الأربعاء، 26 يونيو 2019

طاعة ولي الأمر لا تعني اتباعه في الباطل..

  

 أثارت مواقف وفتاوى بعض علماء الدين والهيئات الشرعية في السعودية ومصر حول الحصار على قطر ومحاولة إسباغ الشرعية عليه الكثير من الجدل، كيف يمكن تفسير هذه المواقف؟ وهل يمكن تصنيفها في خانة الدين أم السياسة، لا سيما وأن الكثيرين من هؤلاء الأفراد والمؤسسات كانت لهم مكانتهم الدينية والاعتبارية؟
لقد كتبت وقلت مرارا إن العالم إذا فقد استقلاليته العلمية فقد أصيب في مقتل. والآن المؤسسات الدينية التي ذكرتها كلها تابعة وخاضعة ومؤتـمِرةٌ بأمر حكامها. لقد بات معروفا أن عددا من مؤسسات العلماء مؤممة ومملوكة، تماما مثل الشركات والمرافق الحكومية. ولذلك تجد الشباب والمثقفين وعامة الناس غير عابئين بما تقوله هذه الهيئات وهؤلاء العلماء؛ لأنهم أصبحوا مجرد ببغاوات يرددون ما يقوله الحاكم ووسائل إعلامه. فهم ينطقون بالسياسة ومتطلباتها، لا بالعلم ومقتضياته.
المؤسسات والهيئات الدينية والمشايخ يبدو أنهم منقسمون بشدة تجاه الأحداث الحاصلة سواء في الأزمة الخليجيةالراهنة أو قبلها وفي محطات كثيرة، ترى كيف يؤثر ذلك على جمهور المسلمين؟
نعم ينقسم العلماء الرسميون المؤمَّـمون أولا بانقسام دولهم وأنظمتهم الحاكمة؛ لأن العالم الرسمي أصبح بمثابة الناطق الديني لدولته ولرئيس دولته. ثم ينقسم العلماء من جهة أخرى ما بين علماء مرسَّمين وعلماء مستقلين. والجمهور عادة ينصت للعلماء المستقلين، ولا يأبه لأبواق السلطة الحاكمة. وما زلت أذكر أحد كبار العلماء المستقلين بمدينة طنجة، قبل ثلاثين عاما أو تزيد، صعد منبر الجمعة وقال للناس: هذه خطبة جاءتنا من وزارة الأوقاف، وبما أن ما فيها هو نفسه ما تسمعونه في نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون، فأنا لن أقرأها عليكم... ثم أعادها إلى جيبه وألقى خطبته.
 كيف يمكن حل معضلة ارتباط الفقيه بالسياسي بقطع النظر عن الجهة التي يقف معها؟
حين تبادر الدولة إلى تكوين علمائها ومؤسساتها العلمائية الطيعة، وتستعمل لذلك كل إمكاناتها ووسائلها المعروفة، فهذا واقع لا يمكن منعه أو رفعه. وهذا مثلما تنشئ الأنظمة الحاكمة إعلاميين موالين، ومثقفين موالين، فإنها تكوِّن أيضا علماء ومؤسسات دينية موالية وتابعة. أما الحل فهو أن يوجَد مقابل هؤلاء الموالين التابعين، علماء مستقلون ومفكرون مستقلون ومؤسسات إعلامية مستقلة.
 الفتاوى والمواقف الدينية القائمة على قاعدة "طاعة أولي الأمر، المصلحة العليا للمسلمين" تعود بنا إلى الجدل الذي دار بأوقات سابقة حول "الطاعة الواجبة، وعدم الخروج عن الحاكم" ألا تستخدم هذه القاعدة الفقهية المختلف عليها في تبرير و"شرعنة" قرارات سياسية بحتة؟
طاعة ولي الأمر الشرعي لا تعني اتباعه في الحق والباطل، وفي الحديث الشريف (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف). العالم لا بد أن يقول كلمة الحق ويشهد بالحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وأسوأ منه الشيطان الناطق بالباطل. الحصار على قطر بغيٌ وعدوان لا توجد فيه ذرة حق، فيجب إنكاره، ويجب إبطاله وتمزيقه. ومن سكت في هذا الموطن فقد خان الأمانة، إلا المضطر المقهور بما لا يطيقه، فهذا قد يعذر إذا سكت، ولكن لا عذر لمن أيد الباطل ونصر العدوان (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
 أيدت مؤسسة الأزهر الحصار على قطر واعتبرت أنه جاء لحماية الأمة، ويتم تسخيرها منذ سنوات لخدمة النظام، وهو ما كان يحصل بالحقيقة على مر العصور. كيف السبيل لإخراج هذه المؤسسة العريقة من التوظيف السياسي وإعادتها لدورها الأساسي؟
ما هو أعم وأهم هو: كيف السبيل لإخراج الشعب المصري والدولة المصرية من حالة الاختطاف والاغتصاب بقوة السلاح؟ الأزهر هو من جملة المؤسسات المختطفة المغتصبة. ولن يتحرر الأزهر إلا بتحرير الشعب المصري والدولة المصرية. لكن العلماء بأفرادهم يتحملون مسؤولياتهم كل بحسبه ولكل ذمته مع ربه.
 كيف لعالم الدين أو الفقيه أو الداعية وخاصة المفتي أن يكون -من خلال مواقفه وآرائه- بعيدا عن المناكفات السياسية والتوظيفات السياسية؟ أم أن طبائع العصر ومتغيراته وأسئلته الراهنة تجعله محل جدل مثل رجل السياسة أو الثقافة؟
ميزة العالِم الحق هي أنه يتكلم بالعلم ويتبع الدليل ويقول الحق. وقد ألقيتُ مرة محاضرة بإحدى الجامعات، وأثناء المناقشة قال لي أحد المتدخلين: لقد قلتَ كذا وكذا، والسلطات العليا في البلاد تقول كذا وكذا! فقلت له: نحن الآن في حرم الجامعة، والسلطة العليا هنا هي العلم وهي الحجة العلمية.
أنا أرى أنه لا حرج على العالِم أن يدلي برأيه حتى في القضايا السياسية الخلافية، متى ما ظهر له رأي راجح شرعا. كما لا حرج عليه أن يسكت إذا لم يظهر له صواب من خطأ، ولم يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ولكن ما لا يجوز السكوت فيه هو ما كان الصواب فيه بينا، وكان الخطأ أو الظلم فيه بينا.
 الهيئات والمؤسسات الدينية والعلماء والفقهاء الذين أيدوا وشرعنوا حصار قطر، وقبلهم مؤسسات وعلماء تورطوا في حبائل أزمات وأحداث أخرى، هل يمكنهم استعادة مكانتهم أو إقناع جمهور المسلمين في أي قضية مستقبلا؟
الحقيقة أن هؤلاء العلماء التابعين للسياسة والسياسيين يفقدون مع الوقت كل شيء سوى النقود التي يحصلون عليها مقابل خدماتهم الدينية السياسية. بل كثيرا ما تستنفرهم وتعول عليهم أنظمتهم وحكوماتهم وأولياء نعمتهم في بعض القضايا، فإذا بالناس معرضون عنهم لا يقبلون منهم صرفا ولا عدلا.
ولكن من تاب وأصلح وصحح فالباب دائما مفتوح، سواء عند الله تعالى، أو عند جمهور المسلمين.

