الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

الرد على شبهات وأكاذيب أدعياء السلفية حول سيد قطب - رحمه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد الله رب العالمين ، والصلاة  والسلام على رسول الله محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى مَن اتّبع هداه ، إلى يوم الدّين .

أما بعد .

فإنّه ليشرّفني – وأنا لا أرتقي إلى هذا المقام – أن أكون درعاً لردّ بعض السهام المصوّبه نحو  عملاق الفكر الإسلامي في هذا العصر ، وشهيد الإسلام ، الأستاذ الكبير سيّد قطب ، رحمه الله تعالى .

إنّي وإن كنتُ لا أصلح أن أكون خادماً للشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، ولكنّي كما قال الشاعر أبو ذؤيب الهذلي [1] ، رحمه الله : 

أسير خلف ركاب النجب ذا عرج       مؤملا كشف ما لا قيت من عوج

فإن لحقت بهم من بعدما سبقوا           فكم لرب الورى في ذاك من فرج

و إن بقيت بظهر الأرض منقطعا       فما على عرج في ذاك من حرج

أسأل الله تعالى ، بفضله وكرمه ورحمته ، أن يحشرني مع سيّد قطب ، رحمه الله ، تحت راية رسول الله r .

ويعلم الله تعالى ، أنّي أحبّ سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، وأعلم مدى المؤامرة ضدّه لتشويه سمعته واسمه ، وهو الذي أيقظ المسلمين الأذكياء ، وفضح الفاسدين والطغاة الجبّارين المتألهين ، وبيّن جمال وقوة وحقيقة الإسلام العظيم بكتاباته ، وأعماله وحياته .

ولقد رأيت – قبل سنوات عدة – فيما يرى النائم ؛ أني كنت في قرية ، وكان يوم الجمعة ، ولم يبق لصلاة الجمعة إلا القليل [2]  ، وقالوا : إنّ رسول الله r يخطب خطبة الجمعة هنا .

 وقبل أن أدخل المسجد ، الذي من المنتظر أن يخطب فيه النبيّ r  ، رأيت على يسار المسجد بعض الناس ينظرون إلى تحت ؛ حيث كان كمكان نزهة وسياحة ، قالوا : إنّ سيّد قطب هنا ، وأنا أيضاً مددت عنقي لأراه ، فما رأيته ، فقال واحد وهو واقف بجنبي :  لماذا لا تنزل إليه ؟

فنزلت ، فرأيت سيّد قطب ، رحمه الله ، وعلى رأسه غطاء يغطي بعضاً من وجهه ، فاقتربت منه ، ونظرت إليه من تحت عسى أن أرى وجهه ، فلما رأى ذلك مني ، تبسّم وكشف وجهه ،

 فسألته : هل أنت سيّد القطب [3] ؟ فتبسّم وقال : إن شاء الله .

ثم سرنا معاً وهو يحدّثني عن عجائب مخلوقات الله تعالى ، وبينما نحن نسير فإذا  بإمرأة سافرة ، على وجهها نقاب ، أرادت أن تخرج من حقيبتها اليدوية مسدساً ، لتقتل سيّد قطب .

فلما رأيت ذلك ، أوعزت لسيد قطب بالهرب ، ليتخلص من شرّ تلك المرأة .

فركض سيّد قطب ، والمرأة خلفه وبيدها المسدس لتقتل سيّد ، وأنا جعلت نفسي بين سيّد قطب  ، وبين تلك المرأة حتى لا تقتل سيّد قطب ، رحمه الله . ثم استيقظت .

ومن ذلك اليوم ، وأنا في داخلي عندما أتذكّر هذه الرؤيا ، يطوف في خلدي طيف خفيف الظلّ ؛ وهو أنّي سأدفع الشبهات ، عن الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى .

ولقد آن الأوان أن يتحقق ذلك – بإذن الله تعالى ، قبل أن أغادر هذه الدنيا ، عسى أن يكون هذا الدفاع  ،  مبرراً للقياه في الآخرة إن شاء الله تعالى .

أسأل الله تعالى ، العليّ العظيم ، أن يتقبّل عملي هذا ، ويجعله في ميزان حسناتي ، يوم ألقاه سبحانه .

فإن كان ما قلته وكتبته حقّاً وصواباً ، فهذا من محض فضل الله تعالى وكرمه ، وإن كان خطأ وباطلاً فمن نفسي الأمّارة بالسوء ، ومن الشيطان ، أستغفر الله تعالى ، منه ، وأتوب إليه ، وأسأله العفو والغفران .

 

 

                                                                               د .  حارث همام عبد الله

       السبت 18 / شعبان / 1441 هـ

                                                                       11 / نيسان / 2020 م

مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا

كان فـي نيتي – منذ فتـرة طويلة – أن أبيّن الشبهات ، والهذيان الذي هذى به البعض ، وهرف بما لا يعرف  ، وتطاول على مقام سيّد قطب ، رحمه الله تعالى .

حتى يعلم هو – قبل غيره – كيف فضح نفسه بنقده للعملاق سيد قطب ، وكيف بيّن للعالمين – ذاك الطاعن – أنّه لا يفهم كلام العظماء ، ولم يفهم الإسلام العظيم – أصلاً – كما هو ! !

وهذا جزاء مَن يحارب أولياء الله تعالى ، ومَن يطعن فيهم ، ويجعل نفسه في خندق أعدائهم :

يقول الله تعالى ، في الحديث القدسي : (  مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ  ) [4] .

[  أي أعمل به ما يعمله العدوّ المحارب من الإيذاء ونحوه ،

 

 

 

 

 

 

 

فالمراد لازمه وفيه تهديد شديد لأن من حاربه أهلكه ] [5] .  

 

[  الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ

 

 

 

 

 

وَقَدِ اسْتُشْكِلَ وُجُودُ أَحَدٍ يُعَادِيهِ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَمَنْ شَأْنِ الْوَلِيِّ الْحِلْمُ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ يَجْهَلُ عَلَيْهِ

 

 

 

 

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَثَلًا

 

 

 

 

بَلْ قَدْ تَقَعُ عَنْ بُغْضٍ يَنْشَـأُ عَنِ التَّعَصُّبِ كَالرَّافِضِـيِّ فِـي بُغْضِهِ لِأَبِـي بَكْرٍ وَالْمُبْتَدِعِ فِي بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ ] [6] .

 

 

 

 

 

وهذا الحديث القدسي [ يَقْتَضِي الزَّجْرَ عَنْ مُعَادَاةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِمُوَالَاتِهِمْ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وَمُوَالَاةِ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لَا تَتَأَتَّى إِلَّا بِغَايَةِ التَّوَاضُعِ ] [7] .

 

فالويل ثم الويل ، لمن يحارب أوليـاء الله تعالـى ، مندفعـاً ومنطلقاً من تعصّب ذميم ، يشارك أعداء الله تعالى ، في محاربته لأوليائه سبحانه ، وهو يظن أنه ينصر الإسلام بذلك !

 

 

فلنكن صرحاء

 

 

 

 

 

 

وأنا سأكون صريحاً جداً – هنا – لأنّني أقدّس ديني ، وأحترم نفسي والأذكياء ، ولست في مقام التعامل ، بل في مقام التقييم وبيان الحق والحقيقة ؛ ليحيى مَن حيّ عن بيّنة ، ويهلك مَن يهلك عن بيّنة .

 

 

 

 

 

فالمجاملة وعدم البوح بالحقيقة – خشية عدم جرح مشاعر الغافل ، والساهي ، والتائه ، والشارد – قد ضرّ ويضرّ كثيراً ، وأدّى إلى تضليل كثير من الناس وخداعهم ، فضلاً عن السكوت كثيراً عن الجرح والطعن في الأئمة الكبار ، والتطاول على مقاماتهم الرفيعة  !

 

 

 

 

 

 

فالله سبحانه وتعالى ، قد علّمنا – في مجال التقييم – بالصراحة التامّة ، وعدم المجاملة والمواربة [8] .

 فيقول سبحانه – على سبيل المثال – حول الكافرين – في مقام التقييم :

 

 

 

 

 

 

(  قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ  ) [9] .

 

 

 

 

 

 

 

فأنتم – أيها الكافرون – لكم دينكم الخاص ، وديني لا يشبه دينكم ، فلا أنتم تعبدون الله ربّ العالمين ؛ الذي أنا أوحّده وأعبده ، ولا أنا أعبد الأهواء والأصنام والطواغيت التي تعبدونها .

فطريقكم غير طريقي ؛ فأنتم في وادٍ ، وأنا في واد !

 

 

 

 

 

 

 

قال سيّد قطب ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

 

[  لكم دينكم ولي دين . . أنا هنا وأنتم هناك ، ولا معبر ولا جسر ولا طريق ! ! !

 

 

 

 

مفاصلة كاملة شاملة ، وتميز واضح دقيق . .

 

 

 

 

ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الإختلاف الجوهري الكامل ، الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق . الإختلاف في جوهر الاعتقاد ، وأصل التصور ، وحقيقة المنهج ، وطبيعة الطريق .

 

 

 

إن التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر . . ولا يلتقيان . . التوحيد منهج يتجه بالإنسان - مع الوجود كله - إلى الله وحده لا شريك له .

 

 

 

ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان عقيدته وشريعته ، وقيمه وموازينه ، وآدابه وأخلاقه ، وتصوراته كلها عن الحياة وعن الوجود .

 

 

 

هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها هي الله ، الله وحده بلا شريك . ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس . غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية . . وهي تسير . .

وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية . وضرورية للمدعوين . .

 

 

 

 

إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان ، وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها .

 

 

 

 

وهذه الجماعات هي أعصى الجماعات على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف .

أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة أصلا . ذلك أنها تظن بنفسها الهدى في الوقت الذي تتعقد انحرافاتها وتتلوى !

واختلاط عقائدها وأعمالها وخلط الصالح بالفاسد فيها ، قد يغري الداعية نفسه بالأمل في اجتذابها إذا أقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد . . وهذا الإغراء في منتهى الخطورة !

 

 

 

إن الجاهلية جاهلية ، والإسلام إسلام . والفارق بينهما بعيد .

 

 

 

والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته . هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه .

 

 

 

وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية : تصورا ومنهجا وعملا . الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق .

 

 

 

 والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام .

 

 

 

لا ترقيع . ولا أنصاف حلول . ولا التقاء في منتصف الطريق . . مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام ، أو ادعت هذا العنوان !

 

 

 

 

وتميز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس . شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء . لهم دينهم وله دينه ، لهم طريقهم وله طريقه .

 

 

 

 

لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم . ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو ، بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير !

 

 

 

 

 

 

وإلا فهي البراءة الكاملة ، والمفاصلة التامة ، والحسم الصريح . . لكم دينكم ولي دين . . ] [10] .

 

 

 

 

 

 

 

ويقول تعالى : (  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) [11] .

 

 

 

 

 

 

فإنّ الذين يؤلّهون عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ويعتبرونه هو الله تعالى ، لا شك أنّهم كفروا بهذا الإعتقاد السقيم ، وهم ليسوا بمؤمنين ، وليس دينهم هو ديني !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويقول عزّ وجلّ : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ) [12] .

 

 

 

 

 

 

فالنصارى الذين يعتبرون الله ثالث ثلاثة – تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيرا – لا ريب أنّهم كفروا بهذا الإيمان القبيح ، ولئن لم يتركوا هذا المعتقد السخيف ، فسوف يعذّبهم الله تعالى ، عذاباً موجعاً !

الدعوة والتعامل

ذلك كان في مجال التقييم .

 

 

 

 

 

 

 أما في مجال الدعوة والتعامل ، فيختلف الوضع . وليس هذا الأسلوب بخداعٍ ولا كذب ولا تضليل ، ولا جبن .

 

 

 

بل هو الحكمة التي أمرنا الله تعالى بها في دعوة الناس ؛ لأن النفوس معقدة ، ملتوية ، أمّارة بالسوء ، جموحة ، تحتاج للحكمة لإذعانها ، ورجوعها وإخضاعها ، وكبح جماحها ، ورضوخها للحق  ! 

 

 

 

 

 

 

يقول الله تعالى – على سبيل المثال :

 

 

 

 

 

( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  ) [13] .

فلم يأمر الله تعالى – هنا – أن يُقال للكافر الجاحد : إنّك تتخبّط في دياجير الضلالِ الواضح  !

لأنّ نفسه الأمّارة بالسوء – هنا في مجال التعامل والدعوة – سوف تأخذها العزة بالإثم ، فتتمرّد تكبّراً وجموحا !

 

 

 

 

 

 

بل دعاه إلى التفكير ، وجعل له الإحتمال بالتساوي ؛ فلابد أن يكون أحد الطرفين على هدىً ، والآخر في ضلالٍ مبين .

 

 

 

 

لأنّه من المستحيل أن يكون الطرفان على الحقّ والهدى ، وهما متناقضان ، متعاكسان تماماً .

 

 

 

 

 

قال الشهيد سيد قطب ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره للآية الكريمة ، وما بعدها : (  وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  ) :

[  وهذه غاية النصفة والإعتدال والأدب في الجدال . أن يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم – للمشركين :

 

 

 

 

إن أحدنا لا بد أن يكون على هدى ، والآخر لا بد أن يكون على ضلال .

 

 

 

 

 

ثم يدع تحديد المهتدي منهما والضال . ليثير التدبر والتفكر في هدوء لا تغشى عليه العزة بالإثم ، والرغبة في الجدال والمحال !

 

 

 

 

فإنما هو هاد ومعلم ، يبتغي هداهم وإرشادهم لا إذلالهم وإفحامهم ، لمجرد الإذلال والإفحام !

الجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام ، المستكبرين على الإذعان والاستسلام ،

 

 

 

 

 

وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق . وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعاة . .

 

 

 

 

ومنه كذلك الإيقاع الثالث ، الذي يقف كل قلب أمام عمله وتبعته ، في أدب كذلك وقصد وإنصاف :

قل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون . .

 

 

 

 

ولعل هذا كان ردا على اتهام المشركين بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه هم المخطئون الجارمون ! وقد كانوا يسمونهم : " الصابئين " أي المرتدين عن دين الآباء والأجداد .

وذلك كما يقع من أهل الباطل أن يتهموا أهل الحق بالضلال ! في تبجح وفي غير ما استحياء !

قل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون . .

 

فلكل عمله . ولكل تبعته ولكل جزاؤه . . وعلى كل أن يتدبر موقفه ، ويرى إن كان يقوده إلى فلاح أو إلى بوار .

 

 

 

 

 

 

 

 

وبهذه اللمسة يوقظهم إلى التأمل والتدبر والتفكر . وهذه هي الخطوة الأولى في رؤية وجه الحق . ثم في الاقتناع.  ] [14] .

 

وانظر إلى لطف التعامل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون !

 

 

 

 

أمر الله تعالى ، رسوله r ، أن يخاطبهم – في باب التعامل – بغاية اللطف ، بحيث أسند إحتمال الإجرام إلى النبيّ وصحبه ، ولم يصف أعمال الكفار بذلك ، وهي في غاية الإجرام والكفر ، لأن المسألة هي التعامل ، وليس تقييماً ! 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وضع النقاط على الحروف

 

 

 

 

 

 

 

 

وأنا سأكون صريحاً – كما ذكرت – بلا مجاملة ، وسأحاول وضع النقاط على الحروف .

 

 

 

 

وذلك لتوضيح وبيان الحقائق بلا غبش ولاغموض .

 

 

 

 

ويعلم الله تعالى ، أني لا أفعل ذلك لغرض الطعن ، وإشفاء غليل النفس ، واحتقار المسلمين !

لأنّ مسألتنا عويصة ومعقّدة ومشبّكة ، لا تتّضح ولا تظهر إلّا بجرح البعض – عرضاً لا مقصوداً .

وبيان كل حقيقة مختلف فيها ، لابد وأن يُجرح فيها البعض – من غير قصد .

 

 

 

 

وذلك لأنّ هذا الجرح – في بيان الحقيقة ؛ للتخلّص من الموبقات – يشبه الجرح في عملية جراحية ،

يقوم الطبيب – بمبضعه ومشرحته – به في جسد المريض ، وقطع بضعة فاسدة منه ؛ للتخلص منها ، وإنقاذ بقية جسد المريض ، ليبقى سالماً معافى !

 

 

 

 

 

 

 

وفي هذه العملية لابد وأن صاحبه يتألم ويتوجّع !

 

 

 

 

والغريب في الأمر : أنّ المسلم – في هذه الحالة – لا يشعر بأية إهانة لشخصه ، بل يشكر الطبيب ، ويزداد حبّـاً له ، علمـاً أنـه جرحه وقطع جزءاً منه ، وفصله عن جسده وألقاه ، وجعله طريح الفراش لفترة زمنية قد تطول !

 

 

 

 

هذا في إبعاد أذية عن جسده الفاني – في هذه الدنيا – التي تحيل إلى تراب !

 

أمّا في تذكير المسلم بالموبقات التي تنخر في روحه – كما في موضوعنا – والتـي تدخل القبر معه ، وتصاحبه فـي الحساب يـوم القيامة ، وتؤدي به إلى نقص حسـناته ، إن لم تؤدي بـه إلـى النـار ، فتراه أسداً حصوراً ، لا يقبل الضيم – يحسبه كذلك – بل يحسب دفاعه وهجومه ، وردّ تلك التصحيحات ، لله تعالى ، ومن أجل الإسلام العظيم !

 

 

 

وذلك لأنّ النفس حرون ، لا تخضع ولا تعترف بخطئها بسهولة ، فتحاول المدافعة ، والبراءة من التلبّس بالأخطاء ، وتظن كلّ إقامة لإعوجاجها طعن وشتم لها !

 

(   بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ   ) [15] .

 

 

 

 

وهذا من النكبات ، والخذلان الذي يصيب البعض .

 

 

 

فإن لم يراجع نفسه ويتوب ، ويؤوب إلى الحق ، فسوف يكون مصيره وبيلاً !  

 

بل عليه أن يتعاون – في طلب الحق ، والسيطرة على نفسه – ليصل إلى برّ الأمان ، وينجو بنفسه من الخطيئة في الدنيا ، والعذاب في الآخرة !

وذلك كمن ضاع منه شيء ثمين ، فإذا وجده له غيره ، وجب عليه شكره واستقبال ذلك بالفرح والسرور ، لا أن ينسى ضالته الثمينة ، ويتفرّغ لطعن وشتم مَن أسدى له ذلك الخير !

 

 

 

 

فهل بينه وبين الحقّ عداوة ؛ فيصرّ على أن لا يرجع إليه ولا يعود ؟ !

 

 

 

 

 

ومن شروط وعلامات طلب الحق ، وإرادة رضا الله تعالى في عمله ، هو ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي ، رحمه الله تعالى ، حيث قال :

 

 

 

 

 

[  السادس : أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه

 

 

 

ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق كما لو أخذ طريقاً في طلب ضالته فنبهه صاحبه على ضالته في طريق آخر فإنه كان يشكره ولا يذمه ويكرمه ويفرح به

 

 

فهكذا كانت مشاورات الصحابة رضي الله عنهم حتى أن إمرأة ردت على عمر رضي الله عنه ونبهته على الحق وهو في خطبته على ملأ من الناس فقال أصابت إمرأة وأخطأ رجل

 

 

 

وسأل رجل علياً رضي الله عنه فأجابه فقال ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا كذا فقال أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم

 

 

 

 

واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم

 

 

 

وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبيل الله فقتل فقال هو في الجنة  وكان أمير الكوفة فقام ابن مسعود فقال أعده على الأمير فلعله لم يفهم فأعادوا عليه فأعاد الجواب فقال ابن مسعود وأنا أقول إن قتل فأصاب الحق فهو في الجنة فقال أبو موسى الحق ما قال

وهكذا يكون إنصاف طلب الحق

 

 

 

 

ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده وقال لا يحتاج إلى أن يقال أصاب الحق فإن ذلك معلوم لكل أحد

 

 

 

 

فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يَسْوَدّ وجه أحدهم إذا اتضح الحق على لسان خصمه

وكيف يخجل به وكيف يجهد في مجاحدته بأقصى قدرته وكيف يذم من أفحمه طول عمره ثم لا يستحي من تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على النظر في الحق ] [16] .

 

 

 

 

 

إختلاط الحابل بالنابل

هناك أمران مختلفان ، بينهما فرق كبير وواضح ، وهما : التقييم والتعامل

 

 

 

 

فالتقييم شيء – كما ذكرنا – والتعامل شيءٌ آخر .

 

 

 

ولا يُبنى التعامل – في الإسلام – على التقييم أبداً .

 

 

 

 

 

 

 

وهذا ما يجهله خصوم الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى .

 

 

 

 

فقد اختلط عليهم الحابل بالنابل ، فبنوا التعامل على التقييم ، فضلّوا وأضلّوا ، وأربكوا المسلمين العوام بفهمهم السـاذج السقيـم ، وأسدلوا على أعين أتباعهم غشاوة ثخينة ، حرّموهم بها من رؤية الإسلام الناصع بوضوح !

 

 

 

 

 

فجعلوا – بسبب هذه الرؤية المغوّشة – أولياء الله تعالى وأحباءه ، من أعدائه سبحانه ، فقاموا – بناء على هذا – بمحاربتهم ، والتخندق مع أعداء الله تعالى ، ضدّهم بغباوة لا يُحسدون عليها !

 

 

 

 

 

 

 

والمشكلة العويصة هنـا هي : أنّهم لا يُراجعون معلوماتهم التي أُمليت وتُملى عليهم ، ولا ينصتون لمنطق الحقّ ، بسبب تعصّبهم وتحزّبهم ، وهم لا يدرون أنّهم حزبٌ متعصّب ؛ من الأحزاب المفرّقة المتفرقة !

 

 

 

ويعتبرون خصومهم من الفِرَق ، أمّا هم فليسوا بفرقة .

 

 

 

 

علماً أنّ الحديث الضعيف – فلنقل المختلف فيه بين المحدّثين –  الذي يعتمدون عليه في تضليل الأمة ، ورميهم بالفِرَق ، يقول :

 

 

 

 

(  إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي . وفي بعض الروايات : هي الجماعة   ) [17]  .

فبحسب استدلالهم ، وتضليلهم : أمة الإسلام ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ؛ يقول : ( فرقة ) ، أي :  كلّ واحدة منهم فرقة ! فهُم أيضاً فرقة من الفِرَق .

 

 

 

 

 

 

 

أما أنهم على الحق ، وغيرهم على الباطل ، فهذه دعوى تحتاج إلى برهان :

 

 

 

 

 

 وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى           وليلى لا تقرُّ لهم وِصالاً

 

 

 

 

 

ولو عَلِمتْ بما يحكيهِ عنها         لشقّتْ صدرَها وأتتْ وبالا…

 

وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر له بذاك    

                           إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى    فأما من بكى فيذوب وجداً                  وينطق بالهوى من قد تباكى . . . ! !

 

 

 

 حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقبل بيان معنى التقييم والتعامل ، والفرق بينهما ، نودّ أن نعرف درجة الحديث الذي وضعوا كلّ ثقلهم عليه ، واستندوا عليه في تضليلهم للأمة الإسلامية – بما فيهم خير الدعاة والأئمة وأفضلهم .

 

 

 

 

وكأنه هو حديث متواترٌ ، لاشك في صحته ، وأنه صادر – بلا ريب – من رسول الله r ، فمن ردّه ولم يأخذ به ، ولم يعترف بصحة صدوره عن رسول الله r ، فهو قد ردّ على رسول الله r ، وخالفه وعصاه r !

 

 

 

 

 

 

 

[ أما حديث افتراق الأمة إلى فرق فوق السبعين كلها في النار إلا واحدة ،

ففيه كلام كثير في ثبوته وفي دلالته .

 

 

 

أ - فأول ما ينبغي أن يعلم هنا أن الحديث لم يرد في أي من الصحيحين ، برغم أهمية موضوعه ، دلالة على أنه لم يصح على شرط واحد منهما  

 

 

 

 

 

وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح ، فهذا مسلم ، ولكنهما حرصا أن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا ولو حديثا واحدا .

 

 

 

 

ب - إن بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة ، وإنما ذكرت الإفتراق وعدد الفرق فقط . وهذا هو حديث أبي هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفيه يقول :

 

 

 

 

 

" افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " .

 

 

 

 

 

والحديث ـ وإن قال فيه الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم ـ مداره على محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، ومن قرأ ترجمته في " تهذيب التهذيب " ، علم أن الرجل متكلم فيه من قبل حفظه ، وإن أحدا لم يوثقه بإطلاق وكل ما ذكروه أنهم رجحوه على من هو أضعف منه .

 

 

 

ولهذا لم يزد الحافظ في التقريب على أن قال : صدوق له أوهام .

 

 

 

 

والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط ، فكيف إذا كان معه أوهام ؟ ؟ ‍!

ومعلوم أن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح ، وقد وصف الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح .

 

 

 

 

وهو هنا صحح الحديث على شرط مسلم ، باعتبار أن محمد بن عمرو احتج به مسلم ، ورده الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا ، بل بانضمامه إلى غيره .

 

 

 

 

على أن هذا الحديث من رواية أبي هريرة ليس فيه زيادة : أن الفرق " كلها في النار إلا واحدة " وهي التي تدور حولها المعركة .

 

 

 

وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة : عبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وعوف بن مالك وأنس ، وكلها ضعيفة الإسناد ، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض .

والذي أراه أن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها ، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه ، كما يبدو ذلك في كتب التخريج ، والعلل ، وغيرها !

 

 

 

وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له ، ولا إشكال في معناه .

 

 

 

 

 

وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية ،

وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها .

 

 

 

 

 

وهو يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة أنها الناجية ، وأن غيرها هو الهالك ، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض ، مما يضعفها جميعا ، ويقوي عدوها عليها ، ويغريه بها .

ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة ، وفي هذه الزيادة خاصة ، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض ، بل تكفيرها بعضها لبعض .

 

 

 

 

 

قال رحمه الله في " العواصم " وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة ، والحذر من التورط في تكفير أحد منها ،

قال : وإياك والاغترار بـ " كلها هالكة إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة ، غير صحيحة القاعدة ، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة .

 

 

 

 

 

قال : وعن ابن حزم : إنها موضوعة ، عير موقوفة ولا مرفوعة ،

 

 

 

 

 

وكذلك جميع ما ورد في ذم القدرية والمرجئة والأشعرية ، فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية .

ج - إن من العلماء قديما وحديثا من رد الحديث من ناحية سنده ، ومنهم من رده من ناحية متنه ومعناه .

فهذا أبو محمد بن حزم ، يرد على من يكفر الآخرين بسبب الخلاف في الإعتقاديات بأشياء يوردونها .

 

 

 

وذكر من هذه الأشياء التي يحتجون بها في التكفير حديثين يعزونهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هما :

 

 

 

 

1 . " القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة " .

2 . " تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة ، كلها في النار حاشا واحدة ، فهي في الجنة " .

 

 

 

 

قال أبو محمد : هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد ، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد ، فكيف من لا يقول به ؟

 

 

 

 

 

 

وهذا الإمام اليمني المجتهد ، ناصر السنة ، الذي جمع بين المعقول والمنقول ، محمد بن إبراهيم الوزير يقول في كتابه " العواصم والقواصم " أثناء سرده للأحاديث التي رواها معاوية رضي الله عنه ، فكان منها

 

 

( الحديث الثامن ) : حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا فرقة واحدة ،

قال : وفي سنده ناصبي ، فلم يصح عنه ، وروى الترمذي مثله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقال : حديث غريب .

ذكره في الإيمان من طريق الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عنه .

وروى ابن ماجه مثله عن عوف بن مالك ، وأنس .

