الثلاثاء، 16 أبريل 2024

عندي عدد من التساؤلات في مسألة تلبس الجني بالإنس وهي:

 عندي عدد من التساؤلات في مسألة تلبس الجني بالإنس وهي:


أولا: قوله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
فهنا لا يعني التلبس لغة ـ وقبل كل شيء ـ ولكن ذهب كثير من المفسرين أن الآية توضح حالة الذي يأكل الربا بالضيق الشديد والاكتئاب العميق مع علمه أن الربا حرام، مثل الذي يتخبطه الشيطان: أي يضله ويغويه، وهذا غاية ما يريده ويستطيعه الشيطان بابن آدم، لأن الله سبحانه وتعالى لم يمكن الجن من التلاعب بابن آدم المكرم في القرءان.
كيف نفسر قول الله تعالى على لسان سيدنا أيوب عليه السلام: رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب؟.
وهل لنا من ظاهر الآية أن نقول: إن الشيطان يستطيع أن يتلبس بأنبياء الله سبحانه وتعالى وهم المعصومون من ذلك؟ فإن كانوا معصومين من تلبس الشيطان، فهذا فيه دلالة على أن معنى المس ليس هو تلبس الشيطان.
وكيف نفسر قول الله تعالى على لسان إبليس: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم.
دلت الآية على أن الله عز وجل جعل سلطان الجن على الإنس في الوسوسة والغواية والتزيين، وقد تضافرت وتوافرت الآيات الكريمة في القرءان الكريم في هذه المسألة، وما قصة سيدنا آدم في الجنة مع الشيطان إلا أكبر دليل على ذلك.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: الحمد لله الذي رد كيده في الوسوسة.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق.
يفسره كثير من علماء الشرع على أنه خرج مخرج الكناية وليس الحقيقة، أي أن الصورة في الحديث صورة معنوية وليست حسية، وسياق الحديث يدل على ذلك ـ وهو حديث زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف بمسجده ـ خرج ليودعها من المسجد فرآه رجلان من الأنصار فأسرعا المشي فذكر لهما الحديث.
وقوله تعالى: وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا.
فتفسيرها ـ على حسب معرفتي ـ أنهم قديما كانوا إذا دخلوا بطن واد ينادون أو يتعوذون بسيد هذا الوادي من أولاده مخافة أن يضرهم ـ على حد علمهم القاصر.
ومعلوم أن القرءان نقل كثيرا من قصص الأولين ليبين صحتها من عدمها.
فالجن عالم غيبي محجوب عنا عقلا ونقلا.
والأمور الغيبية لا نتكلم فيها إلا بدليل من القرءان والسنة الصحيحة الصريحة.
وإن كان القول بتلبس الجن بالإنس منسوبا لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ـ العلامة ابن القيم ـ اللذين يعدان من كبار علماء الشريعة على مر العصور، إلا أنه لم يسبقهما أحد لهذا القول، والآثار الواردة عن الإمام أحمد بن حنبل في هذا الباب مثل قوله ـ رحمه الله: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه.
قال بعض أهل الحديث إنها ضعيفة ولاترتقي لحجية التلبس.
وقال الإمام الشافعي: من ادعى أنه رأى شيطانا فلا نقبل شهادته، لأن الله سبحانه و تعالى قال: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم.
ومعلوم في ديننا أنه لا عصمة لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك قال العلماء: كائن من كان يؤخذ من قوله ويرد حتى يتبين الحق، ولعل هذا نهج علمائنا قديما وحديثا.
أما المشاهدات والأحداث التي تحصل في زماننا هذا من نطق الإنسان بأصوات أخرى وأن تظهر عليه علامات تدل على المس فما هو إلا هزائم نفسية واضطرابات عضوية وتهيؤات ليست لها علاقة بالجن، وإنما الطب النفسي له تفسيرات وأبحاث في هذه الظواهر وإرجاعها إلى مسائل نفسية.
وإن سلمنا أن الجن يتلبس بجسد ابن آدم، وبعض المعالجين يقرؤون عليه القرءان ليخرج من هذا الجسد، فإن هذه الصورة يمارسها الكفار ممن يدعون أمر التلبس، ويقرؤون على الممسوس ترانيم وأناشيد خاصة بهم ويعتقدون أنها تؤثر في المريض ويحصل له مثل ما يحصل عند قراءة القرءان، مع إيماننا أن القرءان شفاء لما في صدور المؤمنين، وأن الرقية الشرعية ثابته بالكتاب والسنة.
وإن سلمنا بتلبس الجن بالإنس عارضنا مراد الله سبحانه وتعالى في أن الشيطان حدوده وغاية ما يستطيع فعله هو التزيين والغواية وتخبط المؤمن على غير هدى وأنه عز وجل كرم ابن آدم وسخر له ما في السموات والأرض وجعله خليفة له في الأرض، وأنه مكلف بالتكاليف الشرعية وعمارة هذه الأرض، وموضوع التلبس ينافي هذا كله.
كل هذا اسئلة يجيب عنها المختصون لتقرأ ونتفقه في ديننا
د.صهيب طبيب نفسي :
المس الشيطاني التحقيق الشامل - قسم: علم النفس الاسلامي
طرق بابي رجل يقول: إنه بحاجة الى عوني، فقمت لاستقباله وأنا متعب، ودهشت لمرآه، فقد كان عملاقا بادي الصحة، ولم تكن عليه سيماء الفقر!.. وبدأني بالحديث من غير مقدمات! قال: إنه مسكون..!! واستعدت ما قاله، فكرر شكواه مؤكدا أنه مسكون! قلت من سكنك؟ قال: جني عات غلبني على أمري..!! فقت وأنا أضحك: لماذا لم تسكنه أنت؟
إنك رجل طويل عريض؟ فسكت حائرا.. وأخذت أتأمل في ملامحه وحالته العامة ثم قلت: ما أظنك مريضا بالصرع، أتعتريك نوبات ما؟ فلم يزد على القول بأنه مسكون.. إن عددا كبيرا من النساء. وعددا قليلا من الرجال يجيئني بمثل هذه الشكاة، وكنت أبذل شيئا من الجهد في تثبيت القلق، وتسكين الحائر، وإعادة الاستقرار النفسي والفكري الى هذا وذاك.. وشعرت بأن الأزمات الروحية والاضطرابات العصبية من وراء الإدعاء بأن الجن تحتل هذا الجسد. أو تحتك بهذا البائس. وربما استعنت ببعض الرقي والتلاوات والنصائح لجعل أولئك المرضى أحسن حالا، وإن تبيد أوهامهم شيء يطول. وتحدث معي بعض أهل العلم الديني، وكأنهم رأوا إنكاري على أولئك المرضى، وقالوا: لماذا ترفض فكرة احتلال الشياطين لأجسامهم؟.
