الخميس، 19 مايو 2022

هل كل قرض جر منفعة فهو ربا؟!

 

💥هل كل قرض جر منفعة فهو ربا
السؤال: شيخنا هل صحيح أن كل قرض نتج عنه منفعة لصاحبه فهو يدخل في باب الربا ؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فأصلُ هذه القاعدة الحديثُ الذي رواه البيهقي في السنن الكبرى : ((كل قرض جر منفعة، فهو ربا )) ، والحديث لا يصح رفعه للنبي –صلى الله عليه وسلم- فهو موقوف على الصحابي اصح كما قرر ذلك اهل التحقيق.
👈فهذا الحديث وإن كان سنده ضعيفا إلا أنه صحيح المعنى، والمقصود به النفع المشروط، او ما كان عادة الناس في سداد القرض ، وقد وردت شواهد بمعناه من أقوال الصحابة وافعالهم ، وذلك لأن القرض إنما يقصد به الإرفاق ودفع حاجة المقترض، فهو من عقود الارفاق والتبرعات وليس من عقود المعاوضات ، فإذا تعدى إلى أن يشتمل على منفعة للمقرِض مشروطة أو متواطأ عليها فإنه يخرج عن موضوعه الذي من أجله شُرع.
قد نقل الامام ابن المنذر –رحمه الله تعالى- إجماع العلماء على ذلك في كتاب الاجماع فقال: (أجمعوا على أن المسلف إذا اشترط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا).
👈واما شرح قاعدة: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا)، فقد قرر العلماء ان هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وإنما النفع المحرَّم والذي هو من باب الربا، هو الذي يكون مشترطًا مع القرض أو كان في حكم المشترط، كأن يكون عُرفا اعتاده الناس في سداد القرض ، أما إذا لم يكن كذلك، فلا بأس به.
فاذا أقرض شخصٌ شخصا اخر مطلقًا من غير شرط، فقضاه خيرًا منه في الصفة، أو زاد في القدر، فهذا لا بأس به، ولا يُكرَه للمُقرِض أخذه عند جماهير العلماء؛ لحديث أبي رافع – رضي الله عنه- في صحيح مسلم قال: استَسلَف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بَكْرًا فجاءته إبل الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بكرًا، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملاً خيارًا رباعيًّا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطِه إيَّاه، فإن خيرَكم أحسنُكم قضاءً)) . والبكر هو الفتي من الإبل او الصغير من الإبل، والرباعي هو الذي سقطت رباعيته، وهو الذي دخل في السن السابعة وهو بلا شك افضل واغلى ثمنا من البِكر.
وما رواه جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: (وَكَانَ لِي عَلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي) متفق عليه.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابو داود والنسائي قوله عليه الصلاة والسلام : ((مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ )). فقضاء الدَين او القرض بأفضل منه في الصفة، أو زيادة في القدر، دون شرط او عُرف معروف فهذا مما لا بأس به، والله تعالى اعلم
✍️د. ضياء الدين عبدالله الصالح

هل في المرأة شؤم ؟!

