الأربعاء، 30 مارس 2022

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا ؟ وأيهما الأفضل الطعام أم الدراهم ؟ أم بحسب الحاجة .



هل من الأفضل إخراج زكاة الفطر نقدا أو غير ذلك ؟ .

الجواب : الأفضل إخراجها من غالب ما تأكلون كالقمح ونحو ذلك ،ومن أخرجها قيمة لمصلحة الفقير والمسكين فإنّها تجزئ عنه وهو مذهب أبي حنيفة خلافا للأئمة الثلاثة  .

وقال مالك: لا يجزئه أن يدفع في الفطرة ثمنا. وروى عيسى عن ابن القاسم: فإن فعل أجزأه.

والأولى النظر إلى مصلحة الفقير ، وقد بسطت هذه المسألة وقتلت بحثا ولايزال الكثير متعصبا لرأيه بغض النظر عن مقصد الشريعة ومصلحة الفقير، وسأسوق هنا بحثا مختصرا فيه أدلة القول بجواز اخراج زكاة الفطر نقدا لمن شاء أن يأخذ به وإن كنت أفضل وأرجح إخراج مايقتات إن وجد من يحتاجه فعلا، يقول الشيخ الدكتور د. عبد الرحمن بن عوض القرني:

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.

فقد اختلف أهل العلم في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا على قولين :-

الأول :عدم الجواز وهو مذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة ودليلهم أنه لم يرد نص بذلك والأصل الوقوف عند ما ورد وإخراج الحبوب (1).

الثاني :جواز إخراجها نقدا إما على الإطلاق وهو مذهب الأحناف(2) والبخاري(3) وقول عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري وغيرهم(4) أو مع التقييد بالحاجة وهو رواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية (5).

            ولهم أدلة منها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: « فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ : عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» متفق عليه(6).

وفي رواية « أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ».

            أخرج هذه الرواية ابن عدي(7) والدارقطني(8) والبيهقي(9) والحاكم(10) وابن زنجويه « في الأموال »(11) وابن حزم(12) جميعهم من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بنفس حديث ابن عمر السابق وفي آخره « أغنوهم في هذا اليوم » أو « أغنوهم من طواف هذا اليوم » كما هو لفظ الحاكم والبيهقي.

والحديث مداره على أبي معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي وقد ضعفه غير واحد؛ فقال أحمد: حديثه عندي مضطرب الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به.

وقال يحيى بن معين: كان أميًّا ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال النسائي و أبو داود: ضعيف الحديث(13).

وبالغ ابن حزم فقال: أبو معشر هذا نجيح مطّرح الحديث يحدّث بالموضوعات عن نافع وغيره »(14).

وللحديث شاهد وطريق آخر أخرجه ابن سعد في « الطبقات »(15) فقال: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الجمحي، عن الزهري، عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-، قال: وأخبرنا عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: وأخبرنا عبدالعزيز بن محمد ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده، قالوا: « فرض … » الحديث وفيه وأمر بإخراجها قبل الغدو إلى الصلاة، وقال « أغنوهم -يعني المساكين- عن طواف هذا اليوم ».

والواقدي متروك متهم بالوضع(16).فالحديث – بطريقيه – والحالة هذه لايرتقي إلى درجة الحسن لغيره والعلم عند الله.

هذه الرواية فيها بيان حِكْمةٍ من حكم زكاة الفطر وهي إغناء الفقراء والمحتاجين في يوم العيد فلا يسألون الناس، وهذا مظهر من مظاهر التكافل الإجتماعي الذي حثَّ عليه ديننا الحنيف.

وقد استدل بها على جواز إخراج القيمة بدلاً عن الطعام في زكاة الفطر ووجه الدلالة من الحديث -على فرض ثبوته- أن الإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام وربما كانت القيمة أفضل(17).

واستدلوا ببعض الآثار منها ما أخرج ابن أبي شيبة –وعقد عليه باب إخراج الدراهم في زكاة الفطر – قال:حدثنا أبو أسامة ،عن عوف، قال: سمعت كتاب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بالبصرة:(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم ، عن كل إنسان نصف درهم) يعني زكاة الفطر(18).

حدثنا وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبدالعزيز في زكاة الفطر: (نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته:نصف درهم )لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر(19).

وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدّون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام(20).

فهذا عمر بن عبدالعزيز في عصر التابعين يرسل إلى عامله، وعلماء التابعين متوافرون، ولا يخفى عليهم فعل إمام المسلمين.

وهذا أبو أسحاق السبيعي –وهو من الطبقة الوسطى من التابعين أدرك عليا وبعض الصحابة رضي الله عنهم – يثبت أن ذلك كان معمولا به في عصرهم فقوله أدركتهم يعني به الصحابة.

ومن الأدلة على ذلك أيضًا أن أخذ القيمة في زكاة المال ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة ومن ذلك قول البخاري في الصحيح: باب العرْض في الزكاة وقال طاووس قال معاذ –رضي الله عنه- لأهل اليمن: ائتوني بعرْض ثيابٍ خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهونُ عليكم وخيرٌ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(21).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وأما خالدٌ فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله »(22).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « تصدقن ولو من حليكنّ » (23) فلم يستثن صدقة الفطر من غيرها فجعلت المرأة تلقي خرصها و سخابها. ولم يخصّ الذهب والفضة من العروض.

حدثنا محمد بن عبدالله قال: حدثني أبي قال: حدثني ثمامة أن أنسًا -رضي الله عنه- حدّثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: « ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء »(24) ا.هـ.

قلت: وهذه الأحاديث والآثار دالّةٌ على اعتبار القيمة في إخراج الزكاة، فأثر معاذ ظاهر في الدلالة أما حديث خالد بن الوليد فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم له أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه فدلّ على جواز إخراج القيمة، وكذلك حديث زكاة بهيمة الأنعام هو صريح في جواز أخذ القيمة بدلاً من الواجب.

وإذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب من باب أولى(25).

ومن الأدلة أيضًا تجويز الصحابة إخراج نصف صاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير وقد صح عن معاوية –رضي الله عنه- أنه فعل ذلك(26).

فهذه الآثار دالة بمجموعها على جواز دفعها نقودًا.

وأيضًا فإنه من حيث النظر، والتعليل، والحكمة التي تتفق مع مقاصد الشريعة فإن ازدياد الحاجة للمال وتقلص الحاجة للحبوب يتضح مع مرور الأيام.

وفي مقال(27) للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ذكر أن النصوص الواردة فيما يخرج في زكاة الفطر هي دالة على اعتبار الطعام المعتاد كحال البلد، ثم ذكر أن الرجل كان يفرح في السابق بهذه الحنطة وهذه الحبوب فيحملها إلى أهله حتى يصنعون منها الخبز بعد طحنها وإصلاحها، وأن هذا الأمر لم يعد معمولاً به في الوقت الحاضر بل إن الفقراء يبيعون ما يحصلون عليه من زكاة الفطر كالأرز وغيره حتى يحصلوا على النقود إلى أن يقول: إنه -أي الفقير- يحتاج إلى كثير من الأشياء الضرورية التي ترهقه، ولا يستطيع تلبيتها من دون عون من الله ثم بما يقدمه له إخوانه المسلمون من زكاتهم المفروضة، إنه يفكر في سداد فاتورة الكهرباء التي لا يقوم بها أحد سواه، وكذلك سقيا الماء لأبنائه وعائلته، ولوازمهم المدرسية التي تكلفه الكثير الكثير من المال عدا الأشياء الضرورية التي لا يستطيع التخلي عنها. هذا هو الواقع الذي يعيشه الفقير إن انفصال المقصد الشرعي من هذه الفريضة والتجاهل للواقع انحراف عن مقاصد الشرع، وتنزيل للأحكام في غير موضعها، فقد تغيّرت حاجة الفقراء في عصر الصحابة رضوان الله عليهم فلجأوا إلى ما يحقق مقاصد الشريعة، ولم يكن ثمة اعتراض على ذلك وفي الوقت الحاضر تغيرت حاجة الفقراء، وأصبح ما هو مشروع أصلاً -إلى جانب أنه لا يسد حاجة الفقير- هدفًا للتحايل والتلاعب إنّ النظر الفقهي السليم هو الذي يؤاخي بين الأحكام الشرعية، وتأمل للواقع لتحقيق المقصد الشرعي.

قال الدكتور يوسف القرضاوي(28): والذي يلوح لي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين الأول: ندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس.

والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للأخذ. اهـ. والله أعلم بالصواب.

وقد رجح هذا القول وأفاض في ذلك الشيخ مصطفى الزرقا(29)، وفرق الشيخ أحمد الغماري بين البوادي والتي حالها مشابهُ لحال عصور الصحابة حيث لا أسواق لبيع الطعام المطبوخ مع وجود الآلات التي تمكنهم من الانتفاع بما عندهم من الحبوب، وبين الحواضر والتي المال فيها أحوج للفقير.

وهذا يتوافق مع أصل التشريع فإن الطعام كان إخراجه أيسر في عهد الصحابة ومن الطعام الذي كان موجودًا ومتعارفًا عليه عندهم ولذلك فإن الفقهاء -حتى القائلين بعدم إخراج زكاة الفطر نقدًا- لا يُلزمون بإخراجها من نفس الأصناف الواردة في أحاديث زكاة الفطر وإنما يعبرون عن ذلك بقولهم قوت البلد، وهذا يدل على مراعاة المصلحة والحاجة. فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه في ذلك الوقت إلى الطعام المتيسر إخراجه لكل الناس آنذاك.

وأما الحال الآن فقد تغير فصارت النقود ميسرة والحاجة لها أكثر كما سبق بيانه(30)، وعندي -والله أعلم- أن الراجح هو جواز إخراجها نقدًا ولا يعني أن هذا هو الأفضل بل الأفضل إخراج ما يحتاجه من سيعطى الزكاة ولو أخرجها نقدا مع وجود الحاجة لها حبا فقد أدى فرضه ولا يؤمر بالإعادة، كما أن العكس صحيح، وعندما يوسّع الإنسان الدائرة وينظر إلى حال المسلمين في العالم وخاصة الدول الصناعية الأوروبية مثلا  والتي يتعامل الناس فيها بالنقود غالبًا فإخراجها نقدا أفضل والحالة هذه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين[1] .

