الأحد، 17 مارس 2024

حديث { مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً...} تخصيص لقوله ﷺ {كل محدثة بدعة ...}

 حديث { مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً...}




تخصيص لقوله ﷺ {كل محدثة بدعة ...}
وهو من تخصيص العُموم وَفْقَ القاعدة الأصوليّة..
إنّ ما يحدث من أمور لم تكن معروفة يجب أن يُعرَض على قواعد الشريعة ونصوصها فما شهدت له الشريعة بالحسن فهو حسن مقبول وما شهدت له الشريعه بالمخالفة والقبح فهو المردود وهو البدعة المذمومه، وقد يسمون الأول بدعة حسنة من حيث اللغة باعتباره محدثاً وإلا فهو فى الواقع ليس ببدعة شرعية بل هو سنة مستنبطة ما دامت شواهد الشريعة تشهد له بالقبول، سماها بذلك سيدنا مُحمَّدﷺ نفسه حين قال :
{مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا }.
و"سنَّ سنَّة" باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو نصوصه عموما، أى من أنشأ سنة حسنة مستندا إلى دلائل الشرع كان له أجرها، ومن أنشأ سنة سيئة مستندا إلى ما تنكره الشريعة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها.
وفي هذا الحديث تخصيص قوله ﷺ:{ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} وأن المراد به المحدثات الباطله والبدع المذمومة.
وممّن قال بتخصيص هذا الحديث الإمام النّووي رحمه الله، فقد قال في شرحه على صحيح مسلم وحديث "وكلّ بدعة ضلالة" هذا عامّ مخصوص والمراد به المحدثات التي ليست في الشّريعة ما يشهد لها بالصّحّة فهي المراد بالبدع (ج 6 ص 153) ثمّ إنّ سياق الحديث يدلّ على صَرْف الحديث عن العموم ومن القرائن القويّة أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أمر أصحابه أوّلاً بالسّنّة فقال "عليكم بسنّتي.." الحديث إلى أن قال "وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة"، فإنّ الرّسول الكريم لمّا أمر أصحابه بالتزام سنّته وسنّة الخلفاء الرّاشدين اقتضى ذلك أن تقبل الأمّة منهم كلّ ما أحدثوه وكان له أصل يندرِج تحته، ولو كان كلُّ إحداث ممنوعًا شرعًا لكان الرّعيل الأوّل هم أوّل من أحدث في دين الله وحاشاهم ذلك.. وهذه قرينة قويّة صارفة للحديث عن عمومه.
ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها، بل يجب أن يُعرَض ما أُحْدِث على أدلة الشرع فما اشتمل على حاجة أو مصلحة ضروريّة فهو واجبٌ، أو على محرّم فهو محرَّم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب..
قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏قال النبي صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله ،آجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئ ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوز ارهم شيء رواه مسلم - الشاقة தhl سد‏'‏
كل التفاعلات:
١

ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ

 ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ


ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺐ ﺃﻣﺮ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻻ ﺧﻼﻑ ﻓﻴﻪ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﻉ ﻫﻮ ﺍﻷﺧﺬ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻓﺄﻣﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ .
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺭﺟﺐ ﺍﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺷﺮﺡ ﻋﻠﻞ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻡ 1 ﺹ 72 ﻃﺒﻌﺔ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻔﻼﺡ : ﻗﺪ ﺭﺧَّﺺ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺮﻗﺎﻕ ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ، ﻣﻨﻬﻢ ﺍﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ ، ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ : ﻻ ﺗﺄﺧﺬﻭﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ، ﻭﻻ ﺑﺄﺱ ﺑﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ، ﻭﺭﻭﻯ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ : ﺇﻧﻪ ﺿﻌﻴﻒ ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﻭﻱ ﻋﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ – ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻋﻆ ﻭﺍﻟﺮﻗﺎﻕ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻣﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﻭﻛﺎﻥ ﺿﻌﻴﻔﺎ : ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺍﻟﺮﻗﺎﻕ ، ... ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺭﺟﺐ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﻭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ، ﻭﺍﻵﺩﺍﺏ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﻬﻤﻮﻥ ﺑﺎﻟﻜﺬﺏ ، ﻓﺄﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻬﻤﺔ ﻓﻴﻄﺮﺡ ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ ، ﻛﺬﺍ ﺫﻛﺮﻩ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻭﻏﻴﺮﻩ . ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺑﺤﺮﻭﻓﻪ
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻉ : ﻗﺪﻣﻨﺎ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ . ﺍ . ﻫـ
ـ ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﺑﻦ ﻣﻔﻠﺢ ﺍﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ : ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻗﻄﻊ ﺑﻪ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﺻﻨﻒ ﻓﻲ ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻭﻻ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﻛﺎﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ، ﻭﻋﻦ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻣﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻫﺬﺍ . ﺍ . ﻫـ
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺤﻄﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺧﻠﻴﻞ : ﺍﺗﻔﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ . ﺍ . ﻫـ
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺷﻬﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺮﻣﻠﻲ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﻓﺘﺎﻭﻳﻪ ﻣﺠﻴﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻮﻯ ﻭﺟﻬﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻭﻫﻞ ﻳﺜﺒﺖ ﺑﻪ ﺣﻜﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺣﻜﻰ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﺗﺼﺎﻧﻴﻔﻪ ﺇﺟﻤﺎﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺒﺮ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﻪ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ : ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﺯﻛﺮﻳﺎ ﺍﻟﻌﻨﺒﺮﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺇﺫﺍ ﻭﺭﺩ ﻟﻢ ﻳﺤﺮﻡ ﺣﻼﻻ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﻠﻞ ﺣﺮﺍﻣﺎً ﻭﻟﻢ ﻳﻮﺟﺐ ﺣﻜﻤﺎً ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺗﺮﻏﻴﺐ ﺃﻭ ﺗﺮﻫﻴﺐ ، ﺃﻏﻤﺾ ﻋﻨﻪ ﻭﺗﺴﻬﻞ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺘﻪ ... ﺇﻟﺦ . ﺍﻧﺘﻬﻰ
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﻔﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺘﺒﺼﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺬﻛﺮﺓ /1 ﺹ 291 ﻃﺒﻌﺔ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ )) ﺗﻘﺪﻡ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺇﻻ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ، ﻓﻲ ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻛﺎﻥ ، ﻭﺃﻣﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ، ﻓﺠﻮَّﺯﻭﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﻭﺭﻭﺍﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻀﻌﻔﻪ ، ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻋﻆ ﻭﺍﻟﻘﺼﺺ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻛﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﻣﺎ ﻳﺠﻮﺯ ﻭﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻭﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻣﻤﻦ ﻧﺺ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷﺋﻤﺔ ، ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ، ﻭﻗﺪ ﻋﻘﺪ ﺍﺑﻦ ﻋﺪﻱ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ " ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ " ﻭﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﻓﻲ " ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ " ﺑﺎﺑﺎ ﻟﺬﻟﻚ (( . ﺍﻧﺘﻬﻰ .
ﻭﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻇﻔﺮ ﺍﻷﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﺍﻟﻠﻜﻨﻮﻱ ﺹ 210 ﻃﺒﻌﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ – ﺍﻟﻬﻨﺪ ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﺼﺮﻩ : )) ﻭﻳﺠﻮﺯ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﻧﻴﺪ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺑﻴﺎﻥ ﺿﻌﻔﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻋﻆ ﻭﺍﻟﻘﺼﺺ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ (( .
ﻭﻋﻠﻖ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻠﻜﻨﻮﻱ ﻗﺎﺋﻼً : ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺮﻯ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻳﺪﺭﺟﻮﻥ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﺎﻧﻴﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺑﻀﻌﻔﻬﺎ ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺣﻠﺒﻲ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﺩﻳﺒﺎﺟﺔ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺓ ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ : ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺗﺠﻤﻊ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻭﺍﻟﺴﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ﻭﺍﻟﻤﻌﻀﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ . ﺍﻧﺘﻬﻰ .
ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺗﻌﻠﻢ ﻏﻠﻂ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺑﺪﻋﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻪ ﺑﺪﻋﺔ ﻛﻼﻡ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻤﺎ ﻗﺮﺭﻩ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ . ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺟﺮ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻛﺘﺐ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ ﺛﻢ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﻌﻔﻪ ﻫﻮ ؛ ﻓﺼﺎﺭﺕ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ ﻣﻬﺠﻮﺭﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻭﺍﻧﺘﺸﺮ ﺍﻟﺘﺸﺪﺩ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻊ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺨﺘﺎﻡ ﺃﻧﺼﺢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻟﻠﻤﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻱ ﻧﻔﺲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻱ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺬﻑ ﻣﻨﻪ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ ، ﺑﻞ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻱ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﻟﻴﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﻭﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﺋﻤﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ، ﻭﻻ ﺗﻀﻴﻊ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺑﻨﻬﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻦ ﺳﻨﻦ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﻧﺖ ﻻ ﺗﺪﺭﻱ .

