الأحد، 29 نوفمبر 2020

الضوابط الشرعية (أو التأصيل الشرعي) للتعايش و الفرق بين التقييم والتعامل؟!

الضوابط الشرعية (أو التأصيل الشرعي) للتعايش
1- الفرق بين التقييم والتعامل:
إن تقييمنا الإنسان ما يختلف عن التعامل معه، فالتقييم شيء والتعامل شيء آخر.فليس بالضرورة إذا كان تعاملك مع إنسان ما حسن وجيد أن يكون تقيمك له أيضاً حسن وجيد.
•فالله سبحانه قد قال عن اليهود – مثلاً ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ..[ وقال تعالى أيضاً *ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم..) فهذا هو التقييم.
أما عن التعامل معهم ، فقد كتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الوثيقة في المدينة والتي هي الدستور في لغة العصر فجاء فيه(وان يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم،إلا من ظلم وأثم فانه يؤاخذ إلا نفسه وأهل بيته وأن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بني عوف ،وان ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف،و ..وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ،وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم :وانه لم يأثم امرؤ بحليفه وان النصر للمظلوم ،وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين...).
وفي صحيح البخاري ( توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودرعه مرهونة عند يهودي).
•وكذلك قال سبحانه وتعالى عن الوالدين المشركين ]وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً[.
فمن ناحية ( التقييم) :إن الوالدين هنا مشركين كفرة لا يرضى الابن عن دينهما ،أما من ناحية (التعامل) فيجب على الابن البار مصاحبتهما في الدنيا معروفاً.
فتعاملنا مع إنسان ما ليس معناه رضاؤنا عنه وعن دينه ومبادئه وإلا لما كنا نختلف معه.
•وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) (بئس أخو العشيرة)
لقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالرحمن الرحيم ،وقال المفسرون:رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.أي إن إحسان الله سبحانه يعم المسلمين والكافرين في الدنيا،أما في الآخرة فيخص المسلمين ولذلك نرى الله سبحانه يرزق أناسا مشركين كفرة وملحدين وعابدي الأوثان يسبون الله ورسوله ومع هذا يرزقهم ويحلم عنهم، أما في الآخرة فينتقم منهم ولا يرحمهم. قال تعالى ]ورحمتي وسعت كل شيء [ فهذه في الدنيا أما في الآخرة فسأكتبها للذين يتقون فهو تعالى (حليم في الدنيا) و(منتقم في ألآخرة).
وقال تعالى( لا إكراه في الدين )
فالدولة ألإسلامية ليست معناها دولة المسلمين . وذلك لأنه قد تعيش أجناس مختلفة تحت راية الدولة الإسلامية كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم كما رأينا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم.
فكما قال الشيخ القرضاوي (كل مسلم إسلامي وليس كل إسلامي مسلم)
2- التعاون على ماذا ؟ وليس التعاون مع من ؟
قد يعترض البعض فيقول :لماذا تتعاونون مع الأحزاب الشيوعية والآشورية ؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن (حلف الفضول) (ما شهدت من حلف إلا حلف المطيبين وما أحب أن انكثه وأن لي حمر النعم) ومن مرسل طلحة بن عوف نحوه وزاد (ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت).
وقال الله تعالى ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ وقد رأينا في (وثيقة المدينة) التي كتبها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول عن اليهود (وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم).
· التعاون في صد فيضان المدينة أو حريق عام أو ..
3- الفرق بين أحكام الباطن وأحكام الظاهر:
نحن علينا الظاهر وليس الباطن فـ (إنما الأعمال بالنبات) فهذا للآخرة أما في الدنيا (إنما النيات بالأعمال) وقد قالوا لاتصرف عنوان التصور وقد قال عمر بن الخطاب :اناالوحي قد انقطع فمن أظهر لنا الحسن عاملناه بالحسنى ومن أظهر لنا غير ذلك عاملناه حسب ذلك وليس علينا معرفة السرائر..أو كلاماً هذا معناه. وهناك المصالح المشتركة التي تربط بين الطرفين فيتعاونان معاً ليحقق كل منهما مصلحته الخاصة.
*مثال : دليل الهجرة حيث كان كافراً فعل ذلك مقابل المال وليس لله بخلاف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر الصديق (رضي الله عنه) .
* وكذلك قول الله تعالى ]منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد ألآخرة[
يقول الأستاذ ألنورسي : ( أنت تحفر بئراً تريد الماء ، فيأتي شخص فيقول..أنت تبحث عن الذهب وسأساعدك بشرط أن يكون نصف الذهب لي). فإذا اخرج الذهب فليكن مناصفة حيث لا تخسر شيئاً .وإذا أخرج الماء إلى حال سبيله!.
4- أحكام الحرب وأحكام السلم :
إن أحكام الحرب تختلف عن أحكام السلم ،ويجب علينا أن نفرق بين الآيات التي نزلت أيام الحرب والآيات التي نزلت في زمن السلم فنضع كل آية في موضعها.
فمثلاً قال الله سبحانه وتعالى ] لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ..[ وقال الله تعالى ]ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم...[ .ومع كل هذا روى البخاري في صحيحة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توفي ودرعه مرهونة عند يهودي ) وللمسلم ان يتزوج من اله الكتاب ان لم يكن هناك حرب بينهم وبين المسلمين وهي تبقى على دينها ولا يجبرها قال تعالى ] لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون[
وهناك اختلاف بين السلف في إبداء السلام مع اليهود والنصارى وجواب سلامهم ،وقد قيل :عدم إبداء السلام لهم وتضييقهم في الطريق كان ذلك حكماً خاصاً ببني قريظة عندما أنطلق المسلمون إليهم ،وكل ذلك زمن الحرب ،ذكر ذلك الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) عام الوفود.
