الخميس، 15 نوفمبر 2018

المولد النبوي وعشرة أدلة من الكتاب والسنة على جوازه ؟

 
المولد النبوي الشريف و أدلته من الكتاب والسنة



الأدلة من القرآن الكريم :
لقد أورد القرآن الكريم أدلة كثيرة تحض على الاحتفاء والابتهاج بسيد ولد عدنان صلى الله عليه وآله وسلم ، إما تصريحا وإما تلويحا ، وأقتصر على بعض الأدلة التصريحية وهي على النحو الآتي :
[ الدليل الأول ] :
قال تعالى (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )) (يونس : 58)
فالله عز وجل طلب منا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ، وقد قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) (الأنبياء : 107)
وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : فضل الله العلم ، ورحمته النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الله تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) انتهى .
[ الدليل الثاني ] :
قال الله تعالى (( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك )) (هود : 120)
في الآية طلب قص أنباء الرسل لما في ذلك من تثبيت الفؤاد ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل ، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين ، فهو حث على تكرار ذكر المولد والعناية به .
[ الدليل الثالث ] :
قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام : (( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (المائدة : 114)
قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية : "أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها"
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأقل شأنا من ميلاد عيسى عليه السلام ، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم منه ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر نعمة ، فيكون ميلاده أيضا أكبر وأعظم .
[ الدليل الرابع ] :
وفي كتاب الله عز وجل بيان لقصة ميلاد عيسى عليه سلام الله ، وميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وقد نطقت آيات كثيرة بالإشارة إلى ميلاد مريم عليها السلام ، وما سبق ذلك الميلاد من دعاء الأم الرؤوم ، وما صحبه من تخوف واعتذار ، وما صحب مولدها عليها السلام من إكرام الله لها حيث كفلها زكريا ، وحيث الرزق المتجدد المتعدد الأنواع ، وحيث يتبارى أشراف القوم فيمن يكفل مريم ، واقترعوا من أجل ذلك ، هذا كله في سورة آل عمران من الآية (34) إلى الآية (44) ، وقد أتى ضمن هذه الآيات آيات تتكلم عن نبي الله يحيى بن نبي الله زكريا عليهما السلام ، محتفية به متحدثة بالإجلال والتكريم ، وقد تحدثت آيات أخر في سور آل عمران والمائدة ومريم عن ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام .
أقول أليس في هذا كله مما يستأنس به لجواز ذكر النعمة بمولده صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وهو بكل تأكيد أفضل خلق الله على الإطلاق ؟
[ الدليل الخامس ]
: قال تعالى (( لتؤمنوا بالله ورسوله ، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) (الفتح : 9)
ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهبين :
1) المذهب الأول : من وحد الضمائر .
2) المذهب الثاني : من فرق بينهما .
وخلاصة المذهب الأول أن الضمائر الواردة في الآية الكريمة تعود كلها إلى الله تعالى ، أو إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وهو رأي جماعة من المفسرين نقله عنهم الإمام النووي ، فمن ذهب إلى أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
1) إنه عليه الصلاة والسلام أقرب مذكور في الآية .
2) لا يجوز التفريق بين الضمائر إلا لضرورة .
معنى "تسبحوه" أي تنزهوه عن النقائص وتدعوا له .
[ الدليل السادس ] :
قال الله تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) (آل عمران : 164)
قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى : "إن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إحسان إلى كل العالمين ، ولقد شرف الله به العرب ونقلهم ببركة مقدمه صلى الله عليه وآله وسلم من رعاة الشاء والغنم إلى رعاة الشعوب والأمم ، ورفعهم من عُبية الجاهلية إلى مقام السيادة والريادة كما قال تعالى (( وإنه لذكر لك ولقومك ))
فقد أفردهم بالفخر على سائر الأمم وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركا بين اليهود والنصارى والعرب ثم إن اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى عليهما السلام وبالتوراة والإنجيل .
فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائدا على شرف جميع الأمم" انتهى بتصرف .
