الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

حكم مجلس العزاء ( الفاتحة )

حكم مجلس العزاء ( الفاتحة ) فتوى إبن باز سئل سماحة الامام ابن باز رحمه الله تعالى : السؤال الأول/ هل يجوز حضور مجلس العزاء والجلوس معهم ؟ فأجاب رحمه الله : اذا حضر المسلم وعزى أهل الميت فذلك مستحبلما فيه من الجبر لهم والتعزية ، واذا شرب عندهم فنجال قهوة او شاي او تطيب فلا بأس كعادة الناس مع زوارهم . السؤال الثاني / بعض أهل الميت يجلسون ثلاثة أيام فما حكم ذلك ؟ فأجاب رحمه الله : اذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرجان شاء الله حتى لا يتعبوا الناس لكن من دون ان يصنعوا للناس وليمة . السؤال الثالث / اذا كان الاطعام لأهل الميت ذبيحة فما الحكم فيها ؟ فأجاب رحمه الله : لا بأس ، ويعمله لهم الجيران او الاقارب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهله ان يصنعوا لآل جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه طعاما لما جاء خبر موته بالشام فقال صلى الله عليه وسلم ( انه قد أتاهم مايشغلهم ) . السؤال الرابع / اذا بعث لأهل الميت غداء او عشاء فاجتمع عليه الناس في بيت الميت هل هو من النياحة المحرمة ؟ فأجاب رحمه الله : ليس ذلك من النياحة ، لأنهم لم يصنعوه وإنما صنع ذلك لهم ، ولا بأس أن يدعو من يأكل معهم من الطعام الذي بعث لهم ، لانه قد يكون كثيرا يزيد عن حاجتهم . السؤال الخامس/ ماحكم النعي في الجرائد ؟ فأجاب رحمه الله : هو محل نظر لما فيه من التكلف غالبا ، وقد يباح اذا كان صدقا ، وليس فيه تكلف ، وتركه أولى وأحوط ، واذا اراد التعزية فيكتب لهم كتابا او يتصل بالهاتف او يزورهم وهذا اكمل . المرجع / كتاب ( من احكام الجنائز ) لسماحة الامام عبدالعزيز بن باز رحمه تعالى ، وهو عبارة عن تفريغ للأسئلة التي وجهت للشيخ في شرحه لبلوغ المرام ( الجنائز ) ، اضافة الى بعض الاسئلة التي وجهها الاخوة في الجمعية لسماحة الشيخ رحمه الله . طبعة : الجمعية الخيرية بمحافظة شقراء . وقال ابن نُجيم الحنفي : " وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ". انتهى من " البحر الرائق" (2/207). وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، نقلها حنبل والخلال . قال المرداوي : " وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ...، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ [ ابن تيمية ] . وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ ، خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ". انتهى من "الإنصاف" (2/565) . وقال ابن عبد البر في "الكافي" (1/283) : " وأرجو أن يكون أمر المتجالسة في ذلك خفيفاً " انتهى . واختار هذا القول من العلماء المعاصرين : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (13/373) - ، وهو ترجيح الشيخ محمد المختار الشنقيطي في "سلسلة دروس شرح الزاد" . وأقوى ما استدل به القائلون بالجواز : 1- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ). رواه البخاري(5417) ، ومسلم (3216). [ التلبينة : هي حساء يعمل من دقيق ونخالة ، وربما جعل معه عسل ، وسميت به تشبيها باللبن ، لبياضها ورقتها]. فهذا الحديث فيه الدلالة الواضحة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً ، سواء اجتماع أهل الميت ، أو اجتماع غيرهم معهم . 2- وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : " لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ . فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ لَقْلَقَةٌ ". رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 290) ، وعبد الرزاق الصنعاني (3/ 558) بسند صحيح. وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَاللَّقْلَقَةُ : الصَّوْتُ ، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن. وأجاب هؤلاء عن أثر جرير بن عبد الله( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ). رواه أحمد (6866) ، وابن ماجه (1612) بجوابين : الأول : أن الراجح فيه أنه ضعيف ، فقد أعله الإمام أحمد ، والدراقطني. غير أن في الحديث علة خفية بينها الحفاظ والنقاد ، هي تدليس هشيم بن بشير ، فإنه على ثقته كان كثير التدليس والإرسال ، وأحيانا عن الضعفاء والمجاهيل . يقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/249) : " لا نزاع في أنه كان من الحفاظ الثقات ، إلا أنه كثير التدليس ، فقد روى عن جماعة لم يسمع منهم " انتهى. ولذلك أعل بعض الحفاظ المتقدمين حديث جرير هذا بتدليس هشيم فيه : قال أبو داود : " ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ جَرِيرٍ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ". قال : زعموا أنه سمعه من شريك ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلاً". انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص: 388). وجاء في "العلل" (13/462) للدارقطني ما يشعر باحتمال تدليس هشيم له . فإن كان المدلَّس هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي فهي رواية ضعيفة ، فإنه ضعيف الحديث عند عامة المحدثين ، ومثله لا يقبل تفرده بحديث ينبني عليه حكم شرعي بالتحليل أو التحريم . نعم، تابعه نصر بن باب كما في مسند أحمد (6905) غير أن نصراً هذا جاء في ترجمته في "تعجيل المنفعة" (ص/420) : " قال البخاري : يرمونه بالكذب ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال علي بن المديني: رميتُ حديثه ، وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث، وقال أبو خيثمة زهير بن حرب : كذاب ". انتهى. فلا تقوى متابعته على تحسين رواية شريك ، بل هناك احتمال قوي بأن المدلَّس في رواية هشيم هو نصر بن باب نفسه وليس شريكاً . والخلاصة : أن قول جرير بن عبد الله البجلي لم يثبت من طريق صحيح ، والرواية المشهورة معلة بالتدليس ، وللاستزادة ينظر كتاب : " التجلية لحكم الجلوس للتعزية" للشيخ ظافر آل جبعان صـ 27 . الثاني : على القول بصحته فالمقصود منه : الاجتماع الذي يكون فيه صنعٌ للطعام من أهل الميت لإكرام من يأتيهم ومن يجتمع عندهم . ولذلك نص في الأثر على الأمرين . قال الشوكاني:‏ ‏"‏ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكْلَ الطَّعَامِ عَنْدَهُمْ نَوْعًا مِنْ النِّيَاحَةِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّثْقِيلِ عَلَيْهِمْ وَشَغْلِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شُغْلَةِ الْخَاطِرِ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُخَالِفَةِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا فَخَالَفُوا ذَلِكَ وَكَلَّفُوهُمْ صَنْعَةَ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِمْ " والاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة . ثم إن التعزية أمر مقصود شرعاً ، ولا وسيلة لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين ، والجلوس لذلك ، فإن ذلك مما يعينهم على أداء السنة . وقال الشيخ صالح آل الشيخ : " والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون ؛ لأنه لا تكون المصلحة إلا بذلك ، إذا فات ذلك فاتت سنة التعزية ". وحتى على القول بالكراهة ، فإن الكراهة تزول عند وجود الحاجة كما هو معلوم عند العلماء ، ولا شك أن الجلوس للتعزية تشتد لها الحاجة في هذا الزمن لما فيها من تيسير على المعزين ورفع للحرج عنهم . فقد يكون أبناء الميت وأقاربه في أصقاع مختلفة أو في نواح متباعدة داخل المدينة الواحدة مما يصعب فيه على من أراد التعزية التنقل بينهم . وقد علل بهذا التعليل الشيخ عبد العزيز بن بازحينما سئل عن حكم الجلوس للتعزية، فأجاب بالجواز قائلاً : " إذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج إن شاء الله حتى لا يتعبوا الناس ، لكن من دون أن يصنعوا للناس وليمة " . وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي : لكن في هذه الأزمنة اتسع العمران ، وصعُب عليك أن تذهب لكل قريب في بيته ، ويحصل بذلك من المشقة ما الله به عليم ، وفيه عناء ؛ لذلك لو اجتمعوا في بيت قريبٍ منهم كان أرفق بالناس وأرفق بهم ، وأدعى لحصول المقصود من تعزية الجميع والجبر بخواطر الجميع ؛ ولذلك أفتوا بأنه لا حرج -في هذه الحالة- من جلوسهم ، ولا يعتبر هذا من النياحة ، بل إنه مشروع لوجود الحاجة له" فأدلة القول الثاني – وهو القول بالجواز – أصح إسناداً، وأظهر دلالةً ، وأما أدلة المنع فهي آثار ضعيفة ، ليس منها شيء صريح الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن دلالتها محتملة ، إذ يبدو أن المنع فيها ليس عن الجلوس للتعزية المجردة ، بل عن تكلف أهل الميت للناس بصنع الطعام وقد جاءهم ما يشغلهم بالمصيبة . ثم لا يخفى أن القول بالجواز هو الأقرب إلى اليسر ورفع الحرج ، وخاصة مع اختلاف الزمان وتنوع مشاغل الناس ، مما اضطرهم إلى اتخاذ بعض الأعراف التي تساعدهم على تنظيم أمور حياتهم ، ومنها اجتماع أهل الميت لتلقي مواساة الناس وتعزيتهم في بداية هذه المصيبة ، فلا يضطر المعزون إلى التفتيش عن أهل المتوفى واحدا واحدا في أماكن عملهم أو مساجدهم أو حتى بيوتهم ، ولا يلجؤون إلى ترك أعمالهم أياما كثيرة لإدراك ذلك مع بعد المسافات واختلاف الظروف والأوقات . فلو لم يكن في القول بالجواز إلا رفع المشقة والحرج عن الناس لكان كافياً في ترجيحه ، فكيف وقـد عضـدته الأدلـة الصريحة الصحيحة !