 هل في المرأة شؤم ؟! د. عبدالله بن عبدالرحمن الهذيل


بسم الله الرحمن الرحيم
هل في المرأة شؤم ؟!
كثيرا ما نسمع التشكيك في حفظ الإسلام حق المرأة والإعلاء من شأنها من خلال الكلام على حديث ( الشؤم في ثلاث ) ، وهذا إما من عدو متربص يلبس في المعنى ويفصل بين روابطه التي يكتمل بها ظهوره ، أو من جاهل يفهم معنى باطلا لم يدل عليه الدليل ثم يبثه أو يبقى في نفسه إشكالا يضيق به ويصد عنه ، أو ربما كان ذلك من شخص خاصم زوجته فوجه لها ذلك الوصف بأنها شؤم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا جناية على الحديث أيما جناية .
لذا لا بد من بيان المعنى المراد من الحديث ليكون الاستدلال في محله ، ويرد كيد من أراد النيل من الإسلام في هذا الأمر في نحره .
وإن من نافلة القول ابتداء هنا تقرير ما للمرأة في الإسلام من مكانة عالية ومنزلة مصونة وحق محفوظ ، فهذا من الظهور أوضح من الشمس في ضحاها والقمر إذا تلاها ، وليس المقام ذكر الدلائل على ذلك هنا ، فهذا يطول ، لكن المقصود الوقوف على معنى حديث الشؤم المتعلق بالمرأة .
فقد جاء الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ عدة ...
ففي لفظ : ( إنما الشؤم في ثلاثة : في الفرس و المرأة والدار )[1] .
وفي لفظ : ( الشؤم في المرأة والدار والفرس )[2].
وفي لفظ : ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس )[3].
وفي لفظ ( إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار )[4].
وفي لفظ : ( إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس )[5] ، وفي لفظ زيادة ( والسيف )[6].
وللعلماء رحمهم الله تعالى أجوبة عدة على ما قد يحصل من اشتباه في معنى الحديث :
الجواب الأول :
أن أصل الحديث حكاية لقول اليهود أو المشركين وبيان مذهبهم الباطل في ذلك ، ولكن قد روي الحديث بدون ما يدل على الحكاية .
ودليل ذلك ما رواه قتادة عن أبي حسان قال : دخل رجلان من بني عامر على عائشة رضي الله عنها فأخبراها أن أباهريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الطيرة في الدار والمرأة والفرس ) فغضبت ، فطارت شقة منها في السماء ، وشقة في الأرض ، وقالت : والذي نزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، إنما قال : ( كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك ) .[7]
وفي رواية قالت : ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة ) ، ثم قرأت عائشة رضي الله عنها : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب ) الآية .[8]
ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قال : قيل لعائشة : إن أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشؤم في ثلاث : في الدار والمرأة والفرس ) فقالت عائشة رضي الله عنها : لم يحفظ أبو هريرة ؛ لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قاتل الله اليهود ، يقولون : إن الشؤم في الدار والمرأة والفرس ) فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله .[9]
قال الألباني : ( وإسناده حسن لولا الانقطاع بين مكحول وعائشة ، لكن لا بأس به في المتابعات والشواهد إن كان الرجل الساقط من بينهما هو شخص ثالث غير العامريين المتقدمين ) .[10]
ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : سئل أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة ) ؟ قال : إذاً أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أصدق الطيرة الفأل ، والعين حق ) .
ولكن هذه الرواية ضعيفة لضغف أبي معشر[11] ، ولما قيل من الانقطاع بين محمد بن قيس وأبي هريرة رضي الله عنه .[12]
ومما يؤيده أيضا ما رواه الطبري في تهذيب الآثار عن ابن أبي مليكة قال : قلت لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كيف ترى في جارية لي ، في نفسي منها شيء ؟ فإني سمعتهم يقولون : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ( إن كان في شيء ففي الربع والفرس والمرأة ) ، قال : فأنكر أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أشد النكرة ، وقال : إذا وقع في نفسك منها شيء ففارقها ، بعها أو أعتقها .[13]
فبناء على قول عائشة رضي الله عنها ، فالحديث ليس فيه تقرير للطيرة ، بل هو متضمن للنهي والتحذير من ذلك ؛ إذ أن نسبة العمل لأهل الكفر والجاهلية دال على النهي .
هذا ، وقد رد بعض أهل العلم هذا الجواب ؛ لثبوت الحديث من طرق عدة ، وعن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم غير أبي هريرة .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ولكن قول عائشة هذا مرجوح ، ولها ـ رضي الله عنها ـ اجتهاد في رد بعض الأحاديث الصحيحة خالفها فيه غيرها من الصحابة ، وهي ـ رضي الله عنها ـ لما ظنت أن هذا الحديث يقتضي إثبات الطيرة التي هي من الشرك لم يسعها غير تكذيبه ورده ، ولكن الذين رووه ممن لا يمكن رد روايتهم ، ولم ينفرد بهذا أبو هريرة وحده ، ولو انفرد به فهو حافظ الأمة )[14] .
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقته من ذكرنا من الصحابة له في ذلك )[15] .
قلت : لم أجد رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه في إثبات الشؤم في هذه الأمور سوى ما تضمنته رواية إنكار عائشة رضي الله عنها ، وفيها إبهام للرجلين اللذين رويا ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط ، وقال : وفيه بلال بن داود الأودي وهو ضعيف . وعليه فثبوت ذلك عنه محل نظر ، والله أعلم .
ثم أيضا ، ثبوت إنكار ذلك عن عائشة رضي الله عنها يجعل هذا الجواب من القوة بمكان ، ثم إنه ليس فيه رد للرواية ، وإنما هو توجيه لها ، وبيان زيادة مهمة فيها تزيل الاشتباه في احتمال التعارض مع الروايات الدالة على نفي تأثير الطيرة في شيء ، والله أعلم .
قال الزركشي : ( قال بعض الأئمة : ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى ـ ؛ لموافقتها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما ، وكراهتها ، وترغيبه في تركها بقوله « يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب » وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتكلون )[16] .
الجواب الثاني :
حمل رواية الجزم ـ وهي ( الشؤم في ثلاث ... ) ورواية ( إنما الشؤم في ثلاث ... ) ـ على رواية التعليق ـ وهي ( إن كان الشؤم في شيء ... ) وما في معناه .
وقد وردت رواية الجزم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وأبي هريرة رضي الله عنه ـ فيما تضمنته رواية إنكار عائشة رضي الله عنها ـ .
أما رواية التعليق فقد وردت من عدة طرق : من طريق ابن عمر نفسه ، قال : ذكروا الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدر والمرأة والفرس ) .
ولها شاهد من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن )[17] .
ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا عدوى ولا طيرة ولا هام ، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار )[18] .
ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن كان شيء ففي المرأة والفرس والمسكن )[19] .
ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وإن تك في شيء ففي الدار والفرس والمرأة )[20] .
ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا عدوى ولا طيرة ، وإن كان في شيء ففي المرأة والفرس والدار )[21] .
وبذلك يعلم أن رواية التعليق هي الأكثر ، وقد وردت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ، مما يدل على أنها هي المحفوظة ، فتحمل رواية الجزم عليها .
وبناء على ذلك فليس في الحديث دلالة على إثبات الطيرة في هذه الأمور ، بل هو موافق للنصوص الدالة على نفي الطيرة ؛ إذ أن المعنى : لو كانت الطيرة مؤثرة في شيء لكانت في هذه الثلاثة ، أما وإنها ليست كائنة فيها ـ وهي أكثر ما يلازم المرء ـ فإن الطيرة منفية في غيرها .
قال الإمام ابن جرير الطبري : ( وأما قوله صلى الله عليه وسلم : « إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس » فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة ، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه الثلاث ، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ؛ لأن قول القائل : إن كان في هذه الدار أحد فزيد . غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا )[22] .
وقال الإمام الطحاوي ـ رحمه الله تعالى ـ عند كلامه على حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتقدم : ( فلم يخبر أنها فيهن ، وإنما قال : إن تكن في شيء ففيهن ، أي لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء ، فإن لم تكن في هؤلاء الثلاثة فليست في شيء )[23] .
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ : ( والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء ؛ لأن معناه : لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا . وعليه فما في بعض الروايات بلفظ » الشؤم في ثلاثة « فهو اختصار وتصرف من بعض الرواة ، والله أعلم )[24] .
ومن تأمل رواية البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ لما ذكر رواية ابن عمر ري الله عنهما ـ وهي بالجزم ـ عقبها برواية سهل بن سعد ـ وهي بالتعليق ـ مما ظاهره ما تقرر في هذا الجواب ، وهو حمل رواية الجزم على رواية التعليق ، والله أعلم .
الجواب الثالث :
تخصيص هذه الثلاثة من عموم ما يتطير به .
ورجحه الشوكاني ، فقال : ( فيكون حديث الشؤم مخصصا لعموم حديث » لا طيرة « فهو في قوة : لا طيرة إلا في هذه الثلاث . وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ ، وادعى بعضهم أنه إجماع ، والتاريخ في حديث الطيرة والشؤم مجهول )[25] .
ونسبه ابن القيم وابن حجر إلى ابن قتيبة .
قال ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاث ، قال ابن قتيبة : « ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأعلمهم أن لا طيرة ، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هؤلاء الثلاثة » . قلت : فمشى ابن قتيبة على ظاهره ، ويلزم من قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره ) [26].
قلت : وكلام ابن قتيبة في « تأويل مختلف الحديث » يرد ذلك ؛ إذ أن مضمونه رد الطيرة مطلقاً في هذه الثلاث وغيرها ، وحملُ حديث الثلاث على حكاية قول اليهود أو المشركين على ما قالته عائشة رضي الله عنها ، وحملُ حديث « ذروها ذميمة » على الرخصة في ترك ما استثقلوه .([27])
ولذلك فقد وجه القرطبي كلامه السابق الذي نقله ابن حجر ـ وأظنه في مشكل الحديث كما أشار إليه ابن القيم ـ بما معناه هذا المضمون ، فقال : ( ولا يظن بمن قال هذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقده فيها وتفعل عندها ، فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ؛ بناء على أن الطيرة تضر مطلقا ، فإن هذا ظن خطأ ، وإنما يعني بذلك أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها ، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره ) [28] .
وعموماً فالجواب الذي تتفق فيه الروايات في المعنى أولى من هذا الجواب الذي يتقرر به التعارض ، فيلجأ به إلى التخصيص .
الجواب الرابع :
أن التطير واقع على من تطير ، استدلالا بحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا طيرة ، والطيرة على من تطير .. )[29] .
فقالوا : الشؤم بهذه الأشياء إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها ، فيكون شؤمها عليه ، ومن توكل على الله ولم يتشاءم بها ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه ، فقد يجعل الله تعالى تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به ، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به .[30]
قلت : والاستدلال بحديث أنس على ذلك فيه نظر ؛ إذ أن هذا الاستدلال يفيد إثبات الطيرة على كل من تطير ، مع أن أول الحديث نفي لذلك .
قال الإمام ابن عبدالبر ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان ذلك : ( فإن قال قائل : قد روى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد ... ـ وذكر حديث أنس رضي الله عنه ـ .. وقال : هذا يوجب أن تكون الطيرة في الدار والمرأة والفرس لمن تطير . قيل له ـ وبالله التوفيق ـ : لو كان كما ظننت لكان الحديث ينفي بعضه بعضا ؛ لأن قوله » لا طيرة « نفي لها ، وقوله » والطيرة على من تطير « إيجاب لها ، وهذا محال أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا من النفي والإثبات في شيء واحد ووقت واحد ، ولكن المعنى في ذلك : نفي الطيرة بقوله » لا طيرة « ، وأما قوله » والطيرة على من تطير « فمعناه : إثم الطيرة على من تطير بعد علمه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الطيرة ، وقوله فيها « إنها شرك ، وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل » ، فمعنى هذا الحديث عندنا ـ والله أعلم ـ أن من تطير فقد أثم ، وإثمه على نفسه في تطيره ؛ لترك التوكل وصريح الإيمان ؛ لأنه يكون ما تطير به على نفسه في الحقيقة ؛ لأنه لا طيرة في الحقيقة )[31] .
الجواب الخامس :
أن المعنى هو إخبار عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز ، وأنها بهذه الثلاث ، أخبر بها ليحذر منها ، فالحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها .[32]
فالمعنى : أن أكثر ما يقع الشؤم عند الناس هو بهذه الأمور الثلاثة ؛ وذلك لطول الملازمة ، ووقوع المصاحبة ، فمن تشاءم بشيء من هذه الأمور فقد شابه أهل الجاهلية .
الجواب السادس :
أن هذه الثلاث تكون في الغالب محال وظروف لحصول المكروه للمرء بحكم طول الملازمة والمصاحبة ، فيكون المحل حين يقع المكروه عنده ملازما لذلك المكروه ، فيقع الشؤم بذلك ، لا أن ذلك المحل هو السبب لوقوع ذلك المكروه .
فالمعنى منصرف إلى كون هذه الثلاث قد يقع الشؤم بها لكونها محالا لوقوع المكروه ، وقد تقرر النهي عن الطيرة والتشاؤم من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الخطابي ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت مواقع لأقضيته ، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء ، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس ، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره ، أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل ، وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه )[33] .