[ الدليل السابع ] :
قوله سبحانه وتعالى (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ))
وهذا دليل واضح الدلالة في توقيره وتعظيمه في كل وقت وحين لأن حبه صلى الله عليه وآله وسلم وولاءه أصل الدين وأساسه ، فكل العبادات تسوق إليه وتطبع القلوب على حبه وهذا مقام شريف واحتفاء عزيز ، وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب ليؤسس ذلك الحب ركن الإيمان ويشيد صرح اليقين ، فيا له من احتفاء وابتهاج عظيم يأمر الله به ملائكته فتتشرف بهذا التكريم ، ويأمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه ، فيا له من شرف ما بعده شرف وتكريم وتخصيص حكيم بالمؤمنين ولم يقل سبحانه بالمسلمين لأن معرفة قدره حبيبه عزيزة المنال فأدنى مقامات معرفتها مقام الإيمان ، والإسلام دون ذلك .
[ الدليل الثامن ] : قوله سبحانه وتعالى (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ))
وفي هذا النص القرآني – أخي القارئ – ما لا يخفى عليك من تعظيم الله سبحانه وتعالى لحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره وإظهار قدره للخلق أجمعين ، فهي آية عظيمة قدس الله فيها نفسه قبل ذكر قدر نبيه لما في ذلك من الحفاوة والتبجيل والتعظيم والتوقير لحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت : "وما أرى ربك إلا ويسارع في هواك" . فهذا رب السماوات والأرض يقدس ويعظم ويفخم مسرى حبيبه ويضم اسمه إلى اسمه في كل موقف .. ففي الشهادة لا يتم الإيمان إلا باسمه .. وفي الصلاة لا تتم إلا باسمه .. وفي معية الإسراء لا يكون الإسراء إلا لروحه ورسمه .
إن حادثة الإسراء والمعراج ابتهاج وعيد واضح للكون أجمع يجمع الله له صلى الله عليه وآله وسلم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين والصديقين والصالحين والملائكة والمقربين ليكون هو الإمام وهم المأمومين ليعرفوا قدره العظيم .
[ الدليل التاسع ] :
قوله سبحانه وتعالى (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )) مع قوله سبحانه (( إنا أنزلناه في ليلة القدر ))
نعت الله سبحانه وتعالى ليلة الإنزال لصفة سيد الرجال بأنها مباركة وأنها ذات قدر فقال سبحانه (( وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر )) أي أن الله سبحانه وتعالى يُنزل ليلة القدر في كل سنة وفي كل شهر كبكبة من الملائكة وبالأرواح الصالحة من كل عالم مع روح سيد العوالم صلى الله عليه وآله وسلم وما ذلك إلا لعظيم القدر ، وما ذلك التكرار إلا لإعادة التذكار للعقول والأفكار الموفقة بمحبة سيد الأبرار صلى الله عليه وآله وسلم .
فإذا كان ذلك القدر للقرآن المنزل الذي هو خلقه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف به صلى الله عليه وآله وسلم ؟ لا شك أنه قدر فوق قدر ، فإذا كانت شعائر الله ذات قدر مؤقتة في الزمان والمكان فالابتهاج به مطلق غير مقيد كما هو حال الذكر لأنه رحمة عامة ومنة تامة .
[ الفصل الثاني ] الأدلة من السنة المشرفة :
وأما الأدلة من السنة فكثيرة متظافرة ، تتلخص فيما يلي :
[ الدليل الأول ] :
أخرج مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : "ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أنزل علي" . وهذا نص في الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتمل غيره . ولم أجد للمخالف جوابا عنه إلا طلب الاقتصار على الصيام فقط ، وهي ظاهرية محضة ، وتخصيص بدون مخصص ، لكنها مع ذلك موافقة لنا في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف . ولله در الحافظ ابن رجب الحنبلي حيث قال في هذا المعنى في كتابه لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص98) : فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده ، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم ، كما قال تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) (آل عمران:164) ، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر" انتهى .
والمقصود الوصول بهذه الطاعة إلى محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد يتحقق هذه المقصود بأي وسيلة مشروعة ، فالوسائل لها حكم المقاصد إذا كان المقصد شرعيا .
