السبت، 11 مايو 2019

القرة داغي: 84 صحابياً وتابعياً أجازوا دفع زكاة الفطر نقداً

القرة داغي: 84 صحابياً وتابعياً أجازوا دفع زكاة الفطر نقداً...
أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن السؤال حول زكاة الفطر هو من أكثر الأسئلة المتداولة خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل، حول ما إذا كان يجوز دفعها نقداً من عدمه، موضحاً أنه وقف على أحد الكتب ألفه أحد علماء اليمن الأجلاء، وذكر فيه أسماء 84 صحابيا وتابعيا يجيزون دفع الزكاة نقداً، مشيداً بالتحقيق الذي وصل إليه العالم اليمني.
وقال القرة داغي: الغرض من زكاة الفطر هو إغناء الفقراء، وهذا يتحقق بالطعام إن كان الطعام خيرا لهم، وبالمال والنقد إذا كان في ذلك خير لهم، وحتى شيخ الإسلام ابن تيمية يرى بنفس الرأي، وكذلك رأي فقهاء المذاهب.
زكاة أرقام السيارات والجوالات
وأوضح أن أرقام السيارات وأرقام التليفونات المميزة والتي تبلغ قيمتها في بعض الأحيان مئات الآلاف وربما ملايين الريالات عليها زكاة، فجمهور الفقهاء يقولون: إن المال هو كل ما اعتده الناس مالاً له قيمة، لذا فالزكاة واجبة عليها، خاصة أنه في شيء لا يحقق فائدة للأمة، والأمر مماثل بالنسبة لإبل السباق، فلا يمكن إخراج شاة عن خمس من هذه الإبل، في حين أن سعرها يصل إلى مبالغ كبيرة، فيتم حساب قيمتها السوقية، فهي ليست للاقتناء، ولكنها للاستثمار، وعلى أقل تقدير تحسب على مدخولها، فإن كان لشيء من هذه الأمور مدخولا يدفع عنه الزكاة، وإن باعه يدفع عن المال المستفاد، أما التجارة في الكلاب فأكد القرة داغي أنها غير جائزة.
وبيّن القرة داغي أن نظام الإسلام عادل فيقول ربنا {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فلم يقل ربنا الكتاب فقط، فالاثنان يحققان العدل في الأرض.
المرابحة
وأضاف: لو أن شخصا حصل على مرابحة بمبلغ 100 ألف ريال على سبيل المثال، وهذا المبلغ أدخله في تجارة أو اشترى به أي شيء، فلا تكون عليه زكاة، لأنه دين على زمة الشخص، والدين يخصم ولا يحسب، أما إن كان الشخص لديه أموال أخرى، كمال في وديعة استثمارية أو حساب جارٍ، فلا يخصم مبلغ 100 ألف من المال، فهناك نوعان من الدين، أحدهما له مقابل، والآخر ليس له مقابل، فبعض القطريين -على سبيل المثال يكون عليه ديون مقابل المنزل أو السيارة أو غيره- فلا يخصم مبلغ المرابحة من بقية زكواته.

العقارات والزكاة
وأوضح أن العقارات إذا كانت مشتراة لغرض البيع والشراء، كالتجار ورجال الأعمال العاملين في هذا المجال، فهذا بالاتفاق يجب عليه أن يقيمها بقيمتها السوقية، وأن يدفع عنها الزكاة، %2.5، ولكن يخصم منها الديون التي عليها، فالبعض يشتريها عن طريق البنك، أما إذا كان العقار للتأجير فهناك خلاف في هذا الأمر، ولكن المجامع الفقهية تؤكد أن الزكاة تجب في الأجرة المحصلة من هذه العقارات، فيدفع عنها الإنسان من إجمالية الأجرة، ولا يجوز إعفاء العمارات أو الأبراج من الزكاة.
