الخميس، 23 مارس 2023

كبف نتعامل مع السنة النبوية - زكاة الفطر - والأخذ من اللحية - والذكر جهرا ومسائل فقهية اخرى ..!

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمــين ، الرحمن الرحيم ، مـــالك يــوم الدين ، الأحد ، الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، الحي القيوم ، بديع السموات والأرض ، ذو الجلال والإكرام 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد .

صلى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم 

سبحان الله وبحمده ، سبحان العظيم . سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزِنَة عرشه ، ومداد كلماته 

أما بعد :

فهذا موضوع إعطاء زكاة الفطر نقداً ، هل يجوز ، أم لا يجوز ؟ سنجعله على نقاط : 


( أولاً ) / : هذا الموضوع ، من المواضيع التي اختلف فيها الأئمة والعلماء ، قديماً وحديثاً .

فهو ليس من مواضيع الإجماع ، المتفق عليه بين الأئمة والعلماء ، بحيث لا يجوز الخروج عنه ، والخلاف  فيه .

أي : هو من المواضيع التي اجتهد فيها الأئمة ، للفهم عن رسول الله  .

 إجتهدوا حتى يعلموا ، ماذا أراد رسول الله  ، بقوله ذاك ، فاختلفوا .

يعني : هو من المواضيع الظنية ، التي يجوز الإختلاف فيه . 

ليس يجوز فحسب ، بل لابد أن يقع فيه اختلاف وجهات النظر ، وذلك لسببين :

1 -   إن العلماء مختلفون في العلم والفهم والذكاء والفطنة .

2 - والموضوع الذي يعالجونه يحتمل الإختلاف .

 وأراد الله تعالى أن يكون كذلك ، وإلا لجعله من المواضيع القطعية ، والأحكام التي أجمع عليها الأمة ، فما كان لهم أن يختلفوا فيه  ! 

فالقول فيه هو ليس بين الكفر والإيمان ، ولا بين الحق والضلال . 

بل هو بين الراجح والمرجوح ، وإذا شددنا أكثر من ذلـــك ، قلنا هو بين الخطأ والصواب ! 

وفي كلتا الحالتين ،  لكل من المختلِفَين أجر وثواب ، بعد أن تكون النية لله تعالى ، خالصة ، ولمرضاته ، لا تعصباَ وتمذهباً !

فأما المصيب ، فله أجران :

1 - أجر اجتهاده ، الذي حاول فيه ، وبذل جهداً ، ليفهم مراد رسول الله  في قوله ذلك .

2 - وأجرٌ لإصابته ووصوله إلى المعنى ، الذي أُريد من وراء ذلك القول .

أما المخطيء فله أجر اجتهاده فقط ، ومحاولته ، وبذل جهده وطاقته ، للوصول إلى مراد رسول الله  .

قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْـــطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ( ) .  

[  قال ابن المنذر: وإنما يكون الأجر للحاكم المخطئ إذا كان عالمًا بالاجتهاد والسنن، وأما من لم يعلم ذلك فلا يدخل فى معنى الحديث، 

يدل على ذلك ما رواه الأعمش، عن سعيد ابن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (القضاة ثلاثة: قاضيان فى النار، وقاض فى الجنة، فقاض قضى بغير الحق وهو يعلم، فذلك فى النار، وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذلك فى النار، وقاض قضى بالحق، فذلك فى الجنة) . قال ابن المنذر: إنما يؤجر على اجتهاده فى طلب الصواب لا على الخطأ ] ( ) .

أي : إن هذا الأجر الذي يكون للمخطيء ، هو للعالم ، الذي يستطيع الإجتهاد والفهم والإستنباط ، بما يملك من صفات وأسباب وشروط ، تؤهله للقول في الموضوع !

وإلا فإذا أفتى في ذلك ، وتكلم في الموضوع مَن ليس بعالم ، ولا يمتلك أدوات الفهم ، فهو في النار ، كما قال رسول الله  !

فالمسألة مهمة ، ليست هينة !  

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله : 

[  يُشِير ( يقصد الحديث ) إِلَى انه لَا يلْزم من رد حكمه أَو فتواه إِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ ان يَأْثَم بذلك بل إِذا بذل وَسعه أجر فان أصَاب ضوعف أجره لَكِن لَو أقدم فَحكم أَو أفتى بِغَيْر علم لحقه الْإِثْم ] ( ) .

وهذا القول تأكيد لما سبق ؛ أن الذي يحكم ويفتي بغير علم ، فهو آثم ، وبالتالي فهو في النار ! 

وهذا الحكم يشمل المقلد ، الذي يحشر نفسه بين العلماء ، فيتكلم فـــي الموضوع تقليداً ، فيجعل نفسه عالماً ، وهو ليس بعالم ، بل يردد ما قاله بعض أتباع أحد المذاهب ، ويردّ أقوال الأئمة الذين يخالفون مذهبه ، ويطعن فيهم !

وأن العالم الذي يجتهد فيخطيء ، هو غير آثم ، بل هو مأجور ،   وبالتالي فهو ليس بأهل أن يُطعن فيه ، أويُجرح ! 

قال الإمام النووي ، رحمه الله :

[  قَالَ الْعُلَمَاءُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ . . .  فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أم لا لأن إصابته اتفاقية لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شئ مِنْ ذَلِك ] ( ) .


فقد أجمع العلماء ! فهو لا خلاف فيه بينهم : أن الذي له الحق في الإجتهاد والكلام في مواضيع الشرع ، هو العالم المجتهد لا غيره !

وأن غير العالم المجتهد ، إذا اجتهد وقال في مواضيع الشرع قولاً ، حتى ولو أصاب الحق والصواب ، فهو عاصٍ آثم ، مردود كلامه ، وغير معذور ! 


وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله :

[   (ثم أصاب) بأن وافق ما في نفس الأمر من حكم الله (فله أجران) أجر الاجتهاد وأجر الإصابة (وإذا حكم فاجتهد) أراد أن يحكم فاجتهد (ثم أخطأ) بأن وقع ذلك بغير حكم الله (فله أجر) واحد وهو أجر الاجتهاد فقط ] ( ) .

قلنا : إن العلماء يختلفون فيما بينهم ، في درجة العلم والذكاء والفهم والفطنة ، ولاسيما في فهم واستنباط ، ما يحتمل الإختلاف من الأقوال والأفعال .

كيف لا وقد حدث هذا بين الأنبياء ، عليهم السلام !

قال تعالى : (  وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ) ( ) .

[  أي : واذكر هذين النبيين الكريمين { داود } و {سليمان} مثنيا مبجلا إذ آتاهما الله العلم الواسع والحكم بين العباد، بدليل قوله: { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ }

 أي : إذ تحاكم إليهما صاحب حرث ، نفشت فيه غنم القوم الآخرين ، أي: رعت ليلا فأكلت ما في أشجاره ، ورعت زرعه ، فقضى فيه داود عليه السلام ، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث ، نظرا إلى تفريط أصحابها ، فعاقبهم بهذه العقوبة ، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرث، حتى يعود إلى حاله الأولى، فإذا عاد إلى حاله، ترادا ورجع كل منهما بما له، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام ولهذا قال: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} أي: فهمناه هذه القضية .

 ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: {وَكُلا} من داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم ( ) إذا أخطأ مع بذل اجتهاده ) ( ) .


(  قال المفسرون: تخاصم إلى داود رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته فلم تُبق منه شيئاً، فقضى بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم، فخرج الرجلان على سليمان وهو بالباب فأخبراه بما حكم به أبوه فدخل عليه فقال: يا نبيَّ الله لو حكمتَ بغير هذا كان أرفق للجميع! قال: وما هو؟ قال: يأخذ صاحب الغنم الأرض فيصلحها ويبذرها حتى يعود زرعها كما كان، ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها، فإذا خرج الزرع رُدَّت الغنم إلى صاحبها والأرض إلى ربها فقال له داود: وُفّقت يا بُنيَّ وقضى بينهما بذلك فذلك قوله تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}  ) ( ) .


وقد حدث الإختلاف بين الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم ، أيضاً ، ورسول الله  ، بين أظهرهم !  

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» 

فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ ( ) .


فهذا رسول الله  ، بين أظهر الصحابة ، رضوان الله عليهم ، يأمرهم بأمرٍ واحد ، فاختلفوا في فهمه !


بعضهم أخذ بظاهر النص .

وبعضهم غاص في بحر معناه ، وفهم منه غير ظاهره !

وهذا النص من رسول الله  ، ظاهره الواضح ، أنه  ينهاهم أن يصلوا صـلاة العصر في الطريق ، أو في أي مكان آخر ، ويأمرهم أن يصلوها في بني قريظة  .

ومع هذا صلاها مجموعة منهم في الطريق ، في وقتها . حيث فهموا أن الظاهر المتبادر من النص غير مقصود ! 

هل هذا العمل من أولئك الصحابة ، يعتبر مخالفة لأمر النبيّ  ، الواضح الصريح ؟




النبيّ  يقول قولاً واضحاً صريحاً : لا يصلينّ ، وهم صلَّوا !


الجواب : بلا أدنى شك هذا العمل لا يعتبر مخالفة ، بل هو اجتهاد في فهم النص !

بدليل أنّ النبيّ  لم يعنّفهم ، ولم يخطّأهم ! بل وافق على سلوكهم وتصرفهم ، واستنباطهم خلاف ما يتبادر من ظاهر النص !


[  قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يُعَابُ عَلَى مِنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثٍ أَوْ آيَةٍ وَلَا عَلَى مَنِ اسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ 

وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْفُرُوعِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ . . . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَاحِدٌ وَخَالَفَ الْجَاحِظُ وَالْعَنْبَرِيُّ وَأَمَّا مَا لَا قَطْعَ فِيهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَرَّرَهُ وَنُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعض الشَّافِعِيَّة هُوَ مُصِيبٌ بِاجْتِهَادِهِ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ . . . 


فِيهِ تَرْكُ تَعْنِيفِ مَنْ بَذَلَ وُسْعَهُ وَاجْتَهَدَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ تَأْثِيمِه . . . 


وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيمِ مَنِ اجْتَهَدَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّفْ أَحَدًا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ إِثْمٌ لَعَنَّفَ مَنْ أَثم ] ( ) .


وفي رأي الحافظ ابن القيّم ، رحمه الله : أن الذين صلّوها في الطريق   كانوا هم على صواب ، وأعلم وأفقه من الذين لم يصلوا ، وأخذوا بظاهر النص ! 


قال ، رحمه الله :

 [  وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا كَانَ أَصْوَبَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الَّذِينَ أَخَّرُوهَا هُمُ الْمُصِيبُونَ، وَلَوْ كُنَّا مَعَهُمْ لَأَخَّرْنَاهَا كَمَا أَخَّرُوهَا، وَلَمَا صَلَّيْنَاهَا إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ، وَتَرْكًا لِلتَّأْوِيلِ الْمُخَالِفِ لِلظَّاهِرِ.


وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلِ الَّذِينَ صَلَّوْهَا فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ، وَكَانُوا أَسْعَدَ بِالْفَضِيلَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي الْخُرُوجِ، وَبَادَرُوا إِلَى مَرْضَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ بَادَرُوا إِلَى اللِّحَاقِ بِالْقَوْمِ، فَحَازُوا  فَضِيلَةَ الْجِهَادِ، وَفَضِيلَةَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَفَهِمُوا مَا يُرَادُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَفْقَهَ مِنَ الْآخَرِينَ ، 

وَلَا سِيَّمَا تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَمَجِيءُ السُّنَّةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا، وَالتَّبْكِيرِ بِهَا، وَأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ فَقَدْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، أَوْ قَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، فَالَّذِي جَاءَ فِيهَا أَمْرٌ لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا ، 

وَأَمَّا الْمُؤَخِّرُونَ لَهَا، فَغَايَتُهُمْ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، بَلْ مَأْجُورُونَ أَجْرًا وَاحِدًا لِتَمَسُّكِهِمْ بِظَاهِرِ النَّصِّ ، وَقَصْدِهِمُ امْتِثَالَ الْأَمْرِ، 

وَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْمُصِيبِينَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَنْ بَادَرَ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِلَى الْجِهَادِ مُخْطِئًا، فَحَاشَا وَكَلَّا ، 

وَالَّذِينَ صَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ، جَمَعُوا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَحَصَّلُوا الْفَضِيلَتَيْنِ، فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَالْآخَرُونَ مَأْجُورُونَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ] ( ) .


فالحافظ ابن القيم ، هو وغيره ، مع الذين صلوها في الطريق . أي : الذين لم يأخذوا بظاهر النص ، ويعتبرهم أفقه من الذين صلوها في بني قريظة ، وأنهم فهموا ما يراد منهم ! أي : الذين صلوها في بني قريظة لم يفهموا المراد !


وهاك مثالاً آخراً ، على عدم الأخذ بظاهر ما يتبادر من النص ، بل الغوص فيه ، لفهم المراد منه ، من قِبل خليفتين راشدين كبار ! :

 

(  عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ ، أَوْ لأَخِيكَ ، أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ ضَالَّةُ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ )(( )) .


أمر النبيّ  وهديه في ضوال الإبل :

(  فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَـكَ وَلَهَا ؟ ) . أي : أمر بتركها ، وعدم التعرض لها !

هذا كان أمر النبيّ  وهديه وسنته في موضوع ضالة الإبل .

غضب  حتى احمرتْ وجنتاه  ! :

أخرج البخاري في صحيحه ، رحمه الله :

( . . .  وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ ؟ فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ، وَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهَا ؟ ) ( ) .

قال الإمام ابن بطال ، رحمه الله : 

[  كذلك غضب حتى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل وقال: (ما لك ولها. . . ] ( ) .


لا يُتعرض لها ! :

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[  وَفِيهِ أَنَّ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِأَمْرِ نَفْسِهَا ] ( ) .

النهي عن أخذ ضالة الإبل ! :

قال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله ، :

[  فِيهِ نهي عَن أَخذهَا ] ( ) .





النهي عن التعرض لها ! :

وقال الإمام القسطلاني رحمه الله :

[  قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا، 

وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب ] ( ).


ضالة الإبل في زمن عثمان وعليّ رضي الله عنهما ! 

وبقي حكم ضالة الإبل هكذا في زمن النبيّ  ، وخلافة أبي بكر الصدّيق  ، وخلافة عمر بن الخطاب  ، إلى خلافة عثمان بن عفان  ، حيث أمر بأخذها ، وتعريفها ، ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها !

وجعل عليّ بن أبي طالب  في خلافته حمىً لها ، يأخذها ، ويحبسها ، حتى يأتي صاحبها  فيأخذها !


هل هذا منهما مخالف لأمره وهديه وسنته  ؟

وقاصر النظر ربما ينظر إلى هذا العمل ، فيرى أنه مخالف لأمر ، وسنة النبيّ  ، وبالتالي فإن الصحابة ، رضي الله عنهم ، والخليفتان الراشدان ، قد خالفوا النبيّ  .

وذلك لأن النبيّ  نهى عن التعرض لها ، وأمر بتركها ، ولكن أحد الخليفتين الراشِدَين تعرض لها وأخذها ، ومن ثـم بـاعها ! 

أما الآخر منهما ( الخليفتان الراشدان ) فقد تعرض لها أيضاً ، وأخذها ، ومن ثم حبسها !

 ولكن الذي يدقق النظر يرى أنه تحقيق للغاية ، التي كان النبيّ  ينشدها بغضبه ذلك ، ونهيه عن إمساكها ، وهي : وصولها إلى صاحبها ! 

والصحابة ، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم ، كانوا فقهاء أئمة ؛ يفقهون الكلام ، ويفهمون مقاصده ، فعملوا بما يقتضيه تغيّر الحال ، والظروف ، وتغيير الوسائل ، للوصول إلى الغايات ، والمقاصد الثابتة .


إختلاف الأحكام باختلاف الأحوال !

قال الإمام أبو الوليد الباجي  ،رحمه الله ، :

[  وَهَذَا كَانَ حُكْمُ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ، 

فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِا لَمَّا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ تَعَدِّيهمْ عَلَيْهَا أَبَاحُوا أَخْذَهَا لِمَنْ الْتَقَطَهَا وَرَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَوْا رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ، 

وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ، 

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ .

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَال . . . وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُور ] ( ) 


ضوال الإبل في زمن عثمان  :

وقال الإمام ابن بطال ، رحمه الله :

[ وقد باع عثمان ضوال الإبل، وحبس أثمانها على أربابها ورأى أن ذلك أقرب إلى جمعهاعليهم لفساد الناس ] ( ) 

[ عن مالك انه سمع بن شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا ] ( ) .

وقال الإمام الزرقاني ، رحمه الله :

[  (لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ) لِلنَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا) بَعْدَ الْتِقَاطِهَا خَوْفًا مِنَ الْخَوَنَةِ (ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ هَذَا  أَضْبَطُ لَه  ]  ( ).

لا شك أنّ هذا الإختلاف في الحكم ، كان نتيجة إختلاف الزمان ، ولم يمض على أمر النبيّ  ربع قرن تقريباً ، فكيف إذا مضت أربعة عشر قرن ، على أمرٍ ارتبط بذلك الزمان ؟ !

ومما مضى يتبين : 

أ - أنه يجوز أن يختلف الأئمة في فهم النصوص ؛ في فهم آيات الكتــاب ( القرآن ) ، وفهــم أحاديث النبيّ  .

بعضهم يأخذ بظاهر ما يتبادر من النص ، والبعض الآخر يغوص في المعاني ، فيستنبط المراد من النص ، بعيداً عن الظاهر .

بل رأينا الأنبياء ، عليهم السلام ، يختلفون – فيما بينهم – في الإجتهاد .

ب - لا يؤثـم أحـدٌ منهم ، بل يؤجر ؛ إما أجرين ، أو أجرواحد ، بشرط أن يكون عالماً مجتهداً ، من أهل الإجتهاد .

ج - الذي يطعن فيهم ، ويجرحهم ، بادعاء أنهم مخالفون للنص ، هو إنسان لا يفهم في الشرع ، ومخالف لهدي النبيّ  ! 




( ثانياً ) / : نصوص الشرع ، سواء كانت نصوص الكتاب ( القرآن ) ، أو السنة ، دلالاتها ليست واحدة .

بل هناك من النصوص ما تكون دلالتها قطعية . أي : يُفهم منها فهم واحد ، لا غير . لا يحتمل فهماً آخر ، ولا يوجد شك في ذلك .

وهناك نصوص تكون دلالتها ظنية . أي : الفهم منها ، والمراد منها ليس يقيناً ، يعني : لا يُفهم منها فهم واحد ، بل يحتمل أكثر من معنىً .  

فنصوص القرآن ، التي دلالتها قطعية ، لا يختلف فيها العلماء والأئمة .

وكذلك نصوص السنة ، التي دلالتها قطعية ، لا خلاف فيها .

أما التي وقع فيـها الخلاف ، فهي النصوص الظنية الدلالة ، سواء كانت من الكتاب ، أو السنة .

فـ[  القرآن قطعي الورود ، أي ثابت قطعاً لوصوله إلينا بطريق التواتر المفيد للعلم اليقيني بصحة المنقول . فأحكامه إذن قطعية الثبوت ،

 إلا أن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية ، وقد تكون ظنية .

فتكون قطعية : إذا كان اللفظ لا يحتمل إلا معنىً واحداً ، ففي هذه الحالة تكون دلالة اللفظ على الحكم دلالة قطعية ، 

مثل قوله تعالى : (  وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ  ) [ النساء : 12 ] ، وقوله تعالى : (  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة ) [ٌ النور : 2 ] ،

 فالنصف والربع  والمائة كلها قطعية الدلالة على مدلولها ، ولا يحتمل أي واحد منها إلا معنىً واحداً فقط هو المذكور في الآية .

وتكون دلالتـه ظنية : إذا كـان اللفظ يحتـمل أكثر من معنى ، فتكون دلالة اللفظ على الحـكم دلالة ظنية ، 

مثل قوله تعالى : (  وَالْمُطَلَّقَـــاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِـهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء ) [ البقرة : 228 ] 

فلفظ (( القروء )) يحتمل أن يراد به الإطهار ، ويحتمل أن يراد به الحيضات ، فمع هذا الاحتمال تكون دلالة الآية على الحكم ظنية لا قطعية ] ( ) .

وكذلك السنة ، فـ( إن السنة من حيث ورودها قد تكون قطعية : كما في السنة المتواترة ، 

وقد تكون ظنية : كما في غير السنة المتواترة ، أي سنة الآحاد والسنة المشهورة . 

وأما من جهة دلالتها على الأحكام فقد تكون ظنية أو قطعية ، فهي كالقرآن من هذه الجهة .

وتكون الدلالة ظنية : إذا كان اللفظ يحتمل أكثر مــن معنى ، أي يحتمل التأويل . 

فمن القطعية قوله  : (( في خمس من الإبل شاة )) ، فلفظ (( خمس )) يدل دلالة قطعية على معناه ، ولا يحتمل غيره ، 

فيثبت الحكم لمدلول هذا اللفظ ، وهو وجوب إخراج شاة زكاة عن هذا المال . 

ومن الظنية قوله  : (( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب )) ، فهذا الحديث يحتمل التأويل ، 

فيجوز أن يحمل على أن الصلاة لا تكون صحيحة مجزية إلا بفاتحة الكتاب ، 

ويحتمل أن يكون المراد : أن الصلاة الكاملة لا تكون إلا بفاتحة الكتاب ، 

وبالتأويل الأول أخذ الجمهور ، وبالتأويل الثاني أخذ الحنفية ] ( ) . 

 فإذا اختلف الأئمة في الأحكام الشرعية ، فليس معنى ذلك أن أحدهم سعد بنص ، والآخر حُرِم منه ! أو أن أحدهم قد خالف النص ! والآخر وافقه !

بل ربما هناك نص واحد ، يحتمل أكثر من معنى ، فيفهم  ويأخذ بعضهم بمعنىً منه ، ويفهم ويأخذ البعض الآخر بمعنىً آخر مغاير لذلك المعنى ! 

وذلك مثل مسألة أمر النبيّ  الصحابة ، بصلاة العصر في بني قريظة . 

فصلى بعضهم في الطريق ، وفهموا من قول النبيّ  وأمره بذلك ، الإسراع في الذهاب إلى هناك ، وعدم التأخير ! 

فاستنبطوا وفهموا من قوله  غير ظاهر النص !

أما البعض الآخر ، من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم جميعاً ، فقد فهموا من أمره  ، ظاهر النص ، فصلوا صلاة العصر ، في بني قريظة بعد المغرب !

ورسول الله  ، لم يعنّف أحداً منهم !

فرسول الله  ، وهو بين أصحابه ، يأمرهم بأمر واحد ، فانقسم الصحابة إلى طائفتين في الفهم عنه ، 

وأخذت كل طائفة منهما تطبق أوامر رسول الله  بصورة تختلف عن الأخرى ! 

ومع هذا لم يعنّف النبيّ  واحدة منهمــا ، ولم يخطّأ أحداً !

و الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم ، مع ذلك الإختلاف بينهم ، في الفهم والتطبيق ، لم يحدث بينهم شقاق ولا بغضاء ، ولا تفرّق ، ولا شحناء ، ولا حقد ، ولا كراهية ، ولا تنابز بالألقاب !    وأولئك هم السلف الصالح !

ولم يستطع إبليس أن يخدعهم ، ويضحك عليهم ، فينحرف بهم ، ويلقي بينهم العداوة والبغضاء ، باسم اتباع الكتاب والسنة ، والغيرة على الدين !





( ثالثاً ) / : نصوص الشرع ؛ سواء كانت من الكتاب ، أو من السنة ، قد جاءت باللغة العربية .

واللغة العربية هي قمة اللغات في البلاغة : ففيها الحقيقة والمجاز ، والصريح والكناية . ودلالة الألفاظ – فيها –  على معانيها قد تكون واضحة ، وهي على درجــات : الظاهر ، والنص ، والمفسر ، والمحكم .

وقد تكون دلالتها غير واضحة ، وهي أيضـــاً على درجات : الخفي ، المشكل ، المجمل ، المتشابه .

وكيفية دلالة الألفاظ علــى معانيها ، قد تكون بعبارة النص ، وقد تكون بإشارة النص ، أو بدلالة النص ، أو باقتضاء النص 

وهناك مفهوم المخالفة أيضاً . 

وتُطلب هذه المواضيع والمعاني ، في مظانها ؛ في علم أصول الفقه .

وقد تحدى الإسلامُ العربَ الأقحاح ، وبارزهم في فنونهم اللغوية ، فأعجزهم . 

وهم كانوا يتفاخرون ، ويتباهون في تلك ، ويتسابقون ، ولهم أسواق ، ومواسم ، يُظهرون فيها نبوغهم اللغوي ، عن طريق الشعر ، أو النثر !  

فتحدّاهم الإسلام فأخرسهم !

فلا يُعقل أن ينزل الإسلام ، ولاسيما في إعجازه اللغوي ، في قمة عليائه إلى مستوى الرعاع والسوقة ، أو إلى مستوى المعدمين والفقراء من التذوق في اللغة العربية ، من أجل إفهامهم ، وإرضائهم !

قلت كل هذا الكلام ، لأن بعض الناس إذا قلت له : ليس المراد من هذا النص ظاهره ، بل أراد كذا وكذا ، قال : فلماذا لم يقل ذلك صراحة  !

أي يريد من نصوص الإسلام ، والتي تحدّى بها الإسلامُ العربَ في بلاغتها ، يريد منها أن تنزل إلى مستواه الفقير !



فعلى سبيل المثال :

(  عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا ؟ قَالَ : « أَطْوَلُكُنَّ يَدًا » ، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا ) ( ) 

وفي رواية : ( قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا » قَالَتْ : فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ ) ( ) .  

[  أخرج الطحاوي رحمه الله في " مشكله " :  عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال النبي - صلى الله عليه وسلم – لأزواجه : " يتبعني أطولكن يدًا " 

قالت عائشة : وكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الجدار نتطاول ، 

فلا نـزالُ نفعلُ ذلك حتى تُوفيت زينب ابنة جحش ابن رباب ، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت امرأة قصيرةً رضي الله عنها ، ولم تكن أطولنا يدًا ، 

فعرفنا حينئذٍ إنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - : الصدقة. 

قالت : وكانت زينبُ امرأةً صناعة اليد، تذيع الخيرَ ، وتجوز ، وتتصدق به في سبيل الله ] ( ) .

لماذا لم يقل النبيّ  ، يتبعني أكثركن صدقة ، بدل أن يقول : أطولكن يدا ؟ ! 

لمــاذا لم يصرّح بذلك ، حتى تفهمه زوجاته ؟ 

هل هذا الأسلوب الرائع من النبيّ  ، يُعتبر كذباً ؟ 

لأنه قال : أطولكن يداً ، وزينب ، رضي الله عنها ، لم تكن أطولهن يداً ؟ 

حاشا لله تعالى ، وألف كلّا !

هذه هي اللغة العربية ، في روعتها وجمالها !

ولا يقلل النبيّ  ، من شأن هذه اللغة العظيمة ، من أجل بعض مَن لا يفهمون الكلام ، إلا ظاهراً صريحاً ! 

وكيف يُهبِط النبيّ  ، بتلك اللغة ، العظيمة ، الجميلة ، البليغة ، من أجل أن لا يلتبس الكلام على بعض الذين لا يفهمون غير الظاهر من الكلام ؟

فلينظر الذين يعتبرون المجاز والكناية كذباً ، إلى أين يذهب كلامهم ؟ !

فالمجاز والكناية من روائع اللغة العربية ، وهذا الجمال ، وهذه الروعة قد أخرست الفطاحل من العرب ، في تحدّيهم أن يأتوا بمثله .

بل قد جفّت ينابيع بعض الشعراء ، في عهد النبيّ  ، عندما سمعوا القرآن الكريم لأول مرة ، فلم يستطيعوا أن يواصلوا في وضع الأشعار ؛ إنبهاراً ودهشة ، لما سمعوه من البيان والبلاغة !

والمجاز : هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في إصطلاح التخاطب ، لوجود علاقة بين اللفظ المستعمل والمعنى المراد ، مع وجود دليل مانع من إرادة المعنى الوضعي .

فالمتكلم يستخدم لفظاً في كلامه ، هذا اللفظ لم يوضع لهذا المعنى في الأصل عند الكلام والمخاطبة بين الناس .

يستخدمه في كلامه ، لأنه أقوى في الدلالة على المعنى الذي يريده . 

فمثلاً  لفظ ( طويل اليد ) ، عادة يستخدم في الكلام ، لإنسان يـده طويلة بالمقياس المعتاد ، كأن تكون متراً ، أو أقل قليلاً ، أو أكثر  .

ولكن العرب – والنبيّ  ، هنا – يستخدمه لمن يكثر الصدقات !

وذلك لأن الإنسان عادة إذا ساعد محتاجاً ، وتصدّق عليه ، يفعل ذلك بيده .

فطويل اليد هنا ، مجاز عن كثير الصدقة .

فهناك علاقة بين اليد ، وبين الصدقة .

هذه العلاقة تسمى : العلاقة الآلية في المجاز ، وذلك في علم البلاغة .  

والآلية : [ هي كون الشيء واسطة لإيصال أثر شيء إلى آخر ، وذلك فيما إذا ذُكر اسم الآلة ، وأريد الأثر الذي ينتج عنه ، نحو ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِين ) أي ذكراً حسناً . فلسان بمعنى ذكر حسن . . . لأن اللسان آلة في الذكر الحسن ] ( ) .

[ والمجاز : من أحسن الوسائل البيانية التي تَهدي إليها الطبيعة ، لإيضاح المعنى ، إذ به يخرجُ المعنى متَّصفاً بصفةٍ حسيّة ، تكادُ تعرضُه على عَيانِ السامع . لهذا شُغفت العربُ باستعمال المجاز لميلها إلى الاتساع في الكلام ، وإلى الدَّلالة على كثرةِ معاني الألفاظ . ولِما فيه من الدِّقَّة في التعبير ، فيحصُل للنفس به سرور وأريحيّة .ولأمرٍ ما كثُرَ في كلامهم ، حتى أتَوا فيه بكلِّ معنى رائق ، وزيّنوا به خطبَهم وأشعارهم ] ( ) .


وكذلك الكناية : و [ هي أن يريد المتكلّمُ إثباتَ معنىً من المعاني ، فلا يذكرُه باللفظِ الموضوعِ له ، ولكن يجيء إلى معنى هو مرادفه ، فيومىءُ به إلى المعنى الأول ، ويجعلُه دليلاً عليه . 

أو الكناية : هي اللفظ الدالُّ على ما له صلة بمعناه الوضعي ، لقرينةٍ لا تمنع من إرادة الحقيقةِ ، كفلانٍ نقيّ الثوب . أي : مبرأ من العيب . وكلفظِ (( طويل النَّجاد )) : المرادُ به طولُ القامة ، فإنه يجوز أن يرادَ منه طولُ النجاد أي علاقةُ السيف أيضاً ، فهي تُخالف المجاز من جهة إمكانِ إرادةِ المعنى الحقيقي مع إرادة لازمه . بخلاف المجاز ، فإنه لا يجوزُ فيه إرادةُ المعنى الحقيقي لوجودِ القرينة المانعة من إرادته ] ( ) .

ومعنى الكلام : 

أنّ في المجاز ، يستخدم الإنسان لفظ لا يريد به حقيقته ، وهناك دليل يمنع من إرادته معنى اللفظ الحقيقي . كاستخدام رسول الله  ، لفظ ( طول اليد ) لكثرة الصدقة .

والدليل الذي منع من إرادته  حقيقة اللفظ ، هو أنّ زينب رضي الله عنها ، كانت قصيرة اليد ، ولم تكن أطولهنّ يداً !

فهذا دليل دامغ أنّه  ، إستخدم المجاز ، ولم يرد حقيقة اللفظ .

ولكن في الكناية ، ليس هناك دليل يمنع من إرادة الإنسان حقية اللفظ .

فمثلاً ( نقيّ الثوب ) ، أي : مبرأ من العيب . ولكن لا مانع من إرادته الحقيقة . أي : نظافة الثوب .

وكذلك ( طويل النجاد ) ، أي : شجاعٌ عظيم  . ولا مانع من أنه أراد : طويل السيف حقيقة . 

فالنجاد : هو السيف . 

وعلاقة طول السيف بالشجاعة  ؛ أنه  [ يلزمُ من طول حِمالةِ السيف طول صاحبه ، ويلزمُ من طولِ الجسم الشجاعةُ عادةً . فإذاً المرادُ طولُ قامته ، وإن لم يكن له نَجاد ، ومع ذلك يَصحُّ أن يُرادَ المعنى الحقيقيّ . ومن هنا يُعلَمُ أنّ الفرقَ بين الكناية والمجاز صحةُ إرادةِ المعنى الأصليّ في الكناية ، دون المجاز ، فإنه ينافي ذلك ] ( ) .

[  ومثلُ ذلك قولهم : (( كثير الرماد )) يعنون به أنه كثيرُ القِرى والكرم ، وقول الحضرمي :

  قد كانَ تعجبُ بعضَهنّ براعتي    حتى رأيْنَ تَنَحْنُحي وسُعالي 

كنى عن كبر السنّ بتوابعه ، وهي التنحنحُ والسُّعال . وقولهم : المجدُ بين ثوبيه ، والكرمُ بين برديه . وقوله :

إنّ السماحةَ والمروءةَ والنَّدى    في قُبّةٍ ضُربتْ على ابنِ الحشرجِ

وقوله :

   وما يَكُ فيَّ من عيبٍ فإنّي        جبانُ الكلبِ مهزولُ الفَصيلِ

فإن (( جبان الكلب )) كناية . وكذا (( مهزول الفصيل )) والمرادُ منها ثبوت الكرم . وكلُّ واحدةٍ على حِدَتها تؤدي هذا المعنى . وقد جاء عن العرب كنايات كثيرةٌ كقوله :

بيضُ المطابخ لا تَشكو إماؤهمو     طبخَ القُدورِ ولا غسلَ المناديلِ

ويُروى أن خلافاً وقعَ بينَ بعضِ الخلفاء ونديم له في مسألة ، فاتفقا على تحكيمِ بعضِ أهلِ العلم ، فأُحضر . فوجدَ الخليفةَ مخطئاً ، فقال : (( القائلون بقول أمير المؤمنين أكثر )) يريد الجهال .

وإذا كان الرجلُ أحمقَ قيل : (( نعتُه لا ينصرفُ )) .

ونظرَ البديع الهمَدانيُّ إلى رجلٍ طويلٍ باردٍ ، فقال : قد أقبلَ ليلُ الشتاء . . .

وإذا كان الرجلُ ملولاً قيل : هو من بقيةِ قوم موسى . وإذا كان ملحداً ، قيل : قد عبر ( يريدون جسرَ الإيمان ) . وإذا كان يسيء الأدبَ في المؤاكلة قيل : تسافرُ يدُه على الخوانِ ويرعَى أرضَ الجيران . ويقال عمن يُكثر الأسفار : فلانٌ لا يضعُ العصا عن عاتقه . وجاء في القرآن الكريم : (  أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) [ الحجرات : 12 ] ، فإنه كنى عن الغيبةِ بأكل الإنسان لحمَ الإنسان . وهذا شديدُ المناسبة ، لأن الغيبةَ إنما هيَ ذكرُ مثالبِ الناس ، وتمزيقُ أعراضِهم . وتمزيقُ العِرض مماثلٌ لأكلِ الإنسان لحمَ مَن يغتابُه .

ومن أمثال العرب قولهم : (( لبستُ لفلانٍ جلدَ النمر، وجلدَ الأرقم )) كناية عن العداوة . وكذلك قولهم : (( قلبتُ لـه ظهرَ المِجَنّ )) كناية عن تغيير المودّة . ويقول القوم : فلانٌ بريءُ الساحة ، إذا برَّؤوه من تُهمة . ورحب الذراع ، إذا كان كثير المعروف . وطويل الباع في الأمر ، إذا كان مقتدراً فيه . وقويَّ الظهر ، إذا كثُرَ ناصروه . ومن ذلك . . . أنّ رجلاً مرّ في صحنِ دارِ الرشيد ، ومعه حزمةُ خَيْزُران ، فقال الرشيد للفضل بن الربيع : ما ذاك ؟ فقال : عروقُ الرماح يا أميرَ المؤمنين . وكره أن يقولَ (( الخَيْزُران )) لموافقته اسمَ والدةِ الرشيد . ومن كلامهم : (( فلانٌ طويلُ الذَّيل )) ، يريدون أنه غنيٌّ حسَنُ الحال . وعليه قولُ الحريري :

إنّ الغريبَ الطويلَ الذيل ممتهنٌ     فكيفَ حالُ غريبٍ مالَه قوتُ ؟

وكذلك قولُهم : فلانٌ طاهر الثوب . أي منزَّهٌ عن السيئات  وفلانٌ دَنِسُ الثوب أي متلوِّث بها . قال امرؤ القيس :

ثيابُ بني عوفٍ طَهارى نقيةٌ        وأوجُهُهم عندَ المشاهدِ غراتُ

ويقولون : فلانٌ غمرُ الرداء . إذا كان كثيرَ المعروف عظيمَ العطايا ، قال كثيرٌ :

غَمرُ الرداءِ إذا تبسَّمَ ضاحكاً         غَلِقَتْ لضَحكتهِ رقابُ المالِ

ومن الكنايات اللطيفة ما ذكره الأدباءُ في الشيب والكبر ، فيقولون : عرضتْ لفلانٍ فترةٌ ، وعرض له ما يمحو ذنوبَه ، وأقمرَ ليلُه . ونوّر غُصنُ شبابه . وفضَّضَ الزمانُ أبنوسَه . وجاءه النذير . وقرعَ ناجذَ الحلم . وارتاضَ بلجام الدهر . وأدرك زمانَ الحُنكة . ورفضَ غِرَّةَ الصِّبا . ولبّى دواعيَ الحجَى . ومن كناياتهم عن الموت : استأثرَ الله به ، وأسعدَه بجواره ، ونقله إلى دار رضوانه ومحلِّ غفرانه ، واختارَ له النقلةَ من دار البَوارِ إلى دارِ الأبرار . ومن الكنايات أيضاً أن يقامَ وصفُ الشيءِ مقامَ اسمهِ كما ورد في القرآن الكريم : (  وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر  ) [ القمر : 13 ] ، يعنــي السفينة . فوضـعَ صفتَها موضع تسميتها ، كما ورد : (  إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد ) [ ص : 31 ] ، يعني الخيل . وقال بعض المتقدمين :

سألتْ قتيبةُ عن أبيها صَحبَهُ   

                           في الروح هل ركبَ الأغرَّ الأشقرا ؟

يعني هل قُتل ؟ لأنّ الأغرَّ الأشقر ، وصفُ الدم . فأقامه مقامَ اسمه ] ( ) .


فالحق هو : أن الواجب على الذين لا يفهمون من الكلام إلا ظاهره ، أن لا يتطاولوا ، فيزاحموا الأئمة الأعلام ، في فهم الدين ، فيساووا أنفسهم بالأئمة . 

ليس هذا فحسب ، بل يعتبرون أنفسهم أفهم منهم وأعلم ! 

فالواجب عليهم أن يتواضعوا ، ولا يخرجوا عن طورهم ، وليكتفوا بتقليد دينهم لبعض مقلدة المذاهب !

وهذا لم يحدث في أي دين ، أو حزب ، أو فكر : أن يتطاول مَن لا يعرف إعراب جملة ، فيقوم بتخطئة الأئمة العظام ! ويجعل نفسه مجتهداً ، يتكلم في أمور العامة ، والأمور العظيمة !

فهذا الدين العظيم ، شأنه لا يقل عن شأن بقية مجالات العلوم الأخرى ، حيث لكل مجال متخصصون ، برعوا وامتازوا في ذلك ، فأصبحوا مصدراً ومرجعاً لبقية الناس في ذلك ! 

فلا يجوز أن يهجم عليه كل مَن هبّ ودبّ ، فيتحدّث عنه ، ويحلل ويحرّم ، ويحظر ويبيح ، ويسنّن ويبدّع ! 

قال الإمام الماوردي :

[  قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب بكلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل " وهذا صحيح.

أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم.

وأما الذي لا يعذر أحد بجهالته ، فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة دلائل التوحيد .

وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الأحكام.

وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.

وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح ] ( ) .   

فالذي لا يفهم الكلام ، عليه أن يسأل ويتبع الأئـــمة والعلمــاء ، لا أن يعادي ما هو فوق مستواه ! 

وإن كان الإنسان عدواً لما يجهل ‍!  (  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِه ) ( ) . 

وعليه – حينئذٍ – أن يكتفي بالتقليد ويصمت ، فوزاً بالسلامة لدينه وعرضه !

ولقد ذكر ابن الجوزي ، رحمه الله ، الذين لا يفهمون من الكلام إلّا ظاهره ، فقال : 

[ وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته ليلى الأخيلية فقالت :

      إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة       تتبع أقصى دائها فشفاها

     شفاها من الداء العضال الذي بها     غلام اذا هز القناة سقاها

فلما أتمت القصيدة ، قال لكاتبه : إقطع لسانها ، فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى .

فقالت له : ويلك إنما قال أجزل لها العطاء .

ثــم ذهبــت إلـــى الحجـــاج فقالـت : كاد والله يقطع مقولي  ] ( ) 

فهناك أناس لا يفهمون من الكلام إلا ظاهره ، حالهم حال كاتب الحجاج ! 

حيث أراد أن يمثّل بتلك المرأة ، فيقطع لسانها حقيقة ، نتيجة فهمه الفاسد ! 

ومن رحمة الله تعالى ، أن كان الحجاج – صاحب الكلام – موجوداً ، فرجعوا إليه ، فبيّن لهم أنه يقصد بكلامه إجزال العطاء ، لا قطع لسانها حقيقة ! 

فماذا كان يحدث لو أن الحجاج غاب ، ولم يستطيعوا الوصول إليه ؟ ! 

ولماذا قال الحجاج : إقطع لسانها ، ولم يقل صراحة : أجزل لها العطاء ؟ ! 

لماذا قال كلاماً إلتبس على كاتبه المسكين ؟ 

الجواب : تجده عند بلاغة اللغة العربية ! لغة القرآن والسنة ، وعند مَن اتصف بالبلاغة والفصاحة !


( رابعاً ) : وهنا مسألة مهمة جداً ، قد يغفل عنها ، ويتهاون فيها كثير من المسلمين ، وهي : الإخلاص !

أي : إرادة رضوان الله تعالى ، فيما يقوله المسلم ويفعل ! أو فيما يخاصم عليه ويذر !

قد يلبّس الشيطان – وهو صاحب خبرة في إضلال الناس – على كثير من المسلمين ، في مواقفهم المتشنجة ، وآرائـهم الفجة ، في المخاصمة ، والطعن في كثير من الأئمة والدعاة ؛ الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته تعالى .

يلبّس الشيطان عليهم بأنهم – في مواقفهم المتشنجة هذه ، وطعنهم في الأئمة وتجريحهم ، وتشويه سمعتهم ، والتخندق مع أعداء الله تعالى ضدهم – إنما يتصدرون عن الغيرة في الدين ، ودفاعاً عن الإسلام !

وهم في الحقيقة ، ليسوا بأكثر من متحزبين متعصبين لبعض آراء واجتهادات بعض الرجال غير المعصومين ! 

لكن الشيطان زيّن لهم أعمالهم !

بدليل أنه لو صدر نفس الأقوال والأفعال التي ينتقدونها – تقليداً وتعصباً – 

لو صدر من الرجال الذين يقلدونهم ويتعصبون لهم لأَوّلوها ألف تأويلٍ وتأويل حسنٍ ، وغمضوا أعينهم أمامها وصمتوا ، متذرعين بحسن الظن بالمسلم وبالعلماء !

ولا يحسبنّ أولئك أنّ الله تعالى غافل عنهم ، وأنه سبحانه لا يؤاخذهم بجريرتهم هذه !

قَالَ رَسُولُ اللهِ  : "  قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " ( )


قال الإمام النووي ، رحمه الله :

( وَمَعْنَاهُ أنا غنى عَنِ الْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلْهُ بَلْ أَتْرُكْهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ والمراد أن عمل المرائى باطل لاثواب فِيهِ وَيَأْثَمُ بِه ) ( )


وقال رسول الله  :  " إِذا جمعَ اللهُ الأَولين والآخرين يومَ القيامة ليومٍ لا ريبَ فيه ؛ نادى منادٍ : مَن كانَ أَشركَ في عملِه للهِ أَحدًا؛ فليطلب ثوابه من عنده؛ فإنَّ اللهَ أَغنى الشركاءِ عن الشركِ".


حسن صحيح - "تخريج المشكاة" (5318)، "التعليق الرغيب" (1/ 35): م مختصرًا. 2118 - 2501 - عن أُبيِّ بن كعبٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – قال :

" بشّر هذه الأمة بالنصرِ والسناء والتمكين، فمن عمل منهم عملَ الآخرة للدنيا ؛ لم يكن له في الآخرة من نَصيب " .

حسن صحيح - "أَحكام الجنائز" (70)، "التعليق الرغيب" (1/ 31) ) ( ) .

هذا لمن عمل وتحرّك وقال قولاً ، تحزّباً وتعصّباً ، باسم الله ، وباسم رسوله  ، أو باسم الكتاب والسنة ! 

وهو في داخل نفسه يحرّكه التحزب والتعصب ، من حيث لا يدري  !

 

أما الذي يحارب أولياء الله تعالى ، باسم الله تعالى ، وباسم رسوله  ، أو باسم الكتاب والسنة – وهو في قرارة نفسه يحاربه تعصباً وتحزباً ، ولأنه ليس من جماعته ، وهو لا يدري ( وهذا إحساناً للظن به ) فمصيره رهيب ! 

قال تعالى ، في الحديث القدسي : (  مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْب ) ( ) .

[  أي أعلمته (بالحرب) أي أعمل به ما يعمله العدوّ في المحارب من الإيذاء ونحوه ، 

فالمراد لازمه وفيــه تهديــد شديــد لأن مــن حاربــه أهلكه  ] ( ) .

  [  قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَطَاءٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِظَمُ قَدْرِ الْوَلِيِّ 

لِكَوْنِهِ خَرَجَ عَنْ تَدْبِيرِهِ إِلَى تَدْبِيرِ رَبِّهِ وَعَنِ انْتِصَارِهِ لِنَفْسِهِ إِلَى انْتِصَارِ اللَّهِ لَهُ وَعَنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ بِصِدْقِ تَوَكُّلِهِ 

قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يُحْكَمَ لِإِنْسَانٍ آذَى وَلِيًّا ثُمَّ لَمْ يُعَاجَلْ بِمُصِيبَةٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ بِأَنَّهُ سَلِمَ مِنِ انْتِقَامِ اللَّهِ 

فَقَدْ تَكُونُ مُصِيبَتُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ كَالْمُصِيبَةِ فِي الدِّينِ مَثَلاً  ] ( ) .


أي : أنّ الذي يؤذي وليّاً من أولياء الله تعالى – من الذين استسلموا لله تعالــى ، وآمنوا بـه تعالى ، واختاروا صراطه سبحانه ، على السبل الكثيرة ، واتّقوه ونصروا دينه ، لاسيما الذين استشهدوا في سبيله  – 

هذا الذي يؤذيهم ، يُعاجَل بمصيبة – من الله تعالى – في نفسه ؛ من مرض ، أو جرح ، أو قتل أو أية مصيبة أخرى . 

أو يصاب في ماله سواء بغصب ، أو حرق ، أو غرق ، أو خسارة ، أو أية مصيبة أخرى . 

أو يصاب في أولاده بأنــواع من المشاكل الشائكة العويصة ، فيصبحوا من نِقَم الله تعالى عليه !

فإذا لم يصب بكل ذلك ، فقد يصاب في دينه ، التي توصله إلى نار جهنم وبئس المصير !      


ولقد ذكروا مَن كان حافظاً للقرآن عن ظهر غيب ، ولكنه كان يطعن في بعض كبار الدعاة - ممن قضوا نحبهم في سبيل الله تعالى - فابتلي هذا الحافظ بنسيان القرآن !

هؤلاء الـذين لبّس عليهم الشــيطان ، فقدّموا أوامر الشيطان ، وأهواء نفوسهم المريضة ، على شرع الله تعالى وأوامره ، سبحانه ، لا يخفى أمرهم على الله تعالى : (  إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ  ) ( ) .

فالله سبحانه وتعالى ينهى عن طعن أوليائه ، وإيذائهم ، وهؤلاء يعصون أمره تعالى ، ويخالفون !

ولقد ذكر العلماء : أن بين البغـض لله ، وبين البغض للنفس ، شعرة ! 

قد يلبس الشيطان عليهم ، فيقومون ببغض المسلم ، والحقد عليه ، لأنه لا يوافقهم في آرائهم ، وهو ليـس في حزبهم وجماعتهم ، فيظنون أن ذلك البغض والعداء هو لله تعالى ، وفي سبيله ! 

وقد لا يفطنون هم أيضاً لذلك !

وذلك لأنّ الذي يفقد الإخلاص ، لا يبالي الله تعالى ، بأي وادٍ هلك .

 فيلبّس الشيطان عليهم ، فتختلط عليهم الأمور ، فلا يميّزون بين الإخلاص والشرك ، والتقوى والرياء !

أما المخلص فلا يضيّع الله تعالى جهوده :

قال تعالى : (  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين  ) ( ) .

[  أي جاهدوا النفس والشيطان والهوى وأعداء الدين، من أجلنا ولوجهنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا

 أي سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا. وذلك بالطاعات والمجاهدات 

وَإِنَّ اللَّهَ لَمَــعَ الْمُحْسِنِيــنَ أي: أعمـــالهم بالنصــر والمعـونة  ] ( ) 


فالذي يجاهد ويتعب ، ويبذل جهوده – في حركاته وسكناته ، وفي أقواله وأعماله ، وفي بغضه ومحبته – من أجل الوصول إلى مرضاة الله تعالى ، ولوجهه تعالى خالصاً ،

 يهديه الله سبحانه إلى صراطه المستقيم ؛ صراط الذين أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، 

ولا يتركه تعالى ليضيع بين السبل الكثيرة المنحرفة ! 