كان جوابي محددا: لقد شرح القرآن الكريم عداوة إبليس وذريته لآدم وبنيه، وبين أن هذه العداوة لا تعدو الوساوس والخداع «واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا»(61). وليس يملك الشيطان في هذا الهجوم شيئا قاهرا، إنه يملك استغفال المغفلين فحسب: «وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم..»(62).
وقد تكرر هذا المعنى في موضع آخر: «ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين. وما كان له عليهم من سلطان»(63). إن الشيطان لا يقيم عائقا ماديا أمام ذاهب الى المسجد! ولا يدفع سكرانا في قفاه ليكرع الإثم من إحدى الحانات! إنه يملك الاحتيال والمخادعة، ولا يقدر على أكثر من ذلك... قال لي أحدهم: هذا صحيح. لكن ما أوردته لا ينفي أن بعض المردة قد يساور بشرا مسلما وينال منه..! قلت: وأنا ضجر: هل العفاريت متخصصة في ركوب المسلمين وحدهم؟ لماذا لم يشك ألماني أو ياباني من احتلال الجن لأجسامهم؟. إن سمعة الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم؟ إنكم تعلمون أن العلم المادي اتسعت دائرته ورست دعائمه، فإذا كان ما وراء المادة سوف يدور في هذا النطاق فمستقبل الإيمان كله في خطر. فلنبحث علل أولئك الشاكين بروية، ولنرح أعصابهم المنهكة، ولا معنى لاتهام الجن بما لم يفعلوا..!! وجاءني صديق يقول لي: أرى أن تسمع كلام أهل العلم في هذه القضية! قلت مرحبا بكلام أهل العلم، هات ما عندك... قال: إن مس الشيطان للإنسان ثابت بالكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس..»(64).
وأما السنة فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم» وقوله: «فناء أمتي بالطعم والطاعون وخزا أعدائكم من الجن. وفي كل شهادة» وقوله: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا من ابن مريم وأمه عليهما السلام»... قال الشيخ منصور ناصف رحمه الله: إن الواقع من هذا كثير ومشاهد حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد سأل والده ـ كما في آكام المرجان ـ فقال: يا والدي إن قوما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع من الإنس، فقال: يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه! ثم قال الشيخ منصور: من هذا وضع الحق واستبان فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر!. قلت: إقحام الإيمان والكفر هنا لا معنى له، ولعله من غلو بعض المتدينين في إثبات قضايا هامشية.. وأهل الفقه منزهون عن هذا المسلك. إن عالم الفلك لا يعنيه أن تصب مجاري الإسكندرية في الصحراء أو البحر المتوسط، ولا يعنيه أن تمر السفن التجارية من قناة السويس أو تدور حول رأس الرجاء... الذي يعنيني هو عقائد الإسلام وحاضر الوحي الآلهي ومستقبله!.. وعندما تناقلت الصحف أن الشيخ عبد العزيز بن باز أخرج شيطانا بوذيا من أحد الأعراب، وأن هذا الشيطان أسلم، كنت أرقب وجوه القراء، وأشعر في نفوسهم بمدى المسافة بين العلم والدين... إن قدر القرآن الكريم أعظم كثيرا من هذه القضايا.. ونعود الى ما ذكره صديقنا من أدلة على أن الشيطان يسكن جسم الإنسان ويؤثر فيه بما يشاء!. أما الآية الكريمة: «... لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس» فجمهور المفسرين على أن ذلك يوم الجزاء، وسبب هذا التفسير أن أحدا لم ير أكلة الربا مصروعين في الشوارع توشك أن تدوسهم الأقدام!. ومن ثم جعلوا ذلك عندما يلقون الله فيحاسبهم على جشعهم وظلمهم. ونقل الشيخ رشيد عن البيضاوي في هذا التشبيه أنه وارد على ما يزعمون من أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء.. ثم قال صاحب المنار: «فالآية على هذا لا تثبت أن الصرع المعروف يحصل بفعل الشيطان حقيقة ولا تنفي ذلك وفي المسألة خلاف بين المعتزلة وبعض أهل السنة أن يكون للشيطان في الإنسان غير ما يعبر عنه بالوسوسة. وقال بعضهم: إن سبب الصرع مس الشيطان كما هو ظاهر التشبيه وإن لم يكن نصا فيه. وقد ثبت عند أطباء هذا العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التي عالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الحديثة. وقد يعالج بعضها بالأوهام... الخ.
أما حديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فإن القصة التي ورد فيها تشرح المراد منه! قالت صفية ـ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كان رسول الله معتكفا. فأتيته أزوره ليلا. فحدثته، ثم قمت الى بيتي. فقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشي معي مودعا ـ وكان مسكنها في دار أسامة ابن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسرعا! فقال لهما: على رسلكما ـ أي تمهلا ـ إنها صفية بنت حيي! قالا سبحان الله يا رسول الله! قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا..». وظاهر من الحديث ان الرسول يريد منع الوسوسة التي قد يلقيها الشيطان عندما يرى مثل هذا المنظر، ومع أن الصاحبين أنكرا واستعظما أن يجري في نفسهما شيء من ظنون السوء بالنسبة للمعصوم عليه الصلاة والسلام، فإن النبي أراد منع هذه الوسوسة. ولا صلة للحديث باحتلال الشيطان لجسم الإنسان... وأما الحديث الآخر وهو أن الطاعون وخز الجن وهم أعداء البشر يكفينا في شرحه صاحب المنار عندما قال: يرى المتكلمون أن الجن أجسام حية خفيفة لا ترى، وقد قلنا غير مرة: إن الأجسام الحية الخفيفة التي عرفت في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة وتسمى «بالميكروبات» يصح أن تكون نوعا من الجن وقد ثبت أنها علل لأكثر الأمراض، قلنا ذلك في تأويل ما ورد من أن الطاعون من وخزن الجن.. على أننا نحن المسلمين لسنا في حاجة الى النزاع فيما أثبته العلم وقرره الأطباء أو إضافة شيء إليه مما لا دليل في العلم عليه لأجل تصحيح بعض الروايات الآحادية. ونحمد الله على أن القرآن ارفع من أن يعارضه العلم..» ونجيء الى حديث نفس الشيطان للإنسان كما يذكر الرواة.!
