فزاعة ( البدعة )
لفظ البدعة وربطها بالضلالة المفضية إلى النار ومحاربة كل ما هو حسن بحجة أنه بدعة وفاعله مرتكب لمعصية ومخالف لنهج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .. دون تروي أو إمعان للنظر أو البحث العلمي .. فاختلط الحسن بالقبيح والحلال بالحرام والمحمود بالمذموم .. وتاه الناس وماجوا في هذا اللفظ لأنهم دائماً يسمعونه من أناس لم يفقهوا حتى معنى اللفظ ولا ما أراده الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من الحديث .. فحاربوا بذلك كل شيئ حتى ولو كان فيه نفع للمسلمين .. فخلت المساجد من المسبحة لأنها ( بدعة في نظرهم ) وهل كان في عهد رسول الله ألواح نضع عليها المصاحف أثناء القراءة ؟ هذا في حالة فكرنا مثل تفكيرهم .. أم أن الأمر فيه مزاج وهوى نفس ؟؟؟ وما المحرم في المسبحة ؟ لنتفترض أن هناك أشخاص عندهم الهمة العالية في الذكر وحددوا لأنفسهم كل يوم 1000 مرة صلاة على النبي أو إستغفار أو تسبيح فكيف سيضبط العدد ؟
وناهيك عن تلك الهجمة الشرسة التي تتجدد كلما اقتربت ذكرى مولد سيد العالمين عليه الصلاة والسلام
فيدفعون الأمول من أجل طباعة مطويات ليوزعوها على الناس بأن الإحتفال بمولد النبي بدعة .. بل ويصرخون على المنابر ومواقع التواصل من أجل صرف الناس عن الفرح بمولد الهدى والنور والنجاة ..
وهذا كله من عدم فهم لفظ ( البدعة) وما مقصودها .. فتجد من لا ثقافة أو إطلاع واسع له يكرر ما قاله غيره ..
ولكني هنا لست بموقف المهاجم لأحد بل أكتب للإيضاح وتبرءة الذمة أمام الله تعالى .. وياليتني أجد عقولاً تعي هذا الكلام فتتبصر وتتنور بأنوار العلم وتعرف أن الدين واسع ولا يملك أحد أن يضيقه أو يحجره على رأي معين ويرفض آراء متعددة ... فماذا قال العلماء عن البدعة وكيف تم تعريفها وتفصيلها ؟ لنرى معاً ولنكن منصفين ولا نكن متعصبين ..
قول القائل : إن الاحتفال بالمولد لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة محرمة يجب الإنكار عليها.
________________________________________
فالجواب على ذلك: أنه ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة محرمة ولو كان الأمر كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد رضي الله عنهم القرآن وكتبه في المصاحف خوفا على ضياعه بموت الصحابة القراء رضي الله عنهم ولحرم جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة القيام مع قوله: نعمت البدعة هذه..أخرجه البخاري (2010) ومالك (1/114 - 115).
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ما أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا، فهو البدعة الضالة وما احدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك فهو المحمود.
فهل المولد النبوي والفرح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعة مذمومة .؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)أخرجه مسلم (2348) والنسائي (2553) وأحمد (4/357) مختصرا والترمذي (2675) وابن ماجه (203)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة ويدل على ذلك أيضا قول سيدنا عمر رضي الله عنه السابق: نعمت البدعة هذه
الشبهة الثانية: قول القائل : إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأول وهو نفس الشهر الذي توفي فيه فلماذا يكون الفرح بولادته ولا يكون الحزن بوفاته؟..
والجواب على ذلك: كما قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى : أن ولادته عليه الصلاة والسلام أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار الولادة ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره فدلت قواعد الشرعية على أنه يحسن في هذا الشهرإظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن
وقال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشورا فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من التلاوة والإطعام وإنشاد شيء من المدائح النبوية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به وما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى ..
المصدر :الفتاوى الكبرى (1/196).
ولكي لا أطيل : نفهم مما سبق أنه ليس كل بدعة ضلالة كما يفهم بعض الناس وإنما في الأمر تفصيل ويجب أن لا نجازف بإطلاق الأحكام على الناس دون تروي .. بل علينا القراءة والمطالعة والدراسة وسؤال أهل العلم ..