بل يسهّل له أموره ، ويشرح صدره.

  

أما الذي يبغض ويحب ، ويقول ويعمل ، ويتحرك ويسكن حسب ما تمليه عليه النفس الأمّارة بالسوء ، وانتصاراً للنفس والهوى ، وتعصباً وتمذهباً ، باسم الله تعالى وباسم رسوله  ، فلا يبالي به الله تعالى في أيّ وادٍ هلك ! 

وعند ذلــك يستلمه الشيطـان فيلعب به لعب الصبيان بالكرة ! وتُعسر أموره ، ويضيق صدره .  

قال تعالى : (  فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى  ) ( ) .


فإذا فقد المسلم الإخلاص ، وأشرك هوى نفسه في أمر الله تعالى ودينه ، فتحرّك ظاهراً باسم الله تعالى ورسوله  ، وهو في الحقيقة يصدر عن التعصب والتحزب ، 

عند ذلك يلبس عليه الشيطان فيكون من أتباعه ، وينفّذ ما يمليه عليه الشيطان ، فيحقق له ما يريده !


ولقد لبّس الشيطان على الخوارج ، فاتهموا الخليفة الراشد ، عليّا بن أبي طالب ،  ،  بالجهل والكفر ، ثم قتلوه ، دفاعاً عن الدين والإسلام ، وخلاص المسلمين من شره   بزعمهم ! ! !

واتهموا النبيّ  ، قبل ذلك بالظلم وعدم العدالة :

(  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، 

فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ». 

فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» 

فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، 

فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: " إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، 

لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) ( ) .


وفي رواية : (   بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، 

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً»، 

قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ ) ( ) .


و(   عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» 

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: «مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، 

إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» ) ( ) .

قال رسول الله  : (   «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ  ) ( ) .

فهذا الذي اتّهم النبيّ  بالجور ، يعتبر نفسه أفضل من النبيّ  ، وأعدل ، فكيف بغيره  ؟

ولم يكن هو بأفضل من النبيّ  ، حاشا لله ! 

بل هو رجل مريض النفس ، أراد أن يرفع خسيسته بذلك النقد ، ليقول : أنا فاضل عادل متّقٍ !

والعجيب في هذا الحديث ، ما وصفه الصحابة ، من شكل وهيئة هذا الذي انتقد النبيّ  ، حيث قالوا عنه أنه كان : كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ ! ! 

وأنّ من صفات أتباعه التي وصفها النبيّ  :  قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ  يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ ! !

كث اللحية ، محلوق الرأس ، مشمر الإزار : أي رافع الثياب !

[  وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرِيِّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ أَسْوَدُ طَوِيلٌ مُشَمَّرٌ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ 

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَضِيِّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرِيِّ وَالْحَاكِمِ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَنَانِيرَ فَكَانَ يَقْسِمُهَا وَرَجُلٍ أَسْوَدَ مَطْمُومِ الشَّعْرِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ 

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِأَمْرِ اللَّه   ] ( ) .

هو من أهل البادية ، أي : بدوي ! حديث عهد بأمر الله ! 

أي : لا يعرف شيء بعد في الدين ، ينتقد رسول الله  !

يعتبر نفسه أفضل من رسول الله  ، وأخشى لله منه ، وأتقى ، وأعدل !

أحداث الأسنان : صغار في العمر !

سفهاء الأحلام : ضعاف العقول ، جهلاء !

يقولون من خير قول البرية : كلامهم جميل لا غبـــار عليه ، فهو من خير القول ! وهل هناك قول خيـــــر مـن قول رســـــول الله   ، وقول الصحابة والسلف ، بعد القــرآن الكريـــم ؟ !

يقرءُونَ القرآن لا يجاوز حناجرهم : يقرءون القرآن ، وربما كان صوتهم جميلاً ، وقد يكونون من حفّاظ القرآن ، 

ولكن هذه القراءة لا تفيدهم علماً ، ولا تقوىً ؛ فالقرآن لا يجاوز حناجرهم ، لا إلى عقولهم ، ولا إلى قلوبهم ، التي في الصدور ! فلا يكسـبهم علمـــاً ، ولا يمنحهم تقوىً ! ! (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ) ( ) .

يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية : يخرجون من الدين ، سواء حقيقة ، أم بفهمهم البعيد عن العلم والفقه . 

يخرجون وبشدّة كما يخرج السهم ، بشدة وسرعة من الرمية ! ! 

يقتلون أهل الإسلام ، ويدَعون أهل الأوثان !

 وهذه من أعجب وأغرب صفاتهم ! يحاربون المسلمين ، يحاربون الدعاة ، وأولياء الله الصالحين ؛ الذين قضوا حياتهم في سبيل الله تعالى .

 فيأتـــي هؤلاء المتلبسون فيحاربونهم ، ويناصبونهم العداء ، ويتخندقون مع أعداء الله ورسوله ضدّهم !

أما أعداء الله تعالى ، وأعداء رسوله  ؛ الذين يمكرون لهذا الدين ، بالليل والنهار ، فهُم في سلام وأمان منهم ، 

بل كفوهم مؤنة الحرب ونيرانها ، ضد أولياء الله تعالى  !  

ولقد آذى الخوارج علياً بن أبي طالب  ، فتأذى بهم كثيراً ، حيث مرَّ به بعضهم ، أثناء صلاة الفجر فناداه : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }  ] ( ) . أي : أنّ علياً  ، مشرك ، محبَط العمل ! 

ثم بعد ذلك قتلوه ؛ قتلوا الخليفة الراشد ، باسم الدين ، وباسم الله ورسوله ، وانتصاراً للإسلام ! !

و[   نَظَرَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ كَذَبْتَ أَنَا قَاتَلْت أَئِمَّةَ الْكُفْرِ 

فَقَالَ لَهُ آخَرُ هَذَا مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ كَذَبْتَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبهم الْآيَة ] ( ) .


فهذا سعد بن أبي وقاص  ، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ، ببشرى رسول الله  له . وهو الذي قال عنه النبيّ  بأنه خاله !

إعتبـره الخــوارج من أئــمة الكفر ، ومن الأخسرين أعمالاً ! ! 

و انتقدوا أيضاً الصحابيّ الجليل ، عبد الله بن عمر ،  رضي الله عنهما ، فقد روي  [  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَوَدِدْتُ أَنَّكَ مِتَّ مَعَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تَبْقَ بَعْدَهُمْ، أَقْبَلْتَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَتَرَكْتَ الْجِهَادَ؟  ] ( ) .


و[  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ) . . . وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ فَقَالَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَتَلَهُ الْحَرُورِيَّة ] ( ) . 

فهــذا عبـد الله هو : من كبار التابعين ، وابن صحابيّ جليل ، قتله الخوارج .


ولقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله ، مخالفتهم للسلف ، بقوله : 

[  أَنَّ الْخَوَارِجَ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَكَانَ السَّلَفُ يُوَفِّرُونَ شُعُورَهُمْ لَا يَحْلِقُونَهَا وَكَانَت طَريقَة الْخَوَارِج حلق جَمِيع رؤوسهم . . . ] ( ) !


ووصف النبيّ  ، إهتمامهم بظواهر العبادات ، وأشكالها ، وتشدّدهم في العبادات ، بحيث يجعل الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم ، يحقرون عباداتهم ، مقارنة بهم !

قال النبيّ  ، لأصحابه عنهم : (  يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ) ( ) .

ولاشك أن الظاهر من العبـادات مهم ، ولكن مع نقاء القلب ، وحسن العمل ! وهما الإخلاص ، والصواب .

قال رسول الله  : ( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) ( ) .


ومع كل هذا الإهتمام بأشكال العبادات ، والتشدّد فيها ، فقد روي عن النبيّ  ، أنهم كلاب أهل النار ، وشر قتلى على الأرض ! !  

عن أَبُي غَالِبٍ ( قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ أَبْصَرَ رُءُوسَ الْخَوَارِجِ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ ، 

فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْـــهِ وَسَلّــَمَ يَقُــولُ: « كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ » 

ثُمَّ بَكَى ، وَقَالَ : « شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ » 

قَالَ أَبُو غَالِبٍ : فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ 

قَالَ : إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثٍ ) ( ) .


عن أَبُي غَالِبٍ ( قَالَ: بَيْنَا أَنَا بِدِمَشْقَ إِذْ جِيءَ بِسَبْعِينَ رَأْسًا مِنْ رُءُوسِ الْخَوَارِجِ، فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، 

وَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَصَلَّى مَا بَدَا لَهُ ، 

فَلَمَّا خَرَجَ بَكَى ، ثُمَّ قَالَ : « كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ » ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ  ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } [آل عمران : 7] ، 

ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 106] فَهُمْ هَؤُلَاءِ، 

فَقُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، هَذَا شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَمْ شَيْئًا تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ ؟ 

قَالَ: «إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْـــهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعٍ » ) ( ) .


[ أَخْبَرَنَا . . . ثنا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رُءُوسِ الْحَرُورِيَّةِ عَلَى بَابِ حِمْصَ - أَوْ بَابِ دِمَشْقَ - وَهُوَ يَقُولُ: 

«كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ» . 

ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي حُذَيْفَةَ، «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» 

وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ فِي الْمُسْنَدِ الصَّحِيحُ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ تَبْذُلُ الْفَضْلَ ". الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا شَرَحْنَا الْقَوْلَ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى هَذَا الْمَتْنِ طُرُقُ حَدِيثِ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

(التعليق - من تلخيص الذهبي)

2654 - صحيح على شرط مسلم  ] ( ) .


هل من المعقول – عندنا نحن أهل السنة والجماعة –  أن يكون هناك مَن يعبد الله تعالى ، ويجتهد في العبادة ، ثم يجعله الله تعالى ، كلباً في نار جهنّم ؟ !

كيف (  وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين  ) ( )  ؟ !

ويقول تعالى : (   إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) ( ) .

فالذي يظهر بلا أدنى شك ، أن هؤلاء الذين يدّعون الإيمان والعمل الصالح ، فيهم خلل كبير وعظيم ، وإلا فـ(   إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( ) .

ونؤمن يقيناً : (  إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  ) ( ) .

فكيف مع كل تلك العبادات المشهورة عنهم ، والتي وصفها النبيّ  ، ومع هذا ، فهُم كلاب أهل النار ؟ !

يظهر أن في أعمالهم خللاً ونقصاً عظيمين ، أودى بهم إلى ذلك المصير الرهيب !

يظهر أن أعمالهم لم تكن حسنة ، وهي الشرط الرئيس لقبول العمل !

حيث [  إحسان العمل : أن يريد العبد العمل لوجه الله ، متبعا في ذلك شرع الله. 

فهذا العمل لا يضيعه الله، ولا شيئا منه ، بل يحفظه للعامليــن، ويوفيــهم مـــن الأجــر، بحسب عملهم وفضله وإحسانه ] ( ) 

فالعمل الحسن ، الذي يقبله الله ، تعالى ، له شرطان :    1 - الإخلاص   2 - الصواب :

[  قال الفضيل بن عياض رحمه الله: " أخلصه وأصوبه " قيل يا أبا علي: "ما أخلصه وأصوبه " ؟. فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا ، لم يقبل . 

وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا.


والخالص: أن يكون لوجه الله، والصواب: أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة   ] ( ) . 


ولذلك [  روي عن على بن أبى طالب  من طرق، أنه قال عن الخوارج : هم قوم ضل سعيهم، وعموا عن الحق، بغوا علينا فقاتلناهم ] ( ) . 


[ وقال فيهم سعد ( بن أبي وقاص ) : أولئك قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم ] ( ) . 


و[   كَانَ رَأْيُ بن عُمَرَ فِي الْحَرُورِيَّةِ قَالَ كَانَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتِ الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ. 


قُلْتُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ

 وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ 

وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ هُمْ شِرَارُ أُمَّتِي يَقْتُلُهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ 

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعًا هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ يَقْتُلُهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ 

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ همْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ 

وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ 

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ شَرُّ قَتْلَى أَظَلَّتْهُمُ السَّمَاءُ وَأَقَلَّتْهُمُ الْأَرْضُ 

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحوه 

وَعند أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعًا فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ يَقُولُهَا ثَلَاثًا 

وَعند بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ] ( ) .


إذاً فالإخلاص مهمّ جدّاً ، وضروري ، وهو ركن العمل الحسن ! 

فليحذر المسلم أن يتيه عنه ، وهو يقول ويعمل ، ويقوم ويقعد ، ويتعب ويجتهد !

فإذا تاهَ عنه فسيكون مصيره كالخوارج ؛ فيصبح من شرار الخلق والخليقة ! ومن ثم كلب من كلاب أهل النار ! وهو يزعم أنه يريد أن يكون من أهل جنـة الفردوس الأعلى !


ولا يكون كل مسلم خطّاء عاص ، كلب من كلاب أهل النار ، إلّا إذا شوّه الصورة الجميلة للإسلام العظيم ، بأفعاله القبيحة ، وأعماله المشينة ، 

بحيث تنساب أمراضــه وعُقَده النفسية من داخله إلى الظاهر ، فيلبسه لباس الإسلام والقرآن والسنة وعمل السلف الصالح .   

أما إذا كان المسلم مجرد عاص مرتكب للذنوب ، من غير أن يساهم في تشويه دين الله تعالى ، فلا يكون كلباً من كلاب أهل النار !

وذلك لأن استغلال دين الله تعالى ، واستخدام اسمه عند ارتكاب السلوك المشينة ، عظيم من العظائم !  

لأن الله تعالى يغار على دينه . فإذا كان بشراً من البشر لا يسمح ولا يقبل أن يتدخل أحد في حزبه فيشوهه ، فكيف برب البشر ؛ رب العالمين ؟ !


( خامساً ) / – الحجة على الخلق أجمعين ، هي فقط في كلام الله تعالى ، وسنة رسول الله  .

ليس في كلام أحـــد ، غير الله تعالـــى ، وغير رسوله محمد  ، حجة ، بحيث يُفرض على الناس ، كائناً مَن يكون القائل ، أو الآمر !

وأما الإجماع ؛ فهو يستمد قوته وقطعيته من معيـن الكتـاب ، أو السنة ، وهو مذكور في مظانه من علم أصول الفقه . 

فحتى لو قال أبو بكر الصدّيق  ، قولاً - فَرَضاً – أو اجتهد ، فيحتمل أن يخطأ لأنه غير معصوم ؛ ، وهو أفضل هذه الأمة بعد نبيّها  ، و  ، فكيف بغيره ؟ ! 

بمعنى أنه لا يستطيع أحد أن يفرض رأيه على المسلمين . 

ومع هذا ، فإذا اختلف إجتهاد أولئك الأئمة ، يُقدّم الإجتهاد الأقرب إلى روح النص وفقهه . 

ولاسيمـــا من الذين شهد لهم النبيّ  بالعلم والإمامة ! إذا لم يعارض آية ، أو سنة ! 

ولكلِّ علمٍ ، وأمرٍ ، ومجالٍ ، مُختصّوه ، إختصّوا  وتبحّروا في ذلك العلم والمجال ، يرجع الناس إليهم ، وجوباً :  

  يقول تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا ) ( ) .


[ هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. 

وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، 

بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. 

فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. 

وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه ، 

ولهذا قال : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي : يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة . . .

وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، 

والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه ، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لافيحجم عنه؟

ثم قال تعالى : { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي : في توفيقكم وتأديبكم ، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون ، { لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا } 

لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر . فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم ] ( ) 


[  وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ   ] ( ) . 


ويقول تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ( ) .

أما الحجة ، فهي فقط – كما ذكرنا – في كلام الله تعالى ، وسنة رسوله  ، لا غيرهما :

قال تعالى : (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيل  ) ( ) .

[  أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله 

أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، 

لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.

فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة ، بل مؤمن بالطاغوت ، كما ذكر في الآية بعدها 

{ ذَلِكَ } أي : الرد إلى الله ورسوله     { خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } 

فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم  ] ( ) 


الحاكم هو الله وحده :

وقد أجمع المسلون على أن الله تعالى وحده هو الحاكم ، ولا حاكم غيره .

قال الدكتور عبد الكريم زيدان :

[ وعلى هذا فالحاكم ، أي الذي يصدر عنه الحكم ، هو الله وحده ، فلا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا ما شرعه ، وعلى هذا دلّ القرآن وأجمع المسلمون . ففي القرآن قوله تعالى : (( إن الحكم إلا لله )) ( )  (( ألا لَهُ الحكم )) ( ) .

وعلى هذا الأساس كان الحكم بغير ما أنزل الله كفراً ، لأنه ليس لغير الله سلطة إصدار الأحكام قال تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) ( ) .

وما وظيفة الرسل إلا تبليغ أحكام الله ، 

وما وظيفة المجتهدين إلا التعرف على هذه الأحكام والكشف عنها بواسطة المناهج والقواعد التي وضعها علم الأصول ] ( ) .

وقال الدكتور حمد عبيد الكبيسي :

[ من خصائص الشريعة الإسلامية : أنها تشريع سماوي ، يصدر الحكم فيها عن الله سبحانه ، فالحاكم ومصدر الحكم حقيقة هو الله تعالى ، أما مايقررِّه علماء أصول الفقه من أن هناك أصولاً وأدلة أخرى للحكم ، فإنهم يعنون بها تلك المسالك التي يكتشف بها حكم الله تعالى ، فهي أصول بالمعنى المجازي لا الحقيقي .

وقد أجمع على هذا المسلمون ، فاتفقوا على أنّ الحاكم هو الله سبحانه ، وأنه لا شرع إلا منه ، 

وقد استند هذا الإجماع إلى نصوص من الكتاب : ( إن الحكم إلا لله ) ( يوسف : 40 ) ،( وأن احكم بينهم بما أنزل الله )     ( المائدة : 49 ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )  ( المائدة : 47 ) ] ( ) .

( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) ( ) .

[ يقول تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ } من أصول دينكم وفروعه، مما لم تتفقوا عليه { فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } يرد إلى كتابه، وإلى سنة رسوله، فما حكما به فهو الحق، وما خالف ذلك فباطل  ] ( ) .

[  أَيْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ { فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } أَيْ هُوَ الْحَاكِمُ فِيهِ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نبيّه صلى الله عليه وسلم، كقوله جلَّ وعلا: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرسول } ] ( ) .

وقال الإمام أبو حامد الغزالي ، رحمه الله :

[ أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه لا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له 

أما النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم، 

ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر. 

فإذاً الواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته ] ( )  .

وقال الإمام الشافعي رحمه الله :

[ وما سَنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكمٌ، فبِحُكْم الله سنَّه. وكذلك أخبرنا الله في قوله: " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ ... ] ( ) .

فالحجة في كلام الله تعالى وحده ، وكلام رسول الله  ، وذلك بأمر من الله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا  ) ( ) .

قال الشيخ السعدي ، رحمه الله :

[ ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام، فقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله  ] ( ) .

قال رسول الله  :  " تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا : كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ "  ( )  . 

ولهذا ثبت عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، ومجاهد ، ومالك ، رحمهما الله ، أنهم قالوا : ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .

فليس هناك معصوم غير النبيّ  . فكل إمام بعده  ، معرّض للخطأ ، ويحتمل كلامه الصح والخطأ ، وليس كلامه حجة على أحد .

فإذا قال أحد الأئمة أو العلماء قولاً أو كلاماً – إجتهاداً منه في فهم نص ، أو في إنزال النص على الواقع – فلا يلزم إجتهاده أحد . 

سواء كان المجتهد صحابيّ ، أو تابعي ، أو أتباعهم ، فكيف بغيرهم ؟

فترى بعض المسلمين ، عندما تخالفهم ؛ في اختيار اجتهاد بعض الأئمة وأفهامهم في النصوص ، على ما اختاروا هُم من اجتهاد وأفهام بعض العلماء أو الأئمة ، 

تراهم يحتجّون عليك بالكتاب والسنة ! 

وأنت تنتظر منهم أن يأتوك بآية من القرآن الكريم ، قطعية الدلالة في الموضوع المختلف فيه ، أو حديث للنبيّ  ، قطعية الدلالة والثبوت . 

وإذا تتفاجأ في احتجاجهم ، بقولهم : 

قال الحافظ ابن تيمية كيت وكيت ! أو قال الإمام أحمد كذا وكذا ! أو قال الإمام مالك كيت وكيت ! وقال فلان وعلان كيت وكيت !  

أين الكتاب والسنة اللذين احتجوا بهما ؟ ! الجواب : هما من ضمن كلام أولئك الأئمة !


وهل الذين خالفوهم في اجتهاداتهم وأفهامهم ، يحتجّون ، ويستمدّون من التوراة والإنجيل ؟ !


بل في أحيان كثيرة ، تراهم يخالفون هُم الكتـــاب والســنة  ! ! ويخالفون اجتهادات ، وأفهام علمائهم ، الذين يحاربون المسلمين بأقوالهم !


فعلى سبيل المثال ، وليس الحصر . نأتي بمثال واضح مشهور ، على مخالفتهم للكتاب والسنة وأقوال علمائهم ، ليتضح أنّ استخدام مصطلح ( الكتاب والسنة ) هو مجرد شعار ، يُصطاد به مَن لا علم لديه !


مسألة القنوت في صلاة الفجر :


ونحن نختصر الطريق ، فلا نستدل على سنيته ، بأحاديث النبيّ  ، أو بأقوال الأئمة الكبار في خير القرون .


بل نتنازل عن تلك الأدلة كلها ، ونفرض جدلاً ، أنّ اجتهادهم صحيح ، 

فنوافقهم : أن القنوت في صلاة الفجر ، كان عند النازلة فقط ، وقد فعله النبيّ  ، فترة من الزمن ثم تركه ! 

نفرض ذلك جدلاً ، موافقة لهم !


فلنأتِ إلى الكتــاب ( القرآن الكريم ) ، الذي يحتجون باسمه ، لنرَ بماذا يأمر ؟ :

يقول تعالى : (  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  ) ( ) . 


فالله سبحانه وتعالى ، ينهى هنا عن التفرّق ، ويعتبر الأخوة بين المؤمنين ، من نِعَمه العظيمة ، التي يمنُّ بها عليهم . وأدنى درجات الأخوة هو سلامة الصدر فيما بينهم ، وعدم البغض والحقد، وعدم وجود العداوة من بعضهم لبعض ! 


ويقول تعالى : (  وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ   ) ( ) .

فالله تعالى هنا ، ينهى عن التفرّق والإختلاف ، أيضاً ، ويتوعّد المتفرّقين والمختلفين بالعذاب العظيم ! 

والآيات الكريمة في هذا الباب كثيرة .


ولنرَ بماذا يأمر رسول الله  ، عامة ، ثم خاصة في هذا الباب الذي نحن بصدده :


عن عبد الله بن مسعود  ، أنه قال : (   سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً، سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: « كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ »، 

قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ قَالَ: « لاَ تَخْتَلِفُوا ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا» ) ( ) .


فالنبيّ  ، هنا قد حكم للمُختلِفَين – في قراءة القرآن الكريم – ليس بالصواب فحسب ، بل بالإحسان ! وينهى عن الإختلاف . 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،  : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ) ( ) 


فالنبيّ  ، ينهى المؤمنين عن التباغض فيما بينهم ، والتحاسد ، والتدابر . 

ويأمرهم بالأخوة ؛ التي هي المصافاة ، والمحبة ، والتعاون .

وينهى النبيّ  ، هنا ، صراحة ، وبكل وضوح ، بحيث لا يتحمّل أدنى شك ، كلاماً ظاهراً بيّناً .

ينهى عن هجر المسلم أكثر من ثلاثة أيّام ! ويقول : لا يحل . أي : هو حرام !  


وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ،  قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» 

قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: «فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا» ) ( ) .


فالنبيّ  ، ينهى المؤمنين ، عن الإختلاف في الوقوف مع البعض  ، لأنه يؤدّي إلى اختلاف القلوب ، فكيف باختلاف القلوب نفسه ؟ ! 


وقَالَ رسول الله  : ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، 

وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ ) ( ) .


وهنا يأمر النبيّ  ، المأمومين بعدم الإختلاف مع إمامهم في الصلاة ، ويأمرهم بموافقتهم ! 

حتى إنه يأمر المأموم بالصلاة قعوداً ، وهم أصحاء غير مرضى ، إذا صلى إمامهم قاعدا وهو مريض . 

علماً أنّ القيام ركنٌ من أركان الصلاة !


فهنــا يأمــر النبيّ  المسلم ، بتـرك ركـن من أركان الصلاة ، من أجل موافقة الإمام ، وعدم مخالفته ! 


و(  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَـةَ الصَّــفِّ مِنْ حُسْـــنِ الصَّلاَةِ " ) ( ) .

وهنا ينهى النبيّ  ، نهياً واضحـاً صريحاً ، بلا أدنى شك ، أو غموض . 

ينهى المأموم عن الإختلاف مع الإمـام ،     ( فلا تختلفوا عليه ) .


 فهل يفيد أمر النبيّ  ، ونهيه ، عند مَن يدّعي اتباع السنة ؟ !

ثم بعد ذلك ،  فلننقل أقوال ، وأوامر الأئمة ، والعلماء ، الذين يُعتبرون – عند أدعياء اتباع السلف – من أئمة وعلماء السلف الصالح !  


قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله  :

[ ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد 

فإذا قنت قنت معه وإن ترك القنوت لم يقنت 

فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) 

وقال : ( لا تختلفوا على أئمتكم ) 

وثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ) 

ألا ترى أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة وطولهما على الأوليين : لوجبت متابعته في ذلك فأما مسابقة الإمام فإنها لا تجوز 

فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه : فلا بد من متابعته ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمنى ثم إنه صلى خلفه أربعا فقيل له : في ذلك ؟ ! 

فقال : الخلاف شر 

وكذلك أنس بن مالك لما سأله رجل عن وقت الرمي فأخبره ثم قال : إفعل كما يفعل إمامك والله أعلم ] ( ) . 

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : [ فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعدُ بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنُتون حيثُ قنت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركُونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولون: فِعله سنة، وتركُه سنة، 

ومع هذا فلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفاً للسنة، 

كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكه مخالفاً للسنة، 

بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن ] ( ) .


وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله: 

ثم إذا كان الإنسان مأموماً هل يتابع هذا الإمام فيرفع يديه ويؤمن معه، أم يرسل يديه على جنبيه؟

* والجواب على ذلك أن نقول: بل يؤمن على دعاء الإمام ويرفع يديه تبعاً للإمام خوفاً من المخالفة.

وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا ائتم برجل يقنت في صلاة الفجر، فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، 

مع أن الإمام أحمد رحمه الله لا يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر في المشهور عنه، 

لكنه رحمه الله رخص في ذلك؛ أي في متابعة الإمام الذي يقنت في صلاة الفجر خوفاً من الخلاف الذي قد يحدث معه اختلاف القلوب.

* وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته كان يتم الصلاة في منى في الحج، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة ، لكنهم كانوا يتابعونه ويتمون الصلاة. 

ويذكر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن كيف تصلي مع أمير المؤمنين عثمان أربعاً ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر يفعلون ذلك؟ فقال رضي الله عنه: "الخلاف شر". انتهى .

وسئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، رحمه الله :

السائل: أحيانا نصلي وراء مثل هؤلاء الناس الذين يقنتون مداومة فترى أن بعض الإخوة لا يرفعون أيديهم ولايؤمنون وراءه فما حكم ذلك ؟

الشيخ : هذا طبعا لايجوز لانه يخالف قوله عليه السلام كما نذكر دائما وأبدا ( إنما جعل الإمام ليؤتم بـه فلا تختـلفوا عليه ) 

فينبغي متابعة الإمام في مثل هذه المسائل الخلافية بين العلماء قديما فضلا عن ذلك حديثا 

فيتابع هذا الإمام ولو كان المتابع لا يرى شرعية في ذلك فيما لو صلى لنفسه هذا هو الجواب 

وقال الشيخ ربيع المدخلي : 

إذا صلى الإمام وقنت فاقنت معه  .

وكذلك يقول الشيخ صالح الفوزان .

وقال الشيخ ابن باز ( وهو لا يؤمن بسنية القنوت في صلاة الصبح دائماً ) : 

لكن لو صليت خلف إمام يقنت فلا حرج لأنه له قول وله شبهة وقد جاء في بعض الأحاديث الضعيفة ، 

فلو صليت خلفه فلا حرج عليك ، ولو قنتَّ معه وأمّنت معه لا حرج  


وقال الحافظ ابن تيمية : [  وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ إلَى تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ بِتَرْكِ هَذِهِ الْمُسْتَحَبَّاتِ ( يقصد الجهر بالبسملة ) لِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّأْلِيفِ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا 

كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْيِيرَ بِنَاءِ الْبَيْتِ لِمَا فِي إبْقَائِهِ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ 

وَكَمَا أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى عُثْمَانَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ صَلَّى خَلْفَهُ مُتِمًّا. وَقَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ  ] ( ) . 

وقال أيضاً :

[  مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِمَاعِ الدِّينِ: 

تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعَ الْكَلِمَةِ وَصَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ 

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنِكُمْ }  

وَيَقُولُ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } 

وَيَقُولُ : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . 

وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تَأْمُرُ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف وَتَنْهَى عَنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ ] ( ) .

فهل أوامر الله تعالى ونهيه ، وأوامر رسول الله  ، ونهيه ، وأوامر علمائهم وأئمتهم ، تفيد مع أدعياء أتباع السلف الصالح في شيء ؟ !

بل يخالفون أوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله  ، وأوامر علمائهم ، 

فيختلفون مع الإمام الذي يصلون خلفه عامداً متعمداً – في أمر إجتهاديّ ظنيّ – ضارباً عرض الحائط كل تلك الأوامر الشرعية ، تحزّباً وتعصّباً ! 

جئنا بمثال واحد ، على إهمال أدعياء أتباع السلف ، لأوامر الله تعالى ، ونهيه ، وأوامر رسوله  ، ونهيه ، وأوامر أئمتهم وعلمائهم ! 

طالما هناك أمر من غيرهم ، يأتي من وراء الكواليس ! ! 

ثم يُدّعــى اتبـاع الكتاب والسنة والسلف الصالح  مِن قِبَلهم !

ولا بــأس أن نأتـي بمثــال آخر ، في اســـتخدام مصطلـح ( الكتاب والسنة ) و ( السلف الصالح ) ، في اصطياد مَن لا علم لديه ، لتكثير السواد ، وتنفيـذ ما يريده مَن هو قابـعٌ وراء الكواليس !

الذكر بعد الصلوات ، ورفع الصوت بالذكر ، والجهر به ، ومكوث المصلي بعدها في مكانه  .

هذه عدة مواضيع ، نذكرها سريعاً ، ونستدل بها مختصراً وعلى عجالة ، وذلك أن التفصيل في هذه المواضيع ليس هنا موضعه .

يقول تعالى : (  فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم  ) .

يأمر الله تعالى بالذكر بعد الإنتهاء من الصلاة ، أمراً واضحاً صريحاً .

عقد الإمام مسلم ، رحمه الله ، في صحيحه باباً ، قال فيه : [  بَابُ اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ   ] .


1 - (  عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: « اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » 

قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: " كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ "  ) ( ) .


أي : كان النبيّ  - بعدما يسلّم من صلاته – يقول وهو جالس : أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركتَ ذا الجلال والإكرام . 


2 – (  عَنْ وَرَّادٍ، مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، 

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ، 

قَالَ : « لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ »  ) ( ) .

كان  ، يقول – بعد السلام والخروج من الصلاة - : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد .


3 – (  عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ 

« لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَــهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » 

وَقَالَ : « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ »   ) ( ) .

كان  - بعد السلام من الصلاة – يقول : 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . 


4 – (  عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

«مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً »  ) ( ) .


5 – (  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ : 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيـرٌ 

غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَـتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "  ) ( ) .

وهذه هي الأذكار المشهورة ، التي سنّها لنا النبيّ  ، دبر الصلوات المفروضـة ، بعـد السـلام والخـروج منها : 

سـبحان الله ( 33 مرة ) ، الحمد الله ( 33 مرة ) ، الله أكبر ( 33 مرة ) ،  لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( مرة واحدة ) .


6 – (  كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: 

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: 

« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِــكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ »، فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ  ) ( ) .


أي : أنّ النبيّ  ، كان يقول – بعد السلام والخروج من الصلاة - : 

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. 


7 – (  عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا أَن يَمُوت   ) ( ) .

أي من السنة – بعد السلام والخروج من الصلوات المفروضة – قراءة آية الكرسي .


وهناك أذكار كثيرة بعد السلام من الصلوات المفروضة ، تركتها ، ولم آتِ بها خشية الإطالة . كان رسول الله  ، يقولها ، وسنّها لنا .

فهل الذين يقومون ، ويخرجون من المسجد ، فور السلام من الصلاة والخروج منها - وكأنّ غضب الله  ينزل ، فلا يريدون أن يصيبهم ذلك الغضب ! 

وكأنهم جالسون على جمرات النار !

هل هؤلاء يتّبعون سنة رسول الله  ؟ !


والتي ذكرتها من الأذكار ، بعد السلام من الصلوات المفروضة ، هي غيض من فيض . وهي سنة النبيّ  .

وسأذكرها جميعاً معاً ، ونتخيّل أنّ النبيّ  ، قد سلّم وخرج من الصلاة فقالها :


أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركتَ ذا الجلال والإكرام . لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد . لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . سبحان الله ( 33 مرة ) ، الحمد الله ( 33 مرة ) ، الله أكبر ( 33 مرة ) ،  لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   ( مرة واحدة ) . 

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ . 

قراءة آية الكرسي ، وقراءة قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة مرة واحدة، إلا في المغرب والفجر فيكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات ، 

و بعد صلاة المغرب والفجر يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث.

هذا – كما ذكرنا غيض من فيض – من الأذكار التي كان رسول الله  ، يقولها ، بعد السلام من الصلوات المكتوبة !

إلى غيرها من الأحاديث الكثيـرة ، التـي تـذكر أذكـار النبيّ  ، دبر الصلوات ، وكذلك ذكر أصحابه  ، لا يسعنا أن ننقلها هنا كلها . 

فأين الذين يفّرون إلى خارج المسجد ، بعد السلام من الصلاة مباشرة ، أين هم من سنة النبيّ  ؟ ! 

8 – (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ "  ) ( ) .

 

وفي رواية أخرى ، للبخاري في صحيحه ، أيضاً ، عن أبي هريرة  : (  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ "   ) .

فَإِذَا صَلَّى ، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ !

أما لفظ مسلم فهو : (  وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْه . . .   ) .


وكان رسول الله  ، لا يخرج من المسجد بعد السلام من الصلاة مباشرة ، بل يذكر الله تعالى ، حتى ينصرف النساء فيدخلن بيوتهن !


كم كان يستغرق من الوقت ، من حين انصراف النساء من المسجد ، إلى وصولهن ، ودخولهن بيوتهن ؟ الله أعلم ! 


9 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَتْ كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ( ) .

أما بعد صلاة الفجر فكان  ، لا يقوم من مكانه ، الذي صلى فيه حتى تطلع الشمس ! 

ليس هو وحده  ، يبقى في المسجد ، بل الصحابة ، رضوان الله عليهم ، أيضاً كانوا يبقون ! 


10 - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ : نَعَمْ كَثِيرًا،  « كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، 

وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ» ( ) .


11 - كَانَ ابْنُ عُمَرَ: « يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الفَرِيضَةَ وَفَعَلَهُ القَاسِمُ » ( ) .

[  قال ( ابن بطال ) من أراد أن تحط عنه الذنوب بغير تعب فليغتنم ملازمة مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له فهو مرجو إجابته لقوله تعالى "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) 

وروي من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له وتأمينهم إنما هو مرة واحدة عند تأمين الإمام ودعاؤهم لمن قعد في مصلاه إنما هو ما دام قاعداً فيه فهو أحرى بالإجابة 

وقد شبه - صلى الله عليه وسلم - انتظار الصلاة بعد الصلاة بالرباط وأكده بتكرار مرتين بقوله (فذلكم الرباط) 

فعلى كل مؤمن سمع هذه الفضائل الشريفة أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا يمر عنه صفحاً ] ( ) .


أما موضوع رفع الصوت بالذكر والجهر به ، بعد الصلوات المفروضة :


12 - فعن عبد الله ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم ) 

ويقول - رضي الله عنه - :   ( كنت أعلم إذا انصرفوا في ذلك إذا سمعته ) رواه البخاري . ورواه الإمام أحمد وأبو داود .

وفي رواية للبخاري ( 806 ) ومسلم ( 583 ) عن ابن عباس قال : ( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير ) .

فممن ذهب إلى رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة : الطبري وابن حزم وشيخ الإسلام وغيرهم .

أ - قال ابن حزم رحمه الله : " ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن " انتهى من "المحلى" (3 /180) 

ب - ونقل البهوتي في "كشاف القناع" (1/366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر : " ( قال الشيخ [ أي : ابن تيمية ] : ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة " .

ج- قال الشيخ ابن باز : السنة رفع الصوت بالأذكار كلها بعد الصلوات، بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . . . فالمقصود أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع الصوت بالذكر وهكذا الصحابة بعد السلام، ولهذا سمعه الصحابة ونقلوا ذكره -صلى الله عليه وسلم- سمعوه يقول إذا سلَّم: 

( أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، وسمعوه يقول:

 لا إله إلا الله يعني إذا انصرف إلى الناس وأعطاهم وجهه يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد). 

أخبر الصحابة عن النبي بهذا -عليه الصلاة والسلام- ثوبان أخبر عن بعض هذا، وابن الزبير عن بعض هذا، والمغيرة ابن شعبة كذلك، 

كلهم أخبروا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمعونه يأتي بهذه الأذكار، 

وهكذا التسبيح يشرع بعد كل صلاة من الخمس أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر -ثلاثاً وثلاثين مرة- سبحان الله والحمد لله والله أكبر يكررها ثلاثاً وثلاثين مرة. 

النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن من فعل ذلك وختمها بكلمة التوحيد يغفر له، فقال -صلى الله عليه وسلم-: 

(من سبح الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) 

هذا فضلٌ عظيم . . . 

إذاً كونه بصوت عالٍ جماعة غير مشروع سماحة الشيخ؟ 

ج/ مشروع لكن وسط يسمعه من حولهم يسمعه من خارج المسجد أنهم سلموا ما فيه شيء متكلف، صوتاً عادياً مسموع . . . ) .


د - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو، عضو، نائب الرئيس، الرئيس

عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

س1: ماحكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة 

ج1: يشرع رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المكتوبة، لما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:

( إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام)

وأنه قال أيضا (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته)

 ولو وجد أناس يقضون الصلاة سواء كانوا أفرادا أوجماعات وذلك في جميع الصلوات الخمس المفروضة  ) .


هـ - صالح بن عبد الله الفوزان حفظه الله

ما قولك في الجهر بالدعاء والذكر مطلقًا، وبعد الصلاة خاصة‏؟‏ وهل يكون الدعاء والذكر جهرًا أم سرًّا أم بينهما‏؟‏ . . . 

وأما الذكر بعد الصلاة؛ فإنه من السنة الجهر به، حسبما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة؛ بالتهليل والاستغفار بعد السلام ‏

(‏الاستغفار ثلاثًا‏)‏، ثم‏:‏ ‏(‏اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام‏)‏، ‏(‏لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخر هذه الأذكار الواردة؛ يجهر بها  ) .


وقد ردّ الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله ، على شبهات المعترضين ، شبهة شبهة ، فقد :

و - سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله ، عن حكم المسألة فأجاب :

" الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة ، دل عليها ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ) . ورواه الإمام أحمد وأبو داود .

 وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..) الحديث . 

ولا يُسمع القول إلا إذا جهر به القائل .

وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من السلف والخلف ، لحديثي ابن عباس ، والمغيرة رضي الله عنهم . 

والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلا ، أو تسبيحا ، أو تكبيرا ، أو تحميدا لعموم حديث ابن عباس ، 

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير ، 

وبهذا يُعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير .

وأما من قال : إن الجهر بذلك بدعة ، فقد أخطأ فكيف يكـون الشيء المعهـود في عهـد النبي صلى الله عليه وسلم بـدعة ؟!  قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله : 

( ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره ، 

وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه ، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم ، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم ) .

وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ) .

فنقول له : إن الذي أٌمِر أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة ، 

فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله ، 

أو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المراد ولكن خالفه ، 

ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره ( بالغدو والآصال ) وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات ، 

وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ . 

وأمــا احتجاج منكر الجهر أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم ...) الحديث .

فإن الذي قال : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم ) هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة ، 

فهذا له محل ، وذاك له محل ، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله .

ثم إن السياق في قوله : ( أربعوا على أنفسكم ) يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعا بليغا يشق عليهم ويتكلفونه ، 

ولهذا قال : ( أربعوا على أنفسكم ) . أي : ارفقوا بها ولا تجهدوها ، 

وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد 

أما من قال : إن في ذلك تشويشا .

فيقال له : إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك ، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش ، 

وإن أردت أنه يشوش على المصلين ، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع ، لأنهم مشتركون فيه ، 

وإن كان فيهم مسبوق يقضي ، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته ، وإن كان بعيدا منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك .

وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة ، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح " انتهى .

وقال أيضا : " لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش ، 

كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش ".

وقال رحمه الله : " فالمهم أن القول الراجح : أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع ، وأنه يسن الجهر به أيضا - أعني رفع الصوت – 

ولا يكون رفعا مزعجا فإن هذا لا ينبغي ، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال : ( أيها الناس ، أربعوا على أنفسكم ) ، 

فالمقصود بالرفع ، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج " انتهـــــــــــى من "مجمـــوع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/247، 261)  ) .


وأخيراً قال الشيخ محمد بن صالح المنجد :

( قد تبين مما ذكرنا أن الأمر فيه سعة ، وأن الخلاف في المسألة قديم ، ولعل الراجح هو ما ذكره الشيخ ( يقصد الشيخ ابن عثيمين ) رحمه الله من رفع الصوت ، لكن يكون رفعا من غير إزعاج .

وأما من أشرت إليهم من العوام وكبار السن ، فإنه سيعتادون ذلك بعد مدة ، وقد يكون من المناسب قراءة كلام الشيخ عليهم ، ليعلموا السنة ، ويرغبوا في تطبيقها .

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .

والله أعلم ) .

إبن تيمية وابن حزم والطبري وابن باز والعثيمين وسليمان بن سحمان ومحمد بن صالح المنجد وعبدالله بن قعود وعبدالله بن غديان وعبدالرزاق عفيفي وصالح الفوزان . . .  وغيرهم كلهم يقولون : رفع الصوت بالذكر بعد الصلوات المفروضة ( الصبح ، الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء ) : سنة !


فهل الذين يدّعون اتّباع الكتاب والسنة والسلف الصالح ، ويعتبرون هؤلاء العلماء ، هم علماء وأئمة السنة ،  هل يأخذون بأقوالهم هذه التي نقلناها عنهم ؟ أم يقولون : عنزة ولو طارت ؟ !


فالقصد من كل هذا الكلام ،  هو أن نبيّن بوضوح ، أنّ هناك مَن يتزايدون على المسلمين ، باسم الكتاب والسنة والسلف الصالح ، وهُم أبعد ما يكونون عن ذلك  ! !


وعند المناقشة ، أو المحاورة ، أو الدعوة لجماعتهم ، يدّعون الإلتزام بالكتاب والسنة وطريق السلف الصالح ! 

وذلك زخرفة لأقوالهم ، ولجماعتهم ، وتجميلها ، والدعاية لها ، وتشويهاً لطريق مخالفيهم ، وتنفيراً لهم ! 


وعند الإختلاف مع المسلمين ، والإحتجاج عليهم ، إذا بهم يقولون : قال فلان ، وقال علان ! 

أي : يحتجون – عملياً – بأقوال الرجال ، واجتهاداتهم ! ! وينسون الكتاب والسنة والسلف الصالح ؟ !


وفي أحيان كثيرة ، لا يلتزمون حتى بأقوال علمائهم ، طالما كانت تلك الأقوال تحث على الأخوة والألفة بين المسلمين ! 


أما الأقوال التي تفرّق ، وتبعث على الخلاف والحقد ، والقطيعة بين المسلمين فيطيرون بها !  





(سادساً) / : هناك فرق بين الحُكم وبين الفتوى .


فالحكم ثابت أبد الدهر لا يتغيّر ، طالما جاء في نصوص الكتاب والسنة . 

فمن أراد أن يغيّر الحكم فقد ضلّ ضلالاً مبيناً ، وهو من أهل النّار !


يقول تعالى : (  وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ  ) ( )  .

ويقول تعالى : (  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون ) ( ) .   


[  فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر ، وقد يكون كفرا ينقل عن الملة، وذلك إذا اعتقد حله وجوازه . وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد  ] ( ) .


فالحكم ثابت لحالات المكلّف الإعتيادية ، لا يتعلق بالزمان ولا المكان ، ولا يتعلق بالظروف الإستثنائية له .  


ولتوضيح المعنى نستطيع أن نقول : إنّ الحُكم هو أشبه ما يكون بالعزيمة .

 

و [ العزيمة تطلق على الأحكام الشرعية التي شرعت لعموم المكلفين ، دون نظر إلى ما قد يطرأ عليهم من أعذار ، 

فهي أحكام أصلية ، شرعت ابتداءً لتكون قانوناً عاماً لجميع المكلفين في أحوالهم العادية ، 

ولم ينظر في تشريعها إلى ضرورة أوعذر كالصلاة وسائر العبادات . 

وهي تتنوع إلى أنواع الحكم التكليفي : من وجوب وندب وكراهة وإباحة ، ولا تطـلــق عنــد المحققيـن إلا إذا قابلتها رخصة ] ( ) .


أما الفتوى فهي إنزال الحكم وتطبيقه على الواقع والأشخاص ، حسب الزمان والمكان ، وأحوالهم وظروفهم .

 

ونستطيع أن نقول : أنّ الفتوى في بعض الأحيان تشبه – إلى حد بعيد – الرخصة . 

والرخصة [ هي الأحكام التي شرعها الشارع ، بناءً على أعذار المكلفين ، ولولاها لبقي الحكم الأصلي ، 

فهي حكم استثنائي من أصل كلّي ، 

وسبب الاستثناء ملاحظة الضرورات والأعذار دفعاً للحرج عن المكلف ، 

وهي في أكثر الأحوال تنقل الحكم الأصلي من مرتبة اللزوم إلى مرتبة الإباحة ، 

وقد تنقله إلى مرتبة الندب أو الوجوب ] ( ) .


يقول الله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه . . .  ) ( ) .


فهـذا حكم الله تعالى في تحريم هذه اللحوم ، تحريمـاً قاطعـاً ، لا شك فيه ولا خلاف : الميتة ، الدم ، لحم الخنزير وما ذُبِح لغير الله تعالى . 

فلا يجوز أكل هذه اللحوم ، لأن الله تعالى قد حرّمها ، بنص صريح واضح لا لبس فيه .


ولكنّ الله تعالى يقول بعد هذا التحريم ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم ) ( ) .


فعند الإضطرار لا بأس بأكلها ، بحسب الحاجة لا زيادة عليها [ لأن حفظ الحياة ضروري ، فأباح الشارع الحكيم أكل الميتة عند الجوع الشديد الذي يخاف فيه تلف النفس ] ( ) . 


فهذه الشريعة الغراء قد جاءت من أجل مصلحة الإنسان ، وقد حرّم الله تعالى تلك اللحوم حتى لا تضرّ بصحته . 

فإذا وقـع الإنسان في ظرف عصيب ، وشارف على الموت ، بسبب الجوع الشديد ، أباح الله له تلك المحرمات ؛ أن يتناول منها بحسب حاجته الضرورية لا أكثر ، لانقاذ نفسه من الهلاك . 

بل تُرفع الحرمة وتزال في تلك الحالة ، فلا يبقى حرام !

ولا يجوز له أن يضحي بحياته خوفا على صحته ! 

فإذا لم يتناول تلك اللحوم ، ومات من جراء ذلك ، دخل النار ، كما قال الإمام أحمد ، رحمه الله .

وفي تلك الحالة – كما ذكرنا – يرتفع التحريم .

 بل قالوا يتلاشى الضرر على الصحة ، في الأخذ بالكيفية التي حدّدها الشارع الحكيم ! 

فإنّ المعدة إذا كانت فارغة تماماً – كما في الجوع الشديد – فلا تضره تلك اللحوم ، بالكمية التي أباحها الشارع للمضطر ، فإنّ المعدة تسحقها تماماً في تلك الحالة ، ولا تُبقي من أضرارها شيء .


والرُخَص التي شرعها الله تعالى ، أنواع :


[  أولاً – إباحة المحرم عند الضرورة : كالتلفظ بكلمة الكفـر مع اطمئنـان القلـب إذا أُكره على ذلك بالقتل ، قال تعالى : (  إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان ) ( ) ، 

ومثله : أكل الميتة وشرب الخمر ، لأن حفظ الحياة ضروري ، فأباح الشارع الحكيم أكل الميتة عند الجوع الشديد الذي يخشى فيه الهلاك ، 

ومنه أيضاً : إتلاف مال الغير عند الإكراه عليه إكراهاً يؤدي إلى تلف النفس أو عضو منها .


ثانياً – إباحة ترك الواجب ، 

مثل : الفطــر في رمضــان للمسافر والمريض دفعاً للمشقة . . .