الجامية المدخلية.. حيثما مال النظام السعودي تميل

 

فجرت الأزمة الخليجية منذ اندلاعها في يونيو/حزيران الماضي موجة من النقد اللاذع تجاه المرجعيات الدينية التي تماهى خطابها مع الأنظمة السياسية، ودارت فتاواها مع القرار الحكومي، وأعادت تكييف نفسها وفق ما تمليه القرارات الحكومية التي تصاغ بعيدا عن مشورة العلماء هيئات وأفرادا.
 
ويعتقد مراقبون للحالة الدينية في المملكة العربية السعودية أن هذه الفتاوى والآراء التي تتكئ على نصوص شرعية أحيانا وعلى اجتهادات فقهية أحيانا أخرى، دمجت بين تيارات كانت إلى وقت قريب تحرص على التمايز، وأممت الساحة الفقهية في أحيان كثيرة لصالح الفكر الجامي المدخلي.. فمن هم المداخلة الجاميون؟
 
التسمية والنشأة
تنتسب الجامية المدخلية إلى شيخين هما ربيع بن هادي المدخلي (ولد بالسعودية 1932)، ومحمد أمان الجامي(1931- 1996) الإثيوبي الأصل.
 
نشأت الحركة المدخلية إبان حرب الخليج الثانية بداية التسعينيات، وكانت في صميمها ردة فعل على رفض مكونات التيار الإسلامي فكرة الاستعانة بالولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت، انطلاقا من فتاوى ترفض "الاستعانة بغير المسلم لقتال المسلم". وهي الولادة التي عبر عنها ربيع المدخلي بكتابه "صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين".
 
