الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

حكم جمع الصلاة في المطر ؟


 إنّ الصلاة عهد وميثاق غليظ وهي أمانة ثقيلة ورابطة متينة بحيث إذا حسنت تلك الرابطة انعكست آثارها على سلوكيات الفرد وأخلاقياته وتصرفاته.
 وممّا يؤكّد ذلك ما رَواه الطبرانِيُّ بسنده مرفوعاً: “أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ” أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1929).



أي أنّ الذي لا يُصلِحُ صَلاَتَهُ من حيث الحفاظ على هيئاتها وآدابها وأركانها وشروطها دَخَلَ الخلل إلى سائرِ أعمالِهِ، ومَن كَانَتْ صَلاتُهُ تامة كاملة فإنّ أنوار وروحانية صلاته تنعكس على تصرفاته الفعلية والقولية على حدّ سواء.
أولاً:حكم الجمع بين الصّلوات بسبب البَرْد بين الظهر والعصر: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين الظهر والعصر.
 ثانيا: الجمع بين الصلوات بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء.
ثالثاً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة.
 رابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرياح شديدة: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرّياح الشّديدة.
خامساً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر: انفرد المذهب الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولو كان يوم جمعة بشروط وقيود شديدة يجب الإلتزام بها وعدم التفريط بشرط منها، وإلاّ حرم الجمع وبطلت الصلاة بالإتفاق لأنّها لا تستقر حينئذ على مذهب فقهي،
ومع ذلك نصّ المذهب الشافعي على عدم استحباب الجمع بين الظهر والعصر ولو توفرت الشروط خروجاً من خلاف الجمهور.
حيث قد اشترط الشافعية للجمع بين الظهر والعصر: أن يكون المطر موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما (أي الظهر والعصر) وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية ولا يضر انقطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما.
وصفة المطر الذي يبيح الجمع عند الشافعية هو ما يبلّ أعلى الثوب أو أسفل النعل ومثل المطر الثلج والبَرَد.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
أولاً: يجب أن نعلم أن أوقات الصلوات محددة من قبل الله ورسوله, أما من قبل الله فقد قال الله تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ))[النساء:103] محدداً, وقال تعالى: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [الإسراء:78]، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد بين ذلك بياناً واضحاً صريحاً, فوقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، ووقت المغرب من كذا إلى كذا، ووقت العشاء من كذا إلى كذا، ووقت الفجر من كذا إلى كذا، مفصلاً ومبيناً غاية البيان, والأصل وجوب الصلاة في وقتها, فمن صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام فصلاته نفل إن كان جاهلاً يظن أن الوقت قد دخل, وإن كان متعمداً فهو متلاعب فصلاته باطلة مردودة عليه, ولو صلّى قبل الوقت بتكبيرة الإحرام فقط, كيف لو صلّى كل الصلاة قبل الوقت؟!! فمن صلّى قبل الوقت فإن كان عالماً أنه لم يدخل الوقت فهو متلاعب وصلاته باطلة مردودة, ومن جهل وظن أنه قد دخل فصلاته نافلة وعليه أن يعيدها بعد دخول الوقت, ومن صلّى بعد الوقت فكذلك, إن تعمد فصلاته باطلة ولا تقبل منه, لو صلّى ألف مرة, وإن كان لعذر كالنسيان والنوم والجهل أيضاً بالوقت؛ يظن أنه لم يخرج فصلاته صحيحة, هذا هو الأصل.
ولا يجوز للإنسان أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير إلا بعذر شرعي, والعذر الشرعي مبين ضابطه ما أشار إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قال: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته ) أي: ألا يلحقها الحرج, وعلى هذا فالضابط في الجمع: أن يكون في تركه حرج على الناس, وأن يكون في تفريد الصلاة كل صلاة في وقتها حرج ومشقة, فهذا الضابط، إذا كان هناك حرج ومشقة فإنه يجمع, وإذا لم يكن هناك حرج ولا مشقة فإنه لا يجوز الجمع, ومن جمع تقديماً فعليه إعادة الصلاة التي صلاها قبل الوقت.