ثالثاً – تصحيح بعض العقود التي يحتاجها الناس ، وإن لم تجر على القواعد العامة ، 

مثل : بيع السلم ، فقد أباحه الشارع الحكيم مع أنه بيع معدوم ، وبيع المعدوم باطل ، 

ولكن أجازه الشـارع استنثاءً من القواعد العامة في البيوع ، تخفيفاً وتيسيراً على المكلفين ، 

ومنـها أيضــاً : عقــد الاسـتصنــاع ، أبـاحه الشارع مع أنه بيع معدوم لحــاجة الناس إليه ، وفي منعهم منه حــرج وضيـق ] ( ). 


فالمقصود أن الله تعالى قد أنزل هذا الشرع لمصلحة الإنسان .

فـ[ الشَّرِيعَة الإسلامية مَبْنِيَّة على تَحْقِيق مصَالح الْعباد فِي المعاش والمعاد ، 

سَوَاء مَا أمرتْ بِهِ من فَرَائض ومندوبات أَو مَا نهتْ عَنهُ من مُحرمَات ومكروهات فَهِيَ فِي كل ذَلِك تهدف إِلَى تَحْقِيق مَقَاصِد ومصالح وَحكم ، 


يَقُول الإِمَام ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى : " ... فَإِن الشَّرِيعَة مبناها وأساسها على الحكم ومصـالح الْعباد ، فِي المعاش والمعاد ، وَهِي عدل كلهَا ، وَرَحْمَة كلهَا ، ومصالح كلهَا ، وَحِكْمَة كلهَا ،

 فَكل مَسْأَلَة خرجت عَن الْعدْل إِلَى الْجور، وَعَن الرَّحْمَة إِلَى ضدها ، وَعَن الْمصلحَة إِلَى الْمفْسدَة ، وَعَن الْحِكْمَة إِلَى الْعَبَث فليستْ من الشَّرِيعَة ، وإنْ أُدخلتْ فِيهَا بالتأويل ،

 

فالشريعة عدل الله بَين عباده ، وَرَحمته بَين خلقه ، وظله فِي أرضه وحكمته الدَّالَّة عَلَيْهِ وعَلى صدق رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم دلَالَة وَأصْدقهَا ... " ( ) .


فالشريعة إِذاً لَيست تعبّدية تحكّمية تحلّل وتحرّم دون أَن تقصد إِلَى شَيْء وَرَاء أمرهَا ونهيها ، وحظرها وإباحتها ، 


وَبِعِبَارَة أُخْرَى : إِن أَحْكَام الشَّرِيعَة الإسلامية - فِي جُمْلَتهَا - معللة عِنْد الجماهير من أهل الْعلم ( ) وَإِن لَهَا مَقَاصِد فِي كل مَا شرعتْه 

وَإِن هَذِه الْمَقَاصِد وَالْحِكَم معقولة ومفهومة فِــي الْجُمْلَة ، بل معقولة ومفهومة تَفْصِيلًا إِلَّا فِي بعض الْأَحْكَام التعبدية الْمَحْضَة ( ) الَّتِي يصعب تعليلها تعليلاً مفصّلاً ظَاهرا معقولاً 


مثل مَا ورد فِي الْأَحْكَام والعبادات من تحديدات وهيئات ومقادير كعدد الصَّلَوَات وَعدد الرَّكْعَات فِي كل صَلَاة وَجعل الصّيام شهرا وَفِي شهر معِين ، 

وَكَذَا بعض تفاصيل الْحَج وَأَحْكَام الْكَفَّارَات ومقاديرها والعقوبات المحددة (الْحُدُود) ، من حَيْثُ نوعها ومقاديرها 

وَعدد الْأَشْهر فِي الْعدة وَالذّبْح فِي الْمحل الْمَخْصُوص فِي الْحَيَوَان الْمَأْكُول وَغير ذَلِك مِمَّا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ وَلم نطلع عَلَيْهِ . 


فَهَذِهِ الْأَحْكَام التعبدية يصعب تعليلها بالتفصيل - وَإِن كانتْ هِيَ معللة فِي أَصْلهَا وجملتها .


قَالَ الشاطبي : " وَقد عُلم أَن الْعِبَادَات وُضعت لمصَالح الْعباد فِي الدُّنْيَا أَو فِي الْآخِرَة على الْجُمْلَة - وَإِن لم يُعلم ذَلِك على التَّفْصِيل ، وَيصِح الْقَصْد إِلَى مسبباتها - ثَمَرَتهَا وفوائدها - الدُّنْيَوِيَّة والأخروية على الْجُمْلَة " ( ) .


وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِي بعد أَن عرض آراء الْعلمَاء فِيمَا يُعلل وَمَا لَا يُعلل من الْأَحْكَام وَذكر نماذج لتعليلاتهم ، وَفِي معرض ذكر تقسيمه الخماسي للعلل والمقاصد الشَّرْعِيَّة . قَالَ :


 " وَالْقسم الْخَامِس : هُوَ مَا لَا يظْهر لَهُ تَعْلِيل وَاضح وَلَا مقصد محــدد ، لامن بَاب الضرورات ، وَلَا من بَاب الْحَاجَات ، وَلَا من بَاب المكرمات - أَي التحسينات – قَالَ : وَهَذَا ينْدر تصَوره جدا " ( )


ثمَّ مثل لَهُ بالعبادات الْبَدَنِيَّة الْمَحْضَة ، لكنه سرعَان مَا نبه على أَن هَذِه الْعِبَادَات يُمكن تعليلها تعليلاً إجمالياً ، 

وَهُوَ أَنَّهَا تمرن الْعباد على الانقياد لله تَعَالَى 

وتجديد الْعَهْد بِذكرِهِ مِمَّا ينْتج النَّهْي عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر ويخفف من المغالاة فِي اتِّبَاع مطَالب الدُّنْيَا 

وَيذكر بالاستعداد للآخرة ... "  


قَالَ : " فَهَذِهِ أُمُور كُلية لَا ننكر على الْجُمْلَة أَنَّهَا غَرَض الشَّارِع فِي التَّعَبُّد بالعبادات الْبَدَنِيَّة ، وَقد أشعر بذلك بنصوص من الْقُرْآن الْعَظِيم فِي مثل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ( ) .


وَقَالَ ابْن الْقيم : " وَبِالْجُمْلَةِ فللشارع فِي أَحْكَام الْعِبَادَات أسرار لَا تهتدي الْعُقُول إِلَى إِدْرَاكهَا على وَجه التَّفْصِيل ، وإنْ أدركتْها جملَة " ( ) . 


إِن الْعِبَادَات فِي الْإِسْلَام ليستْ مُجَرّد مظَاهر وشعائر وطقوس يُؤَدِّيهَا الْمُسلم لمُجَرّد أَنَّهَا مَفْرُوضَة عَلَيْهِ من ربه فَحسب ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الإذعان والامتثال لأوامر الله وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة لَهُ ، ولاشــك أَن هَذَا مَطْلُوب ومقصود على الْوَجْه الْأَكْمَل ، 

وَلَكِن الْعِبَادَات - إِلَى جَانب هَذَا - تنطوي على غايات نبيلة وَحكم جليلة 

إِذا قَامَ العَبْد بهَا على وَجههَا خَالِصَة لله تَعَالَى اجتنى مِنْهَا ثَمَرَات كَرِيمَة وفوائد عَظِيمَة 

من تَطْهِير النَّفس وتزكيتها وطهارة الْقلب وسلامته مِمَّا ران عَلَيْهِ 

وتنوير البصيرة وانشراح الصَّدْر واطمئنان الْقلب ، ومحبة الله وَرضَاهُ ومحبة عباد الله الصَّالِحين ، 

وَصَلَاح الدُّنْيَا وفلاح الْآخِرَة 

إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْرَار والأنوار وَالْخَيْر الْكثير والنفع الوفير مَالا يَأْتِي عَلَيْهِ حصر، 

فَيُصْبِح بعد ذَلِك عبدا مثالياً ربانياً فِي أنوار مشرقة بعد أَن كَانَ تائهاً فِي ظلمات حالكة كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } ( ) 

وَيكون - إِلَى جَانب كل مَا تقدم - قد حقق الْعُبُودِيَّة الْمَحْضَة لله تَعَالَى وَتَحْقِيق الْعُبُودِيَّة الْخَالِصَة لله غَايَة الغايات ومصلحة الْمصَالح وحِكمة الحِكم وَغَايَة مَا تسمو إِلَيْهِ الهمم ، وأسمى الْمَقَاصِد وأنبلها عِنْد أولي الْأَلْبَاب .

كَمَا أَن لَهَا حكما وأسراراً أُخْرَى لَا يُدْرِكهَا الْعقل الإنساني الْقَاصِر 

لِأَن لِلْعَقْلِ حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ - كَمَا قَالَ الشَّافِعِي - رَحمَه الله - وَمن يُحِيط بِعلم الله وحكمته ؟ { وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ } ( ) 

وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } ( ) .


نخلص من هَذَا إِلَى أَن أَحْكَام الشَّرِيعَة كلهَا معللة - فِي الْجُمْلَة - وَأَن لَهَا غايات نبيلة وَحكما جليلة 


قَالَ ابْن الْقيم :  " لَيْسَ فِي الشَّرِيعَة حكم إِلَّا وَله حِكْمَة وَإِن لم يَعْقِلهَا كثير من النَّاس أَو أَكْثَرهم" ( ) .


وَنَصّ الْآمِدِيّ على أَنه لَا يجوز القَوْل بِوُجُود حكم إِلَّا لعِلَّـة : " إِذْ هُوَ خلاف إِجْمَاع الْفُقَهَاء علـى أَن الحكـم لَا يَخْلُو مـن عِلّـة " ( ) .


وَقَالَ ابْن الْحَاجِب : " ... فَإِن الْأَحْكَام شرعت لمصَالح الْعباد بِدَلِيل إِجْمَاع الْأمة " ( ) .


وَقَالَ ابْن الْقيم : " ... وَالْقُرْآن وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مملوآن من تَعْلِيل الْأَحْكَام بالحكم والمصالح وتعليل الْخلق بهما، 

والتنبيه على وُجُوه الحكم الَّتِي لأَجلهَا شرع تِلْكَ الْأَحْكَام، ولأجلها خلق تِلْكَ الْأَعْيَان ، 

وَلَو كَـــانَ هَــذَا فِـــي الْقُــرْآن وَالسّنة نَحْو مــائَة مَوضِــع أَو مِـــائَتَيْنِ لسقنــاهـا وَلَكِن يزِيد على ألف مَوضِع بطرق متنوعة " ( ) 


ثمَّ نبه على عدد كثير من صِيغ التَّعْلِيل المستعملة فِي الْقُرْآن .


ويؤكد على هَذَا الاتجاه الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام موضحاً أَن الشَّرِيعَة كلهَا معللة بجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد، سَوَاء مِنْهَا مَا وَقع النَّص على تَعْلِيله أَو مَا لم ينص عَلَيْهِ ، 

فَمَا نَص على تَعْلِيله فِيهِ تَنْبِيه على مَا لم ينص عَلَيْهِ 


يَقُول : " والشريعة كلهَا مصَالح ، إِمَّا تدرأ مفاسد أَو تجلب مصَالح ، 

فَإِذا سَمِعت الله يَقُول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فَتَأمل وَصيته بعد ندائه فَلَا تَجِد إِلَّا خيرا يحثّك عَلَيْهِ أَو شرا يزجرك عَنهُ ، أَو جمعا بَين الْحَث والزجر ، 

وَقد أبان فِي كِتَابه مَا فِي بعض الْأَحْكَام من الْمَفَاسِد حثاً على اجْتِنَاب الْمَفَاسِد ، وَمَا فِي بعض الْأَحْكَام من الْمصَالح حثاً على إتْيَان الْمصَالح" ( ) 

ويؤكد فِي مَوضِع آخر وبجلاء أَكثر وأسلوب أوضح على هَذَا الْمَعْنى فَيَقُول : 

" التكاليف كلهَا رَاجِعَة إِلَى مصَالح الْعباد فِي دنياهم وأخراهم وَالله غَنِي عَن عبَادَة الْكل ، لَا تَنْفَعهُ طَاعَة الطائعين وَلَا تضره مَعْصِيّة العاصين ... " ( ) .


وَقَالَ الشاطبي : " إِن وضع الشَّرَائِع إِنَّمَا هُوَ لمصَالح الْعباد فِي العاجل والآجل مَعًا " ( ) .


وَقَالَ أَيْضا: "إِذاً ثَبت أَن الشَّارِع قد قصد بالتشريع إِقَامَة الْمصَالح الأخروية والدنيوية وَذَلِـكَ علـى وَجـه لَا يخْتـل لَهَـا بِـهِ نظام ، لَا بِحَسب الْكل وَلَا بِحَسب الْجُزْء وَسَوَاء فِي ذَلِك مَا كَانَ من قبيل الضروريات أَو الحاجيات أَو التحسينات " ( ) .


وَقد كرر هَذَا الْمَعْنى فِي كِتَابه كثيرا.

وَقد انتقد الإِمَام الشاه ولي الله الدهلوي منكري التَّعْلِيل ، وَأنكر عَلَيْهِم ظنهم أَن الشَّرِيعَة ليستْ سوى تعبد واختبار ، لَا اهتمام لَهَا بِشَيْء من الْمصَالح قَائِلا : 

" وَهَذَا ظن فَاسد تكذبه السّنة وَإِجْمَاع الْقُرُون الْمَشْهُود لَهَا بِالْخَيرِ ... " ( ) ] ( ) .


[   الْأَدِلَّة على أَن أَحْكَـام الله تَعَالَى معللة بالحِكَم والمصالح :


وَقد دلّت أَدِلَّة كَثِيرَة على أَن أَحْكَام الشَّرِيعَة مَبْنِيَّة على مصَالح الْعباد من صَلَاح المعاش والمعاد ، مِنْهَا :


1 - النُّصُوص الْكَثِيرَة الدَّالَّة على تَعْلِيل أَفعاله تَعَالَى وَأَحْكَامه ، وَهِي من الْكَثْرَة فِي الْكتاب وَالسّنة بِحَيْثُ يتَعَذَّر إحصاؤها ، مِنْهَا على سَبِيل الْمِثَال :


قَوْله تَعَالَى فِي الصَّلَاة : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر } ( ) .

وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي الزَّكَاة : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ( ) .

  وَقَوله فِي الْحَج: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجّ ... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( ) .

وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه } ( ) 

وَقَالَ عز وَجل : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( )


وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج ... وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء" ( ) .

وَقَالَ فِي أَربع قبل الظّهْر : " إِنَّهَا سَاعَة تفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء فَأحب أَن يصعد لي فِيهَا عمل صَالح " ( ) . . .


قَالَ الإِمَام الشاطبي رَحمَه الله : " وَالْمُعْتَمد إِنَّمَا هُوَ أَنا استقرينا من الشَّرِيعَة أَنَّهَا وضعت لمصَالح الْعباد استقراء لَا يُنَازع فِيهِ الرَّازِيّ وَغَيره " إِلَى أَن قَالَ : 

" وَإِذا دلّ الاستقراء على هَذَا ، وَكَانَ فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة مُفِيدا للْعلم فَنحْن نقطع بِأَن الْأَمر مُسْتَمر فِي جَمِيع تفاصيل الشَّرِيعَة "  ( ) .



2- قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ( ) .

قَالَ الْعَضُد الإيجي : " وَظَاهر الْآيَة التَّعْمِيم ، أَي يفهم مِنْهُ مُرَاعَاة مصالحهم فِيمَا شرع لَهُم من الْأَحْكَام كلهَا، 


إِذْ لَو أرسل بِحكم لَا مصلحَة لَهُم فِيهِ لَكَانَ إرْسَالًا لغير الرَّحْمَة ، لِأَنَّهُ تَكْلِيف بِلَا فَائِدَة ، فَخَالف ظَاهر الْعُمُوم " ( ) .


3 - وَمن السّنة : قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : " الْخلق كلهم عِيَال الله فأحبهم إِلَى الله أنفعهم لِعِيَالِهِ " ( ) 


فقد أوضح الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن منَاط قرب الْإِنْسَان من الله تَعَالَى هُوَ مدى تَقْدِيمه النَّفْع والخدمة لِعِبَادِهِ ، وَذَلِكَ برعاية مصالحهم وتوفير مَا بِهِ سعادتهم الْحَقِيقِيَّة .


وَإِذا كَانَ ميزَان مَا يتَقرَّب بِهِ الْإِنْسَان إِلَى الله فِي أَعماله هُوَ : خدمَة مصَالح الْعباد ، فأحرى أَن يكون هَذَا الْمِيزَان هُوَ نَفسه الْمُحكم فِي نظام الشَّرِيعَة الإسلامية نَفسهَا ( ) .



فُقَهَاء الصَّحَابَة ينظرُونَ إِلَى مَقَاصِد الشَّرِيعَة :


وَمن نظر إِلَى مَا أثر عَن فُقَهَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنهُم مثل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَابْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَغَيرهم وَنظر إِلَى فقههم وتأمله بعمق تبين لَهُ أَنهم كَانُوا ينظرُونَ إِلَى مَا وَرَاء الْأَحْكَام من علل ومصالح وَمَا تحمله الْأَوَامِر والنواهي من حكم ومقاصد ، 

فَإِذا أفتوا فِي مَسْأَلَة أَو حكمُوا فِي قَضِيَّة لم يغبْ عَن بالهم مَقَاصِد الشَّرِيعَة وأهدافها ، 

وَلم يهدروا هَذِه الْمَقَاصِد الْكُلية فِي غمرة الحماس للنصوص الْجُزْئِيَّة ، وَلَا الْعَكْس ، 

بل ربطوا الجزئيات بالكليات وَالْفُرُوع بالأصول ، وَالْأَحْكَام بالمقاصد ( ) .


فَهَذَا معَاذ - رَضِي الله عَنهُ - أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن معلما وقاضياً وَأمره أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من أغنيائهم ليردها إِلَى فقرائهم ، حَيْثُ قَالَ لَهُ :

 " وأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم الصَّدَقَة فِي أَمْوَالهم ، تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم وَإِيَّاك وكرائم أَمْوَالهم ، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فانه لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب "  ( ) . 


وَكَانَ فِيمَا قَالَه لَهُ أَيْضا : " خُذ الْحبّ من الْحبّ ، وَالشَّاة من الْغنم وَالْبَعِير من الْإِبِل ، وَالْبَقَرَة من الْبَقر " ( ) 


وَلَكِن معَاذًا - رَضِي الله عَنهُ - لم يجمد على ظَاهر الحَدِيث بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من الْحبّ إِلَّا الْحبّ ... الخ 

وَلَكِن نظر إِلَى الْمَقْصد من أَخذ الزَّكَاة ، وَهُوَ التَّزْكِيَة والتطهير للغني وسد خلة الْفُقَرَاء من الْمُؤمنِينَ فَلم ير بَأْسا من أَخذ قيمَة الْعين الْوَاجِبَة فِي الزَّكَاة ، 

كَمَا ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُعَلّقا بِصِيغَة الْجَزْم ، 

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَدِهِ عَن طَاوس عَن معَاذ أَنه قَالَ لأهل الْيمن : " ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الصَّدَقَة فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم وَخير للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ " ( ) .


وَقد ذهب إِلَى هَذَا أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد - فِي غير زَكَاة الْفطر - وَهُوَ الظَّاهِر من مَذْهَب البُخَارِيّ فِي صَحِيحه ( ) .


وَمن ذَلِك : جمع الصَّحَابَة الْقُرْآن الْكَرِيم ثمَّ كِتَابَة الْمَصَاحِف وَجمع النَّاس على مصحف وَاحِد ، دفعا لمفسدة اخْتِلَاف النَّاس وتفرقهم وتنازعهم وَرُبمَا تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا الَّتِي هِيَ أعظم من مصلحَة التورع بإبقاء الْحَال فِي ذَلِك على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عَهده - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.


وَمن ذَلِك - أَيْضا - اقْتِدَاء ابْن مَسْعُود برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تخول النَّاس بِالْمَوْعِظَةِ - كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي وَائِل - قَالَ:

 كَانَ عبد الله يُذَكّر النَّاس فِي كل خَمِيس : فَقَالَ لَهُ رجل : يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَوَدِدْت أَنَّك ذكّرتنا كل يَوْم قَالَ : أما إِنَّه يَمْنعنِي من ذَلِك أَنِّي أكره أَن أَملّكُم ، وَإِنِّي أتخولّكم بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَوَّلنَا بهَا مَخَافَة السَّآمَة علينا ( ) 


وَمن هَذَا الْبَاب - أَيْضا - مَا حُكيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز - رَحمَه الله - أَن ابْنه عبد الْملك قَالَ لَهُ : "مَالك لَا تنفذ الْأُمُور؟ فوَاللَّه مَا أُبَالِي لَو أَن الْقُدُور غلت بِي وَبِك فِي الْحق ؟ " قَالَ : 

" لَا تعجل يَا بني ، فَإِن الله ذمّ الْخمر فِي آيَتَيْنِ وحرمها فِي الثَّالِثَة ، وَإِنِّي أَخَاف أَن أحمل الْحق على النَّاس جملَة فيدمغوه جملَة وَيكون منا ذَا فتْنَة " ( ) .


وَمن ذَلِك مَا قَرَّرَهُ الْعلمَاء فِي بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من اعْتِبَار الْمصَالح والمفاسد فِي ذَلِك والحرص على تقديرها قبل الهجوم بِالْأَمر أَو الْإِنْكَار :

 

قَالَ الإِمَام ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - فِي رِسَالَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر :

 " وَإِذا كَانَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من أعظم الْوَاجِبَات والمستحبات ، ولابد أَن الْمصلحَة فِيهَا راجحة على الْمفْسدَة إِذْ بِهَذَا بعثت الرُّسُل وَنزلت الْكتب وَالله لَا يحب الْفساد ، بل كل مَا أَمر الله بِهِ هُوَ صَلَاح وَقد أثنى الله على الصّلاح والمصلحين وَالَّذين ءامنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ، وذم الْفساد والمفسدين فِي غير مَوضِع ، 

فَحَيْثُ كَانَت مفْســـــدَة الْأَمـــــر وَالنَّهْي أعظم من مصْلحَته لم يكن مِمَّا أَمر الله بِهِ ، وَإِن كَانَ قد ترك وَاجِبا وَفعل محرما ... " ( ) . . . 


مصَالح مَنْصُوص عَلَيْهَا وَأُخْرَى غير مَنْصُوص عَلَيْهَا :


وَإِذا تقرر هَذَا فَإِن الْمصلحَة أَو الْحِكْمَة قد تكون مَنْصُوصا عَلَيْهَا فِي كَلَام الشَّارِع وَقد لَا تكون مَنْصُوصا عَلَيْهَا فيهتدي إِلَيْهَا الْعَالم بِنور الله : بالفهم الَّذِي يؤتاه الرجل فِي الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ المعنيّ بالحكمة فِي قَوْلـه سُـبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى :   { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء } ( ) يَعْنِي :

 - وَالله أعلم - الْإِصَابَة فِي الْفَهم والسداد فِي القَوْل وَالْعَمَل وحسبك بهما نعْمَة .


فَمن أَمْثِلَة الْقسم الأول :


- شرعت الصَّلَاة لذكر الله تَعَالَى . قَالَ تَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } ( ) .


- شرع الْجِهَاد لإعلاء كلمة الله وَإِزَالَة الْفِتْنَة كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَقَاتِـلُـوهُمْ حَتَّـى لَا تَكُـونَ فِتْنَـةٌ وَيَكُـونَ الدِّيـنُ كُلُّـــهُ لِلَّـــهِ }( )  .


- شــرع الْقصـاص زاجراً عَن الْقَتْـل كَمَا قَالَ جلّ وَعلا : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }( ) 


- حرمت الْخمر لِأَنَّهَا تصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْـسِــرِ وَيَصُـدَّكُـمْ عَـنْ ذِكْــرِ اللَّهِ وَعَـنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ( ) .


- حرم الزِّنَا لِأَنَّهُ فَاحِشَة كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } ( ) . . . 


وأمثلة هَذَا الْقسم كَثِيرَة مَعْلُومَة فِي الْقُرْآن وَالسّنة كَمَا تقدم من كَلَام ابْن الْقيم .


وَمن أَمْثِلَة الْقسم الثَّانِي :


- شرع البيع لمصْلحَة الِانْتِفَاع بالمعقود عَلَيْهِ .


- شرعت الْإِجَارَة لسد حَاجَة النَّاس إِذْ لَو لم يشرع لدخل على النَّاس حرج شَدِيد .


- رخص فِي بيع (الْعَرَايَا) ( ) دفعا للْحَاجة وَرَحْمَة بِالْمُسْلِمين مَعَ أَن فِيهِ معنى الرِّبَا لِأَن الرطب إِذا جف نقص وَزنه. 


- شرعت الشُّفْعَة لدفع ضَرَر الشّركَة عَن الشَّرِيك ، فَإِذا أَرَادَ بيع نصِيبه كَانَ شَرِيكه أَحَق من الْأَجْنَبِيّ ، وَهُوَ يصل إِلَى غَرَضه من الْعِوَض من أَيهمَا كَانَ فَكَانَ الشَّرِيك أَحَق بِدفع الْعِوَض من الْأَجْنَبِيّ وَيَزُول عَنهُ ضَرَر الشّركَة ، وَلَا يتَضَرَّر البَائِع لِأَنَّهُ يصل إِلَى حَقه من الثّمن .


- شرعت الْعُقُوبَات فِي الْجِنَايَات لحكمة الردع والزجر ، ليرتدع النَّاس عَن الظُّلم وَالْبَغي والعدوان ويقتنع كل إِنْسَان بِمَا آتَاهُ الله مَالِكه وخالقه .


- أعْطى لكل من الزَّوْجَيْنِ حق خِيَار فسخ النِّكَاح إِذا وجد فِي الآخر عَيْبا يَسْتَحِيل مَعَه تَحْقِيق الْمَقْصُود من النِّكَاح كالعُنة والجبّ والخصاء فِي الزَّوْج والرتق والقرن فِي الزَّوْجَة ، أَو الْجُنُون والجذام والبرص وَنَحْوهمَا - عَافَانَا الله وَالْمُسْلِمين مِنْهَا - فِي أَحدهمَا كَمَا هُوَ مَذْهَب الجماهير غير الظَّاهِرِيَّة مَعَ خلاف فِي بعض الْعُيُوب - وَالْحكمَة من ذَلِك : 

أَن مَقْصُود النِّكَاح لَا يتَحَقَّق مَعَ وجود هَذِه الْعُيُوب وَمن ثمَّ لَا يُوجد (السكن) بَين الزَّوْجَيْنِ بِمَا تشمله كلمة السكن من مَعَاني الشُّعُور بالأمن والراحة والمتعة ، وتبادل الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة 

 

فَإِذا اسْتَحَالَ تَحْقِيق هَذِه الْغَايَة كَانَ هَذَا مسوغا كَافِيا لحل عقدَة النِّكَاح . 


قَالَ ابْن الْقيم : " ... وَالْقِيَاس أَن كل عيب ينفر الزَّوْج الآخر مِنْهُ وَلَا يحصل بِهِ مَقْصُود النِّكَاح من الرَّحْمَة والمودة يُوجب الْخِيَار ... 

وَمن تدبر مَقَاصِد الشَّرْع فِي مصادره وموارده وعدله وحكمته ، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْمصَالح لم يَخْفَ عَلَيْهِ رُجْحَان هَذَا القَوْل وقربه من قَوَاعِد الشَّرِيعَة " ( ) .


وأمثلة هَذَا الْقسم كَثِيرَة لَا حصر لَهَا، لَا سِيمَا فِي بَاب الْمُعَامَلَات.


ونظراً لِأَن الْمصلحَة وَالْحكمَة فِي هَذَا الْقسم إِنَّمَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بالاستنباط وَالنَّظَر فَلَا بُد - إِذا - من مُرَاعَاة قَوَاعِد التَّعْلِيل وضوابطه ومسالكه وحدوده حَتَّى لَا يكون مُعَللا بذوقه وتخمينه وهواه ، 

كَمَا أَنه لَا يحسن الْمُبَالغَة فِي التنقير عَن الحكم والمصالح - وَلَا سِيمَا فِي الْأَحْكَام التعبدية – 

أدبا مَعَ الله وخشية الْوُقُوع فِي التَّكَلُّف والتمحل وَالْقَوْل بِغَيْر علم 

وَحَتَّى لَا يتَكَلَّف التَّعْلِيل بِمُجَرَّد الذَّوْق والوجدان من غير دَلِيل وبرهان .

إِن عدم إِدْرَاك الْعقل الإنساني الْقَاصِر حِكم بعض الْأَحْكَام لَا يَعْنِي - قطعا - أَنَّهَا عِروٌ وخِلْو من الْحِكْمَة والمصلحة ، 

لِأَن عدم الْعلم لَيْسَ علما بِالْعدمِ ، 

وَإِنَّمَا يَعْنِي قُصُور الْعقل الإنساني وعجزه ، 

فرحم الله امْرأ وقف عِنْد حَده وَلم يَتَعَدَّ طوره ، 


وَللَّه در أبي الْعَلَاء المعري مَا أصدق قَوْله :


وروم الْفَتى مَا قد طوى الله علمه ... يعد جنونا ، أَو شَبيه جُنُون ] ( ) .


[  وَيجب أَن يكون الْفَقِيه لَهُ من الْيَقَظَة والبصيرة وعمق النّظر والاطلاع الشَّامِل مَا يُمكنهُ من استنباط الْعلَّة الْمُنَاسبَة وَالْحكمَة الْمَقْصُودَة من الحكم 


وَلَا شكّ أَن هَذَا مرتقى صَعب وَلَكِن لَا مفر مِنْهُ للْعُلَمَاء الربانيين الراسخين فِي الْعلم ، لَان التهرب مِنْهُ يُؤَدِّي إِلَى غياب مَقَاصِد الشَّرِيعَة وَحكمهَا ، وإغلاق هَذَا الْبَـــاب من أَبْوَاب الِاجْتِهَاد ، 

وَقد يربك الْفِقْه الإسلامي ويضر بمسيرته الطبعية ، وَيفتح بَابا للأعداء الحاقدين المتربصين بالأمة لِيَقُولُوا: إِن الشَّرِيعَة الإسلامية جامدة خامدة صارمة لَا يَتَّسِع صدرها لمسايرة التطور البشري وَتَحْقِيق مصلحَة الْإِنْسَان وَدفع الْمضرَّة عَنهُ .


إِذاً ، فالحاجة ماسة إِلَى معرفَة هَذَا النَّوْع من الْفِقْه ، هَذَا الْفِقْه الَّذِي وَصفه ابْن الْقيم بِأَنَّهُ ( الْفِقْه الْحَيّ الَّذِي يدْخل على الْقُلُوب بِغَيْر اسْتِئْذَان) 

فَفِي فصل لَهُ بعنوان: ( اعْتِبَار النيات والمقاصد فِي الْأَلْفَاظ ) نقل عَن وَكِيع 

" أَن عمر قضى فِي امْرَأَة قَالَــت لزَوجهَا : سمّني ، فسمّاها : الطّيبَة ، فَقَالَت : لَا ، فَقَالَ لَهَا : مَاذَا تريدين أَن أسمّيك ؟ قَالَت : سمّني خلية طَالِق ، فَقَالَ لَهَا : فَأَنت خلية طَالِق . فَأَتَت عمر بن الْخطاب فَقَالَت : إِن زَوجي طَلقنِي ، فجَاء زَوجهَا فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة ، فأوجع عمر رَأسهَا ، وَقَالَ لزَوجهَا : خُذ بِيَدِهَا وأوجع رَأسهَا " 

وَهَذَا هُوَ الْفِقْه الْحَيّ الَّذِي يدْخل علـى الْقُلُوب بِغَيْر اسْتِئْذَان ، وَمَعْلُوم أَن الَّذِي قَالَ لما وجد رَاحِلَته : 

" اللَّهُمَّ أَنْت عَبدِي وَأَنا رَبك " وَأَخْطَأ من شدَّة الْفَرح ، 

لم يكفر بذلك وَإِن أَتَى بِصَرِيح الْكفْر لكَونه لم يردهُ .


وَلَقَد أَتَى على فقهنا حِين من الدَّهْر صَار فِيهِ أقرب إِلَى الجمود والخمود مِنْهُ إِلَى الْحَيَاة والفعالية ، ذَلِك أَنه افْتقدَ - فِيمَا افتقده - روح الْمَقَاصِد والمصالح 


وَقد تعرض الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور لأسباب انحطاط الْفِقْه وتخلفه فعدّ مِنْهَا : 

" إهمال النّظر فِي مَقَاصِد الشَّرِيعَة من أَحْكَامهَا " 


ثمَّ قَالَ : " كَانَ إهمال الْمَقَاصِد سَببا فِي جمود كَبِير للفقهاء ومعولا لنقض أَحْكَام نافعة، وأشأم  ] ( ) .



[  صلة المقاصد بالقرآن الكريم :


القرآن الكريم أول مصدر من مصادر التشريع ، وهو أصل الأصول ، وقدس الأقداس ، وأساس الأحكام والمقاصد والحكم والأسرار الشرعية ، ويتمثل ذلك من خلال ما يلي :

1- ذكر القرآن لأنواع كثيرة من المقاصد منها:


أ- العبودية : قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ( ) .


ب- التبشير والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب : 

قال تعالى { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } ( ) .


ج- التيسير والتخفيف عن الناس : 

قال تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } ( ) 

د- رفع الحرج وإزالة الضرر : 

قال تعالى : { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ( ) .


هـ- الإصلاح والإرشاد، والنهي عن الفساد والبغي والمنكر : 

قال تعالى : { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ }( ) 


و- الوحدة والاتفاق والقوة : 


قـــال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْـــلِ اللَّهِ جَمِيعًـــا وَلا تَفَرَّقُـوا } ( ) ، قال تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَـعْتُمْ مِنْ قُـوَّةٍ وَمِنْ رِبَــاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُـونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ( ) .


وهناك أنواع كثيرة من المقاصد الشرعية التي ذكرها القرآن الكريم في مواضع مختلفة بالتصريح والإيماء تارة ، والإجمال والتفصيل تارة أخرى .


2- ذكر القرآن الكريم أمثلة جزئية للحِكم والعلل والفوائد المنوطة بأحكامها ، ونورد بعضًا من ذلك فيما يلي :


أ‌- قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } ( ) . 

فقد شرعت الصلاة لذكر الله وتذكر أحوال الآخرة .


ب‌- قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ( ) ، 

فقد شرعت الزكاة لطهارة المال وتزكية النفس .


ت‌- قال تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } ( ) ؛ 

فقد شرع الحج لمنافع دينية واجتماعية وتربوية كثيرة .


ج- قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( ) ، 

فقد شرع الصوم، لوقاية النفس من الأنانية والإفراط في حب الدنيا .

د- قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ( ) . 

فقد شرع القصاص لحفظ حياة النفوس وسلامتها .


هـ- قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } ( ) .

 فقد شرع القتال لقمع الفتنة وتحقيق الأمن .


و- قال تعالى : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّــيْطَانُ أَنْ يُوقِـعَ بَيْنَـكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَـاءَ فِي الْخَـمْرِ وَالْمَيْـسِرِ } ( ) .

 فقد منع الخمر والميسر لكونها يؤديان إلى العداوة والبغضاء والخصومات والتنازع .



صلة المقاصد بالسنة:


السنة: هي المصدر التشريعي الثاني لبيان المقاصد والغايات الشرعية؛ وذلك من خلال تأكيدها وتقريرها للمقاصد التي ذكرها القرآن وأشار إليها، 


ومن خلال ما استقلت ببيانه وانفردت به عن القرآن الكريم إزاء ذكر بعض الحِكَم والأسرار لبعض الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن الكريم أو التي ذكرت في القرآن دون بيان مقاصدها وأسرارها . 

ومن أمثلة ذلك :


1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغَضُّ للبصر وأحصن للفرج " ( ) .


2- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ( ) .


3- قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنكمْ إن فعلتم ذلك قطعتهم أرحامكم " ( ) .

فالحث النبوي على الاستئذان قبل الدخول إلى البيوت معلَّل بغض البصر؛ لئلا يقع على عورات وكرامة وستر مَن بالداخل.

والحث النبوي على منع الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها معلَّل بحفظ الأنساب وسلامتها ودوام صلتها واستمرارها.



صلة المقاصد بالإجماع :


الإجماع : هو اتفاق المجتهدين في عصر من العصور على حُكم قضية من القضايا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

 وهو المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة ، 

ويعد الإجماع مصدرًا لثبوت كثير من المقاصد الشرعية ؛ وذلك مـن خلال :


1- الاتفاق على بعض العلل والحِكَم الجزئية على نحو:


 علة الصِّغَر الموجب للولاية في الأموال ، والولاية في التزويج ، 

أي أن الصغير يتولى وليه التصرف في أمواله وفي تزويجه ، 

وحكمة ذلك جلب مصلحته ودرء مفسدة سوء تصرفه .



ومثال ذلك :


اتفاق المجتهدين على أن الغضب المؤدي إلى تشويش الذهن واضطراب النفس، وعدم التثبت في أدلة المختصمين ؛ فإن ذلك الغضب يمنع قضاء القاضي ؛ 

لأجل مصلة المتقاضين ونفي الظلم عنهم .


2- الاتفاق على المقاصد والحِكَم والغايات الشرعية الثابتة في القرآن والسنة .



صلة المقاصد بالقياس:


القياس : هو إلحاق نازلة حُكم عليها ، بنازلة لها حُكمها ؛ لاشتراكهما في علة الحُكم .


ومثال ذلك : تحريم نبيذ الشعير قياسًا على الخمر ؛ لاشتراكهما في علة الإسكار ، ويكون البيان كالآتي :


المثال الأول :


الأصل : الخمر .

الفرع : نبيذ الشعير .

العلة : الإسكار .

الحكم : التحريم .


المقصد : حفظ العقل والمال .


المثال الثاني :


الأصل : لحم الخنزير .

الفرع : شحم الخنزير .

العلة : القذارة والنجاسة .

الحكم : التحريم .


المقصد : الامتثال إلى الله ، وتجنب الخبائث ، وصيانة النفس وحفظها من تناول النجاسة ولحوق الأضرار .


المثال الثالث :


الأصل : البكر الصغيرة .

الفرع : الثيب الصغيرة .

العلة : الصغر .

الحكم : وجوب الولاية في التزويج .


المقصد : حفظ كرامة المرأة وصيانة مصلحتها ؛ كي لا تضع نفسها في سوء الاختيار .


المثال الرابع :


الأصل : القضاء في أثناء الغضب .

الفرع : القضاء في أثناء الجوع الشديد .

العلة : تشويش الذهن .

الحكم : المنع .


المقصد : حفظ حقوق المتخاصمين ، وتحقيق العدل بينهم بالانتباه والتثبت في أدلتهم واحتجاجاتهم .


المثال الخامس :


الأصل : الذهب والفضة .

الفرع : الأوراق المالية والنقود المعدنية .

العلة : الثَمَنِيَّةُ : أي أنهما تقوم بهما الممتلكات ، وتضمن بهما المتلفات .

الحكم : تحريم التفاضل بينهما عند التبادل ، واشتراط التسليم الفوري لكليهما .


المقصد : حفظ المال ، ومنع أخذه بغير وجه حق ، والمحافظة على القيمة الثَمِنَيَّةُ للذهب والفضة في حكمها ] ( ). 


فالقصد من كل هذا الكلام أن نقول : 


إنّ الله تعالى قد شرّع الأحكام لمصلحة عباده ، فأين كانت المصلحة فثمَّ شرع الله ، بشرط أن لا تخالف المصلحة نصّاً قطعيّاً لا خلاف فيه .

ولا ينبغي الجمود على ظواهر النص ، بحجة الطاعة وتنفيذ أوامر الشرع ، غاضّاً الطرف عن الحكمة والمصلحة التي جاء النص  من أجلها !

وأنّ هناك فرقٌ بين الحكم الثابت ، والفتوى المتغيّرة .



( سابعاً ) / :  النّظر إِلَى المآلات عِنْد تَقْدِير الْمصَالح والمفاسد :

 

[  وَمِمَّا يجب على الْمُجْتَهد والمفتي حِين يجْتَهد ويفتي أَن يقدّر مآلات الْأَفْعَال وعواقب الْأُمُور وَمَا يؤول إِلَيْهِ الْأَمر فِي النِّهَايَة ، 

وَأَن لَا يعْتَبر مهمته تَنْحَصِر فِي إِعْطَاء الحكم الشَّرْعِيّ ، بل مهمته أَن يحكم فِي الْفِعْل وَهُوَ نَاظر إِلَى آثاره ومآلاته 


وَيَقُول الشاطبي فِي هَذَا : 


" النّظر فِي مآلات الْأَفْعَال مُعْتَبر مَقْصُود شرعا كَانَت الْأَفْعَال مُوَافقَة أَو مُخَالفَة ، 

وَذَلِكَ أَن الْمُجْتَهد لَا يحكم على فعل من الْأَفْعَال الصادرة عَن الْمُكَلّفين بإقدام أَو بالإحجام إِلَّا بعد نظره إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ ذَلِك الْفِعْل ، 

فقد يكون مَشْرُوعا لمصْلحَة فِيهِ تستجلب ، أَو لمفسدة تدرأ وَلَكِن لَهُ مآل على خلاف مَا قصد فِيهِ ، 


وَقد يكون غير مَشْرُوع لمفسدة تنشأ عَنهُ أَو مصلحَة تنْدَفع بِهِ ، وَلَكِن لَهُ مآل على خلاف ذَلِك ، 

فَإِذا أطلق القَوْل فِي الأول بالمشروعية فَرُبمَا أدّى استجلاب الْمصلحَة فِيهِ إِلَى مفْسدَة تَسَاوِي الْمصلحَة أَو تزيد عَلَيْهَا 

فَيكون هَذَا مَانِعا من إِطْلَاق القَوْل بالمشروعية ، 


وَكَذَلِكَ إِذا أطلق القَوْل فِي الثَّانِي بِعَدَمِ المشروعية رُبمَا أدّى استدفاع الْمفْسدَة إِلَى مفْسدَة تَسَاوِي أَو تزيد، 


فَلَا يَصح إِطْلَاق القَوْل بِعَدَمِ المشروعية ، وَهُوَ مجَال للمجتهد صَعب المورد إِلَّا أَنه عذب المذاق ... " ( ) .


ثمَّ أَخذ يسْتَدلّ على صِحَة ذَلِك بِأُمُور، 


مِنْهَا : أَن التكاليف مَشْرُوعَة لمصَالح الْعباد، وَمِنْهَا أَن الاستقراء للشريعة وأدلتها يدل على اعْتِبَار المآلات ،


 وَذكر أَمْثِلَة تفصيلية 

كامتناعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الْمُنَافِقين مَعَ قدرته على ذَلِك 

خشيَة أَن يظنّ النَّاس أَنه يقتل أَصْحَابه فينفروا من الدُّخُول فِي الْإِسْلَام ،


 وكامتناعه عَن إِعَادَة بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام 

حَتَّى لَا يثير بلبلة بَين الْعَرَب ويقولوا: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهدم المقدسات ويغير معالمها ، 


وكنهيه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصْحَابه عَن زجر الإعرابي حَال تبوله فِي الْمَسْجِد 

خشيَة أَن يُؤَدِّي هَذَا إِلَى نجس مَوَاضِع أُخْرَى فِي الْمَسْجِد وَرُبمَا كَانَ فِيهِ ضَرَر صحي عَلَيْهِ ... 


إِلَى أَن قَالَ : قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ : " النّظر فِي مآلات الْأَفْعَال فِي الْأَحْكَام ، اخْتلف النَّاس بزعمهم فِيهَا - وَهِي مُتَّفق عَلَيْهَا بَين الْعلمَاء فافهموها وادخروها " ( ) .


وردّ - رَحمَه الله - على من يهمل هَذِه الْقَاعِدَة بِحجَّة أَن عَلَيْهِ الْعَمَل وَلَيْسَ عَلَيْهِ النتيجة فَقَالَ :


 ( لَا يُقَال إِنَّه قد مرّ فِي كتاب الْأَحْكَام أَن المسببات لَا يلْزم الِالْتِفَات إِلَيْهَا عِنْد الدُّخُول فِي الْأَسْبَاب، لأَنا نقُول - وَقد تقدم أَيْضا - أَنه لَا بُد من اعْتِبَار المسببات فِي الْأَسْبَاب ... 


وَقد تقدم أَن الشَّــارِع قَاصـد للمسـببات فِي الْأَسْـبَاب ، وَإِذا ثَبـت ذَلــِك لم يكن للمجتهد بُد من اعْتِبَار الْمُسَبّب وَهُوَ مآل السَّبَب " ( ) .


وَقَالَ أَيْضا - رَحمَه الله - " وَمن هَذَا الأَصْل - أَي النّظر فِي المآلات - تستمد قَاعِدَة أُخْرَى ، 

وَهِي أَن الْأُمُور الضرورية أَو غَيرهَا من الحاجية أَو التكميلية إِذا اكتنفتها من الْخَارِج أُمُور لَا ترضي شرعا ، فَإِن الْإِقْدَام على جلب الْمصَالح صَحِيح على شَرط التحفظ بِحَسب الِاسْتِطَاعَة من غير حرج ...


 كَطَلَب الْعلم إِذا كَانَ فِي طَرِيقه مناكر يسْمعهَا ويراها ، وشهود الْجِنَازَة ، 

وَإِقَامَة وظائف شَرْعِيَّة إِذا لم يقدر على إِقَامَتهَا إِلَّا بمشاهدة مَالا يرضى ، 

فَلَا يُخرج هَذَا الْعَارِض تِلْكَ الْأُمُور عَن أُصُولهَا ، لِأَنَّهَا أصُول الدّين ، وقواعد الْمصَالح ، 

وَهُوَ الْمَفْهُوم من مَقَاصِد الشَّارِع فَيجب فهمها حق الْفَهم فَإِنَّهَا مثار اخْتِلَاف وتنازع 


وَمَا ينْقل عَن السّلف الصَّالح مِمَّا يُخَالف ذَلِك قضايا أَعْيَان لَا حجَّة فِي مجردها حَتَّى يعقل مَعْنَاهَا فَتَصِير إِلَى مُوَافقَة مَا تقرر إِن شَاءَ الله ، 

وَالْحَاصِل : أَنه مَبْنِيّ على اعْتِبَار مآلات الْأَعْمَال فاعتبارها لَازم فِي كل حكـم على الْإِطْـلَاق . وَالله أعلـــم " ( ) .

( ثامناً ) / : وهناك قاعدة متفق عليها بين الأئمة والعلمـــاء ، وهي : أنّ الفتوى تتغيّر بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال والعوائد والنيات .


وقد كتب الحـافظ ابن القيّم ، رحمـه الله ، فصلاً في كتـابه ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) تحت عنوان :


[ فَصْلٌ فِي تَغْيِيرِ الْفَتْوَى، وَاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ تَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالنِّيَّاتِ وَالْعَوَائِدِ ] جاء فيه :


[هَذَا فَصْلٌ عَظِيمُ النَّفْعِ جِدًّا وَقَعَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ أَوْجَبَ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَتَكْلِيفِ مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْبَاهِرَةَ الَّتِي فِي أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ لَا تَأْتِي بِهِ  ] ( ) .


واعتبـــر الإمام القرافي التقيّد بالفتاوى الموجودة في الكتب ؛ والتي أفتى العلماء بها ، ملائمةً لزمانهم ومكانهم ، وإنزالاً للنصوص على واقعهم . 

إعتبر ذلك التقيّد – عند تغيّر ذلك العرف – ضلالاً في الدين ، وجهلاً بمنهج السلف وعلماء المسلمين . 


وأكد على اعتبار عُرف المستفتي ، والأخذ به في الفتوى . 


قال ، رحمه الله :  

[  وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرَاعَى الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك 

بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِه عَلَى عُرْفِ بَلَدِك

 وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَاجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ 

دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ 

وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ ] ( ) . 

 

وقد علّق الحافظ ابن القيّم ، رحمـه الله ، على كلام القرافي ، رحمه الله ، هذا بقوله :


[  وَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ ، 

وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ جِنَايَةِ مَنْ طَبَّبَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ بِلَادِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ بِمَا فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الطِّبِّ عَلَى أَبْدَانِهِمْ ، 

بَلْ هَذَا الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَهَذَا الْمُفْتِي الْجَاهِلُ أَضَرُّ مَا عَلَى أَدْيَانِ النَّاسِ وَأَبْدَانِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ] ( ) .


ثم قال ، رحمه الله :

[  فَهَذَا ( يقصد : معرفة الناس ) أَصْلٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فِيهِ فَقِيهًا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَإِلَّا كَانَ مَا يَفْسُدُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصْلُحُ ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فِي الْأَمْرِ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّاسِ تَصَوَّرَ لَهُ الظَّالِمُ بِصُورَةِ الْمَظْلُومِ وَعَكْسُهُ ، وَالْمُحِقُّ بِصُورَةِ الْمُبْطِلِ وَعَكْسُهُ ، وَرَاجَ عَلَيْهِ الْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ وَالِاحْتِيَالُ ، وَتَصَوَّرَ لَهُ الزِّنْدِيقُ فِي صُورَةِ الصِّدِّيقِ ، وَالْكَاذِبُ فِي صُورَةِ الصَّادِقِ ، وَلَبِسَ كُلُّ مُبْطِلٍ ثَوْبَ زُورٍ تَحْتَهَا الْإِثْمُ وَالْكَذِبُ وَالْفُجُورُ ، 

وَهُوَ لِجَهْلِهِ بِالنَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَعُرْفِيَّاتِهِمْ لَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ هَذَا ، 

بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي مَعْرِفَةِ مَكْرِ النَّاسِ وَخِدَاعِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَعُرْفِيَّاتِهِمْ ، فَإِنَّ الْفَتْوَى تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْعَوَائِدِ وَالْأَحْوَالِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ دِينِ اللَّه  ] ( ) .


