في المجرة كلها!! نحن صغار صغار صغار جداً جداً جداً في ملكوت الله! قد يكون في الكون مليار أرض مليئة بالخلق، خلق أفضل أو أقل أو أعلى أو أنزل أو تماماً مثلنا، قد يكونون في بُعد لا يمكن أن ندركه، في علم لم نسمعه، ومنطق لم نتحدث به، ومرئً لم نره، وأصوات لم نسمعها وأحاسيس لم نشعرها .. احذر التصغير من عظمة الله بهذه الترهات السطحية المقللة من قدر الله. إن الله لو نظر لعبد، وهذا من شبه المستحيلات، لم يعذب لا في دنيا ولا في آخرة أبداً! إن الله سبحانه وضع نظاماً في الكون يمشي على الكل، نظام غفور، متسامح، لا يتربص، يتجاوز رغم عدله، ومع ذلك لله سبحانه قوانين في كونه لو فهمتها قد تصل لمبتغاك من خلالها. ومع ذلك فلا شك أن نظامه عادل قد ينال من يجهل أو يخطئ. إذا رأيت الشخص يكثر من التخوين والتخويف فاتركه في حاله وابحث عن الرحماء. هذا غارق في جهله، ومن عمق جهله أنه يعتقد أنه يعلم! لا يدري ولا يدري أنه لا يدري!

  • لو لم تستطع أن تلزم أياً من هذا فالزم شيخاً تثق بكلامه وإخلاصه وفوض أمرك لله، واسأله عن حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ثم اتبع رأيه.
مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى:/>

أولاً: أدلة من التفسير:/><b>
ولاحظ أننا قلنا من التفسير وليست من القرآن الكريم. قد يوهمك البعض أنه كلام الله وهذا خطأ؛ لأن التفسير ما لم يكن من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رأي صاحبه، ولا يلزم أي أحد بالأخذ فيه، ولا يعتقد ذلك أحد سوى أن الشيعة الجعفرية والإسماعيلية لديهم أن الأئمة من سادات آل البيت أيضاً من ضمن المعصومين، ومع ذلك فغير آل البيت اتفاق بين المسلمين بأن أقوالهم غير ملزمة ولو كان هذا الشخص أبوبكر أو عمر، وهما خير البشر بعد الأنبياء، ومن يعتقد بعصمة الصحابة أو إلزام الخلق بأقوالهم فهو يخالف الله سبحانه في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، بل يخالف المنهجية التي جاء بها الإسلام. لذلك نقول التفسير؛ فالقرآن جليّ، نزل بلغة العرب، لا يحتاج له ترجمان، يقرأه شخص بعد ألف سنة يستنتج ما لم يستنتجه الصحابي الكريم. وقد يأتي من يفسر القرآن أو السنة أفضل من الصحابي رغم علو منزلة الصحابي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في خطبة الوداع: "ربَّ مُبلغ أوعي من سامع" المبلغ (بضم الميم وفتح اللام) هو الذي يصله كلام النبي صلى الله عليه وسلم والسامع المقصود في الحديث هنا هو الصحابي. فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول لك رب تابعي أو تابع تابعي أو من سيأتي بعد خمسمائة سنة أو من في عصرنا الآن أو من سيأتي بعد ألف سنة أوعي - أي أكثر وعياً - من الصحابي السامع لخطبة الوداع هذه. فلا تغتر بقول الشخص يقول قال تعالى ثم يقول لك قال مجاهد فتعتقد أن ذلك يعني قال الله! حاشا لله، هذا معناه: قال مجاهد أو قال اين مسعود رضي الله عنهما.
مع ذلك فأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين معتبرة ومقدرة ونستشهد فيها طوال الوقت، وقد تكون الحاجة لها كبيرة في الفهم، بالذات في معرفة أسباب النزول، كما سنستفيد منها هنا كذلك في أدلة من رأى التحريم. لكن لو لم يأخذ فيها إنسان فهي ليست ملزمة له. ولو شاء الله التحريم الصريح ما تركها لقول مفسر بل وضحها وضوح الشمس مثل تحريمه للقتل والسرقة والخمر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل .. الخ.

قالوا في الاستدلال بالتحريم:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.

والتحقيق: لم يرد في أي من قواميس العرب ولا لغتهم أن معنى "لهو الحديث" الغناء، رغم أن البعض قد يرها كوسيلة للهو الحديث. قال الجوهري: اللهو: اللعب. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: اللهو: ما شغلك من هوى وطرب. وقيل: النكاح، قال إمرؤ القيس:

ألا زعمتْ بسياسة اليوم أنني
كبرتُ وأن لا يُحسن اللهو أمثالي

وقيل: المرأة، وفسروها بقوله تعالي: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء/17). وفي لسان العرب: للَّهْو: ما لَهَوْت به ولَعِبْتَ به وشغَلَك من هوى وطَربٍ ونحوهم، وفيه أيضاً: وقد يكنى باللَّهْوِ عن الجماع. وفي سَجْع للعرب: إذا طلَع الدَّلْوُ أَنْسَلَ العِفْوُ وطلَب اللَّهْوَ الخِلْوُ أَي طلَب الخِلْوُ التزويجَ. واللَّهْوُ: النكاح، ويقال المرأَة. قال ابن عرفة في قوله تعالى: لاهيةً قُلوبُهم؛ أَي مُتشاغِلةً عما يُدْعَوْن إِليه، وهذا من لَها عن الشيء إذا تَشاغل بغيره يَلْهَى؛ ومنه قوله تعالى: فأَنْتَ عنه تلَهَّى أَي تتشاغل، وفيه أيضاً: وقيل: اللهوُ كلُّ ما تُلُهِّيَ به، لَها يَلْهُو لَهْواً والْتَهى وأَلهاه.

ولاشك أن المعازف والطرب والأغاني من اللهو، وكذا الفيس بوك والإنترنت والتلفزيون والمسرح ولعب كرة القدم والورق واللعب مع الأولاد والأهل والأصحاب وصيد السمك .. كل ذلك لهو، وهو يشكل غالبية ما تعمله في يومك. والآية الكريمة عامة تعني أنه من الناس من يشتري أي يدفع ويتعب ويشتري لهو الحديث وذلك بنية الصد عن سبيل الله واتخاذ آيات الله هزواً، فهذا لو عملها بموسيقى أو غناء أو فيس بوك أو محاضرة أو يوتوب أو كتاب أو شيء من ذلك فهو محرم ويؤدي لعذاب مهين. ولا تعني أن من استخدم الغناء والموسيقى فهو في عذاب مهين، وأن من صد عن سبيل الله واتخذ آياته هزواً فله ذلك! كلا، بل أي وسيلة تستخدم بنية الصد عن سبيل الله والاستهزاء بآيته فهي منكرة هنا، ولذا فالآية عامة.

وحتى تعرف معنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو من القدماء في الإسلام وشهد نزول الآيات من أوائلها وعليم بها، لهذا روى هنا سبب نزول الآية، حيث كان بعض كفار قريش يتعمدون في شراء الجواري المغنيات ويأتون بهم في أوقات يتلو ابن مسعود القرآن أو يتحدث صحابي في الدعوة ليحولون دون سماعهم. فهؤلاء الكفار الذين يشترون الجواري المغنيات بنية الصد عن سيبيل الله أو اتخاذ آيات الله هزواً فسيؤدي لهم ذلك إلى العذاب المهين. أما شراء الجواري اللاواتي يغنين فلا حرج، وقد فعلها كثير من الصحابة، كما سأذكره في فصل لاحق بإذن الله، ومنهم أمير المؤمين عبدالله بن الزبير رضي الله عنه: قال إمام الحرمين وابن أبي الدم: إن الإثبات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن ابن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله له فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير: توزن به العقول. نيل الأوطار للإمام الشوكاني (8/104) وترتيب المدارك للقاضي عياض (2/134) وإيضاح الدلالات لعبدالغني النابلسي (ص 15) وإبطال دعوى الإجماع للشوكاني (ص1). وسنأتي لها لاحقاً إن شاء الله، ونذكر مصادرها.

ولا يعقل أن يخالف ابن مسعود رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي سمع الغناء والدف وفي بيته ومجتمعه وأمر به في مواقف ذكرناها في الأجزاء الأولى. ولو خالف ابن مسعود، وحاشاه، لردينا قول بن مسعود بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى بالاتباع والاقتداء. ويكفيك كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لعائشة في زواج قريبتها: "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" (رواه البخاري وغيره، وتقدم في الأدلة). فلا يعقل أن يأمر باللهو والله يوعده بالعذاب المهين؟! هذا قلة علم وقلة تأدب في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

٢- يقول الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) (الإسراء/64)، قالوا: قال مجاهد: بصوتك: المزامير. فالمزامير هي صوت الشيطان.

والتحقيق: الأثر رواه ابن أبي الدنيا عن مجاهد وقال: إسناده لين. قال الشيخ الجديع تعليقاً: قلت: وهذا لم يصح عن مجاهد. انظر كم من الناس تناقلت هذا الأثر!! وحتى لو صح، فقد يكون الغناء والموسيقى والخطب والمحاضرات والقصص والشعر والإيميلات كلها وسائل الشيطان المستفزة. رُوي عن ابن عباس (شيخ مجاهد رحمه الله) رضي الله عنه قوله: صوته: كل داع دعا إلى معصية الله. وهذا التفسير وإن لم يصح سنده لابن عباس أيضاً إلا أنه ما رجحه الطبري في تفسيره. وعن قتادة: بصوتك: دعائك. (رواه ابن جرير بإسناد صحيح). فهل الدعاء حرام؟ وهل كل صوت حرام؟ إنما يكون الحرام وفقاً لنية استخدامه؛ فالصوت والغناء والموسيقى والمزامير والإيميل والقصص والشعر وغير ذلك كله حلال أو حرام ليس لذاته بل باتجاه استخدامه.

٣- وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال/35)، قالوا: كون الله عاب المشركين على صلاتهم التي هي عبارة عن مكاء (صفير) وتصدية (تصفيق) فلذا فهي حرام، قالوا: وما هو أشد منها وهي المعازف حرام كذلك.

التحقيق: وهذا من أوهن الأدلة، وتنم عن قص وتلصيق، وعدم تحقيق، وضعف في الحجة. وهل نمنع صوت الحمار لأن الله استنكره؟ قال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/19). بل شرعت السُنة في جعل التصفيق في الصلاة للنساء. ولا حجة على التحريم. كيف فهم المحرمون التحريم؟! الله سبحانه يقول هذه صلاتهم ما هي إلا تصفيق وتصفير. الله يعيب عليهم ذلك، مع أن المرأة ممكن تصفق في الصلاة حال أرادت التصحيح للإمام!
ومن تأدب الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله رغم أنه يرى بحرمة الغناء لما سئل عن ذلك تورع. قيل له: ما حكم التصفيق والتصفير، وأي نوع من التصفير محرم، وما دليل التحريم؟
الجواب: الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!! فما هو سبب التصفيق والتصفير؟
السائل: ما يحدث في المباريات ونحوها!
الشيخ: قل مثلا التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً، أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً؛ لأنه ما عندي دليل.
السائل : التصفيق؟
الشيخ: ما فيه شيء.
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء)، فهذا في الصلاة؛
وأما قوله تعالى: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق، فهذا كانوا قريش عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك، بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تقدم و تفوق على غيره وأراد أن يشجعه وصفق فلا أرى في هذا بأساً.
السائل: والآية فيها دليل؟
الشيخ: ما فيها دليل، سمعت: يتخذونها عبادة.
السائل: التصفير يا شيخ أي نوع من التصفير؟ مثل صفارة الحكم في المباريات؟
أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية، وليس عندي دليل، ولو أن شخصاً طالبني بالدليل، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل.
(الشيخ بن عثيمين: لقاء الباب المفتوح: شريط 119). هذا النقاش يعلم التأدب مع الله، ونفي وجود هوس التحريم.