وقد نظم الشيخ محمد سالم المجلسي -حفظه الله الخلاف  فقال :

زكاةُ الفطرِ طائفةٌ عليمَهْ        رَأت إخراجَ قيمَتِها السَّليمَهْ

معاذٌ أعلم الأصحاب طُرًّا..    جَبى الصَّدقاتِ من يَمَنٍ بِقِيمَهْ

وعلَّق ذلك الجُعفِيُّ ,لكن..    أبان البيهقيُّ لنا صَميمَه

ولم يُنقَلْ عن الأصحابِ نُكرٌ.. تُرَدُّ به مقالتَه سَقيمَه

وصِهرُ المصطفى أضْفَى بِفَهمٍ.. على السَّمراءِ قيمتَها العظيمَهْ

يَرى مُدَّينِ منها صاعَ تَمرٍ..كما حَفِظ الثِّقاتُ لنا رَقيمَه

وخالفَ فهمَه الخُدريُّ لكن..أجازَتهُ من الأخيار دِيمَه

وشاهدَهم أبو إسحاقَ دَهرا..وجلَّى مِن مَشاهده القديمَه:

زكاةُ الفطر مِن رمضانَ تُعطَى..دَراهمَ, أي: بقيمتِها الكريمَهْ

له العَبسيُّ بوَّب بابَ فِقه ..وفِقهُ مُصنَّفِ العبسِيِّ شِيمَه

روى فيهِ عن البصريِّ أيضا..قَبُولا لا تُقيِّدُه شكيمَه

وعن عُمَرَ الإمامِ روى فِعالا..تَزولُ عن النُّفوس بها السَّخيمَهْ

فذا رأيٌ تفتَّق مِن رياضٍ..وأَهدى مَن تأمَّلَه نَسيمَه

وقولُ أبي حَنيفةَ ذي المزايا..مع الجُعفيِّ ذي السُّنَنِ القويمة

وسُفيانُ الإمامُ رآه حقًّا..كما أبدَى عَطاءُ لنا أديمَه

وأجواءُ المذاهب زَيَّنَتها..نُجومٌ في مَطالعِها غَنيمَه

تبَنَّتهُ صوابا مِن وُجوهٍ..يُنادِم ذُو العلومِ بها نَديمَه

فرَاعَوا فيه تَيسيرا مَشيدا..على أسُسِ السَّبيلِ المستقيمَه

ومنفعةً يَرى المسكينُ فيها..نَماءً قد يَصون به حَريمَه

وقد أبدى تقِيُّ الدِّين قولا ..يَدلُّ على مسالِكِه الرَّحيمَهْ

فيُعطَى أكثرُ الأمرين نَفعا..ولا ترتَدُّ قيمتُه عقيمَه

فذا نقلٌ لهذا القول يَشفِي ..-إذا طاشَ الخلافُ به- كَليمَه

فلا تَنسب لقائلِه ضَلالا..ولا تُرسل لِفاعلِه شَتيمَهْ

وفعلُ المصطَفى أهدَى وأسنى..وأكرَمُ ما تُشدُّ له العزيمَه

عليه وآلِه والصَّحب طُرَّا ..صلاة الله مُرسَلة عًمِيمَهْ

وقال قال العلامة محمد بن الحافظ بن دياها الشنقيطي:

إِخْرَاجُ قِيمَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ *** فِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّكْرِ

فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُجْزِي *** إِخْرَاجُهَا حَبًّا بِمِثْلِ الاُرْزِ

أَوْ بِالتُّمُورِ أَوْ بِقَمْحٍ آوْشَعِيرْ *** كَمَا أَتَى فِي مَا رَوَوْا عَنِ الْبَشِيرْ

وَذَاكَ رَأْيُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِي *** وَالْحَنْبَلِيِّ ذِي الْمَقَالِ النَّافِعِ

أَمَّا الْإِمَامُ التَّابِعِيُّ الْحَنَفِي *** فَقَدْ رَآَى إِخْرَاجَهَا نَقْدًا يَفِي

وَمِثْلُهُ شَيْخُ الْمُحَدِّثِينَا *** أَعْنِي بِهِ الْبُخَارِيَّ الْأَمِينَا

وَ الْأَمَوِيُّ مَنْ بِعَدْلِهِ اشْتَهَرْ *** وَ هْوَ سَمِيٌّ وَحِفِيدٌ لِعُمَرْ

كَذَا الْإِمَامُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ *** وَ أَشْهَبَ الْمَالِكِي وَالثَّوْرِيُّ

وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ مَذْهَبٌ وَسَطْ *** بَيْنَهُمُ فَقَدْ رَآى أَنَّ الْغَلَطْ

إِخْرَاجُهَا نَقْدًا لِغَيْرِ دَاعِ *** فَإِنْ دَعَا الدَّاعِ لِذَا فَرَاعِ

مَصْلَحَةً إِذَا تَكُونُ رَاجِحَهْ*** ظَاهِرَةً لَدَى الْفَقِيرِ وَاضِحَهْ

وَ فِي الْخَتِامِ يَا أَخَا الْإِسْلاَمِ *** أُذْكُرْ حَدِيثَ سَيِّدِ الْأَنَامِ

“دَعْ مَا يَرِيبُكَ” الْحَدِيثَ.. حَيْثُمَا *** أَمْكَنَ وَ اخْرُجْ مِنْ خِلاَفِ الْعُلَمَا

وَ اذْكُرْ مَقَالَ الْمَالِكِيِّ الْأَشْعَرِي *** الْجَهْبَذِ الْحَبْرِ الْإِمَامِ الْمَقَرِي

“وَذُو احْتِيَاطٍ فِي أُمُورِ الدِّينِ *** مَنْ فَرَّ مِنْ شَكٍّ إِلَى يَقِينِ”

فَمَنْ يُرِدْ فِعْلاً عَلَيْهِ مُتَّفَقْ *** لاَ يَعْتَرِي فَاعِلَهُ أَيُّ قَلَقْ

يُخْرِجُهَا حَبًّا فَذَاكَ أَسْلَمُ *** وَاللهُ جَلَّ بِالصَّوَابِ أَعْلَمُ

[1] – ————

(1) ينظر بداية المجتهد(1/64) مغني المحتاج (1/406) كشاف القناع (1/471).

(2) المبسوط (2/158).

(3) بوب البخاري (باب العرض في الزكاة)وأورد فيه جملة من الأحاديث والآثار- سيأتي ذكرها – قال ابن حجر في الفتح (3/398):قال ابن رشيد:وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل.

(4) مصنف أبي شيبة (4/37-38).

(5) الإنصاف (4/478) وعند ابن تيمية يجوز للمصلحة أيضا ينظر مجموع الفتاوى(25/79). قلت: ولا داعي للتشكيك في نسبة هذا القول لابن تيمية، فقد جاء في اختيارات ابن تيمية لبرهان الدين ابن القيم (138)  ما نصه: وأنه يجوز إخراج القيمة في زكاة المال وزكاة الفطر. ا.هـ، ومما يقوي ذلك أن ابن تيمية يرى جواز إخراج نصف الصاع في القمح. الاختيارات الفقهية ص: (183) وهذا يدل على اعتبار القيمة عنده، وهو بهذا يوافق الأحناف في هذه المسألة بالذات. بدائع الصنائع (2/72).

(6) أخرجه البخاري (1504) كتاب الزكاة باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ، ومسلم (984) (13). كتاب الزكاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.

(7) الكامل لابن عدي (7/55).

(8) سنن الدارقطني (2/152).

(9) سنن البيهقي (4/175).

(10) المستدرك (1/410).

(11) الأموال لحميد بن زنجويه (2397).

(12) المحلى (6/121).

(13) ترجمته في الضعفاء الكبير (4/308)، الكامل (7/52)، التاريخ الكبير (8/114)، لسان الميزان (7/484).

(14) المحلى (6/121).

(15) الطبقات لابن سعد (1/284).

(16) ترجمته في الضعفاء (4/107)، الكامل (4/318)، المجروحين (3/290).

(17) ينظر كتاب (فقه الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوي (2/949).

(18) أخرجه ابن أبي شيبة (6/507 رقم 10469) قال المحقق الشيخ محمد عوامة: أبوأسامة هو حماد بن أبي أسامة وفي نسخة عن عون وفي أخرى عن ابن عون وكلاهما بصريان يروي عنهما حماد بن أسامة.

قلت: حماد بن أسامة ثقة ثبت ربما دلس .التقريب(1487)وتدليسه قليل وهو يبين من دلس عنه

عوف بن أبي جميلة الأعرابي العبدي ثقة التقريب(5215) فالأثر صحيح.

(19) المرجع السابق.

(20) المرجع السابق.

(21) أخرجه يحيى بن آدم القرشي في « الخراج » ت: أحمد شاكر رقم 525 ص(147)، قال ابن حجر في «الفتح» (3/398): هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس لكن طاووس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاريُّ بالتعليق الجاز فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أنّ إيراده له في معرض الاحتجاج يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عند الأحاديث التي ذكرها في الباب.

            قوله خميس: هو الثوب الذي طوله خمسة أذرع. النهاية (2/75).

            قوله لبيس: أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول. الفتح (3/398).

(22) أخرجه البخاري رقم (1468) الزكاة، باب قوله تعالى: (وفي الرقاب).

(23) أخرجه البخاري رقم (977) العيدين باب العلم الذي بالمصلّى.

(24) صحيح البخاري ص(281-282) بيت الأفكار.

(25) تحقيق الآمال ص(59).

(26) صحيح البخاري (1508)، وقد ورد ما يفيد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث جمعها الغماري في « تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطربالمال » حيث ساق اثني عشر حديثًا موصولاً وذكر بعض المراسيل والموقوفات ثم قال: فهذه الروايات تثبت صحة ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القطع والتواتر إذ يستحيل -عادة- أن يتواطأ كل هؤلاء الرواة على الكذب أو اتفاق الخلفاء الراشدين ومن ذكر معهم من الصحابة والتابعين الذين لم يفش فيهم داء التقليد على القول بما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثبت ذلك، وبطل ادعاء البيهقي: ضعف أحاديث نصف الصاع من البر ثبت المطلوب وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القيمة في زكاة الفطر » أ.هـ. تحقيق الآمال ص(83).

(27) المقال نشر في جريدة عكاظ في 17/9/1427هـ العدد 1940.

(28) فقه الزكاة (2/949).

(29) فتاوى مصطفى الزرقا ص(145).

(30) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(62، 102).( موقع المسلم ).


لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح البخاري؟

 

لماذا هذا الهجوم المتزايد على #صحيح_البخاري؟  مناقشة الدوافع

 لماذا هذا الهجوم المتزايد على #صحيح_البخاري؟ الحلقة(1) مناقشة الدوافع

يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة.

هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم الاهتمام ببحوث السنّة النبوية، ولذلك يُستبعد أن يكونوا قد توصَّلوا بالفعل إلى هذه الشبهات نتيجة لحلقات البحث والدراسات العلمية، بل ربما يكون الواحد منهم قد بات وهو لا يعرف شيئاً عن البخاري، ثم يستيقظ في الصباح ليمارس شهوته في هذا النقد وهذا الطعن، وقد انتشر مؤخّراً تسجيل مرئي لشيخ معمم يطعن في البخاري وهو لا يعرف اسمه، فيسميه «جُمعة أبو عبدالله محمد بن إسماعيل»، لأنه قرأ على غلاف الكتاب عبارة «جَمَعه أبو عبدالله...».

يقول لك آخر: إنه يريد أن يرسّخ في الأمة مرجعية القرآن الكريم، ولذلك فهو يضعّف كل حديث يعارض القرآن ولو كان في صحيح البخاري، هنا تظن لأول وهلة أنك أمام باحث مختص في القرآن الكريم وتفسيره، عارف بأصوله وفروعه، ومحكمه ومتشابهه، ومكّيّه ومدنيّه، ومتضلع قبل كل هذا بلغة القرآن وأسلوبه، لكنك تُفاجأ حينما تعلم أن هذا وأمثاله ربما لا يحسنون تلاوة القرآن أصلاً، وربما جاءوا بالمضحكات حينما يحاولون تفسير كلمة أو آية من آيات القرآن.

بعضهم تراه يردد كلمات وعبارات، تفهم من مجملها أن عقدته مع البخاري تكمن في تصوّره أن التشبث بالبخاري يعني عنده الجمود على الماضي والعجز عن مواكبة العلوم الحديثة ومتطلبات العصر، ولشدة ما تراه متحمساً لهذا الاتجاه تتخيل كأنه يواجه يومياً مئات الحافظين لصحيح البخاري، والذين لا شغل لهم إلا مذاكرة ما يحفظونه منه بمتونه وأسانيده، حتى أشغلهم ذلك عن غيره، ولا أدري كيف برزت أمام ناظريه هذه المشكلة في وقت نرى فيه هذا الجيل -إلا ما ندر- منشغلاً بأمور أخرى لا تمتّ إلى البخاري بصلة، فمتابعة لعبة الكرة مثلاً مقدّمة عندهم على متابعة دروسهم وواجباتهم، ناهيك عن أولئك الذين غرقوا في أوحال الرذيلة والمخدرات، ثم لنسأل هؤلاء: ما الدراسة العلمية التي أوصلتكم إلى هذا التشخيص؟ وكم نسبة هؤلاء الشباب الذين شغلتهم أحاديث البخاري قياساً ببقية شباب الأمة؟

أخيراً وليس آخراً، ربما ترى صنفاً آخر يتضايق جداً من البخاري، لا لشيء إلا لأنه لم يفهم لماذا حظي البخاري بهذه المكانة، ولماذا كان صحيحه أصحّ كتاب بعد القرآن الكريم، فتراه يتساءل بغضب وانفعال: لماذا هذا الغلو؟ لماذا هذا التقديس؟ وهذه التساؤلات يمكن أن نتفهمها، خاصة مع شيوع حالة من المفاهيم والتصورات المغلوطة عن البخاري وعن غير البخاري، لكن أليس من الغريب أن يكون الإعلام الغربي هو الذي يروّج لمثل هذه التساؤلات؟ ثم تجد من يعكسها عليك بالنص؟ خذ مثلاً هذه العبارة التي نشرتها قناة الحرة العربية على موقعها الرسمي، والتي يرددها أيضاً كثير من الناقدين والطاعنين: «حينما يتم نقد البخاري أمام رجال الدين، فإن أوصالهم ترتعد لأن ذلك سوف يهدم كهنوتهم الديني، الذي يسيطرون به على عقول العامة»!


لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ 

 

(جهود المحدثين وشهادتهم العلمية في البخاري)

إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها.

إن علماء السنّة قد أصّلوا أصولاً وقعّدوا قواعد في النقد الشامل والدقيق، بما لا مثيل له في أية أمة من الأمم، ويكفي هنا التذكير بعلم «الجرح والتعديل» الذي ضبط معايير التوثيق والتضعيف، وبحث في كل الرواة بأسمائهم وأنسابهم وصفاتهم ومستوياتهم، دون أن يستثني منهم أحداً مهما كان، ثم لم يكتفوا بذلك بل راحوا ينقدون النصّ نفسه بمسالك علمية دقيقة، منها البحث في مراتب الدلالة، والبحث في قواعد التعارض والترجيح، والبحث في مشكل الحديث، وغير ذلك.

ولتقريب الصورة لغير المختصين، أذكر أن شيخنا المحقق صبحي السامرائي -رحمه الله- قد اقترح عليّ وعلى صديقي د. عمر عبدالعزيز أن نعمل على تحقيق وتخريج رسالة من رسائل ابن أبي الدنيا -رحمه الله- وكان ذلك سنة 1984، وكانت الرسالة بعنوان «حسن الظنّ بالله» وهي رسالة صغيرة، لكننا تعلمنا منها الكثير، والأهم أننا تعلمنا الأدب مع هؤلاء العلماء، حيث لمسنا بأيدينا الجهد الاستثنائي الذي لا يمكن أن يقدّره مقدّر أو يتخيله متخيّل، وعلى سبيل المثال، لو افترضنا أن معدّل السند في كل حديث خمسة رواة، وأن مجموع الأحاديث فيها 100 حديث فقط، فهذا يعني أن الرسالة هذه ستضم 500 راوٍ، وبحذف المكرر تكون مهمتنا الأولى البحث في 300 راوٍ، وتمييز كل واحد منهم، والتأكّد أن هذا الاسم هو المقصود، وذلك بمعرفة ولادته ونشأته ورحلاته ووفاته وشيوخه وتلامذته... إلخ، لأنك قد تجد مائة راوٍ يشتركون في اسم واحد، ثم ندقق فيما قاله العلماء عنهم واحداً واحداً... إلخ، لقد كانت تجربة شاقة جداً مع ما فيها من متعة وأنس، وهنا كنت أتساءل: أي جهد بذله أولئك الأعلام حينما نقلوا لنا كل هذه الثروة بمئات المجلدات وبأعلى درجات الدقة والعناية، ثم حينما يتفق كل هؤلاء على أن صحيح البخاري هو أصحّ كتب السنّة على الإطلاق، فماذا يعني هذا؟ من هنا ندرك لماذا لا يأتي الطعن إلا من خارج هذه الدائرة، ممّن لا معرفة له لا بنقد السند ولا بنقد المتن.

إن البخاري ليس هو من قال: إن كتابي هذا هو أصح الكتب في هذا العلم، وإنما هذه هي شهادة أهل الاختصاص على مرّ القرون، دون أن يملك البخاري أية سلطة للتأثير على هذه الشهادة، كما أن هذه الشهادة ليست غريبة في أي مجال علمي، فبكل تأكيد هناك مصادر معتمدة في علم الطب بناء على شهادة الأطباء، وهنالك مصادر معتمدة في الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء، فهل يجوز أن نشكّك في كل ذلك، بحجة أن هؤلاء الأطباء أو غيرهم من كل الاختصاصات غير معصومين وغير مقدّسين؟

إننا حقيقة أمام أزمة لا تمسّ البخاري ولا كتب السنّة فقط، وإنما تضرب القواعد العلمية لكل علم من علوم الأرض، بحيث يختلط العلم بالجهل، والأسس المنهجية بالنزعات العبثية والفوضوية.


 (ميزة المنهج)

المسألة بكل تأكيد ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند العارفين مسألة علمية منهجية، لا علاقة لها بالأشخاص مهما علا كعبهم، وعظمت منزلتهم.

إننا هنا ربما نكون بحاجة إلى أن نبسّط الأمر لغير المختصين، فنقول: إن البخاري لا يختلف أبداً عن هؤلاء الأعلام، وربما فيهم من تفوّق عليه في أكثر من مجال حتى في علوم السنّة نفسها، لكن منهجيَّة البخاري في كتابه هذا هي التي ميّزت الكتاب، فالعلماء لهم مناهج مختلفة في تدوين السنّة، منهم من يجمع مرويّات كل صحابيّ على حدة، ومنهم من يجمعها بحسب الموضوعات، ومنهم من يجمع الأحاديث ولا يحكم عليها، ومنهم من يجمعها ويحكم عليها في مواضعها، كما فعل الإمام الترمذي، فهو يروي الحديث مذيّلاً بحكمه عليه، فيقول مثلاً: هذا حديث صحيح أو حسن أو غريب أو منكر، أما الإمام البخاري فقد أفرد الصحيح فقط في كتاب مستقل، وتبعه الإمام مسلم على ذلك، وهذا لا يعني أن الأحاديث الصحيحة عند البخاري أو مسلم أكثر منها عند الترمذي أو أحمد، الموضوع مختلف تماماً، كنت أشرح الأمر لطلابي بمثال تقريبي، لو قارنّا بين مجموعتين في مقرَّر واحد لأستاذين مختلفين، لكن الأستاذ الأول جاء بمجموعته كلها، والثاني جاء بالمتميزين فقط، فكيف سيكون حكمنا على المجموعتين وعلى الأستاذين؟

إن البخاري نفسه قد بنى كتابه الآخر في الحديث «الأدب المفرد» بمنهجية مختلفة ضمّت الصحيح وغيره، وهو كتاب عظيم الفائدة، لكن العلماء لم يرفعوه إلى مستوى كتابه الأول، بل فضّلوا عليه كثيراً من كتب السنّة، وهذا دليل واضح على أن المسألة لا علاقة لها بتعظيم الأشخاص أو تقديسهم.