وفي بعض البلدان يكون المطر نازلاً بغزارة وفي هذا حرج أن يذهب الناس إلى المسجد, فتبتل ثيابهم, ويتأذون، فهذا حرج, أو يكون المطر واقفاً لكن الأسواق وحلة أي: زلق, أو نقع الماء كثيرة فتؤذي الناس فهذا أيضاً حرج، فيجمع, أما بدون ذلك فلا يجوز, ولهذا نأسف أن بعض الناس الذين يقولون: نتمسك بالسنة يغلطون في هذه المسألة, ويظنون أن الجمع جائز لأدنى سبب, وهذا خطأ, ثم يجب أن نقول: إذا علمنا أنه لا حرج في ترك الجمع صار الجمع حراماً, وإذا علمنا أن في تركه حرجاً صار الجمع جائزاً بل سنة, وإذا شككنا صار الجمع حراماً؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها, فلا نعذر عن هذا الأصل إلا بأمر متيقن . . .
ثم إني أقول لكم يا إخواني: لا تظنوا أن الجمع رخصة عند كل العلماء, حتى الذين يقولون: إنه يجوز، يقولون: تركه أفضل, لكننا نحن نرى أنه إذا وجد السبب ففعله أفضل, وهناك مذهب يمثل ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية لما كانت الخلافة في الأتراك وهم على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو يرى أنه لا جمع مطلقاً إلا في موضعين: في عرفة و مزدلفة ؛ لأجل النسك, وإلا فلا جمع في السفر أو المرض أو المطر ولا غير ذلك, فلا تظن أن المسألة سهلة, المسألة صعبة . . .
فخلاصة الجواب: إذا تحقق العذر فالجمع أفضل, وإذا علمنا أنه لا عذر فالجمع حرام,وإذا شككنا فالجمع حرام؛ لأن الأصل هو وجوب فعل الصلاة في أوقاتها. إنتهى
قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه المغني: (والمطر المبيح للجمع هو: ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه، وأما الطَّلُّ والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك؛ لأنه في معناه، وكذلك البَرَد).
قال الإمام النووي الشافعي في كتابه المجموع: (ولا يجوز الجمع إلا في مطر يبل الثياب، وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لأجله)، وقال أيضًا: (والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره: يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بُعد، ويتأذى بالمطر في طريقه).
قال الشيخ الآبي المالكي في كتابه الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: (فالمطر سبب للجمع بين المغرب والعشاء، على القول المشهور؛ بشرط أن يكون وابلًا؛ أي: كثيرًا، وهو الذي يحمل أواسط الناس على تغطية الرأس، وسواء كان واقعًا أو متوقعًا، ويمكن علم ذلك بالقرينة، ومثل المطر: الثلج والبَرَد).
وقال الشيخ ابن عثيمين: (إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع، فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز؛ لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح، فإنها تزداد المشقة، فإن قيل: ما ضابط البلل؟ فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطَرَ منه الماء).
سئل كذلك الشيخ ابن عثيمين: إذا كان مطر ولكن شككنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟ فأجاب فضيلته: (لا يجوز الجمع في هذه الحال؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، فلا يعدل عن الأصل إلا بيقين العذر، فاتقوا الله عباد الله، والتزموا حدود الله، ولا تتهاونوا في دينكم، واسألوا العلماء قبل أن تُقدِموا على شيء تحملون به ذممكم مسؤولية عباد الله في عبادة الله، واعلموا أن الأمر خطير، وأن الصلاة في وقتها أمر واجب بإجماع المسلمين، وأما الجمع فرخصة حيث وجد السبب المبيح: إما مباح وفعله أفضل، أو مباح وتركه أفضل، وما علمت أحدًا من العلماء قال: إنه واجب، فلا تعرضوا أمرًا أجمع العلماء على وجوبه - يقصد أداء الصلاة في وقتها - لأمر اختلف العلماء في أفضليته - يقصد الجمع - اللهم وفِّقْنا للعمل لما يرضيك عنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، إنك جَوَاد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي يجمع فيه، فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها، وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع مضى على صلاته؛ لأنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامُها).
