الخميس، 22 يونيو 2023

حكم قص الاظافر والاخذ من الشعر للمضحي ؟

 حكم قص الاظافر والاخذ من الشعر للمضحي




السؤال: شيخنا ما حكم قص الاظافر والاخذ من الشعر لمن اراد ان يضحي في يوم النحر؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم من اراد ان يذبح اضحية هل يمنع من الاخذ من شعره وقص أظفاره اذا دخلت ايام ذي الحجة ؟ وذلك على ثلاثة اقوال :
القول الاول: يكره تنزيها لمن أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره حتى يذبح اضحيته. وهو قول جمهور اهل العلم من المالكية، والشافعية، وقول للحنابلة، ويروى عن الحسن البصري.
ومعنى كراهة تنزيه : هو ما نهى الشرع عنه نهيا خفيفا ، ليس على وجه الإلزام بتركه . وحكمه : أنه يثاب من تركه طاعةً لله ورسوله ، ولا يعاقب من فعله .
واستدلُّوا بحديث عائشة رضي الله عنها: ((كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحلَّه الله له حتى ينحر الهدي)) متفق عليه .
ووجه الدلالة: أنَّ فيه دليلاً على إباحة ما قد حظره حديث أم سلمة –رضي الله عنها- وان المنع في حديثها محمول على الكراهة لا التحريم.
واجابوا عليه المخالفون : أنَّ في حديث عائشة اخبار عنه، وحديث أم سلمة عن قوله – عليه الصلاة والسلام- ، والقول يقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصاً به.
قال الامام النووي في المجموع: (مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي، وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره، وقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود يحرم، وعن مالك أنه يكره وحكي عنه الدارمي يحرم في التطوع ولا يحرم في الواجب، واحتج القائلون بالتحريم بحديث أم سلمة واحتج الشافعي والأصحاب عليهم بحديث عائشة ...... ، قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك).
القول الثاني: يحرم على من أراد أن يضحِّي، وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره حتى يذبح اضحيته .وهو مذهب الامام احمد، وقول عند الشافعية، وبه قال إسحاق بن راهوية، وهو مذهب الظاهرية.
لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) رواه أحمد ومسلم ، وقوله :((فليمسك)) امر يفيد الوجوب، فيحرم الاخذ من الشعر وقص الاظافر لمن اراد ان يضحي.
وقد اجاب المخالفون : بأنَّ النهي فيه محمول على الكراهة، لا على التحريم، وانه لم يأتي بالنص الوارد في ذلك وجوب اجتناب النساء والطيب، لذا لم يجب ايضا اجتناب مس الشعر والظفر، فهذا الصائم فرض عليه اجتناب النساء، ولا يلزمه اجتناب الطيب ولا مس الشعر والظفر، وكذلك المعتكف، وكذا المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار.
قال الامام ابن قدامة في المغني: (ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا، ظاهر هذا تحريم قص الشعر وهو قول بعض أصحابنا وحكاه ابن المنذر عن أحمد و إسحاق و سعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من أصحابنا: هو مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي، لقول عائشة: [كنت أفتل قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي]. متفق عليه. وقال أبو حنيفة: لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي).
وقال الامام ابن حزم الظاهري في المحلى : (من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي , لا بحلق , ولا بقص ولا بغير ذلك , ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك ).
وقالوا: إن من أخذ شيئا من شعره أو أظفاره فأضحيته صحيحة ولا كفارة عليه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما فعل على القول بالتحريم.
قال الامام الشوكاني في نيل الاوطار : (والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار ، وقيل : للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم) .
وقالوا: التحريم يخص المضحي فقط ،أما المضحى عنهم كالوالدين والأهل والأولاد فلا يتعلق بهم هذا الحكم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل أن يضحى عنه؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
قال الشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله – في مجموع فتاويه : (وأما أهل المضحي فليس عليهم شيء ، ولا يُنهون عن أخذ شيء من الشعر والأظافر في أصح قولي العلماء ، وإنما الحكم يختص بالمضحي خاصة الذي اشترى الأُضحية من ماله ).