وشدد القرة داغي على أن بعض الأشخاص يخطئون في شأن الزكاة على العقارات التي لديهم، موضحاً أنه قابل شخصاً لا يدفع زكاته عن أبراج لديه، ظناً أن الزكاة لا تجب عليه، لأنه يُدخل كل ما يأتي منها من مال في مشروعات جديدة للتأجير، وأن الدخول لا يحول عليها الحول، مبيناً أن هذا خطأ، فالأعرابي الذي كان لديه خمسة جمال كان يعلم أن الزكاة مفروضة عليه فكان يخرج شاة كزكاة، فكيف بمن لديه عقارات وعمارات، ورأي الفقهاء فيها ينقسم إلى ثلاثة: فمنهم من يقول بأن تقوم بقيمتها السوقية وتخرج عنها الزكاة، وعلى أقل تقدير في الآراء أن تخرج الفريضة من إجمالي الأجرة.
ولفت إلى أن قيمة %2.5 من الإيجارات أو مما يملكه الشخص هي بسيطة بالنسبة للأرباح التي يحصلها، فعليه ألا يتأخر في دفعها، راوياً عن أحد الأشخاص التي بلغت زكاة ماله 15 مليون ريال، من أصل 600 مليون ريال هي ما لديه، مبدياً تعجبه من عدم نظر هذا الشخص إلى 585 مليون ويستكثر حق الله، وهو مال الله، حيث يقول ربنا {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، فلا يجوز أن يكون المسلمون يموتون جوعاً في سوريا والعراق وغزة واليمن، وإخوانهم يبخلون بما آتاهم الله من فضله.
وأكد القرة داغي على أن المبنى المنشأ بغرض السكن لا تجوز فيه الزكاة، ولكن البعض يبني عمارة ولا يحصل منها على إيجار كبير، موضحاً أن المبنى في هذه الحالة عليه زكاة، فشأنه شأن الكنز، فالذهب والفضة التي يكنزها البعض لا تختلف عن العمارات، فحق الله أحق أن تؤتيه.
تطهير الأموال من الربا
وفيما يخص تطهير الأموال من الفوائد الربوية أوضح أن بعض البلدان يقوم فيها المسؤولون أو هيئة القُصر بوضع أموال من يموت أبيه في البنوك لحين يكبر ويستلم أمواله، فيأتي الشخص يسعى لتطهير المال مما شابه من ربا، وهنا يتوجب عليه أن يكتفي برؤوس الأموال، فيقول ربنا {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}، مبيناً أن البنوك القطرية وبناءً على دراسة من فضيلته لا تكون كامل أرباحها ربوية؛ لذا فعلى الشخص أن يدخل في أعماق وميزانيات البنوك ليتعرف على ما جاء من مصادر شرعية في هذا المال، مثل الاستثمارات والتأجير وغيرها، وعلى الشخص أن يستعين بمختص فقد يجد في هذه الفوائد ما هو حلال، فإن لم يستطع وهو قادر فالأفضل أن يتخلص من كامل الفائدة الربوية وأن يتصدق بها، حسب قوله.
البنوك الإسلامية
وعن أخذ القروض من البنوك الإسلامية قال القرة داغي: البنوك الإسلامية لا تعطي قروضاً حسنة، ولكنها تتعامل بالمرابحات، وهذه البنوك لها هيئات شرعية تتحمل مسؤوليتها أمام الله سبحانه وتعالى؛ لذا فالمتعامل معها لا إثم عليه، خاصة أن البنوك الإسلامية في قطر ملتزمة بوجود مثل هذه الهيئات.
نصاب الزكاة
وأضاف: فيما يخص زكاة المال، فهي لا تحسب إلا بعد بلوغ المبلغ النصاب، وهي 85 جراما من الذهب الخالص، أي ما يقرب من 12500 ريال، فلو كان لشخص مبلغ أقل من ذلك، وبلغ في منتصف العام حد النصاب، فيحسب الشخص على كامل المبلغ، فما دام النصاب صحيحا، فلا ينظر الشخص لحولان الحول على كامل المبلغ، والبعض يقول بحساب النصاب لكل شهر وهو أمر صعب.