[ الدليل الثاني ] :
قد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صيام عاشوراء ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا : هو اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصوم تعظيما له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "نحن أولى بموسى" . وأمر بصومه . أخرجه البخاري (7/215 ومسلم (رقم 1130) .
وفي هذا الحديث تأصيل لملاحظة الزمان والعناية به . وقد استدل أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كما في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" انظر الحاوي للفتاوي (1/196) . فقال ما نصه : "فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم" انتهى .
[ الدليل الثالث ] :
كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته ، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم ، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86) وقال الترمذي : غريب ، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، تحته آدم فمن دونه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر . وهو حديث قوي ، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500) . وأصل الحديث في الصحيحين .
ويؤيد هذه الرواية التي تؤكد على احتفاء الصحابة بذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كعب الأحبار رضي الله عنه يتذاكر مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه به ، فقال كعب : ما من فجر إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون أجنحتهم ويصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفا حتى يحفوا بالقبر فيضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين من الملائكة يزفونه –وفي لفظ يوقرونه- رواه إسماعيل القاضي وابن بشكوال والبيهقي في الشعب والدارمي وابن المبارك في الرقائق وهو حديث صحيح*.
* انظر جزء فضل الصلاة على النبي (ص83-84) رقم (102) من طريق ابن المبارك ، وفيه ابن لهيعة قد صرح بالتحديث ، وأخرجه الدارمي في سننه (1/420) بطريق آخر ورجاله ثقات ، وإقرار عائشة له حكم الموقوف ، انظر القول البديع (ص52)
[ الدليل الرابع ] :
قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه : "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنشد :
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه == وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الإثنين دائما == يخفف عنه بالسرور أحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره == بأحمد مسرورا ومات موحدا
فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الذي يحتفل بذلك .
وهذا ما ذكره وقرره أيضا شيخ القراء والمحدثين الحافظ شمس الدين بن الجزري في "عرف التعريف بالمولد الشريف"
[ الدليل الخامس ] :
قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في رسالة "حسن المقصد" (وهي في كتابه الحاوي 1/196) : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ، وتشيع لأمته كما كان يصلي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات . انتهى .
[ الدليل السادس ] :
لقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضل الجمعة : "وفيه خلق آدم" أخرجه مالك في الموطأ (1/108) والترمذي (رقم 491) وقال : حسن صحيح .
فقد تشرف يوم الجمعة بخلق آدم ، فبدلالة النص وفحوى الخطاب وقياس الأولى ثبت فضل اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
ولا يختص هذا الفضل بنفس اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل يكون له نفس الفضل كلما تكرر ، كما هو الفضل في يوم الجمعة .
[ الدليل السابع ] :
فيما أخرجه البخاري (الفتح 8/270) وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال : أي آية ؟ قال : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) (المائدة:3) فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة .
وأخرج الترمذي (5/250) عن ابن عباس نحوه وقال : فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة ، وقال الترمذي : وهو صحيح .
وفي هذا الأثر موافقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة عيدا ، لأن الزمان ظرف للحدث العظيم ، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة يكون موسما لشكر تلك النعمة وفرصة لإظهار الفرح والسرور بها .
[ الدليل الثامن ] :
أعمال البر التي يشتمل عليها المولد ، إن الاحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذكر والصدقة ، ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر شمائله الشريفة وأخباره المنيفة ، وكل هذا مطلوب شرعا ومندوب إليه . وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا فهو مطلوب ، لذا قال تعالى مخبرا أنه هو وملائكته يصلون على النبي (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) (الأحزاب:56)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/506) : "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر الله تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه أهل العالمين العلوي والسفلي" انتهى .
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدح نفسه وغيره من الأنبياء السابقين ، ورغب في ذلك ، وعمل به الصحابة بحضرته ، فرضي ودعا لمن مدحه وأثابه .
وأخرج أحمد (4/24) وابن أبي شيبة (6/180) والطبراني في المعجم الكبير (1/رقم842) عن الأسود بن سريع قال : قلت : يا رسول الله مدحت الله بمدحة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هات وابدأ بمدحة الله .
