الاثنين، 2 مايو 2022

#التأصيل_المعرفي_لمصادر_الشريعة_الإسلامية .

 #التأصيل_المعرفي_لمصادر_الشريعة_الإسلامية .

مصادر التشريع الإسلامي في الأصل تعتمد على مصداقية القرآن والسنة وتحكيمهما في كل التفاصيل الدينية، إلا أن المراد بيانه دور العقل المهم في هذه العملية، ودور العقل في هذه العملية هو البرهان على مصداقية النقل ثم صحة ثبوته ثم مطابقة دلالته لمناط الاستدلال المستخرج منه.

#القرآن:
أما العقل فله في الاستدلال طريقان: الاستدلال المباشر وغير المباشر.
أما الاستدلال المباشر فله ثلاثة طرق، الاستدلال ب: (القياس والتمثيل والاستقراء).
أما الاستدلال غير المباشر فله ثلاثة طرق أيضا، الاستدلال ب:(النقيض وعكس النقيض والعكس المستوي)
يعتنق المسلم الإسلام لأنه اقتنع بصحته عقلًا إذ لابد من مقدمة تسبق نتيجة (صحة الإسلام) حتى لا تكون النتيجة مجرد دعوى لا برهان عليها.
وطبعا من غير المعقول أن يكون البرهان على صحة الإسلام هو الجانب النقلي منه إذ أن ذلك يُعدّ استدلالا بالدّور فيكون النقل استدلالا على صحة نفسه فلزم أن يكون النقل مقدمة ونتيجة في آن واحد وذلك ممتنع لعلة التناقض.
وبما أن العقل هو الذي يبرهن على صحة الإسلام فإنه يكون من حيث ترتيب المقدمات والنتائج سابقا للنقل، #ولكن...بما أن العقل حكم على المنقول الإسلامي بالصحة بعد النظر إلى الحجج العقلية الواردة في هذا المنقول فإن هذا الخبر الذي حُكِمَ عليه بالصّدق المطلق يصبح حُجّة على العقل الذي حكم عليه بذلك.
فعندها لا يمكن للعقل أن يطعن في صحة أي جزئية فيه كأن يقول (أخطأ الله في هذا الموضع) لأنه بذلك يناقض حكمه الأول إذ أن الجزئية السالبة تنقض الكلّية الموجبة.
ولذلك صار لزاما على العقل الإيمان بكل ما قاله الله عز وجل.
#السنة:
ومن الأقوال التي قالها عز وجل ((فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا))
وبعد أن جعَل العقلُ القرآنَ حكمًا عليه ومصدرا أولا في التشريع صار لزاما عليه أن يُدخل في مصادر التشريع ما أُمِر به في القرآن، وهو ردّ النزاع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا مما يعني إدخال سنّته في مصادر التشريع ليصبح المصدران الآن (القرآن والسنة).
والسنة هي كل ما أضيف للنبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل أو وصفٍ أو تقرير.
والقرآن حكم عليه العقل بالصحة في الثبوت عن الله عز وجل من البداية قبل أن يقبله حكما عليه.
فبقي أن يعرف العقل طريقةً للوصول إلى السنة الصحيحة حتى يميز بينها وبين الضعيفة أو المكذوبة.
هنا توصّل العقل إلى شروطٍ لصحة الحديث من حيث الثبوت ثلاثة منها تدرُس الأسانيد وهي "اتصال السند، عدالة الراوي: أي ترجيح صدقه ونزاهته وعدم كذبه، وضبطُه والضبط نوعان ضبطُ حفظٍ وضبطُ كتابةٍ وذلك لضمان عدم خطئه ولو بحسن قصد" واثنان منها تدرسُ المتون وهي "الخلو من الشذوذ أو العلل" وهذه الشروط كلها عقليّةٌ محضة إذ لا يوجد في القرآن ولا السنة اشتراطها لصحة المنقول كما لم يكن ممكنا أن تكون السنة حكما على ثبوت القواعد والقواعد حكما على ثبوت السنة في آن واحد فهذا دور سبقي ممتنع كما سبق بيانه.
وبناءً على ما سبق نعلم جيدا أن قواعد علم الحديث التي بها نميز بين الصحيح والضعيف والمكذوب قواعدٌ عقلية، وليس الأمر مقتصرا على ذلك فحسب وإنما شرطان منهما يناقشان المتن مباشرة، أما شرط الشذوذ فعند مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، ويمكن الاعتماد على السند فيه.