الرواتب والزكاة
وأشار القرة داغي إلى أن الرواتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: فمنها ما يكفي بالكاد وهو لا تجب عليه زكاة، ومنها الرواتب الكبيرة جداً، ولكن صاحبها ينفق في الكثير من الأمور ببزخ، فهذا الرأي الراجح فيه أن يخرج الزكاة ولو على نصف الراتب فحسب، فلا يمكن أن يرتكب محرمين أولهما التبذير، وثانيهما حرمان الفقراء من حقهم، أما النوع الأخير من الرواتب، وهو من ينفق صاحبه باعتدال، وينتفع بماله الناس، وهذا لا يخرج صاحبه زكاة.
الديّن والزكاة
وأوضح القرة داغي أن الدين ينقسم إلى قسمين: فمنها ما هو للشخص، ومنها وهو عليه، فما هو للشخص ويضمن موعد إعادته وأن من حصل عليه ليس مماطلاً، فتجب فيه الزكاة، فهذا حينما تريد أن ترجعه يمكنك، أما إن كان على شخص فقير لا يستطيع ارجاعه للدائن فلا تجب عليه زكاة، وإن كان مماطل فلا يجب عليه الزكاة إلا بعد أن يرجعه.

مصارف الزكاة
ولفت إلى أن القرآن الكريم حدد مصارف الزكاة فقال ربنا في محكم التنزيل {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، والفقير هو من ليس لديه شيء، والمسكين هو من لديه ولكن ما لديه لا يكفيه، مثل قوله تعالى {أما السفينة فكانت لمساكين}، فلديهم سفينة ولكنهم مساكين، كمن لديه راتب بسيط أو عمل بسيط، والفقراء والمساكين من الأقارب هم الأولى بالزكاة، ثم الإخوة المجاهدون في غزة وسوريا والعراق واليمن والكثير من البلدان.
وأوضح أن العالم به قرابة 50 مليون مهجر، منهم 40 مليون شخص من العالم الإسلامي، رغم أن المسلمين حوالي ربع العالم فقط، ولكنهم يشكلون %80 من المهجرين.

زكاة الذهب
ولفت إلى أن الذهب إن كان في الحد المعقول فلا يكون زائدا عن حد الاستعمال، وإن كان الذهب مستعملا بصورة مستمرة على الأقل مرتين بالشهر لا زكاة عليه، أما إن كان غير ذلك فوجب على المرأة أن تخرج الزكاة، خاصةً في هذه الفترة العصيبة على الكثير من الدول الإسلامية، حيث يموت إخواننا جوعاً في بعض البلدان، فكيف لمسلم أن يكتنز الذهب والفضة دون إخراج زكاة.

الزكاة للمجاهدين
وقال القرة داغي: ابن تيمية يؤكد أن المجاهد له أولوية على باقي مصارف الزكاة، وأهل غزة ليسوا مجاهدين فحسب، بل يندرجون تحت الفقراء والمساكين وابن السبيل والمهجرين، وحتى في تفسيري لقوله تعالى {وفي الرقاب} أن الشعوب المحتلة هي التي تندرج تحته.

زكاة الأسهم
وعن زكاة الأسهم فكما أوضحها القرة داغي في فتوى له على الشبكة الإسلامية، أن زكاة الأسهم المعدة للاستفادة من ريعها، إذا كانت الأسهم لم يشترها صاحبها للتجارة، بل للاستفادة من أرباحها -وللزمن كما يقال- فإن زكاتها حسب قراءات المجامع الفقهية والهيئة العالمية للزكاة كالآتي:
أ- أن تكون تابعة لشركة تلتزم حسب نظامها الأساسي، أو قرار الجمعية العمومية بدفع الزكاة عن أسهمها، كما هو الحال في بعض البنوك، والشركات الإسلامية؛ فحينئذ لا يجب على المساهم المستثمر دفع زكاتها مرة أخرى؛ إذ «لا ثني في الإسلام» أي: لا تتكرر الزكاة في عام واحد على مال واحد بعينه.
ب- وأما إذا كانت لا تلتزم بدفع زكاة أسهمها، ولكن نسبة الزكاة تذكر من خلال هيئتها الشرعية، فحينئذ يجب على المساهم دفع تلك النسبة، وذلك بضرب عدد أسهمه في تلك النسبة المذكورة، فلنفرض ستين درهمًا من كل ريال لكل سهم، فمن لديه ألف سهم يضربها في %60 يطلع الناتج 600 ريال وهو الواجب دفعه، وهكذا.