[  أمثلة على تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف  :


* عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – قال : « كنا عنــد النبــي - صلى الله عليه وسلم - فجاء شاب ، فقال : يا رسول الله ، أقبّل وأنا صائم ؟ قال : لا ، 

فجاء شيخ ، فقال : يا رسول الله ، أقبّل وأنا صائم ؟ قال : نعم ، 

فنظر بعضنا إلى بعض ، فقال رسول الله : 

" قد علمت نظر بعضكم إلـــى بعض ، إن الشيخ يملك نفسه » ( ) . 


فيلاحظ كيف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع أجاب الشاب على سؤاله بجواب يختلف عن إجابته للشيخ رغم أن السؤال واحد ، 


مما يـدل على مراعــاتـه للأحـــوال  ] ( ) .


يعني : سؤال واحد ، له جوابان مختلفان ، حسب حال السائل !


[ * عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه – قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم - : 

« من ضحى منكم ، فلا يصبحن بعد ثلاثة ويبقى في بيته منه شيء .

 فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله ، نفـعل كما فعلنـا في العـام الماضـي ؟ 

قال : كلوا وأطعموا وادخروا ؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهد - أي شدة وأزمة - فأردت أن تعينوا فيها » ( ) 

 وفي بعض الروايات : « إنما نهيتكم من أجل الدافّة ( ) التي دفَّت » ( ) . 

أفاد الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام في حالةٍ معينة ، ولعلَّةٍ طارئة ، 

وهي وجود ضيوف وافدين على المدينة ، فيجب أن يوفر لهم ما يوجبه كرم الضيافة من لحم الضحايا ، 

فلما انتهى هذا الظرف العارض ، وزالت هذه العلة الطارئة ، زال الحكم الذي أفتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبعا لها ، 

إذ المعلول يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وتغيرت الفتوى من المنع إلى الإباحة ، كما جاء في بعض الروايات :    « كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ، فكلوا وادخروا » ( ) . 

فهذا مثلٌ واضحٌ لتغير الفتوى بتغير الأحوال ] ( ) .


[ * ومن الأمثلة على تغير الفتوى بتغير الزمان ، 

ما نقله الزرقا : أنه لما ندرت العدالة وعزت في هذه الأزمان ، قال الفقهاء : بقبول شهادة الأمثل فالأمثل ، والأقل فجوراً فالأقل . 

وقالوا نظير ذلك في القضاة وغيرهم ، 

إذا لم يوجد إلا غير العدول  ، أقمنــا أصلحــهم وأقلــهم فجوراً ؛ لئلاّ تضيع المصالح وتتعطل الحقوق والأحكام ، 

فقد حسن ما كان قبيحاً ، واتسع ما كان ضيقاً ، واختلفت الأحكام باختلاف الأزمان ، 

فإن خيار زماننا هم أراذل أهل العصر الأول . 

وكذلك جوزوا : تحليف الشهود عند إلحاح الخصم ، وإذا رأى الحاكم ذلك لفساد الزمان . 

وجوزوا أيضاً : إحداث أحكام سياسية لقمع أرباب الجرائم عند كثرة فساد الزمان وأول من فعله عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فإنه قال ستحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ، 

وقد منع عمر بن عبد العزيز عماله عن القتل ، إلا بعد إعلامه وإذنه به بعد أن كان مطلقاً لهم ، 

لما رأى من تغير حالــهم ] ( ) .


[ ولما رأى أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - ما عليه الناس من فساد الأخلاق 

أمر بالتقاط ضالة الإبل وبيعها وحفظ ثمنها لصاحبها كما روى ذلك مالك في موطئه ، 

مع نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التقاط ضالة الإبل . 

وكذلك لما رأى ما عليه الناس من خراب الذمم ، في تطليق النساء في مرض الموت لأجل حرمانهن من الميراث ، 

فقد ورَّث تماضر الأسدية ، عندما طلقها عبد الرحمن في مرض موته . 

 ولما رأى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ما عليه حال الناس ، 

كان يضمِّن الصناع بعد أن كانت يد الصانع أمانة . وقال: لا يصلح الناس إلا ذاك . 

قال المحمصاني في كتابه (تراث الخلفاء) ، وهو يتكلم عن الصحابة الكرام ، مانصه :

 " وقد أقروا مبدأ تغير الاجتهاد 

فتوسع عمر الفاروق بوجه خاص في الاجتهاد وفي تفسير النصوص بما يلائم حكمة التشريع وفلاح العباد ويناسب تطور الزمان والمكان وتقلبات الأحوال . 

وتعرض في ذلك لمسائل عديدة منها المؤلفة قلوبهم ، والطلاق الثلاثي المتسرع ، وبيع أمهات الأولاد ، وعدم التغريب في الحدود ، وإعفاء السارق من القطع عام المجاعة ، وتطوير عقوبة التعزير تأديباً وزجراً للمذنبين والمجرمين ، وتحديد عاقلة الدية في القتل والجراح ، وتفصيل أمور ضريبة الخراج " .

 وقد كان الإمام أبو حنيفة : يجيز القضاء بشهادة مستور الحال في عهده ، اكتفاءًبالعدالة الظاهرة ، 

وفي عهد صاحبيه - أبي يوسف ومحمد - منعا ذلك ، لانتشار الكذب بين الناس ، وتغير حالهم . 

قال الكاساني نقلاً عن الحنفية : " هذا الاختلاف اختلاف زمان لا اختلاف حقيقة ؛ 

لأن زمن أبي حنيفة - رحمه الله - كان من أهل خير وصلاح ؛ لأنه زمن التابعين ، وقد شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخيرية بقوله : « خير أمتي القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » ( ) الحديث . 

فكان الغالب في أهل زمانه الصلاح والسداد ، فوقعت الغنية عن السؤال عن حالهم في السر، 

ثم تغير الزمان وظهر الفسـاد في قرنهما ، فوقعت الحاجة إلى السؤال عن العدالة " ( ) 

* ومن الأمثلة على تغيّر الفتوى بتغيّر العرف : 

أنه لما كان لون السواد في زمن أبي حنيفة يعد عيباً . 

قال : بأن الغاصب إذا صبغ الثوب أسود يكون قد عيَّبه ،

 ثم بعـــد ذلك لما تغير عرف الناس وصاروا يعدونه زيادة ، قال صاحباه : إنه زيادة .

وكذلك الدُّور، لما كانت تبنى بيوتها على نمط واحد، قال المتقدمون - غير زفر- يكفي لسقوط خيار الرؤية رؤية بيت منها 

ولما تبدلت الأزمان وصارت بيوت الدور تبنى على كيفيات مختلفة ، رجَّح المتأخرون قول زفر، من أن لا بد من رؤية كل البيوت ليسقط الخيار .

* ومن الأمثلة ما روي عن مالك أنه قال : إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول ، فالقول قول الزوج ، مع أن الأصل عدم القبض . 

وعلق القاضي إسماعيل - من فقهاء المالكية - على ذلك بقوله : هذه كانت عادتهم بالمدينة: 

أن الرجل لا يدخل بامرأته حتى تقبض جميع صداقها ،

 واليوم عادتهم على خلاف ذلك ، فالقول قول المرأة مع يمينها ،

 لأجل اختلاف العادات ( ) .

* ومن الأمثلة كذلك : تقدير النفقات ، 

فإن من المسلَّم به ، أن لكلِّ مجتمع في أي زمان ومكان مستواه الاقتصادي غنى وفقراً ، 

وتبعا لهذا فيختلف تقدير النفقة من مجتمع إلى مجتمع آخر ، 

والسبب في هذا تغير الحاجات  ( ) .


( تاسعاً ) / : هناك قاعدة فقهية ، متفق عليها بين الأئمة والعلماء نظرياً ، ولكن عند تطبيقها يهبط الذين حشروا أنفسهم بين العلماء ، ويطلق عليهم بعض الناس ألقاب ؛ علماء وفقهاء ومفتين . 

يهبطون إلى مستوى الطغام والعوام من الناس ! 

وكأنهم لم يقرأوا أو يسمعوا كلمة من العلم أو الفقه !  


والقاعدة هي :  يُرتكَب أخف الضررين لدفع أعظمهما .


يعني : إذا كان هناك ضرران ؛ كلاهما ضرر ؛ وهناك حرامان يعترضان طريق المسلم ، ولابد من إرتكاب أحدهما . ولكن أحدهما أكبر من الآخر ! 

في هذه الحالة يختار المسلم الحرام الأصغر . 

بل لا يبقى – في هذه الحالة – في حقه حرام .


[ الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف .

الألفاظ الأخرى :

*  يختار أهون الشرين  .

*  يختار أهون الشرين أو أخف الضررين .

*  يدفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما .

*  إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر .

*  يدفع شر الشرين.


التوضيح :


إن الضرر ليس على درجة واحدة ، وإنمـا يتفاوت في ذاته ، وفي آثاره ، 

والضرر يجب رفعه لقاعدة : الضرر يزال وقاعدة : لا ضرر ولا ضرار. 

ولكن إذا لم يمكن إزالة الضرر نهائياً ، وكان بعضه أشد من بعض ، ولا بدَّ من ارتكاب أحدهما ، 

فتأتي هذه القاعدة : الضرر الأشد يزال ويرفع ويتجنب بارتكاب الضرر الأخف .

وذلك لعظم الأول على الثاني ، وشدته في نفسه ، 

أو لأن الضرر الأول عام يعمُّ أثره ، والضرر الثاني خاص وينحصر أثره ، 

فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة   ] ( ) .


[  لقد أصَّل لنا علماؤنا – رحمهم الله – أصولاً  مهمة في شتى العلوم والفنون ، وقعدوا لنا قواعد عظيمة النفع ، كثيرة الفوائد ، يرجع إليها الفقيه والمتفقه لينهل من معينها ، ويعول عليها المفتي في فتواه ، إنها قواعد الفقه .


يقول الإمام القرافي المالكي – رحمه الله – عن فوائدها وأهميتها :


وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ، ويظهر رونق الفقه ويعرف ، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف ، 

فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء ، 

وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع 

 

ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت ، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت ، وضاقت نفسه لذلك وقنطت ، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ، 

ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات ، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب 



وقال العلامة جلال الدين السيوطي – رحمه الله – عن فوائدها وأهميتها :


إعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ، ومآخذه وأسراره ، ويتمهر في فهمه واستحضاره ، ويقتدر على الإلحاق والتخريج ، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة ، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان ؛ ولهذا قال بعض أصحابنا : الفقه معرفة النظائر  .

 

ومن هذه القواعد :


قاعدة : ( إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما ) ( ) .


ولقد ذكر الفقهاء قواعد قريبة المعنى من هذه القاعدة ، منها :


•  يُختار أهون الشَّرين .


•  الضرر الأشد ، يزال بالضرر الأخف .

 

•  يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما .

 

•  تحتمل أخف المفسدتين لدفع أعظمهما .

 

•  إذا اجتمع مكروهان ، أو محظوران ، أو ضرران ، ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما ] ( ) .


[  وهذه القاعدة المذكورة ( إذا تعارض مفسدتان رُوعي أعظمُهما ضررًا بارتكاب أخفهما ) ، 

وكذلك قاعدة : " إذا اجتمع الضرران أسقط الأكبر للأصغر " ، 

و" الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف " ، 

و" يختار أخفَّ الضررين " ،   

 و" يختار أهونَ الشرين "  -  متحدة المعنى ، ليس بينها فرق إلا في صياغة القاعدة .

 

دليلها :


إختيار نبيّ الله هارون ، عليه السلام ، لقومه عبادة العجل –  مؤقتاً – على التفرقـة بينهم – بعد نصيحتهم ، وتحذيرهم – بعد أن تيقّن أنّهم مصرّون على عبادته حتى يرجع إليهم نبيّ الله موسى .  

ثم موافقة نبيّ الله موسى ، عليه السلام ، له ، بعد غضبه في بداية الأمر !


والأمران عظيمان ، وحرامان ، ولكن ضرر وحرمة التفرقة بين المسلمين ، أعظم وأكبر من الشرك مؤقتاً !

تعلّمنا ذلك من القرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى :


(   وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . 

قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى . 

قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا . أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي . 

قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي   ) ( ) .


[  أي قال لهم هارون ناصحاً ومذكراً من قبل رجوع موسى إليهم: إنما ابْتُليتُم وأُضللتم بهذا العجل . . .  وإنَّ ربكم المستحقَّ للعبادة هو الرحمن لا العجل، فاقتدوا بي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، وأطيعوا أمري بترك عبادة العجل . . . قالوا لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى يعود إلينا موسى فنظر في الأمر . . .  فلما رجع موسى ووجدهم عاكفين على عبادة العجل امتلأ غضباً لله وأخذ برأس أخيه هارون يجره إليه وقال له: أيُّ شيء منعك حين رأيتهم كفروا بالله أن لا تتبعني في الغضب لله والإنكار عليهم والزجر لهم عن ذلك الضلال؟ . . .  أخالفتني وتركت أمري ووصيتي؟ قال المفسرون: وأمرهُ هو ما كان أوصاه به فيما حكاه تعالى عنه

{ وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين } [الأعراف: 142] . . .  قال له هارون استعطافاً وترقيقاً: يا ابن أمي - أي يا أخي - لا تأخذ بلحيتي ولا بشعر رأسي . . .  إني خفت إن زجرتُهم بالقوة أن يقع قتالٌ بينهم فتلومني على ذلك وتقول لي: لقد أشعلتَ الفتنة بينهم . . .  ولم تنتظرْ أمري فيهم، فمن أجل ذلك رأيتُ ألاّ أفعل شيئاً حتى ترجع إليهم لتتدارك الأمر بنفسك  ] ( ) .


(  وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  ) ( ) .

وعن أنس ، أن أعرابيًّا بال في المسجد ، فوثب إليه بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

(لا تُزْرِموه ، ثم دعا بدَلْوٍ من ماء ، فصُبَّ عليه ) ( ) .


البول في المسجد لا يجوز ، وهو حرام ، ولكن قطع البول عن الأعرابي كان ضرره أكبر !

ولهذا نهى النبيّ  الصحابة عن قطع بوله !

 

الأمثلة :


1 - رجل عليه جرح ، لو سجد سال عليه الجرح ، وإن لم يسجد لم يسِلْ ؛ 

فإنه يومئ إيماءً ، لا يسجد ؛ 

لأن الصلاة مع الحدث أشـــد ، ولأن السجدة تتغير إلى بدل ، ولا يوجد للطهارة بدل في الصلاة ؛ 

لأن ترك السجدة جائزة للمريض ، أما الطهارة فلا يجوز تركها لهذا المريض .

 

2 - شيخ لا يقدِر على القراءة قائمًا ، ويستطيع القراءة قاعدًا فيقعد ؛ لأن القعود في النفل جائز .

 

3 - لو اضطر المحرم وعنده صيد ، وميتة ، أكل الصيد دون الميتة ؛ لأن ضررَه أخف ] ( ) .


فالعلماء والأئمة الكبار يتعرضون للطعن والتجريح ، من قِبَل بعض مَن لا يفهمون ، وممَن ليس لديهم العلم الكافي في الشريعة ، وممن حُشِروا بين العلماء ، وهم لا يملكون المؤهلات التي ترفعهم إلى مستوى أولئك العظماء .   

نعم يتعرض أولئك الأئمة ، حينما يفتون ويطبقون عملياً ، ما أقرّوه نظرياً بالإتفاق ؛ من دفع أعظم الضررين بتحمل أدناهما 


فيظن هؤلاء الأدعياء ، أن أولئك الأئمة قد أفتوا بالحرام مقابل الحلال !

يظنون أن أولئك العلماء كان أمامهم حلال وحرام ، فأفتوا بجواز الحرام ! 

ولا يعلمون أنهم كانوا أمام حرامين ؛ فأفتوا بتحمل أدناهما ، ودفع أعظمهما !


يقول تعالى : (  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ) ( ) .


فالله ، سبحانه وتعالى ، قد حرّم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما قُدّم لغير الله تعالى ، ومع هذا فقد أباحها – بشروط – في حالة الضرورة ، ورفع عنها الإثم .


فهنا أمام المسلم حرامان ؛ إمّا تناول اللحوم المحرمة المضرّة ، وإمّا الموت جوعاً ، حيث يعتبره بعض الأئمة إنتحاراً !


فالله تعالى قد أباح – في هذه الحالة – تناول تلك اللحوم ، وتحمّل هذا الحرام ، دفعاً للحرام الأكبر منه ؛ وهو الإنتحار !


وتلك اللحوم تضر بصحة الإنسان في الحالات الإعتيادية ، ولكن حياة الإنسان ، ووجوده أعظم من صحته !   

 


(  عاشراً ) / : بعد هذا التمهـيد ، نأتي إلى موضوعنا الرئيس ، وهو : هل يجوز إعطاء زكاة الفطر نقداً ؟ 


1 - عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْـــلَ خُرُوجِ النَّــــاسِ إِلَــى الصَّلَاةِ i ( ) 

2 - عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ  وَالتَّمْرُ i ( )

في هذين الحديثين المباركين نستنبط ما يأتي :

أ - فرض النبيّ  ، في زكــاة الفطر ، ونصّ على : التمر ، والشعير فقط ! 

ب – ذكر الصحابيّ الجليل أبو سعيد الخدريّ  ، وفسّر الطعام ، الــذي كانوا يخرجونه في زكــاة الفطـــر ، في زمن النبيّ  : الشعير والزبيب والأقط والتمر ، فقط !

فلم ينص النبيّ  ، لا على الرز ، ولا على غيره !

فالذين يدّعون التقيّد بالنصوص ، من أين جاءوا بالرز وغيره ؟ والرز لم يكن موجوداً أصلاً في زمن النبيّ  ؟

ولم ينص النبيّ  ، على قوت البلـــد ، ولم يلفظ كلمتي ( قوت البلد ) ! فمن أين جاء الذين يحتجّون على غيرهم بالتقيّد بنص النبيّ  .

 من أين جاءوا بـ( قوت البلد ) ، وهم يفرحون  بأنهم يطبّقون السنة في هذا الموضوع ، دون غيرهم من الذين يخرجون النقود ؟ !

ونحن نرى أنّ آراء واجتهادات وأقوال ، ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، أكثر دقة ، ومنطقيّةً ، مع ظاهريته ، في تقيّده بالنص ، من الذين يدّعون ذلك ، ويحاربون غيرهم بحجة التقيّد بالنص . 

وهم – في الحقيقة – مقيّدون باجتهادات وآراء رجال – غير معصومين – لا يرتقون إلى مستوى كُتّاب أولئك الأئمة ، الذين يحاربونهم ! ! 

أنظر إلى أقوال ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، لترى التقيّد حرفيّاً بالنص كيف يكون ؟ :


قال ، رحمه الله :


[   وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – 

فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.

وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -: 

أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ، 

فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ، 

ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ: 

فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، 

فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ. 

قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ، 

وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، 

وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، 

وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ، 

وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ، 

وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ، 

فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟ 

وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ ] ( ) .


فمن قال : يخرج المسلم زكاة الفطر مما يأكله ، ومن قوت بلده . 

قيل : قوله هذا  دعوى باطل بلا برهان ، 

وهو قول مَن يتناقض مع نفسه –  عند الإمام ابن حزم الظاهري – رحمه الله !

لأن قوت البلد هو الخبز لا الحَبّ ، 

فمعنى كلامهم : أنه واجب عليهم إعطاء الخبز في زكاة الفطر !

وتناقضهم – حسب قول الإمام ابن حزم – هو : أنّهم يوجبون زكاة الفطر من قوت البلد من ناحية ! وقوت البلد هو : الخبز ! أي : الواجب فيها – حسب قولهم – هو الخبز !

ومن ناحية أخرى يقولون : الخبز ليس بواجب ، لأنه لم ينص عليه !

ثم إن قالوا : لم ينص النبيّ  ، على الخبز ، 

قيل : صدقتم ، وكذلك لم ينص  ، إلا على التمر ، والشعير ! فمن أين جئتم بالرز ، والعدس ، و . . . ؟ 

فإن قالوا : إنما ذكر النبيّ  ، التمر ، والشعير ، لأنهما كان قوت أهل المدينة .

قال ابن حزم : هذا قول فاحش جداً ، وهو كذب مكشوف على رسول الله  ! وهوقول عظيم جداً ، 

لأنه إفتراء وتقّوّل على النبيّ  ، ما لم يقله !


وقال : فكيف علِم هؤلاء أنّ رسول الله  ، أراد أن يذكر قوت البلد ، ولكنه سكت عنه ، ولم يذكره ، ولكنه ذكـر  ، التمر ، والشعير ، لأنهما كان قوت أهل المدينة !


فهل أخبرهم النبيّ  ، بذلك ، كما يقول الإمام ابن حزم ، رحمه الله ؟

أم أنهم قد نزل عليهم الوحي بذلك ؟ !


ثم قال الإمام ابن حزم :  ولو صحّ قولهم ذلك ( أنه إنّما فرض ونصّ على التمر ، والشعير ، لأنهمـا كـان قوت أهل المدينة )   لكان ذلك الفرض يكون على أهل المدينة فقط ، ولا يلزم غيرهم !


وقال أيضاً : فإنّ الله تعالى كان يعلم ، وأخبر بذلك رسول الله  ، أنه سيفتح لهم الشام والعراق ومصر وما وراء البحار ، ولاشك أن قوت تلك البلاد يختلف عن قوت أهل المدينة . 

فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد دينهم ؟ فيريد منهم أمراً ولا يذكره لهم ، ويلزمهم بكلامه ما لا يلزمهم من التمر ، والشعير ؟

أي : لو أراد رسول الله  ، قوت أهل كل بلد ، لذكـر ذلـك ، ولم ينص على التمر ، والشعير ! 

ثم استعاذ ابن حزم بالله من هذا الظن الفاسد المختلط !


هذا منطق مَن يأخذ بحرفية النص ، ويأخذ به ! 

وهو منطق وقول مَن لا يتناقض مع نفسه !


فالذي يخــالف و يحــارب المسلمين في هـذه المســــألة – لأنهم يقولون بجواز إخراج النقود – ويفتخر بنفسه ، على أنه مقيّد بنص حديث رسول الله  ، دون غيره  

عليه : إمّا أن يردّ على الإمام ابن حزم قوله ، ويبطله !

أو يعترف بأنه أيضاً غير مقيّد بحرفية النص ، حاله حال المسلمين الذين يحاربهم !  


 وعليه أن يعترف أنه هو أيضاً مقيّد بقياسات واجتهادات العلماء !


هل ذكر النبيّ  ، الرز والعدس و . . . ؟ وهل قال  ، قوت البلد ؟ 

هل أخذوا ذلك من حرفية النص ؟ أم استنباطاً منه ؟


فلماذا يجوز ، ويحل لهم الإستنباط ، ولا يجوز لغيرهم ، ويحرم عليهم ذلك ؟ !  


ج –  ثم قال ابن حزم ، رحمه الله :


[  ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،


 وَلَا عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِي خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيــعُ أُمَّهَـــاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» 

وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» 

أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، 

ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَلَى اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ 

فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ: أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – 

بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ، 


وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا،


 أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ، أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ،


 وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلْأَكْلِ فِي جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، 


وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلَاصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ، مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الْأَغْلَبِ؛

 فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ  ] ( ) . 


يقول الإمام ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، عن قول أبي سعيد الخدري  - الذي يقول فيه - : كُنّا نفعل كذا . . 

يقول : هذا ليس خبر مسند ، لأنه ليـــس فيــه أنّ رسول الله  ، عَلِم بذلك فأقرّه ! 

ويتعجب ابن حزم ، من هؤلاء العلماء ؛ الذين يعتمدون في إقرار سنة عن النبيّ  ، على قول أبي سعيد الخدري ،  : كنا نفعل كذا وكذا . 

فيقولون بإخراج الزبيب والأقط و . . . إستناداً على قول أبي سعيد الخدريّ  : كنّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ . 

ويعتبرونه سنّة مقررة من عند رسول الله  ، علماً أنه ليس فيه أن رسول الله  ، قد عَلِمَ بذلك !


 بينما هم يردّون ما هو أقوى من ذلك ، ولا يعتبـرونـه سنّة ! ويقولون : هو غير مسند ؛ لأنه ليس فيه أنّ رسول الله  ، عَلِمَ بذلك فأقرّه ! !


فيقول : هؤلاء العلماء قد ردّوا قول بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، مثل جابر بن عبد الله ، وأسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهم ، وقولهما هو بنفس صيغة قول أبي سـعيـد الخدريّ ، الذي جعلوه سنّة ، بل قولهما أقوى في الإستنباط منه ! 


مثلاً : خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» 


وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»


فيقولون عنهما : هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ


يقول ابن حزم : فليحكم كل مَن عنده عقل يحتكم إليه ، أي منهما منطقي ؟

 

هل يخفـى على رسول الله  ، أن يبيـع رجـل من أصحابـه كجابر  ، أم ولده ؟ 


أو هل يخفى على رسول الله  ، أن يُذبح فَرَس في بيت أبــي بكر الصدّيق  ، أبي أسمــاء ، أو في بيت الزبير بن العـوام  ، زوج أسماء ، 

وبيت كل منهما بجنب بيت رسول الله  ، 

وأخت أسماء ؛ هــــي عائشة بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم ، وهي زوج النبيّ  ؟

 ولاسيما كم كان الفَرَس عزيزاً ، وقليلاً عندهم ، وكم كانوا بحاجة إليه ، فيذبحونه ويأكلونه ، 

ويخفى ذلك على رسول الله  ! ! ولا يعتبر عملهم سنّة !


أما حينما يتصدّق رجل مــن أصحابه كأبـــي سعيد الخدريّ  ، وبيته في عوالي المدينة المنورة ، في بني خُدرة ، أي بعيد عن بيت رسول الله  ، 

حينما يتصدّق بصاع أقط ، أو زبيب ، فهذا لا يخفى على رسول الله  ، ويعتبر عمله سنّة إقرارية !


ويقول : لو ذُبح فَرَس للأكل ، في طرف من بغداد – في زمانه –  ما كان ليخفى على الطرف الآخر ، 

فكيف خفي ذلك على رسول الله  ، في جنب بيته ؟


يقول : بينما لو تصدّقت زوجة أحدنا بصاع أقط ، أو زبيب ، أو قمح ، ما كاد أن يعلمه ، وهو زوجها ! 

فأن لا يعلم جيرانه فبطريق الأَوْلى ! ! 

فكيف – حسب قول ابن حزم – عكَسَ هؤلاء العلماء الأمر ، فردّوا الأقوى ، وأخذوا بالأضعف منه ؟ !

     

د – جاء في حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ، الذي رواه الشيخان ؛ البخاري  ، ومسلم ، في صحيحيهما :


(  وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ   ) . 

فهذا أمر من النبيّ  ، صريحاً واضحاً – للذين يتقيّدون بنص النبيّ  ، ويدّعون أنّهم لا يخرجون عن النص ، ويحاربون الأئمة ويضللونهم بخروجهم عن النص – 

هل هم يتقيّدون بأمر ، وسنة رسول الله  ، هنا ؟

وأمره  ، هنا هو أن تؤدّى زكاة الفطر ، بعد صلاة فجرعيد الفطر ، وقبل صلاة العيد ! 

فهل هم مقيّدون بذلك ؟


وقد استحب الأئمة ؛ أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، تأخير صلاة عيد الفطر ، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر ، المستحب إخراجها فيه ! ( )


فهل هم يتقيّدون بذلك ؟ 

لا ، طبــعاً ، هم غيـــر مقيّدون بذلك ، بل يؤدّونها قبل ذلك ، ربّما بيومين ! لماذا ؟


لأن الإمام البخاري ، رحمه الله ، قد روى في صحيحه ، عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا 

أنه كان «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» ( ) .


ولنا على هذا الإستدلال ملاحظتان :


1 – أن النبيّ  أمر بوضوح ، وبصريح العبارة ، أن  تؤدّى زكاة الفطر ، قبل خروج الناس إلى الصلاة !

فلمـاذا عدل الملتزمون بالنص عن ذلك ، ويؤدونها قبل ذلك ؟


قالوا : [ ولا مانـــع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين . 

وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين ] .


وقالوا أيضاً : [  وقت وجوب إخراجها : تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الفِطْرِ : هذا هو وقت الوجوب، أي الوقت الذي يوجه فيه الخطاب إلى الإنسان بإخراجها هو وقت غروب الشمس ليلة الفطر، والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما  ] 


ثم أنظر إلى قولهم – وهم يدّعون الإلتزام بنصوص الكتاب والسنة – : 

[ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ] .       [  وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .


علماً أن رسول الله  ، أمر بإخراجها قبل خروج الناس إلى الصلاة !

أتدرون لماذا ؟ لأن الصحابيّ الجليل عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، روى : أنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين !

 أي : أن الصحابة هم يفسرون ، ويشرحون ، ويبيّنون لنا مقصد رسول الله  ، وما أراد بأوامره ، وكيفيّتها ! 


والصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يفعلون شيئاً من عند أنفسهم ، بل لابد أنّهم إذا عملوا عملاً فبعلم رسول الله  ، عملوه ، وأقرّهم على ذلك .


مع أن أمر النبيّ  ، هنا واضح صريح !


قالوا : [  وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين  ] .  

[  لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1511) من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:  وَكَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ  ] ( ) . 

هذا هو سبب العدول عن أمر رسول الله  ، الواضح الصريح !

فالصحابة ، رضوان الله عليهم ، هم مَن يفسرون لنا أوامر رسول الله  ، ولا يعملون إلّا بعلم النبيّ  .

 

وهذا كلام جميل ، ومبدأ صحيح ، أليس نقول دائماً : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ؟ 

وهل هناك – من السلف الصالح – أفضل ، وأعلم من الصحابة ، رضوان الله عليهم ؟ !


ولا ندري – ولا المنجّم يدري – لماذا عدلوا عن هذا المبدأ الصحيح الجميل في مكان آخر ؟ !


والحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، قد قرر في كتابه (( منهاج السنة )) ، أنّ الدليل على بطلان المقابل ، هو وجود التناقض في أقواله ومواقفه ؛ فتراه يقرر شيئاً في مكان ، ثم يقرر عكسه ، ويناقض ذلك القول في مكان آخر !


فعلى سبيل المثال – لا الحصر – مسألة الأخذ من اللحية ، وتقصيرها :


حيث ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ » ) ( ) .


وكان علي بن أبي طالب يأخذ من لحيته مما يلي وجهه . 


وكان أبو هريرة يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة .

 وكان جابر يأخذ من لحيته .


 وقال عطاء بن أبي رباح : كانوا ( ) يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حجٍّ ، أو عمرة . 


وكان إبراهيم يأخذ من عارض لِحْيَتِهِ .


 وكان الإمام طاووس يأخذ من لحيته ولا يوجبه .


 وقال الحسن : كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها . 


وكان القاسم : إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه . 


عن أبي هلال قال : سألت الحسن وابن سيرين فقالا : لا بأس به أن تأخذ من طول لحيتك . 


وعن إبراهيم قال : كانوا ( ) يبطنون لِحاهُم ويأخذون من عوارضها ، رضي الله عنهم ،ورحمهم الله تعالى . ( ) 


وكذلك قال بذلك كلٌ من : ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرضي ، ومجاهد ، وابن جريج ، والإمام أحمد .


وروي عن عمر بن الخطاب  ، أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كثرت فأخذ بحديها ثم قال : ائتوني بجلمين ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده ثم قال : إذهب فأصلح شعرك أو أفسده ، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع ( ) . 


وأن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهم ، كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقصّ شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب وقبل أن يُهل محرماً ( ) .


قال الشيخ الألباني ، رحمه الله : [  السنة التي جرى عليها عمل السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة ؛ فيُقص ، 

وتأييد ذلك بنصوص عزيزة عن بعض السلف وبيان أن إعفاءها مطلقاً هو من قبيل ما سماه الإمام الشاطبي بـ( البدع الإضافية )  ] ( ) .


يعني : الذي لا يأخذ من لحيته ، ويتركها بدون قصها ، هو مبتدع عند الشيخ الألباني ، رحمه الله ! 


وقال ، رحمه الله ، أيضاً : [  حتى قال منصور عن إبراهيم : كانوا يأخذون من جوانبها ، وينظفونها يعني اللحية .

أخرجه ابن أبي شيبة ( 8 / 564 ) ، والبيهقي في (( شعب الإيمان )) ؛ ( 5 / 220 / 6438 ) بإسناد صحيح عن إبراهيم ، وهو ابن يزيد النخعي ، وهو تابعي فقيه جليل ، 

قال الذهبـي فــي (( الكاشف )) : (( كان عجباً في الورع والخيـر ، متوقياً للشهرة ، رأساً في العلم ، مات سنة ( 96 ) كهلاً )) .

قلت : فالظاهر أنه يعني مَن أدركهم من الصحابة وكبار التابعين وأجلائهم ، 

كالأسود بن يزيد – وهو خاله – وشريح القاضي ، ومسروق وأبي زرعة – وهو الراوي لأثر أبي هريرة المذكور آنفاً – وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، 

والآثار في الباب كثيرة ؛ 

بل إن بعضهم جعل الأخذ من اللحية من تمام تفسير قوله تعالى في الحُجّاج : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم  ) . . .   ] ( ) 


وقال ، رحمه الله ، أيضاً : [  فالعجب كل العجب من الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين بغير حق ، 

كيف يتجرأون على مخالفة هذه الآثار السلفية ؟ 

فيذهبون إلى عدم جواز تهذيب اللحية مطلقاً ؛ ولو عند التحلل من الإحرام ، 

ولا حجة لهم تذكر سوى الوقوف عند عموم حديث :       (( . . . وأعفوا اللحى )) ، كأنهم عرفوا شيئاً فات أولئــك السلف معرفته ، 

وبخاصة أن فيهم عبد الله بن عمر الراوي لهذا الحديث ؛ كما تقدّم ؛

وهم يعلمون أن الراوي أدرى بمرويه من غيره . 

وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه ؛ كما توهم البعض ، 

فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته ، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على أهل العلم والنهى . . .   ] ( ) .


ولقد روى ابن عمر ، رضي الله عنهما  ، عن النبيّ  : ( خالفوا المشركين وفِّروا اللَّحى وأحفوا الشوارب ) ( ) . 


وروى ابن عمر ، رضــي الله عنهمــا ،  أيضـاً ، أنّ النبـيّ  : ( أمر بإحفاء الشوارب ، وإعفاء اللحية ) ( ) . 


فمع عمل كل أولئك الصحابة ، رضوان الله عليهم ، والتابعين ، والأئمة ، رحمـهم الله تعالـى ،  

فقد قـال مَـن يقـال لهم ( فقيه ) و ( علّامة ) ، في هذا العصر والزمان ، من قِبَل الذين يقولون : الكتاب والسنة بفهم الصحـابـة ، والسـلف الصـالح   : 


قال : [ القص من اللحية خلاف ما أمر به النبيّ  ، في قوله : ( وفروا اللحى ) ، ( اعفوا اللحى ) ، ( أرخوا اللحى ) 

فمن أراد اتباع أمر الرسول  ، واتباع هديه  ، فلا يأخذن منها شيئاً ، فإن هدي ( ) الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن لا يأخذ من لحيته شيئاً ، 

وكذلك كان هدي الأنبياء قبله ( ) ] ! 


وقال ذلك المفتي والعلامة ، أيضاً : [ أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة ، 

فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة ، وقالوا : إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه . 

ولكن الأَولى الأخذ بما دلّ عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبيّ  ، لم يستثن حالاً من حال  ] .


وقال فقيه ، وعلّامة آخر – من الذين يقولون : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح : 


[ مَن احتج بفعل ابن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان يأخذ من لحيته في الحـــج ما زاد على القبضة . 

فهذا لا حجة فيه ، لأنه اجتهاد ( ! ! ! ) من ابن عمر ، رضــي الله عنهما ، والحجة في روايته لا في اجتهاده . 

وقد صرّح العلماء ، رحمهم الله : أن رواية الراوي من الصحابة ومن بعدهم الثابتة عن النبيّ  ، هي الحجة ، وهي مقدمة على رأيه إذا خالف السنة  ] ! ! .


قبل نقل أقوال أخرى ؛ من الذين يقولون : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح – ولا سيما الصحابة – 

هناك بعض الملاحظات ، على تلك الكلمات ، التي فاه بها ذلك المفتي العلّامة :


أ – إنه يعتبر أخذ ابن عمر ، رضي الله عنهما ، من لحيته ، من قبيل الإجتهاد منه ، ومن قبيل الرأي ! 

أي : إنّ ابن عمر قد تأمل ، وتدبّر ، وأعمل فكره في فهم حديث رسول الله  ، ولكنه ما وافق اجتهاده الصواب ، بل خالف السنة ! 

علماً أنه هو راوي الحديث ! !


ولا داعي هنا لأنقل أقوال الصحابة ، والتابعيــن ، وأتباعهم ، والأئمة في إلتزام ابن عمر ، رضي الله عنهما ، وتقيّده بسنة رسول الله ، وهديه ،  ، حتى فيما هو غير ملزم ! 

وهذا يعرفه القاصي والداني ، حتى من شدّة ذلك ، كانوا يطلقون عليه : مجنون ! 

فلا داعي لأنقل ذلك ، ثم إنّ المسألة هنا ليست هي اللحية  فقد أتيت بهذا الموضوع ، على سبيل المثال ، وليس الحصر !


ب – إنّ هذا الأمر ، لا يحتاج إلى إعمال فكر ،  وتأمل ، وإجتهاد من ابن عمر ، راوي الحديث . 

بل يحتاج فقط إلى النظر إلى وجه رسول الله  ! ! 


فهل رأى ابن عمر وجه رسول الله  ؟ 

وكم مرة رآه ؟ أو كم سنة رآه ؟


قال الشيخ الألباني ، رحمه الله : [  قلت : ومن المعلوم أن الراوي أدرى بمرويه من غيره ، ولاسيما إذا كان حريصاً على السنة كابن عمر ، وهو يرى نبيّه  - الآمر بالإعفاء – ليلا نهاراً فتأمل  ] ( ) .


فهل هذا الذي جاء بعد رسول الله  ، بأربعة عشر قرن – ألف وأربعمائة سنة – هو أعلم بالسنة ممن عاش مع رسول الله  سنوات عدة ؟ ! 

ولاسـيما فــي أمـــر يحتــاج فقط النظــر إلـــى وجـــه رسول الله  !

وكيف يسمح له ورعه ، وتقواه أن يتهم ابن عمر ، رضي الله عنهما ، بمخالفة السنة ، بكل برودة الدم هذه ؟


ج – يجب أن ينتهي أولئك عن قولهم : بفهم السلف الصالح ، ولا سيما الصحابة . 

أو يدَعوا التناقض ، والمزاجية في الأخذ بأفهامهم مرة ، وتركها أخرى ! ‍ 


د – أن يتواضعوا ، فيقرروا أن السـلف الصـــالح هم أعلم ، وأفهم بالسنة ، والشرع منهم !


 وقالوا أيضاً : [  ما يفعله بعض الناس من حلق اللحية أو أخذ شيء من طولها وعرضها فإنه لا يجوز ؛ 

لمخالفة ذلك لهدي الرسول  ، وأمر بإعفائها ، والأمر يقتضــي الوجوب حتــى يوجــد صـارف لذلك عن أصله ، ولا نعلم ( ) ما يصرفه عن ذلك ] 


[ فمن أراد اتباع أمر الرسول  ، واتباع هديه  ، فلا يأخذ من لحيته شيئاً ، وكذلك كان هدي الأنبياء قبله ( ) ] .


وقالوا : [ الحجة في روايتــــه ( يقصدون عبد الله بن عمر ) لا في رأيه ، ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله ؛ كائناً ما كان ] .  

قال الشيخ الألباني ، رحمه الله : [ نصب المخالفة بين النبيّ  ، وابن عمر خطأ ؛ 

لأنه ليس هناك حديث من فعله أنه كان  ، لا يأخذ من لحيته . 

وقوله : (( وفروا اللحى )) ؛ يمكن أن يكون على إطلاقه ، فلا يكون فعل ابن عمر مخالفاً له ، 

فيعود الخلاف بين العلماء إلى فهم النص وابن عمر – باعتباره راوياً له . 

يمكن أن يقال : الراوي أدرى بمرويه من غيره ، لاسيما وقد وافقه على الأخذ منها بعض السلف كما تقدم 

دون مخالف له ( ) فيما علمنا . والله أعلم ] ( ) .



وقالوا : [  وحدّ اللحية كما ذكره أهل اللغة ( ) – هي شعر الوجه واللحيين والخدّين ، بمعنى أن كل ما على الخدّين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية ، 

وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيـضــاً ( ) ، لأن النبـيّ  ، قـال : (( أعفو اللحى )) و (( أرخو اللحى ))  و(( وفروا اللحى . . . )) . و (( أوفوا اللحى . . . )) 

وهذا يدل على أنه لا يجوز أخذ شيء منها ( ) لكن المعاصي تتفاوت فالحلق أعظم من أخذ شيء منها ، لأنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شيء منها ، 

وهذا هو الحق ( ) ، والحق أحق أن يُتّبع ، 

وتساءل مع نفسك ما المانع من قبول الحق والعمل به إرضاءً وطلباً لثوابه ؟ 

فــــلا تقــدّم رضـــا نفســـك وهــــواك والرفــاق على رضا الله ، ( ) قال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى  )   ]  !


وقالوا : [ دلّت سنّة النبيّ  ، القولية والفعلية على وجوب إعفاء اللحية ( ) ، وعدم جواز الأخذ منها ، 

وهو ما دلّ عليه اللفظ النبوي ، وصحّت به السنة في غير ما حديث ( ) ] .


أمر النبيّ  ، هنا ، يحتمل عدة أوجه ؛ يحتمل أن يكون للوجوب . ويحتمل أن يكون للندب ! 

ولاسيما هناك أحاديث بنفس هذه الصيغة ، ولم يفهم عنه أحد الوجوب !


على سبيل المثال :

قال رسول الله  : (  "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم" ) ( ) .


 مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، 

فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر ، رحمه الله ، في فتح الباري  . 

مع  أمر النبيّ  ، بالصبغ ، مخالفة لليهود والنصارى ! 


وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ( خالِفُوا اليهودَ فإنَّهم لا يُصَلُّون في نِعالِهم ولا خِفافِهم ) ( ) .


فهل الصلاة في النعال والخفاف واجب ؟ 

حيث أمر النبيّ  ، بذلك ، مخالفة لليهود ؟ 

وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» ( ) .


هل التسحر واجب ؟ لأنه فصل ما بين صيام المؤمن ، وصيام أهل الكتاب ؟ وقد جعله النبيّ  ، فصلاً بينهما ؟ ! 

 

فأصبح الأمر في مسألة إعفاء اللحية واجباً ؛ يجب تركها على غاربها ، ولا يأخذ المسلم منها شيئاً ، وإلّا كان آثماً عاصياً ! 


بينماالأوامر في الصبغ ، والصلاة في النعال ، مخالفة لليهود ! وأكلة السحر ، للفصل بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى ، أصبحت غير واجبة ؛ 

للمسلم خيار في فعلــها وتركها !


والصيغة في كلا الأمرين واحدة ! 


لماذا ؟ لأن من الصحابة والسلف الصالح مَن لم يصبغ ، ومنهم مَن لم يتقيّد – أثناء الصلاة – بالنعال ، و . . . ! 


وهنا يكون الأخذ بالكتاب والسنة ، بفهم الصحابة والسلف الصالح .


أما الذين أخذوا من لحاهم وهذّبوها ، من الصحابة والسلف الصالح ، فَهُم آثمون عاصون ، مخالفون لسنة النبيّ  وهنا لا يعمل بفهم الصحابة والسلف الصالح !     


ولو أن مسألتنا هنا ، ليست هي مسألة اللحية ، فهذا الموضوع له مكان آخر . 

ولكن جئنا بها هنا كمثال على الإزدواجية في المعايير ، والكيل بمكيالين !


2 – الملاحظة الثانية ، هي : 


لماذا بعض المرات نجد فَهْم الصحابة والسلف الصالح – كما هُم يفهمون – هو المقدَّم . 

وبعض المرات  يُتّهم الصحابة والسلف الصالح – غير مباشر –  بمخالفة سنة النبيّ  ، واتباع الهوى ! ! 


ما هو المقياس في ذلك ؟

فالنبيّ  ، أمر بإخراج زكاة الفطر بعد صلاة فجر يوم العيد ، قبل صلاة العيد .

 وهؤلاء يجيزون إخراجها قبل يوم أو يومين من ذلك ، لأن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : كان الصحابة يخرجونها قبل ذلك الوقت الذي حدّده النبيّ  !


هنا يؤخذ بقول وعمل الصحابة ، وإن كان – ظاهراً – مخالفاً لأمر النبيّ  . 

لأنّ الصحابة ، رضي الله عنهم ، هم أعلم ، وأدرى ، وأفهم لقول النبيّ  ، وأوامره وكيفيتها !

وتعتبر أعمالهم سنّة تقريرية ، علم بها النبيّ  ، وأقرّهم عليها ! 


علماً أنه هو نفس الصحابيّ الذي رفضوا تطبيقه للسنة في قضية اللحية  ! 


فمع بيان عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، للسنة في اللحية بعمله ، 

ومعه كل أولئك الصحابة الذين ذكرناهم ، وفيهم خلفاء راشدين ، 

إضافة إلى التابعين ، وأتباعهم . 

وجميعهم من السلف الصالح .

يرفضون كل ذلك ، ويعتبرون أفعالهم معصية مخالفة لسنة النبيّ  ! !


فلا ندري بأي ميزان ومقياس ، تصدر أقوالهم واجتهاداتهم هذه ؟

لماذا بعض المرات يأخذون بأقوال الصحابة وأفعالهم ، وهي ظاهراً معارض لأقوال النبيّ  ، وأفعاله ؟ 


ولماذا – في هذه الإجتهادات – يقولون : الصحابة أعلم بأوامر رسول الله وأفعاله  ، وهم يبيّنون لنا كيفيتها ؟ كإخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين !


بينما يقولون بعدم جواز الأخذ من اللحية ، لأن النبيّ  لم ينص على ذلك ! وهم مقيّدون بنص الحديث !


علماً أن النبيّ  لم ينص أيضاً لا على الرز والعدس ، ولا على قوت البلد ، فلماذا عدلوا هنا عن نص الحديث !  


وقد كان كبار الصحابة وعلمائهم ، رضي الله عنهم ، قد فقهوا وفهموا الغاية من الزكاة عامة ، وهي : سد فاقة الفقير ، وإشباع حاجاته .

ولم يقيّدوا أنفسهم ببعض الوسائل المنصوصة عليها !

   

فقد صحّ عن معاذ بن جبل – أعلم الصحابة بالحلال والحرام –  ، أنه قال لِأَهْلِ اليَمَنِ: 

«ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ 

أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»

وكذلك جاء عن عمر بن الخطاب   ، أنه كان يأخذ من الأراضي الخراجية الدراهم ، مع أنّ النبيّ  ، أخذ من أهل خيبر شطر ما يخرج من أراضيهم ، 

ومع هذا لم يتقيّد عمر بأخذ الثمار والزروع بل كان يأخذ الدراهم وغيرها منهم . 

وما رأينا منكراً من الصحابة على ذلك ، وعلى هذا مضى من بعده ( ) .


[ وكذلك الحال في الجزية ؛ فقد ثبت عن النبيّ  ، أنه أمر معاذاً أن يأخذ ( من كل حالم ديناراً أو عدله معافر ) كما روى أبو داود والترمذي والنسائي بسند صحيح ، 

ولم يثبت عن النبيّ عليه الصلاة والسلام في الجزية غير ذلك ، 

فقال ( أو عدله معافر ) فخص المعافر ولــم يقل ( أو عدله ) مطلقاً بدون تخصيص ، بل خصّه بالثياب ، 

ومع هذا التخصيص لم يتقيّد الصحابة بذلك ، 

فقد كان عمر يأخذ في الجزية الدنانير والدراهم والطعام والأنعام وغيرها ؛ 

روى أبو عبيد في الأموال بسند صحيح ( أن عمر كان يؤتى بنِعَم كثيرة من نِعَم الجزية ) 


وروى أبو عبيد كذلك بسند صحيح عن عليّ بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – أنه كان : ( يأخذ الجزية من كل ذي صنع : من صاحب الإبر إبراً ، ومن صاحب المسان مسان ، ومن صاحب الحبال حبالاً ) 


وروى إبن زنجويه في الأموال بسند صحيح عن عمر – رضي الله تعالى عنه – أنه كتـب إلى أمراء الأجناد في أمر الجزية : 

( مَن جرت عليه المواسي : على أهل الورق أربعين درهماً ، وأمر أن يختم في رقابهم ، 

وعلى أهل الشام ، وعلى أهل الجزيرة مدين من بر وأربعة أقساط من زيت وشيئاً من الودك لا أحفظه ، 

وعلى أهل مصر أردباً من بر ، قال : شيئاً من العسل لا أحفظه ، وعليهم كسوة أمير المؤمنين ضريبة مضروبة ، 

وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً ، وعليهم ضيافة المسلميــن ثلاثـاً يطعمونهم مما يأكلون مما يحل للمسلم من طعامهم ) .


والروايات في هذا كثيرة ، فهذا كله يدل على أن الصحابة نظروا إلى القيمة لا إلى عين ما ذكره النبيّ عليه الصلاة والسلام مع أنه حدّد ذلك فقال : ( ديناراً أو عدله من المعافر ) 

ومع هذا فقد تعدّوهما إلى غيرهما ، 

وما ذلك إلّا تيسيراً على أهل الذمة ، 

فقد كانوا يأخذون من أموالهم ولا يكلّفونهم من غيرها ، فمــن أحــقّ بالتيسير والنظر إلى حاجته : 

المسلمون أم أهل الذمة ؟ !