القول بالإحسان العميم في انتفاع الميت بالقرآن العظيم

 القول بالإحسان العميم في انتفاع الميت بالقرآن العظيم



للإمام العلامة نور الدين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى
المعروف بابن القطان العسقلاني 813 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفقهم الله لطاعته أجمعين.
في كيفية الدعاء لميت بعد موته على ما ورد به الحديث، فإن القراء حين يدعون يهدون قراءتهم إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إلى من تلي لأجله، فهل ورد بهذا خبرٌ أو أثرٌ أم لا؟ وهل يصل ثواب القراءة للميت أم لا؟ وهل يكفي ثوابٌ أو يتعين مثل ثوابٍ؟ أفتونا مأجورين أبقاكم الله وأثابكم الجنة بمنه وكرمه.
فأجاب: اللهم ارشدني للصواب.
القراءة وإهداؤها للنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فيه خبرٌ ولا أثر، وقد أنكره جماعة منهم الشيخ برهان الدين ابن الفركاح، وقال الحافظ أبو عبد الله محمد ابن قيم الجوزية في كتابه ((الروح)) في الإهداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: من الفقهاء المتأخرين من استحبه، وسيأتي ما يعضد الجواز، ومنهم من لم يستحبه ورآه بدعة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعله أحد منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم غنيٌ عن ذلك إذ له أجر كل من عمل خيراً من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيءٌ.
وقال الشافعي: ما من خير يعمله أحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا والنبي صلى الله عليه وسلم أصلٌ فيه.
واختلف العلماء في ثواب القراءة للميت، فذهب الأكثرون إلى المنع وهو المشهور من مذهب الشافعي ومالك، ونقل عن جماعة من الحنفية.
واستدل بقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وبقوله تعالى: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} وبقول النبي: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم
ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
وقال كثيرون من الشافعية والمالكية والحنفية: تصل، وبه قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بعد أن قال: القراءة على القبر بدعة، بل نقل عن الإمام أحمد: يصل إلى الميت كل شيء من صدقة وصلاة وصوم وحج واعتكاف وقراءة وذكر وغير ذلك. ونقل عن جماعة من السلف، ونقل عن الشافعي رحمه الله انتفاع الميت بالقراءة على قبره، وسيأتي في قراءة الشافعي عند قبر الليث ما يدل عليه.
واختار شيخنا شهاب الدين عقيل رحمه الله وصول ثواب القراءة للميت، وكنا نزور معه جماعة موتى من الصالحين بالقراءة، منهم الصحابي عقبة بن عامر، وسيدي إسماعيل المزني، والقاضي بكار،
والإمام الشافعي، وسيدي أبو العباس الحرار، وسيدي الليث بن سعد، وصح واشتهر وتواتر أن الشافعي رحمه الله أثنى عليه خيراً متزايداً، وذكر أنه كان أفقه من غيره ممن هو من أكابر السادات العلماء، ولكن أضاعوه أصحابه، وقرأ عنده ختمة، وقال: أرجو أن تدوم القراءة عنده كذلك دائمة لا تنقطع (ويمضي لهم ليلة عظيمة، وربما اجتمع عنده عشرون جوقةٌ أو أكثر من أكابر السادة القراء والمشايخ والصالحين تقبل الله منهم وأثابهم).
ووصول ثواب القراءة إلى الميت قريباً أو أجنبياً هو الصحيح، كما تنفعه الصدقة والدعاء والاستغفار بالإجماع.
وقد أفتى القاضي حسين بأن الاستئجار للقراءة على رأس القبر جائز كالاستئجار للأذان وتعليم القرآن.
ولكن قال الرافعي وتبعه النووي -رحمهما الله تعالى-، عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الإجارة كما سبق، فيجب عود المنفعة في هذه الإجارة إلى المستأجر أو ميته، لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير له، ومشهور بأن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة، أقرب الإجابة وأكثر بركة
والثاني ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي أنه إن نوى القارئ بقرءاته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، لكن لو قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر فهذا محصول ذلك الأجر للميت فينتفع الميت.
قال النووي في زيادات ((الروضة)): ظاهر كلام القاضي حسين صحة الإجارة مطلقاً وهو المختار، فإن موضع القراءة موضع بركة وتنزل الرحمة وهذا مقصود بنفع الميت.
وقال الرافعي وتبعه النووي رحمهما الله تعالى في كتاب ((الوصية)): الذي يعتاد من قراءة القرآن على رأس القبر، قد ذكرنا في باب الإجارة طريقين في عود ما يقرأها إلى الميت، وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث وهو أن الميت كالحي الحاضر فيرجى له الرحمة ووصول البركة إذا أهدي الثواب إلى القارئ.