الجواب السابع :
أن المراد بذلك ليس ثبوت الشؤم في هذه الأمور مطلقا ، وإنما ما يكون منها من أعيان ممحوقة البركة ، فيكون الشر غالبا فيها ، وهي لطول ملازمة المرء لها يظل أثر ذلك ملازما له ، فيقضي حياته معذبا بذلك .
والإسلام جاء رحمة للعباد ، فرخص لمن هذه حاله مفارقة ما يكون شؤمه غالبا على نفسه ؛ حتى تطيب نفسه ، ويزول عنه ما يكره .
ولذلك فليس المقصود بذلك مطلق المرأة ومطلق الدار ومطلق الفرس ، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الذين تشاءموا من دارهم بالتحول إلى دار غيرها ! وكذلك لا يمكن أن يعيش المرء بلا دار ، ولم يكن هذا في الشرع أبدا !
وكذلك قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ، وقد شرع لأمته أن يتزوجوا ، وحث الشباب على ذلك ، فلو كانت كل امرأة مشؤومة لكان في هذا إبطال لذلك كله .
وكذلك الخيل قد أخبر صلى الله عليه وسلم أنها تكون مباركة لصاحبها حين يراعي حق الله تعالى فيها ، فقال : ( الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ، ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له ، فهي لذلك أجر ، ورجل ربطها تغنيا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر )[34] .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( البركة في نواصي الخير )[35] .
فالمراد إذً ليس هو مطلق هؤلاء الثلاث ، وإنما ما قد يكون في ذلك من السوء مما يجعله شؤما ملازما لمن صاحبه .
ومما يدل على ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سعادة ابن آدم ثلاثة ، ومن شقوة بن آدم ثلاثة ، من سعادة بن آدم : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقوة بن آدم : المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء )[36] .
فالحديث دال دلالة صريحة على معنى الشؤم الذي يكون بهؤلاء الثلاث ، وأنه ليس من الرمي بالغيب كما هو حال الطيرة والشؤم المنهي عنه ، ولكنه سبب بيّن معلوم ، كما لو قلت : المعاصي شؤم على مرتكبها ، وسوء الخلق شؤم على صاحبه ، والابن العاق شؤم على والديه ... وهكذا .
فما دام أن الشؤم الذي قد يقع بهؤلاء الثلاث قد جاء مفسرا بما هو سبب ظاهر له فلا يكون من باب الطيرة التي كان عليها أهل الجاهلية ، والتي هي من القذف بالغيب ، وخوض المرء بما ليس له به علم ، ولا له عليه دليل من الوحي المنزل أو الأسباب القدرية التي جعلها الله تعالى سننا للعباد يربطون بها الأسباب بمسبَّباتها .
ولقد جاء عن بعض السلف تفسير ذلك الشؤم المذكور في هذه الثلاث ، فقد روى عبدالرزاق في مصنفه عن معمر : سمعت من يفسر هذا الحديث يقول : شؤم المرأة إذا كانت غير ولود ، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه ، وشؤم الدار جار السوء .[37]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها ، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها ، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر ، وهذا كما يعطى سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه ، ويعطى غيرهما ولدا مشؤما نذلا يريان الشر على وجهه ، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية أو غيرها ، فكذلك الدار والمرأة والفرس ، والله سبحانه خالق الخير والشر ، والسعود والنحوس ، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ، ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها ، وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة ، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس ، وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس ، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس ، فكذلك في الديار والنساء والخيل ، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر )[38] .
قلت : وأظهر ما تقدم من جواب هو في الأول والثاني والسابع ، والله تعالى أعلم .
وبذا يصان الحديث عن الظنون الكاذبة التي يدعيها الأعداء ويقبلها الجهلاء .
والله ولي التوفيق .
-------------------------------------
[1]) رواه البخاري في الطب ـ باب لا عدوى ـ رقم 5772 ، ومسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله عنهما .
[2]) البخاري في النكاح ـ باب ما يتقى من شؤم المرأة ـ رقم 5093 ، ومسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله عنهما .
[3]) البخاري في النكاح ـ باب ما يتقى من شؤم المرأة ـ رقم 5094 ، ومسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله عنهما . .
[4]) مسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله عنهما .
[5]) مسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن جابر رضي الله عنه .
[6]) مالك في الموطأ ـ كتاب الاستئذان ـ باب ما يتقى من الشؤم 2/972 ، وعبدالرزاق في المصنف 10/411 .
[7]) رواه أحمد في المسند 6/150 ، 240 ، والطحاوي في مشكل الآثار 1/341 .
[8]) رواه أحمد في المسند 6/246 ، والحاكم في المستدرك 2/521 وصححه ووافقه الذهبي . وصححه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/594 .
[9]) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص 215 ورقم 1537 ، والطبراني في مسند الشاميين 4/343 .
[10]) السلسلة الصحيحة 2/594
[11]) انظر : تقريب التهذيب لابن حجر ص 559 .
[12]) انظر : تهذيب التهذيب لابن حجر 9/367 .
[13]) تهذيب الآثار 3/27 رقم 70 .
[14]) مفتاح دار السعادة 2/254 .
[15]) فتح الباري 6/61 .
[16]) الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ص 128 .
[17]) رواه البخاري في الجهاد والسير ـ باب ما يذكر من شؤم الفرس ـ رقم 2859 ، ومسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2226 .
[18]) رواه أحمد في المسند 1/180 ، وابن حبان في صحيحه 13/497 ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/313 .
[19]) تقدم تخريجه ص
[20]) رواه ابن حبان في صحيحه 13/492 .
[21]) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/314 .
[22]) نهذيب الآثار 3/34 .
[23]) شرح معاني الآثار 4/314 .
[24]) سلسلة الآحاديث الصحيحة 443 .
[25]) نيل الأوطار 7/209 .
[26]) فتح الباري 6/72 ، وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/256 .
[27] انظر : مختلف الحديث لابن قتيبة ص 104 وما بعدها .
[28]) المفهم 5/629 .
[29]) تقدم تخريجه ص
[30]) انظر : مفتاح دار السعادة 2/256 .
[31]) التمهيد 9/284 .
[32]) انظر : مفتاح دار السعادة 2/257 .
[33]) أعلام الحديث للخطابي 2/1379 .
[34]) رواه البخاري في المساقاة ـ باب شرب الناس والدواب من الأنهار ـ رقم 2371 ، ومسلم في الزكاة ـ باب إثم مانع الزكاة ـ رقم 987 عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[35]) رواه البخاري في الجهاد والسير ـ باب الجهاد معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ـ رقم 2851 ، ومسلم في الإمارة ـ باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ـ رقم 1874 .
[36]) رواه أحمد في المسند 1/168 وأبو داود الطيالسي في مسنده ص 29 رقم 210 ، والحاكم في المستدرك 2/157 وصححه ووافقه الذهبي .
[37]) مصنف عبدالرزاق 10/411 .
[38]) مفتاح دار السعادة 2/257 .