أما العلل فجلّها علل عقلية تمسّ المتن نفسه فيُحكم عليه بالنكارة إن كان ظنيا مخالفا للعقل للقطعي.
والعقل القطعي لا يحكم على القضية بالاستحالة إلا إن كانت مركبة من قضيتين متناقضتين قد توفرت فيهما وحدات التناقض الثمانية (الاتحاد في: الموضوع والمحمول و"الكل والجزء" والمكان والزمان و"القوة والفعل" والشرط والإضافة) أو كان مناقضا لقضية واجبة الصحة، وليس كل حديث يستعصي فهمه على القارئ يرميه بحجة مخالفة العقل، فيجب التفريق بين العقل الذي يعمل وِفقَ قواعد وأصول متسلسلة في مقدماتها ونتائجها وبين العقل المعتمد على الهوى المحض، فقال الله ((ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)).
مثال توضيحي: لا يقال: هذا الحديث ضعيف لأني لم أقتنع بالقصة التي وردت فيه.
وإنما على المعترض أن يبيّن وجه الاستحالة في القصة، فليست كل قصة مخالفة لما تعوّد الناس عليه تكون مستحيلة بالضرورة إذ أن باب الممكنات العقلية أوسع من باب المشاهدات الحسيّة، وليس عدم العلم بالشيء يعني العلم بعدمه.
فهناك من أنكر قصة الإسراء والمعراج لمجرد أنها تبدو غير مألوفة لديه ولم يتعود البشر على مشاهدة مثلها، ولكن لو عرضناها على العقل لوجدناها ممكنة لذاتها إذ أنها غير مركبة من نقيضين ولا هي مناقضة لقضية واجبة الصحة، بل هي مؤيدة لذلك إذ أن العقل أثبت وجود الخالق التام الذي يقدر على كل شيء وبما أنها من الممكنات لذاته فما المانع من أن يرجح الله وجودها على عدمه إن هو أراد ذلك ؟ فيكون العقل هنا حجة على من ينكر الحادثة لأن المنكر يتهم الله من غير أن يشعر بالعجز عن نقل نبيه إليه وإعادته لمكانه في ليلة واحدة.
فهنا لا يصح أن يوصف المتن بأنه مخالف للعقل أصلا.
ومن ثم إذا أردنا فهم دلالات النص وجدنا أنفسنا بحاجة إلى قواعدَ وأصولٍ توصل العقل إليها لغرض فهم المنقول ومعرفة دلالته، وهذا العلم يُصطلح عليه باسم "أصول الفقه".
معظم قواعد هذا العلم عقلية ولغوية ومنها ما استُقرئ من مجموع النصوص النقلية بعد استعمال العقل آلةً لفهمها، لذلك اختلفت العقول في بعض قواعده فتأسست مذاهب فقهية كلٌّ منهم يريد الوصول إلى مراد الله ورسوله فمن اجتهد منهم فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحد.
#الإجماع:
ثم بالنظر إلى الأدلة النقلية والعقلية استطاع العقل التوصل إلى نتيجة قطعية ألا وهي "لا يمكن للحق أن يرتفع عن المسلمين جميعا في أي عصرٍ كان لذلك فإجماعهم على حكمٍ معين يعني قطعيته بلا ريب".
قد فهم القارئ الكريم أن المقصود بهذا الكلام الآن هو الإجماع، ولكن المشكلة في هذا المصدر هو سوء استعمال كثير من الأفراد والجماعات له حتى أخرجوه عن مسماه وعلة صحته، ولفهم هذه النقطة الحساسة وجب علينا الرجوع قليلا بالمقدمات إلى البداية.