القول الثالث: أنه لا يكره ، ويباح لمن أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره ؛ وهو مذهب الامام ابي حنيفة واصحابه، وقول للمالكية، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبدالله بن عمر، وطاووس بن كيسان، والقاسم بن محمد، وعطاء بن يسار، وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسعيد ابن المسيب، وجابر بن زيد.
وقالوا: بما أنه لا يحرم عليه الوطء واللباس والطبيب؛ فلا يحرم عليه حلق الشعر ولا تقليم الظفر، ولمّا كان ذلك لا يمنعه من الجماع وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك؛ كحلق الشعر أو قص الإظفار.
الخلاصة والمفتى به :
هو ما ذهب اليه جمهور العلماء في القول الاول ؛ انه يُكره كراهة تنزيه لمن أراد أن يضحِّي وقد دخل هلال ذي الحجة أن يحلق شعره أو يقصَّ أظفاره حتى يذبح اضحيته. والامر في حديث ام سلمة – رضي الله عنها- يحمل على الكراهة لا التحريم ، فإن فعل شيئاً من ذلك فليست عليه فدية، لاسيما إذا كان محتاجاً إلى ذلك لطول أظافره طولاً فاحشاً مثلاً.
لكن الأحوط بلا شك لمن أراد التضحية أن يجتنب الأخذ من شعره وأظفاره، عملا بالحديث وخروجا من الخلاف .والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح

حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي*

*حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي* - الشيخ سلمان العودة
بين قص الشّعر وصاع الشَّعير ضاعت الشعائر … ترك الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحِّي
توضيح: موضوع هذه المقالة هو حكم تلك الفتاوى الفردية التي تبطل اجتهاد السلف، بكراهة الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي، وليس مناقشة الخلاف الفقهي والترجيح، بل المقالة جواب لمن يبطل اجتهادات السلف، وهذا ينسحب على كل محاولات إبطال اجتهادات السلف ونقضها بذريعة الترجيح.
1-الصراع الموسمي في الفتاوى:
لا يكاد يمرُّ موسم ديني ولا شعيرة من شعائر الإسلام إلا ونشهد آراء وفتاوى تعكر صفو المشاعر الدينية، حيث تظهر فتاوى فردية تبطل وتضعف اجتهادات معتبرة وتقول إن ذلك غير صحيح، وأصبح الناس يتساءلون حول كراهة أو منع الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، وهل ما كنا نعمل طوال تلك السنين باطلا، فليس الموضوع هنا في إثارة المسألة أو الخلاف الفقهي فيها، إنما هو جواب على إبطال الاجتهاد المعتبر من السنة التي يعمل بها الناس اليوم، وألفوها ودرجوا عليها، وتحويل نعمة تعدد الاجتهاد إلى نقمة التشكيك في سننن ثابتة عن السلف، وعليها جُملة من المذاهب المعتمدة، وليس مذهبا واحدا فحسب.
2-وما معركة عيد الفطر السعيد منكم ببعيد:
تذكرنا فتاوى إبطال كراهة الأخذ من الظفر والشعر بموسم الصراع في الصاع، ومعركة الدنانير والشعير، التي حدثت في عيد الفطر، ونعيش الآن عزوة ذات الشعر، هذه المعارك والغزوات التي أفسدت علينا نعمة السعادة بشهود شعائر الإسلام، فبينما يسعد المسلمون بأداء شعيرة الصيام، فإنه لا يعكر صفو عيدنا سوى حالة من التعصب، تصيب بعض الإخوة لا يطيب لهم إلا أن يبطلوا بعض اجتهادات السلف تحت دعاية الترجيح، وأن من أخرج صدقة الفطر نقدا عليه أن يعيد إخراجها شعيرا أو أرزا الخ، وأن إخراجها نقدا باطل لا يصح بإطلاق، دون أي مراعاة للاجتهاد المعتبر للسادة الحنفية بإخراجها نقدا، مع أن الكثير من دوائر الفتوى اعتمدت قول الحنفية في جواز إخراجها نقدا، ومع ذلك هناك مَن يُصِرّ على إبطال هذا الاجتهاد المعتبر، وحرمان المسلمين من الاختيار، وهذا كله أسلوب هدمي لشعائر الإسلام بسبب التعصب المذهبي.