وقد قالوا عن حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، والذي جاء فيه أنّ النّبيّ r جمع بين صلاتين من غير عذر :
أن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال بالجمع الصوري، وتفسير راوي الحديث مقدم على غيره، فعن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا»، قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّ ذَاكَ . وهذا الأثر نص في حمل الحديث على الجمع الصوري باعتبار أن أوقات الصلوات أوقات موسعة وليست مضيقة، ففي أي أجزائها أوقع الفعل برئت الذمة، وإنما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يحرج أمته في التزامها بوقت محدد، وفي ذلك من المشقة ما لا يطيقه الإنسان، والشريعة جاءت لرفع المشاق والأغلال.
- كذلك مما يعضد ذلك أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعيين وتحديد لوقت الجمع، فإما أن تحمل على ظاهرها فيقتضي منها تجويز إخراج الصلاة عن وقتها وهو لا يجوز، أو نحمل الحديث على صفة مخصوصة تقتضي الجمع بين الأحاديث وهو أولى؛ ولن يكون ذلك إلا بالجمع الصوري.
 وهناك أحاديث صريحة نصت على عدم إخراج الصلاة عن وقتها، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخر صلاة عن وقتها من غير عذر؛ قال الإمام الشوكاني رحمة الله عليه:" ومما يدل على تعيين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: «صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء» فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري...
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود قال: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا » فنفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة، مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة...وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب.
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال:« خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما» وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر هو ممن روى جمعه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه".
فليتق الله أناس في تساهلهم العظيم في أمر الصلاة ، والتي هي أعظم ركن الإسلام بعد الشهادتين .
فهذا التساهل المفرط – ولاسيما في أمر الصلاة – يدل دلالة واضحة على خواء القلب من التقوى وخشية الله تعالى . 
وقد قال الله تعالى : (  ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .


أول الناس احتفالا بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو الرسول الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه
بعض أدلة جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا على سبيل الحصر
أولا : من القرآن الكريم :
إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] .
والعبرة بعموم اللفظ ، وليس بخصوص السبب .
فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة . والأمر يفيد الوجوب إذا لم تكن هناك قرينة تصرفه عن ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء (107)] .
ويؤيد هذا تفسير حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الآية ، حيث ورد عنه أنه قال :
(فضل الله العلم ، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) اهـ .
ثانيا : من السنة
1- إن أول الناس احتفالا بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو الرسول الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم .
ويدل على هذا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في باب الصيام عن رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال : ( ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه ) .
فهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين لأنه ولد فيه ونبئ فيه ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يُهتم بمثل هذا اليوم بفعل عبادة شكرا لله من صيام أو ما يستطيعه الفرد من أي عبادة وفعل لا يمنعه الشارع .
2 - الاحتفال بالمولد الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر .
فقد روى الإمام البخاري تعليقا ونقله الحافظ ابن حجر في (الفتح) ورواه عبد الرزاق الصنعاني في (المصنف 7 / 478) 
والحافظ البيهقي في (الدلائل ) وابن كثير في (البداية والنهاية 1 / 224 ) وابن الديبع الشيباني في (حدائق الأنوار 1 / 134 ) والحافظ البغوي في شرح السنة (9 / 76 )
وابن هشام والسهيلي في (الروض الأنف 5 / 192 ) والعامري في ( بهجة المحافل 1 / 41) وغيرهم . 
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام 
وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام .
روى الإمام البخاري تعليقا أن العباس رأى أخاه أبا لهب بعد موته في النوم فقال له ما حالك فقال في النار إلا أنه خفف عني كل ليلة اثنين وأسقى من بين إصبعي هاتين ماء فأشار إلى رأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاق ثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له .
وقد قال العلامة الحافظ شمس الدين بن الجزري في عرف التعريف بالمولد الشريف بعد ذكره قصة أبي لهب مع ثويبة :
فإذا كان هذا أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته عليه السلام ، يسر ويفرح بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؟
وكلمة ( الإحتفال ) قد اختلطت على بعض الناس فيفهم منها : الطبل والرقص ! ! 
وهذا الفهم – لا شك – خطأ عظيم ، وخلط عجيب !