وأما إذا كانت الأسهم من شركة تجارية محضة، تشتري البضائع، وتبيعها -كشركات الاستيراد، والمواد الخام، ونحوها- فتجب الزكاة في أسهمها أصلاً وربحًا، وتزكى بقيمتها السوقية، فإذا لم يكن لها سوق يقومها أهل الخبرة والاختصاص، فيخرج ربع العشر (%2.5) من تلك القيمة، ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
وهذا الحكم ينطبق على الأسهم في الشركات الصناعية المحضة، إذا قصد المساهم بشراء أسهمها التجارة فيها، قال الشيخ القرة داغي: اتفق الفقهاء المعاصرون على وجوب الزكاة في قيمة السهم حسب سعر السوق، إذا كان شراؤه بنية التجارة، أي: بيعه عند ارتفاع قيمته، أو تداوله لأجل الربح، وعلى هذا جميع المؤتمرات الفقهية، والندوات التي بحثت الموضوع، واتفقوا كذلك على أن نسبة الزكاة في هذه الحالة هي %2.5.
وننبه هنا إلى أن من العلماء من فرق بين صنفين من التجار: الأول: يطلق عليه التاجر المدير، وهو الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر.
الثاني: يطلق عليه التاجر المحتكر، وهو الذي يشتري السلعة، ويتربص بها رجاء ارتفاع السعر، وعند مالك -رحمه الله- أن المدير يزكي عروضه على رأس كل حول، أما المحتكر فيزكيها لسنة واحدة إذا باعها، وخالفه الأئمة الثلاثة، والجمهور، ورأوا أن المدير، وغير المدير حكمهما واحد.
كما ننبه أيضًا على أن الأسهم لها قيم متعددة، كالقيمة الاسمية، وهي القيمة التي تحدد للسهم عند تأسيس الشركة، وتدون في شهادة السهم، وهنالك القيمة الدفترية وهي قيمة السهم بعد خصم التزامات الشركة، وقسمة أصولها على عدد الأسهم المصدرة، وهناك أيضًا القيمة المالية الحقيقية للسهم، وهي القيمة التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة، وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم، ورابع تلك القيم هي القيمة السوقية المذكورة سابقًا، وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق، وتتغير صعودًا وهبوطًا حسب حالة العرض والطلب، وغير ذلك مما يؤثر في ذلك، وزكاة التجارة إنما تكون بحساب القيمة السوقية، لا الدفترية.
وأما إذا كانت الشركة المساهمة تجارية، وصناعية معًا -كالشركات التحويلية التي تشتري المواد الخام، أو تستخرجها، ثم تجري عليها عمليات تحويلية، ثم تتاجر فيها، مثل: شركات البترول، والغزل، والنسيج، والحديد والصلب- فتجب الزكاة في أسهمها بعد حسم قيمة المباني، والآلات المملوكة للشركة، وهكذا لأن السهم هو جزء من الشركة، فكان له حكمها في الزكاة.
وننصحك باقتناء بعض الكتب التي تناولت موضوع زكاة الأسهم، وفصلت القول في شأنها، وكلام أهل العلم فيها، ككتاب فقه الزكاة للشيخ القرضاوي، وكتاب المعاملات الحديثة وأحكامها للشيخ عبدالرحمن عيسى، وكذلك الأبحاث المنشورة في مجلة المجمع الفقهي ذات الصلة بهذا الموضوع.
جاء ذلك في محاضرة لفضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي بمسجد البخاري بمنطقة الهلال، والتي سمح فضيلته خلالها بطرح الأسئلة من قبل المصلين المتواجدين لتعميم الفائدة والجواب عن الأسئلة التي تدور في ذهن البعض. المصدر العرب القطرية

قيمة الإنسان وبين الإسلام والإلحاد

قيمة الإنسان وبين الإسلام والإلحاد
     قد أخبر الله تعالى أنه رفع من شأن الإنسان وكرّم بني آدم إذ قال: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَملناهُم في البرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطّيباتِ وَفَضّلناهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمّن خَلّقنا تَفضِيلًا) [الإسراء: 70]، وقال تعالى: (ولَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ في أَحسَن تَقويم). [الطين: 4]. وأخبر الله تعالى أنّه خلق كلّ شيء على الأرض للإنسان؛ فقال: (هو الذي خَلَقَ لَكُم مَا في الأَرضِ جَميعًا) [البقرة: 29]. فالإنسان يتبوّأ منزلة عظيمة بين المخلوقات وهو مكرّم في الإسلام أيّما تكريم.