 

 

 

 

 

 

قال : وليس فيها شيء على شرط الصحيح ، ولذلك لم يخرج الشيخان شيئا منها .

 

 

 

 

 

 

 وصحح الترمذي منها حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة ، وليس فيه " كلها في النار إلا فرقة واحدة " وعن ابن حزم : أن هذه الزيادة موضوعة ذكر ذلك صاحب " البدر المنير " .

 

 

 

وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) ، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا واحدة " ولم يزد على ذلك فلم يصفه بصحة ولا حسن ، رغم أنه أطال تفسير الآية بذكر الأحاديث والآثار المناسبة له .

 

 

 

وذكر الإمام الشوكاني قول ابن كثير في الحديث ثم قال :

 

 

 

 

 

قلت : أما زيادة " كلها في النار إلا واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين ، بل قال ابن حزم : إنها موضوعة .

 

 

 

على أن الحديث ـ وإن حسنه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ، أو صححه بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد طرقه ـ لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة وهذا العدد ، أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة ، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات .

 

 

 

فقد توجد بعض هذه الفرق ، ثم يغلب الحق باطلها ، فتنقرض ولا تعود أبدا .

 

 

 

 

 

 

وهذا ما حدث بالفعل لكثير من الفرق المنحرفة ، فقد هلك بعضها ، ولم يعد لها وجود .

ثم إن الحديث يدل على أن هذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم أعني أمة الإجابة المنسوبة إليه ، بدليل قوله : " تفترق أمتي "

 

 

 

 

 

ومعنى هذا أنها ـ برغم بدعتها ـ لم تخرج عن الملة ، ولم تفصل من جسم الأمة المسلمة .

وكونها ( في النار ) لا يعني الخلود فيها كما يخلد الكفار ، بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين .

 

 

 

وقد يشفع لهم شفيع مطاع من الأنبياء أو الملائكة أو آحاد المؤمنين وقد يكون لهم من الحسنات الماحية أو المحن والمصائب المكفرة ، ما يدرأ عنهم العذاب .

 

 

 

 

 

وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه ، ولا سيما إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق ، ولكنهم لم يوفقوا وأخطئوا الطريق ،

 

 

 

 

 وقد وضع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] [18] .

 

ويُضاف إلى ضعف أسانيد هذه الأحاديث ، واختلاف المحدّثين حولها ؛ أي : لم تثبت هذه الأحاديث بدون إشكالات عليها ، ولم يتّفق المحدّثون على تصحيحها ، يُضاف إلى ذلك : أنها تخالف القرآن الكريم من ناحية معانيها !

 

 

 

 

فالله سبحانه وتعالى يقول : (  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .

[  يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ فَقَالَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }  .

قَـالَ الْبُخَـارِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَيْسَرة ، عَنْ أَبِـي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ] [19] .

 

 

 

 

 

بينما هذه الأحاديث تقول : كنتم شرّ أمّة أخرجت للناس ، واليهود والنصارى أفضل منكم ، وخير منكم !

 

 

 

 

 

 

فاليهود إفترقت على إحدى وسبعين فرقة .

 

 

 

والنصارى إفترقت على اثنتين وسبعين فرقة .

 

 

 

 

 

بينما أمّة محمد افترقت على ثلاث وسبعين فرقة ، فهي شرّ الأمم !

 

أيريدون إثبات أفضلية اليهود والنصارى على الإسلام ، بإلحاحهم على تصحيح هذا الحديث ؟ !

أم أنّهم موجّهون من حيث لا يدرون ؟ !

  

 

 

 

 

 

 

 

التقييم والتعامل

نقصد بالتقييم : وزن الأمر ، وتقييمه ، وإعطائه الوصف المناسب والمطابق له ، وبيان حاله ، وهل هو حق أم باطل ، أو صواب أم خطأ ؛ لتتضح حقيقته ، وتتبيّن .

فيكون المرء على بيّنة من أمره ، فلا تختلط عليه الأمور ، ولا يتخبّط خبط عشواء ، ويعلم الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل  .

(  كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ  ) [20] .

[  أي : نوضحهـا ونبينهـا ، ونميز بين طريـق الهدى من الضلال ، والغي والرشاد ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه .

 

 

 

 

{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الموصلة إلى سخط الله وعذابه ، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت ، أمكن اجتنابها ، والبعد منها ، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل  ] [21] .

 

أمّا التعامل ، فنقصد به : كيفية التعامل مع المقابل ، من الودّ والبر، واللين ، أو الخشونة ، والإقبال إليه ، أو الإعراض عنه .

 

 

 

 

فهذا التعامل لا يُبنى على التقييم .

 

 

 

بمعنى : لا يلزم – إن كان الإنسان الذي أتعامل معه ، على خطأ وباطل – أن يكون تعاملي معه – دائماً – بالخشونة والإعراض .

 

 

 

وأنه إن كان على صواب وحق ، أن يكون تعاملي معه – دائماً – بالإقبال واللين !

 

 

 

فالتعامل لا يُبنى على التقييم .

 

 

 

بل التعامل يُبنى على الحكمة ، والمصلحة الحقيقية – بعيدة عن حظوظ النفس وهواها – المتوخاة منها .

 

مثال للتقييم وعدم بناء التعامل عليه

 

 

 

 

ولتوضيح الفرق بين التقييم والتعامل ، يقول الله تعالى :

( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ .

وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا   ) [22] .

فال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله :

 

 

 

 

                                         

[   أَيْ : إِنْ حَرَصَا عَلَيْكَ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ تُتَابِعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا ، فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمَا ذَلِكَ ، وَلَا يمنعنَّك ذَلِكَ مِنْ أَنْ تُصَاحِبَهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ] [23] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[   ما الفرق بين ( إحساناً ) و ( حُسناً ) ؟ الفرق أن الإحسان مصدر أحسن ، وأحسن حدث ، تقول : أحسن فلان إحساناً .

 

 

 

أما حُسناً فمن الحسن وهو المصدر الأصيل لهذه المادة كما تقول : فلان عادل ، فوصفته بالعدل ، فإنْ أردتَ أنْ تبالغ في هذا الوصف تقول : فلان عَدْل أي : في ذاته ، لا مجرد وَصْف له.

إذن : فحُسْناً آكد في الوصف من إحساناً ، فلماذا جاءت في هذه الآية بالذات :    { وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً . . . } [ العنكبوت : 8 ]

 

 

 

 

 

قالوا : لأن هذه الآية تتعرض لمسألة صعبة تمسُّ قمة العقيدة ، فسوف يطلب الوالدان من الابن أنْ يشرك بالله .

 

 

 

 

 

 

لذلك احتاج الأمر أنْ نوصي الابن بالحُسْن في ذاته ، وفي أسمى توكيداته فلم يقُلْ هنا ( إحْسَاناً ) إنما قال ( حُسْناً ) حتى لا يظن أن دعوتهما إياه إلى الشرك مبرر لإهانتهما ، أو التخلي عنهما ؛ لذلك يُعلِّمنا ربنا :

 

 

 

{ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً }  ] [24] .

 

[  ولما أمر بالقيام بحقه ، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد ، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال : { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ }

 

 

 

 

أي : عهدنا إليه ، وجعلناه وصية عنده ، سنسأله عن القيام بها ، وهل حفظها أم  لا ؟

فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له : { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي ، وأداء حقوقي ، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي .

 

 

 

 

{ وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين ، والكلام اللطيف ، والفعل الجميل ، والتواضع لهما ، وإكرامهما وإجلالهما ، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه ، بالقول والفعل .

فوصيناه بهذه الوصية ، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ }

 

 

 

 

 

 

 

أي : سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك ، وكلفك بهذه الحقوق ، فيسألك : هل قمت بها ، فيثيبك الثواب الجزيل ؟ أم ضيعتها ، فيعاقبك العقاب الوبيل ؟ .

 

 

 

 

ثـم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين فـي الأم ، فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } أي : مشقة علـى مشقة ، فلا تزال تلاقي المشاق ، من حين يكون نطفة ، من الوحم ، والمرض ، والضعف ، والثقل ، وتغير الحال ، ثم وجع الولادة ، ذلك الوجع الشديد .

ثم { فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها ، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد ، مع شدة الحب ، أن يؤكد على ولده ، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه ؟

 

 

 

 

{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ } أي : اجتهد والداك { عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ، لأن حق الله ، مقدم على حق كل أحد ، و " لا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق "

 

 

 

ولم يقل : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال : { فَلا تُطِعْهُمَا } أي : بالشرك ،

 

 

 

 

 

وأما برهما ، فاستمر عليه ، ولهذا قال : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي ، فلا تتبعهما ] [25] .

 

 

 

 

 

فالتقييم – في هذه الآية الكريمة : أنّ الوالدين مشركين ، ليس هذا فحسب ، بل يجاهدان  ولدهما – جهاداً – أن يشرك هو أيضاً ، فيصبح مثلهما !

 

 

 

 

 

فالوالدان كافران مشركان ، غاليان في الشرك غلواً ، جعلهما يناضلان أن يشرك ولدهما أيضاً .

 

 

 

هذا من ناحية التقييم .

 

 

 

 

 

أما من ناحية التعامل : فقد أمر الله تعالى ، ولدهما بمصاحبتهما في الدنيا بالمعروف والإحسان .

 

 

 

 

 

 

فتعاملهما لا يُبنى على تقييمهما !

 

 

 

 

 

 

التقييم والتعامل مع اليهود والنصارى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويقول الله تعالى ، عن أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) :

 

 

 

 

 

(  وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ  ) [26] .

 

 

 

 

 

[   قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } وَلَيْسَتِ الْيَهُودُ - يَا مُحَمَّدُ - وَلَا النَّصَارَى بِرَاضِيَةٍ عَنْكَ أَبَدًا ، فَدَعْ طَلَبَ مَا يُرْضِيهِمْ وَيُوَافِقُهُمْ ، وَأَقْبِلْ عَلَى طَلَبِ رِضَا اللَّهِ فِي دُعَائِهِمْ إِلَى مَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ] [27] .

 

 

 

 

 

 

 

 ويقول تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ ) [28] .  

[ العداوة : بغض نفسي تجعل صاحبها بعيداً ممن يعاديه فلا يصله بخير ، ولا يقربه بمودة ، وقد تحمله على إرادة الشر بالعدو . . .

 

 

 

 

أمـا اليهود فلمـا توارثوه خَلفـاً عن سلف من إنكار الحق . والوقوف في وجه دعاته ، إضافة إلى أن أملهم في إعادة مجدهم ودولتهم يتعارض مع الدعوة الإسلامية ] [29]

 

[ يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين ، وإلى ولايتهم ومحبتهم ، وأبعدهم من ذلك :

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين ، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم ، وذلك لشدة بغضهم لهم ، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا  ] [30] .

 

 

 

 

 

 

 

فهذا من ناحية التقييم ؛ حيث أخبر الله تعالى ، نبيّه r أنّ اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتّبع ملّتهم ، فليعلم هذا جيّداً ، وليقطع أمله وطمعه في ذلك ، ويرتاح ولا يذهب نفسه حسراتٍ عليهم !  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويقول الله تعالى :

( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ  ) [31] .

 

[  اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْعُلَمَاءُ فِي قوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } هَلْ يَعُمُّ كُلَّ كِتَابِيَّةٍ عَفِيفَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ؟

 

 

 

 

حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، مِمَّنْ فَسَّرَ الْمُحْصَنَةَ بِالْعَفِيفَةِ .

 

 

 

 

وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هَاهُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .

 

 

 

 

 

وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ : الذِّمِّيَّاتُ دُونَ الْحَرْبِيَّاتِ ؛ لِقَوْلِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ التَّوْبَةِ : 29 ]

 

 

 

 

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَرَى التَّزْوِيجَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَيَقُولُ : لَا أَعْلَمَ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ رَبَّهَا عِيسَى ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 221 ] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ - يَعْنِي المُزَنِيّ- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَمِيع ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قَالَ : فَحَجَزَ النَّاسُ عَنْهُنَّ حَتَّى نَزَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فَنَكَحَ النَّاسُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ نِسَاءِ النَّصَارَى وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا ، أَخْذًا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ  ] [32] .

 

 

 

 

 

[  أي : في هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى لكم فيه الدين أحل لكم ما سألتم عنه وهو سائر الطيبات ،

 

 

 

 

وكذا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى خاصة فطعامهم ، أي : ذبائحهم حل لكم ، وطعامكم حل لهم ،

 

 

 

 

أي : لا بأس أن تطعموهم من طعامكم فإن ذلك جائز لكم ولهم .

 

 

 

وأحل لكم أيضاً نكاح المحصنات ، أي : العفائف من المؤمنات ، والمحصنات من نساء الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفائف من اليهوديات والنصرانيات ،

 

 

 

على شرط إتيانهن أجورهن ، أي : مهورهن حال كونكم محصنين ، أي: عاقدين عليهن عقدة النكاح المتوقفة على المهر والولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول ] [33] .

 

ذاك كان من باب التقييم ، والموقف هنا موقف التعامل ، وهما مختلفان ، فلا يجوز أبداً بناء التعامل على التقييم .

 

 

 

بمعنى : لا يجوز أن يتّخذ منهم موقف الشدّة والقسوة ، والحقد والبغضاء – بناء على موقفهم هم منّا ، اللهم إلّا في حال الحرب ، وفي ساحات الوغى .

 

ولا يجوز ضرب الآيات القرآنية بعضها في بعض – نتيجة الخلط وعدم الفهم !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [34] .       

 

 

 

 

 

 

 

فهمٌ سديدٌ في القمة !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولزيادة بيان هذا الموضوع – الفرق بين التقييم والتعامل – ولتخبط خصوم سيّد قطب ، رحمه الله ، فيه .

 

 

 

سننقل كلام رائع للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – يبيّن مدى غبش الصورة لدى أولئك في هذا الجانب – كمثال – وإلّا فهُم في كلّ الجوانب التي ينتقدون فيها الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله – وفي انتقادهم للقرضاوي – يتخبّطون خبط عشواء ، ويضربون بعض النصوص ببعض ، لعدم وضوح الرؤية عندهم !

 

يقول العلّامة يوسف القرضاوي :

 

 

 

 

 

 

[  إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة ، وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين ،

 

 

 

 

فقال تعالى : " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  " (الممتحنة : 8 – 9 )

 

 

 

 

 

 

ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم .

 

 

 

 

 

فالأولون ( المسالمون ) شرعت الآية الكريمة برهم والاقساط إليهم ،

 

 

 

 

 

والقسط يعني : العدل ، والبر يعني : الإحسان والفضل ، وهو فوق العدل ،

 

 

 

 

العدل : أن تأخذ حقك ، والبر : أن تتنازل عن بعض حقك .

 

 

 

 

 

العدل أو القسط : أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه .

 

 

 

والبر : أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا .

 

 

 

 

وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم ، فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم ، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق ، إلا أن يقولوا : ربنا الله ، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول وأصحابه .

 

 

 

 

 

 

وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة ( البر ) حين قال : " أن تبروهم " وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى ، وهو ( بر الوالدين ) .

 

 

 

 

 

وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علي وهي مشركة ، وهي راغبة ( أي في صلتها والإهداء إليها ) أفأصلها ؟

قال : " صلي أمك " [35] .

هذا وهي مشركة ، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين .

حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم ،

 

 

 

 

بمعنى : أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم ،

 

 

 

 

 

كما قال تعالى في سورة المائدة : " وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ " ( المائدة : 5 ) ،

 ومن لوازم هذا الزواج وثمراته : وجود المودة بين الزوجين [36] ،

 

 

 

 

 

 

كما قال تعالى : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً " ( الروم:21 ) .

 

 

 

 

 

وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره ، وأم أولاده ؟

 

 

 

 

وقد قال تعالى في بيان علاقة الأزواج بعضهم ببعض : " هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ " ( البقرة :187) ،

 ومن لوازم هذا الزواج وثمراته : المصاهرة بين الأسرتين ، وهي إحدى الرابطتين الطبيعيتين الأساسيتين بين البشر ، كما أشار القرآن بقوله :

 

 

 

 

" وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " ( الفرقان : 54 ) .

 

 

 

 

ومن لوازم ذلك : وجود الأمومة ومالها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام ،

 

 

 

 

 

 فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة مثل هذا العيد الكبير          [ يقصد مناسبة : عيد المسيح ] عندها ولا يهنئها به ؟

 

 

 

 

 

وما موقفه من أقاربه من جهة أمه ، مثل الجد والجدة ، والخال والخالة ، وأولاد الأخوال والخالات ،

وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى ، وقد قال تعالى : " وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ " ( الأنفال :75 ) ، وقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى " ( النحل : 91 ) .

 

 

 

فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق المسلم ، ورحابة صدره ، ووفاءه لأرحامه ،

 

 

 

فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن ،

وقد أوصى الرسول الكريم أباذر بقوله : " اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . هكذا : " خالق الناس " ولم يقل : خالق المسلمين بخلق حسن .

 

كمـا حث النبـيّ صلـى الله عليه وسلم على ( الرفق ) في التعامل مع غير المسلمين ،

وحذر من ( العنف ) والخشونة في ذلك .

 

 

 

 

ولما دخل بعض اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولووا ألسنتهم بالتحية ، وقالوا : ( السام ) عليك يا محمد ، ومعنى ( السام ) : الهلاك والموت ،

 

 

 

 

وسمعتهم عائشة ، فقالت : وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله ،

 

 

 

 

فلامها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقالت : ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله ؟

فقال :" سمعت ، وقلت : وعليكم " ، ( يعني: الموت يجري عليكم كما يجري علي ) يا عائشة : " الله يحب الرفق في الأمر كله " [37] .

 

 

 

 

وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا . . . يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية ،

 

 

 

فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة ، وأن نرد التحية بأحسن منها ، أو بمثلها على الأقل ،

كما قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا " ( النساء : 86 ) .

 

 

 

 

 

ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما ، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره ،

 

 

 

 

 والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا ، والأكمل خلقا ،

 

 

 

كما جاء في الحديث " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " ،

 

 

 

 

 

وكما قال عليه الصلاة والسلام : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .

 

 

 

 

 

وقد روي أن نصراني قال : السلام عليكم ، فقال ابن عباس : وعليكم السلام ورحمة الله .

فقـال بعض أصحـابه : تقول له : ورحمة الله ؟ ! فقال : أو ليس في رحمة الله يعيش ؟ !

ويتأكد هـذا إذا أردنـا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه ، ونحبب إليهم المسلمين ، فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم .

 

 

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، حسن الخلق ، كريم العشرة ، مع المشركين من قريش ، طوال العهد المكي ، مع إيذائهم له ، وتكالبهم عليه ، وعلى أصحابه .

 

 

 

 

 

 

حتى أنهم - لثقتهم به عليه الصلاة والسلام - كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم ، حين هاجر إلى المدينة ، ترك عليا رضي الله عنه ، وأمره برد الودائع إلى أصحابها .

 

 

 

أنا أعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد شدد في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها ، وذلك في كتابه القيم ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأنا معه في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب ، كما نرى بعض المسلمين يحتفلون بـ ( الكريسماس ) كما يحتفلون بعيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وربما أكثر ،

وهذا ما لا يجوز ، فنحن لنا أعيادنا ، وهم لهم أعيادهم ،

 

 

 

 

ولكن لا أرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة ، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية ، التي تقتضي المودة وحسن الصلة ، التي يقرها العرف السليم .

 

 

 

 

 

ولا يخفى أن شيخ الإسلام قد أفتى في هذه القضية في ضوء أحوال زمنه ،

 

 

 

 

ولو عاش رضي الله عنه في زمننا ورأى تشابك العلاقات بين الناس بعضهم وبعض ، وتقارب العالم حتى غدا كأنه قرية صغرى ،

 

 

 

ورأى حاجة المسلمين إلى التعامل مع غير المسلمين ، وأنهم أصبحوا أساتذة للمسلمين – للأسف - في كثير من العلوم والصناعات ،

 

 

 

ورأى حاجة الدعوة الإسلامية إلى الاقتراب من القوم ، وإظهار المسلم بصورة الرفق لا العنف ، والتبشير لا التنفير ،

 

 

 

 

ورأى أن تهنئة المسلم جاره أو زميله ، وأستاذه في هذه المناسبة لا تحمل أي رضا من المسلم عن عقيدة المسيحي ، أو إقراره على كفره الذي يعتقده المسلم ،

 

 

 

 

 

 

بل لو رأى أن المسيحي نفسه لم يعد يحتفل بهذه الأعياد على أنها عمل ديني يتقرب به إلى الله ، بل إنه أصبح - في الأعم الأغلب - عرفا وعادة وطنية أو قومية تعودها الناس ليستمتعوا فيها بالإجازة والطعام والشراب والهدايا المتبادلة بين الأهل والأصدقاء .

 

 

 

لو عاش ابن تيمية إلى زمننا ورأى هذا كله ، لغير رأيه [38] - والله أعلم - أو خفف من شدته ، فقد كان رضي الله عنه يراعي الزمان والمكان والحال في فتواه ] [39] .

 

وما له علاقة بالتعامل ، ما رواه أنس بن مالك t : أن غلامًا يهوديًّا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فمرض ،

 

 

 

فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم " .  فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه ، فقال : أطع أبا القاسم . فأسلم ،

 

 

 

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول : " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " [40] . 

وهذا عبد الله بن عمرو ذبح شاة ، فقال : أهديتم لجاري اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورثه " [41] .

 وقد رُوِي عن الشعبي أنه قال لليهودي : عليك السلام ورحمة الله ؛ فقيل له تقول ليهودي : ورحمة الله ؟ فقال : أليس في رحمة الله يعيش [42] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سيد قطب وتكفير الناس

1 -  الكذب الكبير والبهتان العظيم ، الذي يصدر من خصوم سيّد قطب ، رحمه الله ‘ قبل كل شيء ، هو اتّهامه بتكفير المسلمين !

ولا شك أنّ السبب والأساس الرئيس لهذا التقوّل ، هو : الجهل بالإسلام ، وتدني مستوى الفهم  - من قِبَل المسلمين الذين لم يرتقوا إلى مستوى الشهيد ، لا فكراً ولا فهماً -  وإلّا فهو مكيدة ومؤامرة خبيثة ، من  قِبَل أعداء الإسلام ، الذين يتستّرون خلف أولئك المسلمين الجاهلين ! 

وهذه المكيدة والمؤامرة من خصوم الإسلام ، هي لضرب الإسلام ، وإبعاد المسلمين عن الفهم الراقي الصحيح الحقيقي للإسلام ، والذي بيّنه الشهيد سيّد قطب في كتاباته !

ولهذا يقومون بمحاولة تشويه صورة سيّد قطب ، رحمه الله ، واختلاق الإفتراءات والأكاذيب  والشبهات حوله ، بغية أن لا يستيقظ المسلمون من سباتهم ، ولا يتنبهون من غفلتهم   !

وحتى  يعملوا ذلك بهدوء ، ولا ينكشف أمرهم ، فهم يتسترون خلف مشايخ أصحاب ألقاب فخمة رنّانة طنّانة .

وسبب الفهم السقيم هذا ، لأولئك الشيوخ ، هو أنّهم لم يفرّقوا بين المجتمع كنظام ، وبين الشعب كأفراد ، فظنّوا أن الإثنين سواء !

وقد فرح خصوم الإسلام بهذا الفهم الخاطيء – ولاسيما هو صادر عن مسلمين شيوخ ، أصحاب تلك الألقاب الفخمة في الدّين .

 وارتاحوا هم في محاربة الإسلام الحقيقي – الذي يوضّحه الشهيد سيّد قطب – طالما يقوم بها هؤلاء الشيوخ ، ويقوم بها أتباعهم – أيضاً – من المسلمين ، من غير أن يشعروا !

المجتمع الإسلامي والشعب المسلم

كثير مـن الناس – ولاسيمـا خصوم سيّد قطب من المسلمين – لا يفرّقون بين المجتمع كنظام ، وبين الشعب كأفراد ، فيظنون أنّ الإثنين سواء !

فإذا قيل : هذا المجتمع غير إسلامي ، ظنّوا أنّ هذا الكلام هو تكفير للناس ، والحكم على الأفراد ، وإخراجهم من الإسلام !

وهـذا خطـأ ، وجهـلٌ كبيرمن قِبَلهم ، وهو تضليل للناس – مِن قِبَل خصوم الإسلام – وخلط للأوراق !

فالمجتمع شيء ، والشعب شيء آخر .

ولماذا – إذن – هما مصطلحان متغايران ، إذا لم يكن هناك فرق بينهما ؟ !

يُقصد بالمجتمع : النظام الذي يُطبّق على الشعب .

ويُقصد بالشعب : أفراد المجتمع .

فكما أن هناك فرقٌ واضح بين ذات الإنسان ، وبين أعماله !

وكذلك هناك فرقٌ كبير بين المجتمع كنظام ، وبين أفراد الشعب .

ولتوضيح ذلك أكثر ، نضرب مثالاً :

هنـاك رجلٌ سكّير ، يلعب الميسر ، ويقتل الأبرياء ، ويظلم الناس ، ويسرق أموالهم ،  و . . . و . . . إلخ .

ومع كلّ هذه الموبقات فهو لا يصلّي ، ولا يصوم ، ولا يزكّي أمواله ، ولا يذكر الله تعالى ، ولا . . . ولا . . . إلخ .

ولكنّه – مع كلّ هذا – فهو  يؤمن بالله تعالى ، ويؤمن برسول الله ؛ أنّه رسول من عند الله تعالى ، ويؤمن باليوم الآخر ؛ يوم القيامة ، ويؤمن بالقرآن  ، . . . إلخ . ولكنّه لا يستطيع السيطرة على نفسه الأمّارة بالسوء ، فاتّبع – لذلك – هواه  .

فلا نستطيع أن نحكم على هذا الرجل بالكفر ، طالما أنّه يؤمن بالله ، ورسوله ، واليوم الآخر ، والقرآن و . . . و . . . إلخ .

ولكنّنا نستطيع بكل قوّة ، ووضوح ، وصراحة ، أن نقول عن هذا الرجل : إنّ أخلاقه ، وتصرفاته ، وتعامله ، وحياته كلّها غير إسلامي ، ولا يمتّ إلى الإسلام بأية صلة ! 

فهل كلامنا هذا خطأ ، ويُعتبر تكفير لهذا الرجل  ورميه بالكفر والخروج من الإسلام ؟ ! 

وهل يُلام ويُتّهم مَن حكم عليه هذا الحكم ؛ بأنه كفّره وأخرجه من الملة ؟ !

وهل هم – خصوم سيّد – يعتبرون أخلاق ، وتصرفات ، وحياة ذلك العربيد ، حياة إسلامية ؛ أمر بها الكتاب والسنة ؟ !

وكذلك نستطيع أن نقول عن نظام – غير مستمدّ من الإسلام – يُراد تطبيقه على الناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع .

نستطيع بكل أريحية أن نقول : إنّ هذا النطام ، نظام جاهلي .

والناس الذين ارتضوا هذا النظام ، ويعيشون ، وحياتهم كلها تسير على ضوئه ، هم في جاهلية ، ويعيشون في جاهلية .

فسيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، يصف المجتمع ، والأفراد ، الذين يستمدّون قِيَمهم ، وأفكارهم ، ونظام حياتهم من غير الإسلام ، يصفهم بالجاهلية .

وهذا الوصف للأنظمة والأعمال بالجاهلية ، لا يعني أن أصحابها كفّار ، كما نرى النبيّ r يصف بعض الأعمال بالجاهلية ، بل وبالكفر ، ويقسم r على بعض الأعمال ، أن أصحابها لا إيمان لهم ولا دين .