وعبارة ((الروضة)): إذا أهدي الثواب إلى القارئ، انتهى.
وعن القاضي أبي الطيب: الثواب للقارئ والميت كالحاضر فترجى له الرحمة والبركة، وعن السالوسي عبارة أوسع مما تقدم وهي القارئ إن نوى بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم تلحقه إذا جعل ذلك قبل حصوله وتلاوته عبادة البدن فلا تقع عند القبر، وإن نوى ثم جعل ما حصل من الثواب للميت ينفعه إذ قد جعل من الأجر لغيره والميت يؤجر بدعاء الغير له، وسيأتي أن النووي نقل عن العلماء استحباب قراءة
القرآن عند القبر، وإطلاق أن الدعاء ينفع الميت اعترض عليه بعضهم فقال: هو وغيره موقوف على الإجابة، ويمكن أن يقال: الدعاء للميت مستجاب كما أطلقوا اعتماداً على فضل الله الواسع، وقد أثنى الله تعالى على القائلين: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم}.
قال الرافعي وتبعه النووي -رحمهما الله تعالى-: يستوي في الصدقة والدعاء الوارث، والأجنبي.
قال الشافعي رحمه الله: وفي وسع الله تعالى أن يثيب الله المتصدق أيضاً، وعلى هذا قال الأصحاب: يستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن أبويه فإن الله ينيلهما الثواب ولا ينقص من أجره شيئاً.
وذكر صاحب ((العدة)) أنه لو أنبط عيناً، أو حفر نهراً، أو غرس شجراً، أو وقف مصحفاً في حال حياته، أو فعل غير بعد موته يلحق الثواب بالميت.
قال الرافعي والنووي -رحمهما الله تعالى-: وعلم من هذه الأمور إذا صدرت من الحي فهي صدقات جارية ويلحقه ثوابها بعد الموت، كما ورد في الخبر.
وعبارة ((الروضة)) كما صح في الحديث، وإذا فعل غيره عنه بعد موته فقد تصدق عنه، والصدقة عن الميت منفعة ولا ينبغي أن يختص
الحكم وعبارة ((الروضة)) ولا يختص الحكم، بوقف المصحف بل يلحق به كل وقف، وهذا القياس يقتضي جواز التضحية عن الميت، فأنها ضرب من الصدقة، وقد أطلق أبو الحسن العبادي جواز التضحية عن الغير بغير إذنه، وروي فيه حديثاً، لكن في ((التهذيب)) انه لا يجوز التضحية عن الغير بغير أمره، وعبارة ((الروضة)): بغير إذنه، وكذا عن الميت إلا أن يكون أوصى به، انتهى.
وروي عن علي أو غيره من الصحابة أنه لا يضحى عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وعن أبي العباس محمد بن إسحاق السراج قال: ضحيت عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعين أضحية.
وقياس الأضحية على قول أبي الحسن العبادي وغيره، جواز إهداء القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وما كان على غيره صدقة، فهو له هدية صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: (وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي صلى الله عليه وسلم باثنين ثم غرس على قبر نصفاً وعلى قبر نصفاً وقال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا))، أخرجه البخاري ومسلم قال: وفي ((مسند أبي داوود الطيالسي)): ((فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال: ((إنه يهون عليهما ما دام من بللهما شيء))، قال القرطبي: قال علمائنا يستفاد من هذا غرس الأشجار، وقراءة القرآن على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن).
وفي بعض الأحاديث: ((إنهما يسبحان ما دام رطبين))، وقال: القرطبي أيضاً: (استحب العلماء زيارة القبور لأن القراءة والذكر تحفة الميت من زائرة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كان أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن هدايا الأحياء للأموات دعوة الدعاء والاستغفار)).
وقال النووي رحمه الله: (استحب العلماء قراءة القرآن عند القبر واستأنسوا لذلك بحديث الجريدين وقال: إذا وصل النفع إلى الميت بتسبيحهما حال رطوبتهما، فانتفاع الميت بقراءة القرآن عند قبره أولى) ا. هـ.
فإن قراءة القرآن من إنسان أعظم وأنفع من التسبيح من عود، وقد نفع القرآن بعض من حصل له ضرر في حال الحياة، فالميت كذلك.
قال ابن الرفعة: (الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ((وما يدريك أنها رقية))، فإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى، لأن
الميت يقع عنه من العبادات بغير إذنه ما لا يقع عن الحي. نعم يبقى النظر أن ما عدا الفاتحة من القرآن الكريم إذا قرئ وقصد به ذلك هل يلحق به؟
نعم يلحق به، ففي كتاب ابن السني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ في أذن مبتلى، فأفاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما قرأت في أذنه))، قال: قرأت: {أفحسبتم أنما خلقنكم عبثاً} حتى فرغت من آخر السورة، فقال رسول الله: ((لو أن رجلاً قرأ بها على جبل لزال)).
ومثل ذلك ما جاء في القرآن بسورة المعوذتين والإخلاص وغير ذلك، وفي الرقية بالقاتمة دليل على صحة الإجارة والجعالة لينتفع بها الحي فكذلك الميت.