حكم قراءة الفاتحة في استفتاح الدعاء أو اختتامه أو في قضاء الحوائج أو في بداية مجالس الصلح أو مجالس الفواتح او الزواج والخطبة او الرقية والتداوي وغير ذلك؟!

 قراءة الفاتحة في استفتاح الدعاء أو اختتامه أو في قضاء الحوائج أو في بداية مجالس الصلح أو مجالس الفواتح او الزواج والخطبة او الرقية والتداوي وغير ذلك من مهمات الناس هو أمر مشروع بعموم الأدلة الدالة على استحباب قراءة القرآن من جهة، وبالأدلة الشرعية المتكاثرة التي تدل على خصوصية الفاتحة في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور من جهة أخرى.

فأما الأدلة العامة: فكقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾
وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» رواه مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه... إلى غير ذلك من النصوص المطلقة،
ومن المقرر في علم الأصول أن الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وإذا شرع الله تعالى أمرا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه وسعته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك بابا من أبواب الابتداع في الدين بتضييق ما وسعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أن فعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لبعض أفراد العموم الشمولي أو البدلي ليس مخصصا للعموم ولا مقيدا للإطلاق طالما أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- لم ينه عما عداه، وهذا هو الذي يعبر عنه الأصوليون بقولهم: "الترك ليس بحجة"؛ أي أن ترك النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأمر ما لا يدل على عدم جواز فعله، وهو أمر متفق عليه بين علماء المسلمين سلفا وخلفا،
حتى إن العلامة ابن تيمية الحنبلي رحمه الله -مع توسعه في مفهوم البدعة المذمومة- قد فهم هذا المعنى في تعبده؛ فكان يجعل الفاتحة وردا له، فقد نقل عنه تلميذه أبو حفص البزار في كتابه "الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية" (ص: 38، المكتب الإسلامي) أنه كان يقرأ الفاتحة ويكررها من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، ولو كان الترك حجة لعد بفعله هذا مبتدعا مخالفا للسنة، ولكن لما كان أمر الذكر والقراءة على السعة، وكانت العبرة فيه حيث يجد المسلم قلبه، كان هذا الفعل جائزا شرعا.
هذا من جهة عموم كون الفاتحة قرآنا وذكرا مشروعا تلاوته على كل حال ما لم يرد نهي عن ذلك بخصوصه، كالنهي عن تلاوة القرآن حال الجنابة مثلا.
وأما من جهة خصوصها في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور وإجابة الدعاء: فقد دلت الأدلة الشرعية على أن فيها من الخصوصية ما ليس في غيرها: فالله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: «﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» رواه البخاري
ويقول لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يا جابر، أخبرك بخير سورة نزلت في القرآن؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: «فاتحة الكتاب»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فيها شفاء من كل داء» رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها عوض» رواه الدارقطني والحاكم
وقد جاء الشرع الشريف بمشروعية قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة المفروضة والمسنونة، وهي ركن للصلاة عند جماهير أهل العلم، كما جاء الشرع بمشروعية قراءتها في الصلاة على الجنازة دون غيرها من سائر القرآن.
وهذه الخصوصية للفاتحة هي التي حملت سيدنا أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- على الرقية بها دون أن يبتدئه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالإذن أو يعهد إليه بشيء في خصوص الرقية بها وقراءتها على المرضى، فلما أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بما فعل لم ينكر عليه ولم يجعل ما فعله من قبيل البدعة، بل استحسنه وصوبه وقال له: «وما يدريك أنها رقية» متفق عليه، وفي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لهم: «قد أصبتم».
وجاء عن الصحابة الحث على قراءة الفاتحة في بعض المواضع مع عدم ورود نص بخصوصه في ذلك؛ فروى ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 98، ط. دار الفكر) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: "من قرأ بعد الجمعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس حفظ ما بينه وبين الجمعة".
كما أن في خصوص الاستفتاح بها تأسيا بالكتاب العزيز؛ فإنها ما سميت فاتحة إلا لأن القرآن فتح بها، وفاتحة الشيء أوله، وقراءتها في استفتاح الأمور طلب للهداية والمعونة من الله تعالى فيها.
وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم الحنبلي -رحمه الله تعالى- في "زاد المعاد" (4/ 347- 348، مؤسسة الرسالة): "فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن؛ لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك رقى بها اللديغ فبرأ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وما أدراك أنها رقية».
وقد استدل العلماء على قراءة الفاتحة لقضاء الحوائج بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي رواه الإمام مسلم وغيره عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]﴾،قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال: مجدني عبدي -وقال مرة: فوض إلي عبدي-، فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ:قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
وعلى ذلك جرى فعل السلف الصالح من غير نكير: فأخرج أبو الشيخ في "الثواب" عن عطاء -رحمه الله تعالى- أنه قال: "إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقضى إن شاء الله".
قال العلامة ملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (ص: 253،: "وهذا أصل لما تعارف الناس عليه من قراءة الفاتحة لقضاء الحاجات وحصول المهمات".