ولم يفهم أحد عـن هذه الأحاديث ؛ أنه تكفير من النبيّ r ، لأصحابها ، حاشا الخوارج !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها [43]

مما له علاقة بموضوعنا هنا ، هو : أنّ كثيراً من الناس عندما يسمعون : المطالبة بتطبيق الشريعة ، ويسمعون ادّعاء بعض الحكومات ، بأنّهم يطبّقون الشريعة الإسلامية  فعلى ضوء هذا يظنون أنّ شريعة الله هي فقط الحدود ، وقطع يد السارق الضعيف ، وجلد الزاني الضعيف ، وما إلى ذلك ! 

لا شك أنّ هذا الظنّ ، هو تقزيم للإسلام العظيم ، وتصغيره ، وتشويه معالمه ، بجعله فقط الحدود والعقوبات ! 

فهل إذا نفّذت أمريكا ، أو بريطانيا ، أو فرنسا – مثلاً .

هل إذا نفّذوا حد قطع يدّ السارق ، أو جلد الزاني – مثلاً – سيصبحون بذلك مجتمعات إسلامية ؟ !

فإذا كانت الشريعة الإسلامية ، هي : الحدود فقط ، فمعنى ذلك أن تلك المجتمعات أصبحت إسلامية بمجرّد تطبيقها لتلك الحدود !

وهذا لا يقول به إلّا مَن لا يعرف ما يقول !

تعريف الشريعة :

            [  تُعرّف الشريعة في الإصطلاح بأنّها : ما شرعه الله سُبحانه لعِباده من الأحكامِ التي جاء بها نبيٌّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،

 سواءً كانت هذه الأحكام أحكاماً إعتقاديّةً أو أحكاماً عمليّةً ليُؤمنوا بها فتكون سعادتهم في الدنيا والآخرة ،

وبِإضافة لفظ الإسلام إلى الشريعة كان مَعنى الشريعة الإسلاميّة :

ما نَزل به الوَحي على مُحمّد صلى الله عليه وسلّم من الأحكام التي تُصلِح أحوال الناس فـي الدنيا والآخرة سواءً في ذلك الأحكام العقائديّة ، أو الأحكام العمليّة ، أو الأخلاق  ] [44] .

 

الفرق بين الشريعة والفقه     

 [ هناك مجموعة من الفروق بين الشريعة والفقه تتمثّل بالآتي [45] : 

* لفظ الشريعة أعمّ وأشمل من لفظ الفقه ؛ فالشريعة تشمل جميع الأحكام التي هي: الأحكام العقائديّة ، والأحكام الأخلاقيّة ، والأحكام العمليّة ،

أمّا لفظ الفقه فهو يَشمل الأحكام العمليّة فقط .

 تُعدّ الشريعة هي الأحكام التي أنزلها الله سبحانه عزّ وجلّ على رسوله محمّد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم أو في السنّة النبوية ؛

أي إنّ الشريعة الإسلامية قائمةٌ على الوحي ،

* أمّا الفقه فأحكامه تنقسم لقسمين :

أ -  أحكام مستفادة من النص دون بحث مثل :

قول الله سبحانه : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) [46]

فالآية واضحةٌ وصريحةٌ في المُحرّمات من النساء فلا يُحتاج إلى بحثٍ واجتهادٍ في مَعرفتهنّ .

ب -  أحكام مُستفادة من النص يَستنبطها ويَستخرجها الباحث من خلال استقرائِه للنّصوص الشرعية ،

وهذا القسم من الأحكام أكثر من القسم الأوّل ، وذلك بحُكم كَثرة الحوادِث والمُستجدّات ] [47] .

 

كصرح من عدة طوابق

نستطيع أن نصوّر الشريعة – للتوضيح – كبناية من عدة طوابق :

1 – قاعدة وأساس البنياية والصرح الكبير ، هو العقيدة والإيمان .

فالمجتمع الإسلامي الذي يُراد إنشاؤه ، هو الذي أساسه العقيدة الإسلامية ؛ أي : يجب أن يُربّى الشعب على العقيدة والإيمان .

يجب أن ينشأ الفرد في المجتمع ، وهو أن يكون :

أ - عميق الإيمان بالله تعالى ، ومعرفته بصفاته العليا .

ب - يؤمن بمحمّدٍ  rكنبيٍّ ؛ أرسله الله تعالى بآخر رسالة ؛ رحمة للعالمين .

ج – أن يؤمن إيماناً عميقاً باليوم الآخر ؛ يوم الحساب والجزاء على كلّ ما اقترفت يدا الإنسان .

د – يؤمن بالملائكة والجنّ ، وعالم الغيب ؛ من القيامة والبعث للحساب ، والجنة والنّار ، و . . . و . . . إلخ

أي : يؤمن بالقرآن الكريم ، المنزّل على رسول الله محمد r جملة وتفصيلاً .

2 – الطابق الأول من البنياية ، يتمثّل في الإتّصاف بالأخلاق الكريمة ، والإبتعاد عن الرذايل .

أي : التحلية بالصفات الحميدة ؛ مثل : الصدق ، والوفاء ، والعفة ، والشجاعة ، والنخوة ، والنجدة ، والإيثار ، والصبر ، وعمل الصالحات ، و . . . و . . . إلخ .

والتخلية عن الصفات الذميمة ؛ مثل : الكذب ، والغدر ، والفسق والفجور ، والتهتك ، والتبذل ، والجبن ، والأثرة والأنانية ، والهلع والجزع ، وعمل السيئات ،  و . . . و . . . إلخ . 

3 – الطـابق الثـاني من البناية ، يتمثّل في الشعائر التعبّدية والأذكار ، مثل الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، وذكر اسم الله تعالى ، والصلاة على رسول الله r

4 – الطابق الثالث من البناية ، يتمثّل في المعاملات وأحكامها ؛ المعاملات المالية ، والجنائية ، والقضائية ، والأحوال الشخصية ، وما إلى ذلك .

5 – الطـابق الرابـع من البناية ، يتمثّل في الحدود والعقوبات ؛ ومنها : حد السرقة ، والقتل ، والزنا ، و . . . و . . . إلخ .

أي : إنّ الدولة التي تجعل كلّ إمكانياته وطاقاته ، في سبيل إنشاء مجتمع ؛ يؤمن شعبه بالله تعالى وبصفاته ، ويوقّره ويتّقيه ، ويُتّصف بالأخلاق الحميدة ، ويحرص على العبادات ويحافظ عليها .

وقوانينها وأنظمتها ، وجيشها ، وشرطتها ، تكون سياجاً لتلك القِيَم ، ومحافظاً عليها .

وكلّ ذلك حسب منهج القرآن ؛ أوامر الله تعالى ، ونواهيه ، وحسب سنّة النبيّ r 

حينذاك نستطيع أن نقول : أن هذا المجتمع هو المجتمع الإسلامي !

وليس معنى هذا : أن هذا المجتمع يخلو من المعاصي والموبقات ، وأنّ أفراد الشعب كلّهم ملائكة معصومون .

ولكنّ الغالبية العظمى منهم ، قد ربّتهم الدولة على تلك القِيَم والمباديء العظيمة ، وتسخر جميع إمكانياته في هذا الإتجاه ، وتحرص على حراسة مباديء الإسلام !

أي : يجب على الدولة أن تربّي أولادها وشعبها ، بحيث تنشأ تلك البناية بكل طوابقها التي ذكرناها . عند ذاك تكون تلك الدولة ؛ دولة إسلامية !

أي : يجب عليها تسخير كافة إمكانياتها وطاقاتها ، من أجل الوصول إلى ذلك الهدف النبيل ؛ من الإعلام ؛ سواء كان مرئياً ، أومقروءاً ، أو مسموعاً .

وكذلك المدارس ، والمعاهد ، والجامعات ، والمنظمات المختلفة ، والجمعيات بكافة أنواعها ، والجيش ، والشرطة ، والقوانين ، بحيث لا تتعارض أي جهاز من تلك الأجهزة مع مباديء الإسلام وشريعته .

هذا هو المجتمع الذي يطبّق الشريعة ! وليس ذاك الذي ينفّذ بعض الحدود والعقوبات فقط ، وعلى الضعفاء ، ويترك الكبراء والأقوياء ، ينفردون بأكل السحت العظيم ، ويعيثون في الأرض فساداً ، من غير محاسبة ‘ ثمّ يدّعي ويزعم أنّه مجتمع إسلامي  ! 

فإذا رأيت مَن يحكم على مجتمع ، وهو لا توجد فيه تلك البناية بأساسها وطوابقها الأربعة ، ولا توجّه الدولة طاقاتها وامكانياتها وتسخرها ، في سبيل إنشاء تلك البناية ، وتقوم بتعهدها والمحافظة عليها .     

إذا رأيت مَن يحكم على ذلك المجتمع بأنه مجتمع إسلامي ، فاعلم أنه لم يفهم الإسلام ، ولم يفهم القرآن ولا السُنّة ، وإن زعم ذلك !

 

أصل الأخطاء والشبهات

نحن بدايـة لا نقول إنّ الشهيد سيّد قطب ، رحمـه الله تعالى ، هو معصوم كالأنبياء ، فحاله كحال غيره من خصومه الشيوخ ؛ أصحاب الألقاب الطنّانة الرنّانة ، فهم أيضاً غير معصومين ، على الرغم من الهالات التي أحاطوها بهم ، والألقاب التي أطلقوها عليهم !

ولكنّنا نقول مع هذا أيضاً : لا يرتقي خصوم الشهيد إلى مستواه ، لا في الفهم ، ولا في الفطنة والذكاء ، وكلّ انتقاداتهم – جميعها بلا استثناء – خطأ من قِبَلهم ، وعدم فهم للإسلام بقرآنه وسنّة نبيّه r ! [48]

وعدم معصومية الشهيد ، ليس معناه أنّه ارتكب ما يرميه به خصومه ، بل إنّ انتقادات أولئك الشيوخ له – ولاسيما في الأمور العظام – تعتبر فضيحة لأولئك الشيوخ علـى رؤوس الأشهاد ؛ وكأنهم ينادون بأعلى أصواتهم : أنّنا لا نفهم الكلام ، ومن قَبل ذلك ، لم نفهم الإسلام !

البشرية ارتدّت وعادت إلى الجاهلية

يستدلّ أحدهم بقولٍ للشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، على تكفيره للناس .

 وهو – طبعاً – لا يدعو لسيّد قطب بالرحمة ، بل يقول : تجاوز الله عنه !

وكأنّ الشهيد ارتكب عظيمة ، لا يستحق الرحمة وقال قولاً زوراً منكراً ! !

وقول الشهيد ، الذي يستدل به ذلك الخصم ، هو :

( البشرية عـادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله ، فأعطت لهؤلاء العباد « الذين شرعوا السياسة والنظام والتقاليد والعادات والأزياء والأعياد » خصائص الألوهية ، ولم تعد توحّد الله وتخلص له الولاء ،

البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع ، وهؤلاء أِثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيام لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعدما تبين لهم الهدى ، ومن بعد أن كانوا في دين الله ) .

هنـا استخدم الشهيد مصطلحين ، ورمى بهما الناس – والأصح رمى بهما المجتمع – وهما : الجاهلية ، والردّة .

1 – لو رجعت إلى بيان الفرق بين المجتمع والشعب ، لتبيّن لك ما يقوله سيّد ، رحمه الله : (  السياسة والنظام والتقاليد والعادات والأزياء والأعياد  ) .

فهل تلك الأمور – بين الناس – مأخوذة من الكتاب والسنّة ؟ !

هل السياسة التي تسير عليها كافة المجتمعات ، التي يعيش فيها المسلمون ، هي سياسة إسلامية ، يرضاها الله تعالى ، ويرضاها رسوله r ؟ !

وهل الأنظمة التي تسير على ضوئها جميع المجتمعات ، التي يعيش فيها المسلمون ، هي أنظمة إسلامية ؛ مسستمدة من الكتاب والسنة ؟ !

أم هل أنّ العادات والتقاليد ، والأزياء ، والأعياد ؛ التي تُفرض على المسلمين ، هي إسلامية ؛ مأخوذة من القرآن الكريم ، ومن أحاديث رسول الله r ؟ !

وهل هذه الأمور تتعلّق بذوات الأفراد  ، أم تتعلق بأعمالهم ، وتتعلق بأنظمة وتوجّهات الدولة ؟

2 – هل كلمة : الجاهلية ، والردّة ، تعني – دائماً – الكفر والخروج من ملّة الإسلام ، والخروج من الدّين ؟

الجاهلية

لنرَ هل كلمة ( الجاهلية ) ومشتقاتها ، تعني التكفير ، ورمي صاحبه بالكفر ، الذي يُخرج من الملّة ، ويخلّده في النار ؟ !

أ – يقول الله تعالى : ( قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  ) [49] .

قال الإمام إبن جرير الطبري ، رحمه الله : [  وقوله : ( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) ، نهيٌ من الله تعالى ذكرهُ نبيه نوحًا أن يسأله أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر .

 

 

 

 

 

 

يقول له تعالى ذكره : إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهلكته ، فلا تسألن بعدها عما قد طويتُ علمه عنك من أسباب أفعالي ، وليس لك به علم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " في مسألتك إياي عن ذلك .

* * *

وكان ابن زيد يقول في قوله : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) ، ما : -

18249- حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله :    ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) ، أنْ تبلغ الجهالة بك أن لا أفي لك بوعد وعدتك ، حتى تسألني ما ليس لك به علم  ] [50] .

لقد فعل سيّدنا نوح ، عليه السلام – هنا – وهو من أولي العزم ، عملاً ؛ هو من عمل الجاهلين – حاشاه – ولم يكن يعلم أنّ عمله هذا من عمل الجاهلين .

والله سبحانه وتعالى ، قد علّمه ذلك ، ونهاه سبحانه عنه  !

ولا يستغربنّ أحد ذلك ؛ فالأنبياء – عليهم السلام – قد يحدث منهم شيء ، من هذا القبيل !

 فلقد سأل سيّدنا موسى عليه السلام – وهو من أولي العزم كذلك – ربّه أمراً لا يكون ، ولا يجوز – وهو لا يعلم – حيث قال ، كما ذكره الله تعالى : (  قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ  ) [51] . فقال الله تعالى ، له : (  لَنْ تَرَانِي  ) [52] .

فقد نهى الله تعالى – هنا –  سيّدنا نوحاً أن يكون من الجاهلين .

أي : أنّ هذا الأمر ؛ وهو سؤالك نجاة إبنك ، وتظنّ أنّي وعدتّك بنجاته ، ومجرّد إحتمال ظنّك أنّي أخلفت وعدي .

مجرّد إحتمال وظن ، يطوف بالخيال ، بأنّ الله تعالى يخلف وعده ، أو ينسى وعوده سبحانه ، مجرد هذا الخيال وهذا الأمر ، هو من أمر وصفات الجاهلين ، وإنّي أنصحك وأحذّرك أن تكون منهم ! 

فهل وصف هذا الأمر من الله تعالى ، لسيّدنا نوح عليه السلام ، بالجاهلية ، يُعتبر تكفيراً له ، وإخراجه من الدّين ؟ !

 

 

 

تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى

ب – يقول الله تعالى : (  وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ [53] الْأُولَى  ) [54] .

قال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره لهذه الآية الكريمة :

[  قَالَ مُجَاهِدٌ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ تَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الرِّجَالِ ، فَذَلِكَ تَبَرُّجُ الْجَاهِلِيَّةِ

 

 

 

 

 

وَقَالَ قَتَادَةُ : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى } يَقُولُ : إِذَا خَرَجْتُنَّ مِنْ بُيُوتِكُنَّ - وَكَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةٌ وَتَكَسُّرٌ وتغنُّج - فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .

 

 

 

 

 

 

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى }

وَالتَّبَرُّجُ : أَنَّهَــا تُلْقِـي الْخِمَـارَ عَلَـى رَأْسِهَـا ، وَلَا تَشُـدُّهُ فَيُوَارِي قَلَائِـدَهَـا وَقُرْطَهَــا وَعُنُقَهَــا ، وَيَبْدُو ذَلِــكَ كُلُّهُ مِنْهَــا ، وَذَلــِكَ التَّبَرُّجُ ، ثُــمَّ عُمَّتْ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّبَرُّجِ  ] [55] .

[  أي لا تتبرجن مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى . والتبرج : التبختر ، وإظهار الزينة والمحاسن  ] [56] .

 

 

وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله : 

[  أي : لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات ، كعادة أهل الجاهلية الأولى ، الذين لا علم عندهم ولا دين ، فكل هذا دفع للشر وأسبابه  ] [57] .

ألا تتبرّج كثيرات من النساء المسلمات في عصرنا ؟ ألا تبدو قلائدهنّ وأقراطهنّ وأعناقهنّ ؟

ألا يتبخّرنَ ، ويُظهرنَ زينتهنَ ومحاسنهنّ ، ويخرجنَ متجملات ، متطيّبات ؟

أوَلن ترقص بعض النساء – في الملاهي – شبه عارية ، وهن يزعمن الإيمان بالله تعالى ، والإيمان برسوله r ؟ !

ألا نستطيع أن نقول في هذه الحالة : أنّهنّ يتبرّجنَ تبرّج الجاهلية الأولى ؟

هل إذا قلنا ذلك ، يعني : أنّنا كفّرناهنّ ، وأخرجناهنّ من ملة الإسلام ؟

أم أنّنـا نعنـي : أنّهـنّ لا يلتزمن بشريعة الإسلام ، ولم يجعلن الإسلام منهج حياتهنّ ، بل يتّبعنَ العادات والتقاليد الجاهلية ، حالهنّ حال السكّير العربيد الذي ذكرناه سابقاً ؟ !

ما الفرق بين هذا الحكم على المتبرّجات من نساء المسلمين ، وبين الحكم على الدول والمجتمعات التي لا تهتدي بهدي القرآن والسنة ؟

لماذا الحكم في الحال الأول ليس بتكفير ، أما في الحال الثاني فهو تكفير ؟ !

ومعنى الكلام – وهو موجّه بالدرجة الأولى لنساء النبيّ r  : إذا خرجتن من البيت استرن زينتكنّ ومحاسنكنّ ، وتقيّدنَ – في ذلك – بشريعة الإسلام ، ولا تتّبعنَ عادات وتقاليد الكفار ؛ التي كانت لا تراعي الدّين ، بل تأمر بكشف العورات والفسوق والمجون !

 

 

 

 

 

إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ

ج – قـال رسول الله r لأبـي ذرّ الغفاري t : ( يَـا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ [58] ) [59] .

وذلك كما روى الشيخان – البخاري وسلم – ( عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ،

 

 

 

 

فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

 

 

 

 

 

« يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ » ) [60] .

 

قال الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :

 

 

 

 

 

 

[  أَيْ هَذَا التَّعْيِيرُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ

وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ التَّعْيِيرِ وَتَنْقِيصِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ  ] [61] .

وقال الحافظ إبن حجر العسقلاني ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :

[  أَيْ خَصْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ مَعَ أَنَّ مَنْزِلَةَ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْإِيمَانِ فِي الذُّرْوَةِ الْعَالِيَةِ وَإِنَّمَا وَبَّخَهُ بِذَلِكَ عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ تَحْذِيرًا لَهُ عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِ ذَلِكَ

لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعُذْرِ لَكِنْ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ يُسْتَعْظَمُ أَكْثَرَ مِمَّنْ هُوَ دُونَه  ] [62] .

وقال ، رحمه الله ، أيضاً :

[  وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا الْجَهْلُ أَيْ إِنَّ فِيكَ جَهْلًا

وَقَوْلُهُ قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ أَيْ هَلْ فِيَّ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ جَهْلٍ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ  ] [63] .

وقال ، رحمه الله :

[  فَبَيَّنَ لَهُ كَوْنَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَذْمُومَةً شَرْعًا   ] [64] .

فهل قول النبيّ r ، لأبي ذر t : إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، يعني : تكفيرٌ له ؟ !

لا شك هذا الكلام ليس تكفير له .

بل هو نصيحة ، وتعليم ، وتذكير  من النبيّ r ، لصاحبه أبي ذرّ t ، وكأنه r يقول له :

إنّ تقييم الناس حسب ألوانهم ، وتفضيل بعضهم على بعض بسبب ذلك ، هو من قِيَم الجاهلية ؛ أهل الضلال والكفر . وبالتالي هو غير صحيح ، بل هو باطل .

إنّما القِيَم الحقيقية ؛ التي أوحاها الله تعالى إليّ ، هي : أنّ الناس كلّهم إخوة ؛ من أب واحدٍ ، وأمٍّ واحدة ( آدم وحواء ) ، لا يتفاضلون فيما بينهم باللون ، ولا باللسان ، ولا بالعشيرة ، ولا بالقوم ، ولا بالوطن ، ولا بما شابه ذلك .

بل هم يتفاضلون فيما بينهم بالتقوى ؛ فمن اتّقى الله تعالى ، أكثر فهو أفضل ، مهما كان لونه ، أو لسانه ، أو عشيرته ، أو قومه ، أو وطنه ، . . . 

و وجود هذه الصفة الجاهلية وبقائها ، في الصحابيّ الجليل أبي ذرّ ، لا يجعله كافراً !

جُلّ ما تفعله هذه الصفة الجاهلية فيه ، هو وجود نقص من بعض القِيَم والمباديء الإسلامية ، التي ينبغي أن يتّصف بها .

والمقصود : أنّ الإتّصاف ، ووصف البعض بالجاهلية ، لا يعني : تكفيره وإخراجه من ملّة الإسلام .

بل معناه : أنّ المتّصف بالجاهلية : يسير في حياته حسب النُظم ، والقِيَم ، والأحكام ، والعادات ، والتقاليد الجاهلية وأهل الضلال والكفر .

والمفروض في المسلم أن يكون منهج حياته ، ومبادئه ، وقِيَمه ، وأخلاقه ، وعاداته وتقاليده مأخذوذة من الكتاب والسنة .

 

ولمــاذا نرى البعض ، يرمـون كبـار الأئمة والدعاة بتشبههم بالكفار - وذلك بسبب ما يلبسون من الملابس - ولا يتّهمهم أحد بأنّ هذا تكفير لهم وإخراجهم من ملّة الإسلام ؟ !  [65]  .

خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الجَاهِلِيَّةِ

د – ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : « خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ » وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ ، قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ ) [66] .

 

 

 

 

 

 

 

         و ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "  شُعْبَتَانِ لَا تَتْرُكُهُمَا أُمَّتِي : النِّيَاحَةُ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ " ) [67] .

 

 

 

 

 

 

 

        قال النبيّ r - هنا – أنّ صفتان توجد في أمّته ، لا تتركهما ، وهما : النياحة ، والطعن في الأنساب .

        وقد حكم ترجمان القرآن ، والحبر البحر ؛ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، بأنهما صفتان للجاهلية !

 

 

 

 

        أي : هاتان الصفتان مأخوذة من الجاهلية ؛ من أهل الضلال والكفر !

 

 

 

 

        فهل الذي يقوم بهذين المنكرين من المسلمين هم بهما كفّار ، بسبب نعت ابن عباس لهما بأنهما من خلال الجاهلية ؟ !

 

        وأخرج الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في مسنده :

 

 

 

 

 

 

 

        [  عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم – قال :

 

 

 

 

 

" ثلاث من عمل أهل الجاهلية  لا يتركهن أهل الإِسلام : النياحة ، والاستسقاء بالأنواء " ، وكذا ، قلت لسعيد : وماهو ؟ قال : " دعوى الجاهلية : يا آل فلان ، يا آل فلان ، يا آل فلان " ] .

 

 

 

قال محققه : الشيخ أحمد محمد شاكر ، رحمه الله :

[ إسناده صحيح ، سعيد : هو المقبري . والحديث رواه ابن حبان في صحيحه (2: 78 من مخطوطة التقاسيم والأنواع المصورة عندي ) ، من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب ، عن ربعي بن إبراهيــم - شيخ أحمد هنا - بهذا الإِسناد . ولفظه: " ثلاث .... والاستسقاء بالأنواء ، والتعاير " . ولم أجده - بعد طول البحث والتتبع - من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة إلا في هذا الموضع من المسند ، وذاك الموضع من ابن حبان . ويبدو لي أن سعيدًا المقبري نسي الثالثة وشك فيها ، فقال في رواية المسند هنا : " وكذا " ، حتى سأله عبد الرحمن بن إسحق ، فقال : " دعوى الجاهلية " . ثم لعله استذكر أو استيقن مرة أخرى فلم يشك ، وقال دون سؤال : " والتعاير "، يعني التعاير في الأنساب والطعن فيها .

وهذا هو الثابت في سائر الروايات التي رأينا ، من حديث أبي هريرة وغيره . كما سنشير إليه ، إن شاء الله .

وروى الحاكم في المستدرك 1 : 383 ، من طريق الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عُبيد الله ، عن كريمة بنت الحسحاس المزنية ، قالت : "سمعت أبا هريرة ، وهو في بيت أم الدرداء ، يقول : قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ثلاثة من الكفر بالله : شق الجيب ، والنياحة ، والطعن في النسب " .

قال الحاكم : " صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " . ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .

 

 

 

 وذكر المنذري في الترغيب 4: 176 هذا اللفظ ، وقال : " رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم ، وقال : صحيح الإسناد ه . ثم أشار إلى رواية لابن حبان ، أولها :      " ثلاثة هي الكفر " . ثم أشار إلى الرواية التي نقلنا آنفًا عن ابن حبان .

وقد جاء هذا المعنى مطولاً ، عن أبي هريرة ، من وجه آخر : فروى أبو الربيع المدني ، عن أبي هريرة مرفوعًا : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لن يدعوهن : التطاعن فـي الأنسـاب ، والنيـاحة ، ومطرنا بنوء كذا وكذا ، والعدوى : الرجل يشتري البعير الأجرب ، فيجعله في مائة بعير ، فتجرب ، فمن أعدى الأول ؟  " . رواه أحمد في المسند: 9873، وهذا لفظه. ورواه أيضاً بنحوه، بأسانيد ، من حديث أبي الربيع عن أبي هريرة : 7895 ، 9354 ، 10821 ، 10883 .

 وكذلك رواه الترمذي 2: 135 ، بنحوه ، من هذا الوجه ، وقال : " هذا حديث حسن " . ولعله من أجل هذه الرواية " وأنه رواها الترمذي - لم يذكر الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد .

وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة ، انظرها في الترغيب 4: 716 - 177، ومجمع الزوائد 3: 12 - 14. وانظر ما مضى في مسند علي: 1087، وفي مسند ابن مسعود : 4435 ] [68] .

 

 

 

وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما قال : (  غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا ،

 

 

 

 

 

وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ ، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا ، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا ،

 

 

 

 

 

وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ،

 

 

 

 

 فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ ؟

 

 

 

 

ثُمَّ قَالَ : مَا شَأْنُهُمْ " فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ ،

 

 

 

 

 

قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ »  ) [69] .

 

 

 

 

 

 

فها هو النبيّ r يصف هذا المنكر ، الذي فعله الأنصاري والمهاجري ، بالجاهلي 

 

الجاهلية لا تعني تكفير الناس

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد ثبوت هذه الأحاديث الشريفة ؛ والتي يصف فيها النبيّ r ، بعض الأعمال بأعمال أهل الجاهلية ؛ أهل الضلال والكفر .

 

 

 

وقال – في بعضها – بأنّ أمته لا تتركها .

 

 

 

 

 

أي : إنّ المسلمين ( من أمة النبيّ r ) يقترفون هذه الأعمال الجاهلية ، فهل يعني ذلك : أنّهم كفّار ، وأنّ النبيّ r قد كفّرهم ، وأخرجهم من ملّة الإسلام ، علماً أنّه r قال : ( من أمتي ) ؟ !