٤- يقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/72)، قالوا: قال مجاهد: لا يشهدون الزور: لا يسمعون الغناء، وروي في الباب نفسه عن الحسن البصري رحمه الله قوله (الغناء والنياحة).

التحقيق: أما رواية مجاهد رواها ابن أبي حاتم فهي ضعيفة. وما رواه ابن جرير بسنده عن مجاهد، قال الشيخ الجديع: هذا إسناد ساقط، فيه محمد بن مروان السدي الكوفي متهم بالكذب! وشيخه ليث مشهور بالضعف! وأما رواية الحسن البصري عن ابن أبي حاتم، قال الشيخ الجديع: وهذا إسناد ظاهر الضعف! يا جماعة اتقوا الله في الناس. كيف يبني هؤلاء أدلتهم؟!! نقول لهم رواه البخاري ومسلم وصححه العلماء يروون لنا ما رواه الكذبة! أخطأ ابن القيم فأخطأت أمم مقلدة وراءه!! والتفسير الصحيح للآية والذي تعمل به الأمة اليوم هو أن الزور: الكذب وليس الغناء.

٥- ويقول الله تعالي: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) (النجم/59-61)، قالوا: قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية. وهذا دال على التحريم.

التحقيق: ما روي في الرواية الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه: (سامدون) هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وهي بلغة أهل اليمن، يقول اليماني إذا تغنى: اسمد. والمقصود هو التعالي بالصوت تعمداً عندما يتلى القرآن الكريم، فهذا فعل مشين. لو أن فرقة موسيقية جاءت عند مسجد وبدأت تعزف بصوت عالي أمام المسجد حين أذان المؤذن فهذا يدل على التعمد، ولكان يجب أن يحاسب هؤلاء الناس من قبل ولي الأمر أو السلطات. أما أن تقول أن الغناء كله حرام من هذا الدليل فهذا دليل فقدان الحجة، وإلا لكان الضحك كذلك حراماً فهو أيضاً في الآية الكريمة!!

من هذه الاستدلالات يتبين لك أن لا حجة لمن استدل بالقرآن الكريم على أنه حرم الغناء والمعازف، بل هذه استدلالات حملت القرآن ما لا يحتمل، غفر الله لهم.

ذكرنا، بفضل الله، كل الأقوال التي احتجت بتفسير آيات من القرآن الكريم قالوا أن فيها إشارات إلى تحريم الغناء والمعازف، وبينا أن هذه الاستدلالات ليست قوية وقد تكون حملت القرآن الكريم ما لم يحتمل، وأنها خصصت العام بدون أي دليل واضح، وأن هذه التفسيرات لاشك لا تتوافق والسنة الصريحة بإباحة الغناء وآلة من المعازف وهي الدف في المناسبات وغير المناسبات. وبينا كذلك أن كثيرآً ممن يرون التحريم يغفلون عن مناقشة أدلة الإباحة ولا يناقشونها، وأفضل ما يعملونه أحياناً هو أن يضاربوا الأحاديث ببعضها، وهو صنيع غير جيد يوقع عامة الناس في تشكك واضطراب، لكنك عندما تعرض كل الأدلة وتوفق بينهم حتى ولو كنت ترى التحريم فهذا يجعل القلوب تقر والنفوس تطمئن لشمول المنهج النبوي في الحياة. نكمل ما استدلوا به من السنة النبوية:

الأحاديث النبوية التي استدل بها من يرى التحريم:/>

١- أقوى استدلال هو ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.

التحقيق: يصحح البعض من العلماء هذا الحديث رغم أنه من الأحاديث التي أنكرها كثيرون على البخاري كون أن البخاري لم يرويه من ضمن إسناداته في صحيحه ولكن علقه في الاستدلال في عنونة الباب، ورده علماء كثيرون وعليه اشكالات كثيرة. والحديث المعلق هو الذي سقط من سنده راو أو أكثر، مثل أن يروي تابع تابعي عن صحابي ولا يذكر التابعي الذي روى له الحديث فهذا يعتبره العلماء حديثاً معلقاً، والحديث المعلق لا يستدل به في الأحكام، لأنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مرفوعاً (أي إلى النبي) أو موقوفاً (أي إلي الصحابي). وسبب اعتقاد العلماء بأن الحديث معلق أي لم يسمعه البخاري من شيخه مباشرة هو قوله في "صحيحه" قال هشام بن عمار حدثنا .. ثم ذكر السند والمتن (أي لفظ الحديث)، والبخاري التزم الدقة الشديدة في صحيحه فهو لا يقول "قال فلان" وإنما يقول "حدثني"، فقوله "قال فلان" شكك العلماء في الحديث، وأن البخاري لم يسمعه من هشام أصلاً. لماذا في هذا الحديث خالف البخاري القاعدة في صحيحه؟ رغم أنه يقول "قال فلان" في رواياته خارج "الصحيح" كما فعلها في "التاريخ الكبير" وغيره. وهذا الحديث رغم ما عليه من كلام كثير ورد كثير من العلماء له إلا أنه حديث صححه كثير من المتبحرين في الحديث كالإمام ابن حجر العسقلاني ومحمد بن إسماعيل الإسماعيلي وغيرهما، ومن المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ الجديع؛ لذا جاز الاستدلال فيه على خلاف الكثير من الدلائل الأخرى التي لا تصح في التحريم والإشارة لها.

الحديث فيه إشارتان لمن يرون التحريم: (١) "يستحلون .. المعازف" و(٢) العقاب الشديد وهو المسخ لهؤلاء القوم. وههنا بعض الإشكاليات في كون هذا الحديث ليس فيه حكم التحريم الصريح:
  1. أولاً هذا الحديث خبر وليس حكماً، فهو يخبر عن حادثة ستحصل في المستقبل، الله بها وبتفاصيلها عليم، عن قوم هذه صفاتهم فسوف يصير لهم هذا المسخ. إن الإخبار عن حدث غير الحكم. والخبر لم يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسمع أنه حصل حتى زمننا رغم استمرار وجود هذه الأمور المذكورة في الحديث منذ ألف وأربعمائة سنة. وهذا يعطيك مؤشر على أن الموضوع أكثر من شرب الخمر والمعازف والزنى وإلا فهذا الموضوع يتكرر مليون مرة في اليوم كل يوم في العالم!

  2. لفظ "يستحلون" يدل على استحلال الحلال والحرام، مثل ما هو وضع المعازف والغناء هي حلال وحرام، هي وسيلة قد تستخدم في الحلال وقد تستخدم في الحرام. والدليل على كونها تستخدم في الحلال والحرام هو قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه مسلم 1218)، فهذا حرام واستحلل. وقوله "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" (رواه أحمد والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وغيرهم)، فهذا حلال واستحلل. فبطل لفظ من قال "يستحلون" أي كان حراماً فأحلوه. أين الدليل على الحرمة أصلاً؟ أين في كتاب الله سبحانه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن المعازف حرام حتى يستحلونه؟ هل يعقل أن يكون تحريم المعازف لم يأتي إلا في هذا الحديث وفي هذا المعنى في التحريم غير الصريح. واللفظ برأي من يرى التحريم مشكل كون "يستحلون" إذا قُصد بها هو حرام وهم يعلمون أنه حرام لكنهم يحللونه فهذا والعياذ بالله موضوع كبير، يرى العلماء أنه يوقع الشخص في الكفر، وإذا قُصد فيه أنهم يستحلونه من خلال تأويل وفهم، فهم مجتهدون ومعذورون، ولا لوم عليهم ولا عتب ولا يستدعي كل هذا النقاش العقيم. وأنت لو قرأت عنف كلام الشيخ الألباني في الرد على الشيخ محمد الغزالي أو الشيخ القرضاوي أو الإمام المبجل ابن حزم الأندلسي لتمنيت أن لا يُنقل هذا الكلام عن مسلم فضلاً عن عالم جليل كالشيخ الألباني، رحمه الله؛ فالكلام لا يليق فعلاً بطالب علم فضلاً عن عالم جليل، وهي شطحة نرجو ألا يأخذ بالاقتداء بها المسلمون، ونقترح أن لا يعملوا بعمله هذا، ولهم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الاختلاف والرد والحوار والجدل بالتي هي أحسن. لهذا نقول كلٌ يأخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يُرد فعلاً ويرفض ولا يقبل ولا نظلم علماء المسلمين به، قال تعالي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)،وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54)، وقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125)، وقال: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). ولقد تسبب هذا الكلام مثل ما تسبب كلام ابن تيمية وابن القيم لما تشددا في تشجيع عشرات الآلآف من المتطرفين والمتشددين والمتدخلين على العلم والمتعصبين فملأوا النت والكتب والمجالس شتماً وسباً وجدلآً وتكفيراً وتفسيقاً وأذىً، وتناولوا أعراض الناس والعلماء والمغنين والمغنيات والبشرية جمعاء، وقالوا كلاماً ما قاله نبي في مجحديه ومعذبيه. فالله المستعان وعليه التكلان. وغفر الله للشيخ الألباني على هذه الألفاظ التي أطلقها، وهي من عادته في مناقشاته وردوده، وليس هو بها قدوة ولا مثلاً جيداً، ويكفي ما قاله في الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز وغيره من علماء نجد، واللفظ له، وادعى على الشيخ بن باز في قوله بوضع اليدين على الصدر "بدعة ضلالة"، ورد عليه الشيخ بن باز رحمهما الله بعدما أثنى عليه بأن "هذا خطأ ظاهر لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم من أهل العلم، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها" وزاد الشيخ بن باز: "ولكنه قد غلط في هذه المسألة غلطاً بينا". فلاشك أن الشيخ الآلباني مثل غيره يقع في الخطأ ويخالف الأحاديث الصحيحة، كما قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله (مجموع الفتاوى ورسائل في الصلاة). لهذا فلا اعتبار لكلام من يقول ما يقول، الاعتبار كما قال الشيخ الألباني نفسه، رحمه الله، بمعرفة الحق، فإذا عرفت الحق عرفت الرجال عدا ذلك فسوف تضيع في ترهات الردود وأهل الجدل كما في بعض التعليقات والردود من المضطربين نفسياً أو اجتماعياً أو إيمانياً أو روحياً والباحثين عن قضية فلا قضية لهم، وهم بذلك يشعرون أنهم ينصرون دينهم، وما أذكى الشيطان بهذه المعاني، يوهم للناس أنهم يدافعون عن الله أو دينه وربما ما صنعوا شيئاً غير تنفير الناس. ووالله لو لم يكن للشيطان إلا أن أوحى لهم التعالي والتزكية للنفس واستصغار الآخرين لكفى، ولبلغ مراده في الكبر والتحريش بينهم. وهؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات أكثر الناس تقليلاً للعباد، لو تقدم الشيخ الألباني لبنته ما زوجه لأنه ألباني أو سوري أو مصري .. وهم أكثر الناس عندنا في الكويت معارضة لتجنيس المستحقين بسبب العنصرية التي يطبعونها بالدين أحياناً وبالعرف أحياناً أخرى، وهم أكثر الناس تقليلاً في الهنود والأسيويين، وأكثر الناس طعناً في الأمم، وهذا كله لا صلة له بدين ولا أصل. وبعضهم يعتقد أنهم في العلو والناس من ذوي الجنسيات الآخرى لهم تبع ثم البقية كافرة مخلدة في النار. وكم فضح هذا الحديث من أخلاقيات الناس فشطوا وشردوا في الطعن في نوايا الناس وأخلاقهم وأعمالهم، ونصبوا أنفسهم قضاة على البشر، والله المستعان على ما يصفون.