     فالمسلم يؤمن أن الله كرّم بني آدم، وخلقهم في أحسن تقويم، وخلق ما في الأرض من أجل الإنسان. وأما الملاحدة فيحصرون الوجود في المادة والطاقة فقط، والكون وكلّ ما فيه مجرّد ذرّات متحرّكة. والإنسان حيوان من الحيوانات وغاية وجوده البيولوجي هو التكاثر فقط؛ قال زعيم الإلحاد الجديد ريتشارد دوكنز: "الكون لا شيء سوى مجموعة من الذرات المتحرّكة، والبشر هم ببساطة: آلات لتكاثر الحمض النووي" [(BBC Christmas Letter Study Guide (1991].
     والملاحدة ينكرون وجود الروح ويعتقدون أنّه يمكن تفسير كلّ ما يتعلّق بالوعي تفسيرًا ماديًّا، وأنه منحصر في دماغ الإنسان؛ قال الملحد فرانسيس كريك – عالم الأحياء والحائز على جائزة نوبل –: "أنت وسرورك، وحزنك، وذكرياتك، وطموحاتك، وشعورك بهويتك الشخصية، وإرادتك الحرة، ليس بالواقع سوى سلوك لتجمّع شاسع من الخلايا العصبية وجزئياتها المرافقة" [(The Astonishing Hypothesis: (3].
     فما قيمة الإنسان إذا كان هذا حاله إذن؟ ما قيمة هذا الحيوان في كون فسيح مكوّن من ذرّات متحرّكة فقط؟ يجيبكم الملحد ستيفن هوكينج – عالم الكون المشهور – إذ يقول: "الجنس البشري هو مجرّد وسخ كيميائي، موجود على كوكب متوسّط الحجم" [(1995) From the TV show Reality on the Rocks: Beyond Our Ken].
     أهمّ نظرية علمية يستند إليها الملاحدة اليوم هي نظرية التطوّر. وهذه النظرية جعلتهم يقلّبون موازين قيمة الإنسان رأسًا على عقب، كما قال مايكل دينتون – عالم الكيمياء الحيوية المشهور بنقد نظرية التطوّر -: "رؤية [داروين] الجديدة الثورية غيّرت العالم ... هي تتضمّن أن كلّ التنوّع للحياة في الأرض كانت نتيجة عمليات طبيعية وعشوائية وليست – كما كان يعتقد قبل ذلك – نتيجة لخلق الإله. قبول هذا الادّعاء الكبير، وما ترتّب عليه من إزالة الإله من الطبيعة لعبًا دورًا حاسمًا في علمنة المجتمع الغربي" [(Evolution: A Theory in Crisis (17]، ثمّ قال في موطن آخر: "النظرية الداروينية هي التي قطعت علاقة الإنسان بالإله ووضعه على قدم وساق في الكون بلا هدف ولا نهاية. وهذا الأمر هو الذي جعل تأثير النظرية أساسيًا. لا توجد ثورة عقلانية في الأزمان الحديثة ... أثّرت بهذا التأثير الكبير على نظرة الإنسان إلى أنفسهم ومكانتهم في الكون". [(Evolution: A Theory in Crisis (67].