 

 

 

 

 

 

  فالجاهلية ، إذن ، عبارة عن الأعمال التي فيها إستمداد قِيَم الحياة ، ومبادئها ، والأفكار ، والتصوّرات ، بعيداً عن شريعة الله تعالى ، وأوامره ، ونواهيه .

 

 

 

ونستطيع – على ضوء هذا – أن نقول : إنّ الذين يعيشون حياتهم بتصورات ، وأفكار بشرية - تفرضها عليهم الدول والحكومات ؛ وهي تخالف الإسلام .

 

 

نستطيع أن نقول عنهم : إنّهم يعيشون في جاهلية ، أو : أنّ حياتهم هي حياة جاهلية ، وهذا المجتمع هو مجتمع جاهلي .

 

 

 

وبهذا نبيّن الحقّ ، حتى لا تلتبس الحقائق والمفاهيم ، فنحكم على تصرفات وأعمال الذين منهج حياتهم مستمدة من أفكار بشر مثلهم – ولا سيما وهي تخالف الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى ، لنا .

فنلبّس على الناس ، ونشوّه الإسلام ، فنقول : هؤلاء حياتهم حياة إسلامية ، وهذا المجتمع هو مجتمع إسلامي ، بما يؤول بمعنى أنّ الناس يعيشون فيه طِبقاً لأوامر الله تعالى ، ونواهيه ! 

 

 

 

 

 

 

وهذا الحكم هو تقييم للأعمال والتصرّفات ، وهو – لا شك ولا ريب – يختلف عن الحكم عليهم – كأفراد – بالكفر ، أو الإسلام .

 

ولقد عمّم الإمام البخاري ، رحمه الله – في صحيحه – فجعل المعاصي كلّها من الجاهلية ، فقال :

[  بَابٌ : المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ ] .

وكلُّ ذلك من أجل : ( لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) [70] .

ولماذا  ؟

الجواب : لأن [ سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت ، أمكن اجتنابها ، والبعد منها ، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل ] [71] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وَقِتَالُهُ كُفْرٌ

أ – قال رسول الله r :

[ سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ] .

فهل قتال المسلم – ولاسيما من المسلم – هو كفر ، يخرج عن الملّة ؟ !

لقد وصف النبيّ r هذا القتال بالكفر ، فهل هو يُخرِج من ملّة الإسلام ؟ !

[   ( كفر ) لا بمعنى الخروج عن الملَّةِ ، أو بمعناه ، لكنه قاتل المسلم ، أو قتله مستحلًّا لذلك ،

أو المرادُ : الكفرُ اللغويُّ ، وهو الستر ؛

 

 

 

 

 

لأنه بقتاله له ستَر مالَه عليهِ من حقّ الإعانةِ وكفِّ الأذى ،

 

 

 

 

أو عبَّر به مبالغة في التحذير عن ذلك ؛ لأنه أغلظُ منَ السبِّ ، وإنِ اشترك في الفسق ، ولهذا عبَّر فيهِ بالكفرِ وفي السبابِ بالفسوقِ .

 

 

 

وفي الحديث : تعظيمُ حقِّ المسلم ، والحكمُ على من سبَّهُ بالفسقِ ] [72] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[   قيل : مقابلته بالفسوق يقتضي أن يكونَ المرادُ من الكفر ههنا ، الكفر المخرج عن الملة .

والجواب : أنه أطلقَ الكفر على الفسوق تغليظًا ،

 

 

 

 

 

ولو قال : وقتاله فسوق ، لساوى حال السِّباب ، مع أن القتال أشدُ من السِّباب ،

 

 

 

 

 

 فلإظهار هذه الشِّدة أطلقَ عليه الكفر . وهذا الذي يُعنونَ بقولهم : إنه محمولٌ على التغليظ .

والأصل : أن الحديث اتَّبع القرآن في ذلك ، فإن الله تعالى أخبرَ عن جزاءِ القتل بالخلود - بأي معنى كان - والخلود جَزَاء الكفر ، فاتبَّعه الحديث وقال : قتال المسلم كفر . وإن لم يحكم به الفقهاء في الدنيا ، إلا أن الحديثَ يختارُ من التعبيرات ما هو أدعى للعمل فيشددُ فيه لا محالة .

 

وقال الدَّوَّاني : إنه وعيدٌ ويجوز الخُلْفُ في الوعيد . وأنت تعلم أنه إنشاءٌ لا خبر .

 

 

 

 

وقيل : إنه محمولٌ على التَّشبُه كقوله : « لا تَرْجِعُوا بعدي كفارًا  يضربُ بعضُكم رقاب بعض »

ومعلومٌ أن المرءَ لا يصير كافرًا بضرب الرقاب ، ولكن لما كان شأنُ القتل أن يجري بين مسلم وكافر، لا بين مسلم ومسلم فمن ضرب رقبة أخيه وقاتل ، فقد تشبه بالكفار ، وفعل ما يفعلُهُ الكفار ، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم . وهذا هو المختار عندي في الجواب ، والله أعلم   ] [73]  .

 

 

 

 

 

 

وقال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله :

[  لم يرد بقوله : ( وقتاله كفر ) ، حَقِيقَة الْكفْر الَّتِي هِيَ خُرُوج عَن الْملَّة ،

 

 

 

 

 

بل إِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ : الْكفْر ، مُبَالغَة فِي التحذير ،

 

 

 

 

 

 

 

وَالْإِجْمَاع من أهل السّنة مُنْعَقد على أَن الْمُؤمن لَا يكفر بِالْقِتَالِ ، وَلَا بفعل مَعْصِيّة أُخْرَى ،

وَقَالَ ابْن بطال : لَيْسَ المُرَاد بالْكفْر الْخُرُوج عَن الْملَّة بل كفران حُقُوق الْمُسلمين لِأَن الله تَعَالَى جعلهم أخوة ، وَأمر بالإصلاح بَينهم ، ونهاهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التقاطع والمقاتلة ،

فَأخْبر أَن من فعل ذَلِك فقد كفر حق أَخِيه الْمُسلم ،

 

 

 

 

وَيُقَال : أطلق عَلَيْهِ الْكفْر لشبهه بِهِ ، لِأَن قتال الْمُسلم من شَأْن الْكَافِر ،

 

 

 

 

 

 

وَيُقَال : المُرَاد بِهِ الْكفْر اللّغَوِيّ ، وَهُوَ السّتْر ، لِأَن حق الْمُسلم على الْمُسلم أَن يُعينهُ وينصره ويكف عَنهُ أَذَاهُ ، فَلَمَّا قَاتله كَأَنَّهُ كشف عَنهُ هَذَا السّتْر،

 

 

 

وَقَالَ الْكرْمَانِي : المُرَاد أَنه يؤول إِلَى الْكفْر لشؤمه ، أَو أَنه كَفعل الْكَفَّارَ

 

 

 

 

وَقَالَ الْخطابِيّ : المُرَاد بِهِ الْكفْر بِاللَّه تَعَالَى ، فَإِن ذَلِك فِي حق من فعله مستحلاً بِلَا مُوجب وَلَا تَأْوِيل ،

أما المؤول فَلَا يكفر وَلَا يفسق بذلك ، كالبغاة الخارجين على الإِمَام بالتأويل ،

 

 

 

 

 

وَقَالَ بَعضهم : فِيمَا قَالَه الْكرْمَانِي بعد ، وَمَا قَالَه الْخطابِيّ أبعد مِنْهُ . ثمَّ قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُطَابق التَّرْجَمَة ، وَلَو كَانَ مرَادا لم يحصل التَّفْرِيق بَين السباب والقتال ، فَإِن مستحلاً لعن الْمُسلم بِغَيْر تَأْوِيل كفر أَيْضا .

 

 

 

 

 

قلت : إِذا كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لتأويلات كَثِيرَة ، هَل يلْزم مِنْهُ أَن يكون جَمِيعهَا مطابقـا للتَّرْجَمَة ؟ فَمن ادّعى هَذِه الْمُلَازمَة فَعَلَيهِ الْبَيَان ، فَإِذا وَافق أحد التأويلات للتَّرْجَمَة ، فَإِنَّهُ يَكْفِي للتطابق .

 

 

 

 

وَقَوله : وَلَو كَانَ مرَادا لم يحصل التَّفْرِيق ... الخ ، غير مُسلم لِأَنَّهُ تَخْصِيص الشق الثَّانِي بالتأويل لكَونه مُشكلا بِحَسب الظَّاهِر ، والشق الأول لَا يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل لكَون ظَاهره غير مُشكل .

 

 

 

 

فَإِن قلت : جَـاءَ فِي رِوَايَة مُسلم : ( لعن الْمُسلم كقتله ) ، قلت : التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ ، وَوجه التَّشْبِيه هُوَ حُصُول الْأَذَى بِوَجْهَيْنِ : أَحدهمَا : فِي الْعرض ، وَالْآخر : فِي النَّفس . فَإِن قلت : السباب والقتال كِلَاهُمَا على السوَاء فِي أَن فاعلهما يفسق ولايكفر ، فلِمَ قَالَ فِي الأول فسوق ، وَفِي الثَّانِي كفر ؟ قُلْنَا : لِأَن الثَّانِي أغْلظ، أَو لِأَنَّهُ بأخلاق الْكفَّار أشبه ] [74] .

 

 

 

 

 

إذن قتال المسلم من مسلم مثله ، ليس كفراً يُخرج من الملّة ! علماً أنّ النبيّ r ، قد أطلق الكفر على ذلك !

 

 

 

 

 

ولم يفهم عالم ولا إمام أنّ مَن فعله أصبح كافراً ؛ خارجاً عن الإسلام !

 

لا ترجعوا بعدي كفارًا

 

 

 

 

 

 

 

 

ب – قـال رسول الله r : (  لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ  ) [75] .

 

 

 

 

 

 

 

 

[  وليس معنى قوله : ( لا ترجعوا بعدى كفارًا ) النهى عن الكفر الذى هو ضد الإيمان بالله ورسوله ،

وإنما المراد بالحديث النهى عن كفر حق المسلم الذى أمر به النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من التناصر والتعاضد ،

والكفر فى لسان العرب : التغطية ،

وكذلك قوله : ( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ) يعني : قتاله كفر بحقه وترك موالاته ، للإجماع على أن أهل المعاصى لا يكفرون بارتكابها .

وقال أبو سليمان الخطابى : قيل : معناه لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا أن تقاتلوا ويضرب بعضكم رقاب بعض  ] [76] .

 

 

 

 

 

 

 

 

وقال الحافظ السيوطي ، رحمه الله :

[  أَي لَا تَفعلُوا فعل الْكفَّار فتشبهوهم فِي حَال قتل بَعضهم بَعْضًا ] [77] .

[  أي : لا تتشبهوا بالكفار في قتل بعضهم بعضًا  ] [78] .

فلم يقل أحدٌ من الأئمة والعلماء ، أنّ القتال بين المسلمين فيما بينهم ، هو كفر ، يخرج من الملّة ، على الرغم من أنّ النبيّ r قال : قتاله كفر !

بل وكأنهم قالوا : إنّ القتال بين المسلمين ، هو تشبّه بالكفّار ؛ حيث يقاتلون المسلمين ، لأنه لا قيمة عندهم للإنسان ، ويتقاتلون من أجل أمور تافهة رخيصة ؛ تكبّراً وغرورا !

وكيف يقولـون بالكفر ، وهم ( العلماء ) يقرءون في كتاب الله تعالى ، قولـه سبحانه : (  وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ  فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ   ) [79] .        

هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ

ج - قَالَ رَسُولُ اللهِ r : (  إثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ) [80] .  

قال القاضي عياض ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

 

 

 

[  وقوله : " إثنتان فـى الناس هما كفرٌ : الطعن فى الأنساب ، والنياحة على الميت " :

أى من أعمال أهل الكفر وعادتهم وأخلاق الجاهلية [81] ،

 

 

 

وهما خصلتان مذمومتان محرمتان فى الشرع ، وقد كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ على النساء فى بيعتهن ألا ينحن ،

 

 

 

 

 

وقال : " ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية [82]  "

 

 

 

 

 وكذلك نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السخرية واللمز والنبز والغيبة والقذف ، وكل هذا من أعمال الجاهلية [ ! ] ،

 

 

 

 

وقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إن الله أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية [ ! ] . . . " الحديث ،

وقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى . . } ، فعرَّف نعمته بالأنساب للتعارف والتواصل ، فمن تسوَّر على قطعها والغمض فيها ، فقد كفر نعمة ربه وخالف مراده ،

 

 

 

 

وكذلك أمر تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين ووعدهم رحمته وصلاته ووصفهم بهدايته ، وحَتَم الموتَ على عباده ،

 

 

 

 

فمن أبدى السخط والكراهة لقضاء ربه وفعل ما نهاه عنه فقد كفر نعمته فيما أعدَّ للصابرين من ثوابه وتشبه بمن كفر من الجاهلية   ] [83] .

 

وقال الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :

[ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّ مَعْنَاهُ هُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ  [ ! ] . . .  وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَغْلِيظُ تَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُصُوصٌ مَعْرُوفَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ] [84] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقال الإمام أبو الفرج إبن الجوزي ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[  فِي المُرَاد بالْكفْر وَجْهَان :

 

 

 

 

أَحدهمَا : أَن يكون كفر النِّعْمَة ، فَإِن من طعن فِي نسب غَيره فقد كفر بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ بسلامته من ذَلِك الطعْن ، وَمن ناح على ميت فقد كفر نعْمَة الله عَلَيْهِ إِذْ لم يكن هُوَ الْمَيِّت .

وَالثَّانِي : أَن يكون الْمَعْنى : أَنَّهُمَا من أَفعَال الْكفَّار لَا من خلال الْمُسلمين ] [85] .

 

وقال الأمير محمد الصنعاني ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[  والحديث إخبـار بأنَّ هاتيـن الخصلتيـن من خصـال الكفَّـار لا أن فاعلهمـا  كافـر ] [86] .

  

[ أي خصلتان موجودتان في النَّاس هما كفر قائم بهم كفرًا شرعيًّا يخرج من الملة إن استحلوها

 

 

 

وإلا فهما من أعمال أهل الكفر وجاهلية [ ! ] واقعة منهم

 

 

 

 

 

فهم عصاة بهما فلا يخرجان من الملة ،

 

 

 

 

أحدهما : ( الطعن ) والتعيير ( في النسب ) أي في نسب النَّاس وأن يقال فلان ليس ابن فلان لأنه لا يشبهه

 

 

 

 

( و ) ثانيهما : ( النياحة ) أي رفع الصوت بالبكاء (على الميت ) أي على من مات ] [87] .

فمن تركها فقد كفر

د –  قَـالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ( العَهْـدُ الَّذِي بَيْنَنَـا وَبَيْنَهُـمُ الصَّـلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) [88] .

 

 

 

 

 

قال الإمام الترمذي ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

 

[ وَفِي البَابِ عَنْ أَنَسٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ : « هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ » ] [89]

 

* وأخرج الإمام البخاري ، رحمه الله ، في صحيحه :

 

 

 

 

 

عن أبي ذر t ، أنّه سمع النبيّ r يقول :

 

 

 

 

 

(  لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ  ) .

 

* وعن أبي هريرة t عن النبي r ، قال :

 

 

 

 

 

( لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ ) [90] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

* وقال النبيّ r :

 

 

 

 

 

(  أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ  ) [91] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذه بعض الأمثلة ؛ من الآيات الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة ، عن إستخدام كلمتي ( الجاهلية ) و ( الكفر ) فـي معانـي ، لا تخرج أصحابهما من ملّة الإسلام !

 

 

 

 

 

 

 

هل تارك الصلاة ، هو خارج الملّة ، لوصفه بـ( كفر ) ؟

 

 

 

 

 

 

 

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله :

 

 

 

 

[   أما من تركها كسلاً معترفاً بوجوبها ويتمنى من الله عز وجل أن يهديه وأن يوفقه للصلاة فهذا ليس بكافر كفراً يرتد به ويخرج به من الملة . . .

 

 

 

 

 

 

فإذا كان هذا التارك للصلاة مؤمناً في قلبه معترفاً بما فرض الله عليه من فرائض لكنه يعرف بأن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والتجارة وإلى آخره لا شك أن هذا التعلل مردود عليه ،

ولكن يشفع له أن لا يُكفَّر ما دام أنه يؤمن بما شرع الله تبارك وتعالى . . .

 

 

 

 

فتارك الصلاة هكذا لا يحكم بأنه كافر إلا إذا جحد ذلك جحداً فحينئذٍ يكفر ؛

 

 

 

 

 

ولذلك كان مذهب جماهير العلماء عدم تكفير تارك الصلاة إلا مع الجحد ،

 

 

 

 

 

وهذه رواية عن الإمام أحمد نفسه فهو وافق فيه جماهير الأئمة على أن الترك إن كان ليس عن جحد فهو فسق وليس كفر . . .

 

 

 

ليس هذا هو أول حديث يقال فيه من فعل كذا فقد كفر، عندكم الحديث المشهور : « من حلف بغير الله فقد أشرك ، كفر » ألا نقول نحن من قال : « وحياة أبي » إنه ارتد عن دينه .

وأنتم تعلمون مثلاً حديث عمر بن الخطاب في صحيح البخاري لما سمعه الرسول عليه السلام يحلف بأبيه فقال عليه السلام : « لا تحلفوا بآبائكم من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت »

 وفـي حديث ابنه عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : « من حلف بغير الله فقد أشرك »  وفي رواية أخرى : فقد كفر ،

 

 

 

 

فلا يلزم من مجيء لفظة من فعل كذا فقد كفر أي : أنه كفر كفر ردة

 

 

 

 

 

وإنما له معان كثيرة ، منها مثلاً : كفر أي أشرف على الكفر  . . كفر كفراً عملياً ونحو ذلك من المعاني التي يضطر إليها أهل العلم بالتوفيق بين النصوص :

 

 

 

 

 

« من ترك الصلاة فقد كفر » نقول : « من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة » . .

 

 

 

من قـال : « لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره » كما جاء في حديث البزار وغيره ، « أيما عبد أبق من مولاة فقد كفر »

 

 

 

هذه الألفاظ كثيرة وكثيرة جداً فقد كفر فقد كفر ولا يوجد حديث يُفَسَّر هكذا على ظاهره إذا جاء بلفظ فقد كفر .

 

 

 

هذا الحديث حديث : « من ترك الصلاة فقد كفر » يعامل نفس المعاملة التي تعامل بها الأحاديث الأخرى التي تشترك مع حديث الصلاة في لفظة « فقد كفر » ،

 

 

 

 

فهنا تأتي تآويل كثيرة لهذا النص فكثير من الأحاديث مثلاً : « لا يدخل الجنة قتات» . . « لا يدخل الجنة نمام »

هل معنى ذلك أنه كفر بسبب نميمته ؟ الجواب : إن كان يستحل ذلك بقلبه فقد حرمت عليه الجنة . . إن كان يعترف بتحريم ذلك ويعترف بأنه مخطئ وأنه مذنب ومجرم ؛ فهو أمره إلى الله كما قال عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ( النساء :48 ) .

 

 

 

فترك الصلاة هو فعل يعرض صاحبه أن يموت والعياذ على غير الإيمان ، وترك الصلاة هو من شيم الكفار الذين لا يصلون . . لا يؤتون الزكاة ولا يصلون ،

 

 

 

 

فالمسلم إذا لم يصل فقد شابه الكفار ، فكفره هنا كفر عملي

 

 

 

 

والأحاديث كثيرة وكثيرة جداً التي لا بد من تأويلها مثلاً : قال عليه الصلاة والسلام فـي حجة الوداع وقد خطب فيهم أمر جرير بن عبد الله البجلي أن يستنصت الناس ، فقال عليه السلام :

« لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » . .

 

 

 

ومثل قوله عليه السلام : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » فإذا قتل مسلم مسلماً أو قاتله فهل هذا يرتد عن دينه ؟

 

 

 

الجواب : لا ؛ لأن الله قال : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } ( الحجرات : 9 )

 

 

 

 

 فاعتبر كلاًّ من الطائفتين الباغية والمبغي عليها من المؤمنين مع أن الرسول يقول في الحديث السابق : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر »

 

 

 

 

فبماذا يفسر هنا الكفر ؟ كفر دون كفر . . كفر عملي . .

 

 

 

وهكذا أيضاً أحاديث الصلاة التي فيها التصريح بأن من ترك الصلاة فقد كفر ،

 

 

 

إما أن يقال أشرف على الكفر الاعتقادي .. أشرف أن يموت على غير ملة الإسلام ، أو أنه كفر كفراً عملياً ،

هـذا التأويـل لا بد منه حتى لا نضرب أحاديث الرسول عليه السلام بعضها ببعض  ] [92] .

يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ

 

وقد أخرج الإمام إبن ماجه ، رحمه الله ، حديثاً في سننه ، وصحّحه محقّقوه ، وصحّحة الشيخ الألبانـي ، رحمه الله ، عَـنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَـانِ ، t ، قَـالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :

 

 

 

 

 

( " يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ .

 وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ ، فَلَا يَبقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ ،

 

 

 

 

 

وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ ، يَقُولُونَ :

 

 

 

 

 

 

أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا " .

 

 

 

 

فَقَالَ لَهُ صِلَةُ [93] : مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ ؟

 

 

 

 

فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : يَا صِلَةُ ، تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ، ثَلَاثًا ] .     

 

فكتب الشيخ الألباني ، رحمه الله ، على هذا الحديث تعليقاً ، فقال  :

[  في الحديث فائدة فقهية هامة ، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ،

ولو كان لا يقوم بشئ من أركان الإسلام الخمسة الأخرى ، كالصلاة وغيرها ،

 ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة ، خاصة مع إيمانه بمشروعيتها ، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك ، بل يفسق ،

وذهب أحمد – في رواية – إلى أنه يكفر ، وأنه يقتل ردة لا حداً ، وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، رواه الترمذي والحاكم ،

وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور ، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون بالكفر هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ، ولا يحتمل أن يغفره الله له ،

كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان – وهو من كبار أولئك الصحابة – يرد على صلة بن زفر – وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له – فيقول :

( مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ . . . ) فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه : ( يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا ) ،

فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة – ومثلها بقية الأركان – ليس بكافر ،

بل مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة , فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان ، وفي الحديث المرفوع ما يشهد له ، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .

ثم وقفت على ( الفتاوى الحديثية ) للحافظ السخاوي ، فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة – وهي مشهورة معروفة –  :

( ولكن ، كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحداً لوجودها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين ، لأنه يكون حينئذ كافر مرتداً بإجماع المسلمين . فإن رجع إلى الإسلام ، قبل منه ، وإلا قتل ،

وأما من تركها بلا عذر – بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها - , فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر ، وأنه – على الصحيح أيضاً – بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتهـا الضروري – كأن يترك الظهر مثلاً حتى تغرب الشمس ، أو المغرب حتى يطلع الفجر – يستتاب كمـا يستتـاب المرتد ، ثـم يقتل إن لم يتب ، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه ،

ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه ، وهو وجوب العمل ، جمعاً بين هذه النصوص وبين ما صح أيضاً عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ . . . . [ فذكر الحديث ، وفيه ] : إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ) ،

وقال أيضاً : ( مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) . إلى غير ذلك ،

 ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ، ولو كان كافراً ، لم يغفر له ، لم يرث ولم يورث ) .

وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في ( حاشيته على المقنع ) ،

 وختم البحث بقوله : ( ولأن ذلك إجماع المسلمين ، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ، ولا منع ميراث موروثه ، مع كثرة تاركي الصلاة ، ولو كفر ، لثبتت هذه الأحكام ،

وأما الأحاديث المتقدمة ، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة ، كقوله عليه الصلاة والسلام : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) وقوله : ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) ، وغير ذلك . قال الموفق : وهذا أصوب القولين ) .

أقول : نقلت هذا النص من ( الحاشية ) المذكورة ، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة أن الذي ذهبنا إليه ليس رأياً تفردنا به دون أهل العلم  بل هو مذهب جمهورهم ، والمحقيقين من علمـاء الحنـابلة أنفسهم ، كالموفق هذا – وهو ابن قدامة المقدسي – وغيره ،

ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة ، تحملهم إن شاء الله تعالى على ترك غلوائهم ، والاعتدال في حكمهم ] [94] .

 لاَ يُؤْمِنُ

قال رسول الله r : ( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) [95] .

 

 

 

 

 

 

وقال r : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ) [96]

 

 

 

 

 

 

وقال r : (  « وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ » قِيلَ : وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ »  ) [97] .

 

 

 

 

 

 

فماذا يقول خصوم سيّد قطب عن هذه الأحاديث ؟ وكيف يفهمونها ؟

هل يعني : أن الذين لا يحبّون لأخيهم ما يحبّونه لأنفسهم ، كفّار ، خارجون من ملّة الإسلام  ؟ !

وهل يعني : أنّ الإنسان الذي جاره يتخوف ، أو يتوقع منه أن يوصل إليه شرًّا ، فهو لا يأمن شره ، هو إنسان كافر ، خارج عن الملة ؟ !

        وماذا يقولون عن قول رسول الله r : (  لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ  ) [98]  .

هل يقولون للذين لا يحفظون الأمانات ، والذين لا يوفون بالعهود ، هم كفار ، خارجون عن ملّة الإسلام ، لأن النبيّ r ، قال عنهم : أنهم لا إيمان لهم ولا دين ؟ !

        وقال النبيّ r : ( المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) [99] .

        فهل الإنسان ، الذي لا يسلم المسلمون منه ، فهو يؤذيهم إما بيده ، أو بلسانه ، هو إنسان كافر ، لأنّ النبيّ r ، قال عنه : هو ليس بمسلم ؟ !

        فهذه الأوصاف التي أطلقها النبيّ r ، على هؤلاء ، هي ليست تكفيراً لهم ، وإخراجهم عن الإسلام .

        بل هي أوصاف لتلك الأعمال المنكرة ، ليعلموا أن هذه الأعمال هي ليست أعمال مسلمين ومؤمنين كاملي الإيمان ، بل هي من أعمال مَن لا إيمان لهم ولا دين !

        فهي للردع ولزجر ونفي الفضيلة عن تلك الموبقات .

أنظر إلى ما قاله r ، من هذا الباب :

قال r : (  لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ  ) [100] .

فهل الزنا وشرب الخمر والسرقة كفر ، مَن فعلها لا إيمان له ، فيخلد في جهنم ؟

هل قال ذلك غير الخوارج ؟

        [  قــال الخطـابي : الخوارج ومن يذهب مذهبهم ممن يكفر المسلمين بالذنوب يحتجون به ، ويتأولونه على غير وجهه ،

وتأويله عند العلماء على وجهين :

أحدهما : أن معناه النهي وإن كانت صورته صورة الخبر ،

يريد : لا يَزنِ الزاني بحذف الياء ، ولا يسرقِ السارقِ بكسر القاف على معنى النهي . يقول : إذ هو مؤمن لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر ، فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين ولا تشبه أوصافهم .

والوجه الآخر : أن هذا كلام وعيد لا يراد به الإيقاع ، وإنما يقصد به الردع والزجر ، فقوله : " المسـلم مـن ســلم المســلمون مـن لسـانه ويده " وقوله : " لا إيمان لمن لا أمانة له " وقوله : " ليس بالمسلم من لم يأمن جاره بوائقه "

وهذا كله على معنى الزجر والوعيد أو نفي الفضيلة وسلب الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله . . .

وقال الإِمام النووي : الصحيح الذي قاله المحققون : أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان ، وإنما تأولناه لحديث أبي : " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وسرق "  ] [101] .