وهذا هو المعتمد عند أصحاب المذاهب المتبوعة: فنص الحنفية مثلا على استحسان قراءة الفاتحة على الطعام: قال العلامة الخادمي الحنفي في "بريقة محمودية" وهو يتحدث عن آداب الطعام (4/ 111،: "أما قراءة الفاتحة: فعن بعض العلماء عن شرح مختصر الإحياء لعلي القاري: وقول قراءة سورة الفاتحة المشتملة على التحميد والدعاء بالاستقامة كما هو المتعارف بين العامة مستحسن خلافا لمن منعه.
والمعتمد عندهم جواز قراءة الفاتحة في أدبار الصلوات المكتوبة: قال العلامة الخادمي في "بريقة محمودية" (1/ 98): "وأما قراءة الفاتحة أدبار المكتوبات فكثير فيها أقاويل الفقهاء: فعن "معراج الدراية" أنها بدعة، لكنها مستحسنة للعادة، ولا يجوز المنع، …..وفي "التتارخانية" و"القنية" و"الأشباه": الاشتغال بقراءة الفاتحة أولى من الأدعية المأثورة في أوقاتها، ومن الأوقات المأثورة: أدبار الصلوات؛ إذ ورد أدعية كثيرة أعقاب الصلوات عن سيد السادات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات، وفي "فصول الأسروشني": وقراءة الفاتحة أولى من الأدعية المأثورة في أوقاتها.
والذي تحرر من هذه النقول: ترجيح جانب الجواز؛ لكثرة قائله،
ونص المالكية على جواز قراءتها عند الوداع في السفر: قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 487،: "وما يقع من قراءة الفاتحة عند الوداع فأنكره الشيخ عبد الرحمن التاجوري، وقال: إنه لم يرد في السنة، وقال الأجهوري: بل ورد فيها ما يدل لجوازه، وهو غير منكر".
وعند الشافعية: جاء في فتاوى العلامة الشهاب الرملي الشافعي (1/ 160- 161،: "(سئل) عن قراءة الفاتحة عقب الدعاء بعد الصلوات؛ هل لها أصل في السنة أم هي محدثة لم تعهد في الصدر الأول؟ وإذا قلتم محدثة: فهل هي حسنة أو قبيحة؟ وعلى تقدير الكراهة: هل يثاب قائلها أم لا؟ (فأجاب) بأن لقراءة الفاتحة عقب الدعاء بعد الصلوات أصلا في السنة، والمعنى فيه ظاهر، لكثرة فضائلها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فاتحة الكتاب معلقة في العرش ليس بينها وبين الله حجاب».
وفيها من الصفات ما ليس في غيرها، حتى قالوا: إن جميع القرآن فيها، وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت علوم القرآن؛ لاشتمالها على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجماله، وعلى الأمر بالعبادات، والإخلاص فيها، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إليه في الهداية إلى الصراط المستقيم، وعلى بيان عاقبة الجاحدين، ومن شرفها: أن الله تعالى قسمها بينه وبين عبده، ولا تصح القراءة في الصلاة إلا بها، ولا يلحق عمل بثوابها؛ وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم، وأيضا فلكثرة أسمائها، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولأن من أسمائها: أنها سورة الدعاء، وسورة المناجاة، وسورة التفويض، وأنها الراقية، وأنها الشفاء، والشافية؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنها لكل داء»، وقالوا: إذا عللت أو شكيت فعليك بالفاتحة؛ فإنها تشفي".
وذكر العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 29، ط. المكتبة الإسلامية) أنه يستحب قراءة الفاتحة عند وقوع الطاعون؛ لأنها شفاء من كل داء.
وكذلك عند الحنابلة: فقد كان الإمام أحمد بن حنبل يستعمل كتابة الفاتحة في التمائم الشرعية، قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الآداب الشرعية" (2/ 455،: "قال المروذي: شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها، فكتب لها رقعة بخطه: بسم الله، وفاتحة الكتاب، والمعوذتين، وآية الكرسي".
وهذا العلامة ابن القيم الحنبلي يستحسن قراءة الفاتحة للمفتي عند الإفتاء، وينقل ذلك عن بعض السلف، مع عدم ورود شيء من ذلك بخصوصه في السنة، فيقول في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/ 198،: "حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»، وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا؛ إنك أنت العليم الحكيم، وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، وجربنا نحن ذلك فرأيناه أقوى أسباب الإصابة".
وعلى ذلك جرى عمل السلف والخلف حتى صنف الشيخ العلامة يوسف بن عبد الهادي الحنبلي الشهير بابن المبرد رسالة في ذلك سماها "الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور" نقل فيها كلام العلامة ابن القيم السابق إيراده من كتابه "زاد المعاد"، ثم يقول معقبا عليه: "وهو كلام عظيم، ولكنه من فضلها كغمسة عصفور منقره في البحر أو قطرة شربها منه، وقد كان شيخنا أبو الفرج بن الحبال في كثرة استعمالها لقضاء الحوائج ونجاح أمرها على أمر عظيم؛ بحيث إنه إذا كتب لأحد حرزا كتبها أولا، ثم قرأ عليه، ثم قرأها عند طيه، وكان إذا كتب لأحد رسالة قرأها عليها.
وقد شاهدت أنا من نجاح الأمور بها أمرا عظيما؛ فقل حاجة من الحوائج تعرض لي -من الحوائج الدنيوية والأخروية- فأقرؤها عليها إلا قضيت ونجح أمرها، وكم من حاجة تعسرت، واستدت طرقها، وحال دونها الموانع، فقرأتها لنجاحها فقضيت وعادت أتم ما كانت، وكم من أمر تعسر فقرأتها له فتقشعت غيومه، وزالت سحبه، وأنارت شموسه، وهي سورة عظيمة؛ فعليك -رحمك الله- بالإكثار منها على أمورك وحوائجك وأدوائك ومهماتك وكل ما عرض لك، وتأمل ذلك تجد منه ما يظهر لك.
وأما الآراء المخالفة لما عليه عمل الأمة سلفا وخلفا والتي تظهر بين الناس بين الفينة والفينة لتضيق عليهم المجال في ذكر الله تعالى في بيوتهم ومجالسهم ومنتدياتهم وتجمعاتهم فما هي في الحقيقة إلا مشارب بدعة، ومسالك ضلالة -بغض النظر عن نوايا منتحليها-؛ لأن الدعوة إلى القضاء على أعراف المسلمين التي بنتها الحضارة الإسلامية على مر الزمان وشكلتها في سلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم -انطلاقا من كون الشرع الشريف هو محور حياتهم- هو أمر خطير، غفل الداعون إليه أو تغافلوا عن أنه سيؤدي بهم في النهاية إلى فقد المظاهر الدينية من المحافل العامة، واستبعاد ذكر الله تعالى من الحياة الاجتماعية ومنظومة الحضارة، وهو عين ما يدعو إليه الملاحدة والماديون من البشر.
فليتق الله أولئك الذين يهرفون بما لا يعرفون، وليتركوا الفتوى لأهلها الذين يدركون مرارة الواقع، ويعقلون مآلات الأحكام.