لو سألنا سؤالا: هل يمكن للحق أن يرتفع عن أهل الأرض جميعا ؟ فالمجيب عن السؤال إما أن يقول: نعم يمكن ارتفاعه عن الناس جميعا فيقال له "فقد لزمك أن يرتفع الحق عن مقولتك هذه أيضا إذ أنها مقولة واحدٍ من الناس الذين حكمتَ على مقولاتهم جميعا بالارتفاع فإن ارتفع الحق عن مقولتك التصق بالمقولة النقيضة لها وهي عدم ارتفاع الحق على الناس جميعا"
فإن أقررنا بعدم ارتفاع الحق عن الناس جميعا انتقلنا إلى المقدمة التي تليها فنقول: أليس الحق في المجال الديني "وحده دون بقية المجالات العلمية" يكون في الدين الصحيح ؟ فإن قال المجيب "لا يكون في الدين الصحيح" قلنا فلماذا حكمت على الدين بالصحة مادام الحق مع غيره لا معه ؟ فإن قال "نعم، فالحق مع الدين الصحيح" قلنا: إن سبق للعقل أن برهن على أن الإسلام هو الدين الصحيح ألا يعني ذلك أن الحق في المسائل الدينية يكون موجودا في حملة هذا الدين وهم المسلمون ؟ إذ سيكون على الأقل في واحد منهم إذ لا يمكن أن يغيب عنهم جميعا فيرتفع الحق عنهم وهم حملة الدين الصحيح الذي لا يكون الحق دينيا إلا فيه "وأريد التركيز على المجال الديني، أما المجالات العلمية الخارجة عن الدين فقد يكون الحق عند غير المسلمين ويكون المسلمون جميعا غير عالمين به أو جاهلين به أو على خطأ في تصوراتهم له وهذا جائزٌ عقلا وملاحظٌ واقعا في عددٍ من المجالات".
فإن تبيّن ما سبق علمنا أن المسلمين لو اجتمعوا جميعا على مسألة دينية في عصرٍ معين فتلك المسألة تكون صحيحة بلا ريب.
ويعضد هذا قول الله ((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
وبناءً على ما سبق نجد أن الشرط في وصف القضية بالمجمع عليها أن تكون في مجال الدين أولا، وثانيا يكون الإجماع عليها من قِبِل المسلمين جميعا.
وهنا قد أنتقد تعريف كثيرٍ من العلماء للإجماع بأنه إجماع علماء عصرٍ ما على مسألة ما، وذلك لأن تضييق الدائرة من المسلمين جميعا إلى العلماء وحدهم ليس عليها أي دليل بل هي مناقضة للأصل الذي بُنيت عليه حجية الإجماع.
فالله قال (ويتبع غير سبيل المؤمنين) ولم يقل ويتبع غير سبيل العلماء أو غير سبيل علماء المؤمنين ومن المعلوم أن الله ليس إنسان ليسهو فلا يدقق في كلامه وإنما هو الإله التام الذي لا يقول عبارة إلا وهو يعلم معناها جيدا.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تجتمع أمتي على ضلالة) ولم يقل (لا يجتمع علماء أمتي على ضلالة).
وأما الاستدلال العقلي الذي بنينا عليه حجية الإجماع فكان مبنيا على أساس عدم خروج الحق عن المسلمين جميعا لا عن علماء المسلمين قصرًا.
فقد يقال هنا: لكن المسلمين الذين لا يملكون الأدوات الفقهية لا يحق لهم الإفتاء أصلا ليؤخذ كلامهم بعين الاعتبار في الدين.
هنا نقول: ليست المشكلة في أخذ أقوالهم وهم فرادى وإنما المصيبة أعمق من ذلك بكثير ويمكن تلخيص مشاكلها في النقاط التالية:
1 - قصر الإجماع على العلماء يجعل كل فريق أو حزب ديني متعصب لطائفته يحصر علماء الأمة في عدد من الشيوخ الموافقين له ثم يعتبر اتفاقهم على المسألة المعينة إجماعا وذلك بعد تعرية كل العلماء المخالفين له عن وصف العالم ما لم يُكفّرهم أساسا.
وقد فعل ذلك الجهمية والمعتزلة في زمن الإمام أحمد بن حنبل حتى قال رحمه الله ورضي عنه: "من ادعى الإجماع فقد كذب" وذلك لأنهم كانوا يحصرون العلماء في طائفتهم ويستغلون سيف السلطان الذي سخروه لصالحهم ثم يقتلون أو يسجنون أو يُسكتون من خالفهم وبعد الانتهاء من كل ذلك يدعون الإجماع في المسألة، ويلاحظ اليوم أن المداخلة يفعلون مثل فعلهم وكذلك الأحباش فيُقصون بقية الأمة ثم يتخذون إجماع مشايخ طريقتهم وطائفتهم إجماعا ملزما لبقية الأمة.