     وهذه النظرة الداروينية الإلحادية قلّلت من قيمة الإنسان إذ هو فقط حيوان من الحيوانات، لا أقلّ ولا أكثر. وقد عبّر عن ذلك جورج جايلورد سيمبسون – أحد أشهر علماء الإحاثة في الولايات المتّحدة في القرن العشرين - بقوله: "في عالم داروين فإنه لا مكانة خاصة للإنسان، غير تحديده بأنه نوع خاص من الحيوان. هو بمعنى الكلمة جزء من الطبيعة، وليس مستقلًا عنها. هو مجانس - حقيقة لا مجازًا - لجميع الكائنات الحيّة سواء أكانت أميبة، أم دودة شريطية، أم   عشبًا بحريًا، أم شجرة البلوط، أم قردة – وإن كانت درجة العلاقة بينها متفاوتة" [The World into Which Darwin Led Us, Science131 (1960), p. 970].
     وهذه النظرة الغريبة للإنسان عند الملاحدة أدّت بهم إلى تبنّي الفلسفة العدمية – سواء أقرّوا بذلك أم لا – كما قال فريد هويل – عالم الكون البريطاني -: "تطاردني القناعة أن الفلسفة العدمية التي يتبنّاها الرأي المتعلّم بعد صدور كتاب: أصل الأنواع، جعلت البشرية تقترف سيرًا إلى التدمير الذاتي الأوتوماتيكي. يوم الحساب يقترب!" [(The Intelligent Universe (9].
     فكيف يمكن تلخيص هذه النظرية للحياة؟ يلخصّها الملحد وليام بروفين – بروفسور علم الأحياء التطوّرية الأمريكي - بقوله: "دعني ألخّص آرائي فيما يعلّمنا علم الأحياء التطوّرية بصراحة وشفافية، وهي في الأصل آراء داروين: لا يوجد آلهة، ولا  غايات، ولا قوى موجّهة بهدف ...  ولا أساس نهائي للأخلاق، ولا هدف للحياة، ولا إرادة حرّة للإنسان كذلك".
[Darwinism: Science or Naturalistic Philosophy?” Origins Research 16:1]
     فما مصير الإنسان؟ وهل له غاية؟ وما الهدف من الحياة؟ هذه الأسئلة العظيمة في حياة كلّ إنسان. كيف يجيب عنها الملحد؟ قال الملحد أليكس روسينبيرغ – بروفسور الفلسفة الأمريكي -: "ما الهدف من الكون؟ لا شيء. ما الهدف من الحياة؟ الشيء نفسه. هل التاريخ له هدف أو غاية؟ هو مليء بصوت وغضب، مما لا يدلّ على شيء" [The Atheist Guide to Reality: 2 - 3].
     إذن، كيف يمكن أن يكون هناك أيّ حقوق لهذا الحيوان الضائع تزيد على حقوق بقية الحيوانات؟ هذه مسألة مستشكلة لدى كثير من الملاحدة. وقد أورد فرانسيس فوكوياما - عالم السياسة والكاتب الأمريكي المشهور – هذه المشكلة الإلحادية التطوّرية إذا قال في كتابه المشهور: نهاية التاريخ: "حقوق الإنسان لها مشكلة فلسفية عميقة إذ لابد أولًا أن نفهم الإنسان قبل أن نبحث في حقوقه، نفهم طبيعة الإنسان؛ فالعلوم الطبيعية الحديثة تشير إلى أنه ليس ثمة فارق بين الإنسان والطبيعة، وعندما نوسّع في المساواة التي تنكر وجود أي اختلافات بين البشر، فيمكن أن يشمل ذلك إنكار وجود اختلافات هامة بين الإنسان والقردة العليا، وتنشأ عن ذلك أسئلة لا حصر لها، إذ كيف يكون قتل البشر غير مشروع، في حين قتل هذه الحيوانات ليس كذلك، وسنصل حتمًا في مرحلة ما إلى السؤال التالي:  ولماذا لا تتمتع الطفيليات المعوية والفيروسات بحقوق مساوية لحقوق الإنسان؟" [نهـاية التاريخ وخاتم البشر (259)].
     فانظروا إلى هذه النظرة للإنسان عند الملاحدة، والفرق بينها وبين قيمة الإنسان في الإسلام! فنشكر الله تعالى أن هدانا لهذا الدين القويم وأنّه أنقذنا من ظلمات الكفر والإلحاد.
     وصلّى الله علن نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

كتبه: جوهانس كلومنك – الباحث في يقين لنقد الإلحاد واللادينية -.