حكم الشذوذ الجنسي في الاسلام
السؤال: شيخنا تفشت مؤخرا ظاهرة خطرة في المجتمع الا وهي الترويج للشذوذ الجنسي ، فما الحكم الشرعي لهذا الامر؟ بارك الله فيكم
الجواب: الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن والاه وبعد:
فلا يخفى أن هناك هجمة عالمية منظمة من دعاة الفاحشة والرذيلة تستهدف القيم الاخلاقية والانسانية للمجتمعات عموما، والمجتمع الاسلامي خصوصا وذلك بإطلاق شعار رائج اعلاميا بما يسمى –ترند- تحت شعار( انا مسلم ومثلي الجنس) ، وتكمن خطورة هذه الظاهرة في تهديد المنظومة الاخلاقية والقِيَمِيَّة، ومحاولة هدمها بما ينافي الأعراف والقيم الدينية والمجتمعية والإنسانية ومبادئ العقل والمنطق والفطرة السليمة.
ومن ذلك الترويج والدعاية للعلاقات الجنسية الشاذة التي تسمى بالمثلية الجنسية، واستخدام مختلف المنصات للترويج لذلك وتسويقه، بما في ذلك صناعة الافلام سينمائية والكارتونية الموجهة للشباب والاطفال والتي تدخل كل منزل تدعو لهذه الفاحشة وتبرر لها انها من الحرية الفردية وانها ليست عيبا يخجل منه او حراما، وكذلك استغلال المباريات الرياضية للترويج لهذه الفاحشة ورفع العلم الملون الذي يرمز لأصحاب هذه الفاحشة والمستوحى من الوان الطيف الشمسي المعروفة لكل الناس، بل وصل الامر الى تبني ذلك من قبل رؤساء دول عظمى وكبرى ، ومنهم من جعل في برنامجه الانتخابي الدعوة الى الحرية الجنسية للمثليين وانها من حقوق الانسان !، حتى صار لهم جماعات ضغط قوية جدا في العديد من البلدان الغربية، ووصلوا إلى مناصب وأماكن حساسة جدا، وصارت لهم كلمة مسموعة في السياسات الدولية والاقتصادية .
ومن ذلك ايضا الترويج الى تفسير ظاهرة المثلية والشذوذ الجنسي على انها مرض مرتبط بجينات الإنسان التي تجعل ميوله تتغير من الطبيعة العادية وهي حبه للمرأة، الى بحثه عن الرجل من نفس جنسه، أو العكس من قبل المرأة لجنسها، وليس سلوكا منحرفا عن الفطرة ،وعليه ان نتعامل معهم بشكل طبيعي وانهم مرضى وليس باحتقار وتشنيع فعلهم هذا ، ولهذا قام جماعة من الاطباء الباحثين في احدى الجامعات الامريكية في عام( 2014م ) باثبات كذب هذا الادعاء بدراسة علمية شملت فحص الحمض النووي لـ (400) ذكر من المثليين الجنسيين، لم يتمَكن الباحثون من العثور على جين واحد مسؤول عن توجههم الجنسي.
وهذا دليل على أن الموضوع ليس له أي بُعد طبي أو علمي أكثر ما له بُعد سياسي واخلاقي ومخطط ماسوني خبيث، وان العالم العربي المسلم ليس بعيد عن هذا المشروع الدخيل على الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد العربية.
وقد اجمعت جميع الشرائع والاديان وكذلك القوانين الوضعية للدول المتحضرة على حرمة هذه الفاحشة وتجريم فاعلها وترتيب العقوبة الرادعة بحقه، فلا خلاف في تجريم الشذوذ الجنسي، سواء اللواط بين الذكور، أو السحاق بين الإناث.
وهذه الفاحشة مُحرّمة بإجماع فقهاء الاسلام ، فكتب الفقه الإسلامي والتشريع اطلقت عليه اسم: الفاحشة، وبعض الكتب الفقهية تسميه اللواط، نسبة لفعل قوم لوط، وإن كرّه بعضهم هذه التسمية حتى لا يذكر اسم نبي الله لوط مرتبطا بجريمة ، بل يجب أن يسمّى فعل قوم لوط، وأطلق عليه مصطلح: الشذوذ، ثم أخيرا اخذوا يروجون لمصطلح المثلية، وأيا كان اسمه، فهو في النهاية اسمه: الفاحشة، أو الحرام، وهي من الكبائر ومن أشنع المعاصي والذنوب وأشدها حرمةً وقُبحاً في الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
وهناك الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تنص على تحريم هذا الفعل الشنيع ومنها:
1- قال الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165-166].
2-وقوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [الأعراف:80].
3- قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]،
4- قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ { [الأعراف:33].
أما في السّنة النبوية الشريفة فقد ورد فيها عن عقوبة هذه الفاحشة أحاديث كثيرة منها:
1- عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ)).[حديث صحيح، سنن ابي داود4/269 ، سنن الترمذي4/57 ، سنن ابن ماجه 2/856، مسند أحمد 4/ 64 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم 4/395،سنن الدار قطني 3/124 ].
2- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه-ان النبيّ عليه الصلاة والسلام في الذي يعمل عمل قوم لوط، قال: ((ارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، ارْجُمُوهُمَا جَمِيعًا)). [سنن ابن ماجه 2/ 856 ،مسند ابي يعلى 12/42].