ونقول: خيل أي أن الشيطان قابع تحت الرحم يستقبل الوليد القادم وهو شديد الحقد، يقول له: إن قصتي مع أبيك الأول لم تنته بعد. وسأحاول إرهاقك كما أرهقته. ثم ينخسه نخسة يصرخ الوليد الساذج منها. ثم يستقبل بعد ذلك حياته خارج الرحم. وقد اقترب الشعراء من هذا المعنى عندما قال قائلهم: لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد! وقد كانت أم مريم بادية القلق عليها عندما استجارت بالله أن يصونها ويصون ذريتها «وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم»(65) ومريم وابنها على أية حال من عباد الله الصالحين، وليس للشيطان سلطا على أولئك العباد..! وننظر الى الموضوع من خلال أقوال العلماء المحققين، قال صاحب المنار: «في حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما واللفظ هنا لمسلم «كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها» فسر البيضاوي المس هنا بالطمع في الإغواء! وقال الأستاذ الإمام: إذا صح الحديث فهو من قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة ولعل البيضاوي يرمي الى ذلك..! قال الشيخ رشيد: والحديث صحيح الإسناد بغير خلاف، ويشهد له من وجه حديث شق(66) الصدر وغسل القلب، بعد استخراج حظ الشيطان منه، وهو أظهر في التمثيل، ولعل معناه أنه لم يبق للشيطان نصيب، في قلبه ولا بالوسوسة كما يدل على ذلك على قوله في شيطانه «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» وفي وراية مسلم «فلا يأمر إلا بخير».
ثم قال صاحب المنار رضي الله عنه: المحقق عندنا أن ليس للشيطان سلطان على عباد الله المخلصين وخيرهم الأنبياء، والمرسلون! وأما ما ورد في حديث مريم وعيسى من أن الشيطان لم يمسها وحديث إسلام شيطان النبي ـ صلى الله عليه وسلم وحديث إزالة حظ الشيطان من قلبه فهو من الأخبار الظنية، لأنه من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمان بالغيب من قسم العقائد، هي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى: «وإن الظن لا يغني من الحق شيئا»(67) كنا غير مكلفين أن نؤمن بمضمون هذه الأحاديث في عقائدنا. وقال بعضهم: أيؤخذ فيها بأحاديث الآحاد لمن صحت عنده! ومذهب السلف في هذه الأحاديث تفويض العلم بكيفيتها الى الله تعالى... الخ». ومع أن مذهب السلف أحب إلي إلا أن مدافعة أعداء الإسلام تقتضي مزيدا من الحر واليقظة، ولست أحب أن أفتح أبواب الشعوذة والسحر والدجل باسم ان الشيطان احتل بدن إنسان... وقد قبضت الشرطة من أيام على رجل ظل يهوى على أحد المرضى بعصاه حتى أخمده أنفاسه، وكان الأحمق يظن أنه يضرب الشيطان ليخرج، وكان يقول له: أخرج عدو الله! وانتهت المأساة بقتل المريض البائس. وما يرويه صاحب «آكام المرجان في أحكام الجان» أكثره خرافات وخيالات، وإن ذكره ابن حنبل وابن تيمية وغيرهما!. نحن نعلم أن الأرض التي نسكنها هباءة صغيرة في كون ضخم خم يضج بالحياة والأحياء! نعم قد تكون أرضنا حبة رمل على شاطئ الوجود الرحب الذي تختفي أبعاده عن وهمنا!!. ونحن نشعر بسعة الملكوت عندما نتابع مباحث الفلكيين، وقطرات من المعارف التي ترشح عليهم من إدمان النظر في الفضاء.. ونستطيع الحكم بأنه من الحماقة الظن بأننا وحدنا الأحياء في هذا الوجود الكبير!!
إن الذي يبني ناطحة سحاب لا يدع الريح تصفر في جنباتها مكتفيا بإسكان غرفة في سرداب منها.. إن العلم مشحون بالأحياء التي خلقها الله لتدل عليه وتشهد بمجده، ومن غرور البشر أن يحسبوا أنفسهم الحياة كلها. ومع النظر في القرآن الكريم ندرك تلك الحقيقة، يقول الله تعالى: «وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون» ويقول «من آياته خلق السموات والأرض. وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير». والآيات كثيرة، ومنها نعلم أن أبناء آدم نوع من المخلوقات، وليسوا المخلوقات كلها... وهناك الملائكة، ولا نتحدث الآن عن وظائفهم! وقد تكون هناك كائنات أخرى لا ندري شيئا عن سيرتها أو مصيرها، وهناك عالم الجن الذي نومئ هنا الى بعض سماته. إن القرآن الكريم حدثنا عن الشيطان الأكبر إبليس عدو آدم وبنيه! وحدثنا عن الجن مبينا أنهم يأكلون وينسلون ويكلفون وان فيهم المؤمن والكافر والتقى والفاجر. وقد علمنا أن الجن لهم حياتهم الخاصة بهم، وأنهم أشد منا قوة، وأنهم يروننا ولا نراهم! ومع ذلك فإن رجلا من البشر أمكنهم الله من تسخير الجن كسليمان الذي جاء في وصف سلطانه «ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات... إلخ. وفي هذا السياق كشف القرآن الكريم عن أن الجن لا يعلمون الغيب، وأن هوايتهم في إغواء أبناء آدم لا تتعدى المكر السيء واستدراج المغفلين، ولذلك قال في وصف العصاة من البشر «ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين، وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك..». تدبر هذه الجملة(ما كان له عليهم من سلطان) لتعلم حدود مقدرته على الإيذاء!. هل الجراثيم الخفية من عالم الجن؟
لا يستبعد صاحب المنار هذا! مستشهدا بالحديث في سبب الطاعون، وقد يكون رأيه صحيحا! وقد يكون الجن الواعون الخبثاء أصحاب بصر بعالم الجراثيم وأصحاب قدرة في إصابة البشر بهذه الجراثيم وما تحمل من علل!!. ولعل مطالبة المؤمنين بالتعوذ من الجن في أوقات وأماكن معينة ما يشهد لذلك، فالمسلم مكلف عند الذهاب الى الخلاء أن يقول: «أعوذ بك من الخبث والخبائث»! وعندما يتصل بزوجته أن يقول: «اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا». ولا أحب أن أمضي في طريق غامضة المعالم! ولولا أن أشغل المسلمين بأمور توافه، وبيضتهم مستباحة وحدودهم مجتاحة!!. إن هناك قسسا في الأديرة يزعمون أنهم يسخرون الجن،