انتشرت الحركة في كل ربوع السعودية بدعم من الأسرة الحاكمة التي رأت فيها معادلا موضوعيا للتيار الإسلامي المتنامي، والذي يرفض اجتناب الخوض في السياسة، التي ترغب السلطات السعودية أن تظل بعيدا عن التداول في الساحات العامة بالجامعات والمساجد.
 
وقد وجدت السلطات السعودية في التيار الجامي ضالتها، فأصبح يقارع كل طروحات التيارات الإسلامية، الخاصة بالشأن السياسي، بمنطق يتخذ من النصوص الشرعية منطلقا له.
وقد مكنت الرعاية الرسمية المداخلة أو "سلفيي الولاء" كما يسمون أنفسهم أحيانا من امتلاك امتيازات داخل المؤسسات التعليمية وفي المساجد والمؤسسات المعنية بالشؤون الدينية، فحلوا في الأماكن التي أقيل منها أو غادرها شيوخ محسوبون على التيارات الإسلامية الأخرى خاصة ذات التوجهات الإخوانية والسرورية.
وهو ما مكن المداخلة من إحكام القبضة على الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي تولى عمادة كلية الحديث بها الشيخ الجامي نفسه حتى وفاته، وكان المدخلي أحد مدرسيها.
وقد كان بإمكانهم إيجاد استثناءات في النظام التعليمي الذي يمنع المقيمين من دخول الجامعات بالسعودية، والذي ما زال معمولا به إلى اليوم، كما جرى مع القيادي في التيار أسامة عطايا ذي الأصل الفلسطيني الذي درس بالجامعة بوساطة من مشايخ المداخلة، وهو مؤلف كتاب "صد عدوان الصهاينة المعتدين على آل سعود أسرة الجهاد والمجاهدين ".
رفض السياسة
أقامت الحركة المدخلية دعوتها على أصلين، كما يرى مؤلف كتاب "زمن الصحوة" ستيفان لاكروا؛ أولهما الطاعة الكاملة لـ"ولي الأمر" مع التوقف عند ظواهر النصوص التي تحض على الطاعة. دون أن تعطي فرصة لأي تعبير عن الرأي المخالف لهوى السلطان، لأنه يعد في عرف المدخلي "نوعا من الخروج المثير للفتن".
وينص المدخلي في شرحه لأصول السنة على أن المتغلب تجب طاعته حقنا للدماء، فإذا تغلب آخر وجبت طاعة المتغلب الجديد.
وتنجر هذه الطاعة على الولاة والوزراء والمفتين، فكل هؤلاء تجب طاعتهم، حتى مع تيقن الظلم أو الحيف منهم، لأن طاعتهم من طاعة من ولاهم أو كلفهم بالفتيا، ومن هذا المنطلق ترفض المدخلية أي معارضة لبيانات هيئة كبار العلماء في السعودية، كما ترفض الاعتراض على أقوال المفتي العام للمملكة.
وتؤاخذ المدخلية على الحركات الإسلامية خوضها في السياسة وترى أن ذلك يتضمن تحزبا "مخالفا لأمر الإسلام بتوحيد كلمة المسلمين تحت إمام واحد"، كما تعد أي تعبير عن الرأي المخالف للسلطة، خروجا على الشرع وإثارة للفتنة، حتى ولو عده غيرها من العلماء نوعا من إنكار المنكر، ونصحا لولي الأمر.
تبديع المخالفين
الأصل الثاني الذي اعتمدته المدخلية هو الطعن في المخالفين وتبديعهم، فالشيخ ربيع المدخلي يصرح بأن "الإخوان المسلمين لم يتركوا أصلا من أصول الإسلام إلا نقضوه". كما يرى أغلب ممارساتهم الدعوية والسياسية بدعة في الدين منكرة، تجب محاربتها، والوقوف في وجهها.
ومن هنا يأتي رفع التقارير الأمنية الكيدية عن التيارات الإسلامية التي يعد أشهرها التقرير المعنون بـ: "التنظيم السري العالمي بين التخطيط والتطبيق في المملكة العربية السعودية" الذي رفعه المداخلة منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى السلطات السعودية، وفصلوا فيه ما يقولون إنه ممارسات للإخوان المسلمين مرتبطة بخطة عالمية لتغيير النظام الحاكم، ويوصي التقرير بأن "السلطات السعودية لا بد أن تتحرك بأسرع وقت ممكن، لوضع حد لأنشطة المنظمة المذكورة".
وقد أعقبت هذا التقرير حملات شنتها السلطات السعودية على الدعاة والعلماء المحسوبين على تيار الصحوة الإسلامية في المملكة، ثم زجت بكثير منهم في السجون، وحظرت أنشطة كثير منهم.
ورغم اطراد مذهب طاعة ولي الأمر في ممارسات المداخلة على امتداد تاريخهم، إلا أن هذا الاطراد اختل عندما حكمت بعض دول المنطقة حكومات منتخبة ليست حليفة للسعودية؛ كما حدث في مصر وليبيا اللتين وقف فيهما التيار المدخلي إلى جانب انقلابي خليفة حفتر وعبد الفتاح السيسي. وكذا في اليمن الذي تحالف فيها المداخلة مع القوات الإماراتية ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي.
سيطر الفكر المدخلي على أداء أبرز العلماء القريبين من السلطة السعودية، حتى أصبحت الفتاوى التي تجيز لـ"لولي الأمر مصادرة الحريات، ومحالفة أعداء الأمة" هي الطابع العام للخطاب الفقهي، حتى لدى غير المحسوبين على المداخلة.

