
السؤال: شيخنا؛ مجموعة من الموظفين يقومون بعمل جمعية لزمن محدد يشترك كل واحد منهم بمبلغ محدد في رأس كل شهر، ثم يُدفع هذا المبلغ في كل شهر لواحد منهم وهكذا حتى يستلم كل واحد منهم مثل ما تسلّمه مَنْ قبله سواء بسواء ، فما حكم عمل هذه الجمعية ؟ وهل تدخل في قرض جر نفعا؟ بارك الله فيكم
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في هذه المعاملة المالية على قولين :

وقد أفتى بهذا القول من المتقدمين الإمام الحافظ الفقيه ولي الدين أبو زرعة العراقي الشافعي (ت 826ه )، ففي حاشيتي قليوبي وعميرة [2/321 ]: (فَرْعٌ: الْجُمُعَةُ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ بِأَنْ تَأْخُذَ امْرَأَةٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَدْفَعُهُ لِوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، إلَى آخِرِهِنَّ جَائِزَةٌ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ).
وكذلك أفتى بهذا القول اغلب المجامع الفقهية والمجالس الإفتائية المعاصرة ، وأكثر العلماء المعاصرين ، منهم الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم من العلماء المعاصرين.
قال الشيخ العلاّمة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى- في مجموع فتاويه : (أرى أن هذه الطريقة طريقة سليمة، أعني: أن يجتمعوا على أن يجعلوا لكل واحد خمسة آلاف ريال، أو ألف ريال، أو أقل، أو أكثر، يدور عليهم؛ لأن في ذلك تعاوناً وتكاتفاً، ربما يحتاج أحد المدرسين أو أحد الموظفين في هذا الشهر إلى عشرين ألف ريال مثلاً ولا يستطيعها، فيكون عليه الدور فيأخذها بالقرض، وليس هذا من باب القرض الذي جر نفعاً كما توهمه بعض الناس؛ لأن كل واحد من المقرضين لم يأته أكثر مما أقرض، أقرض ألفاً فرد إليه ألف.
وأما كون كل واحد قد علم أنه سوف يستقرض إذا أقرض فهذا لا بأس به، وهذا من العدل أن يكون كل واحد منا إذا أقرض اليوم استقرض هو غداً..).

وقد ذهب إلى هذا القول بعض من العلماء المعاصرين منهم الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، والشيخ محمد الحسن الددو وغيرهم من المعاصرين.

والحديثُ المذكور رواه البيهقي في السنن الكبرى : ((كل قرض جر نفعا، فهو ربا )) ، فهو لا يصح رفعه للنبي –صلى الله عليه وسلم- بل هو موقوف على الصحابي اصح كما قرر ذلك اهل التحقيق من العلماء.
الحديث وإن كان سنده ضعيفا لا يصح مرفوعا إلا أنه صحيح المعنى، والمقصود به هنا هو النفع المشروط، او ما كان عادة الناس في سداد القرض ، وقد وردت شواهد بمعناه من أقوال الصحابة وافعالهم ، وذلك لأن القرض إنما يقصد به الإرفاق ودفع حاجة المقترض، فهو من عقود الارفاق والتبرعات وليس من عقود المعاوضات، وسبق وان فصّلت في معنى هذا الحديث في فتوى سابقة على الموقع فالتراجع .
وكذلك هذه المعاملة ليست من باب (أقرضني أقرضك) فهذه لا تجوز بالاتفاق ، لأنها قائمة على مسألة أسلفني وأسلفك، فالعميل مثلا يضع في حسابه مبلغاً من المال في البنك أي يقرض البنك على أن يقوم البنك بعد ذلك بإقراضه مبلغاً أكبر وهذا غير جائز.

هو ما ذهب اليه أكثر أهل العلم من اصحاب القول الاول القائل بجواز هذه الجمعيات التعاونية ، وهي منشرة بشكل واسع في بلاد المسلمين، وهي من باب المواساة والمساعدة والارفاق بين المسلمين ، ولأن المنفعة التي تحصل للمقرِض فيها لا تنقص المقترض شيئاً من ماله ، وإنما يحصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ لها ، ولأن فيه مصلحة لهم جميعاً من غير ضرر على واحدٍ منهم أو زيادة نفع لآخر ، والشرع الحكيم لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحدٍ بل ورد بمشروعيتها.
يقول الامام العز بن عبد السلام –رحمه الله تعالى- : (إن الشريعة كلها مصالح: إما درء مفاسد وإما جلب مصالح).[قواعد الأحكام:1/9].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : (إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها). [منهاج السنة: 1/147].
وقال تلميذه الامام ابن القيم- رحمه الله تعالى- : (الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحِكَم كلها).[إعلام الموقعين:3/1].