وهناك رجال منا يرددون الدعوى نفسها.. والفرصة أمام الخرافيين موجودة ليبيضوا ويفرخوا!! ولا يجوز أن ننسى قول الله لكل مسلم «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا». إن المسلم الحق يخاصم الأوهام ويصادق اليقين ولا تستفزه ترهات المرضى.. قرأت هذا الحديث ثم استغرقني الفكر عن عطاء بن أبي رباح، قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أجل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء اتت النبي ـ صلى الله عيه وسلم ـ، فقالت إني أصرع وأتكشف فادع الله لي! قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله ان يعافيك! قالت: أصبر، فادع اله لي ألا أتكشف، فدعا لها.. هذه مرأة مصابة بالصرع آثرت أن تموت به ضامنة الجنة كما بشرها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وكل ما أحبته ألا يتكشف بدنها في أثناء الغيبوبة التي تنتابها، وقد تكفل لها النبي بذلك.. قلت: لو كان مرضها من شيطان يركبها أكان النبي الكريم يتركها صريعة هذا اللعين؟ ما أظن..!. ماذا يقع لو كان المرأة من أهل هذا العصر؟ ربما عولجت بالصدمات الكهربية لتشفى! ربما قال بعض الناس: يسكنها شيطان، وظلوا يضربونها حتى يخرج الشيطان المزعوم منها، وربما خرجت روحها مع الضرب المبرح... ليس لدي مانع من مناقشة الموضوع كله بفكر معتدل مفتوح! أما الذي أرفضه بقوة فهو إقحام الإيمان واكفر في الموضوع كأن الدين سلوك ماجنين، أو نزوع مجانين!!. الخطأ والصواب هنا في تشخيص مرض،
وقد استبعد ما يصدقه الآخرون دون حرج وأنا أريد حماية أمتنا من الشعوذة، والتمائم، وحروف الجمل، واقام الحروف وحساب الطوالع، وصداقة الأشباح وتسخير الجان.. إلخ. المرض الحقيقي عند قوم يتهمونك بأنك تنكر الجن وعالم الغيب، لأنك ترفض أوهامهم، أولئك بلاء على الإسلام. والناس في عصرنا يعانون من الوحشة والإرهاق، وقد لقيني فتيان وفتيات يشكون من مس الشيطان وكد الأعصاب، وهم بحاجة الى مربين رحماء. وفي أقطار أوربا وأمريكا يقوم الأطباء النفسيون بدور كبير في علاج هذه المآسي بيد أن أغلب هؤلاء الأطباء من مدرسة «فرويد» وهو رجل معتل الفكر طافح الشهوة، ووصايا هذه المدرسة تدور على محاربة الكبت، وإرخاء العنان للنفس!. والكبت الدائم قد يكون سبب بلاء، ولكن الكبت الموقوت دعامة التربية والترقي.. والتفرقة بين الأمرين لا يعرفها عديمو الإيمان تاركو الصلوات، أحلاس الشهوات. وهناك شيء كان أولى بالمتدينين أن يعرفوه ويعرفوا الناس به، ذاك أن شياطين الإنس والجن تنتشر في كل مكان، وتحاول الإيقاع بكل إنسان، والاستعاذة منها واجبة ونافعة!. وقد أمر الله بها نبيه «وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون»(68). وكان رسول الله يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه ونفثه»(69). ومن أدعيته: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت» هذا المسلك أفضل من إشاعة سكنى الشيطان لبدن الإنسان والاحتيال على طرده بشتى الأوهام
=
علاقة الشيطان بالإنسان علاقة العداوة والبغض، وقد أوضح القرآن الكريم أن تلك العداوة من جانب الشيطان لا تتعدى الوساوس ومحاولة خداع الإنسان كي يقع في الأخطاء التي تسلبه إيمانه بالله (عز وجل)، وقد شرح القرآن الكريم عداوة إبليس وذريته لآدم ونبيه والله تعالى يقول: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)، «سورة الإسراء: الآية 64»، فالجن أو الشيطان لا يملكون الدخول في جسد الإنسان كما يدعي الدجالون والنصابون، ولو كان الشيطان يملك «ركوب» الإنس، كما يزعم هؤلاء لمنع كل المسلمين من الذهاب للمسجد ولمنعهم من أداء فروض الله عز وجل، ولكن الحقيقة أنه لا يملك أكثر من الاحتيال والخداع ويستغل تلك الأمور لتضليل الناس عن السبيل الحق.
ويضيف: «هناك من يرددون دوماً الآية القرآنية التي قال الله عز وجل فيها: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ...)، «سورة البقرة: الآية 275»، والزعم بأن تفسيرها يؤكد أن الجن يدخل أجساد البشر ويستغل تلك الأجساد لممارسة ما يريده من أفعال غريبة ونحن نرد عليهم بأن المفسرين أكدوا أن تفسير تلك الآية يشير إلى تعرض آكلي الربا لهذا الموقف يوم القيامة وليس في الحياة الدنيا وحتى في الحديث الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»، المقصود به أن النبي يحذر المسلمين من الاستجابة لوساوس الشيطان، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أم المؤمنين صفية قالت كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت إلى بيتي، فقام يمشي معي مودعاً فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا، فقال لهما: على رسلكما - أي تمهلاً - إنها صفية زوجتي، قالا: سبحان الله يا رسول الله قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً»، أي أن الحديث للدلالة على قدرة الشيطان على الوسوسة للإنسان وليس على قدرته على الدخول في جسده». مكاسب ماديةويتابع الجندي: «الحديث عن وجود حالات يدخل فيها الجن جسد الإنسان، إنما هي أمور غير صحيحة على الإطلاق يستغلها الدجالون والنصابون لتحقيق مكاسب مادية على حساب البسطاء والمخدوعين بتلك الخزعبلات،
ولا بد أن نتذكر أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الصحيح: «لكل داء دواء»، وهذا يعني اللجوء إلى أهل الاختصاص من الأطباء وفق المنهج العلمي الذي يقدره الإسلام ويضع العلماء في مرتبة الأنبياء، أما ما نراه في عصرنا هذا من زعم الناس لدخول الجن في جسد الإنسان وتلاوة بعض آيات القرآن والاعتداء على المريض لإخراج الجن من جسده، إنما هو دجل ونصب واحتيال على السذج من البشر، فالقرآن الكريم هو علاج للأخلاق وبناء الإنسان وتوجهاته في الحياة، وما يحدث الآن وسيلة لابتزاز الأموال بطرق غير مشروعة، وكونهم يرفعون كلمة القرآن والعلاج بها فهو قول صدق، ولكن تطبيقه خاطئ لأن العلاج بالقرآن علاج للأنفس وليس للجروح والأمراض كالصرع واستخراج الجن وغيرها، ومثل هذه الظاهرة تحدث عندما يتوارى العلم والعقل والثقافة ودخول الناس في دائرة اليأس والإحباط، وهي مسألة متداخلة بين المعالج والمريض الذي ينساق وراء ظواهر الجهل من قدرة هؤلاء المعالجين على جلب الشفاء». خداع الناس الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر يقول: «إن دخول الجن جسد الإنسان أمر مستحيل، وهي أوهام يعمل على ترسيخها في أذهان الناس المشعوذون بهدف السيطرة على عقول الناس وابتزازهم مادياً، وهكذا تجد في كل عصر وفي كل زمان ومكان من يستطيعون خداع الناس والإدخال في نفوسهم أن الجن «يلبس» جسم الإنسان،
