الجمعة، 24 أبريل 2020

مسألة “مجازر الإبادة” المزعومة بحق الشعب الأرمني.

بين كل فترة وأخرى وفي كل مناسبة، تحاول بعض الجهات إثارة مسألة “مجازر الإبادة” المزعومة بحق الشعب الأرمني.

وفي كل مناسبة وردا على تلك المزاعم، يجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعوته لمن يدعي تعرض الأرمن لـ”الإبادة” عام 1915، إلى فتح الأرشيف قبل الافتراء على الآخرين، موجها في الوقت ذات رسائل لأولئك المدعين مفادها “إن كنتم واثقين فعلا من ادعاءاتكم فتفضلوا لنفتح معا كتب الأرشيف”.

وتملك تركيا في جعبتها ملايين الوثائق التي تدحض مزاعم ما يسمى”ارتكاب مجازر جماعية بحق الأرمن”، في حين يؤكد أردوغان أن “قضية الأرمن مجرد ابتزاز لتركيا، وسيرى الأرمن الحقيقة بأنفسهم”.

وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي هيثم بدرخان لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “أمريكا وبعض الدول الأوربية تحاول استخدام تلك القضية كورقة ضغط سياسي على تركيا في أكثر الأحيان”.

وأضاف بدرخان أنه “لا يكفي اليوم للمؤرخين أن تفتح تركيا أرشيف تلك المرحلة وحول هذه المجازر، إذ يشير المتحف التاريخي في فرنسا إلى وجود 164 شخصا موثقين بالأسماء من الأرمن الذين قتلوا بتلك الفترة، ولهذا لا بد لبريطانيا وفرنسا وروسيا وإسبانيا وألمانيا أن يفتحوا أرشيفهم ليصل المؤرخون إلى نتيجة أقرب إلى الحقيقة”.

وتابع بدرخان أنه “يجب ألا يغيب عنا أن نعرف أن أرمن تركيا يختلفون عن أرمن أرمينيا الذين قدموا الولاء لروسيا القيصرية، بينما رفض أرمن تركيا ذلك لأنهم كانوا يسيطرون على أسواق تركيا وخاصة جنوبي وشرقي الأناضول ومناطق أخرى، ما دفع الآخرين إلى التنافس وحبك لعبة سياسية ضد الأرمن، مستخدمين عصابات ومسلحين لارتكاب المجازر بحقهم”.

ولو عدنا إلى تاريخ تلك المرحلة عام 1915، للوقوف على تفاصيل ما جرى، فإن المتابع للأحداث التي تكشفها تركيا وبكل وضوح يجد عكس ما تدعيه بعض الدول والتنظيمات والتي تتهم تركيا بـ”الإبادة” المزعومة.

ففي ذلك الوقت تعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.

وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول، لقي دعما كبيرا من المتطوعين الأرمن العثمانيين، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي، كما حاولت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطيل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية وإعاقة تقدمه، إضافة إلى ارتكاب العصابات الأرمنية مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلتها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 آيار/مايو 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.

ومع أن الحكومة العثمانية خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.

وحول ذلك قال الباحث التاريخي عمر الحسون لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن ” هناك مجازر ارتكبها الأرمن بحق المسلمين شرقي تركيا عام 1915 وبشهادة ضباط روس ودبلوماسيين روس في ذلك الزمن، حيث دونوا ما شاهدوه وما نقلوه عن شهود عيان”.

وأضاف الحسون أن “الأرمن قاموا في تلك الفترة وبإيحاء من روسيا القيصيرية بالهجوم على المناطق الإسلامية العربية والكردية والتركية شرقي الأناضول، فقتلوا مئات آلاف المسلمين في وقت انشغال الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى، ما اضطر الحكومة المركزية في إسطنبول إلى نقل الأرمن من شرقي الأناضول إلى جنوبه، وتحديدا إلى ولايتي حلب ودمشق”.

وأشار الحسون إلى أنه “من جملة المؤامرات التي حاكها البريطانيون والروس ضد الدولة العثمانية، تحويل الظالم الأرمني إلى مظلوم كورقة ضغط على تركيا المستقبلية، إذ يعلم الروس مدى كذب هذه المعلومة كما يعلم البريطانيون والفرنسيون أيضا أنها محض افتراء على تركيا حولوا بموجبها الجاني إلى مظلوم”.

وأضاف الحسون أن “البريطانيين قاموا عند احتلال حلب بطرد اليهود من بعض الأحياء وتوطين الأرمن محلهم، وقد أسمى بعض كبار السن هذه الحادثة بحادثة (مزرعة الخنازير) التي كان الأرمن يريدون بناءها فوق مزرعة تعود لرجل يهودي في منطقة الداوودية التي كانت أملاكا لليهود، وكل ذلك مكافأة من البريطانيين للأرمن على جرائمهم في تلك الفترة دون أن يتطرقوا للحقيقة”.

وفي 24 نيسان/أبريل من كل عام، يحي الأرمن ما يسمونه “الذكرى السنوية لضحايا المجزرة”، محملين تركيا المسؤولية عنها، الأمر الذي ترى فيه تركيا أنها ورقة ابتزاز ضدها، وسرد تاريخي لأحداث ملفقة غير صحيحة.