 

 

إطلاق الكفر على فعلٍ ليس معناه كفر صاحبه

      عندما يطلق أحد الأئمة والعلماء على فعلٍ ما أنه كفر ، فليس معنى ذلك أنه تكفير لصاحبه ، وإخراجه من الإسلام .

        وهذا الأمر هو معلوم – نظرياً فقط ! – عند خصوم سيّد قطب ، رحمه الله ، من الشيوخ ؛ أصحاب الفخامة والألقاب الطنّانة !

        ولكن عملياً – وعند الحكم على خصومهم – ينسون كلّ ذلك ، وكأنّهم لم يسمعوا ذلك في يوم من الأيّام !

        وذلك لأنّهم حُفّاظ نصوص لا غير ؛ يحفظون نصوص – سواء آيات من القرآن الكريـم ، أو أحاديث للنبيّ r ، أو أقوال الأئمـة والعلماء – ثم يضربون بها وجوه خصومهم – من غير فهم عميق – عند النزاع !

        وللعلم إنّ إطلاق وصف ( العلماء ) عليهم ، هو تجوّز ، ومن نكبات الزمان الذي نعيش فيه !

        قال الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان ، رحمه الله :

        [  فلا يعتبر الشخص مجتهداً ولا فقيهاً إذا عرف الأحكام الشرعية بطريق الحفظ والتلقين ، أو بتلقيها من الكتب أو من أفواه العلماء بلا بحث ولا نظر ولا استنباط . . .

وهناك شرط ، هو في رأينا ، شرط ضروري [102] وإن لم ينص عليه الأصوليون صراحة ،

وهو أن يكون عند العالم إستعداد فطري للإجتهاد ، بأن تكون له عقلية فقهية مع لطافة إدراك ، وصفاء ذهن ، ونفاذ بصيرة ، وحسن فهم ، وحدّة ذكاء .

إذ بدون هذا الإستعداد الفطري لا يستطيع الشخص أن يكون مجتهداً وإن تعلم آلة الإجتهاد التي ذكرناها في شروطه ،

 لأنها إذا لم تصادف إستعداداً فطرياً للإجتهاد لا تجعل الشخص مجتهداً .

وليس في قولنا هذا غرابة ، فإنّ تعلّم الإنسان اللغة العربية وعلومها وأوزان الشعر لا تجعله شاعراً إذا لم يكن عنده إستعداد فطري للشعر .

فكذلك الحال في الإجتهاد . . ونوابغ المجتهدين ما كانوا أكثر من غيرهم معرفة بعلوم الإجتهاد ووسائله وآلاته ، وإنما كانوا أكثر من غيرهم في القابلية على الإجتهاد وفي الإستعداد الفطري له ] [103] . 

فلو أنّ مسلماً حفظ القرآن كلّه ، وحفظ أحاديث الصحيحين ، والسنن ، والمسانيد ، وحفظ الأحكام بأدلتها ، ولكن لم تكن عنده مَلَكَة [104] الإستنباط ، فلا يكون مجتهداً فقيهاً – في الحقيقة – إلّا تجوزاً .

فحفّاظ النصوص – الذين تُطلق عليهم ألقاب فخمة وطنّانة رنّانة ، أمثال خصوم سيّد قطب ، رحمه الله – تستطيع أن تصنع منهم بالآلاف ؛ حيث تجمعهم ، وتُدخلهم دورات علمية ، ومدارس فقهية ، وتُحَفّظهم القرآن الكريم ، وأحاديث النبيّ r ، وقضايا الفقه ، وأقوال الفقهاء ، وتوفّر لهم مكتبة ؛ فيها كتب مطلوبة .

فمن خلال أقل من عقدين من الزمان ، أو أكثر ، وإذا أصبح عندك آلاف الشيوخ أصحاب الفضيلة ، تشجعهم على محاربة أئمة الدعاة والمجدّدين ، باسم الإسلام وباسم القرآن والسنة ! !

ولكنّك لا تستطيع أن تصنع أمثال سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، في قرن من الزمان ، إلّا إذا بعث الله تعالى أمثالهم ، ليجدّد بهم دينه سبحانه !  

        وهاهو الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ، يقول :

        [  فَيُطْلِقُ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ الْقَائِلِ ؛ كَمَا قَالَ السَّلَفُ مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ

وَلَا يَكْفُرُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ  ] [105] .

[  عَنْ أَحْمَد وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ؛ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ . . .

التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَقِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ  ] [106] .

 

وقال رحمه الله :

[  فَإِنَّ نُصُوصَ " الْوَعِيدِ " الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُسْتَلْزَمُ ثُبُوتُ مُوجَبِهَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ

إلَّا إذَا وُجِـدَتْ الشُّـرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِـعُ لَا فَـرْقَ فِـي ذَلِـكَ بَيْـنَ الْأُصُـولِ وَالْفُـرُوعِ  ] [107] .

فهاهو الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ، يقول : بأنّ نصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المُعَيّن !

ويقول : إنّ قول الأئمة : مَن فعل كذا فهو كافر ، ليس معناه تكفير الشخص المعيّن الذي يفعل كذا ! !

فهو كأنه قد دافع عن الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، هذه الخزعبلات والهذيان الصادر عن هؤلاء الشيوخ ! !

علماً أنّ سيّد قطب ، رحمه الله ، لم يستخدم كلمة ( الكفر ) في كتاباته .

بل إنّ الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ، كأنه شجّع الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، في إطلاقه كلمة ( الجاهلية )  على الأنظمة المزرية ، والمجتمعات التي لا ترفع رأسها للشريعة التي بعث الله بها رسول الله r !

فقد قال ، رحمه الله :

[  أَنَّ التَّكْفِيرَ الْعَامَّ - كَالْوَعِيدِ الْعَامِّ - يَجِبُ الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ .

وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ بِالنَّارِ : فَهَذَا يَقِفُ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ  ] [108] .

فقد أوجب ، رحمه الله ، إطلاق التكفير العام ، دون تكفير شخص معيّن بدون دليل !

وقال ذلك استناداً إلى آيات القرآن الكريم ، وأحاديث رسول الله r .

أما الآيات القرآنية ، فكقول الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ  ) [109] .

فويلٌ لكلّ مَن توجد فيه هذه الصفات ! فهل إذا قرأت هذه الآيات ، وهدّدت بها أصحابها ، تكون قد حكمت على أشخاص معيّنين بالويل ؟ !

وهل إذا رأيت شخصاً يطعن في نسب مسلم ، تقول : هذا الشخص كافر بنص حديث رسول الله r ؟ !

سيّد قطب لا يكفّر

إذن تبيّن لنا – بأدلة الكتاب والسنة :

1 - أن أقوال سيّد قطب ، رحمه الله ، واستخدامه لكلمة ( الجاهلية ) ليس بتكفير للمجتمع ، ولا للمسلمين .

وأنّ الذين يتّهمونه بذلك ، هم يجهلون الكتاب والسنة ، وأقوال العلماء والأئمة !

2 – أنّ إطلاق كلمـة ( الجـاهلية ) ، هو إطلاق شرعي ؛ جاءت في القرآن الكريم ، واستخدمها النبيّ r ، واستخدمها الأئمة والعلماء .

3 – وأنّ الإطلاق العام لكلمات التكفير والتفسيق ، ليس ممنوعاً شرعاً ، بل هو واجب ، كما قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ! !  ( لتستبين سبيل المجرمين ) ! !

4 – وأنّ الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ،  لم يرتكب محذوراً ، باستخدامه لكلمة الجاهلية ، وارتداد الناس ورجوعهم إلى الجاهلية .

أليس الإرتداد يعني : التقهقر والتراجع إلى الوراء .

ألم يرجع المسلمون عن الإلتزام بالشريعة ، بعد أن كان أجدادهم ملتزمون ؟ !

هل المسلمون في هذا العصر النكد ، يساوون ويشبهون الصحابة والتابعين وتابع التابعين ، في الإلتزام بدين الله تعالى ، أم عادوا إلى اتّباع أهوائهم ، ونبذ أوامر الله تعالى ونواهيه ، وراء ظهورهم ، كأهل الجاهلية ؟ !

هل وصف حال المسلمين وما وقعوا فيه من المنكرات ، لا يجوز ، بل يجب على العالِم أن يمدحهم ، ولا يجرح مشاعرهم ، ولا ينبّههم  ؟ !

  

 

 

 

الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومسائل الجاهلية

 

        وللشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، رسالة خاصة ألّفها ، وسمّاها ( مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله r أهل الجاهلية ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

        وهو ألّف هذه الرسالة ، وذكر فيها مائة وثمان وعشرين مسألة جاهلية ، للكفّار قبل الإسلام ؛ للكتابيين والأميين .

 

 

 

 

 

 

        والغاية التي تُفهم من الرسالة : أنه يوجد مسلمون الآن في هذه الجاهلية ، يجب عليهم إنقاذ أنفسهم ، والتخلّص منها ، والرجوع إلى الإسلام ؛ إلى الكتاب والسنة .

 

 

 

 

 

        وأحد الذين شرحوا هذه الرسالة هو : الشيخ [110] صالح بن فوزان الفوزان ، وهو أحد من أشد خصوم الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله .

 

 

 

 

        وهو من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومن المعجبين به ، والمقلدين له .

 

 

 

 

 

        فها هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب يؤلف رسالة خاصة ، ويذكر فيها مائة وثمان وعشرين مسألة ، يسميها بالجاهلية ، ويُعرض فيها بالمسلمين ؛ أنّ فيهم هذه الجاهليات ، وإن لم يصرّح بذلك – حسب علمي ، وإلّا ربّما صرّح بذلك ، وأنا الآن لا يحضرني ذلك

 

        فلماذا لم ينتقد الفوزان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، فيقول له : هذا تكفير للمسلمين ، ولا يجوز ذلك ؟ !

 

 

 

 

بل الأدهى من ذلك ،  أنّ الشيخ الفوزان شرحها ، ونطق في شرحها بكلمات غلظية منكرة ، ترفّع عنها الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى !

 

 

 

 

        وأنا سأذكر هنا بعض الأمثلة مما قاله ، وليس كلّها [111] . 

 

دعاء الأولياء والصالحين

 

 

 

 

 

 

 

 

        1 – ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة الاولى ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : دعاء الأولياء والصالحين .

 

 

 

 

واستدلّ بآيات القرآن الكريم ، منها : قوله تعالى : (   وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ  ) [112] .

 

وقوله تعالى :  (  وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى  ) [113] .

جاء في شرحه للشيخ الفوزان ، ما نصه :

 

 

 

 

 

[  والعجيب أنهم يقرؤون القرآن ويمرون على هذه الآيات ولا ينتبهون لها ، ومع هذا يستمرون على عبادة القبور ، وهي من فعل الجاهلية ،

 

 

 

 

 

 

وهذا لأنهم لم يعرفوا ما كانت عليـه الجـاهلية ، لـم يعرفوا أنّ هـذا مـن أمور الجـاهلية ، هذا نتيجة الجهل بأمور الجاهلية  ] [114] .

 

 

 

 

 

 

أ – قال الفوزان في شرحه ، الذي نقلناه عنه :

 

 

 

 

[  والعجيب أنهم يقرؤون القرآن ويمرون على هذه الآيات  ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

نسأل هنا سؤالاً وهو : مَن هم الذين يقرؤون القرآن ، ويمرون على تلك الآيات ؟

 

 

 

 

هل هم اليهود والنصارى ، والبوذيون ، وعرب قبل الإسلام ؟ مَن يقصد بهم الشيخ الفوزان ؟

 

 

 

 

 أليس يقصد بذلك خصومه من المسلمين ؛ الذين يقرؤون القرآن ؟ !

 

 

 

 

 

إذن ، هذه الرسالة كُتِبَت لوصف مسلمي عصرنا – من خصوم الشيخ الفوزان – بالجاهلية !

فلماذا هذا العمل مقبول منهم ، لا بأس عليه ، ولا غبار ؟

 

 

 

 

ولكنه مرفوض من سيّد قطب ، وهو غير جائز ، وهو منكر ؟ !

 

 

 

 

 

 

 

 

ب -  وقال أيضاً :

 

 

 

 

 

 

[ ومع هذا يستمرون على عبادة القبور  ] .

 

 

 

 

ونسأل الشيخ الفوزان : ما هو حكم عبادة القبور ؟ !

 

 

 

 

إن كان الجواب : لا بأس به ، وهو جائز ، فلِم الإنكار إذن ؟

 

 

 

وإن كان : شركاً وكفراً ، أليس في هذا الحكم ، تكفيراً ، وإخراجاً من الإسلام ؟ !

 

 

 

 

فمَن الذي يرمي الناس بالكفر : سيّد قطب ، أم خصومه ؟

 

 

 

 

 

 

 

ج – وجاء في شرحه ، أيضاً :

 

 

 

 

 

[ وهي من فعل الجاهلية ، وهذا لأنهم لم يعرفوا ما كانت عليـه الجـاهلية ، لـم يعرفوا أنّ هـذا مـن أمور الجـاهلية ، هذا نتيجة الجهل بأمور الجاهلية  ] .

 

 

 

 

 

كم مرة إستخدم الشيخ الفوزان ، في هذه الفقرة القليلة ، كلمة : الجاهلية ؟ !

 

 

 

 

إستخدمها أربع مرات ! !

 

 

 

 

ويعيبون على الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، إستخدامه لتلك الكلمة !

 

إقتداؤهم بفسقة العلماء وجهّال العباد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2 – ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة التاسعة ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : إقتداؤهم بفسقة العلماء وجهّال العباد .

 

 

 

 

 

 

 

واستدلّ بآيات القرآن الكريم ، منها : قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ  ) [115] .

 

وقوله تعالى : ( لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ  ) [116] .

 

 

 

 

 

جاء في شرح الشيخ الفوزان لهذه المسألة :

 

 

 

 

 

 

[ والآن إذا صار للواحد رغبة في شيء . . . إلخ

 

 

 

 

 

هذا إنما يفعله أهل الأهواء ، والعياذ بالله ، الذين ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) التوبة : 31 . . .

 

 

 

 

 

فأخذ أقوال العلماء والعبّاد قضية مسلمةً دون عرض على الكتاب والسنة ، هي طريقة أهل الجاهلية ، الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله   ] [117] .

 

 

 

 

 

 

 

أ -  قول الشيخ الفوزان : ( والآن ) . يعني : أنّه يتحدّث عن مسلمي عصرنا ، وليس عن أهل الكتاب والبوذيين – ولاسيما قبل الإسلام .

 

 

 

 

 

يعني : أنه فهم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، أنه يقارن مسلمي عصرنا ، مع أهل الجاهلية ؛ قبل الإسلام .

 

 

 

 

 

ب – نسأل الشيخ الفوزان ، سؤالاً وهو : أهل الأهواء هؤلاء ؛ الذين يتّخذون أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، هل هم مسلمون ؟

 

 

 

 

 

وسؤالاً آخر : مَن تقصد بهم ؟

 

 

 

هل تقصد خصومك من المسلمين ؟ وهل هذا تكفير لهم ؟

 

 

 

 أم أنه وصفٌ لحالهم ، لا غير ، وليس تكفيراً لهم ؟

 

 

 

 

فماذا فعل سيّد قطب غير ذلك ؟

 

 

 

                                                                         

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إعتياض اليهود عن التوراة بكتب السحر

 

 

 

 

 

 

 

 

3 –  ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة السادسة عشرة ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : إعتياض اليهود عن التوراة بكتب السحر .

 

 

 

 

 

 

 

واستدلّ بآيات من القرآن الكريم ، وهي : قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ  ) [118] .

 

 

 

 

 

قال الشيخ الفوزان في شرحه لهذه المسألة :

 

 

 

 

[  وكذلك كلّ مَن ترك الحق ، فإنه يبتلى بالباطل ،

 

 

 

فالذي يترك منهم دعوة الرسل من الدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة ، وبيان ذلك ،

يبتلى بأنه يروّج للشرك والخرافات ، ويستدل لها ، ويروجها عند الناس على أنها حق ،

وهذا واقع كثير من علماء الخرافيين وعلماء القبوريين ، بدلاً أن يدعو إلى توحيد الله وإلى كتاب الله وسنة رسول الله ، يدعون إلى الباطل ويدعون إلى الله وإلى عبادة القبور ، والتعلق بالأموات ؛

 

 

 

ويلتمسون لذلـك الشبهـات التي يروجونها على الناس ، فيشتغلون وقتهم في الباطل ، والعياذ بالله  ] [119] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أ – قال الشيخ الفوزان : [  يروّج للشرك والخرافات ، ويستدل لها ، ويروجها عند الناس على أنها حق  ] .

 

 

 

 

فالذي يروّج للشرك بالله تعالى ، ما هو حكمه ؟ هل هو مسلم ؟

 

 

 

 

 

 

 

ب – من هم هؤلاء الذين يروّجون للشرك ، ويستدلون لها ، ويروّجونها عند الناس ؟

يجيب الشيخ الفوزان على هذا السؤال بقوله :

 

 

 

 

 

 

[  وهذا واقع كثير من علماء الخرافيين وعلماء القبوريين ، بدلاً أن يدعو إلى توحيد الله وإلى كتاب الله وسنة رسول الله ، يدعون إلى الباطل ويدعون إلى الله وإلى عبادة القبور ، والتعلق بالأموات ؛

 

 

 

ويلتمسون لذلـك الشبهـات التي يروجونها على الناس ، فيشتغلون وقتهم في الباطل  ] ! !

فهـل أبقـى للتكفيريين شيئاً ؟ ويتّهم الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، بأنه يكفّر الناس !

 

 

نسبتهم الباطل إلى الأنبياء

 

 

 

 

 

 

 

 

4 – ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة السابعة عشرة ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : نسبتهم الباطل إلى الأنبياء .

 

 

 

 

 

 

 

فقال ، رحمه الله :

[ نسبة باطلهم إلى الأنبياء كقوله  : (  وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ  ) [ البقرة : 102 ] ، وقوله : (  مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا  ) [ آل عمران : 67 ] .

 

 

 

 

 

فقال الشيخ الفوزان في شرحه :

 

 

 

 

 

 

[  من مناهج الجاهلية : أنهم ينسبون ما هم عليه من الكفر والضلال إلى الأنبياء ، كما نسبت اليهود السحر إلى سليمان . . .

 

 

 

 

 

 

وكذلك من هذه الأمة مَن ينتسبون إلى الأئمة وهم يخالفونهم في العقيدة ، فينتسبون إلـى أبي حنيفة وإلى مالك وإلى الشافعي وإلى أحمد ، وهم على عقيدة المعتزلة والأشاعرة [120] ، وينسبون هذا الإعتقاد والباطل إلى أئمة السلف  ] [121] .

 

 

 

 

 

 

 

فإذا كانوا مختلفين في العقيدة ، فهل الطوائف جميعها مسلمون ؟

 

 

 

 

 

وهل الإختلاف في العقيدة هو ، كالإختلاف في مسائل الفقه ؟

 

 

 

 

هل نسبة العقيدة الباطلة إلى أئمة السلف ، هي إسلامية ، أم جاهلية ؟

 

إتّخاذهم الدين لهواً ولعباً

 

 

 

 

 

 

 

5 – ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة الثانية والعشرين ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : إتّخاذهم الدين لهواً ولعباً .

 

 

 

 

 

 

فقال الشيخ الفوزان في شرحه لهذه المسألة :

 

 

 

 

[ ويشبههم الآن الذين يتّخذون الأناشيد التي يسمونها الإسلامية ، ويجعلونها من وسائل الدعوة إلى الله ، كما يقولون ،

 

 

والدعوة إلى الله عز وجل من الدين ، ولا يدخل فيها شيء من الأغاني ومن الأنغام والتنغيمات التي تلهي النفوس ،

 

 

 

وتشغل الناس عن ذكر الله وعن قراءة القرآن ، وهي من شعارات المناهج الحزبية ، وليست من وسائل الدعوة  ] [122] .

 

 

 

 

 

 

 

 

أ – قول الفوزان : [  ويشبههم الآن ] .

 

 

 

 

فهو تشبيه هؤلاء المسلمين بأولئك الجاهليين الكفار ! ولا أدري ماذا يسمّيه هو ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

ب – أما أن الأناشيد الإسلامية ، ليست من وسائل الدعوة إلى الله ، فهذا رأيه هو وأمثاله ، وليس إجماعاً بين علماء الأمة ؛ العلماء الحقيقيين !

 

 

 

 

والمسألة لا تدخل في الحكم فيها : المزاجية وخشونة وقساوة البداوة ، بل الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة !

 

 

 

ج – قد نفهم من شرحه هذا ، وانتقاداته للجماعات الإسلامية ، أن الشيخ الفوزان هو يذكر الله ويقرأ القرآن ليل نهار ، لا يفتر !

 

 

 

 

 

وأنّ المسلمين عامة يذكرون الله تعالى ، ويقرأون القرآن ليل نهار ، فتأتي هذه الجماعات الإسلامية ، فيأخذون منهم القرآن ، ويلهونهم بالأناشيد الإسلامية !

 

 

 

 

 

فهلّا ترك الشيخ النوم والسفرات السياحية والأكل والشرب و و و إلخ ، حتى لا تلهيه عن ذكر الله وقراءة القرآن ؟ !

 

 

 

تأليف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله

 

 

 

 

 

6 - ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة السابعة والعشرين ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : تأليف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله .

 

 

 

 

 

 

 

 

فقال ، رحمه الله :

[  تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله كقوله : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ  ) [123] ] .

 

 

 

 

فقال الشيخ الفوزان :

 

 

 

 

 

[  من آفات اليهود أنهم يؤلفون المؤلفات ويكتبونها بأيديهم ، ويضمنونها الباطل ، ويقولون : هذا من عند الله ؛ ليحصلوا على مكافأة من الناس ،

 

 

 

 

 

 

 

أو يبيعوا هذه الكتب في الأسواق وتدر عليهم أموالاً .

 

 

 

 

 

وتصنيف الكتب الضالة وترويجها على الناس حرفة اليهود ، ومَن تشبّه بهم من هذه الأمة . . .

 

 

 

 

 

وما أكثر تصنيف الكتب في هذه الأيام ، أو الرسائل ، أو الفتاوى الضالة الباطلة باسم الإسلام ، وهذا مثل فعل اليهود  ] [124] .

 

 

 

 

 

 

 

[  ومَن تشبّه بهم من هذه الأمة  ]  [ باسم الإسلام ]  [  وهذا مثل فعل اليهود  ] .

 

الأخذ بالإفتراق وترك الإجتماع

 

7 - ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، المسألة الثلاثين ؛ التي كانت الجاهلية عليها ، وهي : الأخذ بالإفتراق وترك الإجتماع .

 

 

 

 

 

 

فقـال ، رحمه الله : وهـي من عجـائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالإجتماع ، وارتكبوا ما نهى الله عنه من الإفتراق ، صار كل حزب بما لديهم فرحين .

 

 

 

 

 

 

 

فقال الشيخ الفوزان :

 

 

 

 

 

[  فهؤلاء الذين يريدون توحيد المسلمين كما يقولون ، يقال لهم : إذا كنتم تريدون توحيد المسلمين ، وحِّدوا العقيدة ؛

 

 

 

 

بأن تكونوا جميعاً على عقيدة التوحيد التي جاء بها رسول الله r ، ولا تتركوا الناس ،

هذا قبوري ، وهذا صوفي ، وهذا شيعي ، وحدوا العقيدة أولاً ، واعتصموا بلا إله إلا الله ،

ثم وحدوا الحكم بما أنزل الله ، فارجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ، وانبذوا القوانين والأنظمة والعادات القبلية ، وغير ذلك ] [125] .

 

 

 

 

إنه يحكم على الناس بأنّهم مختلفون في العقيدة ، وليسوا على عقيدة التوحيد التي جاء بها رسول الله r  ، ولم يعتصموا بلا إله إلا الله !

 

 

 

 

 

فهل مَن كانت هذه عقيدته ، يعتبر مسلماً ؟ !

 

 

 

 

وبماذا يختلف الشيخ الفوزان ، عن الشهيد سيّد قطب ، عندما يصف سيّد قطب الناس بأنهم يعيشون عيشة جاهلية ، علماً أنّ الشهيد ليس قصده تكفير المسلمين ؟ ! 

 

 

 

 

 

 

ولماذا المشاغبة على سيّد قطب ومحاربته إذن ؟ ولحساب مَن ؟

 

 

 

 

أنا جئت – فقط – ببعض الأمثلة من ذلك الشرح ، الذي هو مليء بتكفير المسلمين .

ولم يكن قصدي ، أن أستوعب كل ما فيه من الخزعبلات ، فهذا مجاله ليس هنا .

 

 

 

 

 

 

 

وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[  وقوله : (  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) [ التوبة : 31 ]   ] .

 

 

 

 

 

قال حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، رحمهم الله ، في شرحه لأقوال جدّه :

 

 

 

 

[ ش : وفي الحديث الصحيح : أنّ رسول الله r تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي ، فقال : يا رسول الله ، لسنا نعبدهم . قال : (( أليس يحلّون ما حرم الله فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ )) قال : بلى . فقال النبيّ r : (( فتلك عبادتهم )) [126] .

 

 

 

فصارت طاعتُهم في المعصية عبادة لغير الله ، وبها اتخذوهم أرباباً ، كما هو الواقع في هذه الأمة ، وهذا من الشرك الأكبر المُنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله .

 

 

 

فتبيّن بهذه الآية : أن كلمة الإخلاص نفت هذا كلَّه ، لمنافاته لمدلول هذه الكلمة . فأثبتوا ما نفته من الشرك ، وتركوا ما أثبتته من التوحيد  ] [127] .

 

 

 

 

[ كما هو الواقع في هذه الأمة ، وهذا من الشرك الأكبر المُنافي للتوحيد ] ! ! .

 

 

 

 

 

 

نسأل الشيخ الفوزان وأمثاله : هل هذا الكلام يُعتبر تكفيراً للمسلمين ؟ !

 

 

وقال الشيخ الألباني ، رحمه الله ، وهو يردّ على أحد منتقديه ، ما نصه :

 

 

 

 

[ " تنبيه " : إطلعنا بعد صف هذه الملزمة على كتاب " التوصل إلى حقيقة التوسل " للشيخ محمد نسيب الرفاعي ، الذي ذيل اسمه عليه بلقب " مؤسس الدعوة السلفية وخادمها " ،

وتقتضينا الأمانة العلمية ، والنصيحة الدينية وقول كلمة الحق أن نبين حكم الله كما نفهمه ، وندين الله تعالى به في هذا اللقب فنقول :

 

 

 

 

 

 

إن من نافلة القول أن نبين أن الدعوة إنما هي دعوة الإسلام الحق كما أنزله الله تعالى على خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم ،

 

 

 

فالله وحده سبحانه هو مؤسسها ومشرعها ، وليس لأحد من البشر كائناً من كان أن يدعي تأسيسها وتشريعها ، وحتى النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه إنما كان دوره فيها التلقي الواعي الأمين ، والتبليغ الكامل الدقيق ،

 

 

 

ولم يكن مسموحاً له التصرف في شيء من شرع الله تعالى ووحيه ،

 

 

 

ولهذا فادعاه إنسان مهما علا وسما تأسيس هذه الدعوة الإلهية المباركة إنما هو في الحقيقة خطأ جسيم وجرح بليغ ، هذا إن لم يكن شركاً أكبر ، والعياذ بالله ] [128] .

 

 

 

 

[  هذا إن لم يكن شركاً أكبر ] . [  والعياذ بالله ] .

 

 

 

هل رمى سيّد قطب مسلمين ودعاة – لاسيما للدعوة السلفية وخادمها – بهذا الإتّهام ؟ !

هل اتّهم أحدٌ الشيخ الألباني ، وقبله حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، بأنهم يكفّرون المسلمين ؟ !