حيث يلبسون الجن كل المشكلات التي يعاني منها الإنسان فمن طلقها زوجها أو هجرها ومن خسر عمله وهلم جرا يخدعهم الدجال بزعم أن الجن هو السبب، وهكذا أصبح الجن هو السبب في الحب والبغض والزواج والطلاق وجلب الخير ودفع الشر ليربح الدجالون من وراء كل هذا أموالاً طائلة، ولكن المؤكد شرعاً أن الجن أو الشيطان لا سلطان له على الإنسان إلا الغواية والإنسان الذي يؤدي شعائر دينه ويؤدي واجباته الدينية، كما ينبغي ويؤمن بالله ورسوله ويدرك أن إرادة الإنسان محررة من كل هذه الخرافات التي يروج لها البعض لا يسيطر عليه أي شيء ومن فضل الله تعالى ورحمته بعباده المؤمنين أنه بشرهم أنهم متى أخلصوا له العبادة والطاعة وأدوا ما كلفهم به بإحسان وخشوع،
فإن الشيطان لا يستطيع أن يؤثر فيهم أو أن يمسهم بسوء وقد اعترف إبليس بذلك في آيات منها قوله تعالي: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)». ويضيف: للأسف يستند بعض الناس في ادعاءاتهم بالمس إلى الآية الكريمة في سورة البقرة: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)، «الآية 102»، ولا يتوقفون أمام الآية اللاحقة لها (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، ومعلوم أن أول الآية (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)، فهي تتحدث عن زمان مضى في عهد نبي سبق، أما في عهد محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فالآية من سورة «فصلت» فيها العلاج كله وهي قوله تعالي: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)، فاليقين أننا إذا قلنا نعوذ بالله من الشيطان فإن شر الشيطان يذهب كله، ومن هذا المنطلق لا بد أن يعي المسلم الواثق في أمر الله عز وجل وقضائه وقدره أن الشياطين تنتشر في كل مكان وتحاول الإيقاع بكل إنسان والاستعاذة منها واجبة ونافعة وقد أمر الله بها نبيه (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)، «سورة المؤمنون: الآيتان 97 - 98». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه»، أي أن تحذير النبي كان من وساوسه، وقد اعتبر الإمام الشافعي من يزعم أنه رأى الجن فاسق لا يجوز الاستماع أو القبول لشهادته في أي أمر لأنه يناقض قول الله تعالى: (... إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ...)، «سورة الأعراف: الآية 27». السر والعلنويضيف:
لو بحثنا بين الناس فلن تجد مسلماً يراعي تعاليم الدين في السر والعلن يصاب بمثل ما يزعم هؤلاء الدجالون بالمس من الجان والقول بأن قراءة القرآن على الممسوس تجعله يتغير لونه ويتحول صوته مردود عليه بأن الثابت أن القرآن الكريم يطرد الشياطين لما له من وقع أليم في قلوبهم، وفي هذا يتساوى شياطين الإنس والجن على حد سواء، ولذلك نجد من العصاة من بني آدم من يتضايق، بل ويتلوّن ويرتعش من شدة الضيق الذي يجده في صدرة عند سماع آيات القران، وذلك لأن الشيطان قد استحوذ عليه والعياذ بالله، ولكن للأسف يتخيل البعض أن هذا الإنسان ممسوس ويتوجهون به لدجال يقرأ عليه ثم يقوم بجرحه بزعم إخراج الجن من جسده، ولكن الحقيقة أن هذا الدجال هو من شياطين الإنس وهو يستغل شياطين الجن للحصول على أموال ضحاياه وقد بين الله جل في علاه أيضاً أن جنود الشيطان قد تكون من الجن والإنس على السواء فقال تعالي: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً). لا سلطان للجان على بني آدم.. إلا الإغواء بالوساوس أسامة القوصي السيطرة على عقول الناس وابتزازهم مادياً هي الهدف صبري عبدالرؤوف أمور غير صحيحة يستخدمها النصابون لتحقيق أغراضهم خالد الجندي كادر التفسير العلمي يقول الدكتور أسامة القوصي المفكر والداعية الإسلامي المعروف: قد لا يعرف الكثيرون أنني درست في بداية حياتي الطب النفسي وتخصصت فيه وعندما بدأت في القراءة في الفقه وغيره من العلوم الشرعية استوقفني كثيرا موضوع دخول الجن جسد الإنسان وكثيراً ما كانوا يأتون بشخص تحدث له تغيرات في جسده وصوته ويزعمون أن بداخله جناً ، ولكن ومن خلال دراستي الطب النفسي وقراءتي كتب الشريعة أجزم أن دخول الجن في جسد الإنسان مستحيل وأستطيع أن أوضح حقيقة الكثير من الظواهر التي تصاحب جسد الإنسان المريض نفسياً عندما يتخيل المحيطون به أنه «ملبوس» من قبل الجن والحقيقة أن الأطباء اكتشفوا أن هناك نوعين من الهلاوس الأول هو السمعية وهي الهلاوس التي تجعل المريض يسمع ما لا يسمعه المحيطون به أما الهلاوس اللمسية فتجعل المريض يشعر أن شخصاً ما يلامسه وأنه وحده من يشعر بذلك، وهي الهلاوس التي تزول بالعلاج الطبي سواء بالعقاقير أو العلاج النفسي، وقال: أقصى ما يستطيع أن يفعله الشيطان للإنسان هو الوسوسة وغير ذلك إنما هو مجرد خرافات متوارثة.
المس الشيطاني .. حقيقته وعلاجه
=======================
طرق بابي رجل يقول: إنه بحاجة الى عوني، فقمت لاستقباله وأنا متعب، ودهشت لمرآه، فقد كان عملاقا بادي الصحة، ولم تكن عليه سيماء الفقر!..
وبدأني بالحديث من غير مقدمات! قال: إنه مسكون..!! واستعدت ما قاله، فكرر شكواه مؤكدا أنه مسكون! قلت من سكنك؟ قال: جني عات غلبني على أمري..!!
فقت وأنا أضحك: لماذا لم تسكنه أنت؟ إنك رجل طويل عريض؟ فسكت حائرا..
وأخذت أتأمل في ملامحه وحالته العامة ثم قلت: ما أظنك مريضا بالصرع، أتعتريك نوبات ما؟ فلم يزد على القول بأنه مسكون..
إن عددا كبيرا من النساء. وعددا قليلا من الرجال يجيئني بمثل هذه الشكاة، وكنت أبذل شيئا من الجهد في تثبيت القلق، وتسكين الحائر، وإعادة الاستقرار النفسي والفكري الى هذا وذاك..