  3. لا يشير الحديث لكون هؤلاء الناس الذين سيعاقبون بسبب أنهم يستمعون إلى المعازف. فقوله صلى الله عليه وسلم عن صفات الخوارج "تكرهون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلي صيامهم، يفرون من الإسلام كما يفر السهم من الرمية" لا يعني حرمة الصلاة والصيام بسبب أن هؤلاء المارقين من الدين يعملونه! وأهل الصلاح وأهل الباطل يستمعون للمعازف، كما سنشير بأدلة واضحة من كونه فعل يعمله بعض الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء والخلفاء وفضلاء البشر.

  4. وأقوى إشارة في الحديث هو كون الفقير يأتيهم لحاجة فيبخلون عليه بينما يسرفون ويفرطون في الشرب واللهو والخطيئة مستعذبين ذلك، متنعمين بالحرير. ومع ذلك يردونه، والله أعلم، كم ليلة فعلوا ذلك، وكم مرة فعلوها. إن مَن صنيعهم ذلك قد تقوم القيامة عليهم أو يحصل لهم هذا الحدث المريع. إن الله سبحانه برحمته وكرمه لا يخسف بشارب الخمر، وعازف المعازف، ولابس الحرير، وإلا لكان هذا الحدث يحصل خمسين مليون مرة في اليوم كل يوم!! إن اجتماع هذه الأمور هو الحرام لا مفردها، مثلها مثل ما ذكرناه في الآية الكريمة (وأنتم سامدون) التي أستدل البعض بأنها في المغنين بينما غفلوا عن (ويضحكون) فحرموا الغناء وأباحوا الضحك!! فلا الضحك حرام ولا الغناء حرام في الآية المذكورة ولكن اجتماع ذلك من خلال رد الآيات والاستعجاب، وهي هنا كذلك اجتماعها المحرم. يجب أن يجتمع الزنا مع الخمر مع المعازف مع رد ذي الحاجة مع لبس الحرير مع أمور أخرى حتى يصدق هذا الحدث والخبر. ومعلومة هي المحرمات لكن المعازف لم يرد فيها التحريم، وإلا فهذا القرآن الكريم وهذه السنة النبوية عليهم أن يأتوك بدليل واضح وصريح في ذلك. تركوا كل الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة وتشبثوا بالمتشابهات.

  5. قوله "ويمسخ آخرين" فيه إشارة إلى أناس غير هؤلاء يعني هؤلاء الله يبيتهم ويسقط عليهم الجبل وآخرين يمسخهم قردة وخنازير. لماذا؟ لا علم لنا ولا دراية، كون رواية الحديث غير مترابطة.
  6. إن في الحديث شبهات واضطراب فنحن لا نعرف سبب تعليق البخاري له من بين أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة حديث يقول فيهم "حدثني" وفي هذا وثلاثة فقط أخرى يقول "قال"، وحديث يأتي بلفظ "يستحلون" والحرير أصلاً حلال لبسه على النساء وحلال بيعه من قبل الرجال، والمعازف أصلاً حلال لم يرد فيها تحريم ألبته، والحر يعني الفرج، وهو حلال بين الزوجين، ويبدأ عن أبي عامر أو أبي مالك، ويسرد الراوي الحديث ثم يقول "ويمسخ آخرين"، وما سبب مسخهم؟ لا نعلم. فهل هذا يعني أن بعضاً منهم يقع عليه الجبل وآخرين يمسخهم الله قردة وخنازير؟! الله أعلم. فالحديث فيه غموض، وقد تحمس له المحرمون ومنهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله - حيث بسببه نقل كل من بعده كلامه ومعناه، ما زادوا حرفاً (نفس الكلام في أربعين ألف منتدى وموقع cut-paste)، ومما قال في "مجموع الفتاوى": فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها، وقال: وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خرسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ولا بدفّ ولا بكفّ ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. انتهى كلام الإمام بن تيمية - رحمه الله - وهو لفظ تجده في آلآف المواقع في النت. وهذا الكلام غير صحيح. فهذا الحديث لا يدل على التحريم، والمعازف لو كانت تتناول كل الآلآت لشملت الدف، فالدف آلة موسيقية هو اتفاق بين كل البشر في الأزمان ممن يعرفون العزف، والنبي صلى الله عليه وسلم أباحه، وأمر به، والطبل كذلك سمعه وسمح به، كما في حديث الأحباش الذي ذكرناه. وقوله "أن ذلك لم يحدث ولا حتى بدف" خطأ كبير، بل حدث وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة، والتابعون، ورواة الحديث وسنأتي بذكر عشرة أو عشرين منهم أو أكثر من أجل الأئمة وأعدل الخلفاء وفي المائة الأولى، وممن هم بمنزلة بن تيمية وأعلى منه فقهاً وعلماً وسعة. وهذا الكلام يتناقل في المنتديات والمجالس وكتب الكتاب، لا يحققون بالكلام؛ ينقلونه دون تحقيق ولا تأكد، ومن هنا أصبنا بكثرة التحريم والخلط وهجر البحث الدقيق وتخدرت الأمة في الجدل والتكرار. وما يدري شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل اليمن والشام ومصر وخرسان .. الخ. سبحان الله هل أعطي هذا الكشف؟ أم وحي بعد رسول الله؟! ومع ذلك فكلامه خطأ بل موجود في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وفي المدينة ومكة والشام ومصر وخرسان والأندلس والدنيا كلها ومن قبل أشارف الناس وأكارمها كما سأبينه بإذن الله. وهذا الكلام غير مقبول، والإمام بن تيمية ليس حجة على الأمة ولا غيره، يأخذ من كلامه ويرد منه الكثير، وهو ليس حجة إلا على المقلدين، مع علو منزلته وكريم فضله على الأمة في مسائل وتضحيات وجهاد وعلم وعطايا كثيرة. فهذا الحديث فيه إشكاليات كثيرة ولذا رده الإمام ابن حزم ليس فقط سنداً بل متناً. وكثير من العلماء قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور على (هشام بن عمار) وقد ضعفه الكثيرون. وهشام بن عمار، لا شك رجل صالح تقي، روى عنه الأئمة البخاري والترمذي وأبوداود، وامتنع أن يروي عنه مسلم، إلا أن عليه كلام كثير بالذات في آخر عمره. قال العلامة الذهبي رحمه الله في ميزان الإعتدال في نقد الرجال (7 / 86، ترجمة 9242): هشام بن عمار السلمي الإمام أبو الوليد خطيب دمشق ومقرؤها و محدثها وعالمها، صدوق، مكثر له ما ينكر. قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن فأظن هذا مما لقن، روى عن مروان بن معاوية عن أبي خالد عن قيس عن جرير قال النبي صلى الله عليه وسلم من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة قال أبو حاتم: هذا باطل، وإنما يروى من قول قيس، وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها! قال: وقال المروزي ذكر أحمد (يعني الإمام أحمد بن حنبل) هشاماً فقال طياش خفيف، قال المروزي ورد كتاب من دمشق سل لنا أبا عبد الله فإن هشام بن عمار قال لفظ جبريل و محمد عليهما السلام بالقرآن مخلوق فسألت أبا عبد الله فقال أعرفه طياشا قاتله الله لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمد صلى الله عليه وسلم هذا قد تجهم وفي الكتاب أنه قال في خطبته الحمد الله الذي تجلى لخلقه بخلقه فسألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) فقال هذا جهمي الله تجلى للجبال يقول هو تحل لخلقه بخلقه إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة، ومع ذلك فقد دافع عنه الذهبي في ترجمته وبأنه يؤخد من كلامه ويترك. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص: 573، ترجمة 7303): هشام بن عمار نصير بنون مصغر السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق، مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح.

حديث تدور عليه كل هذه الشبهات وهي قليل مما ذكره الباحثون والعلماء ولم تتلقاه الأمة بالقبول والرضى بل ردته وشرحته وأولته وفصلت فيه، فصار الاستدلال ضعيف، ولا يوجد فيه تصريح بالتحريم، ومن فهمها كذلك فهو فهمه وعليه أن يعمل بفهمه، والله أعلم.


٢- وحديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور" (رواه ابن أبي شيبة مرسلاً)، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير" (رواه ابن أبي الدنيا واللفظ له، والترمذي، والحديث صححه الشيخ الجديع وذكره الإمام ابن حزم في "المحلى"، والرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيهة الأمة وركن سنتها.

التحقيق: أولاً لاحظ أن الحديث قلنا ذكره ابن حزم، وقلنا صححه الجديع، والرواية عن عائشة! هل يعقل أن تروي هذا الحديث عائشة وترى حرمة القينات (المغنيات)، وهي التي في بيتها قينات (مغنيات) وبشهادة وإقرار وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! (تقدم في الدليل الأول، صحيح البخاري). لاشك أن في الموضوع أمراً، وهو واضح جليّ، فلفظ الظهور يُقصد فيه الكثرة والانتشار، وإلا فالقينات وشرب الخمور موجودة في كل الأزمان بما فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة. وموجود في كل زمن منذ زمنه إلى اليوم. فلو أن إنساناً كانت حياته كلها معازف أو كلها فيس بوك وإنترنت أو كلها لعب كرة قدم، وهذا كله صعب في غالب الناس، لكان حراماً لأنه بذلك يضيع مصالحه ومصالح من يعول، ويضيع رسالته. ومن ذا الذي يفعل ذلك من الأكارم الذين سنذكرهم لاحقاً بما فيهم عائشة رضي الله عنها والجديع وابن حزم؟؟!! لم أعرف مغنياً من المغنين الأفاضل ولا من الملحنين الأفاضل، وهم أصحاب الاختصاص، إلا رأيتهم يحترمون أوقات الصلاة ويؤدونها، ويقومون بأعمالهم، ويرعون أسرهم، ويعيشون رسالاتهم في الحياة من صناعة الجمال، وإضافة الرفق واللين، ونشر المعين في الطبائع. ولو كان نص الحديث "باتخاذهم القينات" فقط لقوى، ولكن حتى لو كان نص الحديث "المسخ والقذف إذا ظهرت المعازف" فلا يدل على التحريم. مثل لو قال "إذا تطاول الناس بالبنيان" فلا يعني حرمة تطاول البنيان، بل 90% ممن يرون التحريم مبانيهم طويلة! فلا دلالة على التحريم. ومعنى الحديث أن من أشراط قيام الساعة (المسخ والقذف والخسف) أن ترى انتشار المغنيات وشرب الخمور، وفي أحاديث أخرى تطاول البنيان وتحدث الحديد وكثرة الأموال وكثرة الكتابة .. الخ، وليست كلها حرام، بل بعضها جميل وإيجابي.