فالإحتفال تعني : الإجتماع والإهتمام 
[ الحفل : الجمع الكثير . ويُقال : احتفل القوم احتفالا إذا اجْتَمعُوا . . . وهذا أمر لا أحفل به ولا أحفله أي لا أباليه . . . واحتفل لنا فلان إذا أحسن القيام بأمورهم . . . والمحفل : الجمع من الناس ويجمع محافل . وجاء بنو فلان بحفيلهم أي بأجمعهم . واحتفل الوادي بالسيل إذا امتلأ ] .
( جمهرة اللغة – أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، المتوفى : 321 هـ ) .
ألم يهتم النبيّ صلى الله عليه وسلم بيوم ميلاده ؟ ألم يعتبر يوم ميلاده يوماً مميزاً يتطلب شكراً لله تعالى على تلك النعمة ؟
سُئِلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -» . صحيح مسلم
وهل شكر الله تعالى وحمده يكون بالصيام فقط ؟ ألا يحل إطعام الطعام محل الصيام ؟
يقول تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ . . . ) .
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الإسلام خيرٌ ؟ قال : تُطعم الطعام ، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرِف . البخاري ومسلم .
يقول تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين ) .
فأعداء النبيّ ﷺ يريدون إسكاته ومحو إسمه وخبره ﷺ إما بالسجن ، أو القتل ، أو النفي ! 
وكل من يحارب الإحتفال بمولده فهو مشارك لهم في غاياتهم من حيث يشعر أو لا يشعر ! وهو جزء من خطة الأعداء في طمس ذكر النبيّ ﷺ ، يطبقونها عن طريقهم من غير أن يدري المساكين ! !

حكم مجلس العزاء ( الفاتحة ) ؟!


                                                                                  
 سئل سماحة الامام ابن باز رحمه الله تعالى :
السؤال الأول/
هل يجوز حضور مجلس العزاء والجلوس معهم ؟
فأجاب رحمه الله :
اذا حضر المسلم وعزى أهل الميت فذلك مستحب لما فيه من الجبر لهم والتعزية ، واذا شرب عندهم فنجال قهوة او شاي او تطيب فلا بأس كعادة الناس مع زوارهم .
السؤال الثاني /
بعض أهل الميت يجلسون ثلاثة أيام فما حكم ذلك ؟
فأجاب رحمه الله :
اذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج ان شاء الله حتى لا يتعبوا الناس لكن من دون ان يصنعوا للناس وليمة .
السؤال الثالث /
اذا كان الاطعام لأهل الميت ذبيحة فما الحكم فيها ؟
فأجاب رحمه الله :
لا بأس ، ويعمله لهم الجيران او الاقارب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهله ان يصنعوا لآل جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه طعاما لما جاء خبر موته بالشام فقال صلى الله عليه وسلم ( انه قد أتاهم مايشغلهم ) .
السؤال الرابع /
اذا بعث لأهل الميت غداء او عشاء فاجتمع عليه الناس في بيت الميت هل هو من النياحة المحرمة ؟
فأجاب رحمه الله :
ليس ذلك من النياحة ، لأنهم لم يصنعوه وإنما صنع ذلك لهم ، ولا بأس أن يدعو من يأكل معهم من الطعام الذي بعث لهم ، لانه قد يكون كثيرا يزيد عن حاجتهم .
السؤال الخامس/
ماحكم النعي في الجرائد ؟
فأجاب رحمه الله :
هو محل نظر لما فيه من التكلف غالبا ، وقد يباح اذا كان صدقا ، وليس فيه تكلف ، وتركه أولى وأحوط ، واذا اراد التعزية فيكتب لهم كتابا او يتصل بالهاتف او يزورهم وهذا اكمل .
المرجع /
كتاب ( من احكام الجنائز ) لسماحة الامام عبدالعزيز بن باز رحمه تعالى ، وهو عبارة عن تفريغ للأسئلة التي وجهت للشيخ في شرحه لبلوغ المرام ( الجنائز ) ، اضافة الى بعض الاسئلة التي وجهها الاخوة في الجمعية لسماحة الشيخ رحمه الله .
طبعة : الجمعية الخيرية بمحافظة شقراء .
وقال ابن نُجيم الحنفي : " وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ". انتهى من " البحر الرائق" (2/207).