قال أبو عبيد في الأموال : ( فأراهما – يقصد عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما – قد رخصا في أخذ العروض والحيوان مكان الجزية ، وإنما أصلها الدراهم والدنانير والطعام ، 

وكذلك كان رأيهما في الديات من الذهب والورق والإبل والبقر والغنم والخيل ، 

إنما أرادا التسهيل على الناس ، فجعلا على أهل كل بلد ما يمكنهم . . . 

فالصدقة عندنا على هذا أن الأسنان يؤخذ بعضها مكان بعض ، إذا لم توجد السن التي تجب على ما روي عن علي بن أبي طالب ، وما كان يأخذ به سفيان ؛ 

لأن فيه تيسيراً على الذين تؤخذ منهم ، ووفاءً للذين تؤخذ لهم )  ]  ( ) .


ولا ندري لماذا هنا لا يؤخذ بأقوال وأعمال علماء الصحابة ، والخلفاء الراشدين منهم ؟


ولماذا هنا لا يقال : الصحابة أعلم وأدرى وأولى ، بفهم وتفسير أقوال رسول الله  ؟



( حادي عشر ) / : ثم نقول بعد ذلك : 

 

 ليس صحيحاً أنّ الإمام أبا حنيفة ، رحمه الله ، قد تفرّد وشذّ بفتواه ، بجواز إخراج النقود في زكاة الفطر !


والذين يقولون بذلك بين أمرين ، لا ثالث لهما :


أ – إمّا الجهل ، وعدم اتصافهم بالعلم في هذا الموضوع !

ب – أو تعمّدهم تضليل الناس ، تعصباً وتحزبا !



الذين قالوا بإخراج زكاة الفطر نقداً :


قال به الحسن البصري و طَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ والخليفة عمر ابن عبد العزيز وَمُجَاهِدٍ و سفيان الثوري  وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ وهو المشهور عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه  .


1 – الحسن البصري  2 – طاوس  3 – سعيد بن المسيّب  4 – عروة بن الزبير  5 – أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف  6 – سعيد بن جبير  7 - الخليفة عمر بن عبد العزيز     8  – مجاهد  9 – سفيان الثوري 10 – أبو حنيفة    11 – أصحاب أبي حنيفة : أ – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم   ب – محمد بن الحسن  ج – زُفَر  12 – الأوزاعي   13 – الليث .  


1 – الحسن البصري .


  [ حَدَّثَنَا وَكِيـــعٌ ، عَنْ سُــفْيَانَ ، عَــنْ هِشَـامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : « لَا بَـــأْسَ أَنْ تُعْطِـــيَ الدَّرَاهِــــــمَ فِـــي صَدَقَــــةِ الْفِطْـــرِ » ] ( )  .


سننقل نبذة عن حياة الحسن البصري ، وعن حياة كل مَن قال بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ممن ذكرناهم ، ثم نذكر بعض الملاحطات بعد ذلك .


[  كَانَ ( الحسن البصري )  سَيِّدَ أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْماً وَعَمَلاً 

قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ : كَانَ أَبِي يَقُوْلُ : الحَسَنُ شَيْخُ أَهْلِ البَصْرَةِ .

وَرُوِيَ أَنَّ ثَدْيَ أُمِّ سَلَمَةَ دَرَّ عَلَيْهِ ، وَرَضِعَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ  .

رَأَى : عُثْمَانَ ، وَطَلْحَةَ ، وَالكِبَارَ .

وَرَوَى عَنْ : عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ ، وَأَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ ، وَجَابِرٍ ، وَجُنْدُبٍ البَجَلِيِّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَمْرِو بنِ تَغْلِبٍ ، وَمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ ، وَالأَسْوَدِ بنِ سَرِيْعٍ ، وَأَنَسٍ ، وَخَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ . . .   

وَرَوَى عَنْ : خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِيْن

 

وَعَنْهُ : أَيُّوْبُ ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ ، وَابْنُ عَوْنٍ ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ ، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ العَطَّارُ ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ ، وَحَزْمٌ القُطَعِيُّ ، وَسَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ ، وَشُمَيْطُ بنُ عَجْلاَنَ ، وَصَالِحٌ أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ ، وَعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ قَاضِي سِجِسْتَانَ ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الضَّالُّ ( ) ، وَوَاصِلٌ أَبُو حَرَّةَ الرَّقَاشِيُّ ، وَهِشَامُ بنُ زِيَادٍ ، وَشَبِيْبُ بنُ شَيْبَةَ ، وَأَشْعَثُ بنُ بِرَازٍ ، وَأَشْعَثُ بنُ جَابِرٍ الحُدَّانِيُّ ، وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيُّ ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ ، وَأَبُو الأَشْهَبِ ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ  . . .


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ : كَانَ الحَسَنُ - رَحِمَهُ اللهُ – جَامِعاً ، عَالِماً ، رَفِيْعاً ، فَقِيْهاً ، ثِقَةً ، حُجَّةً ، مَأْمُوْناً ، عَابِداً ، نَاسِكاً ، كَثِيْرَ العِلْم . . . 

ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ : عَنِ الأَصْبَغِ بنِ زَيْدٍ ، سَمِعَ العَوَّامَ بنَ حَوْشَبٍ ، قَالَ : مَا أُشَبِّهُ الحَسَنَ إِلاَّ بِنَبِيٍّ .


وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْهُ . . .


حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ : قَالَ لَنَا أَبُو قَتَادَةَ :

الْزَمُوا هَذَا الشَّيْخَ ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ رَأْياً بِعُمَرَ مِنْهُ – يَعْنِي : الحَسَنَ .


وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَلُوا الحَسَنَ ، فَإِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِيْنَا .


وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ : لَمَّا ظَهَرَ الحَسَنُ ، جَاءَ كَأَنَّمَا كَانَ فِي الآخِرَةِ ، فَهُوَ يُخْبِرُ عَمَّا عَايَنَ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : مَا جَمَعْتُ عِلْمَ الحَسَنِ إِلَى أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ ، إِلاَّ وَجَدْتُ لَهُ فَضْلاً عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَتَبَ فِيْهِ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ، وَمَا جَالَسْتُ فَقِيْهاً قَطُّ، إِلاَّ رَأَيْتُ فَضْلَ الحَسَنِ.

قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ : كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى الحَسَنِ ثَلاَثَ حِجَجٍ مَا يَسْأَلُهُ عَنِ المَسْأَلَةِ هَيْبَةً لَهُ .

وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ : قُلْتُ لِلأَشْعَثِ : قَدْ لَقِيْتَ عَطَاءً وَعِنْدَكَ مَسَائِلُ ، أَفَلاَ سَأَلْتَهُ ؟! قَالَ : مَا لَقِيْتُ أَحَداً بَعْدَ الحَسَنِ إِلاَّ صَغُرَ فِي عَيْنِي .

وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ : كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ ، فَجَاءَ خَبَرٌ بِمَوْتِ الحَسَنِ ، فَقُلْتُ : لَقَدْ كَانَ غَمَسَ فِي العِلْمِ غَمْسَةً .

قَالَ قَتَادَةُ : بَلْ نَبَتَ  فِيْهِ ، وَتَحَقَّبَهُ  ، وَتَشَرَّبَهُ ، وَاللهِ لاَ يُبْغِضُهُ إِلاَّ حَرُوْرِيٌّ  .

مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ : عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : يُقَالُ : مَا خَلَتِ الأَرْضُ قَطُّ مِنْ سَبْعَةِ رَهْطٍ ، بِهِم يُسْقَوْنَ ، وَبِهِم يُدْفَعُ عَنْهُم ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الحَسَنُ أَحَدَ السَّبْعَةِ .


قَالَ قَتَادَةُ : مَا كَانَ أَحَدٌ أَكْمَلَ مُرُوْءةً مِنَ الحَسَنِ .

وَقَالَ حُمَيْدٌ ، وَيُوْنُسُ : مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْمَلَ مُرُوْءةً مِنَ الحَسَنِ .

وَعَنْ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ المُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةَ ، وَالقَاسِمِ ، وَغَيْرِهِم : مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الحَسَنِ ، وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَلَهُ مِثْلُ أَسْنَانِهِم ، مَا تَقَدَّمُوْهُ  .


حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ : عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ : سَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ القِرَاءةِ عَلَى الجَنَازَةِ ، قَالَ : مَا سَمِعْنَا وَلاَ عِلَمْنَا أَنَّهُ يُقْرَأُ عَلَيْهَا . قُلْتُ : إِنَّ الحَسَنَ يَقُوْلُ : يُقْرَأُ عَلَيْهَا  . قَالَ عَطَاءٌ : عَلَيْكَ بِذَاكَ ، ذَاكَ إِمَامٌ ضَخْمٌ يُقْتَدَى بِهِ . . .

وَقَالَ عَوْفٌ : مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِطَرِيْقِ الجَنَّةِ مِنَ الحَسَنِ . . .

رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الأَسْوَدُ ، قَالَ : تَمَنَّى رَجُلٌ ، فَقَالَ : لَيْتَنِي بِزُهْدِ الحَسَنِ ، وَوَرَعِ ابْنِ سِيْرِيْنَ ، وَعِبَادَةِ عَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَفِقْهِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ ، وَذِكْرِ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْر بِشَيْءٍ .

قَالَ : فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ ، فَوَجَدُوْهُ كُلَّهُ كَامِلاً فِي الحَسَنِ . . 


قال مَسْلَمَةَ بنَ عَبْدِ المَلِـــك . . .  كَيْفَ يَضِــلُّ قَــوْمٌ هَـذَا ( يقصد : الحسن البصري ) فِيْهِم . . .

 

وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ : أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ ، قَالَ :

رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةَ ، وَالقَاسِمَ فِي آخَرِيْنَ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الحَسَنِ ! ] ( ) .

2 – طاوس .

 [ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ ( يعني إخــراج زكاة الفطر نقداً ) ] ( ) .


[  قال عمرو بن دينار ما رأيت أحدا مثله قط ( يقصد : طاوس ) ] ( ) . 


[ الفَقِيْهُ ، القُدْوَةُ ، عَالِمُ اليَمَنِ . . . الحَافِظُ . . . 


سَمِعَ مِنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ ، وَعَائِشَةَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَلاَزَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ مُدَّةً ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي كُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ .


وَرَوَى أَيْضاً عَنْ : جَابِرٍ ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو .

وَعَنْ : زِيَادٍ الأَعْجَمِ ، وَحُجْرٍ المَدَرِيِّ ، وَطَائِفَةٍ .

وَرَوَى عَنْ : مُعَاذٍ مُرْسَلاً .


رَوَى عَنْهُ : عَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ ، وَابْنُهُ ؛ عَبْدُ اللهِ ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ ، وَابْنُ شِهَابٍ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى الدِّمَشْقِيُّ ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ المَكِّيُّ ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم .

وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ بَاتِّفَاقٍ .


فَرَوَى : عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنِّي لأَظُنُّ طَاوُوْسَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .


وَقَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ : هُوَ فِيْنَا مِثْلُ ابْنِ سِيْرِيْنَ فِي أَهْلِ البَصْرَةِ . . . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : لَوْ رَأَيْتَ طَاوُوْساً ، عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ .

الأَعْمَشُ : عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ ، قَالَ : أَدْرَكْتُ خَمْسِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

وَعَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسَةٌ لاَ يَجْتَمِعُ مِثْلُهُم عِنْدَ أَحَدٍ : عَطَاءٌ ، وَطَاوُوْسٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةُ . . . 

عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ طَاوُوْسٍ .


وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ : مَعَ مَنْ كُنْتَ تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ؟ قَالَ : مَعَ عَطَاءٍ ، وَأَصْحَابِهِ .

قُلْتُ : وَطَاوُوْسٌ ؟ قَالَ : أَيْهَانِ ( ) ذَاكَ ، كَانَ يَدْخُلُ مَعَ الخَوَاصِّ 


لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، قَالَ : كَانَ طَاوُوْسٌ يَعُدُّ الحَدِيْثَ حَرْفاً حَرْفاً ، وَقَالَ  : تَعَلَّمْ لِنَفْسِكَ ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُمُ الأَمَانَةُ .. . 


قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ ، وَأَبُو زُرْعَةَ : طَاوُوْسٌ ثِقَةٌ .

قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ اليَمَنِ، وَمِنْ سَادَاتِ التَّابِعِيْنَ، مُسْتجَابَ الدَّعْوَةِ، حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً . . . ] ( ) . 

 

    3 – سعيد بن المسيب .

 وَصَــحَّ ( إخراج زكـاة الفطر نقداً ) عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ( ) .

  [  الإِمَامُ ، العَلَمُ ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ ، عَالِمُ أَهْلِ المَدِيْنَة وَسَيِّدُ التَّابِعِيْنَ فِي زَمَانِهِ .


وُلِدَ : لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - . وَقِيْلَ : لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْهَا ، بِالمَدِيْنَةِ .


رَأَى عُمَرَ ، وَسَمِعَ : عُثْمَانَ ، وَعَلِيّاً ، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ ، وَأَبَا مُوْسَى ، وَسَعْداً ، وَعَائِشَةَ ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ ، وَابْنَ عَبَّاسٍ ، وَمُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ، وَخَلْقاً سِوَاهُم .

وَقِيْلَ : إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ .


وَرَوَى عَنْ : أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ مُرْسَلاً ، وَبِلاَلٍ كَذَلِكَ ، وَسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ كَذَلِكَ ، وَأَبِي ذرٍّ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَذَلِكَ .


وَرِوَايَتُهُ عَنْ : عَلِيٍّ ، وَسَعْدٍ ، وَعُثْمَانَ ، وَأَبِي مُوْسَى ، وَعَائِشَةَ ، وَأُمِّ شَرِيْكٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو ، وَأَبِيْهِ المُسَيِّبِ ، وَأَبِي سَعِيْدٍ : فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، 

وَعَنْ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ ، وَمَعْمَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ : فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) .

وَرِوَايَتُهُ عَنْ : جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمَا فِي (البُخَارِيِّ) .

وَرِوَايَتُهُ عَنْ: عُمَرَ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) .

وَرَوَى أَيْضاً عَنْ : زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ ، وَصُهَيْبٍ ، وَالضَّحَّاكِ بنِ سُفْيَانَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ .

وَرِوَايَتُهُ عَنْ : عَتَّابِ بنِ أَسِيْدٍ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) ، وَهُوَ مُرْسَلٌ .

وَأَرْسَلَ عَنِ : النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَنْ : أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ .


وَكَانَ زَوْجَ بِنْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِهِ .

رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ، مِنْهُم : إِدْرِيْسُ بنُ صَبِيْحٍ ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيد اللَّيْثِيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ ، وَبَشِيْرٌ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ العَبْدِيُّ ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ ، وَعُقْبَة بنُ حُرَيْثٍ ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ ، وَعَلِيُّ بنُ نُفَيْلٍ الحَرَّانِيُّ ، وَعُمَارَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طُعْمَةَ ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ ، وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ ، وَالقَاسِمُ بنُ عَاصِمٍ ، وَابْنُهُ ؛ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَفْوَانَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَبِيْبَةَ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ ، وَمَعْبَدُ بنُ هُرْمُزَ ، وَمَعْمَرُ بنُ أَبِي حَبِيْبَةَ ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ ، وَمَيْسَرَةُ الأَشْجَعِيُّ ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ ، وَأَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ السِّنْدِيُّ - وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ - وَهَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ الوَقَّاصِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ، وَيَزِيْدُ بنُ قُسَيْطٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ نُعَيْمِ بنِ هَزَّالٍ ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ ، وَيُوْنُسُ بنُ سَيْفٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ  ، وَأَبُو قُرَّةَ الأَسَدِيُّ، مِنْ (التَّهْذِيْبِ) .

وَعَنْهُ: الزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ . 

                                                                                                                 

وَكَانَ مِمَّنْ بَرَّزَ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ . . . 


أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ : عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ ، فَقَالَ : هُوَ – وَاللهِ - أَحَدُ المُفْتِيْنَ .

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ : مُرْسَلاَتُ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ صِحَاحٌ .

وَقَالَ قَتَادَةُ ، وَمَكْحُوْلٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَآخَرُوْنَ - وَاللَّفْظُ لِقَتَادَةَ - : مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ .


قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ : لاَ أَعْلَمُ فِي التَّابِعِيْنَ أَحَداً أَوْسَعَ عِلْماً مِنِ ابْنِ المُسَيِّبِ ، هُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِيْنَ . . . 


ابْنُ عُيَيْنَةَ : عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَرِيْفٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ يَعْقُوْب ، سَمِعَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ عُمَرَ كَلِمَةً مَا بَقِيَ أَحَدٌ سَمِعَهَا غَيْرِي . . . 


الوَاقِدِيُّ : حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ سَعْدٍ ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، وَسُئِلَ عَمَّنْ أَخَذَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ عِلْمَه ؟ فَقَالَ : عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ .

وَجَالَسَ : سعْداً، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ.


وَدَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : عَائِشَةَ ، وَأُمِّ سَلَمَةَ . وَسَمِعَ مِنْ : عُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَصُهَيْبٍ ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ .


وَجُلُّ رِوَايَتِهِ المُسْنَدَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ.


وَسَمِعَ مِنْ : أَصْحَابِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ .


وَكَانَ يُقَالُ : لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكُلِّ مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ مِنْهُ  .


وَعَنْ قُدَامَةَ بنِ مُوْسَى ، قَالَ : كَانَ ابْنُ المُسَيِّبِ يُفْتِي وَالصَّحَابَةُ أَحْيَاءٌ  .


وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ ، قَالَ : كَانَ المُقَدَّمَ فِي الفَتْوَى فِي دَهْرِهِ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَيُقَالَ لَهُ : فَقِيْهُ الفُقَهَاءِ  .


الوَاقِدِيُّ : حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ ، عَنْ مَكْحُوْلٍ ، قَالَ : سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ عَالِمُ العُلَمَاءِ  .


وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ ، قَالَ : ابْنُ المُسَيِّبِ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الآثَارِ، وَأَفْقَهُهُم فِي رَأْيِهِ  .


جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ : أَخْبَرَنِي مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ ، قَالَ : أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْقَهِ أَهْلِهَا ، فَدُفِعْتُ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ  .

قُلْتُ : هَذَا يَقُوْلُهُ مَيْمُوْنٌ مَعَ لُقِيِّهِ لأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .


عُمَرُ بنُ الوَلِيْدِ الشَّنِّيُّ : عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّادٍ العَصَرِيِّ: حَجَجْتُ، فَأَتَيْنَا المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْنَا عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: سَعِيْدٌ  . . 


مَعْنُ بنُ عِيْسَى : عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لاَ يَقْضِي بِقَضِيَّةٍ – يَعْنِي : وَهُوَ أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ - حَتَّى يَسْأَلَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ ، فَأَرْسَل إِلَيْهِ إِنْسَاناً يَسْأَلُهُ ، فَدَعَاهُ ، فَجَاءَ . فَقَالَ عُمَرُ لَهُ : أَخْطَأَ الرَّسُوْلُ ، إِنَّمَـــا أَرْسَـــلْنَاهُ يَسْأَلُكَ فِي مَجْلِسِكَ . . . ] ( ) .

4 – عروة بن الزبير .

وَصَـحَّ ( إخــراج زكاة الفطر نقداً )  عَــنْ عُـرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ( ) .


[  عُرْوَةُ ابْـنُ حَــوَارِيِّ رَسُــوْلِ اللهِ – صَلّـَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * ( ع )

وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ : الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ ،

 الإِمَامُ ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ ، الأَسَدِيُّ ، المَدَنِيُّ ، الفَقِيْهُ ، أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ .


حَدَّثَ عَنْ : أَبِيْهِ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ ؛ لِصِغَرِهِ . وَعَنْ : أُمِّهِ ؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ .

وَعَنْ : خَالَتِهِ ؛ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ ، وَلاَزَمَهَا ، وَتَفَقَّهَ بِهَا .

وَعَنْ : سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَسَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَسُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ ، وَجَابِرٍ ، وَالحَسَنِ ، وَالحُسَيْنِ ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ ، وَأَبِي حُمَيْدٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ ، وَابْنِه ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو ، وَأُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم .


وَعَنْهُ : بَنُوْهُ ؛ يَحْيَى ، وَعُثْمَانُ ، وَهِشَامٌ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَابْنُ شِهَابٍ ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ ، وَبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ ، وَأَبُو الزِّنَادِ ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ ، وَأَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ يَتِيْمُ عُرْوَةَ - وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ ، وَحَفِيْدُهُ ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ ، وَابْنُ أَخِيْهِ ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم .


قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ : مَا أَجِدُ أَعْلَمَ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ ، وَمَا أَعْلَمُهُ يَعْلَمُ شَيْئاً أَجْهَلُهُ  .


قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ أَرْبَعَةٌ : سَعِيْدٌ ، وَعُرْوَةُ ، وَقَبِيْصَةُ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ  .


ابْنُ المَدِيْنِيِّ : عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الزُهْرِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُرْوَةَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ  . . .


الأَصْمَعِيُّ : عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الزُهْرِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ صُعَيْرٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الفِقْهِ ، فَقَالَ : عَلَيْكَ بِهَذَا . وَأَشَارَ إِلَى ابْنِ المُسَيِّبِ ، فَجَالَسْتُهُ سَبْعَ سِنِيْنَ ، لاَ أَرَى أَنَّ عَالِماً غَيْرَهُ ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ إِلَى عُرْوَةَ ، فَفَجَّرْتُ بِهِ ثَبَجَ بَحْرٍ  .


ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي المَسْجِدَ ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ ، فَقَالَ أَبِي : انْظُرْ مَنْ هَذَا ؟ فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا هُوَ عُرْوَةُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، وَتَعَجَّبْتُ . فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، لاَ تَعْجَبْ ، لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُوْنَهُ  . . . 


عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ ، قَالَ : العِلْمُ لِوَاحِدٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ : لِذِي حَسَبٍ يُزَيِّنُهُ بِهِ ، أَوْ ذِي دِيْنٍ يَسُوْسُ بِهِ دِيْنَهُ ، أَوْ مُخْتَبِطٍ ( ) سُلْطَاناً يُتْحِفُهُ بِعِلْمِهِ ، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَشْرَطَ لِهَذِهِ الخِلاَلِ مِنْ عُرْوَةَ ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ . . . 


مَعْمَرٌ : عَنِ الزُهْرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ آتِي عُرْوَةَ ، فَأَجِلِسُ بِبَابِهِ مَلِيّاً ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَدْخُلَ دَخَلْتُ ، فَأَرْجِعُ وَمَا أَدْخُلُ إِعْظَاماً لَهُ   . . . 

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ  : كَانَ عُرْوَةُ ثِقَةً ، ثَبْتاً ، مَأْمُوْناً ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ ، فَقِيْهاً ، عَالِماً .


وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ : مَدَنِيٌّ ، ثِقَةٌ ، رَجُلٌ صَالِحٌ ، لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الفِتَنِ  .


وَرَوَى : يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كَانَ إِذَا حَدَّثَنِي عُرْوَةُ ، ثُمَّ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ ، صَدَّقَ عِنْدِي حَدِيْثُ عَمْـــرَةَ حَدِيْــثَ عُـرْوَةَ، فَلَمَّـــا تَبَحَّرْتُهُمَا ، إِذَا عُرْوَةُ بَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ   ] ( ) .


5 – أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .


وصح ( إخراج زكاة الفطر نقداً ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ( ) .


[  الحَافِظُ ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ بِالمَدِيْنَة . . .  حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِشَيْءٍ قَلِيْلٍ ؛ لِكَوْنِهِ تُوُفِّيَ وَهَذَا صَبِيٌّ .


وَعَنْ : أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ ، وَأَبِي أَيُّوْبَ ، وَعَائِشَةَ ، وَأُمِّ سَلَمَةَ ، وَبِنْتِهَا ؛ زَيْنَبَ ، وَأُمِّ سُلَيْمٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، وَمُعَيْقِيْبٍ الدَّوْسِيِّ ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ ، وَحَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ ، وَثَوْبَانَ ، وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - مُرْسَلٌ - وَطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ - كَذَلِكَ - وَرَبِيْعَةَ بنِ كَعْبٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَجَابِرٍ ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ، وَنَافِعِ بنِ عَبْدِ الحَارِثِ ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .


ثُمَّ عَنْ : بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ ، وَجَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ ، وَعُرْوَةَ ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ ، وَغَيْرِهِم .


وَنَزَلَ ، إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ : عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ .


كَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ ، فَقِيْهاً ، مُجْتَهِداً ، كَبِيْرَ القَدْرِ ، حُجَّةً .


حَدَّثَ عَنْهُ : ابْنُهُ ؛ عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَابْنُ أَخِيْهِ ؛ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ، وَابْنُ أَخِيْهِ ؛ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ ، وَابْنُ أَخِيْهِ ؛ زُرَارَةُ بنُ مُصْعَبٍ ، وَعُرْوَةُ ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ ، وَأَبُو الزِّنَادِ ، وَأَبُو طُوَالَةَ ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ ، وَأَخُوْهُ ؛ عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْمَلَةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ ، وَنُوْحُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ .

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة مِنَ المَدَنِيِّيْنَ  : كَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ ، وَأُمُّهُ تُمَاضِرُ بِنْتُ الأَصْبَغِ بنِ عَمْرٍو ، مِنْ أَهْلِ دُوْمَةَ الجَنْدَلِ ، أَدْرَكَتْ حَيَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَوَّلُ كَلْبِيَّةٍ نَكَحَهَا قُرَشِيٌّ .


وَأَرْضَعَتْهُ : أُمُّ كُلْثُوْمٍ ، فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ . . . 

شُعْبَةُ : عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : أَبُو سَلَمَةَ فِي زَمَانِهِ خَيْرٌ مِنِ ابْنِ عُمَرَ فِي زَمَانِه 


وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : ثِقَةٌ ، إِمَامٌ .


وَقَالَ مَالِكٌ : كَانَ عِنْدَنَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِ العِلْمِ . . .

 

الزُّهْرِيُّ : أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَجَدْتُهُم بُحُوْراً : 

عُرْوَةُ ،وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ. . .

 

عُقَيْلٌ : عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : قَدِمْتُ مِصْرَ عَلَى عَبْدِ العَزِيْزِ – يَعْنِي : مُتَوَلِّيْهَا - وَأَنَا أُحَدِّثُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ ، فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ قَارِظٍ : مَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ سَعِيْدٍ! فَقُلْتُ : أَجَلْ . 

فَقَالَ : لَقَدْ تَرَكْتَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِكَ لاَ أَعْلَمُ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْهُمَا : عُرْوَةُ ، وَأَبُو سَلَمَةَ  . 

قَالَ : فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ ، وَجَدْتُ عُرْوَةَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ .

قُلْتُ : لَمْ يُكْثِرْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَهُوَ مِنْ عَشِيْرَتِهِ ؛ رُبَّمَا كَانَ بَيْنَـهُمَا شَـيْءٌ ، وَإِلاَّ فَمَــا أَبُو سَلَمَةَ بِدُوْنِ عُرْوَةَ فِي سَعَةِ العِلْمِ . . . ] ( ) . 


6 – سعيد بن جبير .


وصـــح ( إخــــراج زكــاة الفطر نقداً ) عن سعيد بن جبير ( ) 

[  أَحَدُ الأَعْلاَمِ .


رَوَى عَنِ : ابْنِ عَبَّاسٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - .

وَعَنْ : عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ ، وَعَائِشَةَ ، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ - وَهُوَ مُرْسَلٌ - .

وَعَنِ : ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ ، وَأَنَسٍ ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ .

وَرَوَى عَنِ التَّابِعِيْنَ ؛ مِثْلِ : أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ .

قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى : ابْنِ عَبَّاسٍ .


قَرَأَ عَلَيْهِ : أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ ، وَطَائِفَةٌ .


وَحَدَّثَ عَنْهُ : أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ ، وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ وَالِدُ يَحْيَى ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَبُكَيْرُ بنُ شِهَابٍ ، وَثَابِتُ بنُ عَجْلاَنَ ، وَأَبُو المِقْدَامِ ثَابِتُ بنُ هُرْمُزَ ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي عَمْرَةَ ، وَحَسَّانُ بنُ أَبِي الأَشْرَسِ ، وَحُصَيْنٌ ، وَالحَكَمُ ، وَحَمَّادٌ ، وَخُصَيْفٌ الجَزَرِيُّ ، وَذَرٌّ الهَمْدَانِيُّ ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ ، وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ ، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ ، وَأَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ ، وَطَارِقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ ، وَأَبُو سِنَانٍ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ ، وَابْنُهُ ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ أَبِي لَيْلَى ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ ، وَابْنُهُ ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ سَعِيْدٍ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ ، وعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَعُثْمَانُ بنُ قَيْسٍ ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ ، وَعَزْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ ، وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ ، وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ عَمْرٍو المَدَنِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ ، وَعَمْرُو بنُ هَرِمٍ ، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ ، وَفُضَيْلُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي بَزَّةَ ، وَكَثِيْرُ بنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ ، وَكُلْثُوْمُ بنُ جَبْرٍ ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ ، وَمُجَاهِدٌ - رَفِيْقُهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ ، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَالِكٍ ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ حَيَّانَ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو ، وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الأَكْبَرُ مُوْسَى بنُ نَافِعٍ ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ ، وَهِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ ، وَوَبَرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَوَهْبُ بنُ مَأْنُوْسٍ ، وَأَبُو هُبَيْرَةَ يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ ، وَيَحْيَى بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو المُعَلَّى العَطَّارُ ، وَيَعْلَى بنُ حَكِيْمٍ ، وَيَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ ، وَأَبُو حَصِيْنٍ الأَسَدِيُّ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ ، وَأَبُو الصَّهْبَاءِ الكُوْفِيُّ ، وَأَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ .


رَوَى : ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ ، عَنْ أَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ دِيْكٌ ، كَانَ يَقُوْم مِنَ اللَّيْلِ بِصِيَاحِهِ ، فَلَمْ يَصِحْ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي حَتَّى أَصْبَحَ ، فَلَمْ يُصَلِّ سَعِيْدٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَشَقَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا لَهُ ، قَطَعَ اللهُ صَوْتَهُ ؟! فَمَا سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ بَعْدُ . فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : يَا بُنَيَّ ، لاَ تَدْعُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا   ] ( ) .  



7 – الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز .


[  وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ نِصْفُ دِرْهَمٍ  .

مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَيْنَا بِذَلِكَ ] ( ) .


[  حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُقْرَأُ إِلَى عَدِيٍّ بِالْبَصْرَةِ « يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْ أَعْطِيَّاتِهِمْ ، عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ »  ] ( ) .


[  الإِمَامُ ، الحَافِظُ ، العَلاَّمَةُ ، المُجْتَهِدُ ، الزَّاهِدُ ، العَابِدُ ، السَّيِّدُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً ، أَبُو حَفْصٍ القُرَشِيُّ  ، الأُمَوِيُّ ، المَدَنِيُّ ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الخَلِيْفَةُ ، الزَّاهِدُ ، الرَّاشِدُ ، أَشَجُّ بَنِي أُمَيَّةَ 


حَدَّثَ عَنْ : عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ ، وَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ قَدَحاً شَرِبَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – 


وَأَمَّ بِأَنَسِ بنِ مَالِكٍ ، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا الفَتَى .


وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ : سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةَ ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَارِظٍ ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ ، وَيُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ ، وَطَائِفَةٍ .


وَأَرْسَلَ عَنْ : عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ ، وَخَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيْمٍ ، وَغَيْرِهِم .


وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ ، وَمِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - .


حَدَّثَ عَنْهُ : أَبُو سَلَمَةَ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدٍ ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْلَةَ، وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ اللَّيْثِيُّ ، وَابْنُهُ ؛ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ ، وَأَخُوْهُ ؛ زَبَّانُ ، وَصَخْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَرْمَلَةَ ، وَابْنُهُ ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ، وَعُثْمَانُ بنُ دَاوُدَ الخَوْلاَنِيُّ ، وَأَخُوْهُ ؛ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ ، وَعُمَرُ بنُ عَامِرٍ البَجَلِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ مُهَاجِرٍ ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عَطَاءٍ الكَاتِبُ ، وَغَيْلاَنُ بنُ أَنَسٍ ، وَكَاتِبُهُ ؛ لَيْثُ بنُ أَبِي رُقَيَّةَ ، وَأَبُو هَاشِمٍ مَالِكُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ القَاصُّ ، وَمَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَمِيْرُ ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ ، وَكَاتِبُهُ ؛ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَيْنِيُّ ، وَمَوْلاَهُ ؛ هِلاَلٌ أَبُو طُعْمَةَ ، وَالوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ المُعَيْطِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ بنِ المُغِيْرَةِ ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم .


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ تَابِعِيِّ أَهْلِ المَدِيْنَةِ ، فَقَالَ : أُمُّهُ : هِيَ أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.


قَالُوا: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.


قَالَ : وَكَانَ ثِقَةً ، مَأْمُوْناً ، لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمٌ وَوَرَعٌ ، وَرَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَكَانَ إِمَامَ عَدْلٍ - رَحِمَهُ اللهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ - . . . 


اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ : حَدَّثَنِي قَادِمٌ البَرْبَرِيُّ : أَنَّهُ ذَاكَرَ رَبِيْعَةَ بنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْئاً مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذْ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ، فَقَالَ رَبِيْعَةُ: كَأَنَّكَ تَقُوْلُ: أَخْطَأَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَخْطَأَ قَطُّ . . . 

العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ ، قَالَ لَنَا أَنَسٌ : مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ مِنْ إِمَامِكُم هَذَا -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ- . . . 

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ ، قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَجِيْبَةٌ، وَإِنَّ نَجِيْبَةَ بَنِي أُمَيَّةَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ .


رَوَى : الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ ، قَالَ : كَانَتِ العُلَمَاءُ مَعَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ تَلاَمِذَةً . . .

 

قُلْتُ : قَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ حَسَنَ الخَلْقِ وَالخُلُقِ ، كَامِلَ العَقْلِ ، حَسَنَ السَّمْتِ، جَيِّدَ السِّيَاسَةِ ، حَرِيْصاً عَلَى العَدْلِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ ، وَافِرَ العِلْمِ ، فَقِيْهَ النَّفْسِ ، ظَاهِرَ الذَّكَاءِ وَالفَهْمِ ، أَوَّاهاً، مُنِيْباً ، قَانِتاً للهِ ، حَنِيْفاً ، زَاهِداً مَعَ الخِلاَفَةِ ، نَاطِقاً بِالحَقِّ مَعَ قِلَّةِ المُعِيْنِ ، وَكَثْرَةِ الأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ الَّذِيْنَ مَلُّوْهُ وَكَرِهُوا مُحَاقَقَتَهُ لَهُم ، وَنَقْصَهُ أُعْطِيَاتِهِم ، وَأَخْذَهُ كَثِيْراً مِمَّا فِي أَيْدِيْهِم مِمَّا أَخذُوْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى سَقَوْهُ السُّمَّ ، فَحَصَلَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَالسَّعَادَةُ ، وَعُدَّ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ ( ) ، وَالعُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ .

مُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ : عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : أَتَيْنَا عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْنَا ، فَمَا كُنَّا مَعَهُ إِلاَّ تَلاَمِـــذَةً . وَكَذَلِكَ جَـاءَ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِ  ] ( ) . 


8 – مجاهد .


وصح إخراج زكاة الفطر نقداً عن مجاهد ( ) . 


[  الإِمَامُ ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالمُفَسِّرِيْنَ .


رَوَى عَـنِ: ابـْنِ عَبَّاسٍ - فَأَكْثَرَ وَأَطَابَ - وَعَنْهُ أَخَذَ القُرْآنَ ، وَالتَّفْسِيْرَ ، وَالفِقْهَ .

وَعَنْ : أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ ، وَأُمِّ كُرْزٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ ، وَأُمِّ هَانِئ ، وَأُسَيْدِ بنِ ظُهَيْرٍ، وَعِدَّةٍ .


تَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُم : ابْنُ كَثِيْرٍ الدَّارِيُّ ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ .


وَحَدَّثَ عَنْهُ : عِكْرِمَةُ ، وَطَاوُوْسٌ ، وَعَطَاءٌ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ ، وَابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَابْنُ عَوْنٍ ، وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ ، وَمَعْرُوْفُ بنُ مُشْكَانَ ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ ، وَالفَضْلُ بنُ مَيْمُوْنٍ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَحُمَيْدٌ الأَعْرَجُ ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَخْنَسِ ، وَالحَسَنُ الفُقَيْمِيُّ ، وَخُصَيْفٌ ، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ ، وَسَيْفُ بنُ سُلَيْمَانَ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ ، وَأَبُو حُصَيْنٍ ، وَالعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ .


قَالَ الأَنْصَارِيُّ : حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مَيْمُوْنٍ ، سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُوْلُ : عَرَضْتُ القُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثِيْنَ مَرَّةً  .


وَرَوَى : ابْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبَانِ بنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : عَرَضْتُ القُرْآنَ ثَلاَثَ عَرْضَاتٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ، أَسْأَلُهُ: فِيْمَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ كَانَتْ  .


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى شِبْلِ بنِ عَبَّادٍ ، وَقَرَأَ عَلَى ابْنِ كَثِيْرٍ ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ كَثِيْرٍ : أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ  .


قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : خُذُوا التَّفْسِيْرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ : مُجَاهِدٍ ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ ، وَالضَّحَّاكِ  .


وَقَالَ خُصَيْفٌ : كَانَ مُجَاهِدٌ أَعْلَمَهُم بِالتَّفْسِيْرِ  .


وَقَالَ قَتَادَةُ : أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّفْسِيْرِ مُجَاهِدٌ . . .

 

قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ : سَمِعَ مُجَاهِدٌ مِنْ عَائِشَةَ .

وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا  .

قُلْتُ : بَلَى ، قَدْ سَمِعَ مِنْهَا شَيْئاً يَسِيْراً .


قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : لأَنْ أَكُوْنَ سَمِعْتُ مِنْ مُجَاهِدٍ ، فَأَقُوْلَ : سَمِعْتُ مُجَاهِداً ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي  .

قُلْتُ : مَعَ أَنَّهُ قَلَّمَا سَمِعَ مِنْ مُجَاهِدٍ حَرْفَيْنِ .


وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وَطَائِفَةٌ : مُجَاهِدٌ ثِقَةٌ . . .


قَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ : مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِهَذَا العِلْمِ وَجْهَ اللهِ إِلاَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ : عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ  . . .


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ  : مُجَاهِدٌ : ثِقَةٌ ، فَقِيْـهٌ ، عَالِمٌ ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ . . .


وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : مَاتَ مُجَاهِدٌ وَهُوَ سَاجِد  ] ( ) .



9 – سفيان الثوري .


وقال سفيان الثوري ، رحمه الله ، بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ( ) .


[   هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ، إِمَامُ الحُفَّاظِ ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّوْرِيُّ ، الكُوْفِيُّ ، المُجْتَهِدُ ، مُصنِّفُ كِتَابِ (الجَامِعِ) .


وُلِدَ : سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ اتِّفَاقاً ، وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ بِاعتنَاءِ وَالِدِه المُحَدِّثِ الصَّادِقِ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ ثِقَاتِ الكُوْفِيِّيْنَ ، وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ .


رَوَى لَهُ : الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ فِي دَوَاوِيْنِهِم .


وَحَدَّثَ عَنْهُ : أَوْلاَدُهُ؛ سُفْيَانُ الإِمَامُ ، وَعُمَرُ، وَمُبَارَكٌ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَزَائِدَةُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ . . .


مُعْجَمُ شُيُوْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ : إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَزْيَدٍ الخُوْزِيُّ ، وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ ، وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى ، وَأَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَخْزُوْمِيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ كَثِيْرٍ ، وَالأَسْوَدُ بنُ قَيْسٍ ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، وَالأَغَرُّ بنُ الصَّبَّاحِ ، وَأَفْلَتُ بنُ خَلِيْفَةَ ، وَإِيَادُ بنُ لَقِيْطٍ ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى .

وَالبَخْتَرِيُّ بنُ المُخْتَارِ ، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ ، وَبَشِيْرٌ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ ، وَبَشِيْرٌ صَاحِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَبُكَيْرُ بنُ عَطَاءٍ ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ ، وَبِنَانُ بنُ بِشْرٍ .

وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ .

وَثَابِتُ بنُ عُبَيْدٍ ، وَأَبُوالمِقْدَامِ ثَابِتُ بنُ هُرْمُزَ ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ ، وَثُوَيْرُ بنُ أَبِي فَاخِتَةَ .

وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ ، وَجَامِـعُ بنُ أَبِي رَاشِدٍ ، وَجَامِــعُ بنُ شَدَّادٍ ، وَجَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ ، وَجَعْفَرُ بنُ مَيْمُوْنٍ .

وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ - وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي عَمْرَةَ ، وَحَجَّاجُ بنُ فُرَافِصَةَ ، وَالحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ، وَالحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَحَكِيْمُ بنُ جُبَيْرٍ ، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَحُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ ، وَحُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ .

وَخَالِدُ بنُ سَلَمَةَ الفَأْفَاءُ ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ ، وَخُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

وَأَبُو الجَحَّافِ دَاوُدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ .

وَرَاشِدُ بنُ كَيْسَانَ ، وَرَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ ، وَالرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ ، وَالرُّكَيْنُ بنُ الرَّبِيْعِ .

وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ ، وَزِيَادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ، وَزِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ - وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ ، وَزَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ .

وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ، وَسَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ كَعْبٍ ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ ، وَأَبُو سِنَانٍ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ الصَّغَيْرُ ، وَأَبُوْهُ سَعِيْدٌ ، وَسَلْمٌ العَلَوِيُّ ، وَأَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم - وَسَلَمَةُ بنُ نُبَيْطٍ ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، وَسِمَاكٌ ، وَسُمَيٌّ ، وَسُهَيْلٌ .

وَشَبِيْبُ بنُ غَرْقَدَةَ ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ - وَذَلِكَ فِي (النَّسَائِيِّ) - .

وَصَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ .

وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ ، وَأَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ .

وطَارِقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَطَرِيْفٌ أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ ، وَطُعْمَةُ بنُ غَيْلاَنَ ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى .

وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ، وَعَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ .

وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرٍ البَصْرِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ ، وَأَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ الكُوْفِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ الأَعْرَجُ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَطَاءٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ .

وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَرْوَانَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَابِسٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلْقَمَةَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ .

وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَالِكٍ ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَشِيْرٍ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ .

وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ، وَعُبَيْدُ بنُ الحَسَنِ ، وَعُبَيْدُ بنُ مِهْرَانَ المُكَتِّبُ ، وَعُبَيْدٌ الصِّيْدُ .

وَعُثْمَانُ بنُ الحَرْبِ ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ ، وَأَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ ، وَأَبُو اليَقْظَانِ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ ، وَعُثْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ ، وَعُثْمَانُ البَتِّيُّ .

وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ .

وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ ، وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ ، وَعُمَرُ بنُ يَعْلَى، وَعُمَرُ بنُ دِيْنَارٍ ، وَعَمْرُو بنُ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ - وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوْخِهِ - وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ ، وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيُّ ، وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الجُعْفِيُّ ، وَعِمْرَانُ البَارِقِيُّ ، وَعِمْرَانُ القَصِيْرُ ، وَعُمَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَثْعَمِيُّ .

وَعَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ ، وَالعَلاَءُ بنُ خَالِدٍ ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ، وَعَيَّاشٌ العَامِرِيُّ ، وَعِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عَزَّةَ ، وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ .

وَغَالِبٌ أَبُو الهُذَيْلِ ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَامِعٍ .

وَفُرَاتٌ القَزَّازُ ، وَفِرَاسُ بنُ يَحْيَى ، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ .

وَقَابُوْسُ بنُ أَبِي ظِبْيَانَ ، وَأَبُو هَاشِمٍ القَاسِمُ بنُ كَثِيْرٍ ، وَقَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مِنْ قُدَمَائِهِم - وَقَيْسُ بنُ وَهْبٍ .

وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ .

وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ .

وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ ، وَابْنُ إِسْحَاقَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ الثَّقَفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَارِقٍ المَكِّيُّ ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُقْبَــةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَــةَ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم - .

وَمُخَارِقٌ الأَحْمَسِيُّ ، وَالمُخْتَارُ بنُ فُلْفُلٍ ، وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ ، وَمُزَاحِمُ بنُ زُفَرَ .

وَمُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ ، وَمُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ .

وَمُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ ، وَمَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ ، وَمَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ ، وَمُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ ، وَالمِقْدَامُ بنُ شُرَيْحٍ .

وَمَنْصُوْرُ بنُ حَيَّانَ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ صَفِيَّةَ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ .

وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ ، وَمُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ ، وَمَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ ، وَمَيْسَرَةُ الأَشْجَعِيُّ ، وَأَبُو حَمْزَةَ مَيْمُوْنٌ الأَعْوَرُ .

وَنُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ ، وَنَهْشَلُ بنُ مُجَمِّعٍ ، وَنُوْحُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ .

وَهَارُوْنُ بنُ عَنْتَرَةَ ، وَهِشَامُ بنُ إِسْحَاقَ ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ ، وَهِشَامُ بنُ عَائِذٍ ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي يَعْلَى .

وَوَاصِلٌ الأَحْدَبُ ، وَوَبْرُ بنُ أَبِــي دُلَيْلَةَ ، وَوَرْقَاءُ بنُ إِيَاسٍ ، وَالوَلِيْدُ بنُ قَيْسٍ السَّكُوْنِيُّ .

وَيَحْيَى بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ ، وَيَعْلَى بنُ عَطَاءٍ ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ .

وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الجَهْمِ .

وَأَبُو جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ ، وَأَبُو حَنَانٍ الكَلْبِيُّ ، وَأَبُو الجُوَيْرِيَةِ الجَرْمِيُّ ، وَأَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ ، وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالاَنِيُّ ، وَأَبُو رَوْقٍ الهَمْدَانِيُّ .

وَأَبُو السَّــوْدَاءِ النَّهْدِيُّ ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الكَبِيْرُ مُوْسَى ، وَأَبُو عَقِيْلٍ مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ، وَأَبُو فَرْوَةَ الهَمْدَانِيُّ 

وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ ، وَأَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ ، وَأَبُو يَحْيَى القَتَّاتُ ، وَأَبُو يَعْفُوْرَ العَبْدِيُّ .


وَيُقَالُ : إِنَّ عَدَدَ شُيُوْخِهِ سِتُّ مائَةِ شَيْخٍ ، وَكِبَارُهُمُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ عَنْ : أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَمثَالِهِم .


وَقَدْ قَرَأَ الخَتْمَةَ عَرْضاً عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّات أَرْبَعَ مَرَّاتٍ .


وَأَمَّا الرُّوَاةُ عَنْهُ فَخَلْقٌ . . .


حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ مِنْ مَشْيَخَتِه وَغَيْرِهِم خَلْقٌ ، مِنْهُم : 


الأَعْمَشُ ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ ، وَابْنُ عَجْلاَنَ ، وَخُصَيْفٌ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ ، وَالأَوْزَاعِيُّ ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَمِسْعَرٌ ، وَشُعْبَةُ ، وَمَعْمَرٌ - وَكُلُّهُم مَاتُوا قَبْلَه - .


وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ ، وَأَحْوَصُ بنُ جَوَّابٍ ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ ، وَابْنُ عُلَيَّةَ ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ .

وَبِشْرُ بنُ السَّــرِيِّ ، وَبِشْـرُ بنُ مَنْصُوْرٍ ، وَبَكْرُ بنُ الشَّرُوْدِ ، وَبُكَيْرُ بنُ شِهَابٍ .

وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ ، وَثَعْلَبَةُ بنُ سُهَيْلٍ .

وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ .

وَالحَارِثُ بنُ مَنْصُوْرٍ الوَاسِطِيُّ ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ ، وَالحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ ، وَحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ ، وَأَبُو أُسَامَةَ ، وَحَمَّادُ بنُ دُلَيْلٍ ، وَحَمَّـادُ بنُ عِيْسَى الجُهَنِيُّ ، وَحُمَيْدُ بنُ حَمَّادٍ .

وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ ، وَخَالِدُ بنُ عَمْرٍو القُرَشِيُّ ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى .

وَدُبَيْسٌ المُلاَئِيُّ .

وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ .

وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ .

وَسُفْيَانُ بنُ عُقْبَةَ ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ البَيْرُوْتِيُّ ، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمٌ.

وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ ، وَأَبُو عَاصِمٍ .

وضَمْرَةُ ، وَعَبَّادٌ السَّمَّاكُ ، وَعَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ .

وَعَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ ، وَعَبْـدُ اللهِ بنُ رَجَــاءَ المَكِّيُّ لاَ الغُدَانِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ .

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ الذِّمَارِيِّ .

وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ ، وَعُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى ، وَعُبَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ - أَخٌ لِيَحْيَى - .

وَعَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الإِسْفَذْنِيُّ ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِه الأَثْبَاتُ - وَعَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ ، وَعَلِيُّ بنُ قَادِمٍ .

وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ .

وَأَبُو الهُذَيْلِ غَسَّانُ بنُ عُمَرَ العِجْلِيُّ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ .

وَالفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ .

وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ ، وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ ، وَقَبِيْصَةُ .