٣- وحديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.

التحقيق: ولقد رددنا على من قال بذلك، وهو لو كان يقصد فعلاً أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وحاشاه، يرد على النبي صلى الله عليه وسلم أو يصوبه، فهذا الاعتقاد يخشى فيه على دين المرء! فالنبي صلى الله عليه وسلم رد أبا بكر، ولم يقره بهذا الكلام، وقال له: "دعهما"، وهو الأمر الذي استمر واكملتا المغنيتان الجاريتان غناءهما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شرحناه بتفصل في الدليل الأول في الجزء الأول. وما عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه عمله مع عمر رضي الله عنه كذلك ولم يقره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم، إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يحصبه بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهم يا عمر" (متفق عليه. البخاري (2745)، ومسلم (893))، حتى لا يقال أن عمر لا يلتقي معه الشيطان لكن الشيطان يلتقي مع رسول الله وعائشة!! والعياذ بالله من هذه العقيدة غير السوية. 

٤- حديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).

التحقيق: وهذا من أوهن الحجج. وسمعت مرة شيخاً صديقاً لي في الديوانية يسرد الأحاديث ويطيل في التحريم فذكر هذا الحديث، فسألته: متى يا شيخ تم هذا الكلام؟ في أي عصر؟ فقال: ربما في عصر أبي بكر أو على الأرجح عصر عمر رضي الله عنهم جميعاً. فقلت له: ولم يسع عمر بن الخطاب الخليفة أن يمنع هذه المحرمات في خلافته؟! هل عجز عن منعها أم تهاون فيها؟ أم أنها كانت مباحات لا خلاف فيها. والحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عملها، يعني وضع أصبعيه في أذنيه، ولم ينكر على الراعي، ولم ينكر ابن عمر علي الراعي!! والنبي صلى الله عليه وسلم رسول يعتد بأفعاله وإقراره، وابن عمر معروف في الصدع بالحق حتى مع الخلفاء، فلما توقف عن الإنكار؟! مثله قولهم: سمع ابن مسعود رضي الله عنه في العراق رجلاً يغني (يقصدون مالك بن دينار) فقالك ما أجمل صوته لو كان في تلاوة القرآن. أيقول حاكم العراق هذا الكلام في منكر عظيم؟! فقط؟؟ هذا ما وسعه! أفلا يسعكم إذاً أن لا تحرموا وتقولوا ما يقوله ابن مسعود ويحكم به عمر ويفعله ابن عمر؟!! هذا الحديث حجة علي من حرم الغناء والمعازف، فهو يدل على وجود المعازف بين المسلمين في الخلافة الراشدة وفي العراق تحت حكم الصحابي الجليل اين مسعود الذي قال عنه عمر لآهل العراق: لقد آثرتكم بعبدالله بن مسعود. فهذا والحمدلله يشير لوجود زمارة في عصر الخلافة وعصر النبي صلى الله عليه وسلم دون إنكار على الراعي ولا منع. فمن منع زمارة أو أنكر على عازف أو راعي فقد عمل بخلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه. فلا حجة بهذا الأثر وأشباهه من أقوال بعض الأصحاب.

٥- وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي). قالوا ولفظ "نهى" أو "بئس الكسب" دليل التحريم.

التحقيق: روى الإمام مسلم في (صحيحه): "شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام" وفي رواية: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكسب البغي وثمن الكلب وعسب الفحل" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وفي صحيح مسلم وغيره: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر" .. وفي الباب الكثير. ففقه هؤلاء المحرمين أن الحجامة حرام! لأن النهي ورد في كسبه! والكلب حرام. والنذر حرام. ولا يقول بهذا أحد رغم أن العلماء اختلفوا في كسب الحجامة وثمن الكلب .. الخ. فكون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الزمارة لا يعني تحريم المعازف! هذا فقه معوج. 
وعلى أية حال فالزمارة لها معنيان عند العرب وأهل الحديث:المعنى الأول أنها المغنية، فإذا كان هذا المعنى فإنه يعني أنه ورد النهي في التكسب من المغنية، مثل ما ورد النهي في التكسب من الحجامة، وكلا الأمرين مباحان في الأصل، أي المغنية والحجامة؛ لأننا ذكرنا أحاديث المغنيات في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت غيره في وقته وإقراره بل وطلبه من عائشة أن ترسل للعروس مغنية تلهو لأن الأنصار يحبون اللهو، كما ذكرنا في الحديث الصحيح. والمعنى الثاني، وهو ما رجحه أبو عبيد القاسم بن سلام: "قال الحجاج (شيخه ابن محمد المصيصي): الزمارة الزانية"، وهذا لاشك في حرمته، قال تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 33). وكلا المعنيين ذكرهما الجاحظ. وسواء ذهبت مع المعنى الأول أو الثاني فلا دليل على الحرمة ألبته.

هذه أقوى الأحاديث على ما وجدت التي استند إليها من يرى بالتحريم، فقارن بين ما ذكرناه من القوة والوضوح في الحلال وبين التأويلات الصعبة والتركيبات والتي لم تدل على التحريم، بل على فهم هذا الإمام أو ذاك، مع التقدير والاحتزام لآرائهم، لكن لا يلزمنا من كان في قول عالم أو شيخ، ما لم يأتي بالدليل المقنع والواضح، فنحن أحرار نختلف عن جموع كبيرة من أتباع الأديان، بما فيهم غالبية المسلمين اليوم، لا نتبع عمياناً بل ما وجدناه مدعماً في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قبلناه، وما لم نجده حكمنا رأينا ومصلحتنا وقلوبنا، مع تقديرنا لمن رأي الحرمة، ونتأول له صلاحه وحسن نيته وورعه وخشيته، ونرجو الله أن يكافأه على نيته. ولما ذكرنا العلماء في هذه المقالة فإننا لم ولن نقصد أن ننزل من مكانتهم، بل العكس، أنزلناهم منزلتهم، فهم بشر، يخطئون، ويتجاوزون، ويسهون، ولهم بذلك الأجر حتى إذا أخطآوا، ومنزلتهم عالية وكريمة بالذات الشيخ الألباني والإمام بن تيمية وابن القيم، فهؤلاء ممن تأثرت بهم ولا زلت، وتعلمت منهم ولا زلت، وعكفت الساعات والليالي أقرأ لهم ولازلت، لكن كل يؤخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يرد، وإلا صاروا، كما هم عند البعض، أنبياء مجردون من الخطأ، فأنزلناهم منزلتهم في الاجتهاد لا التشريع ولا الحق في ذلك. والمشرع هو الله ومن خلال كتبه وأنبياءه، والله أعلم.
سئل الإمام بدر الدين بن جماعة عن الغناء وحكمه فقال: هذه مسألة خلافية تباينت فيها الطرق تباينا لا يوجد في غيرها، وصنف العلماء فيها تصانيف، ولم يتركوا فيها لقائل مقالاً، وملخص القول أن الناس على أربعة أقسام فرقة استحسنت، أي استحبت، وفرقة أباحت وفرقة كرهت وفرقة حرمت وكل واحدة من هذه الفرق على قسمين: فمنهم من أطلق القول ومنهم من قيده بشرط (الإتحاف للزبيدي: 7/7).
وذكر ابن حجر الهيتمي في "كف الرعاع" (2/277-278) أحد عشر قولاً في حكم القسم الثاني من الغناء الذي أصبح صناعة يتفنن فيها المتفنون ويدخلها التلحين والتحسين، وهو الذي اختلف فيها إذ الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان لنفسه أو غناء الأم لطفلها أو حداء الأعراب ونحو ذلك لا يشك أنه مباح.

ثالثاً: دعوى الإجماع وأقوال العلماء:/>
ذكرنا الأدلة التي استند لها من يرون تحريم الغناء والموسيقى من تفسير آيات وأحاديث نبوية، دعنا نكمل مع من رأى بأدلة التحريم.

1- ادعاء البعض بالإجماع على تحريم الغناء و / أو المعازف: أولاً يجب العلم بأن مدعي الإجماع يعمدون إلى ذلك القول عندما تبطل حججهم؛ فالإجماع يستحيل إدعائه، كون العالم الإسلامي ليس لديه هذه القدرة لا في القديم ولا في الحديث من تكنولوجيا متابعة الأقوال في كل الأمكنة. وقد كان من الممكن حصول ذلك في العصر الأول (عصر النبوة) كون أن الأعداد كانت قليلة، لكن ما توفى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وأصحابه آلآف الكيلومترات وبالآلآف من أهل العلم مفرّقون على الأرض شرقاً وغرباً. وإدعاء الإجماع في عصر النبوة والصحابة خطأ وخطر، فهل يُعقل أن يكون حلالاً ثم يحرمه الصحابة أو التابعون؟! هذا اتهام للإسلام بالتقصير أو للصحابة والتابعين بالتطاول!
وإدعاء الإجماع بالذات في القضايا الخلافية غير ممكن ولهذا قال الإمام أحمد: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه! ونسب الإمام أحمد ذلك الفعل لبشر المريسي المتهم بالبدع العظام (مسائل أحمد لابنه عبدالله نص 1826). ومع ذلك فقد ادعى إجماع أهل العلم كثيرون!
وقد ألف العلماء كتباً في ابطال من زعم الإجماع في الغناء، ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني وله كتاب: “إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع“، بل نقل فيه عن ابن طاهر العكس من أهل المدينة، وهو قوله في إباحة العود: هو إجماع أهل المدينة. فلا إجماع على هذه المسألة بل أنه ثبت من يقول بحليته في كل عصر من العصور، كما سنذكر بعضاً منهم وفي مدن وعصور مختلفة بداية بالصحابة وإلى أفاضل الخلفاء.