ففي زمن الحرب لا يبدأون بالسلام .أما في زمن السلم فقد قال تعالى ]وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها[
5- هناك أحكام عمومية وأحكام جزئية:
يجب أن نفرق بين الأحكام الجزئية والأحكام العمومية ، فلا نسحب الأحكام الجزئية على الأحكام العمومية،فقد يأتي نص في حكم جزئي معين ،من الخطأ أن نجعله قاعدة فندخل تحتها كل الحالات والأشخاص.
على سبيل المثال (الكفر ملة واحدة) فهذا القول ليس بآية ولا حديث ،بل يقال انه قول الإمام الشافعي رحمه الله ، وهو رحمه الله لم يأت به ليتعامل المسلم مع الكافرين على ضوءه ، بل قال هذا القول في مسألة الميراث فقد (قال إبن الكثير) استدل الشافعي وغيره على أن الكفر ملة واحدة فورث اليهودي من النصراني وبالعكس بخلاف أحمد . فنحن نعلم أن الكافرين ليسوا كلهم سواء فيجب أن نفرق بينهم ،قال تعالى] ليسوا سواءٌ من أهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين _وما يفعلوا من خير فلن يكفروه _ والله عليم بالمتقين[وقال تعالى ] ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك[ وقال تعلى ] لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا....ولتجدن أقربهم مودةً[ ويقول تعالى ]لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ...إنما ينهاكم [ فهذه الآيات الكريمة تفرق بين الكافرين ولا تجعلهم في مرتبة واحدة.
وكذلك يجب في تعاملنا معهم أن نفرق بينهم فلا نجعل كلهم من أشد الناس عداوة وإلا كيف صح لنا زواج الكتابيات ومعاشرتهن وكيف صح لنا وأحل لنا طعامهم وزيارتهم ومصاهرتهم...؟
6- نفرق بين الكافر وصفاته والمسلم وصفاته !
يجب علينا أن نفرق بين الإنسان وصفاته فهناك صفات طيبة ومحمودة في بعض الكافرين لا يحملنا كفره على ذم تلك الصفات المحمودة فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأشج بن عبد قيس عندما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة).
وهناك صفات محبوبة محمودة مثل النضال والوقوف أما الظلمة والطغاة والمتجبرين ،والدفاع عن حقوق المظلومين ،ففي مدح الأحزاب الشيوعية –مثلاً- أو ألآشورية ينصب المدح على هذه الصفات وليس على أشخاصهم ،فنحن نمدح الأحزاب من أجل هذه الصفات الحميدة ولا نمدح الحركات الإسلامية التي تضرب أقوامهم وتقاتلهم لأنها غير حميدة ربما نقتدي بعبد الله بن أبي سلول من حيث لا تدري!
قد يتساءل بعض المسلمين فيقول (عن الله سبحانه وتعالى قال ]ولن نجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً[ والآن الكافرين هم الذين سيطروا على المسلمين وأمورهم بأيدي أولئك فكيف حدث ذلك؟فيقال في الجواب هؤلاء كفرة بصفات مؤمنة انتصروا على المسلمين الذين صفاتهم صفات الكفر والكفرة كالتحاسد والتفرقة ومحاربة بعضهم البعض والحقد والبغض و...الخ
قال ابن تيمية رحمه الله (إن الله لينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة).
· ]ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها[ من قتل مؤمناً من أجل إيمانه وليس من اجل ماله أو شيء آخر فتختلف ألأحكام حسب النيات والمقاصد.
فصل في هديه (صلى الله عليه وسلم) في السلام على اهل الكتاب:
صح عنه صلى الله عليه انه قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق ،لكن قد قيل إن هذا كان في قضية خاصة لما ساروا إلى بني قريظة قال (لا تبدؤوهم السلام) فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقاً أو يختص بمن كانت حاله بمثل حال أولئك ؟ هذا موضع نظر ولكن قد روى مسلم في صحيحه من حديث إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال(لا تبدؤو اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه)والظاهر أن هذا الحكم عام.
وقد أختلف السلف والخلف في ذلك فقال أكثرهم لا يبدؤون بالسلام وذهب آخرون إلى جواز ابتداءهم كما يرد عليهم ،روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه الله ولكن صاحب هذا الوجه قال له السلام عليك فقط بدون ذكر الرحمة وبلفظ الإفراد ،وقالت طائفة يجوز الإبتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون له إليه أو خوف من أذاه او لقرابة بينهما أو لسبب يقتضى ذلك يروى ذلك عن إبراهيم ألنخعي وعلقمة،وقال ألأوزاعي ان سلمت فقد سلم الصالحون وان تركت فقد ترك الصالحون.
واختلفوا في وجوب الرد عليهم، فالجمهور على وجوبه وهو الصواب ،وقالت طائفة لا يجب الرد عليهم كما يجب الرد على أهل البدع وأولى فالصواب الأول ،والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيزاً لهم وتحذيراً منهم بخلاف أهل الذمة.
فصل :
وثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) انه مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم ،وصح عنه أنه كتب إلى هرقل وغيره،السلام على من أتبع الهدى._