ومما يشهد لنفع الميت بقراءة غيره قوله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا على موتاكم))، رواه أبو داوود من حديث معقل بن يسار، قال النووي: (إسناده ضعيف فيه مجهولان لكن لم يضعفه أبو داوود) انتهى.
عادة المحدثين في حديث الذي يرويه أبو داوود ولم يضعفه أنه غير ضعيف، قال أبو داوود: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد
بينته وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وكذا بعضها أصح من بعض.
قال بعض المحدثين: الحديث الذي يرويه أبو داود ولم يضعفه يكون تارة صحيحاً وتارة حسناً، وفي كلام ابن الصلاح: (أن ما وجدنا في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من ((الصحيحين)) ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفنا أنه حسن عند أبي داود ومجرد الستر لا يكن الحديث ضعيفاً، بل قد يكون في الحديث مستور والحديث حسن)، كما قاله ابن الصلاح وغيره بشروط ذكرت.
والحديث في (قراءة يس على الموتى) رواه ابن حبان في ((صحيحه)) ورواه ابن ماجه، ورواه النسائي ولفظه: ((اقرؤوا يس عند موتاكم)) وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ولفظه: ((يس ثلث القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله فاقرؤوها على موتاكم)).
وأول جماعة من التابعين وصول القراءة للميت بالمحتضر، واستحب بعض العلماء أن يقرأ عليه سورة الرعد، والتأويل خلاف الظاهر، ثم يقال عليه: إذا انتفع المحتضر بقراءة (يس) وليس من سعيه، فالميت كذلك، والميت كالحي الحاضر يسمع كالحي الخاص، كما صح في الحديث خلافاً لمن خالف.
وعن مجالد عن الشعبي وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه أمر
أن يقرأ عند قبره سورة البقرة، وأخرج النسائي وغيره من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مر على المقابر وقرأ: {قل هو الله أحد} إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر عدد الأموات))، وروي من حديث أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور أدخل الله في كل قبر من المشرق إلى المغرب أربعين نوراً، ووسع الله عليهم مضاجعهم، وأعطى الله عز وجل القارئ ثواب ستين نبياً، ورفع الله له بكل ميت درجة، وكتب الله له بكل ميت عشر حسنات)).
وفي ((تذكرة)) القرطبي وغيرها قال علي بن موسى: كنا مع أحمد ابن حنبل في جنازة ومحمد بن قدامة يقرأ، فلما دفنا الميت جاء رجل ضرير يقرأ، فقال أحمد: يا هذا! القراءة على القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر، قال محمد بن قدامة لأحمد، يا أبا عبد الله! ما تقول في مبشر بن إسماعيل؟ قال: ثقة، قال: هل كتبت عنه شيئاً؟ قال: نعم،
قال: أخبرني مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك، قال أحمد: فارجع إلى الرجل فقل له يقرأ.
وفي ((الإحياء)) لحجة الإسلام الإمام الغزالي، و ((العاقبة)) لعبد الحق، قال: أحمد بن محمد المروزي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم للمقابر فاقرؤوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين و {قل هو الله أحد} واجعل ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.
وصحت الأحاديث أن الله تعالى انزل المعوذتين ويقول لها المبرأتان أي يبريان من السحر ومن كل أذى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما فهما رقيتان كالفاتحة.
((وفي العاقبة)) لعبد الحق (قال: حدثني أبو الوليد إسماعيل بن أحمد عرف بابن افرند، وكان هو وأبوه صالحين معروفين، قال لي أبو الوليد: مات أبي رحمه الله فحدثني بعض إخوانه ممن يوثق بحديثه نسيت أنا اسمه قال لي: زرت قبر أبيك فقرأت عليه حزباً من القرآن ثم قلت: يا فلان هذا قد أهديته لك فماذا لي؟ قال فهبت علي نفحة مسك غشيتني وأقامت معي ساعة ثم انصرفت وهو معي فما فارقني إلا وقد مشيت نحو نصف الطريق).
وفي ((تذكرة)) القرطبي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنك لتصدق على ميتك بصدقة فيجيء بها ملك من الملائكة في أطباق من نور فيقوم على رأس القبر فينادي يا صاحب القبر القريب أهلك قد أهدوا إليك هذه الهدية فاقبلها، قال: فيدخلها الله في قبره، ويفسح له في مدخله، وينور له فيه، قال: فيقول: جزى الله عني أهلي خيراً الجزاء، قال: فيقول (لزيق) ذلك القبر أنا لم يخلق لي ولد ولا أحد يذكرني بشيء فهو مهموم والآخر يفرح بالصدقة)).