٢- وقالوا: أن أكثر أهل العلم على تحريم الغناء والمعازف، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة والمشاهير مثل شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً: وهذا الكلام لا يؤخذ بجملته، ولا يُسلم له، ولربما رأى أبو حنيفة ومالك بحرمة مجالسه وكراهيته، وأن الصحيح في مذهبي الشافعي وأحمد الكراهة، وأن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رأيا في التحريم كذلك، لكن الإسلام ليس هؤلاء الفقهاء فقط، بل العلماء خالفوا هؤلاء العلماء الأجلاء في مئات بل آلآف المسائل، ومثال محاكم الكويت الشرعية عندنا خالفت، وحسناً فعلت، اجماع الأئمة الأربعة، وأخذت بقول عمر رضي الله عنه في عدم وقوع الطلاق ثلاثاً إلا بمراجعة، بل طلقة واحدة ولو قالها ألف مرة، وتلقى هذا الرأي الصائب علماء الكويت بالقبول والرضى. ومع ذلك فقل خالف أئمة المذاهب شيوخهم وأئمتهم عملاً بأقوالهم في الاتباع لا التقليد، والعجيب والمفارقة في محاربة المحرمين للمذاهب واتباعها والتقليد إلا في المسائل التي تتوافق مع رأيهم فهم يستنيرون بها. وللتذكير فقط فإن الأئمة يقولون "إذا صح الحديث فهو مذهبنا". قال الإمام أبو حنيفة: حرام على من يفتى بقولى ولم يعرف دليلى، قال الأمام مالك: كل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، قال الإمام الشافعى: إذا جاءكم الحديث يخالف قولى فاضربوا به عرض الحائط، وقال الإمام أحمد: لاتكتبوا عنى بل خذوا مما أخذت منه (أى القرآن والسنة). فهذا مذهب الأئمة الأربعة لا التقليد والنقل دون تمحيص، فبدلاً من نقل الفتوى، لو نُقل لنا الدليل نناقشه!

ومن أئمة المذاهب المعتبرين الذين قالوا بالجواز: الإمام أبو منصور البغدادي الشافعي (ت 429)، وله مؤلف في السماع نقل فيه الأدلة والأقوال، وابن عبدالبر القرطبي المالكي (ت 463)، قيل أنه لم يكن أحد بحفظه في الحديث في زمنه، وكانت له الإمامة في المغرب (ابن خلكان)، والشيخ عبدالغني بن إسماعيل النابلسي الحنفي (ت 1143)، وله عشرات المؤلفات، وله كتاب " إيضاح الدلالات فى سماع الآلات"، وأبو الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي الأدفوي (ت 748)، وله مؤلف "الامتاع في أحكام السماع"، ومنه اختصر الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي (ت 748) رسالته "رسالة الرخصة في الغناء والطرب" هذه الرسالة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم (7159)، والذهبي عاصر بن تيمية ويحبه ويحترمه لكنه خالفه في مسائل في الأصول والفروع ومنها هذه، ومنهم أيضاً سلطان العلماء (هكذا لقبه شيخ الإسلام بن دقيق العيد) العز بن عبدالسلام الشافعي (ت 660)، وكان يقول بإباحة العود، والإمام الكبير أبو بكر بن العربى المالكى (ت 543) وقد أباح الغناء والعود، وحجة الإسلام المجدد إبو حامد الغزالي الشافعي (ت 555)، صاحب كتاب "إحياء علوم الدين"، وبالغ أخوه في تكفير من رأي التحريم، وهو أبو الفتوح أحمد الغزالى الواعظ المؤثر وله كتاب "بوارق الإلماع فى تكفير من يحرم السماع" مطبوع عن دار الحرمين. ومن الحنابلة آبوبكر الخلال صاحب الإمام أحمد بل روى عن الإمام أحمد عدوله عن الكراهية وإياحة الغناء، وفي ذلمك ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 221): وقد روينا أن أحمد سمع قوالاً عند ابنه صالح فلم ينكر عليه. فقال له صالح: يا أبت أليس كنت تنكر هذا؟ فقال: إنما قيل لي أنهم يستعملون المنكر فكرهته، فأما هذا فإني لا أكرهه . قال ابن الجوزي رحمه الله: قلت، وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء. ومن الظاهرية كثير جداً، فغالبهم إن لم يكن جميعهم يرى بجواز الغناء، ومعظمهم على حلية الآلآت، ومنهم شيخ الظاهرية بن عقيل في كتابه المسمى بالفصول، قال: صحت الرواية عن أحمد أنه سمع الغناء عن ابنه صالح وذكر ذلك شارح المقفى .. وجمع غفير من العلماء الأكارم من أئمة المذاهب.

ومع ذلك فقد ذكر الشافعي في كتاب "الأم" ( 6 – 209 ): ليس بمحرم بيّن التحريم. ونقل الماوردي في الحاوي (2 – 545) أن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي لم يحرموه (يعني الغناء). وقيل أن المحرم حتى لدى الأئمة الأعلام الذين رأوا ذلك ليس الغناء بذاته ولكن ما يصاحبه في تلك المجالس المعروفة وقتها، قال البغوي في شرح السنة (4 –322): الغناء بذكر الفواحش والابتهار بالحرام و المجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء. فحتى زعم أن الأئمة الأربعة حرموه لا يُسلم له.

ومن غير أئمة المذاهب ممن رأوا بالجواز: أبومحمد بن قتيبة الدينوري (ت 276)، وألف كتب "الرخصة في السماع"، وأبو محمد ابن حزم الأندلسي (ت 456)، الإمام الحجة، ومحمد بن طاهر المقدسي (ت 507)، نقل الشعراني في "الميزان الكبرى": صنف الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي كتاباً نقض فيه أقوال من قال بتحريم السماع، وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم، وذكر من جرحهم من الحفاظ، واستدل على إباحة السماع واليراع والدف والأوتار بالأحاديث الصحيحة وجعل الدف سنة. ومؤلفه وصف بأنه واسع البحث وقد تداوله أجلاء. انتهى. قال السمعاني: سألت أبا الحسن الكرخي الفقيه عن بن طاهر فقال: ما كان على وجه الأرض له نظير. قال الشيخ ابن غفار القوصي: وقد قرأت ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به الحافظ أبو طاهر السلفي الأصبهاني بسماعه من المصنف. وقال: لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت الهزار والبلبل وكل طير حسن الصوت فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الأوتار.

ومن المشايخ المعاصريين مئات ممن يرون بعدم حرمة الغناء والموسيقى، ومنهم العلامة يوسف القرضاوي (قطر) الذي تلقته الأمة بالقبول والمحبة عدا بعض المتشددين، والشيخ محمد الغزالي (مصر)، والشيخ د. خالد المذكور (الكويت)، د. عبدالستار أبو غدة (سوريا) ، الشيخ د. أحمد بن قاسم الغامدي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة (السعودية)، والشيخ احمد الكبيسي (العراق)، والشيخ عبد العزيز المشعل (السعودية)، وإمام الحرم الشيخ عادل الكلباني (السعودية) (بالخصوص العرضات والرقصات الشعبية والغناء العفيف)، والشيخ عبدالمحسن العبيكان (السعودية)، ورقص في العرضة علناً ليدلل على حليتها، والشيخ محمد مختارالسلامي (تونس)، والشيخ د. عصام احمد البشير (السودان)، والشيخ الدكتور محمد عماره (مصر)، وشيخ الأزهر محمود شلتوت (مصر)، الشيخ عبدالله الجديع (العراق)، والشيخ عبدالحليم محمود (مصر) ... ومئات آخرون، ليس همنا تكثيرهم لكن رد وبطلان قول من قال أن هذه المسألة لم يقل فيها أحد من أهل العلم المعتبرين، فهؤلاء معتبرون وفوق الاعتبار سواء من أئمة المذاهب أو المستقلين.

ومن هنا سقط قول من قال بإجماع المذاهب أو علماء عصر، ومنهم قول الشيخ الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها" (السلسلة الصحيحة 1/145)، فهذا كلام غير صحيح وغير دقيق وغير علمي، وقد أثبتنا عكسه، ومثله يقال كثير.

٣- واستند المحرمون على أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال: ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال في نونيته رحمه الله:
حب القرآن وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان

والله ما سلم الذي هو دأبه
أبدا من الإشراك بالرحمن

وإذا تعلق بالسماع أصاره
عبداً لكـل فـلانة وفلان

التحقيق: إذا كان يوم القيامة فالناس لا تدخل الجنة والنار بحسب سماعها للموسيقى أو الغناء من عدمه! إن هذه المسألة أعلى وأكبر لمن استدلوا بذلك، وإذا صح هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنه فلا يمكن يقصد به أن الغناء يدخل جنة أو ناراً، والعياذ بالله، فهذا يخالف ما يعتقده المسلمون سنة وشيعة وغيرهم؛ فالناس لا تدخل الجنة بأعمالها بل برحمة الله وتفضله، ومن خلال اعتقاد المرء. وإذا كان يوم القيامة فالغناء سيكون مع أهل الحق ومع أهل الباطل، وسيرافق أهل الحق في الجنة، قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (الروم/15)، أي يغنون. والغناء لا يرافق أهل الباطل إلى النار؛ فالغناء ليس من بيئة النار، ولا من صنيع أهله يوم القيامة، والعياذ بالله، ولكنه من صنيع أهل الجنة. وهذا القول، على أية حال، ضدهم ليس معهم؛ فهذا ترجمان القرآن يقول ليس في كتاب الله ما يحرم!! ولم يحرمه. فحري بمن قال بالتحريم أن يقال عنه أنه خالف ترجمان القرآن الذي قال: لا أقول أنه حرام!

وأما قولهم فيما نقلوه عن ابن القيم في أنه لا يجتمع حب القرآن ومزمار الشيطان، فهو مردود، وخطأ، وهو إدعاء أكبر من حجم من أدعى ذلك. فكم دراسة قام بها من يقول بهذا القول ليثبت هذا المزعم الكبير. وإذا كان ابن القيم - رحمه الله - يرى هذا القول، فهو رأيه، وهو عالم جليل له منزلته وقدره، لكن من ينقلون هذا الكلام على ماذا أثبتوا ذلك، بل كل المؤشرات تكذب هذا الكلام حتى مع من يحترف الغناء لا فقط يسمعه، فهذه أم كلثوم تحفظ القرآن الكريم وتغني، وسمعت لها آخر لقاء إذاعي قبل موتها بيوم وهي في قمة الإيمان وتذكر حبها للقرآن الكريم ولله، وهذا عبدالحليم حافظ يحفظ من القرآن ويحبه، وهذا الشيخ زكريا أحمد، الأزهري الحافظ، والذي لحن لأم كلثوم، ومثله الشيخ أبو العلا محمد، والشيخ سلامة حجازي، والشيخ سيد درويش، وهذا الشيخ مشاري العفاسي يغني الأناشيد ويحفظ القرآن ويصلي بالناس، ومئات من الملحنين والمغنين والمنشدين، وهذا الكلام مزعم كبير ولا يصح كما سأبين ذلك من كبار البشرية المحبوبين. وهذا الملك عبداللله بن عبدالعزيز - حفظه الله - يحضر ويسمع الموسيقى والغناء من الرجال: محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وغيرهما، ومن النساء: يارا وغيرها، ويقوم فيرقص في الجنادرية، ويتم تخصيص ميزانية ضخمة من الدولة لهذه الأعمال، فهلا قام المنكرون فأنكروا، أو قالوا كلمتهم في الحق!! ولا نقر الإمام ابن القيم فيما قال في نونيته؛ فهذا كلام مرفوض، وفيه مزعم كبير، وهو خطأ عقدي، وكيف يقسم بالله بأنه لا يسلم ممن هذا دأبه، ويقصد في دأبه في السماع، من الإشراك؟ والعياذ بالله، فهذا يوقع مليار مسلم اليوم في الإشراك!! وهذا مزعم يحتاج المرء فيه للوقوف بين يدي الله ليثبته على البشرية واحداً واحداً. وكيف سيواجه في هذه العقيدة غير السوية الأئمة الأجلاء الذين سنذكرهم أدناه، وهاك بعض الكبار التي لو قرأ أسمائها شخص يؤمن بصنيع الرجال (وأنا لا أقر ذلك في مبدئي) فلن يتفوه بكلمة سوء على من يسمع الغناء أو الموسيقى بعدها:

خيار البشرية سمعوا الغناء و / أو الآلآت وحضروا مجالسها:/>
ههنا بعض الشخصيات عالية القدر في الإسلام غير ما أثبتناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1- أبوبكر الصديق رضي الله عنه: كما ذكرنا في حديث البخاري الأول، لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعهما" فسكت وأكملتا الجاريتان الغناء والضرب على الدف في بيت النبوة. وفي الحديث الآخر الذي نذرت فيه المرأة الغناء والضرب بالدف فسمح لها النبي صلى الله عليه وسلم وسمع لها ثم جاء أبوبكر فسمع لها .. الخ. الحديث، وتقدم في الدليل على وجوده في السنة.