3-ليس الإشكال في ترجيح كراهة الأخذ من الشعر أو عدمه:
وها نحن اليوم نوشك على الدخول في العشر من ذي الحجة، وهي من شعائر الإسلام، وتظهر فتاوى تؤدي إلى الاستنزاف الفكري والإلهاء الاستراتيجي، وتقوم على نصرة رأي اجتهادي ما، وإبطال الاجتهاد المعتبر المخالف، والتوجه إلى المجتمع بخطاب إلغائي إقصائي لاجتهادات السلف، وهو القول: بأنه لا يكره الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، أما القول نفسه فهو منقول عن مذهب الحنفية وهو من المذاهب التمبوعة عند أهل السنة والجماعة، ولكن الإشكال في شيء آخر.
4-الإشكال في إبطال اجتهادات السلف (النظرة الأحادية):
ومع أن الأخذ من الظفر والشعر أو عدمه لا يؤثر في صحة الأضحية إنما هو لكمال العمل، وليس شرطا في صحته، ولكن الإشكال هو طرح المسألة بطريقة الإلغاء والقهر، لثلاثة مذاهب معتبرة تقول بكراهة الأخذ من الشعر والظفر في التسع من ذي الحجة، أو المنع من الأخذ منهما، وإعلان هذه فتوى على أنقاض نقض اجتهادات السلف بحجة اتباع الدليل، فنحن هنا لسنا أمام ترجيح، بل نحن أمام إبطال الاجتهاد المعتبر على النحو الحاصل في إبطال إخراج صدقة الفطر نقدا بالرغم من أنه مذهب الحنفية وهو معتبر، وجرى به عمل بعض السلف أيضا.
5-تناقض غريب:
من الغريب أن يُبطَل عمل الحنفية في إخراج صدقة الفطر نقدا، وأن يعد قولا فاسدا، ويجب على من أخرجها نقدا أن يعيد إخراجها عينا، أما في مسألة قص الشعر والأظافر هنا، فيجب العمل بمذهب الحنفية، ويَبْطُل العمل بالمذاهب الثلاثة الأخرى، ولا تذكر إلا على أنها أقوال ضعيفة على خلاف الدليل، وتوصلها في عقل عامة المسلمين إلى مرحلة البطلان البيِّن، في حالة من الارتباك الواضح، وفي نموذج للاستنزاف والتشويش على المجتمع، حتى بات بعض عامة المسلمين يتوهمون الاضطراب في الفقه الإسلامي، وبطلان فتاوى معتمدة ومعتبرة، وتم إلغاء مبدأ الصواب بأجرين والخطأ بأجر واحد، وأن ما كان يفعله العامة من ترك قص الشعر والظفر هو أمر باطل، مما يفقدهم الثقة بالفتوى والاجتهاد المعتبر.
6- ضرورة الخروج من حرب الاستنزاف واستراتيجة الإلهاء:
وخلاصة الأمر إذا جرى المسلمون على سنة معتبرة كترك الأخذ من الشعر والأظافر في التسع من ذي الحجة، فلا يشوَّش عليهم، فهم على خير وفي نعمة وسُنّة، وينبغي ربطهم بمهمات الأمور: كترك الكبائر، والقيام بالفرائض، والتصدي للإلحاد، ولزوم الجماعة، وهجر العصبية المنتنة، ولا يُشغلون بحرب استنزاف لا يترتب عليها نفع دنيوي ولا أخروي، وعامة المسلمين مصيبون قطعا، وقد أصابوا فيما كلفهم الله به، لأن فرضهم هو اتباع المجتهدين، أما الذين هم عُرضة للخطأ والصواب، فهم المجتهدون في مسائل الاجتهاد المعتبر، وهم يتقلبون في فضل الله بأجرين للمجتهد المصيب وأجر واحد للمخطيء.