وَمَالِكٌ ، وَمُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ أَخُوْهُ .

وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ القَنَّادُ ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ .

وَمُصْعَبُ بنُ مَاهَانَ ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَبَّبٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ ، وَمَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ .

وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ ، وَمُعَلَّى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ .

وَمِهْرَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ .

وَنَائِلُ بنُ نَجِيْحٍ ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ .

وَهَارُوْنُ بنُ المُغِيْرَةِ .

وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ .

وَيَحْيَى بنُ آدَمَ ، وَيَحْيَى القَطَّانُ ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي يَعْفُوْرَ .

وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ ، وَأَبُو سُفْيَانَ المَعْمَرِيُّ ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم .


قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ : حَدَّثَنَا أَبُو المُثَنَّى ، قَالَ : سَمِعْتُهُم بِمَرْوَ يَقُوْلُوْنَ : قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ ، قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ .

فَخَرَجتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ غُلاَمٌ قَدْ بَقَلَ وَجْهُهُ .

قُلْتُ : كَانَ يُنَوَّه بِذِكْرِهِ فِي صِغَرِهِ ، مِنْ أَجْلِ فَرْطِ ذَكَائِهِ ، وَحِفْظِه ، وَحَدَّثَ وَهُوَ شَابٌّ .


قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَغَيْرُهُ : عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ : مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي شَيْئاً قَطُّ ، فَخَانَنِي .

قُلْتُ : أَجَلُّ إِسْنَادٍ لِلْعِرَاقِيِّينَ : سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُوْرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ .


وَقَالَ شُعْبَةُ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَأَبُو عَاصِمٍ ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وَغَيْرُهُم : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ 


وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ : كَتَبتُ عَنْ أَلفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ، مَا كَتَبتُ عَنْ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ .


وَعَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، قَالَ : مَا لَقِيْتُ كُوْفِيّاً أُفَضِّلُهُ عَلَى سُفْيَانَ .


وَقَالَ البَرَاءُ بنُ رُتَيْمٍ  : سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ . فَقِيْلَ لَهُ : فَقَدْ رَأَيتَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءً ، وَمُجَاهِداً، وَتَقُوْلُ هَذَا ؟ قَالَ : هُوَ مَا أَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ .


وَقَالَ ابْنُ المَهْدِيِّ : مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أَفْضَلَ مِنْ أَرْبَعَةٍ - أَوْ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ - : مَا رَأَيتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ ، وَلاَ أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ 


وَرَوَى : وَكِيْعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي .


وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ : قَالَ رَجُلٌ لِشُعْبَةَ: خَالَفَكَ سُفْيَانُ. فَقَالَ : دَمَغْتَنِي .


وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ : كَانَ وُهَيْبٌ يُقدِّمُ سُفْيَانَ فِي الحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ .


وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ : لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ ، وَلاَ يَعْدِلُهُ أَحَدٌ عِنْدِي ، وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ، أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ 


وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ : رَأَيتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ ، لاَ يُقدِّمُ عَلَى سُفْيَانَ أَحَداً فِي زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ، وَالحَدِيْثِ ، وَالزُّهدِ ، وَكُلِّ شَيْءٍ .

ابْنُ شَوْذَبٍ : سَمِعْتُ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيَّ يَقُوْلُ : مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الكُوْفَةِ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .

وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ : رَأَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ مُقْبِلاً ، فَقَالَ : { وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً } [مَرْيَمُ: 12] .


وَرُوِيَ مِنْ وَجُوْهٍ ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : مَا رَأَيتُ كُوْفِيّاً أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ .


سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ : حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ ، سَمِعَ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ : لَوْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي التَّابِعِيْنَ ، لَكَانَ فِيْهِم لَهُ شَأْنٌ .

وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ ، قَالَ : لَوْ حَضَرَ عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ ، لاَحْتَاجَا إِلَى سُفْيَانَ .


وَرَوَى : ضَمْرَةُ ، عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : سُفْيَانُ عَالِمُ الأُمَّةِ ، وَعَابِدُهَا .


أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ : عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، قَالَ : مَا رَأَيتُ أَشْبَهَ بِالتَّابِعِيْنَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .


وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ : عَنْ شُعْبَةَ : سَادَ سُفْيَانُ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ .

يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ .


وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .


نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ : عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : مَا رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .


وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ ، قَالَ : مَا نُعِتَ لِي أَحَدٌ فَرَأَيتُهُ ، إِلاَّ وَجَدْتُهُ دُوْنَ نَعْتِهِ ، إِلاَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ .


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ : لَنْ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تَمُوْتَ .


عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ شَقِيْقٍ : عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : مَا أَعْلَمُ عَلَى الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَانَ .


وَعَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ ، قَالَ : مَا أَدرَكْنَا مِثْلَ سُفْيَانَ، وَلاَ أَنفعَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ.


وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ : مَا رَأَيتُ قَطُّ أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ الثَّوْرِيِّ ، كَانَ يَأْتِي ، فَيُذَاكرُنِي بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ ، فَمَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْهُ بِهَا .


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ : سُفْيَانُ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ الأَعْمَشِ .


وَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ : سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْ شُعْبَةَ ، وَأَعْلَمَ بِالرِّجَالِ .


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ : كَانَ سُفْيَانُ – وَاللهِ - أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ .


وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْه : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ ذَكَرَ سُفْيَانَ ، وَشُعْبَةَ ، وَمَالِكاً ، وَابْنَ المُبَارَكِ ، فَقَالَ : أَعْلَمُهُم بِالعِلْمِ سُفْيَانُ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ ، ثُمَّ شُعْبَةَ .


وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي : كَانَ الثَّوْرِيُّ عِنْدَنَا إِمَامَ النَّاسِ .

وَعَنْهُ ، قَالَ : سُفْيَانُ فِي زَمَانِهِ ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي زَمَانِهِمَا .


قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ ، وَمَنْصُوْرٍ ، وَأَبِي إِسْحَاقَ ، مِنَ الثَّوْرِيِّ .


وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ ، قَالَ : مَا رَأَيتُ مِثْلَ الثَّوْرِيِّ .


وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ : إِنِّـيْ لأَرَى الرَّجُلَ يَصحَبُ سُفْيَانَ ، فَيَعْظُمُ فِي عَيْنِي .


وَقَالَ وَرْقَاءُ ، وَجَمَاعَةٌ : لَمْ يَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ 


وَعَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ ، قَالَ : إِنِّيْ لأَحسِبُ أَنَّهُ يُجَاءُ غَداً بِسُفْيَانَ حُجَّةً مِنَ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ ، يَقُوْلُ لَهُم : لَمْ تُدْرِكُوا نَبِيَّكُم ، قَدْ رَأَيتُم سُفْيَانَ .


قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الآجُرِّيُّ : سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ : لَيْسَ يَخْتَلِفُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ فِي شَيْءٍ ، إِلاَّ يَظفرُ بِهِ سُفْيَانُ ، خَالَفَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً ، القَوْلُ فِيْهَا قَوْلُ سُفْيَانَ .


وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، قَالَ : مَا خَالَفَ أَحَدٌ سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ ، إِلاَ كَانَ القَوْلُ قَوْلَ سُفْيَانَ . . .

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : أَصْحَابُ الحَدِيْثِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ ، وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ .


قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ : لاَ أَعْلَمُ سُفْيَانَ صَحَّفَ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ فِي اسْمِ امْرَأَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ ، كَانَ يَقُوْلُ : حُفَيْنَةُ –يَعْنِي : الصَّوَاب بِجِيْمٍ - .


وَرَوَى : المَرُّوْذِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ : أَتَدْرِي مَنِ الإِمَامُ ؟ الإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي قَلْبِي 


قَالَ الخُرَيْبِيُّ : مَا رَأَيتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ .


وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ : جَالَسْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ ، وَصَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ ، وَزَيْدَ بنَ أَسْلَمَ ، فَمَا رَأَيتُ فِيْهِم مِثْلَ سُفْيَانَ .


قَالَ أَبُو قَطَنٍ : قَالَ لِي شُعْبَةُ : إِنَّ سُفْيَانَ سَادَ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ . . .


قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَ مَالِكٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ . رَوَاهَا : ابْنُ المَدِيْنِيِّ ، عَنْهُ . . . 


ابْنُ المَدِيْنِيِّ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ : إِذَا اجْتَمَعَ هَذَانِ عَلَى شَيْءٍ، فَذَاكَ قَوِيٌّ ( ) - يَعْنِي: سُفْيَانَ وَأَبَا حَنِيْفَةَ - . . .  


أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ : سَمِعْتُ زَائِدَةَ ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ سُفْيَانُ ، فَقَالَ : ذَاكَ أَفْقَهُ أَهْلِ الدُّنْيَا .


وَكِيْعٌ : عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي . . .


أَبُو قُدَامَةَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ : مَا كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَتَبتُهُ عَنِ الأَعْمَشِ . . .


أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُشْكَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ : كُنْتُ أَقعُدُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، فَيُحَدِّثُ ، فَأَقُوْلُ : مَا بَقِيَ مِنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُهُ ، ثُمَّ أَقعُدُ عِنْدَهُ مَجْلِساً آخَرَ ، فَيُحَدِّثُ ، فَأَقُوْلُ : مَا سَمِعْتُ مِنْ عِلْمِهِ شَيْئاً .


الفَلاَّسُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ فِي حَدِيْثٍ : يَا أَبَا سَعِيْدٍ ! قَدْ خَالَفَكَ أَرْبَعَةٌ . قُلْتُ : مَنْ؟ قَالَ : زَائِدَةُ ، وَشَرِيْكٌ ، وَأَبُو الأَحْوَصِ ، وَإِسْرَائِيْلُ . فَقَالَ يَحْيَى : لَوْ كَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِثْلَ هَؤُلاَءِ ، كَانَ سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْهُم .


عَبْدُ الرَّزَّاقِ : سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ : لَوْ قِيْلَ : اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً يَقُوْمُ فِيْهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، لاَختَرتُ لَهُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ .


أَبُو هَمَّامٍ : حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ ، قَالَ : رَأَيتُ عَاصِمَ بنَ أَبِي النَّجُوْدِ يَجِيْءُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، يَسْتَفْتِيْهِ ، وَيَقُوْلُ : يَا سُفْيَانُ ! أَتَيْتَنَا صَغِيْراً ، وَأَتَيْنَاكَ كَبِيْراً ] ( ) . 


10 – أبو حنيفة .


[  الإِمَامُ ، فَقِيْهُ المِلَّةِ ، عَالِمُ العِرَاق . . .

وُلدَ : سَنَةَ ثَمَانِيْنَ ، فِي حَيَاةِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ .

وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ ، وَلَمْ يَثبُتْ لَهُ حَرفٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم .


وَرَوَى عَنْ : عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ ، وَأَفْضَلُهُم - عَلَى مَا قَالَ - .

وَعَنِ : الشَّعْبِيِّ ، وَعَنْ : طَاوُوْسٍ - وَلَمْ يَصِحَّ - .

وَعَنْ : جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ ، وَعِكْرِمَةَ - وَفِي لُقِيِّهِ لَهُ نَظَرٌ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ ، وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، وَقَتَادَةَ ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ تَفَقَّهَ – وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ ، وَمُسْلِمٍ البَطِيْنِ ، وَيَزِيْدَ بنِ صُهَيْبٍ الفَقِيْرِ ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ ، وَأَبِي حَصِيْنٍ الأَسَدِيِّ ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ ، وَنَاصِحٍ المُحَلِّمِيِّ ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم .

حَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ : شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ – وَعَنْ : مَالِكِ بنِ أَنَسٍ - وَهُوَ كَذَلِكَ - .


وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ ، 

وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ .


حَدَّثَ عَنْهُ : خَلْقٌ كَثِيْرٌ، ذَكَرَ مِنْهُم شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) هَؤُلاَءِ عَلَى المُعْجَمِ :


إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - عَالِمُ خُرَاسَانَ - وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ بنِ الصَّبَّاحِ المِنْقَرِيُّ ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ ، وَأَسَدُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى الصَّيْرَفِيُّ ، وَأَيُّوْبُ بنُ هَانِئ .

وَالجَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ .

وَالحَارِثُ بنُ نَبْهَانَ ، وَحَيَّانُ بنُ عَلِيٍّ العَنَزِيُّ ، وَالحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ ، وَالحَسَنُ بنُ فُرَاتٍ القَزَّازُ ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ العَوْفِيُّ ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاضِي ، وَحَكَّامُ بنُ سَلْمٍ ، وَأَبُو مُطِيْعٍ الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُهُ ؛ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - .

وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ .

وزُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ التَّمِيْمِيُّ الفَقِيْهُ ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ .

وَسَابِقٌ الرَّقِّيُّ ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ القَاضِي ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الجَهْمِ القَابُوْسِيُّ ، وَسَعِيْدُ بنُ سَلاَّمٍ العَطَّارُ ، وَسَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو النَّخَعِيُّ ، وَسَهْلُ بنُ مُزَاحِمٍ .

وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ ، وَالصَّبَّاحُ بنُ مُحَارِبٍ ، وَالصَّلْتُ بنُ الحَجَّاجِ .

وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ ، وَعَامِرُ بنُ الفُرَاتِ ، وَعَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ المُقْرِئُ ، وَأَبُو يَحْيَى عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ خَالِدٍ - تِرْمِذِيٌّ - وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ ، وَعَبْدُ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيُّ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى ، وَعَتَّابُ بنُ مُحَمَّدٍ ، وَعَلِيُّ بنُ ظَبْيَانَ القَاضِي ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ القَاضِي ، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ ، وَأَبُو قُطْنٍ عَمْرُو بنُ الهَيْثَمِ ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ .

وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى ، وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ العُرَنِيُّ ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ .

وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيُّ - كُوْفِيٌّ - وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَتَشَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَسَدِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الكُوْفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ 

وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ البَلْخِيُّ الصَّيْقَلُ ، وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ العَتَكِيُّ ، وَأَبُو غَالِبٍ النَّضْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيُّ ، وَنُوْحُ بنُ دَرَّاجٍ القَاضِي ، وَنُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ ، وَهُشَـيْمٌ ، وَهَوْذَةُ ، وَهَيَّاجُ بنُ بِسْطَامَ ، وَوَكِيْعٌ ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّـــوْبَ المِصْرِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ نَصْرِ بنِ حَاجِبٍ ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانِيُّ ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ ، وَأَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ ، وَالقَاضِي أَبـــُو يُوْسُفَ . . . 

قَالَ مُحَـمَّدُ بنُ سَــعْدٍ العَوْفِيُّ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ : كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً ، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه ، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ .


وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ : كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ .


وَرَوَى : أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بن مُحْرِزٍ ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ : كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ .


وَقَالَ مَرَّةً : هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ ، وَلَقَدْ ضَـرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَـــاءِ ، فَأَبـَى أَنْ يَكُوْنَ قَاضِـياً . . .

المُحَدِّثُ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ : حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ :

لَوْلاَ أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِأَبِي حَنِيْفَةَ وَسُفْيَانَ، كُنْتُ كَسَائِرِ النَّاسِ .


أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ ، حَدَّثَنِي حُجْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ ، قَالَ : قِيْلَ لِلْقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ : تَرضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنْ غِلمَانِ أَبِي حَنِيْفَةَ ؟ قَالَ : مَا جَلَسَ النَّاسُ إِلَى أَحَدٍ أَنْفَعَ مِنْ مُجَالَسَةِ أَبِي حَنِيْفَةَ . وَقَالَ لَهُ القَاسِمُ : تَعَالَ مَعِي إِلَيْهِ . فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ ، لَزِمَه ، وَقَالَ : مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا .


مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضَّرِيْسِ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الصَّبَّاحِ ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ:

 قِيْلَ لِمَالِكٍ : هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيْفَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، رَأَيْتُ رَجُلاً لَوْ كُلَّمَكَ فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَباً ، لَقَامَ بِحُجَّتِه . . .


قَالَ يَزِيْــدُ بنُ هَارُوْنَ : مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ . . .

وَرَوَى : نُوْحٌ الجَامِعُ ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُوْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ ، اخْتَرْنَا ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَهُم رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ .

قَالَ وَكِيْعٌ : سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ : البَوْلُ فِي المَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ القِيَاسِ . . .


وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ ، قَالَ : حُبُّ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنَ السُّنَّةِ .


قَالَ إِسْحَـاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ : عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ ، قَالَ : طَلَبَ المَنْصُوْرُ أَبَا حَنِيْفَةَ ، فَأَرَادَه عَلَى القَضَاءِ ، وَحَلَفَ لَيَلِيَنَّ ، فَأَبَى ، وَحَلَفَ : إِنِّي لاَ أَفْعَلُ . فَقَالَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ : تَرَى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَحلِفُ وَأَنْتَ تَحلِفُ ؟ قَالَ : أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِيْنِه أَقْدَرُ مِنِّي . فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ ، فَمَاتَ فِيْهِ بِبَغْدَادَ . . 


وَقَالَ الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيُّ : لَمْ يَقْبَلِ العَهْدَ بِالقَضَاءِ ، فَضُرِبَ ، وَحُبِسَ ، وَمَاتَ فِي السِّجْنِ .


وَرَوَى : حَيَّانُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ : مَالِكٌ أَفْقَهُ ، أَوْ أَبُو حَنِيْفَةَ ؟ قَالَ : أَبُو حَنِيْفَةَ .


وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ : مَا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيْفَةَ إِلاَّ حَاسِدٌ ، أَوْ جَاهِلٌ .


وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ : لاَ نَكذِبُ اللهَ ، مَا سَمِعنَا أَحْسَنَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَقَدْ أَخَذنَا بِأَكْثَرِ أَقْوَالِه .


وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ : لَوْ وُزِنَ عِلْمُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ ، لَرَجَحَ عَلَيْهِم .


وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ : كَلاَمُ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ ، أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ ، لاَ يَعِيبُه إِلاَّ جَاهِلٌ .

وَرُوِيَ عَنِ الأَعْمَشُ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَقَالَ : إِنَّمَا يُحسِنُ هَذَا النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الخَزَّازُ ، وَأَظُنُّه بُورِكَ لَهُ فِي عِلْمِهِ .


وَقَالَ جَرِيْرٌ : قَالَ لِي مُغِيْرَةُ : جَالِسْ أَبَا حَنِيْفَةَ ، تَفْقَهْ ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ لَوْ كَانَ حَيّاً ، لَجَالَسَه .

وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ : أَبُو حَنِيْفَةَ أَفْقَهُ النَّاسِ .


وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : النَّاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ .


قُلْتُ : الإِمَامَةُ فِي الفِقْهِ وَدَقَائِقِه مُسَلَّمَةٌ إِلَى هَذَا الإِمَامِ، وَهَذَا أَمرٌ لاَ شَكَّ فِيْهِ .


وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيْلِ

وَسِيْرَتُه تَحْتَمِلُ أَنْ تُفرَدَ فِي مُجَلَّدَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَحِمَهُ - .


تُوُفِّيَ : شَهِيْداً ، مَسْقِيّاً ، فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً ، وَعَلَيْهِ قُبَّــةٌ عَظِيــْمَةٌ ، وَمَشْهَدٌ فَاخِرٌ بِبَغْدَادَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - .

وَابْنُهُ الفَقِيْهُ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ ، كَانَ ذَا عِلْمٍ ، وَدِيْنٍ ، وَصَلاَحٍ ، وَوَرَعٍ تَامٍّ .


لَمَّا تُوُفِّيَ وَالِدُه ، كَانَ عِنْدَه وَدَائِعُ كَثِيْرَةٌ ، وَأَهْلُهَا غَائِبُوْنَ ، فَنَقَلَهَا حَمَّادٌ إِلَى الحَاكِمِ لِيَتَسَلَّمَهَا ، فَقَالَ : بَلْ دَعْهَا عِنْدَك ، فَإِنَّكَ أَهْلٌ . فَقَالَ : زِنْهَا ، وَاقْبِضْهَا حَتَّى تَبرَأَ مِنْهَا ذِمَّةُ الوَالِدِ ، ثُمَّ افعَلْ مَا تَرَى . فَفَعَلَ القَاضِي ذَلِكَ ، وَبَقِيَ فِي وَزْنِهَا وَحِسَابِهَا أَيَّاماً ، وَاسْتَتَرَ حَمَّادٌ ، فَمَا ظَهَرَ حَتَّى أَوْدَعَهَا القَاضِي عِنْدَ أَمِيْنٍ .


تُوُفِّيَ حَمَّادٌ : سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ ، كَهْلاً . لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: أَبِيْهِ ، وَغَيْرِه . حَدَّثَ عَنْهُ : وَلَدُهُ ؛ الإِمَامُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ ، قَاضِي البَصْرَةِ  ] ( ) .


11 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم .


[  هُوَ الإِمَامُ ، المُجْتَهِدُ ، العَلاَّمَةُ ، المُحَدِّثُ ، قَاضِي القُضَاة . . .


حَدَّثَ عَنْ : هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ، وَالأَعْمَشِ ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ ، وَلَزِمَه ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَهُوَ أَنبَلُ تَلاَمِذَتِه، وَأَعْلَمُهُم ، تَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ : كَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ، وَمُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَهِلاَلٍ الرَّأْيِ ، وَابْنِ سَمَاعَةَ ، وَعِدَّةٍ .


وَحَدَّثَ عَنْهُ : يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ ، وَأَسَدُ بنُ الفُرَاتِ ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ . . .


قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : أَوَّلُ مَا كَتَبتُ الحَدِيْثَ ، اخْتَلَفتُ ( ) إِلَى أَبِي يُوْسُفَ ، وَكَانَ أَمْيَلَ إِلَى المُحَدِّثِيْنَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمُحَمَّدٍ .

قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُّسِيُّ : سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ : مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَثبَتَ فِي الحَدِيْثِ ، وَلاَ أَحْفَظَ ، وَلاَ أَصَحَّ رِوَايَةً مِنْ أَبِي يُوْسُفَ .


وَرَوَى : عَبَّاسٌ ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ : أَبُو يُوْسُفَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ ، صَاحِبُ سُنَّةٍ .


وَعَنْ يَحْيَى البَرْمَكِيِّ ، قَالَ : قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ ، وَأَقَلُّ مَا فِيْهِ الفِقْهُ ، وَقَدْ مَلأَ بِفِقْهِهِ الخَافِقَيْنِ .


قَالَ أَحْمَدُ : كَانَ أَبُو يُوْسُفَ مُنصِفاً فِي الحَدِيْثِ .


وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ ، قَالَ : صَحِبتُ أَبَا حَنِيْفَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً  .

وَعَنْ هِلاَلٍ الرَّأْيِ ، قَالَ : كَانَ أَبُو يُوْسُفَ يَحفَظُ التَّفْسِيْرَ ، وَيَحفَظُ المَغَازِي ، وَأَيَّامَ العَرَبِ ، كَانَ أَحَدَ عُلُوْمِهِ الفِقْهُ . . .


وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي (طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّةِ) : وَأَبُو يُوْسُفَ ثِقَةٌ . . 


لَمَّا قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ البَصْرَةَ مَعَ الرَّشِيْدِ ، اجْتَمَعَ الفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ عَلَى بَابِهِ ، فَأَشرَفَ عَلَيْهِم ، وَقَالَ: أَنَا مِنَ الفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعاً ، وَلاَ أُقدِّمُ فِرقَةً عَلَى فِرقَةٍ . . .


قُلْتُ : بَلَغَ أَبُو يُوْسُفَ مِنْ رِئَاسَةِ العِلْمِ مَا لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يُبَالِغُ فِي إِجْلاَلِه  ] ( ) .


12 – محمد بن الحسن الشيباني .


[  العَلاَّمَةُ ، فَقِيْهُ العِرَاقِ . . .


 وَأَخَذَ عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ بَعْضَ الفِقْهِ ، وَتَمَّمَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ .


وَرَوَى عَنْ : أَبِي حَنِيْفَةَ ، وَمِسْعَرٍ ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ ، وَالأَوْزَاعِيِّ ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ .


أَخَذَ عَنْهُ : الشَّافِعِيُّ - فَأَكْثَرَ جِدّاً - وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ فَقِيْهُ بُخَارَى ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ ، وَآخَرُوْنَ . . .


قُلْتُ : وَلِيَ القَضَاءَ لِلرَّشِيْدِ بَعْدَ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ ، وَكَانَ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الفِقْهِ ، يُضْرَبُ بِذَكَائِهِ المَثَلُ .


كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ : كَتَبْتُ عَنْهُ وَقْرَ بُخْتِيٍّ ، وَمَا نَاظَرتُ سَمِيْناً أَذكَى مِنْهُ ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُوْلَ : نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ، لقُلْتُ ؛ لِفِصَاحَتِهِ .


وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ : أَقَمْتُ عِنْد مَالِكٍ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَكَسْراً، وَسَمِعْتُ مِنْ لَفْظِه سَبْعَ مائَةِ حَدِيْثٍ  .


وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ : كَتَبْتُ عَنْهُ (الجَامِعَ الصَّغَيْرَ) .


قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ : قُلْتُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ : مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ المَسَائِلُ الدِّقَاقُ ؟ قَالَ : مَنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ] ( ) 


13 – الإمام زفر .


[  الفَقِيْهُ ، المُجْتَهِدُ ، الرَّبَّانِيُّ ، العَلاَّمَة . . .


حَدَّثَ عَنِ : الأَعْمَشِ ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَبَقَتِهم.


حَدَّثَ عَنْهُ : حَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَرْمَانِيُّ ، وَأَكْثَمُ بنُ مُحَمَّدٍ - وَالِدُ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ - وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَــــــادٍ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ  ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ ، وَالحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ ، وَمَالِكُ بنُ فُدَيْكٍ ، وَعَامَّتُهُم مِنْ رُفَقَائِهِ وَأَقْرَانِهِ ، لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ .

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ : كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً . . .


وَذَكَرَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، فَقَالَ : ثِقَةٌ ، مَأْمُوْنٌ  .


قُلْتُ : هُوَ مِنْ بُحُوْرِ الفِقْهِ ، وَأَذْكِيَاءِ الوَقْتِ .


تَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ ، وَهُوَ أَكْبَرُ تَلاَمِذَتِه ، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ ، وَكَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ وَيُتْقِنُهُ .


قَالَ عَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ ، عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ الفَقِيْهِ ، قَالَ : كَانَ زُفَرُ ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَأَمَّا دَاوُدُ فَتَرَك الفِقْهَ وَأَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ ، وَأَمَّا زُفَر فَجَمَعَهُمَا .


وَقَالَ الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ : مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً يُنَاظِرُ زُفَرَ إِلاَّ رَحِمْتُهُ .


وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى زُفَرَ، فَيَقُوْلُ : تَعَالَ حَتَّى أُغَرْبِلَ لَكَ مَا سَمِعْتَ .


قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ : قَالَ زُفَر : مَنْ قَعَدَ قَبْلَ وَقْتِهِ ، ذَلَّ .


قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : كُنْتُ أَعرِضُ الأَحَادِيْثَ عَلَى زُفَرَ ، فَيَقُوْلُ : هَذَا نَاسِخٌ ، هَذَا مَنْسُوْخٌ ، هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ ، هَذَا يُرفَضُ .


قُلْتُ : كَانَ هَذَا الإِمَامُ مُنْصِفاً فِي البَحثِ مُتَّبِعاً . . .


قُلْتُ : قَدْ حَـكــمَ لَهُ إِمَــــامُ الصَّنعَةِ ( ) بِأَنَّهُ ثِقَةٌ ، مَأْمُـــوْنٌ   ] ( ) . 


14 – الإمام الأوزاعي .

وهو الذي يقول بإخراج زكاة الفطر نقداً ( ) .


[   شَيْخُ الإِسْلاَمِ ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّام . . . 


حَدَّثَ عَنْ : عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ ، وَمَكْحُوْلٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ ، وَأَبِي كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ اليَمَامِيِّ ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ ، وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ العَنْسِيِّ ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيِّ ، وَحَفْصِ بنِ عِنَانَ ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُحَارِبِيِّ ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيِّ ، وَشَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ قَيْسٍ ، وَأَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ ، وَعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، وَالوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ ، وَغَيْرِهِم .

وَكَانَ مَوْلِدُهُ : فِي حَيَاةِ الصَّحَابَةِ .


رَوَى عَنْهُ : ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ – وَشُعْبَةُ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ ، وَمَالِكٌ ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ ، وَابْنُ المُبَارَكِ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ ، وَيَحْيَى القَطَّانُ ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ ، وَالهِقْلُ بنُ زِيَادٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الحِمْصِيُّ ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ ، وَعَمْرُو بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ .


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ :  . . . كَانَ ثِقَةً .


قَالَ : وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ خَيِّراً ، فَاضِلاً ، مَأْمُوْناً ، كَثِيْرَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ ، حُجَّةً . . .


قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ :  . . . كَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ الشَّامِ . . .


قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ : سَمِعْتُ النَّاسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُوْنَ : الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّةِ .


أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ : حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ ، قَالَ : الأَوْزَاعِيُّ هُوَ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ .


وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ : قُلْتُ لأُمَيَّةَ بنِ يَزِيْدَ : أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ مَكْحُوْلٍ ؟ قَالَ : هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُوْلٍ .


قُلْتُ : بِلاَ رَيْبٍ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ مِنْ مَكْحُوْلٍ .


مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ : كَانَ قَدْ جَمَعَ العِبَادَةَ وَالعِلْمَ وَالقَوْلَ بِالحَقِّ .


قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ ، قَالَ : بَلَغَ الثَّوْرِيَّ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - مَقْدَمُ الأَوْزَاعِيِّ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً ، فَلَمَّا لَقِيَهُ، حَلَّ رَسَنَ البَعِيْرِ مِنَ القِطَارِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بِجَمَاعَةٍ، قَالَ: الطَّرِيْقَ لِلشَّيْخِ  .

رَوَى نَحْوَهَا : المُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ .

وَرَوَى شَبِيْهاً بِهَا : إِسْحَاقُ بنُ عَبَّادٍ الخُتَّلِيُّ ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ . . . بِنَحْوِهَا .


قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ عَلَى مَالِكٍ ، فَلَمَّا خَرَجَا ، قَالَ : أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ عِلْماً مِنْ صَاحِبِه ، وَلاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ ، وَالآخَرُ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ – يَعْنِي : الأَوْزَاعِيَّ لِلإِمَامَةِ - .


مَسْلَمَةُ بنُ ثَابِتٍ : عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ : الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ .


الشَّاذَكُوْنِيُّ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ : كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنَىً ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ : لِمَ لاَ تَرفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوْعِ وَرَفْعِهِ ؟ فَقَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ  . . .  فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : رَوَى لَكَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيْهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيْدَ رَجُلٍ ضَعِيْفِ الحَدِيْثِ ، وَحَدِيْثُه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ ؟ ! فَاحْمَرَّ وَجْهُ سُفْيَانَ ، 

فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : قُمْ بِنَا إِلَى المَقَامِ نَلْتَعِنْ أَيُّنَا عَلَى الحَقِّ . قَالَ : فَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ لَمَّا رَآهُ قَدِ احْتَدَّ .


عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ! فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ ، وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه ، وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ ، لاَختَرتُ لَهَا الأَوْزَاعِيَّ – يُرِيْدُ : الخِلاَفَةَ - .


قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ : لَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ ، لاَختَرتُ لَهَا أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ .


قَالَ الخُرَيْبِيُّ : كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ .


وَعَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ ، قَالَ : لَوْ قِيْلَ لِي : اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالأَوْزَاعِيَّ 

وَلَوْ قِيْلَ لِي : اخْتَرْ أَحَدَهُمَا ، لاَختَرتُ الأَوْزَاعِيَّ ؛ لأَنَّهُ أَرفَقُ الرَّجُلَينِ .

وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا المَعْنَى : أَبُو أُسَامَةَ .


قَـالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ : إِنَّمَا النَّاسُ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ : حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ ، وَالثَّوْرِيُّ بِالكُوْفَةِ ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ . . .


الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيْثِهِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ . . .


الحَكَمُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ : مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُوْلَ اللهِ ! عَمَّنْ أَحْمِلُ العِلْمَ ؟ قَالَ : (عَنْ هَذَا) ، وَأَشَارَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ .


قُلْتُ : كَانَ الأَوْزَاعِيُّ كَبِيْرَ الشَّأْنِ .


قَـالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، قَـالَ : رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بِي ، وَأَوْقَفَانِي بَيْنَ يَدَي رَبِّ العِزَّةِ ، فَقَالَ لِي : أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ ؟ فَقُلْتُ : بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَمُ . قَالَ : فَهَبَطَا بِي حَتَّى رَدَّانِي إِلَى مَكَانِي . رَوَاهَا : عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ، عَنْهُ .


العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ ، قَالَ : جلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ فِي الجَامِعِ ، فَقَالَ : أَنَا مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا .

فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ ، أَتَيتُهُ ، فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى فِي الصَّحْنِ ، فَقَالَ : مَا أَخَذْتُمُ السَّرِيْرَ – يَعْنِي : النَّعْشَ - خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ .

قُلْتُ : مَا تَقُوْلُ رَحِمَكَ اللهُ ؟ قَالَ : هُوَ الَّذِي أَقُوْلُ لَكَ ، رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ طَائِراً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِ هَذِهِ القُبَّةِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ : فُلاَنٌ قَدَرِيٌّ ، وَفُلاَنٌ كَذَا ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُلِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ ، وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ : فَمَا جَاءتِ الظُّهرُ حَتَّى مَاتَ ، وَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِه .


قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ : كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ ، مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي . . .


صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ ، قَالَ : كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ .


مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ : سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ يَقُوْلُ : حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ ، فَمَا رَأَيتُهُ مُضْطَجِعاً فِي المَحْمِلِ فِي لِيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطُّ ، كَانَ يُصَلِّي ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ ، اسْتَنَدَ إِلَى القَتْبِ  . . .


قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ ، قَالَ : رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ .


ابْنُ زَبْرٍ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ : سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ : مَا رُئِيَ الأَوْزَاعِيُّ بَاكِياً قَطُّ ، وَلاَ ضَاحِكاً حَتَّى تَبدُوَ نَوَاجِذُه ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ أَحْيَاناً - كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ - وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً ، وَقُرْآناً ، وَبُكَاءً .


وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ : أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ ، وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاَّهُ ، فَتَجِدُهُ رَطْباً مِنْ دُمُوْعِهِ فِي اللَّيْلِ . . .


العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ : حَدَّثَنَا أَبِي : سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ : عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ ، وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِالقَوْلِ ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَنجَلِي ، وَأَنْتَ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمٍ .


قَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ : قَالَ لِي الأَوْزَاعِيُّ : يَا بَقِيَّةُ ! لاَ تَذْكُرْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، يَا بَقِيَّةُ ! العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُم ، فَلَيْسَ بِعِلْمٍ . . .


العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ : قَالَ لِي أَبِي : يَا بُنَيَّ ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لاَ تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ : رَأَيتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَي البَابِ ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِه ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُوْنَ رَدَّهُ ، فَرَدُّوْهُ ، فَزَالَ ، ثُمَّ أَعَادُوْهُ . قَالَ : فَقَالَ لِي رَسُـوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَا عَبْــدَ الرَّحْمَنِ ! أَلاَ تُمْسِكُ مَعَنَـا ؟ ) . فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُم ، حَتَّى رَدُّوْهُ . . .


قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الآدَمِيُّ، قَالَ: قَالَ يَزِيْدُ بنُ مَذْعُوْرٍ : رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فِي مَنَامِي ، فَقُلْتُ : دُلَّنِي عَلَى دَرَجَةٍ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ . فَقَالَ : مَا رَأَيتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ العُلَمَاءِ ، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُوْنِيْنَ. . .

العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ ، فَذَكَرَ الأَوْزَاعِيَّ ، فَقَالَ : ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ عَجَباً ، 

كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيْهِ الأَثَرُ ، فَيَرُدُّ – وَاللهِ - الجَوَابَ كَمَا هُوَ فِي الأَثَرِ ، لاَ يُقَدِّمُ مِنْهُ وَلاَ يُؤَخِّرُ .

الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ : سَمِعْتُ صَدَقَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ : مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ أَحْمَلَ فِيْمَا حَمَلَ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ . . .


قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ : قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ ؟ قَالَ : مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو ( يقصد الأوزاعي ) ؟ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى . . .

ذَكَرَ بَعْضُ الحُفَّاظِ : أَنَّ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ نَحْوُ الأَلفِ – يَعْنِي : المُسْنَدَ - أَمَّا المُرْسَلُ وَالمَوْقُوْفُ ، فَأُلُوفٌ .


وَهُوَ فِي الشَّامِيِّينَ نَظِيْرُ مَعْمَرٍ لِلْيَمَانِيِّينَ ، وَنَظِيْرُ الثَّوْرِيِّ لِلْكُوْفِيِّينَ ، وَنَظِيْرُ مَالِكٍ لِلْمَدَنِيِّينَ ، وَنَظِيْرُ اللَّيْثِ لِلْمِصْرِيِّينَ ، وَنَظِيْرُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ لِلْبَصْرِيِّينَ  ] ( ) . 


15 – الليث بن سعد .


وهو من الذين قالوا بإخراج زكاة الفطر نقداً ( ) .


[  الإِمَامُ ، الحَافِظُ ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ ، وَعَالِمُ الدِّيـار المِصْرِيَّة . . . 


سَمِعَ : عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ ، وَابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ ، وَنَافِعاً العُمَرِيَّ ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيَّ ، وَابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ ، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ ، وَمِشْرَحَ بنَ هَاعَانَ ، وَأَبَا قَبِيْلٍ المَعَافِرِيَّ ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَبِيْبٍ ، وَجَعْفَرَ بنَ رَبِيْعَةَ ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَبُكَيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ ، وَالحَارِثَ بنَ يَعْقُوْبَ ، وَدَرَّاجاً أَبَا السَّمْحِ الوَاعِظَ ، وَعُقَيْلَ بنَ خَالِدٍ ، وَيُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ ، وَحُكَيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ، وَعَامِرَ بنَ يَحْيَى المَعَافِرِيَّ ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ ، وَعِمْــرَانَ بنَ أَبـِي أَنَسٍ ، وَعَيَّاشَ بنَ عَبَّاسٍ ، وَكَثِيْرَ بنَ فَرْقَدَ ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، وَأَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى ، وَبَكْرَ بنَ سَوَادَةَ ، وَأَبَا كَثِيْرٍ الجُلاَّحَ ، وَالحَارِثَ بنَ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيَّ ، وَخَــالِدَ بنَ يَزِيْدَ ، وَصَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ ، وَخَيْرَ بنَ نُعَيْمٍ ، وَأَبَا الزِّنَادِ ، وَقَتَادَةَ ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ ، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ ، وَخَلْقاً كَثِيْراً .

حَتَّى إِنَّهُ يَرْوِي عَنْ تَلاَمِذَتِهِ ، وَحَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ نَافِعٍ ، ثُمَّ رَوَى حَدِيْثاً بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي شَيْخِهِ ابْنِ شِهَابٍ ، رَوَى غَيْرَ حَدِيْثٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ .


رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ ، مِنْهُم : ابْنُ عَجْلاَنَ - شَيْخُهُ - وَابْنُ لَهِيْعَةَ ، وَهُشَيْمٌ ، وَابْنُ وَهْبٍ ، وَابْنُ المُبَارَكِ ، وَعَطَّـافُ بنُ خَــالِدٍ ، وَشَبَابَةُ ، وَأَشْهَبُ ، وَسَعِيْدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ ، وَالقَعْنَبِيُّ ، وَحُجَيْنُ بنُ المُثَنَّى ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ ، وَشُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ – وَلَـدُهُ - وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ ، وَأَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ ، وَمُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ ، وَعِيْسَى بنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ .


وَلَحِقَهُ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ ، وَسَأَلَه عَنْ مَسْأَلَةٍ ، وَرَآهُ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ بِبَغْدَادَ وَهُوَ صَبِيٌّ .


أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ . . . حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ( ) ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ ، عَنْ سَعْدِ بنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ :

أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : ( يَكُوْنُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً ، وَيُمْسِي كَافِراً ، وَيُمْسِي مُؤْمِناً ، وَيُصْبِحُ كَافِراً ، يَبِيْعُ أَقْوَامٌ دِيْنَهُم بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ) .

هَذَا الحَدِيْثُ حَسَنٌ ، عَالٍ .

أَخْرَجَهُ : التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ . . . 


كَانَ اللَّيْثُ - رَحِمَهُ اللهُ - فَقِيْهَ مِصْرَ ، وَمُحَدِّثَهَا ، وَمُحْتَشِمَهَا ، وَرَئِيْسَهَا ، وَمَنْ يَفتَخِرُ بِوُجُوْدِهِ الإِقْلِيْمُ ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّي مِصْرَ ، وَقَاضِيَهَا ، وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِه ، وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى رَأْيِهِ ، وَمَشُوْرَتِهِ ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ المَنْصُوْرُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى الإِقْلِيْمِ ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ . . .


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ : سَمِعْتُ ابْنَ بُكَيْرٍ ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ دَاوُدَ وَزِيْرِ المَهْدِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لَمَّا قَدِمَ اللَّيْثُ العِرَاقَ: الْزَمْ هَذَا الشَّيْخَ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَا حَمَلَ مِنْهُ  .


الفَسَوِيُّ : حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ اللَّيْثُ : قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ : تَلِي لِي مِصْرَ ؟ قُلْتُ : لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ ، إِنِّيْ أَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ ، إِنِّيْ رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي . فَقَالَ : مَا بِكَ ضَعفٌ مَعِي ، وَلَكِنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُكَ فِي العَمَل لِي . . .

أَبُو إِسْحَاقَ بنُ يُوْنُسَ الهَرَوِيُّ : حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ جَمِيْلٍ ، قَالَ : 

أَدْرَكْتُ النَّاسَ أَيَّامَ هِشَامٍ الخَلِيْفَةِ ، وَكَانَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ حَدَثَ السِّنِّ ، وَكَانَ بِمِصْرَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ ، وَالحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ ، وَإِنَّهُم يَعْرِفُوْنَ لِلَّيْثِ فَضْلَه وَوَرَعَهُ وَحُسْنَ إِسْلاَمِه عَنْ حَدَاثَةِ سِنِّه 


ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ : لَمْ أَرَ مِثلَ اللَّيْثِ . 

وَرَوَى : عَبْدُ المَلِكِ بنُ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيْهِ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنَ اللَّيْثِ .


وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ : كَانَ اللَّيْثُ فَقِيْهَ البَدَنِ ، عَرَبِيَّ اللِّسَانِ ، يُحْسِنُ القُرْآنَ وَالنَّحْوَ ، وَيَحفَظُ الحَدِيْثَ وَالشِّعْرَ ، حَسَنَ المُذَاكَرَةِ . فَمَا زَالَ يَذْكُرُ خِصَالاً جَمِيْلَةً ، وَيَعْقِدُ بِيَدِهِ ، حَتَّى عَقَدَ عَشْرَةً : لَمْ أَرَ مِثْلَهُ . . .


أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ  . . . حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ : سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ : كُلُّ مَا كَانَ فِي كُتُبِ مَالِكٍ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ العِلْمِ ، فَهُوَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ  .


وَبِهِ :  . . .  قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : لَوْلاَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، لَضَلَّ النَّاسُ  .


قَالَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ : حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : لَوْلاَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، هَلَكْتُ ، كُنْتُ أَظُنُّ كُلَّ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْعَلُ بِهِ .


جَعْفَـــرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَنِيُّ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ ، قَالَ : كَانَ أَهْلُ مِصْرَ يَنْتَقِصُوْنَ عُثْمَانَ ، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِمُ اللَّيْثُ ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِه ، فَكَفُّوا . . .


رَوَى : عَبْدُ المَــلِكِ بنُ شُعَـيْبٍ ، عَنْ أَبِيْهِ ، قَالَ : قِيْلَ لِلَّيْثِ : أَمتَعَ اللهُ بِكَ ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْك الحَدِيْثَ لَيْسَ فِي كُتُبِكَ .

فَقَالَ : أَوَ كُلُّ مَا فِي صَدْرِي فِي كُتُبِي ؟ لَوْ كَتَبتُ مَا فِي صَدْرِي ، مَا وَسِعَه هَذَا المَرْكَبُ . . .


الأَثْرَمُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ : مَا فِي هَؤُلاَءِ المِصْرِيِّينَ أَثبَتُ مِنَ اللَّيْثِ ، لاَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ ، وَلاَ أَحَدٌ ، وَقَدْ كَانَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ عِنْدِي ، ثُمَّ رَأَيْتُ لَهُ أَشْيَاءَ مَنَاكِيْرَ ، مَا أَصَحَّ حَدِيْثَ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ . وَجَعَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِ اللهِ : إِنَّ إِنْسَاناً ضَعَّفَهُ . فَقَالَ : لاَ يَدْرِي .


وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ : قَالَ أَحْمَدُ : لَيْثٌ كَثِيْرُ العِلْمِ ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ  .


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ : اللَّيْثُ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ .


وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ : لَيْسَ فِي المِصْرِيِّينَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ  . . .


وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيْثاً عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ : لَيْثُ بنُ سَعْدٍ ، يَفْصِلُ مَا رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمَا عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . هُوَ ثَبْتٌ فِي حَدِيْثِهِ جِدّاً .


وَقَالَ حَنْبَلٌ : سُئِلَ أَحْمَدُ : ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَنِ المَقْبُرِيِّ ، أَوِ ابْنُ عَجْلاَنَ ؟ قَالَ : ابْنُ عَجْلاَنَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ مِنْ سَمَاعِ أَبِيْهِ ، اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُم فِي المَقْبُرِيِّ  .


وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ : سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ : اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَيَحْيَى ثِقَةٌ . . .


وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ - وَذَكَرَ اللَّيْثَ – فَقَالَ : إِمَامٌ قَدْ أَوجَبَ اللهُ عَلَيْنَا حَقَّهُ ، لَمْ يَكُنْ بِالبَلَدِ - بَعْدَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ – مِثْلُهُ .


وَقَالَ سَهْلُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ الفَلاَّسَ يَقُوْلُ : لَيْثُ بنُ سَعْدٍ صَدُوْقٌ ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ ، عَنْهُ .


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : اسْتَقَلَّ اللَّيْثُ بِالفَتْوَى ، وَكَانَ ثِقَةً ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ ، سَرِيّاً مِنَ الرِّجَالِ ، سَخِيّاً ، لَهُ ضِيَافَةٌ . . .


وَقَالَ العِجْلِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ : اللَّيْثُ ثِقَةٌ .


وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ : صَدُوْقٌ ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ .


عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، قَالَ : هَذِهِ رِسَالَةُ مَالِكٍ إِلَى اللَّيْثِ ، حَدَّثَنَا بِهَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ يَقُوْلُ فِيْهَا : 

وَأَنْتَ فِي إِمَامَتِك وَفَضْلِكَ وَمَنْزِلَتِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِكَ ، وَحَاجَةِ مَنْ قِبَلَكَ إِلَيْكَ ، وَاعْتِمَادِهِم عَلَى مَا جَاءهُم مِنْكَ .


أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ .

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ : اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ ، وَلَكِنَّ الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللهُ - .


وَقَالَ حَرْملَةُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : اللَّيْث أَتْبَعُ لِلأَثَرِ مِنْ مَالِكٍ .


وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ : اللَّيْثُ ثَبْتٌ .


وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ  . . .


قُلْتُ : قَدْ رَوَى اللَّيْثُ إِسْنَاداً عَالِياً فِي زَمَانِهِ ، فَعِنْدَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَهَذَا النَّمَط أَعْلَى مَا يُوجَدُ فِي زَمَانِهِ .


ثُمَّ تَرَاهُ يَنزِلُ فِي أَحَادِيْثَ ، وَلاَ يُبَالِي لِسَعَةِ عِلْمِهِ ، فَقَدْ رَوَى أَحَادِيْثَ عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ - وَهُوَ أَصْغر منه بكثير . . .


قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ : لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْثَ ، وَإِنَّ رَبِيْعَةَ وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ لَيَتَزَحْزَحُونَ لَهُ زَحْزَحَةً .


قَالَ سَعِيْدٌ الآدَمُ : قَالَ العَلاَءُ بنُ كَثِيْرٍ : اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا ، وَإِمَامُنَا ، وَعَالِمُنَا .


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : كَانَ اللَّيْثُ قَدِ اسْتَقَلَّ بِالفَتْوَى فِي زَمَانِهِ . . 


قَالَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيُّ : شَهِدتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُم عَلَيْهِمُ الحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيبْكُوْنَ، فَقُلْتُ: يَا أَبتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجَنَازَةِ. فَقَالَ : يَابُنَيَّ ، لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَداً  ] ( ) . 


قال الليث بن سعد : حدثني سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد  . . . متفق عليه ( ) .

حسب هذا الحديث – المتفق على صحته بين البخاري ومسلم في صحيحيهما – فإن بين الليث بن سعد وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فقط !


ومِن ذكر أسماء الذين قالوا بجواز إخراج النقود في زكاة الفطر ، و من إيراد نبذة عن حياة وسيرة كل واحد منهم :


نلاحظ ما يلي :


1 – جميعهم – بلا إستثناء – من السلف الصالح ، ومن أفضل قرون الأمة الإسلامية ، والتي وصفهم النبيّ  بخيـر الناس ، فقال  : «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ . . . » ( ) .