وأما ما رواه الصالحون وأهل الخير في المنام ورؤياهم كلها متواطئة بعدما يقرؤون ويهدون للميت، مما يدل على ثواب القراءة إليهم وانتفاعهم بذلك فكثير لا يخفى، ولقد حكي لي بعض من أثق إليه من أهل الخير أنه مر بقبور فقرأ: {قل هو الله أحد} وأهدى ثوابها لهم فرأى واحداً منهم في المنام وأخبره أن الله غفر له ولسائر القبور، فخصه ثواباً دائماً .. من سورة {قل هو الله أحد} وتقسم الباقون باقيها ببركة {قل هو الله أحد}.
ولا يشترط لفظٌ في وصول الثواب، لفظ هذا، ولا جعل ثوابٍ، بل تكفي النية قبل القراءة وبعدها خلافاً لما نقلناه عن السالوسي في القبلية، نعم، لو فعله لنفسه ثم نوى جعله للقبر لم ينفع القبر، ويكفي القارئ ذكر ثواب ولا يتعين مثل ثواب.
وقال النووي: المختار أن يدعوا بالجعل فيقول: اللهم اجعل ثوابها
واقفاً لفلان، وقال في ((الأذكار)): (الاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان)، وليس ثواب على تقدير المثل بل لو قال: مثل ثواب تكون مثل زائدة كما هو أحد الأقوال: {ليس كمثله شيءٌ} نعم أن قيل: القارئ له ثواب قراءته وللمقروء له مثل ثوابها فيكون ثوابها على تقدير وهو خلافٌ ظاهر مختار النووي وخلاف الأئمة المهدين فأنهم حين يهدون يقولون: اجعل ثواب، والأصل عدم التقدير.
وينقدح في قوله: اجعل ثواب احتمالان: أن يكون للمهدي له وللقارئ مثلها، الثاني: أن يكون للمهدي وهو للقارئ وللمهدي له مثلها.
وأما قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ففيها أجوبة في مذهب من قال بوصول القراءة للميت.
أحدها: منسوخة، روي ذلك عن ابن عباس، نسخه قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} فجعل الولد
الطفل في ميزان أبيه ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء، والأبناء في الاباء بدليل قوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً}.
الثاني: أنها مخصوصة بالكافر، والمؤمن له ما سعى غيره، قال القرطبي: (وكثير من الأحاديث تدل على هذا القول وأن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيره)، وفي ((الصحيح)) عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: للذي حج عن غيره: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) وروي عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه))، وقال سعد للنبي: إن أمي توفيت أفأ تصدق عنها؟ قال: ((نعم)) قال: فأي الصدقة أفضل، قال: ((سقي الماء)). وفي الموطأ عن أبي بكر عن أخته أنها حدثته عن جدته ((أنها جعلت على نفسها مشياً إلى مسجد قباء، فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله ابن عباس أبيها أن يمشي عنها)).
قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون قول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان ما سعى} خاصة بالسنة بدليل ما في ((صحيح مسلم)) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، وإن عملها (كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء)، فإن عملها سيئة واحدة)) انتهى.
وفي حديث: ((وإذا هم بسيئة ولم يعملها كتبتها له حسنة)). وكنت بحثت مع شيخي سراج الدين البلقيني رحمه الله تعالى -بالخشابية بجامع عمرو بن العاص-، هل تضعف هذه الحسنة أيضاً؟ فقلت ينبغي أن تضعف لقوله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً}، فقال: نعم وتضعف من جنس ما هم.
ومن المفسرين من قال: الإنسان في الآية أبو جهل، ومنهم من قال: عقبة بن أبي معيط، ومنهم من قال: الوليد بن المغيرة، ومنهم من قال: الإنسان بسعيه في الخير وحسن صحبته وعشرته اكتسب الأصحاب وأسدى لهم الخير وتودد إليهم فصار ثوابها له بعد موته من سعيه، وهذا أحسن. ومنهم من قال: اللام بمعنى على، نظير: {وان أسأتم فلها} أي عليها، ونظير قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة: ((خذيها واشترطي لهم الولاء)) في أحد الأجوبة، ومنهم من قال: الإنسان في الآية للحي دون الميت، ومنهم من قال: لم ينف في الآية انتفاع الرجل بسعي غيره له وإنما نفى عمله بسعي غيره، وبين الأمرين فرق.
وقال الزمخشري في: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}.
(فإن قلت: أما صح في الأخبار الصدقة عن الميت والحج عنه، قلت: فيه جواب:
أحدهما: أن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمناً مصدقاً كذلك كان سعي غيره كأنه سعى بنفسه لكونه تبعاً له وقائماً لقيامه.
والثاني: ان سعي غيره لا ينفعه إذا عمل لنفسه ولكن إذا نواه فهو حكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه) اهـ.
والصحيح من الأجوبة أن {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} مخصوص
لما تقدم من الآية وكذا: {فاليوم لا تجزون إلا ما كنتم تعملون} وكذا: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)).
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم دائماً أبداً إلى يوم الدين، آمين.