2 - قد يسيء الناس تقدير العلم وأهله فيرفعون من لا يستحقه ويضعون من قدر أهله فيصنفون العالم الحقيقي مع غير العلماء ويصنفون غير العالم مع العلماء وقد يكون السبب في هذه التصنيفات جهل المصنفين أنفسهم بالعلم وأهله أو استغلال نفوذهم عند السلطان أو شهرتهم بين الناس أو حتى الخداع ببعض المظاهر كطول العمر واللحية والقميص الفاخر الذي ينزل عليه خمار الرأس والنظر إلى الأسفل لإظهار السّمت وإجابة السائل بالمختصر المخلّ لإظهار الهيبة، ناهيك عن استعانتهم بتزكية بعضهم لبعض أو الانخراط في حزب ديني معين يحميه ويرفعه وبذلك يُصنّف مع العلماء وهو من الذين لم يتمكنوا في أي فن إسلامي.
في المقابل قد يصل الفرد لمرتبة العالم ولكن الناس لا يسمعون بوجوده إما لعدم شهرته أو لعدم وجود أصحاب المؤهلات العلمية الكافية التي تستطيع معرفة قيمته العلمية أو إقصائه وتهميشه حتى مع العلم بقوته حسدا وغيرة وخوفا على أن ينافسهم على عرشهم أو بسبب مخالفته لهم في توجهات فكرية أو سياسية أو حتى من أجل بعض الآراء الفقهية فضلا عن العقائدية.
وبناء على كل ما سبق كيف يمكن لنا عمليا أن نتأكد من أن المجمعين على المسألة في ذاك العصر المعين هم كل علماء المسلمين ؟ وهل يمكن إحصاء آرائهم جميعا وقد يبلغ عددهم في العصر الواحد آلافا ؟
ثم لو حدث وأجمع كل العلماء على مسألة معينة ألا يكون إجماعهم عليها وعدم اختلافهم فيها دليلا على أنها من أوضح المسائل الشرعية كالشهادتين ووجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج وبقية المسائل التي يعرفها كل المسلمون علماء وعواما ؟ فنعود للنتيجة الأولى نفسها عندئذ.
وهذه المسألة الواضحة التي يعرفها كل الناس ألا يكون مصدرها التشريعي الأول هو القرآن والسنة ؟ إذ لا يمكن الاتفاق على مسألة لم يفصِل فيها القرآن والسنة لأن العقول لا تجتمع جميعا على قولٍ خفي وإنما تجتمع على القول الواضح الجلي.
#القياس:
أما مصدر القياس فيمكن القول بأنه مصدر عقليٌّ محض وهو مستعملٌ في كل مجالات المعرفة سواء النقلية أم الحسية أم العقلية.
لكننا لو دخلنا لمجال أصول الفقه فإننا نجد أن الأحكام الفقهية إما أن تكون أحكاما تعبدية وإما أن تكون أحكاما معللة.
أما الحكم التعبدي فهو الحُكم الذي لم يبين الشارِع علته في التحريم أو الكراهة أو الجواز أو الاستحباب أو الوجوب فيؤخذ كما هو، كعدد ركعات الصلاة.
أما الحكم المعلل فهو ما ذُكرت علة تحريمه في النصوص الشرعية وقال بعض الأصوليون "أو كانت علته واضحة يمكن استنباطها" وأميل إلى أن المعلل هو ما ذُكرت علته نصا لأن الإنسان قد يخطئ في استنباطه، وحتى ولو أصاب فقد يستنبط الحكمة من تحريمه لا العلة وفرقٌ بينهما فالحكمة موجودة حتى في الأحكام التعبدية سواء علمناها أم جهلناها ولا يقاس عليها أما العلة فهي منصوص عليها وترتبط بها القاعدة الفقهية "الحكم المعلل يدور مع علته وجودا وعدما".
ولذلك كان القياس صالحا في الأحكام المعللة لا التعبدية كما أنه يكون في الكلية المتواطئ عليها بين المسألتين ولا يكون في الجزئية المختلف فيها، (أي أنه يكون في القدر المشترك لا القدر المتفرق)، مثال ذلك "نقيس السُكْر باستعمال البنزين على الخمر في كليّة السُّكر ولا نقيس بينهما في لون المادة أو وظائفها الأخرى من غير السُّكر، فلا نحرّم كل ما كان من عنب أو شعير قياسا على الخمر لأن علة التحريم في الخمر ليست مادة الصنع وإنما الإسكار، ولا نحرّم البنزين وقودا للسيارات لأن علة التحريم في جانب الإسكار هو الإسكار نفسه، أما في غير ذلك المجال فله أحكامه المنفصلة.
كتبه #صهيب_بوزيدي