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، نقلها حنبل والخلال .
قال المرداوي : " وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ...، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ [ ابن تيمية ] .
وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ ، خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ".
انتهى من "الإنصاف" (2/565) .
وقال ابن عبد البر في "الكافي" (1/283) : " وأرجو أن يكون أمر المتجالسة في ذلك خفيفاً " انتهى .
واختار هذا القول من العلماء المعاصرين : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (13/373) - ، وهو ترجيح الشيخ محمد المختار الشنقيطي في "سلسلة دروس شرح الزاد" .
وأقوى ما استدل به القائلون بالجواز :
1- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ). رواه البخاري (5417) ، ومسلم (3216). [ التلبينة : هي حساء يعمل من دقيق ونخالة ، وربما جعل معه عسل ، وسميت به تشبيها باللبن ، لبياضها ورقتها].
فهذا الحديث فيه الدلالة الواضحة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً ، سواء اجتماع أهل الميت ، أو اجتماع غيرهم معهم .
2- وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : " لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ .
فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ لَقْلَقَةٌ ". رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 290) ، وعبد الرزاق الصنعاني (3/ 558) بسند صحيح.
وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَاللَّقْلَقَةُ : الصَّوْتُ ، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن.
وأجاب هؤلاء عن أثر جرير بن عبد الله ( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ). رواه أحمد (6866) ، وابن ماجه (1612) بجوابين :
الأول :
أن الراجح فيه أنه ضعيف ، فقد أعله الإمام أحمد ، والدراقطني.
غير أن في الحديث علة خفية بينها الحفاظ والنقاد ، هي تدليس هشيم بن بشير ، فإنه على ثقته كان كثير التدليس والإرسال ، وأحيانا عن الضعفاء والمجاهيل .
يقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/249) : " لا نزاع في أنه كان من الحفاظ الثقات ، إلا أنه كثير التدليس ، فقد روى عن جماعة لم يسمع منهم " انتهى.
ولذلك أعل بعض الحفاظ المتقدمين حديث جرير هذا بتدليس هشيم فيه :
قال أبو داود : " ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ جَرِيرٍ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قال : زعموا أنه سمعه من شريك ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلاً".
انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص: 388).
وجاء في "العلل" (13/462) للدارقطني ما يشعر باحتمال تدليس هشيم له .
فإن كان المدلَّس هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي فهي رواية ضعيفة ، فإنه ضعيف الحديث عند عامة المحدثين ، ومثله لا يقبل تفرده بحديث ينبني عليه حكم شرعي بالتحليل أو التحريم .
نعم، تابعه نصر بن باب كما في مسند أحمد (6905) غير أن نصراً هذا جاء في ترجمته في "تعجيل المنفعة" (ص/420) : " قال البخاري : يرمونه بالكذب ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال علي بن المديني : رميتُ حديثه ، وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث ، وقال أبو خيثمة زهير بن حرب : كذاب ". انتهى.
فلا تقوى متابعته على تحسين رواية شريك ، بل هناك احتمال قوي بأن المدلَّس في رواية هشيم هو نصر بن باب نفسه وليس شريكاً .
والخلاصة : أن قول جرير بن عبد الله البجلي لم يثبت من طريق صحيح ، والرواية المشهورة معلة بالتدليس ، وللاستزادة ينظر كتاب : " التجلية لحكم الجلوس للتعزية" للشيخ ظافر آل جبعان صـ 27 .
الثاني :
على القول بصحته فالمقصود منه : الاجتماع الذي يكون فيه صنعٌ للطعام من أهل الميت لإكرام من يأتيهم ومن يجتمع عندهم .
ولذلك نص في الأثر على الأمرين .
قال الشوكاني:‏ ‏"‏ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكْلَ الطَّعَامِ عَنْدَهُمْ نَوْعًا مِنْ النِّيَاحَةِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّثْقِيلِ عَلَيْهِمْ وَشَغْلِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شُغْلَةِ الْخَاطِرِ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُخَالِفَةِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا فَخَالَفُوا ذَلِكَ وَكَلَّفُوهُمْ صَنْعَةَ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِمْ "
والاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة .
ثم إن التعزية أمر مقصود شرعاً ، ولا وسيلة لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين ، والجلوس لذلك ، فإن ذلك مما يعينهم على أداء السنة .
 وقال الشيخ صالح آل الشيخ : " والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون ؛ لأنه لا تكون المصلحة إلا بذلك ، إذا فات ذلك فاتت سنة التعزية ".
وحتى على القول بالكراهة ، فإن الكراهة تزول عند وجود الحاجة كما هو معلوم عند العلماء ، ولا شك أن الجلوس للتعزية تشتد لها الحاجة في هذا الزمن لما فيها من تيسير على المعزين ورفع للحرج عنهم .
فقد يكون أبناء الميت وأقاربه في أصقاع مختلفة أو في نواح متباعدة داخل المدينة الواحدة مما يصعب فيه على من أراد التعزية التنقل بينهم .
وقد علل بهذا التعليل الشيخ عبد العزيز بن باز حينما سئل عن حكم الجلوس للتعزية، فأجاب بالجواز قائلاً : " إذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج إن شاء الله حتى لا يتعبوا الناس ، لكن من دون أن يصنعوا للناس وليمة " .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي :
لكن في هذه الأزمنة اتسع العمران ، وصعُب عليك أن تذهب لكل قريب في بيته ، ويحصل بذلك من المشقة ما الله به عليم ، وفيه عناء ؛ لذلك لو اجتمعوا في بيت قريبٍ منهم كان أرفق بالناس وأرفق بهم ، وأدعى لحصول المقصود من تعزية الجميع والجبر بخواطر الجميع ؛ ولذلك أفتوا بأنه لا حرج -في هذه الحالة- من جلوسهم ، ولا يعتبر هذا من النياحة ، بل إنه مشروع لوجود الحاجة له "
فأدلة القول الثاني – وهو القول بالجوازأصح إسناداً ، وأظهر دلالةً ، وأما أدلة المنع فهي آثار ضعيفة ، ليس منها شيء صريح الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن دلالتها محتملة ، إذ يبدو أن المنع فيها ليس عن الجلوس للتعزية المجردة ، بل عن تكلف أهل الميت للناس بصنع الطعام وقد جاءهم ما يشغلهم بالمصيبة .
ثم لا يخفى أن القول بالجواز هو الأقرب إلى اليسر ورفع الحرج ، وخاصة مع اختلاف الزمان وتنوع مشاغل الناس ، مما اضطرهم إلى اتخاذ بعض الأعراف التي تساعدهم على تنظيم أمور حياتهم ، ومنها اجتماع أهل الميت لتلقي مواساة الناس وتعزيتهم في بداية هذه المصيبة ، فلا يضطر المعزون إلى التفتيش عن أهل المتوفى واحدا واحدا في أماكن عملهم أو مساجدهم أو حتى بيوتهم ، ولا يلجؤون إلى ترك أعمالهم أياما كثيرة لإدراك ذلك مع بعد المسافات واختلاف الظروف والأوقات .
فلو لم يكن في القول بالجواز إلا رفع المشقة والحرج عن الناس لكان كافياً في ترجيحه ، فكيف وقـد عضـدته الأدلـة الصريحة الصحيحة !





الإسبال غير حرام إلا على من أراد الخيلاء.





فتوى للشيخ سليمان الماجد-القاضي بالمحكمة العامة بالرياض
          ( لا يحرم إلا على من أراد الخيلاء . . .)     ويحمل المطلق على المقيد،وهي إحدى الروايتين عن أحمد، وقول جماهير العلماء، وجمع من المحققين منهم ابن تيمية والصنعاني والشوكاني ) .
والمقصود بالمطلق : الحديث الذي لم يذكر فيه    ( خيلاء ) أي : التكبر  «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»
والمقصود بالمقيد : الحديث الذي ذكر فيه         ( خيلاء ) أي : التكبر «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»
ويحمل المطلق على المقيد ، يعني : يُفَسّر الحديث الأول بالحديث الثاني
         وقد قيّد الحديث الإسبال بالتكبر . أي : مَن طوّل ثيابه وهو يقصد التكبر فهو قد فعل حراماً .
         قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ . .
         لماذا قال رسول الله r ( خيلاء ) ؟
         هل ذِكر ( خيلاء ) زائد في كلام رسول الله r  وليس لها معنى ، وتُهمَل ولا يُعمَل بها  ؟
         (أن قيد الخيلاء معتبر، ولم يورد في الحديث إلا لمعنى )  .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ كَذَا»، وَإِذَا كَانَ هَذَا يَثْبُتُ، فَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ .
وذلك لأن الحديث قد قيّد ( شَرَط )        ( السائمة ) في الزكاة .
فكلمة ( السائمة ) ليست زائدة بلا معنى !
أي : إذا كانت الإبل والبقر والغنم سائمة  (الدواب التي ترعى في البراري والمراعي ولا تُعلف ) ففيها الزكاة .
          أما إذا كانت تُكلِّف صاحبها فيشتري لها علفاً فلا زكاة فيها .
          وهذا الحكم الشرعي مأخوذ ومفهوم من الحديث الذي جاء فيه قيد ( السائمة ) .
          وهذا كقوله r : ((  فمن باع نخلة مؤبرة فثمرتها للبائع  )) . المفهوم المخالف : ان ثمرة النخلة غير المؤبرة لا تكون للبائع
          فهذه القيود في أقوال النبيّ r لم تأتِ هكذا جزافاً حاشاه ، بل إستنبط العلماء منها أحكاماً شرعية
وكذلك كلمة ( خيلاء ) هنا فهي ليست زائدة بلا معنى !
فيُفهَم من الحديث : أن الذي يطوّل ثوبه من غير تكبر ( خيلاء ) فلا يشمله الحكم .
ويقول : ( ودلالة مفهوم المخالفة  يقول بها جماهير الفقهاء والأصوليين  ) .

(  وقد تأيد هذا بالهدي العملي له صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي بكر رضي الله عنه: “إنك لست ممن يفعله خيلاء” ) يعني : أنا أقصد مَن يفعله تكبّرا ( ولا يمكن أن يُوجَّه هذا بكونه خاصاً بأبي بكر رضي الله عنه، ولا لأن الإسبال كان عارضاً وأنه يتعاهده؛ فالخصوصية تحتاج إلى دليل  ) .
(  ولهذا فإن الأرجح دليلاً وتعليلاً أنه يُحرم من الإسبال ما كان لخيلاء، ولا يحرم ما كان لغير ذلك، وهو قول الجمهور كما تقدم.
فالذي ذهب إليه أكثر أهل العلم أن أحاديث النهي عن الإسبال مقيدة بالخيلاء، فإذا انتفى الخيلاء لم يكن الإسبال محرما ) .
وممن ذهب إلى عدم التحريم إذا لم يكن للخيلاء: الشافعي وأحمد، وممن ذكر ذلك من المالكية: سليمان بن خلف الباجي في كتابه المنتقى شرح الموطأ والنفرواي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني.













ومن الشافعية: الإمام النووي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري والإمام شهاب الدين الرملي والحافظ ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير.
وممن نص على ذلك من الحنابلة: الإمام ابن قدامة في المغني وشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة والرحيباني في مطالب أولي النهى وابن مفلح في الآداب الشرعية والمرداوي في الإنصاف .
وقال عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الشيخ عبدالله البسام رحمه الله في “توضيح الأحكام من بلوغ المرام” ( 6/246 ):”
( إن القاعدة الأصولية هي حمل المطلق على المقيد وهي قاعدة مطردة في عموم نصوص الشريعة.




والشارع الحكيم لم يقيد تحريم الإسبال – بالخيلاء – إلا لحكمة أرادها ولولا هذا لم يقيده. والأصل في اللباس الإباحة ، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
والشارع قصد من تحريم هذه اللبسة الخاصة قصد الخيلاء من الإسبال وإلا لبقيت اللبسة المذكورة على أصل الإباحة ) .

فالمقصود من الحديث النهي عن التكبر
 وقد قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»
فالذي يتكبّر على إخوانه المسلمين ويرى نفسه أفضل منهم ويغمطهم ، يشمله الحديث وإن كان ثوبه عند ركبته .
( غمط الناس )  معناه : إحتقارهم .