الفرق بين الشيخ الطريفي فك الله اسره وصالح الفوزان !

تعليقٌ علمي على ما قاله صالح الفوزان حيثُ سئل:
(نص السؤال) فضيلة الشيخ وفقكم الله تقسيم النصوص الشرعية إلى قطعي الثبوت قطعي الدلالة قطعي الدلالة قطعي الثبوت ظني الدلالة إلى غير ذلك؟
(نص الجواب): هذا كله هراء، هذا كله هراء، كل ما كان ثابتا فهو قطعي الدلالة، كل ما كان ثابتا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قطعي الدلالة، يفيد العلم، ويفيد اليقين، أما ما لم يثبت فهذا لاحتجاج به، نعم.
هذا كلامه بنصه:
وهذا كلامٌ عجيب، يجوز بالإجماع التعجب منه، ولا يجوز الإنكار على المتعجبين بالإجماع، وهو كلام مخالف للعلماء، ولمناهج العلماء، ولمسالك العقلاء.
فتقسيم النصوص [من حيثُ الورُودُ] إلى ما ثبت وروده قطعا (أيْ: صَحَّتْ نِسْبَتُهُ إلى قائله بيقين) كنصوص القرآن كله والمتواتر من السنة، وما ألحق بالمتواتر عند بعضهم، وما ثَبَتَ ورُودُه ظنا راجحاً أو ظنا مرجوحا، وما لم يثبت أمر لا خلاف فيه بين العلماء العقلاء.
وتقسيم النصوص [من حيثُ الدلالةُ] إلى ما يَدُلُّ على المراد دلالة قطعية بحيث لا يبقى أي احتمال آخر يُحمل عليه النص، وإلى ما ليسَ كذلك، بل هو محتملٌ لأكثر من معنى، وأكثر من تفسير، هذا التقسيم لا خلاف فيه بين العلماء قاطبة.
فكتابُ الله تعالى كله قطعي الثبوت، فمن أنكر أيَّ آية من كتاب الله كفرَ، ولكن مع قطعنا وجزمنا وإيماننا بأن كل آية في المصحف هي كلام الله تعالى فإننا مع ذلك نعتقد جزما وقطعاً ويقينا أن هذه الآيات الكريمات منقسمة إلى قطعي الدلالة وظني الدلالة، فقوله تعالى مثلاً: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] آية من القرآن قطعاً، وهي كلام الله قطعاً، ويَكْفُرُ من أنكرها قطعاً، ولكنَّ دلالتها على معناها ليست قطعية، بل اختلفَ الصحابة فمن بعدهم في دلالتها، فذهب المالكية والشافعية إلى أن الأقراء هي: الأطهار، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الأقراء هي الحيض.
وهذا والله أمرٌ ما كُنَّا نحتاج أن نكتبَ فيه سطراً ولا كلمة لكونه معلوما معروفا واضحا عند أصغر طلاب العلم الشرعي، وإذا امتدت يَدُكَ إلى تفسير الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين وبدأت بمطالعته فستجد أن أكثر القرآن هو من قسم ظني الدلالة، فما مِنْ آية في الأكثر إلا ويقول لك الإمام الطبري قد اخْتُلِفَ فيها على أقوال.
وليست هذه المسألة بأوَّل طوام الشيخ صالح الفوزان، فهو في فتاويه كثير التهور والمجازفة، فقد سُئلَ عن تلقين الميت في قبره، فقال بدعة لا يفعله إلا الجهلة، مع أنَّ تلقينَ الميتِ في قبره وَرَدَ فيه حديثٌ عند الطبراني، وقال بالتلقين جماعات من السلف، وقال به علماء المذاهب الأربعة السنية، وقال الشيخ ابن تيمية بأن أعدلَ الأقوال فيه الإباحة
وسئل عن قيادة المرأة للسيارة فقال بمنعها وعلل ذلك بأنها إنْ قادت السيارة فستذهب إلى عشيقها، وبقطع النظر عن الحكم، فإنَّ هذا التعليل لا فرق فيه بين الرجل والمرأة، فيمكن أن يقودَ كُلٌّ منهما السيارةَ إلى معشوقه، وحينئذ فينبغي على هذا التعليل أن تكونَ قيادة السيارة حراماً على الرجل والمرأة.
هذه الفتاوى بهذا الشكلِ والنمطِ من الإسفافِ سببٌ لنفور الناس من الدين، وسُخريتهم من الدين وعلمائه وأهله، فبالله عليكم كفى عبثاً ولعباً.