وشعرت بأن الأزمات الروحية والاضطرابات العصبية من وراء الإدعاء بأن الجن تحتل هذا الجسد. أو تحتك بهذا البائس. وربما استعنت ببعض الرقي والتلاوات والنصائح لجعل أولئك المرضى أحسن حالا، وإن تبيد أوهامهم شيء يطول.
وتحدث معي بعض أهل العلم الديني، وكأنهم رأوا إنكاري على أولئك المرضى، وقالوا: لماذا ترفض فكرة احتلال الشياطين لأجسامهم؟.
كان جوابي محددا: لقد شرح القرآن الكريم عداوة إبليس وذريته لآدم وبنيه، وبين أن هذه العداوة لا تعدو الوساوس والخداع «واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا»(61).
وليس يملك الشيطان في هذا الهجوم شيئا قاهرا، إنه يملك استغفال المغفلين فحسب: «وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم..»(62).
وقد تكرر هذا المعنى في موضع آخر: «ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين. وما كان له عليهم من سلطان»(63).
إن الشيطان لا يقيم عائقا ماديا أمام ذاهب الى المسجد! ولا يدفع سكرانا في قفاه ليكرع الإثم من إحدى الحانات! إنه يملك الاحتيال والمخادعة، ولا يقدر على أكثر من ذلك..
قال لي أحدهم: هذا صحيح. لكن ما أوردته لا ينفي أن بعض المردة قد يساور بشرا مسلما وينال منه..! قلت: وأنا ضجر: هل العفاريت متخصصة في ركوب المسلمين وحدهم؟ لماذا لم يشك ألماني أو ياباني من احتلال الجن لأجسامهم؟.
إن سمعة الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم؟ إنكم تعلمون أن العلم المادي اتسعت دائرته ورست دعائمه، فإذا كان ما وراء المادة سوف يدور في هذا النطاق فمستقبل الإيمان كله في خطر. فلنبحث علل أولئك الشاكين بروية، ولنرح أعصابهم المنهكة، ولا معنى لاتهام الجن بما لم يفعلوا..!!
وجاءني صديق يقول لي: أرى أن تسمع كلام أهل العلم في هذه القضية! قلت مرحبا بكلام أهل العلم، هات ما عندك...
قال: إن مس الشيطان للإنسان ثابت بالكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس..»(64).
وأما السنة فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم» وقوله: «فناء أمتي بالطعم والطاعون وخزا أعدائكم من الجن. وفي كل شهادة» وقوله: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا من ابن مريم وأمه عليهما السلام»...
قال الشيخ منصور ناصف رحمه الله: إن الواقع من هذا كثير ومشاهد حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد سأل والده ـ كما في آكام المرجان ـ فقال: يا والدي إن قوما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع من الإنس، فقال: يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه! ثم قال الشيخ منصور: من هذا وضع الحق واستبان فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر!.
قلت: إقحام الإيمان والكفر هنا لا معنى له، ولعله من غلو بعض المتدينين في إثبات قضايا هامشية.. وأهل الفقه منزهون عن هذا المسلك.
إن عالم الفلك لا يعنيه أن تصب مجاري الإسكندرية في الصحراء أو البحر المتوسط، ولا يعنيه أن تمر السفن التجارية من قناة السويس أو تدور حول رأس الرجاء...
الذي يعنيني هو عقائد الإسلام وحاضر الوحي الآلهي ومستقبله!..
وعندما تناقلت الصحف أن الشيخ عبد العزيز بن باز أخرج شيطانا بوذيا من أحد الأعراب، وأن هذا الشيطان أسلم، كنت أرقب وجوه القراء، وأشعر في نفوسهم بمدى المسافة بين العلم والدين... إن قدر القرآن الكريم أعظم كثيرا من هذه القضايا..
ونعود الى ما ذكره صديقنا من أدلة على أن الشيطان يسكن جسم الإنسان ويؤثر فيه بما يشاء!.
أما الآية الكريمة: «... لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس» فجمهور المفسرين على أن ذلك يوم الجزاء، وسبب هذا التفسير أن أحدا لم ير أكلة الربا مصروعين في الشوارع توشك أن تدوسهم الأقدام!.
ومن ثم جعلوا ذلك عندما يلقون الله فيحاسبهم على جشعهم وظلمهم.
ونقل الشيخ رشيد عن البيضاوي في هذا التشبيه أنه وارد على ما يزعمون من أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء..
ثم قال صاحب المنار: «فالآية على هذا لا تثبت أن الصرع المعروف يحصل بفعل الشيطان حقيقة ولا تنفي ذلك وفي المسألة خلاف بي المعتزلة وبعض أهل السنة أن يكون للشيطان في الإنسان غير ما يعبر عنه بالوسوسة. وقال بعضهم: إن سبب الصرع مس الشيطان كما هو ظاهر التشبيه وإن لم يكن نصا فيه. وقد ثبت عند أطباء هذا العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التي عالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الحديثة. وقد يعالج بعضها بالأوهام... الخ.
أما حديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فإن القصة التي ورد فيها تشريح المراد منه! قالت صفية ـ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كان رسول الله معتكفا. فأتيته أزوره ليلا. فحدثته، ثم قمت الى بيتي. فقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشي معي مودعا ـ وكان مسكنها في دار أسامة ابن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسرعا! فقال لهما: على رسلكما ـ أي تمهلا ـ إنها صفية بنت حيي! قالا سبحان الله يا رسول الله! قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا..».
وظاهر من الحديث ان الرسول يريد منع الوسوسة التي قد يلقيها الشيطان عندما يرى مثل هذا المنظر، ومع أن الصاحبين أنكرا واستعظما أن يجري في نفسهما شيء من ظنون السوء بالنسبة للمعصوم عليه الصلاة والسلام، فإن النبي أراد منع هذه الوسوسة.
ولا صلة للحديث باحتلال الشيطان لجسم الإنسان...
وأما الحديث الآخر وهو أن الطاعون وخز الجن وهم أعداء البشر يكفينا في شرحه صاحب المنار عندما قال: يرى المتكلمون أن الجن أجسام حية خفيفة لا ترى، وقد قلنا غير مرة: إن الأجسام الحية الخفيفة التي عرفت في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة وتسمى «بالميكروبات» يصح أن تكون نوعا من الجن وقد ثبت أنها علل لأكثر الأمراض، قلنا ذلك في تأويل ما ورد من أن الطاعون من وخزن الجن.. على أننا نحن المسلمين لسنا في حاجة الى النزاع فيما أثبته العلم وقرره الأطباء أو إضافة شيء إليه مما لا ليل في العلم عليه لأجل تصحيح بعض الروايات الآحادية.
ونحمد الله على أن القرآن ارفع من أن يعارضه العلم..»