وهنا لا بد من الإجابة عن سؤال قد يرد في هذا المجال: لماذا لم يأخذ بقية المحدثين بمنهجية البخاري ما دامت هي الأعلى والأفضل؟ ولماذا لم يلتزم البخاري نفسه بمنهجيته هذه في كتبه الأخرى؟ ولاختصار الجواب نقول: لو اقتصر المحدّثون على هذه المنهجية لفات الأمة خير كثير، فالأحاديث التي هي دون الصحيح لا تعني أنها باطلة أو مكذوبة، وقد يرتقي كثير منها إلى درجة الصحيح باعتضادها ببعضها، ثم إن شروط البخاري في الصحيح متشددة جداً حتى في مستوى الأحاديث الصحيحة، والعلماء قد يرون التشدد والاحتياط في أحاديث العقائد والأحكام المتعلقة بالحقوق والدماء والأموال، لكن هذا التشدد لا نحتاجه في الفضائل والنوافل، خاصة إذا كان لها أصل في الشرع ومتوافقة مع قيمه ومبادئه.

أما انتقادات الإمام الدارقطني لصحيح البخاري، والتي يدندن حولها هؤلاء المبطلون، فيا ليتهم قد قرأوها بالفعل، ويا ليتهم قد قرأوا أيضاً مناقشة العلماء لهذه الانتقادات، خاصة مناقشات الإمام ابن حجر العسقلاني، لنتأكد أنهم جادّون في البحث عن الحق والحقيقة.

إن انتقادات الدارقطني تثبت أن شهادة العلماء لصحيح البخاري جاءت بعد نقد وتمحيص ومناقشات تخصصية معمقة، وليس عن تقديس أو انبهار، يؤكد هذا أيضاً إجلال العلماء جميعاً للدارقطني على ما جاء به من انتقادات، مع إجلالهم للبخاري، فالنقد العلمي متاح ويحمد صاحبه، وإنما الذي يذم إنما هو انتهاك حرمة العلم والعلماء بمزاجية فوضوية بعيدة عن العلم وأصوله والنقد وآدابه.

ماعلاقة السنة بالعقل والقرآن؟

 علاقة السنة بالعقل والقرآن

هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه: ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟



وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري وصحيحه، بل النيل من السنّة النبوية كلها، باعتبار أن صحيح البخاري هو أصحّ كتب السنّة، فالتشكيك به تشكيك بما سواه بطريق الأولى، ثم هو اتهام لكل علماء الأمة المتفقين على صحة الصحيح، أنهم ما كانوا يفهمون القرآن الكريم، ولا يفهمون البديهيات العقلية، وكأنهم ساروا صمّاً وعمياناً وراء البخاري، ومن المفارقات الغريبة هنا أن الأمة وهي تعيش اليوم أسوأ محطاتها التاريخية جهلاً وتخبطاً وتخلفاً، يظهر فيها من يتطاول على الأمة في عصورها الذهبية التي كانت فيها سيّدة العالم قوّة وعلماً وحضارة!

لقد فات هؤلاء أن علاقة السنّة بالقرآن وعلاقتها بالعقل من أشهر المباحث العلمية في تراثنا الإسلامي الأصيل، فهذا الإمام ابن الجوزي يضع قاعدته الذهبيّة: «كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع»، وهنا يأتي الإمام زُفَر تلميذ أبي حنيفة ليفرّق تفريقاً دقيقاً بين العقل وبين مجرد الرأي، فيقول: «إنما نأخذ بالرأي ما لم يجئ الأثر، فإذا جاء الأثر تركنا الرأي وأخذنا بالأثر»، وهذا الإمام الغزالي -وهو من هو في المدرسة العقلية- يقول بالمعنى نفسه: «القياس على خلاف النصّ باطل قطعاً»، ثم يأتي شيخ الإسلام ابن تيمية ليبسط القول في كل ذلك بكتابه العظيم «درء تعارض العقل والنقل».

لقد عرف المسلمون هذه المباحث منذ الصدر الأول، فها هو البخاري نفسه يؤصّل لذلك، ولنقرأ هذه الرواية في صحيحه عن مسروق قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمّتاه، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعري ممّا قلت، أين أنت من ثلاث من حدّثكنّ بها فقد كذب، من حدّثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار»، ومن حدّثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب، ثم قرأت: «وما تدري نفس ماذا تكسب غداً»، ومن حدّثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: «يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك»، فانظر إلى هذه المنهجية الدقيقة في محاكمة الرواية إذا ناقضت القرآن، ثم يأتي هؤلاء اليوم ليوهموا البسطاء أنهم قد تنبّهوا لقضية خطيرة لم يتنبّه لها الأوائل!

أما أولئك الذين يرفعون شعار الاحتكام إلى القرآن فقط، ومن ثم هم يرفضون البخاري والسنّة النبوية من أساسها، فهؤلاء يناقضون القرآن قبل السنّة، فالقرآن هو الذي ألزمنا بطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به، فقال: «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول»، وقال: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، ثم من الناحية العملية، كيف يمتثل هؤلاء لقول ربهم: «أقيموا الصلاة»، والقرآن لم يفصّل لنا أحكام الصلاة ولا أركانها ولا شروطها؟ وهكذا قُل في أغلب العبادات والأحكام العملية.

من هنا ندرك أن استهداف السنّة إنما يقصد به استهداف الإسلام كله، واستهداف هوية الأمة وثوابتها والأواصر التي تجمعها، وهذا لا يعني سدّ باب البحث والنقد العلمي بأصوله وضوابطه، فبين النهجين والمقصدين بعد ما بين المشرقين والمغربين.

هل يجوز للمرأة الحائض الطواف والحج بدون محرم؟

 

post-pics-madina

محمد رابع سليمان – مكة

أكد الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء أن المملكة العربية السعودية لا تلزم أحدا من الحجاج الالتزام بالفتوى على مذهبها في الحج وكل حاج يأخذ بفتوى مذهبه وعلمائه لافتاً أنه كفقيه لا فرق عنده بين مذهب أهل السنة وغيره من المذاهب وانتقد أبو سليمان بعض من يحفظون بعض الآيات والأحاديث ويتصدرون للفتوى ووصف المتشددين في الفتاوى بأنهم يشكلون أذى للمجتمع المسلم .

وقال معاليه في محاضرة شهدتها ندوة الحج الكبرى مساء أمس الأول إن ثبوت رؤية هلال ذي الحجة في الوقت الحاضر مشكلة كبيرة للأمة لأنها لا تثبت إلا بالليلة الأولى وهذا بالنسبة للوقت الحاضر ولما يعيشه الناس من أمور تعتبر رؤية ارتجالية مشيراً أن الدراسات العلمية أكدت أن (60%) من الرؤية خلال مائة عام ماضية خطأ ، أفتى أبوسليمان بجواز الرمي قبل الزوال وطواف المرأة الحائض وسفر المرأة للحج برفقة آمنة وبدون محرم وقال إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينطبق على الزمن الماضي عندما لم يكن هناك رفقة آمنة .

وطالب أبوسليمان بالانفتاح في الفتاوى ومعايشة الواقع من الفقهاء والعلماء متسائلاً لماذا نظهر الإسلام بالصورة الضيقة المتوقعة بسد الذرائع ولماذا لا يكون الإسلام فتح الذرائع وقال في بداية المحاضرة التي كانت بعنوان (الفتاوى الفقهية في أهم قضايا الحج قديماً وحديثاً) ما موقفي مع حضراتكم إلا كمن أهدى زمزم إلى أبناء زمزم خصوصاً وأن بين الكثيرين من السادة الحضور من هو في مقام الأستاذ ولو تواضعت كثيراً لقلت هو في مقام الزميل ، وهذه المحاضرة ترتكز على ثلاثة محاور هي الفتاوى والحج ثم القضايا الكبيرة التي تتكرر ، وهذه الشعيرة فُصلت تفصيلاً في الكتاب والسنة.