هل يجوز النقد بدل الإطعام في زكاة الفطر وفدية الصيام ؟





 
هل يجوز النقد بدل الإطعام في زكاة الفطر وفدية الصيام ؟


قال الله تعالى (( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ))
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: « فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ : عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» متفق عليه
اتفاق العلماء على أن الأصل هو الإطعام
لكن هل إذا كانت المصلحة للفقير أن نعطيه مالاً يجوز أم لا ؟
قد أجاز بعض العلماء النقد بدل الإطعام إذا كانت هناك مصلحة للفقير
فمثلا لو أعطيت فقيرا " كيس طحين " قد اشتريته بعشرين ألف دينار وأنت تعلم أنه سوف يبيع الطحين وسيبيعه بخمسة عشر ألف دينار أقل من سعره الأصلي لحاجته للمال !! فإذن إعطاءك الفقير العشرين ألف دينار تكون أفضل من إعطاءك الطحين للفقير ثم يبيعه بأقل من سعر الشراء
فالشارع في تشريعه الزكاة أو الكفارة بالتأكيد قد راعى مصلحة الفقير
فحاجة الفقير اليوم ليس كحاجته في زمن النبوة
والفتوى تتغير بتغير الزمان والأحوال والأعيان
فأنت بإخراجك الطعام تكون في جانب الأمان ويمكن أن تبحث عمن يحتاج الطعام من المساكين أو الفقراء
لكن لو أخرجت نقدا لفقير ترى حاجته لها فقد قال بجوازها علماء من المتقدمين والمتأخرين
عن أبي إسحاق السبيعي وهو من التابعين وقد أدرك عليا وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قال: " أدركتهم وهم يؤدّون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام "
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (25/82): "وَقد سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَمَّنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:
وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ "
وقال "وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ"
اللهم وفقنا لرضاك

هل يتصدق بثمن الأضحية للمحتاجين ...!؟

 هل يتصدق بثمن الأضحية للمحتاجين ...!؟




الأضحية عبادة عظيمة يتقرب بها إلى الله تعالى ويكون بإنهار دمها ...
فإنهار الدم أمر مقصود شرعا وهو أمر زائد على التصدق بلحمها والأكل منها .
فلايجزيء عن سنة الأضحية أن تتصدق بثمنها .
والأضحية شعيرة من شعائر الله فلابد من تعظيمها وإشاعة العمل بها
ولايصح قياسها على زكاة الفطر من حيث استبدالها بالصدقة فمن أجاز النقد بدل الإطعام في زكاة الفطر اعتبر أنّ كلاهما هو من جنس الصدقة فكما يتصدق بالطعام يتصدق أيضا بالمال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى : ( والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك ،فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة ) .
لكن هناك حالات خاصة تعرض للإنسان ..
فلو أن مسلما قارن بين حالتين هل يشتري بهذا المال أضحية أم يتصدق به على هذا المضطر أو المحتاج ؟
فقد يكون هناك مريض يحتاج إجراء عملية أو يحتاج دواء لمرض مزمن وليس عنده من يعينه أو يسعى في علاجه وقد يكون المريض او المحتاج من قرابته وقد يكون مدينا معسرا وهو مطالب الآن بأداء دينه فهذه حالات خاصة قد تمر بالمسلم فالتصدق عليه هنا بثمنها قد يكون أفضل من التضحية وخاصة لمن قد ضحى من قبل وعمل بهذه السنة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى :
" وَالْحَجُّ - يعني حج التطوع - عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً .
وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ ،
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِهِ ،
[ إذن فالصدقة على الأقارب المحتاجين أو على قوم مضطرين للنفقة أفضل من حج النافلة ]
فَأَمَّا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا تَطَوُّعًا فَالْحَجُّ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ .
وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ "
وقال العلّامة العثيمين رحمه الله في الفتاوى 13 /149 :
" إذا دار الأمر بين الأضحية وقضاء الدين عن الفقير فقضاء الدين أولى ، لاسيما إذا كان المدين من ذوي القربى ".
اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ماينفعنا وتقبل منا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.