في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو مختلف فيه ، وذكره الذهبي في جزئه المفيد "من تكلم فيه وهو موثق" برقم (249) ، وقال "صويلح الحديث" وقد روى له مسلم مقرونا بغيره .
لكن أخرج حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان (ص413 رقم 723) عن أبي سعيد الأشج ، حدثنا عبد السلام بن حرب بن عوف عن الحسن ، عن الأسود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه .
إسناده صحيح ، مسلسل بالثقات المحتج بهم في الصحيح ، وعوف هو ابن أبي جميلة ، والحسن هو البصري ، وقد سمع من الأسود .
ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء على لسان عدد من الصحابة ، فقد أخرج أحمد في المسند (3/451) وابن عساكر في التاريخ (مختصر ابن منظور 12/158) عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال :
وفينا رسول الله يتلو كتابه == إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا == به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه == إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
والاستماع للحادي في المدح جائز لا شيء فيه ، ففي صحيح البخاري (كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر 5/294) عن سلمة بن الأكوع : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك . قال : وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولاتصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
ولهذا نظائر ، انظر صحيح البخاري (كتاب الأدب ، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه ، وباب المعاريض مندوحة عن الكذب) وفي صحيح مسلم في أوائل كتاب الشعر من صحيحه .
[ الدليل التاسع ] :
ذكر ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" (2/634-635) وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا . قال : "أرجو أن لا يكون به بأس" ، وقال أبو سري الحربي قال أبو عبد الله : وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس –يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ويذكرون ما أنعم الله عليهم كما قالت الأنصار ؟ ...
[ الدليل العاشر ] :
وأورد السيوطي في الدر المنثور عند تفسير سورة الجمعة من طريق عبد بن حميد وابن سيرين بسند صحيح : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : لو نظرنا يوما فاجتمعنا فذكرنا هذا الأمر ، الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم ، قالوا : الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم ، قالوا : فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم** انتهى .
ترى أيها القارئ أن هذا الحديث يمكن أن يستفاد منه أمور منها :
-فيما يتعلق بالأمور المستجدة ، يمكن أن يفهم من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر ما يحدث من الأعمال مما يشهد له أصل من أصول الشريعة ، فقد أقرهم صلى الله عليه وآله وسلم على اجتماعهم في هذا اليوم ، دون أن ينتظروا إذنا منه فضلا عن أمر منه صلى الله عليه وآله وسلم .
-يفهم من هذا الحديث كما استدل به ابن تيمية رحمه الله ضرورة مخالفة النصارى واليهود في كل ما هو من سماتهم وشيمتهم خصوصا ما له تعلق بأمر من أمور العبادات .
-ويفهم منه استحباب ذكر النعمة والاحتفاء والاحتفال بأيامها ، وذلك أخذا من حديث الأنصار بمنة الله عليهم يوم وصلوا الإسلام ، ومن بحثهم عن يوم يختارونه لإظهار فرحتهم بذلك الحدث السعيد .
** ذكره ابن حجر في الفتح (2/355) ، ثم قال وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن في حديث كعب بن مالك اه وذكره ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/635)
[ الدليل الحادي عشر ] :
جميع الأحاديث والآثار التي تحض وتأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعظم دليل بالابتهاج والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى في القول البديع (ص33) إن في الأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أي وقت كان وكيفية ذلك على اختلاف أنواعه ، والأمر بتحسين الصلاة عليه والترغيب في حضور المجالس التي يصلي فيها عليه ، وإن علامة أهل السنة*** الكثرة منها ، وإن صلاة الملائكة عليه صلى الله عليه وآله وسلم على الدوام لدليل عظيم على توقيره وتعظيمه ، كما قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : إن التعظيم منزلة فوق المحبة ، فحق علينا أن نحبه ونبجله ونعظمه أكثر من إجلال عبد لسيده .. إلى أن قال : وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى بالآيات والأحاديث انتهى .
*** انظر القول القول البديع (ص52)