وقال أبو سليمان : الحج محدود بثلاثة عناصر الزمان تأقيتاً والمكان تحديداً والإنسان أداءً وهذه الثلاثة العناصر لها دور كبير في فتيا الحج خاصة ولا يمكن أن يستقل المفتي بصورة متجردة عن طريقة كتاب أوتلاوة حديث أو أيٍ من القرآن ويصدر الفتوى ، والقضية الأولى ثبوت رؤية الهلال وهي مشكلة كبيرة جداً يعيشها العالم الإسلامي ليس بالنسبة لموضوع الحج ولكن لكافة المناسبات الدينية إنما تتمثل وتتجسد هذه المشكلة بحقيقتها وللعالم الإسلامي كله في رؤية هلال ذي الحجة ، رؤية هلال ذي الحجة في الوقت الحاضر لا تثبت إلا بالليلة الأولى وهذا بالنسبة للوقت الحاضر ولما يعيشه الناس من أمور تعتبر رؤية ارتجالية ، الإنسان إذا عزم أن يرحل لبلد قريب منه فهو يخطط الزمان والمكان ولا يمكن أن يستقل هناك ارتباطات بمكاتب وإدارات معينة هذه الرؤية الارتجالية تضر كثيراً بالناس ، لا أستثنى من ذلك العامل الكادح الذي يستلم أجراً فضلاً عمن له ارتباطات رسمية إذاً هذه مشكلة كبيرة، السادة الفقهاء الذين يلتزمون الرؤية ، يلتزمون الرؤية البصرية ويوم لم تكن لدينا الإمكانات الجاهزة ، اعترف الفقهاء بأن هناك خطأ في تعيين وتحديد يوم عرفة أحياناً تتقدم الوقفة تكون يوم التروية وهو (اليوم الثامن) وأحياناً تتأخر إلى يوم العاشر ولدينا هنا في مكة المكرمة بعض الإخوة الفلكيين الذين اثبتوا خطأ الرؤية سنوات عديدة بالنسبة على الأقل في رمضان والعيد هذا الوضع أدى بفقهائنا الكرام في الماضي أن يفسحوا مجالاً لمناقشة هذا الأمر وبالتفصيل فالرأي الذي توصل إليه جمهورهم أنه إذا تقدمت الوقفة بمعنى أنها كانت يوم التروية فالحج فاسد وباطل وخطأ قالوا لأنه لم يناسب في اليوم المناسب له وتقدم قبل ذلك ، مثال ذلك الصلاة لو صلى الإنسان الظهر قبل دخول الوقت فهذه لم يدخل وقتها وإن كان الفقهاء عللوا ذلك بشيء آخر أما إذا تأخروا بمعنى أن يوم الوقفة كان يوم العيد قالوا صحت الوقفة واستمر الناس وأكملوا الحج على ما هم عليه وحجهم يصبح صحيحاً وذلك لأنهم اجتهدوا لأن الشهر إما (29)يوما وإما (30) يوما فإذا أخطأوا فهم أخطأوا في الاجتهاد ومن أصاب فله أجران ومن أخطا فله أجر ولهذا الفقهاء تكلموا عن هذا .وقال أبو سليمان للفقهاء السابقين عذرٌ في ذلك لأنه كما لا يخفي على الجميع أن وسيلة ثبوت الهلال أمران ، الأول إما الرؤية البصرية وإما عن طريق الفلك الذي كان في بداياته وكان الفلك أيضاً خليطاً بالتنجيم ولذلك في الفتاوى القديمة نجد أن الفقهاء يُحرمون القول بالفلك ليس هو هذا الفلك الذي نعيشه علماً وآلاتٍ متقدمة وإنما الفلك المخلوط بالتنجيم ،ولهذا من الخطأ في الفتوى أن نجتر تلك الفتاوى بأدلتها لعصرنا الحاضر ، هذا الافتراض لا تقبله قواعد الشرع لأن الله عز وجل منّ علينا في الوقت الحاضر بهذا التقدم العلمي المتطور الذي أوصلنا إلى مجالات لم نحلم بها ولم نتخيلها سابقاً فكوننا نلغي هذا الأمر هو إلغاء للعقل وإلغاء لتطور الشرع ، عندنا ثوابت في الشرع لا يمكن أن تتغير ولكن هناك متغيرات ، ناقش هذا الموضوع كبار علماء العصر ونحمد الله عز وجل أن الله لم يحرم هذه الأمة في كل عصر من علماء مجتهدين متفتحين فهنا في موضوع الرؤية عندما يذهب العلماء في استعمال الوسائل العلمية الحديثة في إثبات الرؤية أجابو عن الأحاديث الماضية فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة) قالوا لم يكن يتوافر في ذلك الوقت من الإمكانات إلا الرؤية ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام (فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة) وإلى هنا فالرؤية هي وسيلة ، وقال (إننا أمةٌ أُميّة) ولكن الآن مع وجود الجامعات وأقسام الفلك والمؤسسات العالمية التي تثبت هذه الأشياء ، لا زلنا أمةً أمية (لا أظنُ عاقلاً يقول ذلك) فإذاً الرؤية البصرية إنما هي وسيلة ولذلك يقول الإمام ابن عقيل الحنبلي رحمه الله تعالى (كل ما أثبت الحق فهو من الشرع وإن لم يأت به الشرع) فلماذا نُضَيِق على أنفسنا وأثبتت الحقيقة العلمية على يدي ثقات خطأ الرؤية البصرية في الوقت الحاضر خلال المئة العام الماضية ربما وصلت إلى نسبة (60%) من الخطأ ولا زلنا نتمسك أنه لابد من الرؤية ولا زال الخلاف من جملة المسائل التي تتكرر سنوياً وتشغل بال العالم الإسلامي هو موضوع رؤية الهلال ،بالبصر أو بالفلك ، الله تعالى وفر علينا هذه الإمكانات العلمية الحديثة ،ولذلك أناح باللائمة على الجمود على هذا الوضع كبار العلماء من جملة ذلك والذي أعلم اعتراضه بشكل صريح بل ونادى العلماء وكتب في ذلك رسالة فضيلة الشيخ عبدالله زيد آل محمود رئيس محاكم قطر ونبه العلماء على أن استمرارهم في هذا الوضع وعلى هذا الاتجاه سيضر بهم ويضر بشريعة الإسلام .

وقال أبوسليمان واقعية الفقه والفتوى لها دعائم والإفتاء له قواعد ،كما قال الإمام الشافعي رحمه الله الإفتاء لابد له من أمرين فهم الواقعة وفهم النّص إذا كان فهم الواقعة خطأً فإسقاط النص خطأً ، الواقعية في الفتوى في الشريعة الإسلامية أمر مهم جداً ، وكما نعرف أن تغير الأحكام بتغير الزمان ، وفتاوى العلماء القدامى صحيحة وسليمة في زمنها وفي وقتها ولكن أن تنقل كما هي ونرددها ونجترها في الوقت الحاضر فلا ، ولذلك لابد من استعمال قواعد التيسير في الحج فليس الفقيه من يجيد العزيمة إنما الفقيه من يعرف الرخصة .

وتناول أبوسليمان قضية الأمن في الحج وقال من أسس الاستطاعة الأمن على النفس والمال والعرض ،قيل للإمام مالك أليست الاستطاعة الزاد والراحة قال (لا والله) قد يجد الإنسان السبيل إلى الزاد والراحلة لكنه يعجز قد يكون قوياً ويستطيع أن يذهب وكذا ،فإذاً ليس هذا معارضة من الإمام مالك للنص النبوي وإنما هو تخصيص ولذلك من شروط الإفتاء أن يكون الشخص عالماً بالكتاب والسنة وعلاقة النصوص بعضها ببعض ، والإفتاء يحتاج إلى تأهيل ديني اجتماعي علمي .

وقال أبو سليمان من القضايا المهمة سفر المرأة لأداء فريضة الحج والحديث (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم أو زوج) ولذلك شدد الفقهاء على أن تحج المرأة بمحرم وكل ذلك من أجل ضمان الأمان لها ولكن كما تعلمون أن الفقه الإسلامي فيه مدرستان واضحتان تماماً مدرسة ظاهرية تتبع النص يعني لا يمكن نتزحزح قال الحديث ذلك ، ومدرسة أخرى تذهب إلى المقاصد ، الفئة الثانية تقول المقصد هو شعور المرأة بطمأنينتها فمتى شعرت المرأة أنها تسافر حتى ولو كانت وحيدة أو كانت مع فئة النساء تشعر بالأمان والاطمئنان فلا مانع من سفرها سواءً كان الحج فرضاً أو حج تطوع هذا هو الأصل وكونها مع رفقة مأمونة هذا تبناه علماء وأئمة المذهب الشافعي أما المالكية فأمرهم واضح في ذلك أن الرفقة المأمونة تغني وتكفي عن الزوج والمحرم ،ولذلك الفقيه هنا يجب أن يتأمل ، المرأة تذهب من جدة إلى أمريكا ثم يقابلها زوجها دون أن تشكو إليه أنها تعرضت لكذا وكذا وفي داخل المملكة نفس العملية ، إذاً ما دام المرأة عفيفة وصَيِنة وتحافظ على شرفها فهي لو أحست بعدم الأمان لطلبت من الزوج أو من محرمها أن يذهب معها ، إذاً لابد أن يعيش الفقيه عصره الحاضر ، أما إن بدأنا نجتر ونردد تلك الأمور سنجد فجوة كبيرة بين زماننا وبين ما نسميه شرعاً. وأضاف موضوع طواف الإفاضة للحائض هذه القضية تطلق كثيراً . الفقهاء سابقاً تكلموا عن المرأة إذا حبسها الحيض في كل مكان تكلم فيها المالكية والشافعية والحنابلة ولعل من تناولها تناولاً علمياً حديثاً بكل معاني هذه الكلمة ، العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقد ذكر الفرضيات التي تتعرض لها المرأة الحائض لو عرفت أن العادة تأتيها أيام الحج إما أن تترك الحج أو تأتي فإذا جاءتها العادة تسافر إلى بلدها وتظل محرمة إلى أن يأتي العام القادم وفي ذلك مشقة وهكذا وضع العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فرضيات عديدة ولم يخلص منه إلا لديه أمرين ، الحل الأول قال إن تستنيب أو أن تهجم على البيت ، لأن المرأة التي جاءتها العادة لا تدخل المسجد ، ولكن لا واجب مع ضرورة هذا هنا وقعت في ضرورة والضرورة تسقط أحياناً الواجب والشرط ولذلك قال أنا لا أرى إلا أحد حلين ، الأول أن تستنيب وأعتذر عن هذا وقال الاستنابة لم أر أحداً قال بذلك ، والرأي الفقهي قال مثلها مثل المعضوب وهو الإنسان العاجز الذي أصابه المرض فإنه يسقط عنه بعض الواجبات لكن قال المعضوب لابد أن يقضي وهذه تريد العودة لبلادها ورجوعها مرةً أخرى لا يمكن أن تستنيب ، ولا يمكن أن أقيس المرأة الحائض بالمعضوب لأن المعضوب عليه أن يؤدي إذا سلم ، وهذه ستطهر ، والحل الأخير قال أن تطوف بعادتها لأنه لا واجب مع الضرورة ، والضرورة تسقط ذلك ، وأنا فكرت في حلول أخرى الآن هناك أدوية يمكن تناولها وقد كان هذا قديماً وأجازه العلماء ، والحل الشرعي إما أن تتناول الدواء وإما أن تطوف.

وتحدث أبو سليمان عن قضية الإحرام من محافظة جدة وقال الحديث معروف عن المواقيت المكانية وهي ذو الحليفة ،الجحفة ،يلملم، وذات عرق، وقرن المنازل، هنّ لهنّ ولمن مرّ عليهنّ من غير أهلهنّ ، ولذلك العلماء أوجبوا عند المحاذات هذا إذا كان في البر فما بالك إذا كان في البحر وفي الجو ، أما موضوع البحر فلدينا فتاوى تعود إلى القرن الخامس الإمام سند ابن عنان الأزدي المالكي المصري قال إذا وصل على البر أحرم ، لأن في ذلك الوقت لم يكن سوى البواخر، والبواخر الشراعية وقال أخشى عليه الهلاك والمشقة والتعب لو أحرم في الباخرة وهبت الأعاصير فعند إذٍ يحرم من البر هذا كلام الإمام سند ، بعد ذلك في القرن الثالث عشر الماضى أثار هذا الموضوع في تأليف مستقل عالم حنفي مكي اسمه الشيخ جعفر ابن أبي بكر اللبني من كبار علماء مكة الأحناف ألف كتاب (دفع الشدّة في جواز تأخير الإحرام إلى جدة) فأجاز الإحرام من جدة وذكر تعليلات ، ولذلك لا حرج على القادم بالطائرة إلى الحرمين الشريفين ونيته أن يؤدي النسك أن يُحرم من جدة ،هذا رأي الفقهاء.