 

 

 

 

 

وقال الشيخ الألباني ، أيضا ، في بعض مخالفيه ، والذين هم أيضاً محدّثين :

 

 

 

 

[ وكذلك من شيوخه بعض الغماريين المشهورين بحقدهم وعدائهم الشديد لأهل السنة والتوحيد ] [129] .

 

 

 

 

 

فما هو التوحيد ، الذي يحقد ويعادي الغماريين بشدة أهله ؟

 

 

 

 

 

تعريف التوحيد

 

 

 

 

 

[ معنى التوحيد في اللغة مأخوذ من وحَد الشيء أي جعله واحداً ،

 

 

 

أمَّا المعنى الشرعي للتوحيد فهو : إفراد الله - تعالى- بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات ،

 

 

ويُعرِّف الإمام ابن القيم - رحمه الله - التوحيد بقوله :

 

 

 

( ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه : لا خالق إلا الله ، وأن الله رب كل شيء ومليكه ، كما كان عبَّاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون ،

 

 

بل التوحيد يتضمن محبة الله ، والخضوع له ، والتذلل على بابه ، وكمال الانقياد لطاعته ، وإخلاص العبادة له ، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال ، والمنع والعطاء ، والحب والبغض ، مما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها ) ،

فتوحيد القلب يتضمَّن المعرفة الحقيقية لمعنى التوحيد بما فيه من النفي والإثبات ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) [130] ] [131] .

 

 

 

 

 

فهـل الذي يحقد ويعادي الذين يدعون إلى إفراد الله بالعبادة ، والمحبة ، والخضوع ، والتذلل على بابه ، وكمال الإنقياد لطاعته ، وإخلاص العبادة له ، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال ، و و و . . . إلخ

 

 

 

 

 

ومع كلّ هذه الموبقات فهو يعادي ويحقد على أهل سنة رسول الله r .

 

 

 

وسنة رسول الله r ، هي : أقواله ، وأفعاله ، وتقريراته ، ومنهجه r .

 

 

 

فهل تظن أن مَن هذه صفته ، قد بقي له من الإسلام شيء ؟ !

 

 

 

 

أليس هذا هو تكفير للمسلمين ؟ بل لعلماء المسلمين ؟

 

 

 

هل فعل سيّد قطب ، رحمه الله ، عشر معشار هذا ؟

 

 

فخطاب سيّد قطب ، هو للفسقة والظلمة والمستبدين من الناس .

 

 

 

 

بينما خطاب الشيخ الألباني ، هو لعلماء المسلمين ! 

 

 

 

 

ونرى أتباع الشيخ الألباني ، لا يتّهمونه بتكفير المسلمين ، بل يتّهمون سيّد قطب بذلك ! لماذا ؟ لحاجة في نفس . . .

 

 

 

وقال الشيخ الألباني ، رحمه الله :

 

 

[ وقد استعان الأنصاري بأحد أعداء السنة وأهل الحديث ودعاة التوحيد المشهورين بذلك ألا وهو الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ] [132] ! ! 

 

حصحص الحق

 

 

 

 

 

 

1 – أظن أنه قد حصحص الحقّ ، وظهرت الحقّيقة جليّة ، في أنّ الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، بريء من تكفير الناس .

 

 

 

 

 

 

 

 

وأنّ استخدامه لكلمة ( الجاهلية ) في وصف أوضاع المجتمعات ، وتصرفات الناس ، هو إسـتخدام شرعي ؛ حيث جـاء فـي كتـاب الله تعالـى ، وفـي أحـاديث رسول الله r ، وفي أقوال العلماء .

 

 

 

 

 

وهو يعتبر ذكاء وفطنة – بتوفيق من الله تعالى – من سيّد قطب ، رحمه الله ، في اختياره لهذه الكلمة التي تطابق ما عليه الناس تمام المطابقة .

 

 

 

 

 

فلا هو رمي الناس بالتكفير ، ولا هو تساهل وتغافل عنهم في خروجهم عن طاعة الله ورسوله ، واتّباعهم للشهوات !

 

 

 

 

 

فهو استخدام لكلمة هي بين : المغالاة ، والتساهل !

 

 

 

 

وهو – أيضاً – مطلوب شرعاً ، لأنّ الله تعالى ، يقول : (  وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ  ) [133] .

 

 

 

 

فلا بدّ من أن توصف الأعمال ، بأوصافها الحقيقية المطابقة ، حتى يتبيّن الحق من الباطل ، ليحيى مَن حيّ عن بيّنة ، ويهلك مَن يهلك عن بيّنة !

تقييم

 

2 – مع كبير احترامنا – كأشخاص وناس – للشيوخ من أمثال الشيخ الفوزان وجماعته ، فهُم ليسوا بعلماء ، ولا فقهاء .

 

 

 

 بل هم حفاظ نصوص ، تخرّجوا من مدرسة ذي مذهب واحد ، وولاء واحد ، وميول واحدة ، قد مُلِئوا بقناعات وتصوّرات – من الإبتدائيـة ، إلـى الثانوية ، إلى المعاهد ، إلى الكلّيات والجامعات .

 

 

 

 

 

نفس الموضوعات المحدّدة ؛ يصحبونها إلى القبر ، ولا يتغيّرون – إلّا مَن رحم الله ، فأراد له الخير .

 

 

 

 وقد مُلِئوا تكبّراً وغروراً ؛ فيحسبون أنهم هم الوحيدون على الحق من دون كلّ المسلمين ، وأنّهـم وحدهـم يقتفون أثر الكتاب والسنة – هكذا يوحون لهم ، أو يصارحونهم .

 

 

 وكأنهم معصومون جالسون على قمة برج عالٍ ، يحكمون من هناك على المسلمين وأئمتهم ، فيوزعون عليهم ألقاب السخط والرضا ، وقد يعطونهم صكوك الغفران – إستغلالاً لموقعهم من الحرمين الشريفين ! [134]

 

 

 

 

ومع كلّ ذلك ، فمستوى علمهم وفهمهم ، لا يرتقي إلى مستوى أمثال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، فهم أصحاب أفق ضيّق ، ذو ميول أعرابية .

 

 

 

 

 

فإذا أضيف إلى كلّ ذلك اتّفاقهم وانسجامهم مع حكوماتهم ؛ بتقسيم الصلاحيات والأدوار فيما بينهم ؛ فلحكوماتهم السلطة والمال والحكم ، ولهم التفرغ للأحكام الفقهية على مذهب الحنابلة ، والعقيدة على مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله . 

 

 

فليس لهم الخروج عن المحيط الذي أُدخلوا فيه ، وليس لهم تجاوز ما هم عليه ، وإلا فهم يعرفون مصيرهم .

 

 

 

 

 

 

 

 

فلا يعرفون – إذا أحسنّا الظن بهم – أنهم في محاربتهم لأمثال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، قد يخسرون آخرتهم .

 

 

 

 

 

فالشهيد سيّد قطب لا يستحق تلك المحاربة والعداوة منهم .

 

 

 

 

 

 

وكان المنتظر منهم أن يحذو حذو سيّد قطب ، رحمه الله ، في خدمة الإسلام ، ويعينوه هو وأصحابه بكلّ ما أوتوا ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن !

فإن لم يفعلوا ذلك – معاونة سيّد قطب ومناصرته – ولم يرتقوا إلى ذلك المستوى ( كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) ، فعلى أقل تقدير كان المفروض عليهم أن يسكتوا ، ولا يتخندقوا في خنادق أعداء الله ورسوله ، ضد أولياء الله تعالى ، ورسوله ، وهم لا يشعرون ! ! 

 

 

 

 

 

وأنا لا أقول – ما قلت – جرحاً وطعناً ، في أولئك الشيوخ وأمثالهم ، بل بياناً وتقريراً للواقع ؛ فهو من باب التقييم ، لا غير .

 

 

 

 

لأنه – ربما – قد تختلط الأمور على بعض المسلمين ، فيحتارون في أمرهم ، بسبب هذه الصراعات الفكرية ، والتناقضات الموجودة في المواقف .

 

 

 

وربما عدم معرفة هؤلاء المسلمين بمستوى أولئك الشيوخ ، يؤدي بهم إلى الحياد عن الطريق ، ومحاربة أمثال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ،  اتّباعاً وتقليداً لهم !

 

 

 

 

عند ذلك سيكون موقف المعجبين بفهم وموقف أولئك الشيوخ ، سبب في الوقوف في خندق أعداء أمثال سيّد قطب ، رحمه الله ، بدل الوقوف مع أولياء الله تعالى ، لنصرة الإسلام !

وهناك ملاحظة جديرة بالإنتباه ! :

 

 

 

 

 

وهي : أن غالبية أتباع أولئك الشيوخ من الأميين ؛ الذين لا يقرؤن ولا يكتبون !

 

 

 

 

 

 

والقلة التي حصلت على شهادات جامعية ، أفكاره وتصوراته ونفسيته أمية !

 

 

 

 

 

والعلم الذي حصلوا عليه – من الكليّات والجامعات – لم يغيّر ما هم فيه ، إلّا مَن رحم الله ، بل زادهم تعصّباً وعنجهية !

 

 

 

 

 

 

وذلك لأن العلم كالماء ؛ إذا سقيت به التمر ، زاد حلاوة .

 

 

 

 

 

وإذا سقيت به شجرة الحنظل ، زادت مرارة !

 

 

 

 

 

والأمية ، والأعرابية ، ليستا عيباً في ذاتها ، حاشا وكلّا ، بل العيب والنقص هو في التعصّب الأعمى ، وردّ الحق ، وغمط الناس ، والتطاول على الأئمة والدعاة !

 

 

 

وهذه الصفات المذمومة موجودة بكثرة كثيرة ، في أتباع أولئك الشيوخ ؛ الأميين

 

 

 

 

 

 والله سبحانه وتعالى ، قد ميّز الصالحين من الطالحين ، فلم يحكم عليهم بحكم واحد .

 

 

 

 يقول الله تعالى ، في الطالحين :

 

 

 

 

 

(  الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [135] .

 

 

 

ويقول تعالى :

 

 

 

 

 

(  قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ) [136] .

 

 

 

 

ويقول تعالى ، في الصالحين منهم :

 

 

 

 

( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [137]

 

فهذه الأمية في هؤلاء ، وعدم فهمهم لكلام الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، وتقليد أولئك الشيوخ ، أصحاب الألقاب الطنّانة والرنانة ، والتعصّب المقيت فيهم .

 

 

 

 

 

كل ذلك جعلهم يتخندقون في خندق أعداء الله ورسوله ، من حيث لا يعلمون ! !

 

 

 

 

وجعلهم يحاربون سيّد قطب ، رحمه الله ، من غير أن يرتقوا إلى مستوى الشهيد فيفهموا منه ما يقول !

 

 

 

 

 

وذلك لأن الإنسان عدوّ لما جهل !

 

 

 

 

 

(  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ   ) [138] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سيّد قطب ووحدة الوجود !

 

 

 

 

 

 

 

 

2 – من المضحكات المبكيات : إتّهام الشهيد [139] سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، بأنه يؤمن ويقول بوحدة الوجود ! !

 

وحدة الوجود

 

 

 

 

 

قبل بيان كذب تلك الفرية ، ينبغي أن نعلم ما معنى وحدة الوجود ؟ :

 

 

 

 

 

مصطلح وحدة الوجود ، يعني أنه ليس هناك موجود إلا الله ، فليس غيره في الكون ، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة ، هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) ،

 

 

 

 

هذه الحقيقة التي تنوعت وجوداتها ، ومظاهرها في هذا الكون المشاهد ، وليس هذا الكون - في هذه العقيدة الباطلة - إلا الله في زعمهم ، تعالى الله عن ذلك .

 

 

 

 

يعني : ليس هناك موجودان متغايران ، بل هناك فقط وجود الله ، وأما الموجودات الأخرى غير الله تعالى ، فهي صور لله سبحانه ، فكلّ شيء هو الله تعالى لا غير !

فهل الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، يؤمن ، ويقول بذلك ؟

 

 

 

 

 

 

وأوّل مَن اتّهم الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، بالقول بوحدة الوجود – حسب علمي – وأولّ مَن سنّ هذه السنة السيئة ، التي عليه وزرها ، ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ، هو : الشيخ الألباني .

 

 

 

 

 

فالشيخ الألباني – عفا الله عنه – قد فضح نفسه على رؤوس الاشهاد ، بهذا الفهم الساذج له لظلال القرآن الكريم ؛ الذي كتبه الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، في تفسير القرآن الكريم .

 

 

 

 

 

فنشر الشيخ الألباني – بهذا النقد – درجة مستوى فهمه للكلام ، ومن ثم مستواه في فهم الإسلام !

 

 

 

 

وأنا – والله – في بداية معرفتي بالشيخ الألباني – عن طريق الكتب والأشرطة – ما كنت أعرفه جيّداً ، وربّما كنت متأثراً به بعض الشيء .

 

 

 

 

حتـى أذكر أنـي إستمعت له في شريط ، ففي أثناء كلامه كان يستدل بأحاديث للنبيّ r ، فكنت – في داخل نفسي ، من غير أن أظهر ذلك – أتعجّب من هذا الكلام ، وهذا الإستدلال ، بهذا المستوى المنخفض ، وهو مشهور على مستوى العالم الإسلامي !

 

كان فهمه ساذجاً ، لا يليق بشهرته ، حتى عرفته – بعد ذلك – تمام المعرفة ؛ عن طريق كتبه وأشرطته ، وأتباعه كذلك !

 

 

 

 

فهل عوقِب بسبب اتّهامه للشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، بتلك الفرية ، مصداقاً لقوله تعالى ، في الحديث القدسي : ( مَن عادى لي ولياّ فقد آذنته بالحرب  ) [140] ؟ 

 

 

 

 

 

قرأ الألباني بعضاً من كلام العملاق سيّد قطب في تفسير سورة الحديد ، وتفسير سورة الإخلاص ، وفهمه – بفهمه الساذج ، الذي لم يرتق ، إلى مستوى سيّد ، السامق الرفيع – ثم خرج على الناس بعد ذلك – عن طريق مقابلة له ، في مجلة المجتمع الكويتية – فاتّهم الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، بتلك الفرية العظمى ! !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والله تعالى ، يأمر المؤمنين ، فيقول :

(   فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ  ) .

وجاء في قراءة سبعيّة : { فتثبتوا } وهذه القراءة تزيد الأمر وضوحاً ، فهي تأمر عموم المؤمنين – والشيخ الألباني ؛ محدّث الديار الشامية ، خصوصاً – أن يتبيّن من قراءته وفهمه ، قبل تفوهه بتلك العظيمة !

 

 

 

 

 

ولاسيما الأستاذ الكبير ، والمفكّر الجليل : الشيخ محمد قطب ، رحمه الله تعالى ، أخو الشهيد سيّد قطب ، كان في وقته يعيش في المملكة العربية السعودية ، وهي ليست بعيدة عن دولة الكويت ، التي فاه الألباني فيها بتلك التهمة .

 

 

 

 

 

 

 

فكان في استطاعة الشيخ الألباني قبل ذلك ، أن يسافر إلى السعودية [141] فيلتقي بالأستاذ الكبير محمد قطب ، فيسأله عن ذلك الموضوع ، لعلّه هو قد فهم خطأ ، فيشرح له الأستاذ محمد قطب الموضوع ، ويوضح له خطأه في الفهم ، قبل أن يفضح الشيخ الألباني نفسه على رؤوس الأشهاد !

 

قمة التوحيد

 

 

 

 

 

وأنا – بداية – سأنقل بعض ما قاله الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره لسورة الحديد ، وسورة الإخلاص – الذي لم يفهمه الألباني – والذي – كما سيتضح – هو كلام يبيّن قمة التوحيد ، ويسكب في الروح ، معاني وحدانية الله تعالى .

 

 

 

 

 

 

 

وهو كلام – لا ريب – يختلف عمّا يردّده الشيخ الألباني والفوزان وأمثالهما ، في العقيدة ، من كلمـات هـي أشبه بعلم الكلام ؛ حيث يتحدّثون عن مكان الله تعالى ، وأصابعه ، ورجله ، وقدمه التي يجعلها في النار ، وردائه الحقيقي ، ونزوله بذاته ، واستقراره على العرش ، و و و إلخ ، ثم يقولون : . . . بما يليق بجلاله [142] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره لسورة الحديد :

 

 

 

[  الأول فليس قبله شيء . والآخر فليس بعده شيء . والظاهر فليس فوقه شيء . والباطن فليس دونه شيء .

 

 

 

 

 

الأول والآخر مستغرقا كل حقيقة الزمان ، والظاهر والباطن مستغرقا كل حقيقة المكان . وهما مطلقتان .

 

 

 

 

ويتلفت القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله . وهذه كل مقومات الكينونة ثابتة له دون سواه . حتى وجود هذا القلب ذاته لا يتحقق إلا مستمدا من وجود الله .

 

 

 

 

 

فهذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده . وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته . وليس وراءها حقيقة ذاتية ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود . .

 

 

 

 

 

 

 

وهو بكل شيء عليم .. علم الحقيقة الكاملة . فحقيقة كل شيء مستمدة من الحقيقة الإلهية وصادرة عنها . فهي مستغرقة إذن بعلم الله اللدني بها. العلم الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته . مهما علم المخلوقون عن ظواهر الأشياء !

 

فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في قلب ، فما احتفاله بشيء في هذا الكون غير الله سبحانه ؟

وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود - حتى ذلك القلب ذاته - إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى ؟

وكل شيء وهم ذاهب ، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله ، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء ؟

 

 

 

 

وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة .

 

 

 

 

 

 فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار ، فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها ، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد وكفى !

 

 

 

 

 

 

لقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى ، وهاموا بها وفيها ، وسلكوا إليها مسالك شتى ،

 

 

 

بعضهم قال إنه يرى الله في كل شيء في الوجود .

 

 

 

 

وبعضهم قال : إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود .

 

 

 

وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم ير شيئا غيره في الوجود . .

 

 

 

 

وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال  ] [143] .

 

 

 

 

 

 

 

قبل أن ننقل من تفسير سورة الإخلاص ، نودّ أن نقف قليلاً – على استحياء – أمام هذا الأدب الرفيع ، والكلمات السامقة ؛ التي سطّرها يراعة الشهيد ، رحمه الله .

 

 

 

 

 

نقرأها لنرَ هل نجد ما قاله الشيخ الألباني ؟

 

 

 

 

 

 

 

 بداية قال ، رحمه الله :

 

 

 

 

[ ويتلفت القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله . وهذه كل مقومات الكينونة ثابتة له دون سواه . حتى وجود هذا القلب ذاته لا يتحقق إلا مستمدا من وجود الله ] .

 

 

 

 

 

أ – أول ما نفهم من هذا الكلام : أنه يتحدّث عن تأملات القلب ، وتدبراته :

 

 

 

 

 

 

 

 

والقلب هو موضع التفكر والتأمل :

 

 

 

 

 

 

يقول الله تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) [144] .

ويقول تعالى : (   وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [145] .

فإنّه ، رحمه الله تعالى ، يتحدّت عن تأملات القلب ، ولا يتحدث عن رؤية العين !

 

 

 

 

 

 

 

 

ب – وقد استخدم ، رحمه الله ، كلمة ( مقومات الكينونة ) .

 

 

 

 

 

 

والمقومات : ما يقوم به الشيء ، ويعتمد عليه ، في قيامه ووجوده وفاعليته  .

 

 

 

 

 

 

وهذه المقومات ليست إلّا لله تعالى وحده ، فهو – سبحانه – لم يستمد وجوده من أحد ، ولا يعتمد على أحد ، لا في وجوده ، ولا في بقائه ، سبحانه وتعالى .

 

 

 

 

 

وكل الوجود والمخلوقات – غيره – سبحانه ، تستمد وجودها من الله تعالى ، حتى هذا القلب الذي يتدبر، ويتأمل في هذه الامور !

 

 

 

 

 

 

 

 

ج – قال ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

 

[ فهذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده . وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته . وليس وراءها حقيقة ذاتية ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال ، رحمه الله تعالى : وجود الله تعالى – فقط – هو الوجود الحقيقي ، الذي لم يلد ، ولم يستمد وجوده ، تعالى ، من غيره ، ولا يعتمد على غيره ، ولم يخلقه أحد ، لأنه غير مخلوق أصلاً ، وليس هناك أي مخلوق في الوجود بهذه الصفة !

 

 

 

 

 

 

 فكل المخلوقات : أصل وجودها من الله وحده ، تعالى ، فالله تعالى ، وحده هو خلقها ، وأعطاها الوجود ، ولولا ذلك لما وجدت ، ولاتوجد ، ولا تبقى !

 

 

 

 

 

 

فوجود الله تعالى وجود ذاتي ، أي : وجوده وبقاؤه من ذاته تعالى ، وليس من غيره .

أما غيره تعالى ، فليس هناك في الوجود أحد ، أو أي شيء ، وجوده ذاتي !

 

 

 

 

 

 

د – وقال ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

 

 

[ وهو بكل شيء عليم .. علم الحقيقة الكاملة . فحقيقة كل شيء مستمدة من الحقيقة الإلهية وصادرة عنها . فهي مستغرقة إذن بعلم الله اللدني بها. العلم الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته . مهما علم المخلوقون عن ظواهر الأشياء  ] .

 

 

 

 

يعني : إنّ الله تعالى ، وحده – لا غيره – عنده العلم الحقيقي ، لا يشاركه في هذا العلم أحد في العالمين ؛ لا في نوع العلم ، ولا في صفة هذا العلم ، ولا في طريقة هذا العلم !

وعِلم غيره – كائناً مَن يكون – مستمد ، ومأخوذ من علم الله ، تعالى ، فهو ، سبحانه ، قد أعطاهم ذلك العلم ، ولولا ذلك لغرقوا في الجهل المطبق .

 

 

 

(  وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ  ) [146] .

 

 

 

هـ - [ فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في قلب ، فما احتفاله بشيء في هذا الكون غير الله سبحانه ؟

وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود - حتى ذلك القلب ذاته - إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى ؟

وكل شيء وهم ذاهب ، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله ، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء ؟

 

 

 

 

وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة  ] .

 

 

 

 

 

يعني : إذا استقر هذه الحقيقة ؛ أنه لا وجود حقيقية إلا لله وحده ، تعالى ، فهو سبحانه وجوده ذاتـي ؛ من ذات نفسه ، لا يعتمد علـى أحد ، وكلّ المخلوقات غيره ، تعالى ، يستمدون وجودهم من الله تعالى ، فكلّ ذرة من وجودهم من الله تعالى ، وبيد الله تعالى .

إذا استقرت هذه الحقيقة في قلبٍ ، فصاحب القلب هذا ، من أي شيء يخاف – بعد ذلك – ويرهب ويرجو مَن بعد ذلك غير الله ، تعالى ؟ !

 

 

 

 

 

 

 

 

و – قال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[ لقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى ، وهاموا بها وفيها ، وسلكوا إليها مسالك شتى ،

 

بعضهم قال إنه يرى الله في كل شيء في الوجود .

 

 

 

 

وبعضهم قال : إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود .

 

 

 

 

 

وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم ير شيئا غيره في الوجود . .

 

 

 

 

وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال   ] .

 

 

 

 

 

لقد داخ بعض المتصوفين ، وتحيّر ، وتخبّط ، واضطرب في تحمّل هذه الحقيقة .

فأحد معاني الإله ، هو : ما يحيّر العقول .

 

 

 

 

فرؤية أي شيء وتأمله وتدبّره ، يذكّر المسلم بعظيم قدرة الله تعالى ، إذ خلق هذا الشيء بكن فيكون ، ويرزقه ويحفظه وعالم به .

فبعض المتصوفين عنـد رؤيتهم للأشـياء –  يرون الخالق العظيم – في هذا الشيء – ويرون إرادته وقدرته تعالى !

(  الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى  ) [147] .

 

 

 

 

فإذا أراد أن يعبّر عن ما يشعر به ، وما تلهمه هذه التأملات ، فقد يخطأ في التعبير ، فقد يكون ثقل هذه الحقيقة عليهم فوق طاقتهم ، وإن كانوا – جميعهم – يدندنون حولها !

رؤية الله في الأشياء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لقد أسلم بعض علماء الغرب ، بمجرد رؤيتهم ، ودقة تأملاهم ، في بعض مخلوقات الله تعالى ، وبعض القوانين والسنن التي خلقها الله تعالى ، وبثها في الكون .

 

 

 

 

 

 

وهذه بعض الأمثلة ؛ تبيّن كيفية رؤية الله تعالى ، في مخلوقاته .

 

 

 

 

 

قال الدكتور مصطفى محمود ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[  إنّ القطة العجماء . .

 

 

 

 

تتبرز ثم لا تنصرف . . حتى تغطي برازها بالتراب

 

 

 

 

 

هل تعرف تلك القطة . . معنى القبح والجمال ؟ !

 

 

 

 

 

 

وهي تسرق قطعة السمك من مائدة سيدها ، وعينها تبرق بإحساس الخطيئة فإذا لمحها تراجعت . . فإذا ضربها طأطأت رأسها في خجل واعتراف بالذنب . .

 

 

 

 

 

 

هل تفهم القانون ؟ ؟ ! !

 

 

 

 

 

هل علمها أحد الوصايا العشر ؟ ؟ ! !

 

 

 

 

والجمل الذي لا يضاجع أنثاه إلا في خفاء وستر . . بعيداً عن العيون . . فإذا أطلّت عين لترى ما يفعله امتنع وتوقف ! ونكّس رأسه إلى الأرض . .

هل يعرف الحياء .. ؟!

 

 

 

 

 

وخلية النحل التي تحارب لآخر نحلة . . وتموت لآخر فرد في حربها مع الزنابير . .

من علّمها الشجاعة والفداء . . ؟

 

 

 

 

 

ومن علّم تلك الحشرات الحكمة والعلم والطب والأخلاق والسياسة ؟ ؟

 

 

 

 

لماذا لا نصدق حينما نقرأ في القرآن أنّ الله هو المعلم ؟؟

 

 

 

 

 

ومن أين جـاءت تـلك المخلوقـات العجمـاء بعلمهـا ودستورها إن لم يكن من خالقها ؟؟

 

 

 

 

 

وما هي الغريزة . . ؟

 

 

 

 

 

أليست هي كلمة أخرى للعلم المغروس منذ الميلاد ؟ ؟

 

 

 

العلم الذي غرسه الخالق ؟ ؟

 

 

 

{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون }

 

 

 

 

ولماذا ندهش حينما نقرأ أن الحيوانات أمم أمثالنا ستحشر يوم القيامة ؟ ؟

 

 

 

 

{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم

 

 

 

 

 

ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون }

 

 

 

 

 

{ وإذا الوحوش حشرت }  ] [148] .

 

 

 

 

 

 

 

إذن عندما ينظر الإنسان – صاحب القلب الواعي والحساس – إلى أيّ شيء في الوجود ، فسيرى الله تعالى ، في عظمته وقدرته ، عند خلقه لهذا الشيء !

 

 

 

 

 

وإن الله تعالى قد أمرنا بالتفكّر والتدبّر ، في مخلوقاته ، لماذا ؟

 

 

 

 

 

 

حتى نعلم عظمته وقدرته ، عن طريق تلك المخلوقات العجيبة ، المحيّرة للعقول !

 

 

 

 

 

 

 

وهذا ما فعله البعض – المعروفين بالمتصوفة – فأدهشهم التفكير والتدبر ، في تلك المخلوقات ، وأسكرهم !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(  قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ) [149] .

 

 

 

 

 

 

(  اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ  ) [150] .

 

 

 

 

 

 

 

(  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ . وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ . هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ . وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  ) [151] .