ما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟

 ما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟

هل يمكن شرح آيات الحجاب،

وما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟

وكذلك في الحديث النبوي "فشققن مروطهن".
(د.فاضل السامرائى)
........................



نتكلم فقط من حيث اللغة.
نذكر ثلاث كلمات كلمتين في القرآن وواحدة في الحديث فقط لكن من حيث الأحكام الشرعية فليس من اختصاصنا.
أولاً ...
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور)
(الخمار) عند العرب وفي اللغة هو غطاء الرأس تحديداً والجيب هو فتحة الصدر، إذن تضع الخمار على رأسها وتداري صدرها هذا هو الخمار. و(الجلباب) هو ثوب واسع تغطي به المرأة ثيابها، فوق الثياب ...
(يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ (59) الأحزاب)
الجلباب هو يسترها من فوق إلى أسفل فوق الثياب، الجلباب تحته ثياب وهو يستر الثياب التي تحته فكل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها هو جلباب يسترها من فوق إلى أسفل سوءا كان بصورة عباءة أو بصورة آخرى.
وعندنا المِرْط كما في الحديث ...
(عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: إن كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلِّي الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يعرفن من الغلس) الغلس يعني الظلام، ظلمة الليل.
(المِرط) ثوب يشتملون به غير مخيط مثل الملحفة، كل ثوب غير مخيط يؤتزر به يسمونه مرطاً "فما يعرفن من الغلس" معناه أنه لو كان الدنيا نهار كن يعرفنّ،
لأنه في قوله تعالى :--
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) النور)
رأي الجمهور أن يظهر الوجه والكفين. يغضوا من أبصارهم على ماذا؟
لو كان ليس هناك شيء ظاهر فعن ماذا يغض بصره؟
يغض بصره عما يظهر من الوجه والكفين.
وقال للمرأة :--
(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ (31) النور)
فهل يجب أن يكون الرجل مختمر أو يلبس حجاباً ولا أدري حقيقة إن كان هناك حديث صحيح حول هذا الأمر لكن هذا من حيث اللغة وهذه ليست فُتية.
عندما قال تعالى يغضوا ويغضضن عن أي شيء يغضضن؟
لو وارى وجهه لما قال يغضضن،
هذا من حيث اللغة وهو موافق لرأي الجمهور أما الحكم الشرعي فيُسأل به أهل الفقه.
من برنامج لمسات بيانيه
"""
ومـن يـمـنـعـك مـن الـحـجــاب؟
معاً أختي المسلمة نتصفح هذه السطور .. لنتعرف من خلالها على أسباب الإعراض عن الحجاب .. ونناقشها كلاً على حدة :
العذر الأول : قالت الأولى : أنا لم اقتنع بعد بالحجاب ..
نسأل هذه الأخت سؤالين :
الأول : هل هي مقتنعة أصلاً بصحة دين الإسلام ؟ ..
إجابتها بالطبع نعم مقتنعة ؟ .. فهي تقول : "لا إله إلا الله" .. ويعتبر هذا اقتناعها بالعقيدة .. وهي تقول "محمد رسول الله (ص)" .. ويعتبر هذا اقتناعها بالشريعة .. فهي مقتنعة بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجاً للحياة ..
الثاني : هل الحجاب من شريعة الإسلام وواجباته ؟ ..
لو أخلصت هذه الأخت وبحثت في الأمر بحث من يريد الحقيقة لقالت : نعم .. فالله تعالى الذي تؤمن بألوهيته أمر بالحجاب في كتابه .. والرسول الكريم (ص) الذي تؤمن برسالته أمر بالحجاب في سنته ..
فماذا نسمي من يقتنع بصحة الإسلام ولا يفعل ما أمره الله تعالى به ورسوله الكريم ؟
خلاصة الأمر : إذا كانت هذه الأخت مقتنعة بالإسلام .. فكيف لا تقتنع بأوامره؟ ..
العذر الثاني : قالت الثانية : أنا مقتنعة بوجوب الزي الشرعي .. ولكن والدتي تمنعني لبسه .. وإذا عصيتها دخلت النار ..
يجيب على عذر هذه الأخت .. أكرم خلق الله رسول الله (ص) .. بقول وجيز حكيم ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) ..
مكانة الوالدين في الإسلام ـ وبخاصة الأم ـ سامية رفيعة .. بل الله تعالى قرنها بأعظم الأمور ـ وهي عبادته وتوحيده ـ في كثير من الآيات ...
خلاصة الأمر : كيف تطيعين أمك وتعصين الله الذي خلقك وخلق أمك ؟ ..
العذر الثالث : أما الثالثة فتقول : إمكانياتي المادية لا تكفي لاستبدال ملابسي بأخرى شرعية ..
أختنا هذه إحدى اثنتين : إما صادقة مخلصة .. وإما كاذبة متملصة تريد حجاباً متبرجاً صارخ الألوان .. يجاري موضة العصر غالي الثمن ..
نبدأ بأختنا الصادقة المخلصة : هل تعلمين يا أختاه أن المرأة المسلمة لا يجوز لها الخروج من المنزل بأي حال من الأحوال حتى يستوفي لباسها الشروط المعتبرة في الحجاب الشرعي والتي من الواجب على كل مسلمة معرفتها ..
وإذا كنت تتعلمين أمور الدنيا فكيف لا تتعلمين الأمور التي تنجيك من عذاب الله وغضبه بعد الموت ؟! ... فتعلمي يا أختي شروط الحجاب ..
فإذا كان لا بد من خروجك فلا تخرجي إلا بالحجاب الشرعي .. إرضاءً للرحمن .. وإذلالاً للشيطان .. وذلك لأن مفسدة خروجك سافرة متبرجة أكبر من مصلحة خروجك للضرورة ..
يا أختي لو صدقت نيّتك وصحّت عزيمتك لامتدت إليك ألف يد خيّرة .. ولسهل الله تعالى لك الأمور ..أما أختنا المتملصة .. فلها نقول : الكرامة وسمو القدر عند الله تعالى لا تكون مزركشة الثياب وبهرجة الألوان .. مجاراة أهل العصر .. وإنما تكون بطاعة الله ورسوله (ص) والالتزام بالشريعة الطاهرة والحجاب الإسلامي الصحيح ..
خلاصة الأمر : في سبيل رضوان الله تعالى ودخول جنته : يهون كل غالٍ ونفيس .. من نفس أو مال ..
العذر الرابع : جاء دور الرابعة فقالت : الجو حار في بلادي وأنا لا أتحمله .. فكيف إذا لبست الحجاب ؟ .. كيف تقارنين حرّ بلادك بحرّ نار جهنم ..
اعلمي ـ أختي الكريمة ـ أن الشيطان قد اصطادك بإحدى حبائله الواهية .. ليخرجك من حرّ الدنيا إلى نار جهنم .. فأنقذي نفسك من شباكه .. واجعلي من حرّ الشمس نعمة لا نقمة .. إذ هو يذكّرك بشدّة عذاب الله تعالى الذي يفوق هذا الحرّ أضعافاً مضاعفة .. عندها ترجعين إلى أمر الله وتضحين براحة الدنيا في سبيل النجاة من النار ..خلاصة الأمر : حُفّت الجنة بالمكاره .. وحُفّت النار بالشهوات ..
العذر الخامس : لنستمع الآن إلى عذر الخامسة .. حيث قالت : أخاف إذا التزمت بالحجاب أن أخلعه مرة أخرى .. فقد رأيت كثيرات يفعلن ذلك !! ..
وإليها أقول : لو كان كل الناس يفكرون بمنطقك هذا لتركوا الدين جملة وتفصيلاً .. ولتركوا الصلاة .. لأن بعضهم يخاف تركها .. ولتركوا الصيام لأن كثيرين يخافون من تركه .. إلخ .... أرأيت كيف نصب الشيطان حبائله مرة أخرى فصدك عن الهدى ؟ ..
والله تعالى يحب استمرار الطاعة حتى ولو كانت قليلة أو كانت مستحبة .. فكيف إذا كان واجباً مفروضاً مثل الحجاب ؟! ..
قال (ص) : ((أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)) .. لماذا لم تبحثي عن الأسباب التي أدّت بهؤلاء إلى ترك الحجاب حتى تجتنبيها وتعملي على تفاديها ؟ .. لماذا لم تبحثي عن أسباب الثبات على الهداية والحق حتى تلتزمي بها ؟ ..
فمن تلك الأسباب : الإكثار من الدعاء بثبات القلب على الدين كما كان يفعل النبي (ص) .. وكذلك : الصلاة والخشوع .. قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةُ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ) (البقرة 45) .. ومنها : الالتزام بكل شرائع الإسلام .. ومنها : الحجاب قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (النساء 66) ..
خلاصة الأمر : لو تمسكتِ بأسباب الهداية وذُقتِ حلاوة الإيمان لما تركت أوامر الله تعالى بعد أن تلتزمي بها ..