وتناول أبو سليمان قضية الرمي قبل الزوال فقال لو استعملنا الفقه الإسلامى بمرونة وبسعة فقه ما وقعنا في كثير من هذه المصائب صحيح رأي الجمهور أن الرمي بعد الزوال لكن هناك علماء وفقهاء ومذاهب علمية فقهية معتبرة ترى جواز الرمي قبل الزوال من بعد الفجر ، بل الإمام جعفر الصادق من كبار الأئمة وله مذهب الزيدية إلى جانب بعض من علماء الحنابلة والشافعية من يتبنى هذا وهو جواز الرمي قبل الزوال بل إن في العصر الحديث الشيخ عبدالله زيد آل محمود رحمه الله تعالى ، أوجد أدلة حديثة لم يسبق بها إلى جواز الرمي قبل الزوال ، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا حريصين على أن يكون الرّمي بعد الزوال لا يمنع ذلك أن يكون قبل الزوال ، ثم لا يوجد حديث أو نص صحيح صريح بوجوب الرمي بعد الزوال ، رأي الجمهور الرمي منع رمي الجمرات قبل زوال ، وهذا الذي عليه المذاهب الأربعة ولكن في المقابل علماء وفقهاء وفي مقدمتهم الإمام جعفر الصادق وبعض المذاهب وبعض فقهاء المذاهب الكبار في المذاهب الأربعة يقولون بجواز رمي الجمرات قبل الزوال أما في الفقه المعاصر، عندما حدثت الأحداث ستجد أنه شبه إجماع على جواز الرمي قبل الزوال .

وقال الدكتور ابو سليمان أما قضية المبيت بمنى كانت منى قبل هذه الأيام نحن المكّيين في أي مكان نضع خيامنا ونأخذ المساحات الواسعة والشاسعة حتى من لم يحج يذهب للتنزه بين الحجاج ويقضي ليالي سمر العيد هناك على أجمل حال أما اليوم فلا يجد له مكاناً حتى الذي يقوم بالواجب ، المبيت بمنى في المذاهب الفقهية معروف أنه واجب تركه يوجب الدم ما عدا مذهب الحنفية فيقولون إن المبيت سنة هذا الفقه القديم ، والفتوى المعاصرة الحقيقة أن المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمة الله عليه) أفتى بجواز المبيت خارج منى لمن لا يجد له مكاناً بمنى ، ولذلك يصح للحاج أن يستعمل هذه الفتوى بدلاً من الافتراش ومضايقة الحجيج .

https://www.al-madina.com/article/978

ماهي قواعد التيسير ورفع الحرج في الحج؟

 

القاعدة الاساس في موضوع التيسير هي (المشقة تجلب التيسير)، عد علماء القواعد الفقهية هذه القاعدة (المشقة تجلب التيسير) من بين خمس قواعد يذكر ان جميع مسائل الفقه يرجع اليها. المشقة هنا بمعنى الصعوبة. المشقة المقصودة هنا: هي «التي تنفك عنها التكليفات الشرعية، اما المشقة التي لا تنفك عنها التكليفات الشرعية: كمشقة الجهاد، وألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل البغاة، والمفسدين، والجناة فلا اثر لها في جلب تيسير ولا تخفيف» ..

التيسير: يرادف التخفيف، فمن ثم اشار الفقهاء الى هذا المعنى عند ذكر اسباب التسير بقولهم (واعلم ان اسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة وهي: السفر، المرض، الاكراه، النسيان، الجهل، العسر وعموم البلوى، النقص».

هذه اسباب عامة لا تختص بحالة دون حالة، واقع الحال في شعيرة الحج في الوقت الحاضر الذي يفد لأدائه مئات الالوف تصل اعدادهم الى الملايين هل يمكن ان نضم الى تلك الاسباب اسبابا اخرى خاصة ببعض الامور الشرعية كالزحام غير المألوف بالجموع الغفيرة غير المعتادة كالزحام في الحج عموما، وبعض المشاعر والشعائر خصوصا.

هل يصح ان نضم مثل هذا السبب الى تلك الاسباب؟

احسب ان احدا يعيش تجربة هذه الشعيرة كاملة باستقلالية كاملة دون اعتماد على تحضير مسبق، او تسهيلات توطئ له الامور يمانع في ذلك.

جاء في درر الحكام شرح مجلة الاحكام:

ان الصعوبة التي تصادف في شيء تكون سببا باعثا على تسهيل وتهوين ذلك الشيء، وبعبارة اخرى: يجب التوسيع وقت الضيق، وان التسهيلات الشرعية كلها مستندة على هذه القاعدة، وقد صار تجويزها دفعا للمشقة، وجلبا للتيسير.

التيسير مبدأ مطلوب، ومقصد رفيع من مقاصعد الشريعة في عموم الاحكام، تضافرت به الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة، مجمع على الاخذ به في الاعمال، والاحكام الفرعية، وضع الفقهاء لهذا المقصد قوانين مفصلة، واسسوا له ضوابط وقواعد محكمة حتى لا يلتبس الامر على المكلفين.

هذا المقصد تميزت به جميع شرائع الاسلام واحكامه في اسلوب تشريعي مرن، هو اشد ظهورا، وابرز فعالية في شعيرة الحج في اداء الفرد، والجماعة على السواء، لما تشهده مشاعر الحج من جموع المسلمين باعداد كبيرة في زمان ومكان محدودين، لهذا فان روح السماحة والتيسير بدت واضحة ظاهرة في اجابات المصطفى صلى الله عليه وسلم في العبارة الخالدة، الجامعة المانعة لهذا المبدأ الشرعي عندما يتوجه اليه سؤال في شأن من شؤون الحج بقوله: (افعل ولا حرج)، يمكن لم شتات هذا المقصد العظيم بادئ ذي بدء في خمس قواعد:

فيما يأتي توضيح وتفصيل هذه القواعد الاربع والتمثيل لها من شعيرة الحج في المباحث التالية:

تجلى الاتجاه نحو التيسير واضحا صريحا، ودليلا قاطعا في الآتي:

أولا: اجابات المصطفى صلى الله عليه وسلم في العبارة الخالدة، الجامعة المانعة لهذا المبدأ الشرعي عندما كان يوجه اليه سؤال في شأن من شؤون الحج بقوله (افعل ولا حرج) فيما تواترت روايته عن اسامة بن شريك رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل:

يا رسول الله: سعيت قبل ان اطوف، أو اخرت شيئا، او قدمت شيئا، فكان يقول: لا حرج، لا حرج الا على رجل افترض عرض مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك ) اخرجه الحاكم في صحيحة المستدرك على الصحيحين، واخرجه الدارقطني، واخرجه ابن حزم في صفة الحج الكبرى.

ثانيا: ومما يعضد هذا المقصد الشرعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة، تلك هي حجة الوداع، وبرغم هذا حدث اختلاف في بعض الاحكام بين الفقهاء، وقد اثار هذا الموضوع سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قلت لابن عباس رضي الله عنه كيف اختلف الناس في وقت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حج الا مرة واحدة؟

قال لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر صلواته فسمع ذلك قوم من اصحابه رضوان الله عليهم اجمعين فنقلوه، وكان القوم يأتونه ارسالا فلبى حين استوت به راحلته فسمع تلبيته قوم فظنوا انه اول تلبيته، فنقلوا ذلك، ثم لبى حين علا البيداء فسمعه اخرون فظنوا أنه اول تلبيته فنقلوا ذلك، وايم الله ما اوجبها الا في مصلاه.

اهل الحديث جمعوا رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ثلاثين نفرا، فعشرة منهم تروي انه كان قارنا، وعشرة انه كان مفردا، وعشرة انه كان متمتعا..

يتابع العلامة السرخسي تحقيق هذا السبب في اختلاف الفقهاء بحاسة الفقيه الواعي في موضوع اختلاف الرواية في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «فنوفق بين هذه الروايات فنقول: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم اولا بالعمرة فسمعه بعض الناس، ثم رأوه بعد ذلك حج فظنوا انه كان متمتعا فنقلوا كما وقع عندهم، ثم لبى بعد ذلك بالحج فسمعه قوم اخرون فظنوا انه كان مفردا بالحج، ثم لبى بهما فسمعه قوم اخرون فعلموا انه كان قارنا، وكل نقل ما وقع عنده، وهو نظير ما رويناه من توفيق ابن عباس رضي الله عنه في اختلاف الروايات في وقت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم..

نتيجة لهذا اختلف الفقهاء في بعض احكام الحج، وكان من اسباب هذا الاختلاف ما رواه الصحابة رضوان الله عليهم، ونقلوه حسب مشاهدتهم، كل اخبر حسب رؤيته، وصحت روايته لدى كل واحد منهم، فمن ثم نتج عن اختلاف الرواية اختلاف الائمة رضوان الله عليهم حسبما بلغتهم، وصحت روايتهم له.

ثالثا: اجتهاد الأئمة رحمة من الله تعالى واختلافهم مبني على: فهم النصوص لاعتبارات مقاصدية، واصولية، واخرى فقهية، مع تأمل للحالات الواقعية، والاعتبارات الشخصية، والزمانية، والمكانية، وهو ما يسمى لدى علماء المالكية بـ (فقه الحال)، وما نسميه اليوم بـ (فقه الواقع)، ومآلات الاحكام.

في ضوء هذه الاعتبارات قرر الفقهاء ضابطا فقهيا في شعيرة الحج ينسجم ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجته واستفتاء اصحابه رضوان الله عليهم هو: (ان فعله صلى الله عليه وسلم محمول على الافضل) ويعني هذا فقها ان ما عداه جائز، فاضل.

رابعا: تأثر الفقهاء في دراسة احكام المناسك بكل ما تقدم فجاءت عباراتهم دائما تردد ذكر حكم الجواز للفعل، وذكر الافضل في الاداء.

يتم هنا تتبع هذا لمقصد الشرعي (التيسير) في شعائر منى بخاصة:

1- رمي جمرة العقبة يوم العيد:

جواز رميها بعد نصف الليل مطلقا للقادر والعاجز، الافضل رميها بعد طلوع الفجر لمن قدر على ذلك.

2- نحر الهدي، أو ذبحه:

وقته الافضل عقب رمي جمرة العقبة قبل الحلق، واما اذا كان الهدي واجبا بسبب الاحرام في تمتع، او قران، او غيرهما من الجبرانات والمحظورات فوقته من حين وجود سببه.

3- الحلق، أو التقصير:

الافضل الحلق، والجواز هو التقصير.

4- طواف الافاضة:

الذي به تمام الحج، اجمع فقهاء الاسلام على ان طواف الافاضة والسعي لمن لم يسبق له سعي الحج، الافضل يوم النحر بعد طلوع الفجر، وقت الجواز بعد نصف ليلة العيد عند الشافعية والحنابلة.

اخر وقت الاداء عند الحنفية والشافعية، والحنابلة غير محدود، المالكية تمام شهر ذي الحجة.

