السبت، 22 أغسطس 2020

«السلفية المدخلية».. جماعة التبديع وطاعة ولي الأمر

 ظهرت «السلفية المدخلية» في المملكة العربية السعودية في فترة حرب الخليج، التي غزا فيها الرئيس الراحل صدام حسين، الكويت عام 1991، واستعانت دول الخليج، بما فيها السعودية، بالولايات المتحدة الأمريكية لإخراج الجيش العراقي من الكويت.

«السلفية المدخلية»..

وجاءت «السلفية المدخلية» لتكون رد فعل لاعتراض ما يُعرف بتيار الصحوة في السعودية، أو ما يُسمى التيار السروري -يمزج في أفكاره بين السلفية والإخوان، أسسه محمد سرور، أحد قيادات الإخوان السابقين في سوريا، ومن أشهر دعاته سليمان العودة في السعودية- على موافقة حكام الخليج على مشاركة القوات الأجنبية في الحرب ضد جيش صدام حسين، وفقًا لكتاب «اختلاف الإسلاميين» لمؤلفه أحمد سالم، والصادر عن مركز نماء للبحوث والدراسات.


وأثارت الاستعانة بالجيش الأمريكي قضية حكم الاستعانة بغير المسلمين في قتال المسلمين، فألَّف الشيخ ربيع المدخلي -مؤسس التيار المدخلي- كتابه: «صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين»، وردَّ فيه على التيارات الإسلامية المعارضة للتدخل الأمريكي، والمعارِضة لفتوى هيئة كبار العلماء في السعودية، وبَدَّع -البدعة تهمة يطلقها السلفيون على المخالفين لهم، بمعنى مخالفة سنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أو الحدث الجديد في الدين الذي استحدثه الناس ولم يكن موجودًا على عهد رسول الله- كل التيارات التي تعترض على حكام الخليج.


هذا، ويُطلق لفظ «المدخلية» على هذه المدرسة من التيار السلفي، نسبة إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، أحد أساتذة الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والمولود عام 1932 بالمملكة العربية السعودية، كما يُطلق عليه التيار الجامي، نسبة إلى الشيخ محمد أمان الله الجامي، إثيوبي الأصل، المولود عام 1931، الذي عمل مدرسًا بالمسجد النبوي الشريف.


وظهر نتيجة غلو التيار المدخلي في التبديع تيار أكثر غلوًّا سُمِّيَ «الحدادية»، وهم المنتسبون إلى محمود الحداد المصري، الذي أقام في الرياض، ثم انتقل إلى المدينة المنورة، ومن أهم منهجه «أن من لم يبدِّع من يُبدِّعه فهو مبتدع»، كما يحرم الترحم على أهل البدع، أو من وقع في بدع -وفقًا لبحث نشره الشيخ ربيع المدخلي عبر موقعه الخاص بعنوان «منهج الحدادية».


وانتقل التيار المدخلي إلى مصر في أواخر التسعينيات على يد أسامة القوصي -أحد دعاة السلفية المدخلية- الذي سافر إلى اليمن، وتتلمذ على يد الشيخ مقبل الوادعي -أحد علماء اليمن- والتقى الشيخ ربيع المدخلي في السعودية، وعاد إلى مصر، وتولى إدارة مكتبة ومطبعة الحرمين، ونَشَرَ الفكر المدخلي، وهاجم دعاة السلفية الحركية -تعمل في القاهرة، وتتبع في فكرها السياسي جماعة الإخوان (أسسها حسن البنا)- ودخل في اشتباك كبير معهم.

محمد سعيد رسلان
محمد سعيد رسلان

ويُشير كتاب «الخلاف الإسلامي» إلى أن التيار المدخلي يتميز عن التيار السلفي بالغلو في طاعة الحكام، وتنزيل أحكام ولاة الأمر التي جاءت في كتب الشريعة في فترة القرون الثلاثة الأولى -فترة الصحابة والتابعين والسلف الصالح- على الحكام الحاليين، رغم التغير الكبير في جميع التفاصيل بين نظام الحكم والحكام، وغير ذلك.


كما يتميز هذا التيار بالغلو في الهجوم على الدعاة والمشايخ المخالفين لهم، واستخدام -علم الجرح والتعديل الذي يُستخدم في قبول الأحاديث ورفضها في القرون الأولى- بشكل مبالغ فيه؛ ما أدى إلى تبديع أي مخالف، ويتميز أيضًا بالانشقاقية؛ فكل تيار ينشق على نفسه إلى مجموعات، وتبدِّع كل فرقة منها الأخرى لاختلافات فقهية وعقائدية، تراها اختلافات في المنهج تستوجب مهاجمة المخالف ورميه بالبدعة والضلال.