7-صراع اجتماع العيد والجمعة:
ناهيك عن قصة إذا اجتمع العيد والجمعة، فستظهر خصومات لا مسوغ لها، وهي أصلا من باب الاجتهاد المتعدد المعتبر، الذي يمكن أن يتحول إلى خصومة دينية في عهد الفرقة، بسبب محاولة المتعصِّب القطع بأحدهما وإبطال الآخر، ويزعم أن ذلك ترجيحا، بل هو نقْض الاجتهاد، وهو يتنافى مع طبيعة الفقه في الاجتهاد المعتبر، وهو أن الناس يتقلّبون فيه بفضل الله تعالى بأجرين للمصيب وأجر واحد للمخطيء، وكلهم على آثار السلف الصالح.
8-ضرورة التمييز بين إبطال الاجتهاد والترجيح:
من المعروف أن الاجتهاد لا يُنْقض بمثله، وأن اجتهادات الفقهاء هي من باب الظن الراجح الذي يجب العمل به، وأنها ليست قاطعة، وعليه يبقى اجتهاد المجتهد راجحا في نظره واجتهاد غيره مرجوح، ولكن لا أحد من المجتهدين زعم أن اجتهاده هو الصواب عند الله تعالى قطعا، واجتهاد غيره خطأ قطعا، بل المصيب عند الله له أجران، والمخطيء له أجر واحد، ولكننا لا نعلم على وجه التحديد من هو المصيب عند الله تعالى، وهذا أعطى فرصة سانحة للراسخين في العلم لِيُدْلوا بدِلائهم في البحث والنظر، لأن الله تعالى اغتفر لهم الخطأ، وأثابهم عليه أجرا.
9-توصيات:
بما أنه قد جرت السُّنة بين كثير من المسلمين بعدم أخذ الشعر والظفر في التسع من ذي الحجة وهو اجتهاد معتبر، فإنني أوصي:
أ-بعدم التشويش على المجتمع إذا كان يسير على سنة وعرفها، وينبغي أن تُركَّز الجهود على مكافحة الآراء الشاذة في الدين، ومقالات الملحدين التي تتجرأ على المسلمين ودينهم، وتعمل على تفكيك الأسرة والمجتمع.
ب-التمييز بين ما هو شأن علمي بحثي وتخاطب به العلماء جهات الاختصاص، وبين ما هو خطاب للمجتمع الذي يجب حفظه من التشويش، وضرورة التنبيه على لزوم الجماعة، وعدم التفريق بين المسلمين.
ج-تُعرض الفتاوى مؤصلة علميا ولا يكتفى بعرض النصوص حسب وجهات نظر أصحابها، بل لا بد من توجيهها أصوليا على النحو المعروف في الخلاف العالي، مع ذكر أقوال السلف ومذاهبهم المعتمدة.

*حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي* - الشيخ سلمان العودة

 *حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي* - الشيخ سلمان العودة

بين قص الشّعر وصاع الشَّعير ضاعت الشعائر … ترك الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحِّي
توضيح: موضوع هذه المقالة هو حكم تلك الفتاوى الفردية التي تبطل اجتهاد السلف، بكراهة الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي، وليس مناقشة الخلاف الفقهي والترجيح، بل المقالة جواب لمن يبطل اجتهادات السلف، وهذا ينسحب على كل محاولات إبطال اجتهادات السلف ونقضها بذريعة الترجيح.
1-الصراع الموسمي في الفتاوى:
لا يكاد يمرُّ موسم ديني ولا شعيرة من شعائر الإسلام إلا ونشهد آراء وفتاوى تعكر صفو المشاعر الدينية، حيث تظهر فتاوى فردية تبطل وتضعف اجتهادات معتبرة وتقول إن ذلك غير صحيح، وأصبح الناس يتساءلون حول كراهة أو منع الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، وهل ما كنا نعمل طوال تلك السنين باطلا، فليس الموضوع هنا في إثارة المسألة أو الخلاف الفقهي فيها، إنما هو جواب على إبطال الاجتهاد المعتبر من السنة التي يعمل بها الناس اليوم، وألفوها ودرجوا عليها، وتحويل نعمة تعدد الاجتهاد إلى نقمة التشكيك في سننن ثابتة عن السلف، وعليها جُملة من المذاهب المعتمدة، وليس مذهبا واحدا فحسب.
2-وما معركة عيد الفطر السعيد منكم ببعيد:
تذكرنا فتاوى إبطال كراهة الأخذ من الظفر والشعر بموسم الصراع في الصاع، ومعركة الدنانير والشعير، التي حدثت في عيد الفطر، ونعيش الآن عزوة ذات الشعر، هذه المعارك والغزوات التي أفسدت علينا نعمة السعادة بشهود شعائر الإسلام، فبينما يسعد المسلمون بأداء شعيرة الصيام، فإنه لا يعكر صفو عيدنا سوى حالة من التعصب، تصيب بعض الإخوة لا يطيب لهم إلا أن يبطلوا بعض اجتهادات السلف تحت دعاية الترجيح، وأن من أخرج صدقة الفطر نقدا عليه أن يعيد إخراجها شعيرا أو أرزا الخ، وأن إخراجها نقدا باطل لا يصح بإطلاق، دون أي مراعاة للاجتهاد المعتبر للسادة الحنفية بإخراجها نقدا، مع أن الكثير من دوائر الفتوى اعتمدت قول الحنفية في جواز إخراجها نقدا، ومع ذلك هناك مَن يُصِرّ على إبطال هذا الاجتهاد المعتبر، وحرمان المسلمين من الاختيار، وهذا كله أسلوب هدمي لشعائر الإسلام بسبب التعصب المذهبي.
3-ليس الإشكال في ترجيح كراهة الأخذ من الشعر أو عدمه:
وها نحن اليوم نوشك على الدخول في العشر من ذي الحجة، وهي من شعائر الإسلام، وتظهر فتاوى تؤدي إلى الاستنزاف الفكري والإلهاء الاستراتيجي، وتقوم على نصرة رأي اجتهادي ما، وإبطال الاجتهاد المعتبر المخالف، والتوجه إلى المجتمع بخطاب إلغائي إقصائي لاجتهادات السلف، وهو القول: بأنه لا يكره الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، أما القول نفسه فهو منقول عن مذهب الحنفية وهو من المذاهب التمبوعة عند أهل السنة والجماعة، ولكن الإشكال في شيء آخر.
4-الإشكال في إبطال اجتهادات السلف (النظرة الأحادية):
ومع أن الأخذ من الظفر والشعر أو عدمه لا يؤثر في صحة الأضحية إنما هو لكمال العمل، وليس شرطا في صحته، ولكن الإشكال هو طرح المسألة بطريقة الإلغاء والقهر، لثلاثة مذاهب معتبرة تقول بكراهة الأخذ من الشعر والظفر في التسع من ذي الحجة، أو المنع من الأخذ منهما، وإعلان هذه فتوى على أنقاض نقض اجتهادات السلف بحجة اتباع الدليل، فنحن هنا لسنا أمام ترجيح، بل نحن أمام إبطال الاجتهاد المعتبر على النحو الحاصل في إبطال إخراج صدقة الفطر نقدا بالرغم من أنه مذهب الحنفية وهو معتبر، وجرى به عمل بعض السلف أيضا.
5-تناقض غريب:
من الغريب أن يُبطَل عمل الحنفية في إخراج صدقة الفطر نقدا، وأن يعد قولا فاسدا، ويجب على من أخرجها نقدا أن يعيد إخراجها عينا، أما في مسألة قص الشعر والأظافر هنا، فيجب العمل بمذهب الحنفية، ويَبْطُل العمل بالمذاهب الثلاثة الأخرى، ولا تذكر إلا على أنها أقوال ضعيفة على خلاف الدليل، وتوصلها في عقل عامة المسلمين إلى مرحلة البطلان البيِّن، في حالة من الارتباك الواضح، وفي نموذج للاستنزاف والتشويش على المجتمع، حتى بات بعض عامة المسلمين يتوهمون الاضطراب في الفقه الإسلامي، وبطلان فتاوى معتمدة ومعتبرة، وتم إلغاء مبدأ الصواب بأجرين والخطأ بأجر واحد، وأن ما كان يفعله العامة من ترك قص الشعر والظفر هو أمر باطل، مما يفقدهم الثقة بالفتوى والاجتهاد المعتبر.