ونجيء الى حديث نفس الشيطان للإنسان كما يذكر الرواة.! ونقول:
خيل أي أن الشيطان قابع تحت الرحم يستقبل الوليد القادم وهو شديد الحقد، يقول له: إن قصتي مع أبيك الأول لم تنته بعد. وسأحاول إرهاقك كما أرهقته.
ثم ينخسه نخسة يصرخ الوليد الساذج منها. ثم يستقبل بعد ذلك حياته خارج الرحم.
وقد اقترب الشعراء من هذا المعنى عندما قال قائلهم:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها
يكون بكاء الطفل ساعة يولد!
وقد كانت أم مريم بادية القلق عليها عندما استجارت بالله أن يصونها ويصون ذريتها «وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم»(65) ومريم وابنها على أية حال من عباد الله الصالحين، وليس للشيطان سلطا على أولئك العباد..!
وننظر الى الموضوع من خلال أقوال العلماء المحققين، قال صاحب المنار: «في حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما واللفظ هنا لمسلم «كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها» فسر البيضاوي المس هنا بالطمع في الإغواء! وقال الأستاذ الإمام: إذا صح الحديث فهو من قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة ولعل البيضاوي يرمي الى ذلك..! قال الشيخ رشيد: والحديث صحيح الإسناد بغير خلاف، ويشهد له من وجه حديث شق(66) الصدر وغسل القلب، بعد استخراج حظ الشيطان منه، وهو أظهر في التمثيل، ولعل معناه أنه لم يبق للشيطان نصيب، في قلبه ولا بالوسوسة كما يدل على ذلك على قوله في شيطانه «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» وفي وراية مسلم «فلا يأمر إلا بخير».
ثم قال صاحب المنار رضي الله عنه: المحقق عندنا أن ليس للشيطان سلطان على عباد الله المخلصين وخيرهم الأنبياء، والمرسلون! وأما ما ورد في حديث مريم وعيسى من أن الشيطان لم يمسها وحديث إسلام شيطان النبي ـ صلى الله عليه وسلم وحديث إزالة حظ الشيطان من قلبه فهو من الأخبار الظنية، لأنه من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمان بالغيب من قسم العقائد، هي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى: «وإن الظن لا يغني من الحق شيئا»(67) كنا غير مكلفين أن نؤمن بمضمون هذه الأحاديث في عقائدنا.
وقال بعضهم: أيؤخذ فيها بأحاديث الآحاد لمن صحت عنده! ومذهب السلف في هذه الأحاديث تفويض العلم بكيفيتها الى الله تعالى... الخ».
ومع أن مذهب السلف أحب إلي إلا أن مدافعة أعداء الإسلام تقتضي مزيدا من الحر واليقظة، ولست أحب أن أفتح أبواب الشعوذة والسحر والدجل باسم ان الشيطان احتل بدن إنسان...
وقد قبضت الشرطة من أيام على رجل ظل يهوى على أحد المرضى بعصاه حتى أخمده أنفاسه، وكان الأحمق يظن أنه يضرب الشيطان ليخرج، وكان يقول له: أخرج عدو الله! وانتهت المأساة بقتل المريض البائس.
وما يرويه صاحب «آكام المرجان في أحكام الجان» أكثره خرافات وخيالات، وإن ذكره ابن حنبل وابن تيمية وغيرهما!.
نحن نعلم أن الأرض التي نسكنها هباءة صغيرة في كون ضخم خم يضج بالحياة والأحياء! نعم قد تكون أرضنا حبة رمل على شاطئ الوجود الرحب الذي تختفي أبعاده عن وهمنا!!.
ونحن نشعر بسعة الملكوت عندما نتابع مباحث الفلكيين، وقطرات من المعارف التي ترشح عليهم من إدمان النظر في الفضاء..
ونستطيع الحكم بأنه من الحماقة الظن بأننا وحدنا الأحياء في هذا الوجود الكبير!! إن الذي يبني ناطحة سحاب لا يدع الريح تصفر في جنباتها مكتفيا بإسكان غرفة في سرداب منها..
إن العلم مشحون بالأحياء التي خلقها الله لتدل عليه وتشهد بمجده، ومن غرور البشر أن يحسبوا أنفسهم الحياة كلها.
ومع النظر في القرآن الكريم ندرك تلك الحقيقة، يقول الله تعالى: «وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون» ويقول «من آياته خلق السموات والأرض. وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير».
والآيات كثيرة، ومنها نعلم أن أبناء آدم نوع من المخلوقات، وليسوا المخلوقات كلها... وهناك الملائكة، ولا نتحدث الآن عن وظائفهم! وقد تكون هناك كائنات أخرى لا ندري شيئا عن سيرتها أو مصيرها، وهناك عالم الجن الذي نومئ هنا الى بعض سماته.
إن القرآن الكريم حدثنا عن الشيطان الأكبر إبليس عدو آدم وبنيه! وحدثنا عن الجن مبينا أنهم يأكلون وينسلون ويكلفون وان فيهم المؤمن والكافر والتقى والفاجر.
وقد علمنا أن الجن لهم حياتهم الخاصة بهم، وأنهم أشد منا قوة، وأنهم يروننا ولا نراهم! ومع ذلك فإن رجلا من البشر أمكنهم الله من تسخير الجن كسليمان الذي جاء في وصف سلطانه «ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات... إلخ.
وفي هذا السياق كشف القرآن الكريم عن أن الجن لا يعلمون الغيب، وأن هوايتهم في إغواء أبناء آدم لا تتعدى المكر السيء واستدراج المغفلين، ولذلك قال في وصف العصاة من البشر «ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين، وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك..».
تدبر هذه الجملة(ما كان له عليهم من سلطان) لتعلم حدود مقدرته على الإيذاء!.
هل الجراثيم الخفية من عالم الجن؟ لا يستبعد صاحب المنار هذا! مستشهدا بالحديث في سبب الطاعون، وقد يكون رأيه صحيحا! وقد يكون الجن الواعون الخبثاء أصحاب بصر بعالم الجراثيم وأصحاب قدرة في إصابة البشر بهذه الجراثيم وما تحمل من علل!!.
ولعل مطالبة المؤمنين بالتعوذ من الجن في أوقات وأماكن معينة ما يشهد لذلك،
فالمسلم مكلف عند الذهاب الى الخلاء أن يقول: «أعوذ بك من الخبث والخبائث»! وعندما يتصل بزوجته أن يقول: «اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا».
و
لا أحب أن أمضي في طريق غامضة المعالم! ولولا أن أشغل المسلمين بأمور توافه، وبيضتهم مستباحة وحدودهم مجتاحة!!.
إن هناك قسسا في الأديرة يزعمون أنهم يسخرون الجن، وهناك رجال منا يرددون الدعوى نفسها..