من تمكن من الوصول الى مكة المكرمة قبل نصف الليل فانه يؤدي شعائر طواف الافاضة والسعي اذا خاف على نفسه من شدة الزحام التي تمتلئ بها جنبات المسجد الحرام، وأدواره بعد نفر الناس بعد رمي جمرة العقبة، وقد كان يؤديه بعض العلماء الثقات من علماء مكة المكرمة حين كان يتيسر لهم الوصول الى مكة المكرمة مبكرا.

5- تقديم سعي الحج لأهل مكة:

قال الشيخ ابو نصر: ويجوز لمن احرم بالحج من مكة اذا طاف للوادع لخروجه الى منى ان يقدم السعي بعد هذا الطواف.

يقول العلامة ابو الحسين يحيى العمراني الشافعي (ودليلنا ما روي ان ابن عمر كان يفعل ذلك اذا احرم من مكة، وروي ان ابن الزبير لما اهل هلال ذي الحجة اهل وطاف وسعى وخرج، واجاز ذلك القاسم بن محمد، ولانه اذا جاز ذلك لمن احرم من غير مكة جاز ذلك لمن احرم منها.

6- ترتيب مناسك يوم النحر:

نص الفقهاء على ترتيب مناسك يوم النحر كالتالي: رمي جمرة العقبة أولا، ثم النحر، او الذبح ثانيا، ثم الحلق، او التقصير ثالثا، ثم طواف الافاضة، رابعا.

من الفقهاء من يرى استحباب الترتيب وانه لا دم على من خالف ذلك عمدا، أو سهوا وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ومنهم من يرى وجوب الفدية على المتعمد.

7- صلاة العيد:

سقوطها عن الحاج للاشتغال في ذلك اليوم بالمناسك: من الرمي والذبح والحلق وطواف الافاضة وغيرها.

التنوع التخييري في الاحكام

يتجلى هذا المقصد فيما يطالب المكلف بادائه لواحد من امور متعددة، له اختيار ما يناسبه منها، وينسجم مع حالته المادية، او الصحية بما يخفف عنه مشقة التكليف، وهذا ظاهر في كثير من شعائر الحج، وعباداته منها على سبيل المثال:

1- الميقات وهو نقطة البداية التي يحرم منها الحاج حسب الجهة التي هو فيها ليس محدودا بنقطة محددة، بل يحرم قاصد الحج من المكان الذي يسهل عليه الاحرام منه من ميقاته الذي يمر به وكما هو معروف ان المواقيت تقع على اودية واسعة ممتدة امتدادا طويلا يبلغ عشرات الاميال فمن اي نقطة احرم منها الحاج اجزأه، وان كان الافضل بداياتها.

2- انواع الاحرام: الافراد والقران، والتمتع، والاطلاق.

3- اتساع وقت الوقوف بعرفة، والمزدلفة والمبيت بمنى حيث تمتد زمنا.

4- رمي الجمرات يمتد وقته من الفجر الى الفجر، او من الزوال الى الفجر حسب الاختلاف المذهبي.

5- هدي التمتع والقران: ذبح شاة نسكا ان يكن الحاج موسرا بقيمة الدم، والا فصيام عشرة ايام: ثلاثة في الحج، وسبعة اذا رجع، ومن عليه فديه، لترك غير مأذون فيه، وهو ترك الاحرام من الميقات او الرمي او الجمع بين الليل والنهار بعرفة، او المبيت بمزدلفة او بمنى، او طواف الوداع.. فمن ترك واجبا من هذه لزمه دم شاة فصاعدا، فان عجز فالاصح -عند الشافعية- انه كالمتمتع فيصوم ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذ رجع الى أهله، وقيل اذا عجز قومت الشاة دراهم واشترى بها طعاما وتصدق به، فان عجز عن الطعام صام عن كل مد يوما.

6- العقوبة لفعل محظور من محظورات الاحرام «ذبح شاة، او اطعام ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع، او صايم ثلاثة أيام، مرتكبه مخير بين الامور الثلاثة».

7- التحلل الاصغر عند المالكية يحصل التحلل الاول برمي جمرة العقبة وحدها، ويكون باثنين من ثلاثة عند غيرهم: الرمي، والحلق، او التقصير، والطواف مع السعي ان لم يكن سعى واما النحر فلا مدخل له في التحلل، فيحصل التحلل الاول باثنين من ثلاثة، فأي اثنين منها اتى بهما حصل التحلل الاول سواء كان رمياً وحلقاً، او رمياً وطوافاً، او طوافاً وحلقاً، ويحصل التحلل الثاني بالعمل الباقي من الثلاثة.

اختلاف المذاهب، واختيار الارفق

تتحقق الفائدة من هذه القاعدة على المستويين الفردي والجماعي، ويمكن تفعيلها والاستفادة منها.

اما على المستوى الفردي فهذا يقتضي من المفتي معرفة حال المستفتي وظروفه (الحاج) في المرحلة التي هو فيها من مراحل الحج، دون التزام بمذهب معين، فقد قال الفقهاء قديما (العامي لا مذهب له) بل يفتيه بما يصلح حاله ويتحرى له من الاحكام ما يساعده على الاداء الصحيح.

يتجلى التيسير في الاختلاف بين الفقهاء على المستوى الجماعي ويكون بيد المنظمين للحج بوضع جدول للتفويج بتحري مقولات المذاهب المتبعة لكل فئة في المسائل التالية:

1- الوقوف بعرفات: معناه «الكينونة بها حسب شروط معينة، وليس المقصود بالوقوف معناه اللغوي. الوقت المجزئ للوقوف بعرفات «السنة الوقوف بعد الزوال الى غروب الشمس كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عند الحنفية: ان اول زمان الوقوف اذا زالت الشمس من يوم عرفة، واخره اذا طلع الفجر الثاني من يوم النحر فمن ادرك جزءا من اجزاء هذا الوقت فقد ادرك الحج، ومن فاته فقد فاته.

المالكية: الواجب الركني من الوقوف ادنى جزء من أول الليل الى طلوع الفجر بجزء من عرفة.

عند الشافعية: ان وقت الوقوف ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني من يوم النحر.

عند الحنابلة: وقت الوقوف يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة، ويجب ان يجمع في الوقوف بين الليل والنهار، من وقف نهارا فإن دفع من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم ان لم يعد قبله، لانه ترك واجبا لا يفسد الحج بتركه.

2- الوقوف بمزدلفة: اتفق الجمهور على ان الوقوف بالمزدلفة واجب من واجبات الحج.

قدر الواجب ساعة ولو لطيفة من طلوع الفجر الثاني من يوم النحر أوله وآخره طلوع الشمس منه فمن وقف بها قبل طلوع الفجر او بعد طلوع الشمس لا يعتد به، وقدر السنة امتداد الوقوف من مبدأ الصبح الى الاسفار جدا.

المالكية: قدر حط الرحال هو القدر الواجب، المراد به النزول واللبث بها بعضا من الوقت بعد اداء الصلاتين.

الشافعية: يتحقق بلحظة من النصف الثاني من الليل ولو مرورا.

الحنابلة: الدفع بعد نصف الليل.

3- المبيت بمنى: وجوب المبيت عند المالكية، والشافعية، والحنابلة: المبيت بمنى واجب من واجبات الحج يجب دم بتركه، ويكفي من المبيت الاقامة بها معظم الليل، عدا الرعاة، واهل السقاية، ومن في حكمهم من اصحاب الاعمال المتعلقة بتيسير امور الحج، ومن يلزمهم القيام بشؤونهم.

وفي مذهب الحنفية: ليس بواجب ومن تركه فقد اساء، وهو قول اصحاب الرأي ورواية عن الامام احمد رحمه الله تعالى.

4- رمي الجمرات أيام التشريق:

المتفق عليه بين الأمة في رمي الجمرات ايام التشريق الرمي بعد الزوال، وذهبت بعض المذاهب الاسلامية. وعدد من الأئمة والعلماء قديما وحديثا الى ان وقت الرمي في اليوم الثاني وما بعده يبدأ من الفجر فيرمي قبل الزوال.

5- النيابة في رمي الجمرات:

«من عجز عن الرمي بنفسه يستنيب من يرمي عنه، ولا شيء عليه عند غير المالكية».

وعند المالكية: «ان العاجز يستنيب، وعليه دم بخلاف صغير لا يحسن الرمي فيرمي عنه ولا دم».

لهذا فقد اصبح قاعدة فقهية ان: «الأصل رفع الحرج، والدائر مع الحرج دائر مع خلاف الأصل».

التلفيق

التلفيق أو تتبع الرخص وهو: «اتباع كل سهل من الاحكام، وقيل هو ما ينقض به حكم الحاكم من مخالف النص وجلي القياس».

اختلف العلماء في الأخذ بهذا المبدأ فمنهم المانع من الأخذ به، ومنهم من يرى ان الأخذ به من محاسن الشريعة، وانه ينسجم مع قاعدة التيسير.

يقول العلامة شمس الدين محمد عرفة الدسوقي المالكي رحمه الله تعالى: «وفي شب (ابراهيم الشبرخيتي) يمتنع تتبع رخص المذاهب، وفسرها بما ينقض به حكم الحاكم من مخالف النص وجلي القياس.

وقال غيره: ان المراد بتتبع الرخص رفع مشقة التكليف بابتاع كل سهل وفيه ايضا امتناع التلفيق، والذي سمعناه من شيخنا (أبو الحسن علي بن احمد الصعيدي العدوي) نقلا عن شيخه الصغير وغيره. ان الصحيح جوازه وهو فسحة اهـ، وبالجملة ففي التلفيق في العبادة الواحدة من مذهبين طريقتان: «المنع، وهو طريقة المصاروة، والجواز وهو طريقة المغاربة ورجحت».

مرتبتا الشريعة

القول بأن الشريعة الاسلامية جاءت اصالة على مرتبتين التخفيف والتشديد، وان المكلفين على قسمين قوي، وضعيف، ولكل من هذين القسمين احكام تناسبه، وهي نظرية فقهية جامعة مانعة للعلامة الفقية الشيخ عبدالوهاب بن احمد بن علي الانصاري المعروف بالشعراني رحمه الله تعالى، خلاصتها:

«أن الشريعة جاءت من حيث الامر والنهي على مرتبتين تخفيف وتشديد، لاعلى مرتبة واحدة.. فإن جميع المكلفين لايخرجون عن قسمين: قوي، وضعيف من حيث إيمانه، أو جسمه في كل عصر وزمان، فمن قوي منهم خوطب بالتشديد، والاخذ بالعزائم، ومن ضعف منهم خوطب بالتخفيف، والأخذ بالرخص، وكل منهما حينئذ على شريعة من ربه، وتبيان، فلا يؤمر القوي بالنزول الى الرخصة، ولا يكلف الضعيف بالصعود للعزيمة، وقد رفع الخلاف في جميع ادلة الشريعة، واقوال علمائها عند كل من عمل بهذا الميزان».