قائمة فركوس السوداء.. هؤلاء ليسوا من أهل السنة والجماعة - من لايطيعهم يخرجونهم من الملة والفرقة الناجية !!

قائمة فركوس السوداء.. هؤلاء ليسوا من أهل السنة والجماعة 




بمجرد كلمة مكتوبة لم تكلفه كبير عناء، أخرج الشيخ الجزائري السلفي محمد علي فركوس أقطابا وتيارات إسلامية عديدة من عباءة أهل السنة والجماعة، مثيرا بذلك أزمة فقهية وفكرية واسعة في الجزائر.
عباءة الفرقة الناجية ضاقت وتقلصت كثيرا بعد أن تحولت مع فركوس إلى مقاسات محددة وفق بعض منتقديه الذين رأوا فيما قام به تجنيا على التصورات الإسلامية المتوارثة منذ العصور الإسلامية الأولى.
وتمثل فرقة أهل السنة والجماعة وفق الفهم الإسلامي السائد لدى عموم المسلمين "الفرقة الناجية" والمجموعة الأكثر التزاما بالتصور الإسلامي الصحيح.
وفاجأ فركوس في "كلمته الشهرية" التي تبث على موقعه الإلكتروني الجزائريين بإقصاء مجموعات إسلامية كثيرة وذات حضور وانتشار قديما وحديثا في أرجاء العالم الإسلامي؛ من نطاق أهل السنة والجماعة.
القائمة السوداء
واستفتح الشيخ السلفي قائمته الطويلة بطوائف إسلامية ذات حضور كبير منذ قرون عديدة، من بينها "الشيعة الروافض والمُرجِئة والخوارج والصُّوفية والجهمية والمعتزلة والأشاعرة"، ثم طالت القائمة أصحاب "المناهج الدعوية المنحرفة" مثل جماعتي "الدعوة والتبليغ" و"الإخوان" وغيرهما "من الحركات التنظيمية الدعوية".
وطالت قائمة الخارجين من السنة والجماعة من وصفهم فركوس بالحركات الثورية الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، أو مناهج الاتجاهات العقلانية والفكرية الحديثة، المُنتسِبة إلى الإسلام.
واختار الشيخ أن يضيف إلى قائمته أيضا دعاة الوطنية والديمقراطية الذين يناضلون في سبيل إقامة مجتمعات ديمقراطية حرة، فهم بحسبه ليسوا من أهل السنة والجماعة وبالتالي ليسوا من الفرقة الناجية وفق التصور الذي ينطلق منه الرجل في فهمه ورؤيته الإسلامية.
وبحسب مقتضيات الفتوى الجديدة للشيخ فإن ملايين العرب الذين امتلأت بهم سوح النضال وميادين الثورة خلال ثورات الربيع العربي ليسوا أيضا من أهل السنة، فهم ثاروا على الحكام "بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات باسم التصحيح والتغيير وفق ما تمليه الحرياتُ الديمقراطية وما ترسمه مخططات أعداء الملة والدين".
ولم يستثن فركوس الذين لم يتمكنوا من الصبر على "ظلم" الحكام "وجورهم"، تماما مثل الخارجين عليهم المكفرين لهم والتاركين لمناصحتهم، فكلهم خارج دائرة السنة والجماعة.
وخارج هذه العباءة أيضا بحسب تفصيل الشيخ فركوس؛ من يرفع شعارا أو راية أو دعوة غير الإسلام والسنَّة بالانتماء إليها أو التعصُّب لها كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية، والقَبَلية والوطنية والقومية، والديمقراطية والحزبية، والحداثة وغيرها.
أوراق اعتماد
تلقى الشيخ فركوس جزءا من تعليمه الجامعي في الجامعات السعودية، ومع أنه عاد مطلع ثمانينيات القرن الماضي إلى بلاده فإنه انخرط لاحقا فيما يعرف بالتيار المدخلي السعودي، وفق كثير من المتابعين لفكر الرجل وأطروحاته.