العذر السادس : الآن ها هي ذات السادسة .. فما قولها ؟ قالت : قيل لي : إذا لبست الحجاب فلن يتزوجك أحد لذلك سأترك هذا الأمر حتى أتزوج ..
إن زوجاً يريدك سافرة متبرجة عاصية لله هو زوج غير جدير بك .. زوج لا يغار على محارم الله .. ولا يغار عليك .. ولا يعينك على دخول الجنة والنجاة من النار ..
إن بيتاً بُني من أساسه على معصية الله وإغضابه حق على الله تعالى أن يكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة .. كما قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى) (طه 124) ..
وبعد .. فإن الزواج نعمة من الله يعطيها من يشاء .. فكم من متحجبة تزوجت .. وكم من سافرة لم تتزوج .. وإذا قلتِ : إن تبرجي وسفوري هو وسيلة لغاية طاهرة .. ألا وهي الزواج .. فإن الغاية الطاهرة لا تبيح الوسيلة الفاجرة في الإسلام .. فإذا شرفت الغاية فلا بد من طهارة الوسيلة .. لأن قاعدة الإسلام تقول : "الوسائل لها حكم المقاصد" ..
خلاصة الأمر : لا بارك الله في زواج قام على المعصية والفجور ..
العذر السابع : وما قولك أيتها السابعة ؟ .. قالت : لا أتحجب .. عملاً بقول الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى 11) .. فكيف أخفي ما أنعم الله به عليّ من شعر ناعم وجمال فاتن ؟ ..
أختنا هذه تلتزم بكتاب الله وأوامره مادامت هذه الأوامر توافق هواها وفهمها .. وتترك هذه الأوامر نفسها حين لا تعجبها .. وإلا فلماذا لم تلتزم بقوله تعالى : (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور 31) .. وبقوله سبحانه : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) (الأحزاب 59) .. فأنت بقولك هذا يا أختاه ؟! تكونين قد شرعت لنفسك ما نهى الله تعالى عنه .. وهو التبرج والسفور .. والسبب .. عدم رغبتك في الالتزام .. إن أكبر نعمة أنعم الله بها علينا هي نعمة الإيمان والهداية .. فلماذا لم تظهري وتتحدثي بأكبر النعم التي أنعم الله بها عليك ومنها الحجاب الشرعي ؟ ..
خلاصة الأمر : هل هناك نعمة أكبر للمرأة من الهداية والحجاب ؟ ..
العذر الثامن : نأتي إلى أختنا الثامنة .. التي تقول : أعرف أن الحجاب واجب .. ولكنني سألتزم به عندما يهديني الله ..
نسأل هذه الأخت عن الخطوات التي اتخذتها حتى تنال هذه الهداية الربانية ؟ .. فنحن نعرف أن الله تعالى قد جعل لحكمته لكل شيء سبباً .. فكان من ذلك أن المريض يتناول الدواء كي يُشفى .. والمسافر يركب العربة أو الدابة حتى يصل غايته والأمثلة لا حصر لها .. فهل سعت أختنا هذه جادة في طلب الهداية .. وبذلت أسبابها : من دعاء الله تعالى مخلصة .. كما قال تعالى (اهْدِنَا الصَّرَاطَ المُسْتَقِيمَ) (الفاتحة 6) .. ومجالسة الصالحات .. فإنهن خير معين على الهداية والاستمرار فيها .. حتى يهديها الله تعالى .. ويزيدها هدى .. ويُلهمها رشدها وتقواها .. فتلتزم بأوامره تعالى وتلبس الحجاب الذي أمر به المؤمنات ؟ ..
خلاصة الأمر : لو كانت هذه الأخت جادة في طلب الهداية لبذلت أسبابها فنالتها ..
العذر التاسع : وما قول أختنا التاسعة ؟ .. قالت : الوقت لم يحن بعد وأنا مازلت صغيرة على الحجاب .. وسألتزم بالحجاب بعد أن أكبر وبعد أن أحج ..
ملك الموت .. أيتها الأخت .. زائر يقف على بابك ينتظر أمر الله تعالى حتى يفتحه عليك في أي لحظة من لحظات عمرك .. قال تعالى : (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف 34) ..
الموت يا أختاه لا يعرف صغيرة ولا كبيرة .. وربما جاء لك وأنت مقيمة على هذه المعصية العظيمة تحاربين ربّ العزة بسفورك وتبرجك ! .. يا أختاه سابقي إلى الطاعة مع المسابقين .. استجابة لدعوة الله تبارك وتعالى : (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الحديد 21) ..
يا أختاه لا تنسي الله تعالى فينساك .. بأن يصرف عنك رحمته في الدنيا والآخرة .. ويُنسيك نفسك .. فلا تعطيها حقها من طاعة الله وعبادته .. قال تعالى عن المنافقين : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة 67) .. وقال تعالى : (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (الحشر 19) ..
أختاه : ابتعدي ولو كنت في هذا السن عن فعل كل المعاصي ومنها تركك للحجاب .. لأن الله شديد العقاب سائلك يوم القيامة عن شبابك وكل لحظات عمرك ..
خلاصة الأمر : ما أطول الأمل .. كيف تضمنين الحياة إلى الغد ..
العذر العاشر : وأخيراً قالت العاشرة : أخشى إن التزمت بالزيّ الشرعي .. أن يطلق عليّ اسم جماعة معينة وأنا أكره التحزّب ..
أختاه في الإسلام : إن في الإسلام حزبين فقط لا غير .. ذكرهما الله العظيم في كتابه الكريم : الحزب الأول : هو حزب الله .. (ليس حزب الله الذي نعرفه هذه الأيام) الذي ينصره الله تعالى بطاعة أوامره واجتناب معاصيه .. والحزب الثاني : هو حزب الشيطان الرجيم .. الذي يعصي الرحمن .. ويُكثر في الأرض الفساد .. وأنت حين تلتزمين أوامر الله ومن بينها الحجاب تصيرين مع حزب الله المفلحين .. وحين تتبرجين وتبدين مفاتنك تركبين سفينة الشيطان وأوليائه من المنافقين والكفار .. وبئس أولئك رفيقا ..
أرأيت كيف تفرّين من الله إلى الشيطان .. وتستبدلين الخبيث بالطيب .. ففري يا أختي إلى الله .. وطبقي شرائعه .. (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (الذاريات 50) .. فالحجاب عبادة سامية لا تخضع لآراء الناس وتوجيهاتهم واختياراتهم .. لأن الذي شرعها هو الخالق الحكيم ..
خلاصة الأمر : في سبيل إرضاء الله تعالى ورجاء رحمته والفوز بجنته : اضربي بأقوال شياطين الأنس والجن عرض الحائط .. وعضي على الشرع بالنواجذ واقتدي بأمهات المؤمنين والصحابيات العالمات المجاهدات ..
خاتمة :
الآن يا أختاه أحدثك حديث الصراحة :
جسدك معروض في سوق الشيطان .. يغوي قلوب العباد : خصلات شعر بادية .. ملابس ضيّقة تظهر ثنايا جسمك .. ملابس قصيرة تبيّن ساقيك وقدميك .. ملابس مبهرجة مزركشة معطرة تغضب الرحمن وترضي الشيطان .. كل يوم يمضي عليك بهذه الحال يزيدك من الله بُعداً ومن الشيطان قرباً .. كل يوم تنصب عليك لعنة من السماء وغضب حتى تتوبي .. كل يوم تقتربين من القبر ويستعد ملك الموت لقبض روحك : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) (آل عمران 185) .. اركبي يا أختاه قطار التوبة قبل أن يرحل عن محطتك .. تأملي يا أختاه في هذا العرض اليوم قبل الغد .. فكري فيه يا أختاه الآن وقبل فوات الأوان ..