فالذي يتأمل ويتدبّر هذه الآيات المباركة ، حق التأمل والتدبّر ، سيأخذه الدهش والحيرة – حتماً – من عجايب مخلوقات الله تعالى .

 

 

 

وبالتالي سيتعرّف على بعض صفات الله تعالى ، من عظيم علمه ، وقدرته ، وعظمته ، وإرادته .

 

 

 

 

 

 

فيرى قدرة الله تعالى ، وعظمته ، وعلمه سبحانه ، في هذا المخلوق أمامه .

 

 

 

 

 

 

 

ليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقال رحمه الله تعالى ، في تفسيره لسورة الإخلاص :

 

 

 

 

 

 

[   " قل هو الله أحد " . . وهو لفظ أدق من لفظ " واحد ".. لأنه يضيف إلى معنى " واحد " أن لا شيء غيره معه . وأن ليس كمثله شيء .

 

إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده .

وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .

 

 

 

 

 

وهي - من ثم - أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلا لشيء ، أو فاعلا في شيء ، في هذا الوجود أصلا .

 

 

 

 

 

وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا . .

 

 

 

 

 

فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية

 

 

 

 

 

خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا ! –

 

 

 

 

 

فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته !

 

 

 

 

 

 

 

 

وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . .

فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق . يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة .

 

 

 

 

 

وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد الله ؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله ؟

ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه .

ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .

 

 

 

كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت . .

 

 

 

 

 

وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . .

 

وما النصر إلا من عند الله . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله . . وغيرها كثير . .

 

 

 

 

 

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ،

 

 

 

 

 

ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود !

 

 

 

 

وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد !

 

 

 

 

 

 

ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقا غير هذا الطريق !  ] [152] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال ، رحمه الله :

[  إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده .

وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .

 

 

 

 

 

وهي - من ثم - أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلا لشيء ، أو فاعلا في شيء ، في هذا الوجود أصلا .

 

 

 

 

 

وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا  ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أ – هذا الكلام هو نفسه ، في تفسيره لسورة الحديد :

 

 

 

 

 

ليس هناك وجود حقيقي ذاتي ، لم يلد ، ولم يُخلق ، ولم يأخذ حياته من أحد ، ولا يعتمد على أحد ، في وجوده وبقائه ، غير الله تعالى .

 

 

 

 

 

وكل الموجودات تستمد وجودها من الله الواحد الأحد .

 

 

 

 

 

[ وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ]

 

 

 

 

فهو يقول ، رحمه الله ، بموجود آخر غير الله تعالى ، ولكن هذا الموجود يستمد وجوده من الله تعالى وحده !

 

 

 

 

 

والله هو وحده الفاعل لكلّ شيء ، وفي كلّ شيء ، ليست لأي شيء آخر فاعلية حقيقية .

أليست النار تحرق ؟ هل للنار فاعلية حقيقية ، من دون الله تعالى ؟

 

 

 

 

 

إذا كان كذلك ، فلماذا لم تحرق خليل الله إبراهيم ، عليه السلام ؟ !

 

 

 

 

 

 

 

(  قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ  ) [153] .

 

 

 

 

 

 

وقال ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

[  فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية

 

 

 

 

 

خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا ! –

 

 

 

 

 

فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته !

 

 

وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . .

فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق .

 

 

 

 

 

 

يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة .

 

 

 

 

 

وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد الله ؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا  لله ؟ ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ب – يعني : إذا استقر هذا التصور ، وهذا الإيمان ؛ بأن لا وجود حقيقي إلا لله ، ولا فاعلية حقيقية في الوجود إلا لله ، عندئذٍ فلا يتعلق صاحب هذا القلب بأحد غير الله تعالى ، ولا يخاف من غير الله تعالى ، فينطلق يعمل في الحياة ولا يتوقف .

 

 

 

 

 

 

فالذي يوقف المسلم ، ويصبح عائقاً في طريقه ، هو : إما خوفه من الناس ، أو طمعه في الناس يفيدوه بشيء .

 

 

 

 

 

فإذا علم أن لا فاعلية حقيقية فـي الحياة إلا لله ، ولا يصيبه إلا مـا كتبه الله تعالى ، له ، فعلام – إذن – يخاف من غير الله ، ويطمع !

 

 

 

 

 

 

وقال ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

 

[  ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه .

 

 

 

ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .

 

 

 

كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت . .

 

 

 

 

وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . .

 

 

 

 

 

 

وما النصر إلا من عند الله . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله . . وغيرها كثير . .

 

 

 

 

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ،

 

 

 

 

 

 

ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود ! ] .

 

 

 

 

ج – فإذا استقر هذا التصور والإيمان في القلب ؛ أن لاوجود حقيقي إلّا لله ، فسوف يرى قدرة الله وعظمته ، في كلّ مخلوق يراه .

 

 

 

 

 

 

 

ويستصحب معه دائماً ، أنه لا فاعلية في الوجود إلا لله .

هذا التصور لا يرى ، وليست العين لا ترى !

 

 

 

 

 

 

وهذا ما أراده الله تعالى ، منّا ؛ أن نعتقد بهذه الحقيقة – عقيدة جازمة – من خلال آيات القرآن الكريم .

 

 

 

 

 

حيث أن الله تعالى ، يبعد الأسباب الظاهرة – في هذه الآيات المباركة – ويصل الأمور مباشرة بمشيئته تعالى ، كقوله تعالى : (  وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) ، وقوله سبحانه : ( وما النصر إلا من عند الله  ) ، ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) .

 

 

 

 

 

 

وبهذه الطريقة ، وبهذه العقيدة ، سوف تنسكب الطمأنينة في القلب ، ولا يتّجه – صاحب هذا القلب –  إلا إلى الله تعالى ، ولا يخاف إلا من الله تعالى . ويسكن تجاه غير الله تعالى ، فلا يرجوهم ، ولا يخاف منهم . [  فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها  ] . كل وجود آخر ، إنبثق عن حقيقة الله ، فالله تعالى هو الخالق الوحيد !

 

 

 

 

 

وقال رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

[ وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد !

 

 

 

 

 

 

 

  ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوماتها ،

شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقا غير هذا الطريق  ] .

 

 

 

 

 

 

 

فالله سبحانه ، قد خلق الإنسان ، وجعله خليفة في الأرض ، وأراد منه مزاولة الخلافة ، مع هذه العقيدة السامية .

 

 

 

 

 

ولكن الصوفية لم يفهموا المسألة حق الفهم ، فجذبتهم إلى بعيد ؛ في الفهم والعمل

 

 

 

 

 

 

هذا ما قاله الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، في تفسيره لسورة الحديد ، وسورة الإخلاص .

الخلاصة

خلاصة ما قاله الشهيد :

 

 

 

 

 

أنّ الله تعالى ، وحده هو الموجود الحقيقي ، فليس هناك واجب الوجود إلا واحد وهو الله تعالى ،

والله سبحانه ، لم يستمد وجوده من أحد ، فهو لم يلد ، ولم يُخلق ، ولا يعتمد في وجوده وبقائه على أحد ، فوجوده ذاتي .

 

 

 

 

 

أما غيره من المخلوقات فليس لأحد منهم وجود حقيقي ؛ الذي لا يستمد وجوده من أحد ، ولا يعتمد على أحد .

 

 

 

 

فجميعهم استمدوا وجودهم من الله تعالى ، فهو خلقهم ، وأتى بهم إلى الوجود ، وبقاؤهم بيده تعالى ؛ متى أراد أفناهم .

 

 

 

 

وليس لأحد فاعلية حقيقية ؛ تؤثر في الأشياء ، في الوجود ، إلا لواحد ، أحد ؛ وهو الله تعالى ، لا شريك له .

 

 

 

 

فمتى استقر هذا الإيمان ، وهذه العقيدة في قلبٍ ، فسوف يعيش صاحبه ، حياة طيّبة مطمئنة ، لا يخشى أحداً ، ولا يرجو أحداً إلا الله تعالى .

 

 

 

 

 

 

هذه خلاصة ما قاله الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره لسورة الحديد ، وسورة الإخلاص .

 

 

 

 

فأدعو خصومه – قبل أحبّاؤه – أن يقرأوه بتدبّر – ويعيد النظر فيه ، ليتأكدوا بأنفسهم مدى الوهم والخطأ القاتل ؛ الذي وقع فيه الشيخ الألباني ، في اتّهامه للشهيد والمفكّر الكبير سيّد قطب ، رحمه الله تعالى . 

فما الذي أساء الشيخ الألباني من هذا التصور الراقي ، والتوحيد ، والعقيدة الصافية ، التي بيّنها الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ، فأثار حفيظته ، واتّهم الشهيد بتلك الموبقة ، الذي فضحه على رؤوس الاشهاد ؟

 

 

 

 

وأنا أعذر الشيخ الألباني ، في عدم فهمه لأقوال الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، لأن مستوى فهمه لا يرتقي إلى مستوى هذا العملاق و الأديب ، والمفكر الإسلامي !

 

 

 

 

 

ولكن لا أعذره أبداً في تسرّعه  لحكمه الجائر هذا ؛ المبني على الوهم ، والخطأ ، والظنون ، ثم نشره في مجلة بين المسلمين ، وبين مَن يتربّص بالمسلمين الدوائر !

 

 

 

 

وأعاتب – كذلك – بعض أحبّاء الشهيد ؛ من الذين دافعوا عن الشهيد تلك الفرية ، حيث كأنهم يعترفون – ضمناً – بأن أقوال الشهيد غير دقيق وقد يوحي بذلك البهت .

 

 

 

 

 

 

 

وأنا لا أقول بأن سيّد قطب معصوم ، ولكن ليس معنى ذلك أنه ، رحمه الله ، لابد وأن يأخطأ ، وليس خطأ إعتيادياً ، بل خطأ فادحاً ، وطامّة عظيمة !

 

 

 

 

 

ولقد ذكر العلماء الفرق بين المعصوم والمحفوظ ؛ فقالوا : الأنبياء معصومون ،

 والأولياء محفوظون .

 

 

 

        فنحن نعلم أن الصحابة ، رضوان الله عليهم ، لم يكونوا معصومين ، فهل يعني ذلك : أنهم لابد أن يخطئوا ، ويخطئوا أخطاء كبيرة ؟ !

 

 

 

 

 

        هلّا دلّنا أحدهم على الأخطاء الكبيرة ، التي ارتكبها أبو بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعليّ بن أبي طالب ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن مسعـود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وسعد بن أبي وقاص ، وأم سلمة ، وبلال بن رباح ، وخديجة بنت خويلد ، وعثمان بن مظعون ، ومصعب بن عمير ، وحمزة بن عبد المطلب ، و و و إلخ ، رضي الله عنهم .

 

 

 

 

 

        قال حذيفة بن اليمان t :

 

 

 

 

[  وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى.] [154] .

 

 

 

 

 

ما معنى قوله : المحفوظون ؟ !

 

 

 

 

 

 

        وكذلك فليدلّنا على الأخطاء الكبيرة لمحمد الباقر ، وجعفر الصادق ، وأحمد بن حنبل ، وإبراهيم بن أدهم ، وعبد الله بن المبـارك ، وجنيد البغدادي ، وعبد القادر الكيلاني ، والبخاري ، ومسلم ، و و و إلخ ، رحمهم الله تعالى .

 

 

 

        فقول : أن سيّد قطب غير معصوم ، ليس معناه : أنه لابد أن يخطأ ، وليس مجرّد خطأ إعتيادي ، بل خطأ ، لا بل أخطاء كبيرة وعظيمة ، وفي العقيدة !

 

 

 

ومَن يكتشف هذه الأخطاء ؟

 

 

 

يكتشفها عربان أميين – عقلاً ونفساً – يحاربون بها الداعية والمفكر الإسلامي العظيم ، ويتخندقون – ضده – في خندق أعداء الله ورسوله ، وكلّ ذلك باسم الإسلام ، وباسم الكتاب والسنة !

 

 

ولا ينسى أحد بأن خصوم الشهيد سيّد قطب ، ليسوا معصومين ، بل هم أقرب إلى الخطأ والقواصم ؛ وذلك بسبب مستواهم الثقافي المتدنّي !  

 

فهم الشيخ الألباني لتلك الكلمات الرائعة

 

كيف فهم الشيخ الألباني ؛ ذلك الكلام الرائع في تفسير سورة الحديد ، وتفسير سورة الإخلاص ، من كلام الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله تعالى ؟

 

 

 

وماذا قال عنه ؟ :

 

 

قال الشيخ الألباني في مجلة منشورة بين الناس :

 

 

 

 

 

[ ( إن قول سيد قطب في تفسير سورة الإخلاص وأول سورة الحديد : هو عين القائلين بوحدة الوجود . .

 

 

 

كل ما تراه بعينك فهو الله ، وهذه المخلوقات التي يسميها أهل الظاهر مخلوقات ليست شيئا غير الله . . وعلى هذا تأتي بعض الروايات التي تفصل هذه الضلالات الكبرى بما يرى من بعض الصوفيين القدماء من كان يقول " سبحاني ما أعظم شأني " والآخر الذي يقول " ما في الجبة إلا الله " . . .

 

 

 

 

هذا الكلام كله في هذين الموطنين من التفسير ]  .

 

 

 

 

 

هل قال سيد قطب : كل ما تراه بعينك هو الله ؟ !

 

 

 

 

والمخلوقات ليست شيئاً غير الله ؟ !

 

ردّ الشيخ عبد الله عزام

 

وسأنقل مـا ردّ به الشيخ عبد الله عزام ، رحمه الله ، في حينه ، على الشيخ الألباني ، عندما  سنّ هذه السنة السيئة ، نتيجة سوء ظنّه ، وتسرّعه ، وعدم فهمه للكلام !

 

قال الشيخ عبد الله عزام ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

[ إن سيد قطب لم يقل : إن كل ما تراه بعينك فهو الله ، وهذه المخلوقات التي يسميها أهل الظاهر مخلوقات ليست شيئا غير الله .

 

 

 

 

إن سيدا يقول : ( ومتى استقرهذا التصور الذي لايرى في الوجود إلا حقيقة الله ،

فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها ، وهذه درجة يرى القلب فيها يد الله في كل شيء يراه ، ووراءها الدرجة التي لايرى فيها شيئا في الكون إلا الله ، لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله ) .

 

 

 

إذن لم يقل - كما قال الشيخ الألباني - إن كل ما تراه بعينك فهو الله ، بل قال :    ( يرى القلب فيها يد الله في كل شيء ) ،

 

 

وشتان شتان بين رؤية القلب ورؤية العين .

 

 

 

وقال سيد : ( ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله ) ، وفاعل " يرى " في هذه الجملة الثانية : ضمير مستتر تقديره " هو " يعود على القلب في الجملة الأولى ، فعبارة الأستاذ سيد : تصور ، رؤية القلب ، إحساس داخلي .

 

 

 

 

وإن الإمام إبن القيم لا يعتبر هذا ولا أكثر منه صراحة من قبيل القول بوحدة الوجود ،

يقول إبن القيم في مدارج السالكين   :

 

 

[ وفرق بين إسقاط الشيء عن درجة الوجود العلمي الشهودي ، وإسقاطه عن رتبة الوجود الخارجي العيني ، فشيخ الإسلام - يعني الهروي صاحب منازل السائرين - بل مشايخ القوم المتكلمين بلسان الفناء هذا مرادهم ] [155] ،

 

 

 

 

هذه شهادة من إمام من أئمة السلف الذين يتذوقون أساليب البيان ، وتذوقوا طعم الأنس بالله من خلال السير صعدا على مدارج السالكين .

 

 

 

 

 

 

 

يقول إبن القيم هذا الكلام السابق في تفسير عبارات الهروي صاحب المنازل ،

 

 

 

يقول الهروي صاحب منازل السائرين : ( الفناء : هو اضمحلال ما دون الحق علما ، ثم جحداً ، ثم حقاً ، وهو على ثلاث درجات ) .

 

 

 

 

 

 

 

قال إبن القيم في تفسيرها : ( الفناء اضمحلال ما دون الحق جحداً ، لا يريد به أن يعدم من الوجود بالكلية ، وإنما يريد اضمحلاله في العلم . فيعلم أن ما دونه باطل ، وجوده بين عدمين ، وأنه ليس له من ذاته إلا العدم فعدمه بالذات ، ووجوده بإيجاد الحق له .

فيفني في علمه ، كما كان فانيا في حال عدمه ، فإذا فني في علمه ارتقى إلى درجة أخرى فوق ذلك ، وهي جحد السوى وإنكاره ، وهذه أبلغ من الأولى لأنهاغيبته عن السوى . فقد يغيب عنه وهو غير جاحد له ، وهذه الثانية جحده وإنكاره.

ومن ههنا دخل الإتحادي . وقال: المراد جحد السوى بالكلية ، وأنه ما ثَمَّ غيرٌ بوجه ما.

وحاشا شيخ الإسلام من إلحاد أهل الإتحاد ، وإن كانت عبارته موهمة بل مفهمة ذلك ،

وإنما أراد بالجحد في الشهود لا في الوجود ، أي يجحده أن يكون مشهودا ، فيجحد وجوده الشهودي العلمي ، لا وجوده العيني الخارجي ،

 

 

 

 فهو أولاً يغيب عن وجوده الشهودي العلمي ، ثم ينكر ثانياً وجوده في علمه . وهو اضمحلاله جحدا ، ثم يرتقي من هذه الدرجة إلى درجة أخرى أبلغ منها .  وهي اضمحلاله في الحقيقة ، وأنه لا وجود له البتة ، وإنما وجوده قائم بوجود الحق ،

 

 

 

 فلولا وجود الحق لم يكن هو موجودا ، ففي الحقيقة : الموجود إنما هو الحق وحده ، والكائنات من أثر وجوده ، وهذا معنى قولهم : إنها لا وجود لها ولا أثر لها ، وإنها معدومة وفانية ومضمحلة ) [156] .

 

نقف هنا وقفة قصيرة جداً ، قبل أن نكمل كلام الشيخ عبد الله عزام ، رحمه الله :

 

 

 

 

 

إقرأ هذا الكلام للحافظ إبن القيم ، رحمه الله ، الذي قاله ، جيّداً ، وبتدبّر :

 

 

 

 

[ ففي الحقيقة : الموجود إنما هو الحق وحده ] ! ! .

 

 

 

 

[  والكائنات من أثر وجوده  ] ! ! .

 

 

 

 

[ وهذا معنى قولهم : إنها لا وجود لها ولا أثر لها ، وإنها معدومة وفانية ومضمحلة  ] .

 

 

 

 

وماذا قال الشهيد سيد قطب ، رحمه الله ، غير هذا ؟ !

 

فهاهنا عدة إحتمالات :

 

 

 

 

1 – إما أن الشيخ الألباني ، وأمثاله ، ومريدوهم ، لم يقرأوا كتاب الحافظ إبن القيّم ، رحمه الله ، ( مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ) ، ولم يطّلعوا عليه !

2 – أو قرأوه ولكنّهم لم يفهموه !

3 – أو فهموه ، وعلموا أن الشيخ الهروي ، والحافظ إبن القيّم ، يقولان نفس كلام الشهيد سيّد قطب ، ولكنّهم سكتوا عنهما ، وأشهروا الإفتراء والطعن على الشهيد سيّد قطب ؛ لحاجة في نفوسهم ، والله تعالى ، بها عليم ! 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقال الشيخ عبد الله عزام ، رحمه الله تعالى :

 

 

 

 

[   أين عبارات سيد قطب من عبارات الهروي ؟ كل الذي قاله سيد : عدم رؤية القلب للأشياء لأنه متعلق بالحق ، بالوجود الحق ، فهذه الأشياء والمخلوقات لا يعلق بها القلب لأنه مشغول بالله ، فهي صغيرة حقيرة لا يراها القلب ولا يأبه لها فكأنها غير موجودة ،

فالقضية باختصار : إحساس قلبي ، ومشاعر نفسية ورؤية داخلية ببصيرته لا ببصره .

أما عبارات الهروي : ( اضمحلال ما دون الحق علما ، ثم جحدا ، ثم حقا ) ، 

 

 

 

 

( فـإذا فنـي فـي علمه ارتقى إلى درجة أخرى فوق ذلك وهي جحد السوى وإنكاره ) ، أي إنكار ما سوى الله وجحده ،

 

 

 

 

 

 

والعبارة واضحة في وحدة الوجود ، ومع هذا فإن إبن القيم رحمه الله ، يقول :

 

 

 

( وحاشا لشيخ الإسلأم – الهروي - من إلحاد أهل الإتحاد ، وإن كانت عبارته موهمه بل مفهمة ذلك ، وإنما أراد بالجحود في الشهود لا في الوجود ، أي يجحده أن

يكون مشهودا ، فيجحد وجوده الشهودي العلمي ، لا وجوده العيني الخارجي ) [157] .

 

 

 

 

 

 

ماذا نقول في سيد قطب لو قال بالدرجة الثالثة :

 

 

 

 

 

 

( ثم يرتقي من هذه الدرجة إلى درجة أبلغ منها وهي : اضمحلاله في الحقيقة ، وإنه لا وجود له البتة ) ، هذه عبارة ابن القيم في تفسير عبارة الهروي : ( ثم اضمحلاله حقا )

ويزيد ابن القيم في توضيح العبارة : ( وإنه لا وجود له البتة ، وإنما وجوده قائم بوجود الحق ، فلولا وجود الحق لم يكن هو موجودا ، ففي الحقيقة : الموجود إنما هو الحق وحده ، والكائنات من أثإر وجوده ، هذا معنى قولهم : إنهـا لا وجود لهـا ولا أثر لهـا ، وإنها معدومه وفانية ومضمحلة ) .

 

 

 

 

 

هل سمعت عبارة إبن القيم ؟ ( ففي الحقيقة : الموجود إنما هو الحق وحده والكائنات من أثإر وجوده )  .

 

 

 

 

ولقد دافع إبن القيم عن عبارات وأبيات للهروي خطيرة جدا [158]

 

 

 

 

 

يقول الهروي :

 

 

 

 

 ما وحد الواحد من واحد        إذ كل من وحده جاحد

توحيد من ينطق عن نعته       عارية أبطلها الواحد

توحيده اياه توحيده               ونعت من ينعته لحد

 

 

 

 

 

 

 

قال إبن القيم : ( ومعنى أبياته : ما وحد الله –عزوجل- أحد حق توحيده الخاص ، الذي تفنى فيه الرسوم . ويضمحل فيه كل حادث ، ويتلاشى فيه كل مكون ، فإنه لا يتصور منه التوحيد إلا ببقاء الرسم - وهو الموحد ، وتوحيده القائم به - فإذا وحده شهد فعله الحادث ورسمه الحادث ، وذلك جحود لحقيقة التوحيد ، الذي تفنى فيه الرسوم ، وتتلاشى فيه الأكوان ) .

 

 

 

 

 

ثم يقول إبن القيم : ( فرحمة الله على أبي إسماعيل ، فتح للزنادقة باب الكفر والإلحاد . فدخلوا منه. وأقسموا بالله جهد أيمانهم : إنه لمنهم وما هو منهم ، وغره سراب الفناء . . . وحاشا شيخ الإسلام من إلحاد أهل الإتحاد ) .

 

 

 

 

 

هذا موقف إمام من السلف - إبن القيم - من عبارات تكاد تكون صريحة في وحدة الوجود ، فليتنا إذ لم نقف موقف ابن القيم وهو موقف الدفاع والتوضيح وإزالة الغبش والغموض ،

أقول : ليتنا وقفنا موقف المحايد من الأستاذ سيد قطب ، لا الموقف الذي يحمل

العبارات التي فيها شيء من الخفاء والإجمال [159] على أسوأ تفسير وأخطر محمل فيقول : ( نحن لا نحابي في دين الله أحدا ، هذا الكلام كفر ) [160] ،

 

 

 

 

 

 

ولو تركنا هذه المسألة دون إثارة مافهم أحد من الناشئة أن هذا الكلام يشير إلى وحدة الوجود [161] . . .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويقول إبن القيم في المدارج :

 

 

 

 

 

( وَلَكِنْ فِي حَالِ السُّكْرِ وَالْمَحْوِ والِاصْطِلَامُ وَالْفَنَاءُ : قَدْ يَغِيبُ عَنْ هَذَا التَّمْيِيزِ ،

 

 

 

 

 

 

 

 وَفِي هَذِهِ الْحَالِ قَدْ يَقُولُ صَاحِبُهَا مَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ " سُبْحَانِي " أَوْ " مَا فِي الْجُبَّةِ إِلَّا اللَّهُ "

وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي لَوْ صَدَرَتْ عَنْ قَائِلِهَا وَعَقْلُهُ مَعَهُ لَكَانَ كَافِرًا، وَلَكِنْ مَعَ سُقُوطِ التَّمْيِيزِ وَالشُّعُورِ، قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ قَلَمُ الْمُؤَاخَذَةِ ) [162] .

 

إن سيد رأى تخاذل الناس أمام قوى الطغيان التي تستعبد الناس في الأرض ، فأراد أن يغرس في النفوس أن هؤلاء بقواهم وعددهم لا ينظر إليهم إذا نظرنا إلى وجود الله وقوة الله ،  فكأنهم غير موجودين ،

 

 

 

 

 

لأن القلب المرتبط بالله ينظر إلى القوة الحقيقية ، ينظر إلى جبار السموات والأرض ، إلى الذي يمسك السموات أن تزولا ،

 

 

فما هذا الغثاء وما بال هذا الزبد يطفو وينتفش ويستعلي على عباد الله ، وهو في حقيقته كأنه غير موجود

ويصرح سيد بهذا المعنى الذي يريد إقراره في النفوس في تفسير سورة الإخلاص

 

 

 

 

 

 

 

 

: ( كذلك سيصحبه    نفي فاعلية الأسباب ، ورد كل شيء وكل حدث ، وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثإرت . .

 

 

 

 

وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني ، ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله { وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى } ، { وما النصر إلامن عند الله } ، { وما تشاءون إلا أن يشاء

الله }

هذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة فجذبتهم إلى بعيد ) [163] ] .

 

ثم قال الشيخ عبد الله عزام ، رحمه الله :

 

[   ولقد حز في النفوس أن ينسب هذا الكلام – القول بوحدة الوجود - إلى الأستاذ سيد الذي جلى حقيقة التوحيد من كل غبش ، بل ركز معظم كتاباته على شرح معنى " لا إله إلا الله " ،

ونقل المعنى النظري للتوحيد إلى واقع حي متمثل في سلوك وحركات ، ودماء وتضحيات ، ولقد كانت حياته المليئة بصورالإعتزاز بالله ، والتوكل عليه والإلتجاء إليه خير شاهد

على أن توحيد الربوبية - التوحيد العلمي والنظري في القلب والنفس ، توحيد المعرفة والإثبات - قد جمع معه توحيد الألوهية - التوحيد العملي بالفعل – في واقع الحياة مشاعر وشعائر وكلمات ومواقف ،

 

 

 

حتى غدا المؤمن بهذا التوحيد كالشم الرواسي لا يزعزعه قوى الأرض ، ولا يهزه جبروت الطغيان .

 

 

 

 

 

وحسبك منه تلك الكلمات التي كانت تنبثق من أعماقه معبرة عن استقرار التوحيد في طياته ، تسمعه وهم يعرضون عليه الوزارة ، وهو رهين القيود يقول :

 

 

 

( إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة لترفض أن تكتب حرفا تقر به حكم طاغية ) .

 

 

 

 

 

تصغي إليه وهم يحاولونه أن يسترحم فيقول : ( لماذا أسترحم ؟! إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضى حكم الحق ، وإن كنت محكوما بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل)

 

 

 

 

ولقد حدثت شقيقته حميدة أمامي فقالت : ( يوم الأحد - 28 أغسطس 1966م جاء قرار الإعدام موقعا من رئيس الجمهورية - عبدالناصر - ولكنهم كما يبدو أوعزوا إلى مدير السجن الحربي حمزة البسيوني أن يحاوله الإعتذار حتى آخر لحظة ) .