ويعرف التيار المدخلي بولائه المطلق للسلطة الحاكمة والطاعة الكاملة للحكام والدفاع عن مواقفهم وسياساتهم مهما كانت، والهجوم المستمر على المخالفين لهم، وتستخدمه السلطات السعودية على نطاق واسع لمقارعة التيارات الإسلامية.
ومع أنه لا يعرف على وجه التحديد لمَ لجأ الشيخ "المدخلي" إلى نشر فتواه المثيرة في هذا التوقيت بالذات، فإن رئيس منتدى الوسطية والاعتدال عبد الرحمن سعيدي أرجع ذلك -في حوار مع صحيفة "الشروق" إلى تداعيات التطورات الجارية في السعودية، التي امتدت بحسبه إلى الجزائر "في إطار البحث عن جهة تمثل التيار المدخلي"، و"بما أن الشيخ فركوس يعيش خلافا حادا مع معارضيه داخل الجماعة (المداخلة) في السعودية، حاول تقديم نفسه على أنه الجدير بتمثيل التيار السلفي وتزعمه في الجزائر".
وتشير وسائل إعلام جزائرية إلى أنه سعى ليكون الزعيم الأبرز لهذا التيار في الجزائر بحكم صلاته القوية مع زعمائه ومباهاته الدائمة بالعلاقة بشيخه الأكبر ربيع المدخلي، ولكنه استقال فجأة العام الماضي من مجمع دار الفضيلة المؤطر من قبل هذا التيار وعلل ذلك بذرائع صحية، بيد أن صحفا تحدثت أن الخلافات بين أقطاب هذا التيار على مستوى الجزائر هي التي أجبرت الشيخ على الاستقالة، خصوصا أن قادة المداخلة في السعودية أبدوا "انحيازا" ما إلى خصومه، وهو ما جعل بعض المراقبين يقرؤون في الفتوى الجديدة محاولة من الشيخ للتقرب أكثر من قلوب القادة وتقديم أوراق اعتماد لهم في ظل انحيازهم إلى خصومه.
رفض واستنكار
من جهتها رفضت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فتوى فركوس واتهمته بإثارة الفتنة والانقسام بين المسلمين، واعتبرت أن ما ذهب إليه منكر لا يجوز السكوت عليه.
وجاء في بيان للجمعية بحسب صحيفة "الخبر" الجزائرية "نقرأ هذه الأيام مقالة لبعضهم ممن يزعم أنه من أهل السنة دون غيره، يثير الفتنة، وتضليل المسلمين وتبديعهم، وحشرهم في أهل الأهواء والبدع.. يرجع إلى افتراق المسلمين في التاريخ البعيد، ويحيي شعارات مصطنعة، فهل يوجد اصطلاح أهل السنة والجماعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟".
ونسبت وسائل إعلام جزائرية إلى وزير الشؤون الدينية محمد عيسى تهديده بتطبيق القانون على من وصفهم بأصحاب الأفكار المنحرفة في رده على فتوى محمد فركوس التي أقصت عدة تيارات من "أهل السنة والجماعة".
إلى سنوات الجمر
أحدثت فتوى الشيخ السلفي هزة عميقة في الساحة الجزائرية طالت شظاياها ووصلت أصداؤها إلى ساحات وميادين أخرى تفاعلت مع هذه الفتوى المثيرة حقا؛ باعتبارها تخرج غالبية المسلمين من دائرة السنة والجماعة وتطعن في أهم المرتكزات العقدية والدينية للكثير منهم.
واعتبرها أحد كتاب صحيفة "الشروق" الجزائرية عودة بالبلاد إلى "ذكريات عشرية التسعينيات التي تبقى أحلك فترة عاشتها البلاد منذ الاستقلال".
ومع أن نحو عقدين من الزمن مرا حتى الآن على انخراط الجزائر على المستوى الرسمي فيما عرف بقانون السلم والوئام المدني، فإن أجواء تلك السنوات وما صاحبها من مجازر ومذابح اتكأت -في جزء منها- على فتاوى التكفير والتبديع والتفسيق، تبقى معلقة بأعمدة الدم وستائر التفجير في الذهنية الجزائرية، وتظل مثار قلق دائم.