والفرصة أمام الخرافيين موجودة ليبيضوا ويفرخوا!! ولا يجوز أن ننسى قول الله لكل مسلم «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا».
إن المسلم الحق يخاصم الأوهام ويصادق اليقين ولا تستفزه ترهات المرضى..
قرأت هذا الحديث ثم استغرقني الفكر عن عطاء بن أبي رباح، قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء اتت النبي ـ صلى الله عيه وسلم ـ، فقالت إني أصرع وأتكشف فادع الله لي!
قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله ان يعافيك! قالت: أصبر، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها..
هذه مرأة مصابة بالصرع آثرت أن تموت به ضامنة الجنة كما بشرها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وكل ما أحبته ألا يتكشف بدنها في أثناء الغيبوبة التي تنتابها، وقد تكفل لها النبي بذلك.. قلت: لو كان مرضها من شيطان يركبها أكان النبي الكريم يتركها صريعة هذا اللعين؟ ما أظن..!.
ماذا يقع لو كان المرأة من أهل هذا العصر؟ ربما عولجت بالصدمات الكهربية لتشفى! ربما قال بعض الناس: يسكنها شيطان، وظلوا يضربونها حتى يخرج الشيطان المزعوم منها، وربما خرجت روحها مع الضرب المبرح...
ليس لدي مانع من مناقشة الموضوع كله بفكر معتدل مفتوح! أما الذي أرفضه بقوة فهو إقحام الإيمان واكفر في الموضوع كأن الدين سلوك ماجنين، أو نزوع مجانين!!.
الخطأ والصواب هنا في تشخيص مرض، وقد استبعد ما يصدقه الآخرون دون حرج وأنا أريد حماية أمتنا من الشعوذة، والتمائم، وحروف الجمل، واقام الحروف وحساب الطوالع، وصداقة الأشباح وتسخير الجان.. إلخ.
المرض الحقيقي عند قوم يتهمونك بأنك تنكر الجن وعالم الغيب، لأنك ترفض أوهامهم، أولئك بلاء على الإسلام.
والناس في عصرنا يعانون من الوحشة والإرهاق، وقد لقيني فتيان وفتيات يشكون من مس الشيطان وكد الأعصاب، وهم بحاجة الى مربين رحماء.
وفي أقطار أوربا وأمريكا يقوم الأطباء النفسيون بدور كبير في علاج هذه المآسي بيد أن أغلب هؤلاء الأطباء من مدرسة «فرويد» وهو رجل معتل الفكر طافح الشهوة، ووصايا هذه المدرسة تدور على محاربة الكبت، وإرخاء العنان للنفس!.
والكبت الدائم قد يكون سبب بلاء، ولكن الكبت الموقوت دعامة التربية والترقي.. والتفرقة بين الأمرين لا يعرفها عديمو الإيمان تاركو الصلوات، أحلاس الشهوات.
وهناك شيء كان أولى بالمتدينين أن يعرفوه ويعرفوا الناس به، ذاك أن شياطين الإنس والجن تنتشر في كل مكان، وتحاول الإيقاع بكل إنسان، والاستعاذة منها واجبة ونافعة!.
وقد أمر الله بها نبيه «وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون»(68).
وكان رسول الله يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه ونفثه»(69). ومن أدعيته: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت»
هذا المسلك أفضل من إشاعة سكنى الشيطان لبدن الإنسان والاحتيال على طرده بشتى الأوهام.
---
تغير نبرة صوت المصروع..هل هو دليل على المس؟
شريف السليماني
(فقرة من كتاب "الجن لا يكن الابدان..وهكذا ارى علاقته بالإنسان")"
إن تغير نبرة الصوت الذي يحدث لدى البعض أثناء هذه الحالة (حالة الصرع) من ذكورية إلى انثوية أو العكس أمر ليس مستغربا، فبإمكان الإنسان أن يغير نبرة صوته، ونحن حينما نلعب مع أطفالنا مثلا، نحاول أن نتكلم بنبرة تشبه صوت الاطفال، ونستطيع كذلك أن نحاكي صوت القطط وغيرها من الحيوانت، كما أن الرجل يمكنه أن يحاكي صوة النساء والمرأةَ بإمكانها أن تحاكي صوت الرجال. طبعا، تبقى ملامح الصوت الأصلي بارزة وبإمكان أي إنسان يعرف نبرة صوت الشخص الأصلية أن يجزم بأن الذي يتكلم هو فلان او فلانة رغم محاولة المحاكاة التي يقوم بها الشخص. وانا لا أقول هذا من فراغ وإنما بناء على المشاهدات التي عشتها من خلال ممارستي الرقية. وكثيرا ما سمعت نساء يُضفين على أصواتهن شيئا من الخشونة ليبدو الصوت صوت ذكر، لأنها اقتنعت بأن الجني الذي يسكنها جني ذكر. ولكن مع ذلك تبقى نبرات وصفات صوتها الأصلية هي الغالبة؟ ولو قمنا بقياس نسبة التغير في نبرة الصوت لوجدناها لا تتعدى 20% مثلا (وقد تزيد او تنقص حسب مرونة الحبال الصوتية وحسب قدرة الشخص على المحاكاو) .، لكن الناس الذين ينقلون هذه المشاهدات -ونتيحة لحالة الاستيلاب التي تنتابهم- يبالغون ويصورون المسألة وكأن نبرة صوت الشخص تغيرت 100%.
وسبب هذا التغير يرجع إلى قناعة الشخص المريض أو المصروع بجنس الجني الذي يسكنه (هذا إن كان مقتنعا بالفعل ولم تكن الحالة حالة تمثيل كما سيأتي في لاحق محاور الكتاب)، فإن اقتنعت امرأة بأن جنس الجني الذي يسكمها ذكر حاولت أن تضفي على صوتها نوعا من الخشونة وإن اقتنع رجل بأن جنس الجني الذي يسكنه أنثى حاول أن يضفي على صوته نوع من الأنوثة.
ولـتأكيد ما أقول أطرح السؤال التالي:
لماذا لا يتم تغيير نبرة الصوت إلا من الذكورة إلى الأنوثة أو العكس؟ ولماذا لا يتم تغيير نبرة الصوت من أنثى إلى أنثى أخرى. لأن صوت الجنية الناطقة لا يشبه صوت المرأة "المسكونة" في الأصل؟
ولماذا لا يتم تغيير نبرة الصوت من ذكر إلى ذكر آخر؟ لأن صوت الجني الساكن لا يشبه في أصله صوت الإنسي المسكون؟
بل اقول: إن تغيير نبرة الصوت من ذكروري إلى ذكوري آخر ومن أنثوي إلى أنثوي آخر، أيسر بكثير واقل تعقيدا من تغييره من ذكوري إلى أنثوي أو العكس!
لكم واسع النظر!