لهذا المقصد الشرعي دور بارز في تخفيف الكثير من قضايا الحج التي يصعب تطبيقها حسب الاوامر الشرعية الاصلية من اهمها:

1- «نساء الحجيج اذا حضن قبل طواف الافاضة، ولم يمكنهن الاقامة حتى يطهرن؟».

اسهم كثير من الفقهاء في حل هذه القضية التي تزداد تعقيدا مع مرور الزمن، وبخاصة في الوقت الحاضر، فمن عرض لها باجتهاد متأن، ودراسة عملية مبنية على تحليل الواقع للمرأة التي يحدث لها ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، والعلامة ابن حجر الهيثمي المكي فقد عرضا كافة الاحتمالات، وبسطا اقوال العلماء، يقول العلامة ابن حجر الهيثمي المكي رحمه الله تعالى: «ثم رأيت البلقيني استنبط مما ذكروه في الاحصار من الطواف انها اذا لم يمكنها الإقامة حتى تطهر، وجاءت بلدها وهي محرمة، وعدمت النفقة، ولم يمكنها الوصول الى البيت انها كالمحصر فتتحلل بتحلله، وايده في المجموع.

على ان بعض الحنابلة نقل عن طائفة من العلماء ما يصرح بجواز سفرها، وتحللها تحلل المحصر».

ثم يعلق العلامة ابن حجر الهيثمي المكي قائلا: «وإذا علمت ما تقرر فالاليق بمحاسن الشريعة ان من ابتليت بشيء من احد الاقسام الاربعة المذكورة تقلد القائل بما لها فيه مخلص، بل اختار بعض متأخري الشافعية انه لايشترط طهرها اذا لم تتوقع فراغ حيضها قبل سفر الركب للضرر الشديد بالمقام، والرحيل محرمة وأنه يجوز لها دخول المسجد للطواف بعد احكام الشد، والغسل، والعصب كما تباح الصلاة لنحو سلس، وانه لافدية عليها لعذرها..».

وللعلامة الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى تحليل بديع، وتفصيل مفيد في هذا الموضوع تحت عنوان (طواف الحائض بالبيت) ذكر فيه الافتراضات لحل هذه المشكلة، وما يفتى به في الساحة الفقهية، وهي سبعة حلول في نظر القائلين بها، ولكنه ابطلها فقها، وبين استحالتها واقعا، ثم قرر حلا للمشكلة بتقدير ثامن ارتضاه وذلك: «ان يقال: تطوف بالبيت والحالة هذه، وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه، وليس في هذا ما يخالف قواعد الشرع بل يوافقها، اذ غايته سقوط الواجب، او الشرط بالعجز عنه، ولا واجب في الشريعة مع عجز، ولا حرام مع ضرورة».

يكمن حل هذه المشكلة التي تتعرض لها المرأة لإكمال فريضة الحج فيما ذكره الإمامان: ابن القيم، وابن حجر الهيثمي المكي معا احتياطات الإمام ابن حجرك احكام الشد، والغسل، والعصب، تتخذها المرأة الحائض لدى الطواف بالبيت لاداء ركن طواف الافاضة، مع الاباحة التي قال بها العلامة ابن القيم من قبل انها ضرورة، ومن يذهب الى هذا الرأي من الفقهاء يحقق قاعدة رفع الحرج، ويبرهن على التيسير الذي هو من اهم المقاصد الشرعية التي نادى بها الكتاب الحكيم، والسنة المطهرة.

ومن الامثلة على سماحة الشريعة والرد على الرأي المتشدد: مسألة: هل الاحصار خاص بالعدو، او انه أعم من ذلك: فمن اصيب اثناء احرامه في الحج بعذر او مرض هل يتحلل من احرامه بذبح ما استيسر من الهدي؟ او ان هذا التحلل خاص بإحصار العدو فيظل محرما حتى زوال العذر، او المرض؟

هذا موضع خلاف بين الفقهاء، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى «في ان التحلل من الحج مختص بحصر العدو، وقد خولفا في ذلك..».

«قال عز الدين بن عبدالسلام في قواعد الاحكام، وما ذكره مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لانظير له في الشريعة السمحة التي قال الله تعالى فيها (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال فيها (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقال (يريد الله ان يخفف عنكم) فإن من انكسرت رجله، وتعذر عليه ان يعود الى الحج والعمرة يبقى في بقية عمره حاسر الرأس، متجردا من اللباس، محرما عليه النكاح، والانكاح، وأكل الصيود، والتطيب، والادهان، وقلم الاظفار، وحلق الشعر، ولبس الخفاف، والسراويلات! وهذا بعيد من رحمة الشارع، ورفقه، ولطفه بعباده.

الخاتمة

يخلص البحث في نهايته الى تأكيد ما هو معلوم لدى أهل العلم: ان التيسير على المكلفين في احكام الشريعة الاسلامية فتوى وقضاءً أمر الهي، ومقصد شرعي قطعي منشود في كل مظاهر التشريع الاسلامي، وقد تجلى قولا وعملا في مصادر الشريعة الاسلامية.

لهذا المقصد التشريعي العظيم مظاهر كثيرة في الاحكام العملية، وهو أشد ظهورا، وأبرز فعالية في شعيرة الحج، وبخاصة مشعر منى وشعائرها، بدت معالم هذا المقصد ماضيا وحاضرا في الآتي:

1- (افعل ولا حرج) جملة تشريعية حكيمة، وقانون ذهبي في تيسير اعمال الحج استهل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم اجاباته للصحابة رضوان الله عليهم في ما اعترضهم من اقامة أمور هذه الشعيرة العظيمة، فهي مفتاح التيسير والتسهيل في الحج ينبغي ان تكون كذلك شعارا للمفتين في عصرنا الحاضر الذي تتضاعف فيه أعداد الحجيج من الملايين مع محدودية الزمان والمكان، وان تكون الفتوى على أسس واضحة من الفهم لمقاصد الشريعة، وأصولها.

2- تنوع المذاهب الاسلامية وتعددها في شعيرة الحج بخاصة مظهر واضح من مظاهر التيسير والسماحة في الشريعة الاسلامية ينبغي تفعيله في تيسير أمور الحج والاستفادة العملية منه.

3- توظيف الاختلافات الفقهية في فتاوى الحج كفيل بأن يقضي على الكثير من المشاكل والصعوبات في الوقت الحاضر التي تواجهها الدولة السعودية حفظها الله في تنظيم اعمال الحج، والبذل السخي في كل ما يؤدي الى التخفيف على الحجاج بسبب محدودية الزمان وضيق المكان، وازدياد عدد القاصدين للحج من البلاد الاسلامية.

4- التلفيق الممنوع هو ما ينقض حكم الحاكم من مخالف النص وجلي القياس وما عدا هذا أجازه بعض العلماء وعده من محاسن الشريعة.

5- نحى بعض الفقهاء المعتبرين منحى شرعيا رفيعا ينسجم ومبدأ التيسير في الاحكام على الأمة معتبرا ان الشريعة الاسلامية جاءت أصالة على مرتبتين: التخفيف، والتشديد، وان المكلفين على قسمين: قوي وضعيف، ولكل من هذين القسمين احكام تناسبه، فلا يؤمر القوي بالنزول الى الرخصة ولا يكلف الضعيف بالصعود للعزيمة.

6- الفتوى الشرعية السليمة هي التي تستمد حكمها من النصوص الشرعية والفهم لمقاصدها في ضوء الواقع المعاش هو ما يسميه المالكية (فقه الحال).

7- الفتوى في أمور الحج ينبغي ان يعتمد فيها على كافة الروايات الصحيحة ويعتمد عليها مثلما يعتمد على رواية الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه، وانما كان لروايته رضي الله عنه الاذاعة، والشهرة «لانه ضبط في الحج ما لم يضبطه غيره» يضاف الى هذا النظرة الشاملة في جميع الروايات المختلفة المروية في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك تأمل اجتهادات الأئمة لها بعدها، وقد خلص الفقهاء المجتهدون الى نتيجة عملية وقاعدة مهمة هي: (ان ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، وغيره فاضل).

8- الفتوى لعموم الحجاج بفتوى واحدة دون نظر الى المقاصد الشرعية ومآلات الاحكام، وتأمل الواقع المعاش يكشف مرونة الشريعة ويعطل قواعد التيسير التي نص عليها القرآن الكريم وأكدته السنة النبوية المطهرة، وتبناها سلف الأمة، وهذا يتنافى مع روح التيسير على المسلمين، ويكرس المشاكل التي تواجه الحجيج، وبالتالي تؤدي الى الضيق على المسلمين وازهاق النفوس، والتقليل من جدوى المشاريع الكبيرة التي تقوم بها الدولة السعودية على أرض الواقع.

9- الفتوى بما في كتب الفتاوى السابقة من غير تأمل للواقع، ومآلات الأحداث نوع من الشطط والحرفية المجافية لروح التشريع الاسلامي، التي تسبب العنت والحرج الذي يناقض روح السماحة التي تميزت بها التشريعات في الاسلام، وقد قرر هذه الحقيقة العلامة ابن القيم رحمه الله فقال: «انها ضلال في الدين» ولهذا وضع الفقهاء قاعدة شرعية «ان الأصل رفع الحرج، والدائر مع الحرج دائر مع خلاف الأصل».

10- الفائدة ان تسلم للأمة عقيدتها، وتصح لها جوانبها الفقهية التشريعية مكسوة برداء التيسير والتسامح فتستقيم أمورها الاجتماعية والسلوكية وتستعيد وحدتها السياسية وتحقق لها مكانا رفيعا بين الأمم، تستنهض شعوبها لتستعيد عزتها وكرامتها كما أرادها المولى عز وجل، لتصبح عنوانا عمليا على الفكر والسلوك، والتعامل المثالي فتحقق بجدارة أنها أمة مسلمة، لها تميزها بين أمم الأرض، والله الموفق والهادي الى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.

https://www.okaz.com.sa/article/70451#.X6QQl0SmmCM.whatsapp