فلم يتخطى أحد منهم القرون الثلاثة المفضلة ، ولم يخرج خارج دائرتها .


2 – جميعهم من خيرة العلماء والأئمة ومن ساداتهم .


بعضهم أبناء الصحابة ؛ كعروة بن الزبير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

 وكثير منهم تلاميذ الصحابة ؛ كالحسن البصري ، وطاووس ، وسعيد بن المسيب ( حيث تزوج بنت أبي هريرة ) ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، و . . . 

وبعضهم من أئمة المذاهب ؛ كالأوزاعي ، والليـث بن سعد ، وأبي حنيفة . وقريب منهم ؛ كأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وزُفر .

وفيهم خليفة راشد ؛ كعمر بن عبد العزيز .

  وجميعهم معروفون مشهورون على مستوى العالم الإسلامي ، وأئمة يُقتدى بهم .

وجميعهم أصحاب تقوى ، وورع ، وزهد ، وعبادة . 

ليس فيهم – بحمد الله – مَن يتبع الهوى ، ولا مَن يبيع دينه بدنيا غيره.


3 – وجميعهم عاشوا في بيئة ، وزمان يشبه إلى حدٍّ بعيد البيئة والزمان الذي عاش فيه النبيّ  . 

ومع هذا فقد غيّروا في فتاواهم ، لتغيّر قليل في عرفهم وبيئاتهم وزمانهم .

فكيف بمن يعيش في بيئة وزمان ، يبتعد عن الذي عاش فيه النبيّ  أربعة عشر قرن ، أي : ألف وأربعمائة سنة ؟ !  

وفي مسألة مرتبطة بالبيئة والعرف ؟




( ثانية عشر ) / :


قال الشيخ أحمد الزومان :


[  يُجزيء نِصف صاع من البُرِّ في زكاة الفطر، وهو قول جمهور الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، ومذهب الإمام أبي حنيفة، واختاره أبو عُبَيد القاسم بن سلام ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والألباني ، وظاهر كلام ابن القيم اختيار هذا القول ، وقوَّاه ابن عبدالهادي ( ) .


الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نُخرج - إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطر عن كل صغير وكبير، حرٍّ أو مَملوك - صاعًا من طعام، أو صاعًا من أَقِطٍ، أو صاعًا مِن شَعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، 

فلم نزل نُخرجه ( ) حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو مُعتمِرًا، فكلَّم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تَعدِل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، 

قال أبو سعيد رضي الله عنه: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنتُ أُخرجه أبدًا ما عشتُ ( ) .


الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفِطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير"، 

قال عبدالله رضي الله عنه: " فجعل الناس عِدلَه مُدَّين من حِنطة" ( ) .

" الناس " في حديث أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهما هم الصحابة رضي الله عنهم وكبار التابعين ، 


فالذي عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم بعد الفتوحات وكثرة الحِنطة: إخراجُ نصف صاع من الحنطة، 

وكانت الحِنطة قليلة في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فخفيَ الحكْم على بعض الصحابة رضي الله عنهم . . .


صحَّ إخراج نِصف صاع من البُر في زكاة الفطر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدالله بن الزبير وأمه أسماء وجابر بن عبدالله وأبي هريرة رضي الله عنهم، 

ورُوي عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ، 

ولم أقف على مُخالف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم إلا أبا سعيد رضي الله عنه ( )  ] .


 وقد روي عن النبيّ  ، أنه قَالَ لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن ، في أخذه للزكاة : " خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ ، وَالشَّـاةَ مـِنَ الْغَنـَمِ ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ ، وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ " ( ) .


حتى ولو كان الحديث فيه ضعف من ناحية السند ، إلّا أنه من ناحية المعنى فهو صحيح .


وذلك لأنه يؤخذ جزء من كل نوع من الأنواع المفروضة في الزكاة ، بالشروط التي وضعها الشارع .


فالزروع تجب [ الزكاة فيها بثلاثة شرائط أن يكون مما يزرعه الآدميون وأن يكون قوتا مدخرا وأن يكون نصابا وهو خمسة أوسق لا قشر عليها 


وأما الثمار فتجب الزكاة في شيئين منها ثمرة النخل وثمرة الكرم وشرائط وجوب الزكاة فيها أربعة أشياء الإسلام والحرية والملك التام والنصاب . . .


وأول نصاب الإبل خمس وفيها شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياة وفي عشرين أربع شياة وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.


"فصل" وأول نصاب البقر ثلاثون وفيها تبيع وفي أربعين مسنة وعلى هذا فقس.


"فصل" وأول نصاب الغنم أربعون وفيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاث شياة وفي أربعمائة أربع شياة ثم في كل مائة شاة...

"فصل" ونصاب الذهب عشرون مثقالا وفيه ربع العشر وهو نصف مثقال وفيما زاد بحسابه ونصاب الورق مائتا درهم وفيه ربع العشر وهو خمسة دراهم وفيما زاد بحسابه . . .


"فصل" ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق وهي ألف وستمائة رطل بالعراقي وفيما زاد بحسابه وفيها إن سقيت بماء السماء أو السيح العشر وإن سقيـت بدولاب أو نضـح نصف العشر ] ( ) .

[  وبنت المخاض : لها سنة ودخلت في الثانية. وبنت اللبون : لها سنتان ودخلت في الثالثة. والحقة : لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة : لها أربع سنين ودخلت في الخامسة . . .

(تبيع) : ابن سنة ودخل في الثانية. سُمي بذلك لتبعية أمه في المرعى . . . ( مُسِنَّةٌ) : لها سنتان ودخلت في الثالثة. سميت بذلك لتكامل أسنانها ] ( ) .

 

[ فالزكاة فريضة شرعية ذات نظام متكامل ، يهدف لتحقيق مصالح العباد والبلاد والتكافل الاجتماعي ، وســد حاجـــــــــــــة المحتاجين ، وإغناء الفقير. 


والزكاة هي الصدقة المفروضة ، بقدر معلوم في المال ، وهي إلزامية .

وتجب في النِعم والذهب والفضة وفي أجناس من الزروع والثمار ، وفي عروض التجارة والركاز والمعدن . . .

وتكون الزكاة المفروضة في المال الزكوي في أموال مخصوصة حدد الشرع أعيانها، ومقادير نصابها، وقدر ما يجب إخراجه فيها . . . 


ومال الزكاة بالمعنى الشرعي أي: الذي تجب فيه الزكاة هو: الذي يملك من الأموال التي حددها الشرع من النقد والعرض والمواشي والنبات ، بمعايير مخصوصة .


وتجب الزكاة في أنواع مخصوصة من الأموال وهي: زكاة النعم الإبل والبقر والغنم (الضأن والماعز) ] . 


ومع أن الزكاة حدّد الشرع أعيانها  ، فقد أخرج البخاري في صحيحه :


 ( وَقَالَ طَاوُسٌ : قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ اليَمَنِ : «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ 

أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ» ) ( ) .


[   خَمِيصٍ . . . ثَوْبٌ خَمِيسٌ . . .  هُوَ ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَهُ الْخَمِيسُ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ 

وَقَالَ عِيَاضٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِالصَّادِ وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَذَكَرَهُ بِالسِّينِ 

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَأَنَّ مُعَاذًا عَنَى الصَّفِيقَ مِنَ الثِّيَابِ 

وَقَالَ عِيَاضٌ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ ثَوْبَ خَمِيصٍ أَيْ خَمِيصَةً لَكِنْ ذَكَرَهُ عَلَى إِرَادَةِ الثَّوْبِ 

وَقَوْلُهُ لَبِيسٍ أَيْ مَلْبُوس   ] ( ) .


فهذا معاذ بن جبل  ، أعلم الصحابة بالحلال والحرام :


[  إِمَامُ الْفُقَهَاءِ ، وَكَبِيرُ الْعُلَمَاءِ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلًا عَلَى الْيَمَنِ . . .

وَقَالَ: « نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذٌ » . . .


كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُسَمِّيهِ : الْأُمَّةَ الْقَانِت . . .

أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ ، فَكَانَ رَدِيفَهُ ، وَشَيَّعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَهُوَ رَاكِبٌ ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْيَمَن . . .


حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ، وَابْنُـهُ عَبْدُ اللهِ ، وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ ، وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ ، وَأَبُو لَيْلَى الْأَنْصَــارِيُّ ، وَأَبُو الطُّفَيـــْلِ ، وَاللَّجْلَاج . . .

خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ ، فَقَالَ: « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ » . . .


" لَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَـنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْـــــهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ : عُمَرُ ، وَعَلِـيٌّ ، وَمُعَاذٌ ، وَأَبُو مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ " . . .


عَنْ عَامِرٍ ، أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : « كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أُمَّةً قَانِتًا ، إِنَّا كُنَّا نُشَبِّهُ مُعَاذًا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ » . . .

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَوْ أَدْرَكْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، ثُمَّ لَقِيتُ رَبِّيَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ قُلْتُ:  سَمِعْتُ عَبْدَكَ وَنَبِيَّكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: « يَأْتِي بَيْنَ يَدَيِ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ » . . .


عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْعَائِذِيِّ ، قَالَ : « دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَفِيهِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَغَرُّ الثَّنَايَا، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ قَالَ قَـــوْلًا ، انْتَـهَوْا إِلَــى قَوْلِهِ ، فَسَأَلـــْتُ عَنْهُ ، فَإِذَا هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ » . . .


عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ ، قَالَ : " دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ ، فَإِذَا فِيهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَهْلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، لَا يَتَكَلَّمُ ، سَاكِتٌ ، فَإِذَا امْتَرَى الْقَوْمُ فِي شَيْءٍ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَسَأَلُوهُ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ "  ] ( ) .


[  قَالَ رَسُـولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ...

" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: " وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَــلالِ وَالْحَـرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " . . .

حدثنا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ : سمعت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَتَانِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ ، دَخَـــلَ الْجَنّـــــَةَ " ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي مُعَاذٌ أَنَّكَ قُلْتَ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ ، دَخَــــــلَ الْجَنَّـــةَ " ، قَـــــالَ : " صَدَقَ مُعَــاذٌ، صَدَقَ مُعَـاذٌ، صَدَقَ مُعَــاذٌ " . . .


عن ابن مسعود : إن معاذ بْن جبل ، { كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا } ، ولم يك من المشركين ، فقلت لَهُ : إنما قَالَ اللَّه: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ } .

فأعاد قَوْله : إن معاذا { كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ } الآية ، وقال : ما الأمة ؟ وما القانت ؟ قلت : اللَّه ورسوله أعلم ، قَالَ : الأمة الَّذِي يعلم الخير ويؤتم بِهِ ، والقانت المطيع لله عزو وجل ، وكذلــــك كَــــانَ معــاذ معلما للخير ، مطيعا لله عَزَّ وَجَلَّ ولرسوله ] ( ) 


هذا الصحابيّ الجليل ،   ، والذي أرسله النبيّ  ، لليمن ، معلماً لهم أمور دينهم . 


وكان يعلم تمام العلم – آخذاً من القرآن ، وآخذاً من رسول الله  - أن الزكاة مفروضة في أموال مخصوصة حدد الشرع أعيانها، ومقادير نصابها، وقدر ما يجب إخراجه فيها  وبمعايير مخصوصة  في أنواع مخصوصة .


ومع هذا فقد قال هذا الصحابيّ ، العالِم الجليل ، مبعوث رسول الله ،  ، لأهل اليمن : ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ .


يعني حسب الكتاب والسنة : يؤخذ الشعير من الشعير ، والذرة من الذرة ، وكلٌ بمقادير معينة .

ولكنّ معاذاً غيّر الأنواع والأجناس منهما ، وذلك لأمرين وسببين : 

 

1 -  ( أهون عليكم ) . أي : للتيسير على الناس . وتسهيل أمور المزكّين . 

2 – ( خير لأصحاب النبيّ  ) . أي : خير للفقراء والمساكين .


يعني أنّ معاذاً العالم ؛ مبعوث النبيّ  ، الذي يتقدم العلماء يوم القيامة بخطوة ، والذي شهد له النبيّ  ، بأنه أعلم الصحابة بالحلال والحرام .


هذا الصحابيّ الجليل  ، قد تعلّم من النبيّ  ، أنّ الهدف الرئيسي ، والغاية من الزكاة ، أمران :


أ – تطهير المزكّي من الذنوب والأوساخ والأخلاق الذميمة .

وزيادة أخلاقهم الحسنة ، والأعمال الصالحة ، وثوابهم الدنيوي والأخروي ، وزيادة أموالهم وتنميتها ، بالبركة فيها ( ) 


(  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا  ) ( ) .


(  يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ   ) ( ) .


ب – إيصال النفع إلى الفقراء والمساكين ، ورفع المعاناة عنهم ، وتنفيس كروبهم ، وسد إحتياجاتهم .

(  لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم   ) ( ) .


ولقد طبّق هذا المبدأ العظيم – مع أهل اليمن – خير تطبيق . 

ولم نسمع أحداً إعترض عليه ، أو إختلف معه !

لا من النبيّ  ، إن كان بين أظهرهم ، ولا من الخلفاء الراشدين ، ولا من الصحابة أجمعين ! 


فلم يقيّد نفسه ،  ، بظاهر النص . بل غاص في بحر النص ، فأخرج اللآليء المكنونة فيه !


فلقد تعلّم من النبيّ ،  ، الغاية من الزكاة ، للمزكّي ، وللفقير .

هذا في الزكاة المفروضة ؛ المبيّنة في الكتاب والسنة بالتفصيل ، فكيف بزكاة الفطر ؟


وقد ذهب الحافظ ابين تيمية ، رحمه الله ، إلى جواز إخراج القيمة أيضاً ، في الزكاة المفروضة بالكتاب والسنة ، عند الضرورة ، والمصلحة .

وهي زكاة ، نصّ الله تعالى عليها ، في القرآن الكريم ، وفصّلها رسول الله  ، في السنة ، وبيّن أنواعها ، ومقاديرها ، ومع ذلك ، فقد جوّز الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، إخراج القيمة فيها ، وذهب الإمام أحمد ، رحمه الله ، إلى الجواز في بعضها !    

وهذا هو الذي يليق بعلمهم ، وإمامتهم ، وذكائهم .

فمن العجيب أن يخالفوا ذلك في زكاة الفطر ! !





قال ابن تيمية ، رحمه الله : 

 

[ وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ 

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ 

فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. 

وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ 

وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْقِيمَةِ 

وَلِأَنَّهُ مَتَى جَوَّزَ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ 

وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ 

وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: 

مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ بُسْتَانِهِ أَوْ زَرْعِهِ بِدَرَاهِمَ فَهُنَا إخْرَاجُ عُشْرِ الدَّرَاهِمِ يُجْزِئُهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا أَوْ حِنْطَةً إذْ كَانَ قَدْ سَاوَى الْفُقَرَاءَ بِنَفْسِهِ " وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. 


وَمِثْلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَبِيعُهُ شَاةً فَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا كَافٍ وَلَا يُكَلَّفُ السَّفَرَ إلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى لِيَشْتَرِيَ شَاةً 


وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا ( )

أَوْ يَرَى السَّاعِي أَنَّ أَخْذَهَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ. 

كَمَا نُقِلَ عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: " ائْتُونِي بِخَمِيصِ أَوْ لَبِيسٍ أَسْهَلُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِمَنْ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ " ( ) .


هناك بعض الشبهات المهلهلة ، حول ما أثبته الإمام البخاري ، رحمــه الله ، عن الصحابيّ الجليل ، العالم معاذ بن جبل ،  ، أحببنا أن نقطع دابر الوسواس عنها !


1 – قالوا إنه حديث مرسل ، لأن طاوس ، رحمه الله ، لم يلق معاذاً ،  :


والجواب :


أ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ قَالَ النَّوَوِيُّ إذَا كَانَ تَعْلِيقُهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَالدَّارَقُطْنِي ( )  


ب – قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي ، رحمه الله :    [ قَوْلهم أَنه مُرْسل فَنَقُول الْمُرْسل حجَّة عندنَا ] ( ) .


ج – قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[  إِيرَادَهُ ( يقصد الإمام البخاري ) لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَاب ] ( ) .


د – وقال الإمام ابن كثير ، رحمه الله ، مختصراً قول الحافظ ابن الصلاح ، رحمه الله :

[  وحاصل الأمر: أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك  ] ( ) .


هـ - وقال الدكتور عبد الله عطا عمر :

[  فالجمهور على أن ما أتى فيه البخاري بصيغة الجزم دل على أنه ثبت إسناده عنده  ] ( ) .


و – وقال الإمــام بدر الدين العيني أيضاً ، عن حديث معاذ  :

[  احْتج بِهِ أَصْحَابنَا فِي جَوَاز دفع الْقيم فِي الزكوات، وَلِهَذَا قَالَ ابْن رشيد: وَافق البُخَارِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْحَنَفِيَّة مَعَ كَثْرَة مُخَالفَته لَهُم، لَكِن قَادَهُ إِلَى ذَلِك الدَّلِيل   ] ( ) .


ز – وقال الإمام القسطلاني ، رحمه الله :

[  وهو موافق لمذهب الحنفية في جواز دفع القيم في الزكاة وإن كان المؤلّف ( يقصد الإمام البخاري ) كثير المخالفة لهم لكن قاده إليه الدليل كما قاله ابن رشيد  ] ( ) .


ح – قال الديوبندي ، رحمه الله :

[  واعلم أن أداءَ السِّنِّ المُسمَّى في الشرع صحيح بالإِجماع، وإنما الخلافُ في دفع القِيَم ، فجاز عندنا الاستبدال بالقيمة ، إلا في الهدايا والضحايا ، كما في «الكنز»، وذلك لأن المقصودَ ههنا الإِراقة ، وذا لا يحصل بالقيمة. 

وإليه مال البخاري كما صرح به ابن رشيد في تراجمه، والشيخ ناصر الدين بن المُنَيِّر، والحافظ في «الفتح» ] ( ) .


ط – وأخيراً قال الدكتور يوسف القرضاوي :

[  فطاووس – وإن لم يلق معاذاً – عالم بأمره خبير بسيرته ، كما قال الشافعي ، وقد كان طاووس إمام اليمن في عصر التابعين ، فهو على دراية بأحوال معاذ وأخباره ، والعهد قريب ] ( ) .


2 – قالوا : المُرَاد بِالصَّدَقَةِ في حديث معاذ ،  ، هو الْجِزْيَة .


قال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله ، في ردّ هذه الشبهة ، بالتفصيل :

[  وَأَن قَوْلهم المُرَاد بِالصَّدَقَةِ الْجِزْيَة فَالْجَوَاب عَنهُ من أَرْبَعَة أوجه. 


أَولهَا أَنه قَالَ مَكَان الشّعير والذرة وَتلك غير وَاجِبَة فِي الْجِزْيَة بِالْإِجْمَاع. 


الثَّانِي أَن الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لفظ الصَّدَقَة، كَمَا فِي لفظ البُخَارِيّ، والجزية صغَار لَا صَدَقَة، ومسميها بِالصَّدَقَةِ مكابر. 


الثَّالِث: قَالَه حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأخذ زكاتهم، وَفعله امْتِثَال لما بعث من أَجله وَسَببه هُوَ الزَّكَاة، فَكيف يحمل على الْجِزْيَة؟ 


الرَّابِع: أَن الْخطاب مَعَ الْمُسلمين لِأَنَّهُ يبين لَهُم مَا فِيهِ من النَّفْع لأَنْفُسِهِمْ وللمهاجرين وَالْأَنْصَار، فلولا أَنهم يُرِيدُونَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لما قَالَ: خيرلْأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وهم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، لِأَن الْكفَّار لَا يختارون الْخَيْر للمهاجرين وَالْأَنْصَار، 


وَأَن قَوْلهم: مَذْهَب معَاذ أَن النَّقْل من الصَّدقَات مُمْتَنع، لَا أصل لَهُ لِأَنَّهُ لَا ينْسب إِلَى أحد من الصَّحَابَة مَذْهَب فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وسلم 


وَأَن قَوْلهم: وَيدل عَلَيْهِ إضافتها إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ... إِلَى آخِره، لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يضف الصَّدَقَة إِلَيْهِم مُطلقًا، بل أَرَادَ أَنه خير للْفُقَرَاء مِنْهُم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: خير للْفُقَرَاء مِنْهُم، فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وأعربه إعرابه، 


وَمَا نقل الزَّكَاة إِلَى الْمَدِينَة إلاَّ بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثه لذَلِك، 

وَلِأَنَّهُ يجوز نقلهَا إِلَى قوم أحْوج من الْفُقَرَاء الَّذين هم هُنَاكَ، 

وفقراء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أحْوج لِلْهِجْرَةِ وضيق حَال الْمَدِينَة فِي ذَلِك الْوَقْت. 


فَإِن قلت: قد قيل: إِن الْجِزْيَة كَانَت يَوْمئِذٍ من قوم عرب باسم الصَّدَقَة، فَيجوز أَن يكون معَاذ أَرَادَ ذَلِك فِي قَوْله: فِي الصَّدَقَة؟ 

قلت: قَالَ السرُوجِي: قَالَ هَذَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد، ثمَّ قَالَ: مَا أقبح الْجور وَالظُّلم مِنْهُ ، وَمَا أجهله بِالنَّقْلِ ، 

إِنَّمَا جَاءَت تَسْمِيَة الْجِزْيَة بِالصَّدَقَةِ من بني تغلب ونصارى الْعَرَب بالتماسهم فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: هِيَ جِزْيَة فسموها مَا شِئْتُم، وَمَا سَمَّاهَا المسلمون صَدَقَة قطّ. 


قلت: قَالَ الطرطوشي: قَالَ معَاذ: للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ، وَفِي الْمُهَاجِرين بَنو هَاشم وَبَنُو عبد الْمطلب وَلَا يحل لَهُم الصَّدَقَة، وَفِي الْأَنْصَار أَغْنِيَاء وَلَا يحل لَهُم الصَّدَقَة، فَدلَّ على أَن ذَلِك الْجِزْيَة. 

قلت: قَالَ السرُوجِي: ركة مَا قَالَه ظَاهِرَة جدا، وَهُوَ تعلق بحبال الْهوى وخبطة العشواء لِأَنَّهُ أَرَادَ بالمهاجرين وَالْأَنْصَار من يحل لَهُ الصَّدَقَة لَا من تحرم عَلَيْهِ، 

وَكَذَا الْجِزْيَة لَا تصرف إِلَى جَمِيع الْمُهَــاجِرين وَالْأَنْصَـــار بل إِلَى مصارفها المعروفين . فَافْهَم ] ( ) .


وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله ، في تفنيد تلك الشبهة :


[ وَقَوْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْخَرَاجِ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ فِيهِ مِنَ الْجِزْيَةِ بَدَلَ الصَّدَقَةِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال لَكِن الْمَشْهُور الأول 

وَقد رَوَاهُ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَــاوُسٍ أَنَّ معَــاذًا كَانَ يَـأْخُذُ الْعُرُوضَ فِــــي الصَّدَقَة . . . 


وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الزَّكَاةَ إِلَى الْإِمَامِ لِيَتَوَلَّى قِسْمَتَهَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ يُجِيزُ نَقْلَ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّة . . .


وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَمَا كَانَتِ الْجِزْيَةُ حِينَئِذٍ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ شَعِيرٍ وَلَا ذُرَةٍ إِلَّا مِنَ النَّقْدَيْن ] ( ) .


وقال الدكتور يوسف القرضاوي :

[ أمّا احتمال أن يكون هــذا الخبـر في الجزية فهو ضعيف ، بل باطل كما قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المحلى ، فإنه في رواية يحيى بن آدم : (( مكان الصدقة )) ] ( ) .


3 – قالوا : إِن قصَّة معَاذ اجْتِهَاد مِنْهُ فَلَا حجَّة فِيهَا !


قال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله :

[ كَانَ معَاذ أعلم النَّاس بالحلال وَالْحرَام، وَقد بَين لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أرْسلهُ إِلَى الْيمن مَا يصنع بِهِ  ] ( ) .


وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[  وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قِصَّةِ مُعَاذٍ إِنَّهَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ 

لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ 

وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرْسَـــلَهُ إِلَى الْيَمَنِ مَا يَصْنَع ] ( ) .


وقال الدكتور يوسف القرضاوي :

[  وعمل معاذ في اليمن وأخذه القيمة دليل على أنه لا يجد في ذلك معارضة لسُنّة النبيّ  ، 

وهو جل اجتهاده في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسُنّة ، وعدم إنكار أحد من الصحابة عليه يدل على موافقتهم الضمنية على هذا الحكم  ] ( ) .


ربمـــا يقصد الدكتور القرضاوي ، بقوله عن إجتهاد معــاذ  ، يأتي بالمرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة ، مارواه أبو داود ، والترمذي ، والدارمي في سننهم ، وأحمد ، وأبو داود الطيالسي في مسندهما ، وابن أبي شيبة في مصنفه  :


قال أبو داود ، رحمه الله :


[ حدَّثنا حفصُ بنُ عمر، عن شُعبةَ، عن أبي عونٍ، عن الحارث بن عَمرو بن أخي المغيرة بن شُعبة عن أناسٍ من أهل حمصَ من أصحابِ معاذ بن جبل: 

أن رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- لما أراد أن يَبعَثَ معاذاً إلى اليمن، قال: "كيف تَقضِي إذا عَرَضَ لكَ قَضاء؟ " قال: أقضي بكتابِ الله، 

قال: "فإن لم تَجِدْ في كتاب الله؟ " قال: فبسُنةِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم -، 

قال: "فإن لم تجد في سُنة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - ولا في كتابِ الله؟ 

قال: أجْتَهِدُ رأيِ ولا آلُو، فضربَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ وقال: الحمدُ لله الذي وَفَّق رسولَ رسولِ الله لما يَرضَى رسولُ الله" ( ) .


قال محقق الحديث ؛ الشيخ شعيب الأرنؤوط ، رحمه الله :


[ إسناده ضعيف لإبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو، 

لكن مال إلى القول بصحته غير واحد من المحققين من أهل العلم منهم الفخر البزدوي في "أصوله" والجويني في "البرهان"، وأبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 13/ 364 ( ) ، وابن كثير في مقدمة "تفسيره"، وابن القيم في "إعلام الموقعين"، والشوكاني في "جزء له مفرد" خصصه لدراسة هذا الحديث، أشار إليه هو في "فتح القدير"، ونقل الحافظ في "التلخيص" 4/ 182 عن أبي العباس ابن القاص الفقيه الشافعي تصحيحه كذلك. 


وأجابوا عن دعوى جهالة الحارث بن عمرو بأنه ليس بمجهول العين لأن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، 

ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التابعين ولم ينقل أهل الشأن جرحاً مفسراً في حقه، 

والشيوخ الذين روى عنهم هم أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولاً، 

ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة، ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة، وإنما يدخل في المجهولات إذا كان واحداً، 

وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والصدق بالمحل الذي لا يخفى، 

وقد خرج البخاري (360) الذي شرط الصحة حديث عروة البارقي: سمعت الحي يحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في المجهولات.

وقال مالك في "القسامة" 2/ 877: أخبرني رجل من كبراء قومه، 

وفي "صحيح مسلم" (945) (52) عن ابن شهاب حدثني رجال عن أبي هريرة عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- بمثل حديث معمر: "من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط


وقـــــال الخطيـــب البغــــدادي فــــي " الفقيه والمتفقه " 1/ 189 - 190: إن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به، 

فوقفنا بذلك على صحته عندهم 

كما وقفنا على صحة قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- "لا وصية لوارث" 

وقوله في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" 

وقوله: "الدية على العاقلة" 

وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غَنُوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها.


وقال شمس الحق في "عون المعبود" 9/ 369: 

وللحديث شواهد موقوفة عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس، أخرجها البيهقي في "سننه" عقب تخريج هذا الحديث تقوية له.

أبوعون: هو محمد بن عُبيد الله الثقفي ] ( ) .



 ( ثالثة عشر ) / :


هناك مَن ينـقل كلاماً عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، من غير إعتراض عليه . 

بل ينقل كلامــه موافقاً له ، وربما يفتخر ، ويفرح بهذا الكلام !

ونحن ننقل هذا الكلام ، ثم نعلق عليه :

[ قَالَ أَبُو دَاوُد قِيلَ لِأَحْمَدَ وَأَنَا أَسْمَعُ: أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ - قَالَ: أَخَافُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  . 

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ لَا يُعْطِي قِيمَتَهُ، 

قِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ، 

قَالَ يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُونَ قَالَ فُلَانٌ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]  

وَقَالَ قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ ] ( ) .        


وأنا أتعجب من هذا الإمام المشهور ، رحمه الله ؛ إمام مذهب من المذاهب المتبوعة ، كيف قال هذا الكلام ؟ !


التعليق :


1 – الإمام أحمد ليس برسول الله ، ولا هو معصوم ، وكلامه ليس بحجة على أحد .


2 – كلامه هذا الذي قاله ، هو إجتهاد منه .


3 – كلامه هذا يعتبر زلة من زلّاته ، تُغرق في بحر حسناته ، إن شاء الله تعالى .

لأنه كيف جعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، نِدّاً لرسول الله ، وعاصياً له   ؟ !


وكيف حكم على المسلمين أنهم تركوا اتباع النبيّ  ، واتبعوا عمر بن عبد العزيز ؟ !


وكيف وازن بين النبيّ  ، وبين عمر بن عبد العزيز ، وكأنهما نِدّان وصنوان ؟ !

4 – إنّ الناس لم يدَعوا قول النبيّ  ، لقول عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله .


بل تركوا إجتهاد وفهم الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، واجتهاد وفهم أمثاله ، 

واتبعوا إجتهاد وفهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ! واجتهاد وفهم أمثاله ، بل وأفضل منه .


فالمقارنة الصحيحة ، هي ليست بين النبيّ  ، وبين عمر بن عبد العزيز .

بل هي بين عمر بن عبد العزيز ، وبين أحمد بن حنبل !  

بين علمهما وفهمهما !


5 – إنه قــد حكـم على الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وكلُّ مَن قـــال مثل قوله ، وكل الذين اتبعوهم ، بأنهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله  ، 

فلم يطيعوا الله ورسوله ، والله تعالى يقول : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) . 

وكذلك جميعهم ردّوا سنة رسول الله  ! !


ولماذا كل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، وردّوا سنته  ؟ 

الجواب : لأنهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً !


6 – هل فقط عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، قال بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ؟


إرجع إلى صفحة 113 من هذه الرسالة ، وانظر مرة أخرى ، لتتيقن مَن هم الذين خالفهم أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في  إجتهادهم وفهمهم في هذا الموضوع ؟


ولا بأس أن نذكر أسماءهم فقط :

 

1 – الحسن البصري .  2 – طاوس .  3 – سعيد بن المسيب .  4 – عروة بن الزبير .  5 – أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .  6 – سعيد بن جبير .  7 – الخليفة عمر بن عبد العزيز .  8 – مجاهد .  9 – سفيان الثوري .              10 – الأوزاعي .  11 – الليث بن سعد .  12 – أبو حنيفة .  13 – محمد بن الحسن الشيباني . 14 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم . 15 – زفر .


هؤلاء كلهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ، خلافاً لأحمد بن حنبل وأمثاله . 

فهل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله  ، وردّوا سنّته   ؟ !

وأنا أظن أن الإمام أحمد ، رحمه الله  - لصلاحه - لا يقبل  أن يرفعه الناس فوق مرتبته فيجعلوه تلميذاً من تلاميذ بعض أولئك الأئمة !


فالحسن البصري   تابعي .

طاوس ،   تابعي .

سعيد بن المسيب ،   تابعي ، ولد سنة 24 هـ لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب ، زوج بنت أبي هريرة  ، أحد الفقهاء السبعة والمفتين ، في المدينة المنورة من التابعين .

عروة بن الزبير ،  تابعي ، إبن حواريّ رسول الله  ، أحد الفقهاء السبعة .

أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ،   تابعي ، إبن صحابيّ جليل ؛ توفي رسول الله  ، وهو راضٍ عنه ( عبد الرحمن بن عوف  )

سعيد بن جبير ،    تابعي .

عمر بن عبد العزيز ،   ولد سنة 63 هـ .

مجاهد ،   تابعي .

سفيان الثوري ،    ولد سنة 97 هـ .

أبو حنيفة ،   ولد سنة 80 هـ ، رأى الصحابي الجليل أنس بن مالك ،  .

أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ،   تلميذ أبي حنيفة .

محمد بن الحسن الشيباني ،   تلميذ أبي حنيفة ، وتلميذ مالك بن أنس ، وشيخ الشافعي .

زفر ،    تلميذ أبي حنيفة .

الأوزاعي ،   ولد سنة 88 هـ .

الليث بن سعد ،   ولد سنة 94 هـ .


هؤلاء لم يفهموا الكلام ، وعصوا الله ورسوله ، وردّوا سنة رسول الله  ؟ !


فكلام الإمام أحمد ، الذي قاله يؤدي إلى هذه النتائج الخاطئة ، ولهذا قلنا : كلامه هذا ، زلة من زلاته ! 


فأولئك الأئمة لم ينافسوا النبيّ  ، ولم يزاحموه . 

بل تنافسوا في فهم أقوال النبيّ وأوامره  ، وخدمة شريعته ، على الذي يرضي الله تعالى ، ويرضي رسوله  .   


فكيف يقال عنــهم أنـــهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله ، وردّوا سنته  ؟ !


علماً أنه قد روي عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، بجواز إخراج القيمة في الزكاة ما عدا زكاة الفطر .


قال الإمام إبن قدامة المقدسي ، رحمه الله :


[  وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ. قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ. قِيلَ لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ ثَمَرًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ. 

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ. 

وَوَجْهُهُ قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. 


وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، وَعَنْ طَاوُسٍ، قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ الْيَمَنَ، قَالَ: ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ، بِالْمَدِينَةِ.


قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. 

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ صُوَرِ الْأَمْوَالِ  ] ( ) .



( رابعة عشر ) / :


[ روي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " 


ذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير


قال أبو إسحاق السبيعي - وهو أحـد أئمــة التابعيــن - :" أدركتهم وهم يـؤدون فــي صـدقــة رمضــان الدراهم بقيمة الطعام " ( ) .


والحجة لذلك :

1- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم 

ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة ( )  

2- الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، 

بدليل أن الصحابة ، رضي الله عنهم_، أجازوا إخراج القمح - وهو غير منصوص عليه – عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة .

3- ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، 

فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك .

4- أن المقصود من الزكاة: إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعد في ذلك حال الفقير في كل بلد  ( ) .

5- كثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل ، والله أعلم  ] ( ) .

( خامسة عشر ) / :


سنأتي هنا بأقوال للحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، تساند وتوافق ما ذكرناه .


فإن كانت هذه الأقوال ( في مضمونها ، وفحواها ، ومعناها ) ، تجعل الحافظ ابن تيمية يوافقنا فيما أثبتنا ، من جواز إخراج زكاة الفطر نقداً .


وبالمقابل كانت لـه أقوال صريحة تحرم ذلك ، أو لا تجوزه ، فمعنى ذلك أن الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، متناقض في منهجه وتفكيره ، من غير أن يشعر ! وهذا ما لا نعتقده فيه !


ولماذا أقوال ابن تيمة بالذات ؟


الجواب : لأنه حنبلي المذهب ( وإن كان في بعض الأحيان يخرج عنه ) ، ومتبعوه يقلّدوه ، وهم يظنّون أن منهجه   ( دون غيره ) هو منهج وأقوال السلف الصالح !


وسنأتي أولاً بكلامه ، ثم نوضحه ونشرحه :


قال ، رحمه الله تعالى :


[  فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ذِكْرًا وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ 


وَكَانَ هَذَا هُوَ الْفَرْضَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ كَانَ قُوتَهُمْ

وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ اقْتَاتَ الْأُرْزَ وَالذُّرَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد

 

وَهَلْ يَجْزِيهِ أَنْ يُخْرِجَ التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْتَاتُهُ. فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ.

 

وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَرْمُونَ بِالْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي تُشْبِهُ قَوْسَ النَّدْفِ وَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ بِهَا الْبِلَادَ

 

وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فِي كَرَاهَةِ الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ شِعَارَ الْكُفَّارِ

 

فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ اعْتَادَهَا الْمُسْلِمُونَ وَكَثُرَتْ فِيهِمْ وَهِيَ فِي أَنْفُسِهَا أَنْفَعُ فِي الْجِهَادِ مِنْ تِلْكَ الْقَوْسِ. فَلَا تُكْرَهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَوْ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ 

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} . 

وَالْقُوَّةُ فِي هَذَا أَبْلَغُ بِلَا رَيْبٍ وَالصَّحَابَةُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ عِنْدَهُمْ فَعَدَلُوا عَنْهَا إلَى تِلْكَ؛ 

بَلْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَيْرُهَا . . .

 

 وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إذَا لَبِسُوا ثَوْبَ الْغِيَارِ مِنْ أَصْفَرَ وَأَزْرَقَ نُهِيَ عَنْ لِبَاسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ 

وَإِنْ كَانَ لَوْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ 


وَفِي بِلَادٍ لَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْمَلَابِسَ عِنْدَهُمْ إلَّا الْكُفَّارُ فَنُهِيَ عَنْ لُبْسِهَا 

وَاَلَّذِينَ اعْتَادُوا ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا مَفْسَدَةَ عِنْدِهِمْ فِي لُبْسِهَا.

وَلِهَذَا كَرِهَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ لِبَاسَ السَّوَادِ لِمَا كَانَ فِي لِبَاسِهِ تَشَبُّهٌ بِمَنْ يَظْلِمُ أَوْ يُعِينُ عَلَى الظُّلْمِ 

وَكَرِهَ بَيْعَهُ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِلُبْسِهِ عَلَى الظُّلْمِ 


فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ ] ( ) .


* (  فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ذِكْرًا وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ 

وَكَانَ هَذَا هُوَ الْفَرْضَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ كَانَ قُوتَهُمْ  ) .

في قوله هذا نفهم ما يلي :


1 – أنّ النبيّ ،  ، قد فرض في زكاة الفطر : التمر ، أو الشعير فقط .

 أي : المنصوص هو : إمّا صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعير . 

فالذي يتزايد على الآخرين باسم الكتاب والسنة ، وباسم تقيّده بالنصوص ، وعدم الخروج عنها ، فليخرج – في زكاة الفطر – إمّا التمر ، أو الشعير ، لا غيرهما !


2 – وكان هذا الفرض خاص بالمدينة ، وعلى أهل المدينة فقط. 

 وذلك لأن التمر والشعير كان طعامهم .

يعني : لو كان طعامهم غير التمر والشعير ، لفرض رسول الله  ، غير ذلك .


3 – ولماذا فرض رسول  على أهل المدينة من قوتهم وطعامهم ؟

الجواب هو : 


أ – من أجل التسهيل على المزكّي ، وعدم تكليفه ما يشق عليه ، والتيسير عليه ، وعدم التعنت عليه .

حيث أغنياؤهم كانوا غالب غناهم بالطعام ( سواء كانت زروعاً وثماراً ، أو أنعاماً من الإبل ، والأبقار ، والأغنام ) .


وقد قال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، هذا الكلام صراحة في مكان آخر ، حيث قال :


( وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ 

لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ 

وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ ) ( )  

        

ب – من أجل سد حاجة المسكين والفقير ، في ذلك الوقت والزمان . 

حيث كانوا محتاجين إلى الطعام بالدرجة الأولى .

 فأراد النبيّ  ، مواساتهم ، وإشباعهم ، وتنفيس كربهم . 


وقد توفي النبيّ  ، ودرعه مرهونة ، مقابل كمية من الشعير ، أخذها لطعامه وطعام أهله  ! ( ) .

ذلك النبيّ الكريم  ، كان محتاجاً إلى الطعام ، وليس إلى النقود !


4 – نفهم من هذا الكلام للحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، أنّ الفتوى تتغيّر بتغيّر المكان ( وَكَانَ هَذَا هُوَ الْفَرْضَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ كَانَ قُوتَهُمْ  ) .


وربما أخذ الحافظ ابن القيّم ، رحمه الله ( وهو تلميذ الحافظ ابن تيمية ) هذا المعنى منه .

 وقد وضع ( إبن القيّم ) فصلاً في كتابـــه ( اعلام الموقعين عن رب العالمين ) بعنوان : الفتوى تتغير بتغيّر الزمان والمكان و . . . كما ذكرنا ذلك في صفحة 82 من هذه الرسالة .


ويزيد وضوحاً هذا الأمر – تغيّر الفتوى بتغيّر المكان – كلامه ( إبن تيمية ) ، رحمه الله :


( وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ اقْتَاتَ الْأُرْزَ وَالذُّرَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِهِ 

وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد 

وَهَلْ يَجْزِيهِ أَنْ يُخْرِجَ التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْتَاتُهُ. فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ) . 


يعني : جماهير العلماء ، يقولون بعدم وجوب وفرض ، التمر والشعير ، على غير أهل المدينة . 

بل للناس أن يغيّروا التمر والشعير ، إلى ما يقتاتونه في بلادهم !

وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله .


ويقول في مكان آخر :


[ وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ؛ هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِكَوْنِهِ كَانَ قُوتًا لِلنَّاسِ

 فَأَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ يُخْرِجُونَ مِنْ قُوتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ كَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الرُّزَّ أَوْ الذُّرَةَ؛ يُخْرِجُونَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ] ( ) .     

 

فإذا كان للناس أن يغيّروا نص قول النبيّ  ، إلى غيره ، مراعاةً للمزكيّ ، ومراعاة للآخذ .

وقـد قــال أحــدهم ، ممّن يعترضون على إخراج النقود : ( ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من طعام وجد حديثاً ، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع ( ) من البر ؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك ، والمقصود نفع الفقراء ) .


علماً أنه هو الذي قال بالحرف الواحد :


( فلا يجوز إخراجها إلّا ممّا فرضه رسول الله  ) ( )


وقال : (  لا أنفع له ممّا فرضه له الشرع  ) ( ) .


فلماذا لا يجوز تغييره إلى النقود ، مراعاةً للأغنياء ، ومراعاةً للفقراء والمساكين ، 

مادامت الغاية هي التسهيل على المزكّي ، وإغناء الفقير عن المسألة ، وسدّ احتياجاته ، وإعطائه ما هو أنفع له ؟ ! 


أمّا كلامه ( إبن تيمية ) رحمه الله :


* ( وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَرْمُونَ بِالْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي تُشْبِهُ قَوْسَ النَّدْفِ وَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ بِهَا الْبِلَادَ

 وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فِي كَرَاهَةِ الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ شِعَارَ الْكُفَّارِ 


فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ اعْتَادَهَا الْمُسْلِمُونَ وَكَثُرَتْ فِيهِمْ وَهِيَ فِي أَنْفُسِهَا أَنْفَعُ فِي الْجِهَادِ مِنْ تِلْكَ الْقَوْسِ. فَلَا تُكْرَهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَوْ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ 

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } . وَالْقُوَّةُ فِي هَذَا أَبْلَغُ بِلَا رَيْبٍ وَالصَّحَابَةُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ عِنْدَهُمْ فَعَدَلُوا عَنْهَا إلَى تِلْكَ  ] . 


 فيُفهم منه تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان أيضاً !

 

وذلك لأنّ الصحابة ، رضوان الله عليهم ، كانوا يرمون بالقوس العربية ، في قتالهم .


ولذلك كره بعض السلف الرمي بغيرها ، كالقوس الفارسية لأنها كانت شعار الكفار ! 

ولكن لما اعتادها المسلمون بعد ذلك ، وكثرت فيهم ، وهي أنفع من القوس العربية ، زالت الكراهة في أقوى قولي العلماء ، أو في قول أكثر العلماء !

ومعنى ذلك ، أن الشيء قد يكون في زمان مكروه ، وفي زمان آخر بعد ذلك ، جائز ، غير مكروه !

ونقصد بالشيء الذي ارتبط بالعرف والزمان والمكان !


ولقد أتى ابن تيمية ، رحمه الله ، بمسألة القوس العربية والفارسية ، والكراهة في استخدام الفارسية – في البداية – عن بعض السلف ( لأنها كانت شعار الكفار ) ، ثم زوال الكراهة بعد ذلك . 

كل ذلك من أجل تقوية كلامه ؛ في جواز تغيير التمر والشعير ، إلى غيرهما من غير المنصوص عليه !


ويقــول الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، فيما يتضمن مجمل ما ذكرناه :

 (  كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ قُوتِ بَلَدٍ 

فَهَلْ التَّأَسِّي بِهِ أَنْ يُقْصَدَ خُصُوصُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنْ يَكُونُ فِي بِلَادٍ لَا يَنْبُتُ فِيهَا التَّمْرُ وَلَا يَقْتَاتُونَ الشَّعِيرَ بَلْ يَقْتَاتُونَ الْبُرَّ أَوْ الرُّزَّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ  

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْرُوعُ. 

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مَنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِ بَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَقْوَاتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا 

وَلَوْ كَانَ هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ لَكَانُوا أَوْلَى بِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ ) ( ) .

  

يقول ، رحمه الله : إنّ النبيّ  ، كان يأكل الرطب والتمر وخبز الشعير .

فهل التأسي به ، واتخاذه  ، قدوة ، يلزم المسلمون أكل الرطب والتمر وخبز الشعير ، لأنّ النبيّ  كان هذا قوته ؟


أم أن للمسلمين أن يغيّروا ذلك حسب مكانهم ، وبلادهم ، وبيئتهم ؟ فيأكلوا غير الرطب والتمر وخبز الشعير ؟ ويلبسوا غير لباس النبيّ  ، وأهل المدينة ؟ 

يقول : بل المشروع هو الثاني . أي : لهم أن يغيّروا ذلك !


بدليل ما فعله الصحابة ، رضي الله عنهم .


فإنهم ( لَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مَنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِ بَلَدِهِ 

مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَقْوَاتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا 

وَلَوْ كَانَ هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ لَكَانُوا أَوْلَى بِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ ) .


فلماذا يجــوز الخــروج عن هدي النبيّ  ، في الأكل واللباس ، المتعلق بالعرف والبيئة ، وعن الــذي نـطق بــه  ، إلى غيره ، بلا أدنى حرج ،  إجتهاداً من كثير من العلماء ، ولا يجوز ذلك الإجتهاد لغيرهم ؟ ! 


( أقصد : الإجتهاد في جواز إخراج النقود ، في زكاة الفطر ) 

ولاسيما في أمرٍ يتعلق بالعرف والبيئة ؟


فنستطيــع أن نستنبـط منـــهج وتوجهـات ابن تيمية ، رحمه الله ، من خلال أقواله التي ذكرناها ، فنقول :


كان منهجه : أن الفتوى تتغيّر بتغيّر المكان والزمان ، وأن هذا الدين السمح ، يُسرٌ ، لم يجعل على الناس حرجاً ، ولم يكلّفهم ما يعسر عليهم دينهم .


وأن لهذا الدين العظيم غايات نبيلة كريمة ، أراد تحقيقها بالوسائل المشروعة المتاحة .

فإذا تغيّرت الوسائل – بتغيّر الزمان والمكان – لابأس أن يتّخذ المسلمون وسائل أخرى مشروعة ، طالما تحقق نفس الغايات التي جاء الدين من أجلها .

وقد يوجد من العلماء ، مَن يكره – في البداية – الوسائل الجديدة ، ولكن بعد أن يعتادها المسلمون ، تزول تلك الكراهة ، ويذهب إلى جوازها أكثر العلماء ،لأنها تحقق الغاية بصورة أفضل من القديمة ! 


هذا ما نفهمه ، ونستنبطه من أقوال الحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، والتي نقلناها فيما سبق .


ربما قالوا إنه  ، نصّ على الطعام ! ولا يجوز الخروج عن النص !

 نقول : فلقد نص  ، على التمر ، والشعير ، لا غير ، فلماذا جاز الخروج عن ذلك النص ، إلى غيره من الرز ، أو الذرة ، أو العدس ، أو . . .  ولا يجوز إلى النقود ؟ وكلاهما إجتهاد ؟ !

وكلا الإجتهادين ، يراعي المزكّي ، والفقير ؟ !


ولقد قال العلماء – وهذا معروف عند الناس – أن الناس كانوا – إلى عهد قريب – محتاجون إلى الطعام ، أكثر مما يحتاجون إلى النقود ، فكيف وهم في عصر النبيّ  ! !


أمّا الآن فإنهم محتاجون إلى النقود ، أكثر مما هم محتاجون إلى الطعام .  


وذلك لكثرة وتعدّد احتياجاتهم ، فكثير من الأشياء كانت قبل مِن قِبَل الكماليات والتحسينيات ، أصبحت الآن مِن قِبَل الضروريات ، التي لا يستطيع الإنسان الإستغناء عنها !


فالفقير والمسكين ، بحاجة شديدة إلى النقود ، لتوفير تلك الإحتياجات والضروريات ، ولا سيما في أيام العيد ! 


وكيف تقاس بيئة ، كان الإنسان يعيش فيها ، قبل أكثر من أربعة عشر قرن من الزمان ، ببيئة يعيش فيها الآن ؟ ! 


علماً أنّ الأئمة الكبار ، من المجتهدين ، في تلك القرون قد فهموا روح النص ، فأفتوا بجواز إخراج النقود في زكاة الفطر ؛ وهم كانوا في تلك البيئة ، قبل أكثر من ألف ومئات السنين !


أمثال الحسن البصري ، وطاوس ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وسفيان الثوري ، وعمر بن عبد العزيز ، . . .


وأولئك الأئمة المجتهدين ، كان أكثرهم من التابعين ، وفيهم خليفة راشد ؛ أمر بذلك ، في كتاب بعثه إلى عماله يقرأونه على الناس ، فلم يعترض أحد ، والعلماء الكبار متوافرون ، وهم يسمعون ، أو يعلمون !  