 

 

 

 

 

قالت حميدة : ( دعاني حمزة البسيوني وأطلعني على مصادقة عبد الناصر على قرار الإعدام فارتعشت أوصالي ، لأني كنت أحب سيدا حبا يملك علي نفسي ، ثم قال حمزة : أمـامنـا فرصة أخيرة لإنقـاذ هذا العلامة لإن إعدامه خسارة كبرى للعالم الإسلامي ، فإذا اعتذر فإننا نخفف حكم الإعدام إلى السجن ثم يخرج بعفو صحي بعد ستة أشهر ، فبادري إليه لعله يعتذر ) .

 

 

 

قالت حميدة : ( فدخلت عليه وقلت له : إنهم يقولون : إن حكم الإعدام سيوقف فيما إذا اعتذرت .

قال سيد : عن أي شيء أعتذر ؟ ! عن العمل مع الله ؟

والله لو عملت مع غير الله لاعتذرت ، ولكنني لن أعتذر عن

العمل مع الله ،

 

 

 

 

 

ثم قال: إطمئني يا حميدة ، إن كان العمر قد انتهى سينفذ حكم الإعدام ، وإن لم يكن العمر قد انتهى فلن ينفذ حكم الإعدام ولن يغني الإعتذار شيئا في تقديم الأجل أو تأخيره ) .

 

 

 

يا لله ! حبل المشنقة يلوح أمام ناظريه ، ولا تهتز أوصاله ، ولا يضطرب موقفه ، ولا يتراجع عن كلمته ،

 

 

 

 

إنها القمة السامقة التي أحله فيها التوحيد ، إنها الطمأنينة التي سكبها الإيمان بالله في أعماقه ،

 

 

 

 

وهو كما يقول في مقدمة " في ظلال القرآن " :

 

 

 

 

( ومن ثم عشت في ظلال القرآن هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير،

 

 

 

 

عشت أرى يد الله في كل حادث ، وفي كل أمر ،

 

 

 

عشت في كنف الله وفي رعايته ،

 

 

 

عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها . . . { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }

 

 

أي طمأنينة ينشئها هذا التصور ؟ وأي سكينة يفيضها على القلب ؟ وأي ثقة في الحق والخيروالصلاح

أو أي استعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير؟ ) [164] .

 

 

 

نحن لا ننزه سيداً [165] من الخطأ ، وحاشا لله أن ندعى له العصمة ، إذ ما من إنسان إلا ويؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم - كما كان يردد إمام المدينة وعالمها مالك . . .

 

 

 

 

أما : أن يصل بنا الأمر أن ننسب إليه تلك العقيدة الفاسدة الضالة ، وهي : القول بوحدة الوجود ،

هذه القولة التي تكاد تخر لها الجبال هدّاً ، سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم .

 

 

 

 

 

 

إن وحدة الوجود تعني أن الخالق والمخلوق شيء واحد ، وأن الأثر هو المؤثر ، وأن الصانع قد ظهر في المصنوع لا انفصال ولا تباين .

 

 

 

 

 

إن وحدة الوجود تعني أن الحجر هو الله ، وأن الصحن هو الله ، وأن الحيوانات هي الله ، فلم يعد هنالك فرق بين من عبد الحجر والصنم والشمس وبين من يعبد الله ، لأنها كلها صور لشيء واحد هو الذات الإلهية - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا –

 

 

 

 

 

هل يصدق عاقل أن سيد قطب كان يعتقد أن عبد الناصر هو الله ، وأن حمزة البسيوني وشرطته هم صور الله ، وأن صفوت الروبي الجلاد هو الله ، وأن لافرق بين من يعبد ابن غوريون ودايان ، وبين من يعبد الرحمن  .

 

 

 

 

هل يصدق ذو لب أن سيد قطب كان يعتقد أن السجن الحربي هو الله  .

 

 

 

 

 

أو يدخل في عقل عاقل أن سيد قطب كان يظن أن الشجر والحجر والقرد ، و الخنزيز والكلب صور لله عزوجل - سبحانك يا رب ! إنها لحدى الكبر –  . . .

 

 

 

 

 

 

أحب أن أبين أن سيد قطب قد هاجم القول بوحدة الوجود بالنص .

 

 

 

 

 

 

 

يقول رحمه الله في تفسير قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ، بل له مافي السموات والأرض كل له قانتون ، بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } [166] .

 

 

 

 

يقول في تفسيرها  :

 

 

 

 

 

 

( والنظرية الإسلامية أن الخلق غير الخالق ، وأن الخالق ليس كمثله شيء . .

 

 

 

 

 

ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة وحدة الوجود - على ما يفهمه غير المسلم من هذا المصطلح-

 

 

 

 

أي بمعنى أن الوجود وخلقه وحدة واحدة ، أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق ، أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده ، أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس .

والوجود وحدة  في نظر المسلم على معنى آخر : وحدة صدروه عن الإراد ة الواحدة الخالقة ، ووحدة ناموسه الذي يسير به . . . ) [167] . . .

 

 

 

 

 

 

 

يقول  [ سيّد قطب ] في خصائص التصور الإسلامي :

 

 

 

 

( يقوم التصور الإسلامي على أساس أن هناك ألوهية وعبودية . . .

 

 

 

 

 

ألوهية يتفرد بها الله سبحانه ، وعبودية يشترك فيها كل من عداه . . .

 

 

 

 

وكما يتفرد الله – سبحانه - بالأولوهية ، كذلك يتفرد تبعا لهذا بكل خصائص الألوهية ،

وكما يشترك كل حي وكل شيء بعد ذلك في العبودية ، كذلك يتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الألوهية . .

 

 

 

 

فهناك إذن وجودان متميزان .

 

 

 

 

وجود الله ، ووجود ما عداه من عبيد الله ، والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق وإلاله بالعبيد ) [168] .

أرأيت إذن : إن عبارة نصه تقول :

 

 

 

 

 

 

( فهناك إذن وجودان متميزان ، وجود الله ، ووجود ما عداه من عبيد الله ، والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق والله بالعبد ) ،

 

 

 

 

هل بقي قول لقائل أن يدعي بأن سيد قطب يخلط بين الله وبين عبيده ، وأن

الله قد تجلى في صور مخلوقاته ، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد لا فرق بينها ولا تمايز ؟ ! .

 

 

 

 

 

 

ويقول سيد - رحمة الله عليه - في تفسير آية الإسراء { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد القصى } :

 

 

 

[ وتذكر صفة العبودية { أسرى بعبده } لتقريرها وتوكيدها في مقام الإسراء والعروج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر ،

 

 

 

 

وذلك كي لاتنسى هذه الصفة ، ولا يلتبس مقام العبودية ، بمقام الألوهية كما التبسا في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام ،

 

 

 

بسبب مالابس مولده ووفاته ، وبسبب الآيات التي أعطيت له فاتخذها بعضهم سببا للخلط بين مقام العبودية ومقام الولوهية . .

 

 

 

 

 

وبذلك تبقى للعقيدة الإسلامية بساطتها ونصاعتها وتنزيهها للذات الإلهية عن كل شبهة من شرك أو مشابهة ، من قريب أو من بعيد ) [169] .

 

ويقول رحمه الله عند آية : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، وأما الذين استنكفوا واستكبروا

فيعذبهم عذابا أليما ، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } [170]  :

 

[  لقد عني الإسلام عناية بالغة بتقرير حقيقة وحدانية الله سبحانه ، وحدانية لا تتلبس بشبهة شرك أو مشابهة في صورة من الصور ،

 

 

 

وعني بتقرير أن الله سبحانه ليس كمثله شيء ، فلا يشترك معه شيء في ماهية ولاصفة ولاخاصية ، كما عني بتقرير حقيقة الصلة بين الله سبحانه وكل شيء - بما في ذلك كل حي - وهي أنها صلة ألوهية وعبودية ، ألوهية الله ، وعبودية كل شيء لله . .

 

 

 

 

 

 

والمتتبع للقرآن كله يجد العناية ، فيه بالغة بتقرير هذه الحقائق أو هذه الحقيقة الواحدة بجوانبها هذه- بحيث لاتدع في النفس ظلا من شك أو شبهة أو غموض ،

 

 

 

 

 

 

 

ولقد عني الإسلام كذلك بأن يقرر أن هذه هي الحقيقة التي جاء بها الرسل أجمعون ، فقررها في سيرة كل رسول ، وفي دعوة كل رسول ، وجعلها محور الرسالة من عهد نوح عليه السلام إلى عهد محمد خاتم النبيين  - عليه الصلاة والسلام- تتكرر الدعوة بها على لسان كل رسول : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }

 

 

 

 

وكان من العجيب أن أتباع الديانات السماوية - وهي حاسمة وصارمة في تقرير هذه الحقيقة – يكون منهم من يحرف هذه الحقيقة وينسب لله - سبحانه - البنين والبنات ، أو ينسب لله سبحانه الامتزاج مع أحد من خلقه في صور الأقانيم ، اقتباسا من الوثنيات التي عاشت في الجاهليات !

 

 

 

 

 

ألوهية وعبودية . . . ولا شيء غير هذه الحقيقة ، ولا قاعدة إلا هذه القاعدة

ولا صلة إلا صلة الألوهية بالعبودية ، وصلة العبودية بالألوهية . .

 

 

 

 

 

ولا تستقيم تصورات الناس - كما لا تستقيم حياتهم - إلا بتمحيض هذه الحقيقة من كل غبش ، ومن كل شبهة ، ومن كل ظل !

 

 

 

 

أجل لا تستقيم تصورات الناس ، ولا تستقر مشاعرهم ، إلا حين يستيقنون حقيقة

الصلة بينهم وبين ربهم . .  

 

 

 

 

 

هو إله لهم وهم عبيده ، هو خالق لهم وهم مخاليق . . هو مالك لهم وهم مماليك .  وهم كلهم سواء في هذه الصلة لا بنوة لأحد . ولا امتزاج بأحد . . ومن ثم لا قربى لأحد إلا بشئ يملكه كل أحد ويوجه إرادته إليه فيبلغه : التقوى والعمل الصالح  . . وهذا في مستطاع كل أحد أن يحاوله . . .

 

 

 

 

إن المسيح عيسى بن مريم لن يتعالى عن أن يكون عبداً لله ، لأنه - عليه السلام - وهو نبي الله ورسوله -  خير من يعرف حقيقة الألوهية وحقيقة العبوديه ، وأنهما ماهيتان مختلفتان لا تمتزجان . وهو خير من يعرف أنه من خلْق الله فلا يكون خلق الله كالله أو بعضا من الله ! ) [171] . . .

 

وختاما :

 

 

 

 

ما أجمل أن ننهي هذا المقال بهذه الصورة التي تلوح لسيد في مخيلتي وهم يسوقونه إلى خشبة المشنقة ،

 

 

 

يتقدم إليه شيخ من المشايخ الرسميين الذين يمثلون عادة ، ليلقنوا الذي سيعدم كلمة الشهادتين ، إذ أن هذا من مراسيم عملية الإعدام ،

 

 

 

تقدم الشيخ إلى سيد فقال له : ( يا سيد ! قل أشهد أن لا إله إلا الله ) ،

 

 

 

 

 

فالتفت إليه الأستاذ سيد قائلا : ( حتى أنت جئت تتم المسرحية ،

 

 

 

 

 

نحن نعدم لأننا نقول لا إله إلا الله ، وأنتم تأكلون خبزا بلا إله إلا الله ، إتق الله يا هذا ، ولا تبق سيفا للظالمين ) . . .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لقد هال الأستاذ سيد الصمت الرهيب المطبق من قبل الجماهير المتفرجة على قمع الحركة الإسلامية واجتثات الإسلام من الجذور على يد الطواغيت المسمين بأسماء المسلمين ،

وفكر طويلا في سر موقف الجماهير غير عابئه ولا آبهة بما يجري للمسلمين من إبادة بين ظهرانيهم ،

 

 

 

فخرج بنتيجة : أن الجماهير لم تفهم " لا إله إلا الله " ،

 

 

 

 

 

ومن هنا نذر بقية حياته المباركة لتوضيح معنى لا إله إلا الله وتعميقها في النفوس حتى تؤتي ثمارها جنية مباركة في واقع الحياة .

 



[1] كان أبو ذؤيب الهُذليّ أحد الشعراء المُخضرَمين ، الذين عاشوا في الجاهليّة ، وأدركوا الإسلام . أسلم هذا الشاعر وحسُن إسلامُه ، وجاهدَ في سبيل الله وشارك في الغزوة التي فُتحِت من خلالها أفريقيا ،  في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفّان ، رضي الله عنه .

[2] وكان في الحقيقة واليقظة أيضاً كذلك ! أي : يوم الجمعة ، وقريباً من صلاة الجمعة !

[3] هكذا ( القطب ) ، وليس قطب !

[4] صحيح البخاري .

[5] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري – القسطلاني ( 9 / 289 ) .

[6]  فتح الباري – إبن حجر العسقلاني ( 11 / 342 ) .

[7] الصدر السابق ( 11 / 347 ) .

[8] وهذا غير الخشونة والقسوة والشدّة ؛ إشفاء لغليل النفس . وإنّما – في بعض المرّات – تستخدم الشدّة المخلصة ؛ لهز الشارد وإيقاظه من غفلته !

[9] الكافرون : 1 – 6 .

[10] في ظلال القرآن ( 6 / 3992 ) .

[11] المائدة : 17 .

[12] المائدة : 73 .

[13] سبأ : 24 .

[14] في ظلال القرآن ( 5 / 2905 ) .

[15] القيامة : 14 – 15 .

[16] إحياء علوم الدين ( 1 / 44 ) .

[17] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم ، وقالصحيح على شرط مسلم.

[18] الصحوة الإسلامية بين الإختلاف المشروع والتفرق المذموم – الدكتور يوسف القرضاوي . ص 24 - 28

[19] تفسير إبن كثير ( 2 / 93 ) .

[20] الأنعام : 55 .

[21] تفسير السعدي . ص 258 .

[22] لقمان : 14 – 15 .

[23] تفسير إبن كثير ( 6 / 337 ) .

[24] تفسير الشعراوي – الخواطر : محمد متولي الشعراوي ( 19 / 11640 ) .

[25] تفسير السعدي . ص 648 .

[26] البقرة : 120 .

[27] تفسير إبن كثير ( 1 / 402 ) .

[28] المائدة : 82 .

[29] أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير : أبو بكر الجزائري ( 2 /  4 - 5 ) .

[30] تفسير السعدي . ص 241 .

[31] المائدة : 5 .

[32] تفسير إبن كثير ( 1 / 42 )

[33] أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير : أبو بكر الجزائري ( 1 / 595 ) .

[34] النساء : 82 .

[35] متفق عليه .

[36] كيف يوفّق – خصوم سيّد قطب – بين هذه المودّة بين الرجل المسلم وامرأته النصرانية أو اليهودية ، وبين وجوب كره وبغض اليههود والنصارى ، وعدم التعامل معهم ، ولا تهنئتهم بأعيادهم ، ولا السلام عليهم ، كما يفهمون هم ويرون ؟ !

[37] متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6024) ، ومسلم في السلام (2165) ، عن عائشة.

[38] فالتوى تتغيّر بتغيّر الرمان ، والمكان ، والأشخاص ، والعرف والعوائد ، كما قرّر ذلك تلميذه إبن القيّم في كتابه ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) ، رحمهما الله .

[39] من هدي الإسلام ، فتاوى معاصرة ( 3 / 668 – 673 ) .

[40] رواه البخاري في الجنائز (1356) ، عن أنس بن مالك.

[41] رواه أحمد ( 6496 ) وقال مخرجوه : إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأبو داود في الأدب ( 5152 ) ، والترمذي في البر والصلة ( 1943 ) وقال : حسن غريب . وقد روي هذا الحديث الوصية بالجار من طرق كثيرة ، وعن عدد من الصحابة ، وفي الشيخين وغيرهما .

[42] تفسير الزمخشري ( 1 / 545 ) .

[43] عنوان كتاب ، للمستشار الدكتور علي جريشة .

[44] إسحاق بن عبد الله السعدي (2013)، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، صفحة 304، جزء 1. بتصرّف

[45] عبد الله محمد الصالح ، المدخل إلى دراسة الفقه الإسلامي، صفحة 18-20. بتصرّف

[46] سورة النساء، آية : 23 .

[47] تعريف الشريعة الإسلامية - ناتاشا عيسى .

[48] ربّما اقتصر فهم خصوم الشهيد ، عن السنة بأنها : صلوات غير مفروضة ، وصيام تطوّع ، واستخدام السواك ، والدخول إلى المساجد بالرِجل اليمنى ، وما شابه ذلك ! ونحن مع تعظيمنا لهذه الأمور ، إلّا أنّنا فهمنا من السنة ، إضافة إلى هذه التعاريف الفقهية : أنها منهج رسول الله r في الحياة ، وكيفية تطبيقه لشرع الله في الدنيا !  

[49] سورة هود ، آية : 46 .

[50] جامع البيان في تأويل القرآن ( 15 / 350 ) .

[51] سورة الأعراف ، آية : 143 .

[52] نفس السورة والآية .

[53]  كلمة ( الجاهلية ) – إذن – إستخدامها هو إستخدام شرعي ، جاء ذكرها في القرآن الكريم ؛ وصفاً لبعض الأعمال المنكرة !

[54] سورة الأحزاب ، آية : 33 .

[55]  تفسير ابن كثير ( 6 / 410 ) .

[56] أوضح التفاسير : محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب . ص 513 .

[57] تفسير السعدي . ص 663 .

[58]  وهذا هو رسول الله r ، يستخدم كلمة ( الجاهلية ) ؛ وصفاً لبعض الأعمال والتصرفات المنكرة ، اقتداءً بالقرآن الكريم . فليحذر الذين ينتقدون استخدام هذه الكلمة ؛ وهم يريدون الطعن في الشهيد سيّد قطب . 

[59]  متفق عليه .

[60]  متفق عليه .

[61]  شرح النووي على صحيح مسلم ( 11 / 132 – 133 ) .

[62]  فتح الباري ( 1 / 85 ) .

[63] فتح الباري ( 10 / 468 ) .

[64] فتح الباري ( 1 / 87 ) .

[65]  وللطرفة : ذكروا أنّ أحد الدعاة في بلد من البلدان الغربية كان يلقي محاضرة ، وهو لابس بانطلون وجاكيت وربطة عنق ، فسأله أحد من هؤلاء – وهو يريد إحراج الداعية – وقال : ما كان زيّ النبيّ ، الذي كان r  يلبسه ؟ فقال الداعية : كان كملابس أبي جهل .

[66] صحيح البخاري .

[67]  [ قال الشيخ الألباني ] : صحيح - الأدب المفرد :  البخاري -  المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي . ص143

 

[68] مسند الإمام أحمد ( 7 / 323 – 324 ) .

[69] صحيح البخاري .

[70] الأنعام : 55 .

[71] تفسير السعدي : 258 .

[72]  منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة الباري» - زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري الشافعي ( 1 / 221 ) .

 

[73]  فيض الباري على صحيح البخاري : ( أمالي ) محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي ثم الديوبندي ( 1 / 222 ) .

[74] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( 1 / 279 ) .

[75]  متفق عليه .

[76] شرح صحيح البخارى لابن بطال ( 10 / 18 ) .

[77] الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ( 1 / 87 ) .

[78]  منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى « تحفة الباري » : زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري ، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري الشافعي  ( 1 / 365 ) .

[79]  سورة الحجرات ، آية : 9 – 10 .

[80] صحيح مسلم .

[81] وهـا هـو القاضي عياض أيضاً – كغيره من الأئمة والعلماء ، الذين ما أشرت إليهم – يستخدم كلمة الجاهلية !

[82] وهذه مرة أخرى يستخدم النبيّ r ، كلمة : الجاهلية !

[83] إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم ( 1 / 326 ) .

[84] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ( 2 / 57 ) .

[85]  كشف المشكل من حديث الصحيحين ( 3 / 556 ) .

[86] التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ ( 1 / 358 ) .

[87] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ( المسمَّى :الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) - جمع وتأليف: محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي ( 2 / 534 ) .

[88] ورواه الإمام أحمد في مسنده ،  والنسائي في سننه الكبرى ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن الكبرى ، والحاكم في المستدرك ، وقال  هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا تُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ . . . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا»  ووافقه الذهبي وقال : صحيح ولا تعرف له علة . وقال الشيخ الألباني : صحيح ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد . وفي مكان آخر : إسناده قوي      

[89] ورواه الإمام أحمد في مسنده ، والنسائي في سننه ، والبيهقي في السنن الكبرى ، والجامع الصحيح للسنن والمسانيد . وقال الشيخ الألباني ، رحمه الله : صحيح .

[90] صحيح البخاري

[91] صحيح مسلم .

[92] موسوعة الألباني في العقيدة - شادي بن محمد بن سالم آل نعمان ( 4 / 365 / 367 ) .

[93] صلَة بن زفر التَّابِعِيّ الْكَبِير من أهل الْكُوفَة ، صاحب حذيفة بن اليمان .

[94]   سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ( 1 / 175 – 177 ) .

 

[95] صحيح البخاري .

[96] صحيح البخاري .

[97] صحيح البخاري .

[98]  قال الشيخ الألباني : صحيح .

[99]  أخرجه الشيخان .

[100] متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري =.

[101]  سنن ابي داود – شعيب الأرنؤوط ( 7 / 75 – 76 ) .

 

[102] وهو كذلك !

[103] الوجيز في أصول الفقه . ص 402 – 406 .

[104] الملكة صفة في النفس ، تطلق على مقابلة العدم . وهي تعين الشخص على سرعة البديهة في فهم الموضوع وإعطاء الحكم الخاص به ، والتمييز بين المتشابهات بإبداء الفروق والموانع، والجمع بينها بالعلل والأشباه والنظائر وغير ذلك .

[105] مجموع الفتاوى ( 7 / 619 ) .

[106] المصدر السابق ( 12 / 487 )

[107] مجموع الفتاوى ( 10 / 372 ) .

[108] المصدر السابق ( 12 / 498 )

[109] الماعون : 4 – 7 .

[110] عندما أطلق على أمثال هؤلاء كلمة : ( الشيخ ) ، فأقصد به من ناحية العمر ، وليس بمعنى لقب ديني ، وليس بمعنى أنهم علماء ، لأنهم ليسوا بعلماء ، بل هم حفاظ نصوص ، فليعلم ذلك .

[111] فردّ منكراته في هذا الشرح ، يحتاج إلى رسالة خاصة .

[112] يونس : 18 .

[113] الزمر : 3 .

[114] ص 10 .

[115] التوبة : 34 .

[116] المائدة : 77 .

[117] ص 38 .

[118] البقرة : 101 – 102 .

 

[119] ص 45 .

[120] ليس هنا مجال للردّ على هذه الترهات والأكاذيب ، فهذا له مكان آخر .

[121] ص 47 .

[122] ص 50 .

[123] البقرة : 79 .

[124] ص 55 .

[125] ص 58 .

[126] ت ( 3104 ) ، هق ( 10 / 116 ) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه . ( حسن ) .

[127] فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد . ص 84 – 85 .

[128] التوسل أنواعه وأحكامه . ص 89 – 90

[129] مقدمة آداب الزفاف ص 50 .

[130] صحيح مسلم .

[131] تعريف التوحيد وأقسامه – كتابة رانيا سنجق .

[132] مقدمة آداب الزفاف . ص 8 .

[133] الأنعام : 55 .

[134] وأمثالهم يستغلون ألقابهم – التي يعطيها لهم أتباعهم المقلّدين لهم ، ظلماً وزورا .

[135] التوبة : 97 – 98 .

[136] الحجرات : 14 .

[137] التوبة : 99 .

[138] يونس : 39 .

[139] لا يستغربن أحد في إطلاقي كلمة ( الشهيد ) على الأستاذ الكبير  سيّد قطب ، رحمه الله. وإذا دقّقنا قليلاً رأينا : أنّ هذا الإستغراب قد يكون من وحي خصوم الشهيد الأميين ! فهو ليس فقط شهيدا ، بل – إن شاء الله تعالى – سيّد الشهداء !

            قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ , فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ , فَقَتَلَهُ " [ قال الشيخ الألباني بعد مناقشته لطرق الحديث :  اطمأن القلب لثبوت الحديث، فاقتضى ذلك إيراده في هذه السلسلة، والحمد لله على توفيقه وفضله (  سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ( 1 / 718 ) ] .

[140] صحيح البخاري .

[141] بل لعل الشيخ الألباني في وقته كان هو أيضاً يعيش في المملكة العربية السعودية ، ولعلهم التقوا مراراً . والله أعلم .

[142] ليس هنا مجال للردّ على تلك الأفهام البدوية الخاطئة !

[143] في ظلال القرآن ( 6 / 3479ة- 3480 ) .

[144] الحج  : 46 .

[145] الأعراف " 179

[146] البقرة : 255 .

[147] الأعلى : 2 – 3 .

[148] من كتـــاب " رأيـت اللــّــه "   

[149] يونس : 101 .

[150] الرعد : 2 – 4 .

[151] النحل : 3 – 17.

[152] في ظلال القرآن ( 6 / 4002 – 4003 ) .

[153] الأنبياء : 69 .

[154] أخرجه الترمذي في سننه ، وقال :  هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ  ( 6 / 151 ) .

 

[155] ( 1 / 152 ) .

[156] مدارج السالكين شرح منازل السائرين ( 148 – 150 ) .

[157] هكذا يكون موقف العلماء الربّانييّن ، من أخطأ العلماء ، وكيفية تفسير أقوالهم الخاظئة بأحسن تفسير ، لا مثل موقف مَن يطعن ويفتري على الدعاة والمفكرين والشهداء ؛ بما هم منه براء ! 

[158] مدارج السالكين ( 1 / 147 ) .

 

[159] لا فيها خفاء ، ولا إجمال ، ولماذا نحن لم نفهم منها ، ما فهمه أولئك  ؟ !

[160] كلام سيّد قطب – الذي يقول عنه إنه كفر – هو قمّة التوحيد والإيمان !

            واتهام كلام سيّد – في التوحيد والإيمان – بالكفر ، لا يُعتبر تكفيراً . ولكن سيّد قطب إذا وصف الأنظمة والمجتمعات التي مرجعيتها في المباديء ، والقيم ، والموازين ، غير الكتاب والسنة ، إذا وصفها وصفاً شرعياً ، فقال : هي جاهلية . قالوا : هذا تكفيرٌ للمسلمين !  

[161] وكيف يتركونها وهم يبحثوب – تحت الأرض – عن – عسى – زلة ، سقطة ، خطأ ، من الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ! فيطيروا بها ، ولكن لا ننسى أن هذا البحث هو من أجل الله تعالى ، ولوجه الله خالصاً مخلصاً !

[162] ( 1 / 155 ) .

[163]  تفسير سورة الإخلاص ، في ظلال القرآن ( 6 / 303 ) .

 

 

[164] ص 13 دارالشروق .

[165] وهل سيّد قطب وحده ، هو غير منزّه ؟ والشيخ الألباني والفوزان وأمثالهما ، منزّهون عن الخطأ ؟ !

[166]  البقرة :117 .

[167] ( 1 / 106 ) دار الشروق .

[168] خصائص التصور . ص 308  ط الإتحاد الإسلامي العالمي .

[169] أنظر في ظلال القرآن ط / دارالشروق ( 4 / 2211 ) .

[170] النساء : 172 .

[171] في ظلال القرآن ( 2 / 818 – 820 ) .