3-وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أن عليه الصلاة والسلام قال: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ)) [رواه الحارث بن أسامه كما في بغية الباحث 2/566 ،والمطالب العالية 9/35 ، والخرائطي في مساوئ الأخلاق 201/439، وابن عبد البر في الاستذكار 82/24، وابن الجوزي في ذم الهوى ص163.واختلف العلماء فيه].
4- عن عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما- ان رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((اقتُلوا الفاعلَ والمفعولَ به ، والذي يأتي البهيمةَ)). [ حديث صحيح، رواه الترمذي 4/57، وابن ماجه (2561)، وأحمد 4/458 ]
5- عن ابي موسى الاشعري –رضي الله عنه- ان رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ، وَإِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ)).[سنن البيهقي الكبرى8/ 406وهو مختلف فيه].
6- عن ابن عباس –رضي الله عنهما- ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ثَلَاثًا)). [ حديث صحيح مسند الامام أحمد 5/83، المستدرك للحاكم 4/396 ] وتأكيد اللعن ثلاثا يدل على شناعة هذا الفعل القبيح.
قال الامام ابن القيم-رحمه الله تعالى- في كتاب الجواب الكافي [1/168 ]: (وَلَمَّا كَانَتْ مَفْسَدَةُ اللِّوَاطِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ؛ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ) .
وأما العقوبة في الشرع الحنيف لهذه الفاحشة ؛ فقد اتفق الفقهاء على حرمة السحاق بين النساء وانه من الكبائر، وانه لم يرد فيه حدٌّ معين، وانما يجب فيه التعزيز لأنه معصية وكبيرة وبما يقرر الحاكم وولي الامر وبما يراه رادعا وزاجرا.
واختلفوا في عقوبة اللواط على ثلاثة اقوال:
القول الاول: ذهب الجمهور الى ان حدّ اللواط القتل مطلقاً، سواء كان بكراً أم ثيِّباً، فاعلاً أم مفعولاً به ، وهو مذهب الامام مالك والامام أحمد وقول للإمام الشافعي؛ وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة الكرام منهم: ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وعبدالله بن عباس – رضوان الله تعالى عنهم جميعا- بل قد نُقل إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل . [ينظر: المبسوط للسرخسي الحنفي 9/77، شرح مختصر خليل للخرشي المالكي 8/87، الحاوي الكبير للماوردي 9/821، المغني 9/61 ].
القول الثاني: ان حدَّه كحد الزنى ، القتل للمحصن والجلد لغير المحصن ، لأَنَّهُ إيلَاجُ فَرْجِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ، لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَكَانَ زِنًى كَالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ، إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ زِنًا دَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ فَاحِشَةٌ، فَكَانَ زِنًى، كَالْفَاحِشَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
القول الثالث: هو قول الامام ابي حنيفة ، فقد ذهب الحنفية الى ان اللواط جريمة عظيمة وشنيعة ولكنه ليس كالزنى، فلا يكون حدُّه حدّ الزنى، وإنما فيه التعزير الذي يراه الامام رادعا وزاجرا لهذا الفعل الشنيع .
الخلاصة:
ومما سبق نستنتج بان ما يسمى بالمثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي مُحرّم في كل الشرائع والاديان والقوانين الوضعية ، وانه فاحشة وكبيرة من الكبائر وجريمة وفعل مستقبح مستنكر تأباه الفطرة الانسانية السليمة ، وأن عقوبته القتل كما قرر ذلك جمهور العلماء، وهو المُفتى به .
ويجب على الحكومات والدول تشريع القوانين الرادعة لهذه الظاهرة الخطرة للحد من انتشارها ، وتغليظ العقوبة على مرتكبي الشذوذ وعدم تشريع وجودهم ولا الترخيص لجمعياتهم ومهرجاناتهم.
وكذلك يجب على المنظمات العالمية والهيئات والمجامع الاسلامية والمنابر الاعلامية التحذير من هذا الفعل الشنيع ومنع الترويج له، وبيان آثاره الصحية الخطرة والنفسية والاجتماعية على الفرد والمجتمع للتنفير منه وعدم قبوله ، والتكاتف والعمل من أجل محاربة الشذوذ بشتى الوسائل الفردية والجماعية، وتوعية الناس حول مخاطره وعواقبه، والتذكير بخطورة نشر الفاحشة بين الناس لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ((لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا..)) [سنن ابن ماجه 2/1332، صحيح ابن حبان 10/259 ].
وكذلك الاهتمام بعلاج حالات الشذوذ ، وتطوير الوسائل العلاجية التي تساعد الشاذ على التخلص من هذا الداء، ومنها العلاج النفسي والذي يُعد من أشهر أنواع العلاجات حاليا وأكثرها فعالية، والتركيز على التربية الأسرية الاسلامية الصحيحة، لان قسم كبير منهم مضللون جاهلون غافلون، ومن حقهم علينا تعريفهم بالنصوص الشرعية التي تحرم هذا الفعل وتعتبره من الكبائر، ودعوتهم إلى التوبة والعودة إلى الله عز وجل، وان الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعا ، وتذكيرهم بقوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر:53]. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح