===
الدكتور بلخير طاهري الإدريسي المالكي الجزائري
استاذ الشريعة والقانون جامعة وهران.
#حسما للنزاع الذي يثار كل ما جاء موعد زكاة الفطر هل تخرج من قوت البلد أم من قيمة قوت البلد .
#مما يجب إخراجه من محل النزاع،هو اتفاقهم جميعا على أن زكاة الفطر الاصل فيها ان تخرج من قوت أهل البلد وهذا القدر المتفق عليه.
#ولكن وقع الخلاف في العدول عن هذا الاصل لاعتبارات ابداها كل امام من أئمة المسلمين.
#فقد اختلف أئمة المسلمين من فقهاء ومحدثين، في المسألة، ونحن ننقل لك بكل آمانة خلاصة أقوالهم.
#وبعد البيان يبقى لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات.
#إذا لم تقتنع بقول، فاياك تسفيه القائل، فله حجة في مذهبه وعذر مع ربه.
=======#تحرير المسألة :
جواز إخراج القيمة في الزكاة، ومنها زكاة الفطر.
#المذهب الاول : وهو الاصل، ويكون اخراجها من قوت البلد
وهذا المذهب لا يحتاج الى برهان، وتأصيل.
ومستندهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كنا نخرج زكاةَ الفطرِ صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من شعيرٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من أَقِطٍ، أو صاعاً من زبيبٍ)، رواه مسلم
#المذهب الثاني : وهو الاستثناء بخلاف الاصل، فمن قال به، وماهي مصوغاته.
#ذهب أبو حنيفة وأصحابه، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وسيدنا عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -
#وهو قول الأشهب وابن القاسم من علمائنا، و هما من تلامذة الإمام مالك . حكاه ابن المواز.
#قال ابن رشد الجد [البيان والتحصيل: 2/486] قال أبو زيد: وقال ابن القاسم: في الرجل يكون عليه زكاة حب فيخرج عيناً، قال: أرجو أن تجزئ عنه؛ قيل له".
وهو اختيار ابن رشد الحفيد، قال: الإجزاء هو أظهر الأقوال.
وهو ما نصره الإمام القرطبي، حيث أوردَ عند تفسيره لآية مصارف الزكاة، وعند حديث: (أَغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) فقال: وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم، فأَي شيء سد حاجتهم جاز، قال تعالى: "خذ من أموالهم صدقة"، فلم يخص شيئا من شيء.". حيث رأى أنّ العبرة بسداد حاجة الفقراء والمحتاجين.
#قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه.
وأيضا: بحديث معاذ، وعليه بوب البخاري، وهو أن معاذ أخذ من أهل اليمن، اللبيس والثياب، وقال: هذا أنفع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ابن رشيد: أن البخاري وافق الحنفية، على كثرة مخالفته لهم. (فتح الباري: 57/5). حيث قاده إلى ذلك الدليل.
#وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير .
=======#تعليل الجواز في اخراج القيمة:
#أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أغنوهم - يعني المساكين - في هذا اليوم"، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.
#وخاصة في هذه الايام مثل تسديد فاتورة الكهرباء، والغاز، وربما يشتري بها ادوية.
#بل اصبحوا ياخذون هذا الطعام الى بعض المطاحن ويباع بنصف ثمنه، لان الفقير عنده ما يكفيه من الحبوب ولكن يحتاج الى مال.
#وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يأمر عماله عند جمع الزكاة، ان يحولها الى اغراض كانت المدينة في حاجة اليها مثل الثياب وغيرها مما تدعوا اليه الحاجة.
#وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبًا وسطًا بين الفريقين المتنازعين، قال فيه: (. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به: مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه. وقد نص أحمد على جواز ذلك.)
#ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاةً.
#ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع. فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أنها أنفع للفقراء، كما نُقِلَ عن معاذ بن جبل: أنه كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخميس أو لبيس، أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار، وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة وقيل في الجزية). (مجموع فتاوى ابن تيمية 25/82).
#فأثر معاذ ظاهر في الدلالة أما حديث خالد بن الوليد فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم له أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه فدلّ على جواز إخراج القيمة، وكذلك حديث زكاة بهيمة الأنعام هو صريح في جواز أخذ القيمة بدلاً من الواجب.
#وإذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب من باب أولى.
=======#فقه الواقع في ضوء فقه الموازنات:
#وجوهر الخلاف إنما هو بين مدرستين:
#المدرسة التي تراعي في اجتهادها المقاصد الكلية للشريعة، ولا تهمل النصوص الجزئية.
وتدور مع المعاني حيث دارت، مو غير التفات الى المسميات، وجريا مع تحقيق حاجة الفقير.
#والمدرسة التي لا تنظر إلا إلى النصوص الجزئية وحدها، مع التشبث بحقيقة اللفظ من منطلق التعبد.
#ومن مسالك المدرسة المقاصدية ما قعده الامام الشاطبي المالكي بقوله:" وَلَا يُقَالُ: إِنَّ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَعَانِي إِعْرَاضٌ عَنْ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ الْمَعْلُومَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي بَالَ فِيهِ الْإِنْسَانُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ؛ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا أَيْضًا مَعَارِضٌ بِمَا يُضَادُّهُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي تَتَبُّعِ الْمَعَانِي مَعَ إِلْغَاءِ الصِّيَغِ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شاةٌ" : إِنَّ الْمَعْنَى قِيمَةُ شَاةٍ؛ لِأَنَّ المقصود سد الخلة، وذلك حاصل بِقِيمَةِ الشَّاةِ؛ فَجَعَلَ الْمَوْجُودَ مَعْدُومًا، وَالْمَعْدُومَ مَوْجُودًا، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى أَنْ لَا تَكُونَ الشَّاةُ وَاجِبَةٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْمُخَالَفَةِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهِ الْمُخَالَفَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تَتَبُّعِ الْمَعَانِي.
وَإِذَا كَانَتِ الْمَعَانِي غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِإِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَقْصُودُ الصِّيَغِ؛ فَاتِّبَاعُ أَنْفُسِ الصِّيَغِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا مَعَ الْمَعَانِي كَالْأَصْلِ مَعَ الْفَرْعِ، وَلَا يَصِحُّ اتِّبَاعُ الْفَرْعِ مَعَ إِلْغَاءِ الْأَصْلِ، وَيَكْفِي مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى رُجْحَانِ هَذَا النَّحْوِ مَا ذُكِرَ. الموافقات (3/ 411)
#وقد عمل بهذا القول في خير القرون، بعد قرن الصحابة، وهو قرن التابعين لهم بإحسان، وعمل به خليفة أجمعوا على أنه من الراشدين المهديين.
فمن الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر".
#وممن رأى هذا الرأي الحافظ ابن أبي شيبة، حيث ترجم له في مصنفه بقوله: (باب إعطاء الدراهم في زكاة الدراهم في زكاة الفطر).
#روى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة - وعدي هو الوالي -: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38)
#وعن الحسن البصري قال: لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر. (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38).
#وعن عطاء بن أبي رباح : أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقًا - دراهم فضية -
#وهو قول الإمام أبو إسحاق السبيعي، قال: أدركتهم، وهم يؤدون القيمة في زكاة الفطر) (رواه ابن أبي شيبة)
=======#النظر المقاصدي في ضوء قاعدة رفع الحرج :
#فهذا الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه – في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان – هو الأنفع للفقراء.
#أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره، إنما أراد بذلك التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم.
#فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب، وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل، أو لا يوجد عنده منها شيء. وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب، أو الأقط.
#لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ، ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا "الأقط" - وهو اللبن المجفف المنزوع زبده - فكل إنسان يخرج من الميسور لديه.
#وقد تنبه الى هذا المقصد الإمام ابن تيمية حين أجاز لمن باع ثمر بستانه بدراهم أن يخرج عشرة منها، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، إذ قد ساوى الفقراء بنفسه، كما أجاز لمن لم يجد في مدينته من يبيعه شاة عن إبله، أن يخرج قيمتها ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى لشرائها.
#وبالنظر الى اتساع البلدان وكبرها، قد يعسر عليك احينا الحصول على هذه الحبوب خاصة في دول كثافة السكان فيها تتجاوز المائة مليون....
#ولننتبه الى قول الفقهاء لما قالوا : وتخرج من قوت اهل البلد.
#لانهم لولم يقول هذا، لعسر على اهل بلد طعامهم الارز، واخرون التين، واخرون القطاني.
#هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أن العدول عن المنصوص النبوي، إذان باعمال روح النصوص، وعدم التشبث باللفظ والنوع، جريا مع المعنى وتحقيقا للمقصد.
#قال الدكتور يوسف القرضاوي: والذي يلوح لي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين:
الأول: ندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس.
والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للأخذ. اهـ. والله أعلم بالصواب.
#وقد رجح هذا القول وأفاض في ذلك الشيخ مصطفى الزرقا،
#وفرق الشيخ أحمد الغماري بين البوادي والتي حالها مشابهُ لحال عصور الصحابة حيث لا أسواق لبيع الطعام المطبوخ مع وجود الآلات التي تمكنهم من الانتفاع بما عندهم من الحبوب، وبين الحواضر والتي المال فيها أحوج للفقير.
======#خلاصة:
#وخلاصة اقوال المالكية تنتهي في الجملة الى الكراهة مع الاجزاء، وهو حاصل روايات المدونة والبيان والتحصيل وشراح خليل.
ففي بلغة السالك للصاوي ( قوله فلا يجزئ الإخراج من غيرها ) أي إذا لم يكن ذلك الغير عينا وإلا فالأظهر الإجزاء لأنه يسهل بالعين سد خلته في ذلك اليوم .اهـ.
وهذا الكلام نقله عن الصاوي أيضا عثمان بري الجعلي شارح أسهل المسالك وقال في آخر الكلام على زكاة الفطر: ويجوز إخراج قيمتها عينا كما تقدم.
فاذا كانت الكراهة مع تحقيق مقصود الشارع، في اغناء الفقير بما يصلح حاله في ذلك اليوم، فهو سبب الاجزاء الذي مال اليه ائمتنا.
=======#وقت إخراجها:
#في المذهب المالكي يجوز إخراجها بيومين قبل العيد.
#وعند الحنفية يجوز إخراجها من اليوم الأول من رمضان إلى آخر يوم منه مراعاة لحال الفقير ..
#وتخرج قبل انصراف الإمام من صلاة العيد وإلا فهي صدقة وليست زكاة بعد هذا .
والله أعلم.
نسأل الله عز وجل لنا ولكم القبول
وحسن الظن وحسن القصد]