2- عمر بن الخطاب: في حديث السائب بن يزيد .. بينا رباح يغنيه أدركهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في خلافته، فقال: ما هذا؟ فقال عبدالرحمن (يعني بن عوف): ما بأس بهذا، نلهو ونقصر عنا، فقال عمر: فإن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب (قال الشيخ الجديع: أثر صحيح. رواه البيهقي (224/10) وابن عساكر وإسناده صحيح، وأحمد رقم 1668). وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب، قال: سمع عمر رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض، فقال: الغناء من زاد الراكب (رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، قال الجديع: أثر حسن). وروى البيهقي (10/224): عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجاً مع عمربن الخطاب رضي الله عنه، قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، قال: فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده، يعني من شعره، قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر، فقال عمر رضي الله عنه: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: هلم إلى رجل أرجو ألا يكون شراً من عمر رضي الله عنه، قال: فتنحيت و أبو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر.
(وانظر الإصابة لابن حجر 1/457، والاستيعاب لابن عبد البر 1/4147).

3- عثمان بن عفان: وتقدم في حديث التي نذرت أن تغني عند عودته صلى الله عليه وسلم بالسلامة، ولا تلتفت بقول بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لأنه نذر فقط، فهذا زيغ والعياذ بالله، وهذا يعني لو نذر شخص الزنا علناً أو شرب الخمر علناً لجاز له!! وحاشى لله من هذا الفقه المعوج.

4- حمزة بن عبد المطلب: ثبت في صحيح مسلم (4/658) أنه كان عنده قينة تغنيه.

5- عبدالله بن الأرقم: وعن عبدالله بن عتبة أنه سمع عبدالله بن الأرقم رافعاً عقيرته يتغنى، قال عبدالله: ولا والله، ما رأيت رجلاً قط ممن رأكيت وأدركت كان أخشى لله من عبدالله بن الأرقم (البيهقي بإسناد صحيح (225/10).

6- حسان بن ثابت: وكان سمع جاريتين تغنيان بشعره عند ابنه عبدالرحمن ويبكي. (والأثر صحيح عن الزبير بن بكار، قال الجديع: أثر حسن).

7- عبد الله بن جعفر: صحابي جليل، بايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع، هو وعبدالله بن الزبير، رضي الله عنهما، وهو ابن جعفر الطيار بن أبي طالب، عمه الإمام الخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وزوجه الإمام علي بابنته وابنة السيدة فاطمة زينب، وكان عالماً فقيهاً ورعاً واسع المعرفة، وكان من أسخى الناس. كان يصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهم جميعاً. (الشوكاني في رسالته "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع" ص 17 وفي "نيل الأوطار" 8/105). وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/276): كان عبد الله لا يرى بسماع الغناء بأساً. (كذلك انظر العقد الفريد لابن عبد ربه 6/18، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 7/330). وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/456) ترجمة 93: "كان –أي عبد الله- وافر الحشمة كثير التنعم وممن يستمع الغناء". فلله دره من رجل جمع الدين والأدب والفن معاً.

8- عبد الله بن الزبير: روى البيهقي وابن دقيق العيد بسنديهما عن وهب بن كيسان قال: سمعت عبد الله بن الزبير يترنم بالغناء وقال عبد الله: ما سمعت رجلاً من المهاجرين إلا وهو يترنم. وروى نحوه الفاكهي في "أخبار مكة" (3/27) بسند صحيح، وتقدم ذكره. قال إمام الحرمين وابن أبي الدم: إن الأثبات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن ابن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله له فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير: توزن به العقول. (نيل الأوطار 8/104، وترتيب المدارك 2/134، وإيضاح الدلالات ص 15 وإبطال دعوى الإجماع ص1، وتاج الدين الفزاري ونقله عنه الأدفوي في الإمتاع).

9- معاوية بن أبي سفيان: ذكر ابن قتيبة في كتاب "الرخصة" (إبطال الإجماع ص2 وإيضاح الدلالات ص 15): أن معاوية دخل على عبد الله بن جعفر يعوده فوجد عنده جارية في حجرها عود فقال: ما هذا يا ابن جعفر؟ قال: هذه جارية أرويها رقيق الشعر فتزيده حسنا قال فقلت: فلتقل فحركت العود وغنت شعرا:

أليس عندك شكر للتي جعلت ما ابيض من قادمات الرأس كالحمم؟
وجددت منك ما قد كان أخلفه طول الزمان وصرف الدهر والقدم

قال: فحرك معاوية رجله فقال له عبد الله: لم حركت رجلك ؟فقال: إن الكريم لطروب. وروى ابن قتيبة بسنده: أن معاوية سمع عند ابنه يزيد الغناء على العود فطرب لذلك.

10- عمرو بن العاص: روى الماوردي: أن معاوية وعمراً – رضي الله عنهما - مضيا إلى عبد الله بن جعفر – رضي الله عنه - لما استكثر من سماع الغناء وانقطع إليه واشتغل به ليكلماه فيه فلما دخلا عليه سكتت الجواري فقال له معاوية: مرهن يرجعن إلى ما كن عليه فرجعن فغنين فقال عمرو: إن من جئت تلحاه أحسن حالاً منك فقال له:إليك يا عمرو فإن الكريم طروب. (وانظر الحاوي "الشهادات" (2/547) وإبطال دعوى الإجماع ص2 والإحياء (2/248).

11- المغيرة بن شعبة: رضي الله عنه، حامي رسول الله صلى الله عليه وسلم. نقل الغزالي (الإحياء 2/284)) وأبو طالب المكي في قوت القلوب والشوكاني في النيل (8/105) وفي رسالة إبطال دعوى الإجماع ص 8 والكتاني في التراتيب الإدارية (2/134) والنابلسي في إيضاح الدلالات ص 17 والشيخ تاج الدين الفزاري: أنه كان يبيح السماع.

12- أسامة بن زيد: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاب القائد لجيوش الحرب ضد الردة، رضي الله عنه، روى البيهقي (10/224) وكذلك عبد الرزاق (11/5) بسنده عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: رأيت أسامة بن زيد جالسا في المجلس رافعا إحدى رجليه على الأخرى رافعا عقيرته قال: حسبته قال: يتغنى النصب. (البيهقي 68/10، وابن عبد البر في التمهيد 197/22، قال الجديع: أثر صحيح، وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" ص 128 وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين).

13- وسئل الحسن البصري عن الحداء، فقال: كان المسلمون يفعلونه (ابن أبي شيبة 263/4).

14- سعيد بن المسيب: عن غنيمة جارية سعيد بن المسيب قالت: كان سعيد لا يأذن لابنته في اللعب ببنات العاج، وكان يرخص لها في الكَبَر، يعني الطبل (بن سعد في "الطبقات").

15- عطاء بن رباح: لما سُئل عن الغناء بالعشر، قال: لا أرى به بأساً ما لم يكن فحشاً (البيهقي في "السنن الكبرى" (225/10)، وابن عبد البر في "التمهيد" (198/22).

16- محمد بن سيرين: قال هشام بن حسان أن محمد بن سيرين كان يعجبه ضرب الدف عند الملاك، أي التزويج (المطالب العالية/1815).

17- إبراهيم بن عبدالأعلي الجُعفي، قال: كان سويد بن غفلة يأمر غلماناً له فيحدو لنا (قال الشيخ الجديع أثر صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 264/4، وإسناده صحيح).

18- عبدالعزيز بن الماجشون، عالم المدينة، فقيه الأمة، من جلساء عمر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير، رحمها الله، من التابعين، ثقة، روى له أصحاب الصحاح والسنن ومنه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه، وغيرهم، من أتقى الرجال، وأعرفهم في الدين والعلم والرواية والحديث، قال مصعب بن عبدالله الزبيري: "كان يُعلّم الغناء (يعني يدرسه)، ويتخذ القيان (يعني المغنيات) ظاهراً من أمره في ذلك" أي بالعلن، قال: "وكان أول من علم الغناء من أهل المروءة" (تاريخ ابن عساكر (28/54)، وتهذيب الكمال للمزي (32/337) وسير أعلام النبلاء للذهبي (5/447)).

19- ابنه يوسف بن الماجشون، من أعظم الثقات، رجل علم ودين، روى عن إمام السنة الزهري وكان من طلبته، روى له أهل الصحاح والسنن ومنهم البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه والدارمي والترمذي وغيرهم، طال عمره حتى أدركه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ووثقاه، قال عنه يحيى بن معين: "كنا نأتيه فيحدثنا في بيت، وجوار له في بيت آخر يضزبن بالمعزفة" (التعديل والتجريج للباجي 1240/3)، والمعزفة أي الآلة الموسيقية. قال الخليلي: هو وإخوته يرخصون في السماع"، قال يحيى بن معين: "وهو وإخوته وابن عمه يُعرفون بذلك، وهم في الحديث ثقات، مخرجون في الصحاح" (الإرشاد 2/310).

20- وابن أخيه عبدالعزيز بن عبدالله ابن أبي سلمة، من أتباع التابعين، كان مفتي المدينة هو والإمام مالك، قال الحافظ المحدث أبو يعلى الخليلي: "يرى التسميع، ويُرخص في العود" (الإرشاد 310/1). والتسميع يعني الغناء والعزف.

21- وابنه عبدالملك بن عبدالعزيز، كان مفتي المدينة بعد أبيه كذلك، من أصحاب الإمام مالك، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: "كان فقيهاً فصيحاً، دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته، وعلى أبيه عبدالعزيز قبله، فهو فقيه ابن فقيه"، وقال: "روى عن مالك وعن أبيه، وكان مولعاً بسماع الغناء ارتحالاً وغير ارتحال، قال أحمد بن حنبل: قدم علينا ومعه من يُغنيه" (الانتقاء لابن عبدالبر، ص104). فانظر في هذه العائلة الكريمة من الفقهاء المحدثين الذين يروي لهم الأئمة ومنهم البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومالك بن أنس، فهل تصدق بعد هذا أن يقول الإمام مالك: إنما يفعله عندنا الفساق؟! فإذا كان رواة الحديث من عائلة الماجشون من الفساق وهم في أصول الأحاديث، فكيف يأخذ الحديث من الفساق؟!! سامح الله من كذب على الأئمة دون تحقيق! والرجاء من الله أن يحشر المرء مع هؤلاء المغنين الفقهاء المحدثين يوم القيامة.

22- أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، كان من الثقات، ومن الأئمة الأعلام، ومن كبار الحفاظ، من أتباع التابعين، صاحب الإمام الزهري، روه له كبار الأئمة ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكان مشهوراً بالغناء وسماعه. قال الذهبي: "كان إبراهيم يجبد صناعة الغناء" (سير أعلام النبلاء 274/8). وغنى لهارون الرشيد:

يا أم طلحة إن البنين قد أفِدا
قل الثواءُ لئن كان الرحيل غدا

قال له الرشيد: من كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال: من ربطه الله! قال: فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا الشيء؟ قال: لا والله، إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت لبني يربوع، وهم يومئذ جلة، ومالك أقلهم من فقهه وقدره، ومعهم دفوف ومعازف وعيدان، يغنون ويلعبون، ومع مالك دف مربع، وهو يغنيهم:

سليمى أجمعت بينا
قأين لقاؤها أينا

وقد قال لأتراب
لها زهر تلاقينا

تعالين فقد طاب
لنا العيشُ تعالينا

فضحك الرشيد، ووصله بمال عظيم. (خرج سنده الشيخ الجديع عند ابن عساكر في تاريخه والخطيب في تاريخه، وعد سنده مما يستشهد به ص194).

23- ومن أئمة العراق الكبار الفقيه العلامة عبيدالله بن الحسن العنبري، من كبار الثقات، له علم واسع في الدين، وكان حسن الصوت، يغني، ويسمع الغناء (أخبار القضاة لمحمد بن خلف المعروف 115/2).

24- المنهال بن عمرو الأسدي، المحدث الثقة، الكوفي، احتج به البخاري في صحيحه ووثقه بن معين والنسائي، وكان يضرب بالطنبور (رواه الخطيب في "الكفاية ص183)، وابن عساكر في التاريخ 373/60، قال الجديع: بإسناد صحيح).

- ومن الخلفاء:
25- الخليفة عبد الملك بن مروان (ت 86ﻫـ)، وكان موسيقياً وملحناً عازفاً بأنواع الغناء، يشجع الموسيقا وأهلها.

26- الخليفة سليمان بن عبد الملك (ت 99)، وكان رفيق دربه ومساعده ومستشاره الخليفة الرباني عمر بن عبدالعزيز، وكان سليمان هو وراء تعيين عمر خليفة بعده. وأقام سليمان المسابقات بين المغنيين وأجزل لهم العطاء.

27- وحظى الموسيقيون بالتقدير في عهد يزيد بن عبد الملك (ت 105).

28- الخليفة الوليد بن يزيد (ت 126) وكان يضرب العود ويوقع بالطبل والدف وكان عالماً بصناعة الألحان وله فيها أصوات مشهورة.

29- المتوكل العباسي (ت 247) وكان موسيقياً، وروى أنه كان أحذق من عنى وضرب على العود، وكان كثير التقدير للموسيقا وأهلها، وكانت زوجته "فريدة" تتقن الغناء. أعاد للإمام أحمد بن حنبل منزلته وأكرمه ورد عنه المظالم التي وقعت عليه ممن حكموا قبله، قال عنه الإمام أحمد: المتوكل في بني العباس كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية. وقالوا: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بنى أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة. وكان يسمع لاسحاق الموصلي، فنان العرب آنذاك، والذي كان أقدر عازفى العود واكثرهم حظوة عند خلفاء الدولة العباسية وهو تلميذ "زلزل" وقد نعاه الخليفة المتوكل يوم وفاته بقولة: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته.

30- أمير المؤمنين العادل المجاهد هارون الرشيد (ت 193)، وكان أشهر الخلفاء في دعم الفن في مملكته التي حكمت نصف الأرض، وفي زمنه صار للفن احترام، فخرج زرياب، صاحب الفن العربي الراقي، والذي صدره لأوربا بعد هجرته إلى الأندلس، أول من أضاف للعود وتراً خامساً، وعندما هاجر إلى الأندلس استقبله أمير الأندلس عبدالرحمن الأوسط، وأعجب في فنه وشعره وعلمه الواسع، فطلب منه أن يؤسس معهداً للموسيقى، وقيل أنه من أكثر من أثر في الأندلس ونقلها من البداوة إلى الحضارة والتنظيم والرقي، وتألق في زمن الرشيد أستاذ زرياب إسحاق الموصلي، وكان مرافقاً دائماً للخليفة يغنيه ويطربه، وكان يعزف العود، وكان الرشيد حاكماً صالحاً، قيل أنه يصلي مائة ركعة في اليوم نافلة، ويتصدق كل يوم، ويحج كل عامين مرة، ويقود الجهاد بنفسه كل عامين، عيّن للدولة قاضي قضاة هو القاضي يعقوب أبو يوسف صحاب الإمام إبي حنيقة المشهور، وعين الزاهد المشهور ابن السماك واعظاً له، دفن في خرسان وهو يقود الجهاد. حاكم هذا عدله، وهذه صفاته، ومات في أرض الجهاد لا في قصره، وازدهرت بلاده العظيمة في وقته، يسمع الغناء والموسيقى ويعزف العود ويدعو المغنيين الكبار لجلساته، فهل هو ممن فيه إشراك ونفاق؟!

31- وأخته عليه بنت المهدي، قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 10/187)، عن عُلَيَّة أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد: «أديبة، شاعرة، عارفة بالغناء، والموسيقى، رخيمة الصوت، ذات عِفَّة، وتقوى، ومناقب. كانت لا تغني إلا زمن حيضها، فإذا طهرت أقبلت على التلاوة، والعلم، إلا أن يدعوها الخليفة، ولا تقدر تخالفه. وكانت تقول: "لا غُفِرَ لي فاحشةٌ ارتكبتُها قطُّ، وما أقول في شعري إلا عَبَثاً"». فاجتمع لها: معرفة الغناء والموسيقى مع التقوى.

ويذكر التاريخ أن أول ضارب بالعود (المهذب) في صدر الاسلام هو "ابن سريج" وكان في مكة، ومنه أخذ العرب إلى اليوم حب آلة العود، ثم "سيرين" التي كانت تتمتع بصوت شجي، والتي نقلت العود المصري ذا الرقبة الطويلة الي الجزيرة العربية، ثم قام "ابن حارث" (ت 624م ) بتعريف أهل مكة بآلة العود والغناء بطريقة صحيحة فنية، وسما قدر الموسيقا وشاع استعمال آلة العود حتى عزفت مائة قينة معاً (يعني سيمفونية متكاملة). وأطلق العرب على آلة العود أسماء مختلفة منها: (ذو الزير)، و(ذو العتب) و(المستجيب)، و(المعزاف) الذى كان له وجه من الرق، و(المزهر أو الموتر) و(البربط).

ونكتفي بهذا القدر وإلا ففي الذاكرة والبحث ما نملئ به كتاباً كاملاً من أفاضل البشرية ممن يسمعون ويستمتعون بالغناء والموسيقى ليس فقط من المسلمين بل من مشارق الأوض ومغاربها.

أحاديث واهية يتناقلها المحرمون وهي مكذوبة:/><b>
إن هذه الأحاديث التي سأذكرها تدلك على أن من يستشهد فيها إما يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهل. لقد أستدلينا بعشرة دلائل صحيحة لا ينكرها المسلمون ولا يختلفون فيها، ورددنا على حجج من استدل بأحاديث صحيحة لكنها غير صريحة بالتحريم، وذكرنا أقوال أهل العلم المعتبرين فيمن لم يروا في الغناء والآلآت حرجاً، ثم ذكرنا أمثلة من أخيار الناس ممن يستمعون الغناء و / أو الآلآت، ونسرد هنا أهم أشهر الأحاديث المتداولة التي ذكرها الشيخ عبدالله الجديع في كتابه القيم (الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام) تحذيراً من استخدامها:

١- "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" أعله ابن حزم في "المحلى"، وابن طاهر في "السماع" وابن القيم في "إغاثة اللهفان" والبيهقي في "شعب الإيمان" وابن رجب الحنبلي في "نزهة الاسماع" قال الشيخ الجديع: فحاصل ما تقدم أن هذا الحديث لا يثبت عن ابن مسعود لا مرفوعاً ولا موقوفاً. ومثله حديث "إياكم واستماع المعازف والغناء، فإنهما ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"، ومثله "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع،، وأمثاله كلها أحاديث واهية، ولو كان ينبت النفاق ما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يفعلونه.
٢- "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الدف ولعب الطبل (وفي موضع الصنج) وصوت الزمارة". قال الشيخ الجديع: حديث ضعيف جداً.
٣- "إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة: لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان". حديث منكر. ومثله "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة". من طريق أنس ضعيف ومن طريق ابن عباس كذب.
٤- "بعثني الله رحمة للعالمين وبعثني لمحق المعازف والمزامير" وأمثاله. بعض طرقه منكرة والأخرى ضعيفة جداً.
٥- "إنما نزلت هذه الآية في ذلك: (ومن الناس يشتري لهو الحديث)" يعني في المغنيات. حديث منكر وسنده واه ويرويه المناكير، ومثله كل ما ورد في بيع القينة وحرمتها.
٦- "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغناء والاستماع إلى الغناء ..". حديث منكر. قال الشيخ الجديع في تحقيقه لهذا الحديث: أورد يعقوب بن سفيان بعد عبارته المذكورة في الهلكى الذين عد فراتاً فيهم، بإسناد صحيح عن الإمام عبدالرحمن بن مهدي قال: "لا ينبغي للرجل أن يشغل نفسه بكتابة الأحاديث الضعاف، فإن أقل ما فيه أن يفوته ما يكتب من حديث أهل الضعف أن يفوته من حديث أهل الثقات". قلت: إذا كان مجرد كتابتها وروايتها فكيف بالاحتجاج بها؟!
٧- "نهى عن المزمار ونهى عن الدف والكوبة ونهى عن الرقص ونهى عن كل ذي وتر ونهى عن اللعب كله .. ونهى عن الغناء ونهى عن الاستماع إلى الغناء .. ". حديث موضوع وأمثاله.
٨- "لعن الله المغني والمغنى له". لا أصل له. يذكره الجهلة والمناكير.
٩- "إن الله يبغض صوت الخلخال ... لا تلبس خلخالاً ذات صوت إلا ملعونة". حديث مضطرب ومتنه باطل.
١٠- "من جلس إلى قينة فسمع لها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة". حديث منكر.
١١- "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة والمغني والمغنى له". حديث منكر.
١٢- أحاديث الحديث بين الله وأبليس وأن قرآنه الشعر والغناء .. الخ. أحاديث خرافة.
١٣- "إن الله يغفر لكل مذنب إلا صاحب عرطبة أو كوبة". لا أصل له يرويه الجهلة.
١٤- "يكون في هذه الأمة خشف ومسخ وقذف في متخذي القيان وشاربي الخمر ولابسي الحرير". ضعيف جداً، ومثله: "إذا ظهر الترد والمعازف ،شرب الخمور ولبس الحرير"، موضوع.
١٥- "ليستحلن ناس من أمتي الحرير والخمر والمعازف وليأتين على أهل حاضر منهم عظيم بجبل حتى ينبذه عليهم ويمسخ آخرون قردة وخنازير". ضعيف.
١٦- "إذا اتخذ الفىء دولاً، والأمانة مغنماً ... وظهرت القينات والمعازف ..". حديث منكر، ومثله "إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة ..". حديث باطل.
١٧- "استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها كفر". حديث كذب لا أصل له.