6- ضرورة الخروج من حرب الاستنزاف واستراتيجة الإلهاء:
وخلاصة الأمر إذا جرى المسلمون على سنة معتبرة كترك الأخذ من الشعر والأظافر في التسع من ذي الحجة، فلا يشوَّش عليهم، فهم على خير وفي نعمة وسُنّة، وينبغي ربطهم بمهمات الأمور: كترك الكبائر، والقيام بالفرائض، والتصدي للإلحاد، ولزوم الجماعة، وهجر العصبية المنتنة، ولا يُشغلون بحرب استنزاف لا يترتب عليها نفع دنيوي ولا أخروي، وعامة المسلمين مصيبون قطعا، وقد أصابوا فيما كلفهم الله به، لأن فرضهم هو اتباع المجتهدين، أما الذين هم عُرضة للخطأ والصواب، فهم المجتهدون في مسائل الاجتهاد المعتبر، وهم يتقلبون في فضل الله بأجرين للمجتهد المصيب وأجر واحد للمخطيء.
7-صراع اجتماع العيد والجمعة:
ناهيك عن قصة إذا اجتمع العيد والجمعة، فستظهر خصومات لا مسوغ لها، وهي أصلا من باب الاجتهاد المتعدد المعتبر، الذي يمكن أن يتحول إلى خصومة دينية في عهد الفرقة، بسبب محاولة المتعصِّب القطع بأحدهما وإبطال الآخر، ويزعم أن ذلك ترجيحا، بل هو نقْض الاجتهاد، وهو يتنافى مع طبيعة الفقه في الاجتهاد المعتبر، وهو أن الناس يتقلّبون فيه بفضل الله تعالى بأجرين للمصيب وأجر واحد للمخطيء، وكلهم على آثار السلف الصالح.
8-ضرورة التمييز بين إبطال الاجتهاد والترجيح:
من المعروف أن الاجتهاد لا يُنْقض بمثله، وأن اجتهادات الفقهاء هي من باب الظن الراجح الذي يجب العمل به، وأنها ليست قاطعة، وعليه يبقى اجتهاد المجتهد راجحا في نظره واجتهاد غيره مرجوح، ولكن لا أحد من المجتهدين زعم أن اجتهاده هو الصواب عند الله تعالى قطعا، واجتهاد غيره خطأ قطعا، بل المصيب عند الله له أجران، والمخطيء له أجر واحد، ولكننا لا نعلم على وجه التحديد من هو المصيب عند الله تعالى، وهذا أعطى فرصة سانحة للراسخين في العلم لِيُدْلوا بدِلائهم في البحث والنظر، لأن الله تعالى اغتفر لهم الخطأ، وأثابهم عليه أجرا.
9-توصيات:
بما أنه قد جرت السُّنة بين كثير من المسلمين بعدم أخذ الشعر والظفر في التسع من ذي الحجة وهو اجتهاد معتبر، فإنني أوصي:
أ-بعدم التشويش على المجتمع إذا كان يسير على سنة وعرفها، وينبغي أن تُركَّز الجهود على مكافحة الآراء الشاذة في الدين، ومقالات الملحدين التي تتجرأ على المسلمين ودينهم، وتعمل على تفكيك الأسرة والمجتمع.
ب-التمييز بين ما هو شأن علمي بحثي وتخاطب به العلماء جهات الاختصاص، وبين ما هو خطاب للمجتمع الذي يجب حفظه من التشويش، وضرورة التنبيه على لزوم الجماعة، وعدم التفريق بين المسلمين.
ج-تُعرض الفتاوى مؤصلة علميا ولا يكتفى بعرض النصوص حسب وجهات نظر أصحابها، بل لا بد من توجيهها أصوليا على النحو المعروف في الخلاف العالي، مع ذكر أقوال السلف ومذاهبهم المعتمدة.