وأكد كتاب «الخلاف الإسلامي» أن التيار المدخلي يستخدم علم الجرح والتعديل -علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ، ويُسمى بعلم رجال الحديث- في الهجوم الشديد على التيارات السلفية وجماعة الإخوان وجماعة التبليغ، والجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة، كما تخرج كل من يخالفها عن المنهج السلفي، وتصف نفسها بـ«السلفية الخالصة»، وتتهم المخالفين لها بالبدع، وتصفهم بأنهم الزنادقة والخوارج والمبتدعة، وبعضهم يُذكر بالاسم، ويُلمَّح عن بعضهم الآخر.


ويعتزل هذا التيار السياسة جملة وتفصيلًا، ويعتبر الحديث في الشؤون السياسية خروجًا على الحاكم، ومخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، كما أفتى محمد سعيد رسلان -أحد أهم دعاة المداخلة في مصر، وله دروس وخُطب في المنوفية- في خُطبة جمعة له يوم 16 ديسمبر 2017 بحرمة منافسة الرئيس عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الرئيس السيسي
الرئيس السيسي

ووصف الرئيس السيسي بـ«ولي الأمر»، مؤكدًا أن الشرع يقول: إن «ولي الأمر لا يُنَازع، لا في مقامه ولا منصبه، ولا ينافس عليه، بل هو باقٍ فيه، إلا إذا عارض عارضًا من موانع الأهلية، إما إذا لم يعرض فلا يجوز غير ذلك، فالشرع يقول إن ولي الأمر المسلم لا ينازع في مقامه ولا منصبه، الذي باركه الله عز وجل فيه إياه، الشرع يقول والعقل يصدق، لا مجال مطلقًا لتقاضي ونصب العداوات في الفترة المقبلة»، حسب قوله.


ويشير كتاب «الخلاف الإسلامي» إلى أن السلفية المدخلية تتشدد في مسألة عدم الحديث عن الحكام، فتعتبر أن أي حديث عن الحكام، غير الدعوة له بالصلاح، هو نوع من الخروج على الحكام، وصاحبه أحد الخوارج، حتى وإن لم يكن يدعوه لمظاهرة أو ثورة ضد الحاكم، فأفتوا بأن كل من يعترض هو أحد «الخوارج القعدة»، وهم الذين يهيجون العوام ضد الحكام لإحداث ثورة، وهم يخرجون.

الشيخ عبدالعزيز بن
الشيخ عبدالعزيز بن باز

وتوظف السلفية المدخلية فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي السابق للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة -ومنها فتوى رقم 23/406، 407 من فتاوى اللجنة الدائمة عن جواز التصويت في الانتخابات والترشح لها، مع العلم بأن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله، والتي رد فيها بمنع المشاركة في الانتخابات والترشح فيها- والشيخ محمد بن عثيمين أحد أكبر علماء السعودية، والشيخ ناصر الألباني أحد علماء الحديث في القرن العشرين، بمنع الدخول في الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات لصالح قضيتهم.


وللسلفية المدخلية كثير من الفتاوى الشاذة التي أثارت جدلًا في الشارع المصري، منها فتوى محمود لطفي عامر، أحد شيوخ التيار المدخلي، وله دروس وخطب بمحافظة البحيرة، كما شغل منصب رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور، والذي أفتى عبر موقعه في الأول من يناير 2011 بإهدار دم الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لإعلانه الترشح ضد الرئيس محمد حسني مبارك -حكم مصر مدة 30 عامًا، وتنحى عن الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011.

«السلفية المدخلية»..

كما أفتى طلعت زهران أحد شيوخ التيار المدخلي بالإسكندرية، في 14 مارس 2014، بأن «الرئيس مبارك كان يثاب شرعًا على تزويره الانتخابات، وأن تزوير الانتخابات واجب شرعي».


ويؤكد كتاب «الخلاف الإسلامي» أن الشيخ ربيع المدخلي «حامل لواء الجرح والتعديل في العصر الحديث، فهو عندهم الفيصل بين العلماء والمبتدعة، كما أن أحكامه وتزكيته هي المعتمدة عند السلفية المدخلية».


ويقول ربيع المدخلي، في تعريفه للسلفية، إن «السلفية ضد المحدثات، فهي ضد عصرية الخوارج -هم الذين خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب بعد قبوله التحكيم في موقعة صفِّين بينه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما- والمعتزلة -وهي فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، واعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة؛ ما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة والمعتزلة- كما ينص على أن أهم أساسيات السلفية هي طاعة أولياء الأمور حتى وإن ظلموا، ويقول في شرحه لأصول السنة: إن «المتغلب تجب طاعته حقنًا للدماء، فإذا تغلب آخر وجبت طاعة المتغلب الجديد».


ويضيف الكتاب، أن «التيار المدخلي» يحظى بدعم حكومي كبير؛ إذ يوالي هذا التيار الحكومات؛ ما أتاح الفرصة لدعاة هذا التيار للحصول على دعم من بعض الدول ليمتد ويصل إلى ليبيا والجزائر والمغرب، وأغلب الدول العربية.


جدير بالذكر، أن من أشهر دعاة السلفية المدخلية في مصر: محمد سعيد رسلان، ومحمود لطفي عامر، وخالد عبدالرحمن، وطلعت زهران.