وينبغي لمن يروي الأحاديث أن يتحرى الصدق، فلا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وفي الحديث أيضاً "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" (رواه مسلم وابن ماجه وأحمد وآخرون)، ومن عرف أن هذه الأحاديث واهية ومكذوبة وجب عليه الكف عن روايتها ونقلها، ولو كانت في بحثه أو صفحته وجب عليه مسحها، ولو كانت لتعليق له وجب عليه مسحه والاعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللبشرية من فعله.

<b>التنبيه من التساهل في التحريم:/><b>
نقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: (أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير (لاحظ: "بيناً بلا تفسير"!!!). وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم - وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
قال أهل العلم: هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته. وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).

إن بعض الناس تطاولوا على حق الله سبحانه وتعالى بالتساهل في التحريم؛ فكلمة حرام عندهم أسهل من كلمة "أهلا"، وخذ فكرة بسيطة من خلال تصفحك على النت وفي الفيس بوك لترى أمة مبتلاة بالتعدي على الله سبحانه ومعتادة على الأمر كأنها، والعياذ بالله، تملك الذات الإلهية! فليحذر هؤلاء الناس من التقول على الله، فالسابقون ما كانوا يقولون حلال وحرام، بل كان أشد أقوالهم "أحبه" أو "لا أحبه" أو "أكرهه" أو "لا نرى بذلك"، أما الكفار في الجاهلية والمبتدعة بعدهم فكانوا هم الذين يتكلمون بالحرام والتحريم. وإذا رأيت المرء يكثر من التحريم فاعتزل مجالسه فهذا مشكوك في عقيدته ولا يأمن الإنسان على دينه معه.

<b>أنواع الناس في التحريم:/><b>
ونلحظ ونحن نناقش هذا الموضوع أن الناس في حدة التحريم - ممن يرون التحريم - كالتالي:
  • أناس رأوا أن هناك رأيين قويين أو أكثر، لكنهم رجحوا الرأي الذي يقول بالتحريم سواء بناء على ما توصلوا له من أدلة أقنعتهم أو تورعاً في ترك الريبة فيما يريبهم. فهؤلاء محترمون، ومثال في الخلاف. هؤلاء نحتسب لهم الصدق والإخلاص والإيمان.

  • أناس يشددون في أن من يستمع للغناء والموسيقى، ولا يرى بالتحريم يخالف آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وكثر منهم يتهمون من خالفهم في دينهم ويسمونهم بأسماء وكنى، وهذا ينم عن ضعف الحجة؛ لأن الواثق من حججه يقال له استمر، بارك الله فيك، لا تحارب أحداً، صاحب الحجة لا يحتاج العراك والصراع والصراخ والتتبع والمحاربة والشتام، بل أن هذا مما ضعف حججهم وقلل أتباعهم أكثر فأكثر.

  • قوم تطرفوا فرأوا التفسيق والفجور فيمن يسمعون الغناء والموسيقى، وشددوا جداً، حتى جعلوه أشد حرمة من الخمر والزنى، فهؤلاء لا يُلتفت إليهم، وفي الغالب منهجهم منفر أصلاً فلا اعتبار لرأيهم. بل قد تكون المغنية المتفسخة المكسورة بين يدي الله في السر أكرم في السماء من هذا الذي يتهم الناس بالفجور والفسق ويدخلهم النار وفق مزاجه، والعياذ بالله. وكم من حديث شريف ذكر دخول عاهر الجنة وعابد النار بسبب هذا التحجرف والتغطرس والتعالي.
<b>خلاصة نأمل أن نصل إليها:/><b>
أتمنى بعد سرد هذه المعلومات ونقلها للناس هنا أن يتحقق التالي:

  1. تخفيف حدة التعالي والتغطرس التي يسلكها المتشددون في الدين.
  2. تبيين أن التحريم بغير أدلة واضحة تعدي على حق الله وتطاول على ما لا يملكه الإنسان من حق. وأن الأمة المتدينة ظاهراً مبتلاة بهوس التحريم، وتلحظ عدم صدقهم من خلال الشتم والسب وتفريغ تلك الأمراض النفسية الداخلية على شكل غضب وسباب.

  3. معرفة أن هذه المسائل وأشباهها خلافية والإسلام يسع الخلاف فيها، ولا يستدعي كل هذه المغالطات والتشدد، فتخطيئ الناس ممن يرون بالحلة يعني تخطيئ الملايين والإسفاف بأقوال آلآف من علماء الإسلام. ذكر الفنان محمد عبده، وهو يتحدث عن الشيخ محمد بن عثيمين، قائلاً: كان الشيخ رحمه الله يقول: أنا أرى حرمة الغناء، لكن محمد عبده يتبع قولاً لعلماء آخرين من أهل السنة والجماعة يرون إباحته. كانت لقاءات الشيخ العثيمين ومحمد عبده كثيرة، وبينهما ود، ومحبة، وهي تؤكد أن الشيخ الراحل، كان يدرك أن محاولة البعض فصل المجتمع وتقسيمه إلى فئات من المقبولين والمرفوضين لمجرد اختلافات قابلة للاجتهاد، هي أمر سيؤدي إلى العزلة الشعورية، التي قادت إلى الهجرة النفسية من مجتمع إلى مجتمع، وإن كان المجتمعان يعيشان في نفس البلد، ثم إلى شقاق وتباغض وربما عنف وشحناء (جريدة الوطن السعودية http://www.alwatan.com.sa/NEWS/writerdetail.asp?issueno=2713&id=4679&Rname=96)
  4. تبيين أن العلماء مجتهدون وليسوا مشرعين؛ فالبينة على من ادعى، ونحن مع الدليل الواضح، وأن معظم ما يستند إليه المحرمون تفسيرات وزيادات وأقوال لا دلالة لها على التحريم.
  5. تبيين أن كلمة "حرام" أو "تحريم" مع الغناء والمعازف مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية والصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة الأربعة، ولم تقال إلا بعد العصور الزكية الطاهرة التقية، فتشجع عليها المبتدعة والمتعصبة والمتشددون، كما يفعلون اليوم. وكان أشد ما يقولون من لا يستحسنون ذلك "لا أحبه" أو "كرهه" أو "لم يستحسنه" أو "لا يعمله أصحابنا" أو "تورعاً" أو شيئاً من هذا القبيل تجنباً لمجارة الله ورسوله وخشية من التقليل في الله ورسوله من كونهم نسوا ذلك أو تجاهلوه، والعباذ بالله. قال الإمام المالكي "ابن العربي" في "أحكام القرآن 3/9" : " وكل حديث يروى في التحريم، أو آية تتلى فيه، فإنه باطل سنداً، باطل معتقداً، خبراً وتأويلاً "، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد. وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع. ووالله لأن قول "الغناء أو الموسيقى حرام" قولة تستحق التوبة النصوح.

    ==============----------------======================---------------


ضوابط إباحة الغناء عند الشيخ القرضاوي والشعراوي والمسير
قال الشيخ القرضاوي -وفقه الله-: اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن، والنغم، والتأثير؟ واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات، والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
ويقول: ليس كل غناء مباحًا، فلا بد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه. اهـ.
وأما الشيخ الشعراوي -رحمه الله- فيقول في تفسيره: ثم يقول تعالى: {فاستمع لِمَا يوحى} [طه: 13]. استمع أنْ تتكلَّف السماع، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم. وتسمَّع. أي: تكلّف أشدّ تكلّفاً لكي يسمع. لذلك؛ فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حين يخبر أنه ستُعم بلوى الغِنَاء، وستنتشر الأجهزة التي ستشيع هذه البلوى، وتصبها في كل الآذان رَغْماً عنها يقول: «مَنْ تسمَّع إلى قَيْنة، صب الآنك في أذنيه» . أي: تكلَّف أنْ يسمع، وتعمَّد أن يوجه جهاز الراديو أو التلفزيون إلى هذا الغناء، ولم يقُل: سمع، وإلاّ فالجميع يناله من هذا الشر رَغْماً عنه. اهـ.
وقال في تفسير قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) لقمان: لا تقُل الغناء، لكن قُلْ: النص نفسه إنْ حثَّ على فضيلة فهو حلال، وإنْ أهاج الغرائز فهو حرام وباطل، كالذي يُشبِّب بالمرأة ويذكر مفاتنها، فهذا حرام حتى في غير الغناء، فإذا ما أضفتَ إليه الموسيقى والألحان، والتكسر والميوعة ازدادت حرمته وتضاعف إثمه. أما ما نراه الآن وما نسمعه مما يُسمُّونه غناء، وما يصاحبه من حركات ورقصات، وخلاعات، وموسيقى صاخبة، فلا شكّ في حرمته. فكل ما يُخرج الإنسان عن وقاره ورزانته، وكل ما يجرح المشاعر المهذبة فهو حرام، ثم إن الغناء صوت فإنْ خرج عن الصوت إلى أداء آخر مُهيّج، تستعمل فيه الأيدي، والأرجل، والعينان، والوسط. . الخ فهذا كله باطل ومحرم. ولا ينبغي للمؤمن الذي يملك زمام نفسه أن يقول: إنهم يفرضون ذلك علينا، فالمؤمن له بصيرة يهتدي بها، ويُميز بين الغثِّ والسمين، والحق والباطل، فكُنْ أنت حكماً على ما ترى وما تسمع، بل ما يرى وما يسمع أهلك وأولادك، وبيدك أنت الزمام إنْ شئتَ سمعتَ، وإنْ شئتَ أغلقتَ الجهاز، فلا حجة لك؛ لأن أحداً لا يستطيع أنْ يجبرك على سماع أو رؤية ما تكره.....
وأما الشيخ المسير فقال في مقاله حول الأعياد، بعد ذكر الخلاف في الغناء..،: ولكن تكمن حرمته في فحش القول، أو إثارة الغرائز، أو إظهار المفاتن ..، أو إسراف بحيث يتخذه ديدنه، ويقصر عليه أكثر أوقاته.
ثم قال: وليكن معلوماً أن الغناء المعاصر قائم على الدنس، والابتذال، وهو معول هدم للقيم، وتفتيت لبناء المجتمع ...".انتهى.
وعليه؛ فإن عامة الغناء المعاصر هو مما يأخذ حكم التحريم حتى عند المشايخ المذكورين.
ولا تعني حرمة الغناء الحكم على مستمعه، أو منشده بالنار؛ وإنما هو مستحق للوعيد، وقد تُرفع عنه العقوبة بعدة أسباب 
والله أعلم.
للمزيد .....  حول الموضوع
https://www.facebook.com/musek9/