وأقصد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، الذي كان يحكم دول إسلامية – وليست دولة واحدة – فلم يبقَ فقير أو مسكين محتاج ، في ظل حكومته الراشدة ! 


فاستطاع أن يضرب أروع مثال ، في تطبيق الإقتصاد الإسلامي الناجح ، في القضاء على الفقر ، بتلك السياسة الراشدة الحميدة !


فهل كل أولئك الأئمة لم يفهموا الدّين ، فعصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، فلم يطيعوا الله ، ورسوله ، وردّوا سنته  ،


وفهم الدّين ، وأطــاع الله ورسوله ، بعض حفّاظ النصوص – من غير الغوص في معانيها – مـن الذين يعيشون فـي هذا العصر النكد ، بعيداً عن خير القرون ، بأكثر من ألف سنة ؟ !


وقال الشيخ الدكتور سلمان العودة :


[ القول الثاني: يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر

وبه قال أبو حنيفة ، وقد سُبق أبو حنيفة إلى هذا القول، فهو ثابت عن عمر بن عبد العزيز ،

 فقد رَوى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يُقرأ إلى عدي بالبصرة -وعدي هو الوالي-: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم. أي: عن صدقة الفطر .

وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً ، وأمر واليه أن يأخذ من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض ، 

والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون ، وعمر هو من العلماء المجتهدين.

وجاء عن الحسن البصري أنه قال : « لا بأس أن تعطِى الدراهم في صدقة الفطر» .

وقال أبو إسحاق السبيعي : « أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام » . 


وكأن البخاري مال إلى هذا في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة ، وأشار إلى ذلك .


وهذه المسألة من المسائل التي وافق فيها البخاري الحنفية، مع أن البخاري في الغالب يرد عليهم في صحيحه خصوصًا في التراجم، ولكنه في هذه المسألة وافقهم، 


قالوا: وإنما قاده إلى ذلك الدليل .


وهو مذهب الثوري . وهؤلاء من سادة التابعين ؛ 

ومنهم مَن يُخبر عن الناس في وقته، وليس يخبر عن رأيه فحسب ، ولا يلزم أن يكون خبره عن الناس جميعاً، بل يكون عملاً مشهورًا معمولاً به. 

فلذا ذهب جماعة من العلماء إلى جواز إخراج صدقة الفطر مالاً.

وممن قوَّى هذا الرأي ونصره من المتأخرين: الشيخ مصطفى الزرقا، فإنه كتب بحثًا في كتاب «العقل والفقه في فهم الحديث النبوي» وطُبع في فتاويه بعد وفاته، وهو بحث مطول وأيَّد فيه القول بجواز إخراج المال في صدقة الفطر، 


وممن نصره أيضًا: الشيخ أحمد بن محمد بن الصِّدِّيق الغُمَاري في «تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال» .


ومن الأوجه التي يتعزَّز بها هذا القول ما يلي :


1 - أن الأحاديث الواردة كلها أحاديث فعلية، وليس فيها قول يمنع من إخراج القيمة في صدقة الفطر.


2 - قالوا: ربما كانت القيمة أفضل للمعطي وأفضل للآخذ، وربما كان أيسر أيضاً للمعطي وللآخذ .


3 - أن هذا الفعل كان عليه السلف في العصور الأولى، كما ثبت عن عمر بن عبد العزيز، وأبي إسحاق السبيعي، 

ولم يُنكر في ذلك العصر، فعدم إنكاره دليل على أن الأمر كان فيه سعة، 

فإن أخرج طعاماً فحسن، وإن أخرج مالاً فحسن .


4 - أن معاذاً -رضي الله عنه- لما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن كان يأخذ منهم القيمة في زكاة المال، فكان يأخذ بدل الحنطة والشعير القيمة، 

ويبعث بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فهذا دليل على أنه يجوز أن يُخرج المال بدلًا من الطعام .


4- أن الأمر ليس تعبدياً محضًا لا يجوز الخروج عنه إلى

 غيره، وإنما هو أمر مصلحي واضح ، أي: 

أن المقصود من صدقة الفطر منفعة الآخذ والباذل ، ومنفعة الآخذ أولى، 


وإخراج القيمة- خصوصًا إذا طابت بها نفس المعطِي ونفس الآخذ، وأنه أحب إليهما معًا- يحقق مقصد الشرع في التوسعة على الناس، وفي تطهيرهم وفيما فيه تحقيق مصالحهم، وليس فيه ما يعارض نصاً ظاهراً .


5- أن الفقهاء اختلفوا في إخراج زكاة المال من

 العُروض أو إخراجها من المال، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال :


الأول: تخرج زكاة العُروض من العُروض .


الثاني: أنه يخرجها نقدًا ولا بدَّ .


الثالث: أنه مخيَّر بين إخراجها من العُروض أو نقدًا.

في هذا القول تخيير بين النقد وبين إخراجها من نفس المال، 

والأفضل هو الأحظ للفقراء ، 


فلو علم أن الفقير سوف يشتري بهذا المال عُروضًا؛ كان الأفضل أن يعطيه عُروضًا؛ 

حتى يوفر عليه القيمة ويوفر عليه التعب، 


وإن علم أنه إن أعطى الفقير عُروضًا فإنه سوف يبيعها - وربما يُنقص قيمتها عند بيعها إلى نصف الثمن أو ثلثه - فيكون الأولى أن يُعطيه مالاً في هذه الحالة.


وقد رجَّح ابن تيمية في هذا أنه إذا كان ثمة حاجة ومصلحة فإنه يجوز إخراج المال عن العُروض.


قال ابن تيمية بعد أن ذكر الأقوال في إخراج القيمة في الزكاة :

 «والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، 

وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به » .

- فيجوز أن يُخرجها ثياباً، ويجوز أن يُخرجها نقداً، 

لكن إن كان الفقير الذي تُعطيه الثياب سوف يبيع هذه الثياب ليأخذ النقد ويشتري به طعامًا فالأفضل أن تُعطيه نقدًا؛ لأنه أصلح له؛ 

لأنه سوف يبيع الثوب بأقل من قيمته حتى يحصل على النقد، 

أما إذا كان هذا الفقير سيلبس الثوب والثوب أنفع له من النقد، فيكون إعطاؤه الثياب أفضل . 


فإذا كان هذا في زكاة المال وهي ركن من أركان الإسلام، وفرض بالاتفاق، ووجوبها أظهر وأمرها آكد؛ فأن يكون هذا سائغاً في زكاة الفطر من باب أولى .


7 - ومما يُعزز هذا المعنى: أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مما يُخرج -كما في حديث أبي سعيد- الشعير، فإذا جاز أن يُخرج الشعير فالذهب أولى بالجواز؛ لأنه أعظم منه قيمة ، والشريعة جاءت بالعدل والميزان ، وهذا من العدل والميزان .


8 - ومن الأدلة التي تُقوي هذا أن الفقهاء عامة عدلوا عن الأصناف المذكورة في الحديث إلى ما يسمونه بقوت البلد ، وهذا تجده عند الحنابلة والحنفية والشافعية والمالكية ممن لا يقولون بإخراج القيمة، فيقولون:

 له أن يُخرج من قوت البلد، 


فإذا كانت المسألة وقوفاً على النص فيلزمهم أن يقتصروا على ما ورد به النص ولو لم يكن من قوت البلد 

وألا يجزئ عندهم إخراج القوت إذا كان من أصناف أخرى لم ينص عليه الحديث ، 

أما إن كان الأمر يدور على رعاية المعنى والمقصد فحينئذ نقول: العدول عن قوت البلد مؤذن بأن الأمر فيه سعة ، وأن المقصود إيصال الخير للمستحق سواء كان هذا الخير طعامًا أو غيره .

وهذا مصير منهم إلى التقييم والقيمة ، لأنهم قوّموا ما كان قوتاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرجوا بدله .


على أن المسألة ليست من أصول الاعتقاد ، 

ولا هي من كُبْرَيات المسائل التي يكون عليها معقد الولاء والبراء ، 


فلا ينبغي فيها التعصب والتشديد على الناس ورمي المخالف والطعن في ديانته، أو في علمه وعقله ، 


ولا تجاهل القول الذي لا يرتضيه الفقيه لأن هذا يلبس على العامة خاصة في عصر عولمــة الفتــوى وكسر الحواجــز المذهبيـــة والاجتماعيــة .. والله أعلم ] .



( سادسة عشر ) / :


والآن أنظر إلى الأقوال النابية ، والفتاوى ، التي تتضمن الطعون والتجريح ، في جميع أئمتنا ، الذين عاشوا في خير القرون ، وأفتوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً .

 من قِبَل حفظة نصوص ، حشروا أنفسهم بين العلماء ، وهم لا يصلحون أن يكونوا خدّاماً عند أولئك الأئمة ، لا علماً ، ولا تقوى !

 لتعلم لماذا يطعن العوام والطغام فيهم ، ويلوكون لحومهم بكل برودة أعصاب ؟ !



يقول أحدهم :


[  ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلاً ، بل الواجب إخراجها من الطعام ، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وبذلك قال جمهور الأمة ] ( ) .                 

من أين علم أنه أصح دليلاً ؟ 

أليس الخلاف في هذه المسألة هو : مَن هو أصح دليلاً ؟

وكيف اهتدى هو وأمثاله إلى ذلك ، دون كل أولئك السلف الصالح وأتباعهم ؟

وهل هم لا يخالفون جمهور الأمة في فتاواهم ؟

هل طلاق الثلاث لفظة واحدة – على سبيل المثال – تعتبر طلقة واحدة عند جمهور الأمة ؟ 

هل هم حريصون على اتباع جمهور الأمة ؟ 

لا نريد هنا نتتبع خروجهم – في كثير من الأمور – عن جمهور الأمة !

وقالوا أيضاً :

[ لا يجوز توزيع زكاة الفطر نقدًا على الصحيح فيما نعلم، وهو قول جمهور العلماء] .

إذا كان لا يجوز على الصحيح ، فلماذا خالف وضلّ كل أولئك الأئمة العظام ؛ من السلف الصالح وأتباعهم ، واهتدى هؤلاء الخلف إلى الصواب دونهم ؟ !

وهنا أيضاً يظهرون أنفسهم وكأنهم حريصون على اتباع جمهور العلماء ! 

وقالوا أيضاً :

[ أما إخراجهــا نقـداً فلا يجزىء ؛ لأنها فرضت من الطعام . . . 

ثم قال ـ " فتبين من هذين الحديثين أنها لا تجزىء إلا من الطعام . . . 


أما إخراجها نقداً فيجعلها خفية ( ) ، وقد يحابي الإنسان نفسه إذا أخرجها نقداً فيقلل قيمتها ( ) ، فإتباع الشرع ( ) هو الخير والبركة . . . الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال ( ) ، بل تدفع طعاماً .


ثم قال : ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم: إن زكاة الفطر تجزىء من الدراهم؛ لأنه ما دام النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، فلا قول لأحد بعده، ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع ( ) ، والصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزىء إلا من الطعام . . . ] .


يظهر على قول هذا العلامة : أنّ مَن أحسن ، وأعطى نقوداً ، أو ثياباً للمساكين ، ولم يعطهم طعاماً فلن يُقبل منه ، وسيكون سبباً في دخوله النار ، مادام النص عن الله تعالـى موجوداً ! !

حيث يقول تعالى : (   وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ . يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) 

ولماذا هذا العذاب ؟ : 

والجواب (  إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) 

 (  فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ . وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ . لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ    ) ( ) .



قال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله :


[   وَقَوْلُهُ: { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } أَيْ: 

لَا يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَا يَنْفَعُ خَلْقَهُ وَيُؤَدِّي حَقَّهُمْ؛ 

فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، 

وَلِلْعِبَادِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَقُّ الْإِحْسَانِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ 

وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَقُبِضَ النَّبَيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: "الصَّلَاةَ، ومـــا ملكــت أيمـــانـكم"  ]  ( ) .


  فالحافظ إبن كثير ، رحمه الله ، يفسر هنا ( الحض على الإطعام ) بالإحسان والمعاونة على البر والتقوى ، ولا يقصّرها على الطعام ، وإن كان النص عن الله تعالى موجوداً !


وكذلك – على حد قول ذلك العلّامة – لا يقتحم الإنسان العقبة إلّا بالإطعام ، دون النقود والثياب ، وغيرهما ، مادام النص عن الله تعالى موجوداً :

حيث يقول تعالى : (   فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ  ) ( ) .


وكذلــك لا يمــدح الله تعالـى ، إلّا الذين يطعمون الطعام دون غيرهم ، مادام النص عن الله تعالى موجوداً :

حيث يقول تعالى : (   وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  ) ( ) . 

[  عن قتادة ، قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) قال: لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم  ] ( ) 


فهنــا جـــاء تفسـيـر ( ويطعمــون الطعـام ) 

عن قتادة (حَافِظ العَصْرِ، قُدْوَةُ المفسِّرِيْنَ وَالمُحَدِّثِيْن ) ( ) ، 

بـ( الإحسان ) كما ذكر الإمام الطبري . 


ولو أنّ المسألة لا تحتاج إلى إيراد أقوال السلف الصالح وأتباعهم ، فهي واضحة .

ولكن نستأنس بأقوالهم ؛ ترجيحاً على أقوال واجتهادات الخلف وأتباعهم !

وإلّا مَن هو هذا الذي يقصّر الإحسان ، ومساعدة الفقير والمساكين على الطعام فقط ؟ !


وقال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله ، عند تفسيره لتلك الآية الكريمة :

[  وَقَدْ وَصَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حَدِيثٍ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ آخِرَ مَا أَوْصَى أَنْ جَعَلَ يَقُولُ: "الصلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"  ] ( ) .

فهل الإحسان هو فقط : إطعام الطعام ؟ !


وقال الشنقيطي ، رحمه الله ، أيضاً في تفسيره لتلك الآية الكريمة ( ويطعمون الطعام ) :

[   وَهَؤُلَاءِ الْأَسَارَى بَعْدَ وُقُوعِهِمْ فِي الْأَسْرِ، لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَوْلٌ وَلَا طَوْلٌ. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِحْسَانُ إِلَيْهِم   ]ٍ ( ) .


فالمفسرون يفسّرون ( إطعام الطعام ) بالإحسان !

والإحسان إلى الفقير لا يقتصر على إعطائه الطعام !


ثم انظر إلى إستهانته ، بأقوال وعلم كل أولئك الأئمة العظام من السلف الصالح ، رحمهم الله تعالى :

 

(  ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم : إن زكاة الفطر تجزىء من الدراهم؛ لأنه ما دام النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، فلا قول لأحد بعده، ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع  ) ! !


وانظر إلى إضافة اليقين والصواب إلى فهمه ، وإضافة الخطأ والمخالفة للشرع ، إلى أولئك السلف الصالح وأتباعهم :

(والصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزىء إلا من الطعام ) ! !


والغريب أنه مادام الحديث قال : ( طعمة للمساكين ) فيجب أن تكون الزكاة طعاماً ، على حد زعمه وفهمه ! !


ويقول : فالنقود أي الدراهم تُقضى بها الحاجات ؛ من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها ( يعني هي ليست طعمة ) !

وربما هذا العلّامة يعيب الظاهرية ، وهو ظاهريّ إلى النخاع ، ليس في علم الإمام إبن حزم ، بل فقط في ظاهريته !


ولا ندري حسب فهمه العجيب هذا ، هل الإيمان أيضاً هو   طعام ؟ ! :

حيث جاء ( عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : « ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا » ) ( ) . 


قال العلماء والفقهاء ، عن معنى هذا الحديث المبارك :   


[   وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ خَلَصَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ إِلَى قَلْبِهِ وَذَاقَ طَعْمَهُ 

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ صَحَّ إِيمَانُهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَخَامَرَ بَاطِنَهُ 

لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْمَذْكُورَاتِ دَلِيلٌ لِثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ بَصِيرَتِهِ وَمُخَالَطَةِ بَشَاشَتِهِ قَلْبَهُ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ أَمْرًا سَهُلَ عَلَيْهِ 

فَكَذَا الْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ قَلْبَهُ الْإِيمَانَ سَهَّلَ عَلَيْهِ طَاعَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَذَّتْ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَم   ] ( ) . 


و (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

 " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " ) ( )


قال الأئمة ، عن معنى هذا الحديث :

[   هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ 

مَعْنَى حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ اسْتِلْذَاذُ الطاعات وتحمل المشقات في رضى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا 

وَمَحَبَّةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ 

هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ) ] ( ) .



وقال الحافظ إبن حجر العسقلاني ، رحمه الله :

[ وَفِي قَوْلِهِ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ 

شَبَّهَ رَغْبَةَ الْمُؤْمِنَ فِي الْإِيمَانِ بِشَيْءٍ حُلْوٍ وَأَثْبَتَ لَهُ لَازِمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَضَافَهُ إِلَيْه ] ( ) .


هذا هو العلم ، وهذا هو فهم العلماء والأئمة !

لا التشبّث بالطعام ، آخذاً الفهم من حروف الكلمات – وهو ما سمّاه العلماء : الفهم المعجمي ( القاموس اللغويّ ) ( ) !


وقالوا أيضاً :


[  زكاة الفطر لا تصح ( ) من النقود  

والعبــــادات لا يجوز تعدي الشرع فيها بمجرد الاستحسان ( ) ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طُعمة للمساكين، فإن الدراهم لا تطعم، فالنقود أي الدراهم تُقضى بها الحاجات؛ من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها. 

ثم إن إخراجها من القيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها ( ) ، 

لأن الإنسان تكون الدراهم في جيبه  ، فإذا وجد فقيراً أعطـــاها لـه ( ) فلم تتبين هذه الشعيرة ( ) ولم تتضح لأهل البيت ( ) . 

ولأن إخراجها من الدراهم قد يخطئ الإنسان في تقدير قيمتها فيخرجها أقل ( ) فلا تبرأ ذمته بذلك، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد ، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى ( ) ] .

[ وزكاة الفطر عبادة ( ) بإجماع المسلمين ، والعبادات الأصل فيها التوقيف ( ) ، 

فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه ، الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى: 

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  ، 

وقال هو في ذلك : 

(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))  ،   

(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ( ) .

  وقد بيَّن هو صلوات الله وسلامه عليه زكاة الفطر بما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة : صاعاً من طعام ( ) ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من إقط  . 

فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ( ) ))  . 

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : ( كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو ( ) صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب ) ، وفــي روايــة (( أو صاعاً من إقط )) متفق على صحته . 

فهذه سنة محمد ( ) صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر  

ومعلوم أن وقت هذا التشريع وهذا الإخراج يوجد بيد المسلمين وخاصة في مجتمع المدينة الدينار والدرهم اللذان هما العملة السائدة ( ) آنذاك ولم يذكرهما صلوات الله وسلامه عليه في زكاة الفطر ، فلو كان شيء يجزئ في زكاة الفطر منهما لأبانه ( ) صلوات الله وسلامه عليه ؛ 

إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ( ) ،ولو فعل ذلك لنقله أصحابه رضي الله عنهم . 

وما ورد في زكاة السائمة من الجبران المعروف مشروط بعدم وجود ما يجب إخراجه ، وخاص بما ورد فيه ، كما سبق أن الأصل في العبادات التوقيف ، ولا نعلم أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج النقود في زكاة الفطر ، وهم أعلم الناس بسنته صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العمل بها ( ) ، 

ولو وقع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره من أقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالأمور الشرعية ( ) ، وقد قال الله سبحانه :  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ( )  ، 

وقال عز وجل : "    وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ( ) رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

ومما ذكرنا يتضح لصاحب الحق ( ) أن إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز ولا يجزئ عمن أخرجه ( ) ؛ لكونه مخالفاً لما ذكر من الأدلة الشرعية  . 

وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه ( ) ، والثبات عليه ( ) والحذر من كل ما يخالف شرعه ( ) ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ] .

نقلت هذه الأقوال النابية ، لمعرفة مكمن الداء ، ومِن أين يصدر العوام والطغام ، في الطعن ، وفي محـاربة الأئـمة والعلماء ؟ !

وكل تلك الأقوال التي فاه بها ، هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم علماء ، مجتهدون – ويعتبرهم جماعتهم كذلك – إن هي إلّا تعصباً لمذهب معين ، وتحزّباً لجهة معيّنة ، باسم الله تعالى ، وباسم رسول الله  !

(  وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون  ) ( ) . 






( سابعة عشر ) / :


ولقد ذكرنا من أدلتهم العقلية ، والحكمة – حسب زعمهم – في ترجيح إخراج الطعام في زكاة الفطر ، على إخراجها نقوداً  ما قالوا :

( وإخراجها طعاماً يظهرها ويبينها ويعرفها أهل البيت جميعاً ، وفي ذلك إظهار لهذه الشعيرة، أما إخراجها نقداً فيجعلها خفية ( ) ) !


يعني إظهار الصدقة هنا وبيانها ، أفضل من إخفائها ! 

مَن قال ذلك ؟ والله سبحانه يقول : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ   ) ( ) .


قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله : 


[ وقوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } أَيْ إِنْ أظهرتموها فنعم شيء هي، 

وقوله تعالـــى: { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }

 فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِسْرَارَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهَا، لِأَنَّهُ أَبْعَدَ عَنِ الرِّيَاءِ، 

إِلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِظْهَارِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ مِنَ اقْتِدَاءِ النَّاسِ بِهِ، فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ والمسرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ».


 وَالْأَصْلُ: أَنَّ الْإِسْرَارَ أَفْضَلُ لِهَذِهِ الْآيَةِ،


 وَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ  فَقَالَ: إِنِّي أخاف الله رب العالمين 

وَرَجُلٌ تصدَّق بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تنفق يمينه".

وفي الحديث المروي: « صدقة السر تطفىء غَضَبَ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ » ] ( ) .


وكأن الكتاب والسنة ، يأمران بإظهار زكاة الفطر ، والمجيزون بإخراجها نقداً ، يأمرون بإخفائها !


فيأتي هؤلاء فيبيّنون حكمة أمر الشرع وجماله ، في الإظهار ، والإعلان ، 

وقبح مخالفة الشرع  ، في الإخفاء والستر ! 


و يبيّنون العلاقة الحتمية بين :

 إخراج زكاة الفطر نقوداً والسر والإخفاء ، 

وإخراجها طعاماً والإظهار والإعلان !



( ثامنة عشر ) / :


الإسلام – الرسالة الأخيرة إلى أهل الأرض – جاء لكل زمان ومكان ، ولكل العصور والأصقاع ، له هدف وغاية أساسية وهي : الخلافة في الأرض ، وتعميرها .


(  وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة ) ( ) 


أي : [  إني متخذ في الأرض خليفة، يقوم بعمارتها وسكناها، وينفذ أحكامي فيها بين الناس   ] ( ) .


أي : [ يخلفني في تنفيذ أحكامي، والقيام بأوامري   ] ( ) 







(  هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا  ) ( ) .


[ { واستعمركم فِيهَا } أي جعلكم عمَّارها وسكانها تسكنون بها  ] ( ) .


[ ( هُوَ أَنشَأَكم مِنَ الأَرْضِ ) أي خلقكم من الطين ، (واسْتَعْمَرَكمْ فِيهَا ) أي جعلكم تعمرونها فتنشئون فيها المباني والحدائق الغناء ، 

والسين والتاء في كلمة ( اسْتَعْمَرَكمْ ) معناهما التكليف لعباده أن يعمروها فهو سبحانه مظهرهم على ما جعلهم يسخرون السماوات والأرض بما قدره تعالى لهم  ] ( ) .


وهذا الهدف ذو شقين :


أ – العلاقة الطيّبة من الإنسان ، مع الله تعالى .

وذلك بتحقيق عبودية الإنسان وإظهارها ، أمام ألوهية الله تعالى وربوبيته سبحانه .


ب – العلاقة الطيّبة بين أبنـاء آدم عامــة ، والبشرية جميعاً ، والمسلمون فيما بينهم خاصة .

وذلك بالتعاون والتكافل فيما بينهم .


فالمجتمع الإسلامي ، هو المجتمع الذي تحقق فيه ذلك الهدف بشقيه .     

فالمسلمون – خاصة – في هذا المجتمع ، يتواسون فيما بينهم .

فالغني يواسي الفقير ، ويسعى – بما أنعم الله تعالى عليه – في تفريج كروبه ، وسد خلته ، وإدخال السرور إلى قلبه .  


واحتياجات الفقير – كما هو معلوم – تتغير ، وتختلف حسب الزمان والمكان . 


فرُبّ أمرٍ أو شيءٍ ، يكون من التحسينات للإنسان ، في زمانٍ أو مكانٍ ما .

ويكون نفـس الشـيء مـن الحاجيات ، في زمانٍ ومكانٍ آخر .  

ويكون نفسه من الضروريات ، في زمانٍ ومكانٍ آخر .


وقد يكـون الفقيـر محتاجاً إلى الطعام ، في زمان وبيئة معينة .

ومحتاجاً إلى المال ، في عصر وبيئة أخرى .


فالغني مأمور بمواساته ، بما يسد فاقته ، ويشبع حاجاته . 


ولقد أكّد الإسلام على هذا الأمر ، في آيات عديدة :

يقول تعالى :

(  خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ . إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ . 

وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ . لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُون ) ( )  .


وكما ذكرنا سابقاً ، فقد قال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله :

 

[وَقَوْلُهُ: { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } 

أَيْ : لَا يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَا يَنْفَعُ خَلْقَهُ وَيُؤَدِّي حَقَّهُمْ؛ 


فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَلِلْعِبَادِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَقُّ الْإِحْسَانِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ؛ 


وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَقُبِضَ النَّبَيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُــولُ : " الصَّــلَاةَ ، وما ملـكت أيمانكم"  ] ( ) .


فأمره ، سبحانه وتعالى ، بإقامة الصلاة ، وعقابه للذي لا يؤمن بالله العظيم ، يتعلق بالشق الأول للهدف الكبير ، والغاية الأساسية للحياة في هذه الدنيا .


وأمره ، عزّ وجل ، بإيتاء الزكاة ، وعقابه للذي لا يحض على طعام المسكين – فضلاً عن عدم إطعامه – يتعلق بالشق الثاني للهدف الكبير ، والغاية الأساسية للحياة في الدنيا ! 




قال الأستاذ سيد قطب ، رحمه الله ، في تفسيره لهذه الآيات الكريمة  :


[ إنه قد خلا قلبه من الإيمان بالله ، والرحمة بالعباد . فلم يعد هذا القلب يصلح إلّا لهذه النار وذلك العذاب .


خلا قلبه من الإيمان بالله فهو موات ، وهو خرب ، وهو بور . وهو خلو من النور . وهو مسخ من الكائنات لا يساوي الحيوان بل لا يساوي الجمــاد . فكل شيء مؤمن ، يسبح بحمد ربّه ، موصول بمصدر وجوده . أما هو فمقطوع من الله . مقطوع من الوجود المؤمن بالله .


وخلا قلبه من الرحمة بالعباد . والمسكين هو أحوج العباد إلى الرحمة ولكن هذا لم يستشعر قلبه ما يدعو إلى الإحتفال بأمر المسكين . 

ولم يحض على طعامه وهي خطوة وراء إطعامه . توحي بأن هناك واجباً إجتماعياً يتحاض عليه المؤمنون . وهو وثيق الصلة بالإيمان . يليه في النص ويليه في الميزان ! ] ( ) .


والله ، سبحانه وتعالى ، قد ربط بين شقَّي الهدف الكبير ، في آيات أخرى : يقول تعالى :


(  أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ  ) ( ) .  


[  وانظر إلى علامة المكذب بيوم الدين التي ذكرها القرآن:

منع الحقوق وإيذاء الضعفاء، والبخل الشديد على المستحقين ، 

إذا عرفت ذلك فويل وهلاك للمصلين الذين هم عن صلاتهم غافلون، 

الذين يصلون صلاتهم بدون خشوع وخضوع، وبدون استحضار قلبي لعظمة الله، وبدون تدبر لمعانى ما يقرءون، صلاة لا يشعر صاحبها أنه بين يدي الخالق 

فتراه يسبح بفكره ويسرح طرفه ويتحرك ويعبث بأطرافه ولا يعرف عدد ما يصلى، 

تلك صلاة بعض الناس الذين يكذبون بيوم الدين وهي بلا شك لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد سها أصحابها عن ذكر الله وهم لذلك يراءون الناس ويذكرونهم ويفعلون لهم ولا يفعلون لله ، 


وهم لشدة الشح وكثرة البخل يمنعون الماعون!


 أرأيت من يكذب بالدين؟ 

هو الذي يشتد على اليتيم، ولا يعطى حقوق المساكين وهو غافل عن صلاته مراء للناس في عمله، ومانع خيره عن غيره، فالويل ثم الويل لهؤلاء، إن صاموا وإن صلوا ] ( ) .


فانظر كيف ربط الله تعالى بين الأمرين ؟ !


[  إنّ هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس ؛ ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد ، مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح ، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى .


كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزعة منفصلة ، يؤدي منها الإنسان ما يشاء ، ويدَع منها ما يشاء . .


إنما هو منهج متكامل ، تتعاون عباداته وشعائره ، وتكاليفه الفردية والإجتماعية ، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها على البشر . . 

غاية تتطهر معها القلوب ، وتصلح الحياة ، ويتعاون الناس ويتكافلون في الخير والصلاح والنماء . . وتتمثل فيها رحمة الله السابغة بالعباد . . .


إنّ حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان ، إنما هي تحول في القلب يدفعه إلى الخير والبر بإخوانه في البشرية ، المحتاجين إلى الرعـايــة والحماية . 


والله لا يريد من الناس كلمات . إنما يريد منهم معها أعمالاً تصدقها ، وإلّا فهي هباء ، لا وزن لها عنده ولا إعتبار . . .

وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .


إنه لا يريد منهم شيئاً لذاته سبحانه – فهو الغني – إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . 


يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .


فأين تذهب البشرية بعيداً عن هذا الخير ؟ وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ؟ أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ؟  ] ( ) .


ولقد إقترن الأمر بإقامة الصلاة مع إيتاء الزكاة ، في القرآن الكريم ( 29 ) مرة .


وهما شقي الهدف الكبير ، والغاية الأساسية من الحياة !


ويقول تعالى : (  فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ . ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . عَلَيْهِم نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ) ( ) .


ويقول تعالى : (  كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين   ) ( ) .

وإطعام الطعام ، هو كناية عن سدّ فاقة الفقير ، وإشباع حاجاته . 

حيث في ذلك الزمان – ولاسيما في وقت التنزيل – كان الطعام من أولويات احتياجاته ، وضرورياته . 


ثم إنّ نص الشارع ، على الحبوب والثمار والمواشي ، كان ( للتيسير ورفـع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود فيه .

لأن أهل البادية وأرباب المواشي تعزُّ فيهم النقود ، وهم أكثر مَن تجب عليه الزكاة ، 

فكان الإخراج مما عندهم أيسر عليهم  


فلذلك فُرض على أهل المواشي أن يتصدّقوا من ماشيتهم ، وعلى أهل الحَبّ من حَبّهم ، وعلى أهل الثمار من ثمارهم ، وعلى أهل النقد من نقدهم تيسيراً على الجميع ، 


ولئلّا يكلّف أحد استحضار ما ليس عنده ، مع اتحاد المقصد في الجميع ، وهو مواساة الفقراء ) .


ولقد تفقّه أعلم الصحابة بالحلال والحرام ، بشهادة رسول الله  ، معاذ بن جبل  ، هذا الأمر ، خير فهم وفقه ، ولذلك قال لأهل اليمن – وهو مبعوث رسول الله  ، إليهم – : 


(   ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ 

أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيـْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّـــى اللهُ عَلَيــْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ  ) ( ) .

( ومعلوم أنّ رفع الحرج والكلفة في الحواضر اليوم إنّما هو في دفع المال ، لا في إخراج الحَبِّ ، بالنسبة لكل من الآخذ والمعطي ، 

كما أن العلة التي من أجلها أمَر الشارع بإخراج الطعام وهي قلة النقود وعدم تيسيرها للجميع ، قد زالت . 

وانعكس الحال ، فصارت النقود مُيَسّرة للجميع بخلاف الحَبِّ . 

فوجب أن يدور الحُكم مع العلة ، وينتقل إلى الأسهل الأيسر وهو المــال ، الـذي هو أيـضــاً الأصـــل فـي دفع الصدقات ) ( ) .

وهذا الأمر ليس بالغريب عن أسـلوب القـــرآن الكريـــم ، ومخاطباتـه .


فكما هو معروف ، قد استخدم القرآن الكريم مصطلحات كانت شائعة في زمن التنزيل ، لم يقصد حصر الأوامر وتقيّدها بها . 

والقرآن هو الرسالة الخالدة لكل زمان ومكان ، وللناس جميعاً إلى يوم القيامة ، فكيف بالسنة الشريفة ؟ 

فعلى سبيل المثال : رباط الخيل .

يقول تعالى :

(   وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَـــــدُوَّ اللَّــــــــــــهِ وَعَدُوَّكُــــــمْ وَآخَـــــــــــــــــــــرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ   ) ( ) 


[  تضمنت الآيات قواعد أو مبادئ أربعة مهمة في العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم، وهي خطاب لجميع المؤمنين :


القاعدة الأولى: الاستعداد الدائم لمواجهة الأعداء، بجميع أوجه الإعداد المادي والمعنوي والفني والمالي، بما يناسب كل عصر وزمان ، 

لأن الجيش المقاتل درع البلاد وسياج الوطن، به يدفع العدوان ، وتدحر قوى البغي والشر والتسلط ، 

ولا يعقل أن نواجه الأعداء إلا بنفس المستوى الحربي والسلاح المتطور الذي تعتمد عليه الجيوش المحاربة ، وبالقوى المماثلة المناظرة عند الآخرين ،

 لذا وردت كلمة قُوَّةٍ نكرة في قوله تعالى: مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وهي تشمل مختلف أنواع القوى البرية والبحرية والجوية ، من حيوان وسلاح وألبسة وآلات ونفقات وتقنيات متطورة ، ولما كانت الخيول في الماضي هي أصل الحروب وأقوى القوى وحصون الفرسان، خصها الله بالذكر تشريفا لها، وإذا تغيرت الوسائل الحربية، تغير الواجب  ] ( ) .


وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله ، في تفسيره :


[  { وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علته.

فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة ، وجب ذلك ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب ] ( ) .


فهل يُعقل أن يصرّ بعضهم على رباط الخيل – في المعارك في هذا العصر – بحجة أنّ القرآن الكريم قد نصّ على ذلك ؟ !

أم أنه يركّز على رباط الدبّابات والمدرّعات والآليات المستخدمة في الحروب في هذا الزمان ، بدل رباط الخيل ؟

طالما أنّ هذه الوسائل المتغيّرة ، تحقق نفس الغاية الثابتة المقصودة منها .


فالغاية من رباط الخيل في زمن التنزيل هي : إرهاب العدو الشرس ، وتخويفه من أن يقتل ، أو يعتدي على الحرمات .

فهذه الغاية ثابتة لا تتغيّر .


وهذه الغاية الثابتة ، كان رباط الخيل ، هو إحدى وسائل تحقيقها ، في عصر الوحي  .

ولكن هذه الوسيلة قد تغيّرت ، بوسيلة أخرى تؤدّي إلى نفس الغاية وهي : رباط الدّبابات والمدرّعات والآليات . 


فهل يصر البعــض على نفس الوسيلة القديمة ( رباط الخيل ) ، قبل أكثر من عشرة قرون  ، بحجة أنّ القرآن الكريم قد نصّ على ذلك ؟   


وعلى سبيل المثال ، أيضاً : الجلباب .


يقول تعالى : (  يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِن   ) ( ) .



قال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله :


[  وَالْجِلْبَابُ هُوَ: الرِّدَاءُ فَوْقَ الْخِمَارِ. 

قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُبَيْدَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. 

وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ الْيَوْم ] ( ) . 


والجلاليب هي [ جَمْعُ الْجِلْبَابِ، وَهُوَ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَشْتَمِلُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ الدِّرْعِ وَالْخِمَار ] ( ) .


[ وهو الجلباب ، أي الرداء الساتر لجميع الجسد ما عدا الوجه والكفين ، 

وهو أدب حسن يبعد المرأة عن مظان التهمة والريبة ، ويحميها من أذى الفساق، 

ويميز الحرائر عن الإماء كما كان في الماضي، وكان الله وما يزال واسع المغفرة لما سلف من إهمال التستر، عظيم الرحمة بعباده، حيث أرشدهم إلى هذا الأدب الرفيع فقد كانت عادة العربيات في الجاهلية التبذل في الستر، وكشف مواطن الزينة، فبدل الإسلام بالتبرج: الصون والستر المناسب  ] ( ) .


فالغاية من الجلباب هي : الصون والستر لمواطن زينة المرأة ، وستر عورتها ، وعدم كشفها أمام الرجال الأجانب .

هذه هي الغاية الثابتة .


أما الوسائل ، فقد تتغيّر من زمان إلى زمان ، وحسب المكان والبيئة ، بشرط واحد ، هو أن تحقق الغاية الثابتة منها .


والغاية الثابتة منها هي : الصون والستر .


وكذلك في السنة أيضاً ، قد استخدم النبيّ  ، أمثلة من واقع الناس في عصره  ، لفهمهم ، وتقريب المعنى إليهم .


على سبيل المثال : إستخدام ( الإبِل ) .

لماذا الإبِل ؟ 

لأنه الحيوان الذي كانوا يعتمدونه ، وكان شائعاً بينهم :


[  روى البخاري (6498) ، ومسلم (2547) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )

هذا لفظ البخاري ، ولفـظ مسلم : ( تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) . 


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:


" فَعَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَبِغَيْرِ (تَكَادُ) فَالْمَعْنَى: 


لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ، 


وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ، بِأَنْ يُعَاوِنَ رَفِيقَهُ وَيُلِينَ جَانِبَهُ .


وَالرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ (لَا تَكَادُ) أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى وَمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ النَّفْيُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ . 


وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ إِبِلٌ، يَقُولُونَ لِفُلَانٍ إِبِلٌ، أَيْ مِائَةُ بَعِيرٍ، وَلِفُلَانٍ إِبِلَانِ، أَيْ مِائَتَانِ. 


قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا فَالرِّوَايَةُ الَّتِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ يَكُونُ قَوْلُهُ مِائَةٌ تَفْسِيرًا لِقولِهِ إِبِلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَإِبِلٍ أَيْ كَمِائَةِ بَعِيرٍ، وَلَمَّا كَانَ مُجَرَّدُ لَفْظِ إِبِلٍ لَيْسَ مَشْهُور الِاسْتِعْمَال فِي الْمِائَة ، ذكر الْمِائَة توضيحا ورفعا لِلْإِلْبَاسِ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ. 


قَالَ الْخَطَّابِيُّ : تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهَيْنِ : 


أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ ، لا فضل فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى مَشْرُوفٍ، وَلَا لِرَفِيعٍ عَلَى وَضِيعٍ ، 


كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا رَاحِلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرْحَلُ لِتُرْكَبَ، 

وَالرَّاحِلَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ كُلُّهَا حَمُولَةٌ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا . 


وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا ، 

فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُون) .


قُلْتُ: وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، أَخْذًا بالتأويل الأول، 


وَنقل عَن ابن قُتَيْبَةَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ هِيَ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ ، 


وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ فِي النَّسَبِ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا رَاحِلَةَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ. 


وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ ، وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ ، قَالَ : وَقَـــول ابن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ ، 

وَالْمَعْنَى : أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا ، الْكَامِلَ فِيهِ ، الرَّاغِبَ فِي الْآخِرَةِ : قَلِيلٌ ؛ كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ .

 

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَجْوَدُ . وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا قَوْلُ آخَرِينَ: 


إِنَّ الْمَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلَ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ. 


قُلْتُ: هُوَ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِالزَّاهِدِ، وَالْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ .


وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: 


أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة .

وَقَالَ ابن بَطَّالٍ : مَعْنَى الْحَدِيثِ : 


أَنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ ، وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ . 


وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْمَأَ الْبُخَارِيُّ بِإِدْخَالِهِ فِي بَابِ رَفْعِ الْأَمَانَةِ ، لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَالِاخْتِيَارُ عَدَمُ مُعَاشَرَتِهِ ".

انتهى من " فتح الباري "(11/ 335) .


فتحصل من هذا : أن الحديث يحتمل أن يكون المراد منه التسوية بين الناس .


ويحتمل أن يكون المراد : أن مرضي الدين والخلق من الناس قليل أو نادر ، كما أنك قد تجد مائة من الإبل وليس فيها واحدة تصلح للركوب .


وهذا المعنى الثاني هو الذي اختاره أكثر العلماء .


قال ابن الأثير رحمه الله:


" (النَّاسُ كإبِلٍ مائةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا راحلَةً) يَعْنِي : 


أَنَّ المَرْضِيَّ الْمُنتَجَب مِنَ النَّاسِ ، فِي عِزَّةِ وُجُودِهِ : كالنّجِيبِ مِنَ الإبِلِ الْقَوِيِّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ " .

انتهى من " النهاية " (1/ 15) .


وانظر : " مرقاة المفاتيح " (8/ 3360) ، "عمدة القاري" (23/ 85) ، "التيسير" (1/ 359) ، "حاشية السندي على ابن ماجه" (2/ 479) .  

والله أعلم ] ( ) .


[  وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :


(( إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت )) ( ) .


في هذا الحديث مثّل النبي صلى الله عليه وسلم الشخص الذي يحفظ القرآن بصاحب الإبل المعقلة المربوطة

إن جعلها مربوطة استطاع أن يمسكها ، وإن أطلق رباطها صعب عليه مسكها .


ولقد كان للإمام الشافعي ، رحمه الله ، إجتهادات وأقوال ، وهو في العراق ؛ يسمى : القول القديم .

فلما انتقل إلى مصر ، كان له أقوال جديدة ، يقال عنها : القول الجديد . 


وأحد أسباب ذلك هو : تغيّر العرف والعادة والبيئة والزمان .


ولماذا نرى كتب الفتوى في كل عصر ومصر تتجدّد ، وتؤلف وتُنشر ؟

أليس كثيـر من ذلــك بسبب تغيّر العرف ، واستحداث أمور ؛ لم تكن من قبل ، تحتاج إلى إجابات وحلول واجتهادات حديثة ؟ أي : تتغيّر الفتوى بتغيّر الزمان !


ونعيد كلام الإمام القرافي ، رحمه الله ، هنا :


(  لَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك  ) .


(   الْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ   ) ( ) .


ونعيد – للتذكرة – تعليق الحافظ إبن القيّم ، رحمه الله ، على هذه القاعدة الذهبية :

(   هَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ ، 


وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ جِنَايَةِ مَنْ طَبَّبَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ بِلَادِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ بِمَا فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الطِّبِّ عَلَى أَبْدَانِهِمْ ، 


بَلْ هَذَا الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَهَذَا الْمُفْتِي الْجَاهِلُ أَضَرُّ مَا عَلَى أَدْيَانِ النَّاسِ وَأَبْدَانِهِمْ   ) .


فالمقصود من الكلام :  أن من أهداف الإسلام العظيمة : مساعدة الفقراء ، وسد احتياجاتهم ، وإشباع رغباتهم ، وتفريج كروبهم .  

حتى لو كان الفقير غيرمسلم ، طالما أنه إنسان ، من أبناء آدم ، عليه السلام .


فهذا أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب ،  ، عندما مر بسوق المدينة المنورة ، ورأى  شيخاً كبيرا يسأل الناس حاجته ماداً يده ، طلبا للمساعدة ، عندما اقترب منه وسأله  : مَن أنت يا شيخ  ؟؟

 فقال الشيخ الكبير : أنا يهودي عجوز أسأل الناس الصدقة لِأفئ  لكم  بالجزية .. و لأنفق الباقى على عيالى .. ؟؟

 فقال عمر الخليفة  متألماً :  ما أنصفناك يا شيخ  .. أخذنا منك الجزية شاباً ، ثم ضيَّعناك  شيخاً .. ؟؟ 

وأمسك الخليفة عمر بيد ذلك اليهودي إلى بيته وأطعمه مما يأكل .. 

وأرسل إلى خازن بيت المال و قال له : إفرض لهذا وأمثاله ما يغنيه و يغنى عياله ..  

فخصص له راتبا شهريا يكفيه و يكفى عياله من  بيت مال المسلمين 

وأوقف عنه الجزية الى الأبد .. ( ) 


واحتياجات الفقير ، وضرورياته ، تتغيّر وتتنوّع حسب الزمان والمكان .


فالشارع الحكيم عندما نصّ على شيء ، ليس معنى ذلك ، التقيّد بهذا الشيء ، وعدم الخروج عنه ، طالما أنّ بديله يحقّق نفس الغاية ! 


[  السنة بين اللفظ والروح أو بين الظواهر والمقاصد :

إنّ التمسك بحرفية السنة أحياناً لا يكون تنفيذاً لروح السنة ومقصودها ، بل يكون مضادّاً لها ، وإن كان ظاهره التمسك بها .

خذ مثلاً تشدّد الذين يرفضون كل الرفض إخراج زكاة الفطر بقيمتها نقداً ، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وغيره من فقهاء السلف . . وحجة هؤلاء المتشدّدين :

أنّ النبيّ  أوجبها في أصناف معينة من الطعام : التمر والزبيب والقمح والشعيـر ، فعلينــا أن نقف عند مـــا حــدّده رسول الله  ، ولا نعارض السنة بالرأي .


ولو تأمل هؤلاء الأخوة في الأمر كما ينبغي له ، لوجدوا أنهم خالفوا النبيّ  ، في الحقيقة وإن اتبعوه في الظاهر . أقصد أنهم عنوا بجسم السنة وأهملوا روحها .


فالرسول  راعى ظروف البيئة والزمن ، فأوجب زكاة الفطر مما في أيدي الناس من الأطعمة ، وكان ذلك أيسر على المعطي ، وأنفع للآخذ .


فقد كانت النقود عزيزة عند العرب ، وخصوصاً أهل البوادي ، وكان إخراج الطعام ميسوراً لهم ، والمساكين محتاجون إليه ، لهذا فرض الصدقة من الميسور لهم .


حتى إنه رخص في إخراج ( الأقط ) – وهو اللبن المجفف المنزوع زبده – لمن كان عنده وسهل عليه . مثل أصحاب الإبل والغنم والبقر من أهل البادية .


فإذا تغير الحال ، وأصبحت النقود متوافرة ، والأطعمة غير متوافرة ، أوأصبح الفقير غير محتاج إليها في العيد ، بل محتاجاً إلى أشياء أخرى لنفسه أو لعياله ، كان إخراج القيمة نقداً هو الأيسر على المعطي ، والأنفع للآخذ . وكان هذا عملاً بروح التوجيه النبوي ، ومقصوده .


إنّ مدينــة القـاهرة وحدها فيها أكثر من عشرة ملايين مسلم ، لو كلّفتهم بإخراج عشرة ملايين صاع من القمح أو الشعير أو التمر أو الزبيب فمن أين يجدونها ؟ وأي عسر وحرج يجدونه وهم يبحثون عنها في أنحاء القرى حتى يعثروا عليها كلها أو بعضها ؟ وقد نفى الله عن دينه الحرج ، وأراد بعباده اليسر ولم يرد بهم العسر !


وهب أنّهم وجدوها بسهولة ، فماذا يستفيد الفقير منها ، وهو لم يعد يطحن ولا يعجن ولا يخبز ، إنّما يشتري الخبز جاهزاً من المخبز ؟


إنّنا نلقي عليه عبئاً حين نعطيها له حَبّاً ، ليتولى بعد ذلك بيعه . ومَن يشتريه منه ، والنّاس كلهم من حوله لم يعودوا في حاجة إلى الحَب ؟ !


ولقد حدّثني الإخوة في بعض البلاد التي يمنع علماؤها إخراج القيمة : أنّ المزكي للفطر يشتري صاع التمر أو الأرز مثلاً بعشر ريالات ، فيسلمه للفقير ، فيبيعه الفقير في الحال لنفس التـــاجر بأقــل مما اشتراه بريـال أو ريالين ، وأحياناً بنصف القيمة ( ) ، وأحياناً يرفض شراءه لكثرة ما عنده .


ويظل الصاع يباع ثم يشترى هكذا مرات ومرات ( ) ، والواقع أنّ الفقير لم يأخذ طعاماً إنّما أخذ نقداً ، بأنقص مما لو دفع المزكي القيمة مباشرة ، فهو الذي يخسر الفرق ما بين ثمن شراء المزكي من التاجر ، وثمن بيع الفقير له ، فهل جاءت الشريعة لمصلحة الفقراء أو بضدّها ؟ وهل الشريعة شكلية إلى هذا الحد ؟


وهل التشديد في هذا على الناس كل الناس اتباع للسنة حقاً أو مخالفة لروح السنة التي شعارها : (( يسّروا ولا تعسّروا )) ؟


ثم إنّ الذين لم يجيزوا إخراج القيمة في زكاة الفطر أجازوا إخراج أنواع من الطعام لم ينص عليها الحديث إذا كانت هي غالب قوت البلد ؟


وهذا نوع من التأويل للسنة ، أو القياس على النص ، قلّدوا فيه أئمتهم ، ولم يجدوا فيه حرجاً ، وهو – في رأينا – قياس صحيح ، وتأويل مقبول .


فلمــاذا كـــان الرفض الشديــد لفكـرة القيمة في زكاة الفطر ( ) ، مع أنّ المقصود بها إغناء المساكين عن السؤال والطواف في هذا اليوم ، ولعل هذا يتحقق بدفع القيمة أكثر مما يتحقق بدفع الأطعمة العينية ؟


نحن نوجب دفع الأطعمة في حالة واحدة ، وهي ( حالة المجاعة ) التـــي يحتــــاج النـاس فيها إلى الطعام أكثر من حاجتهم إلى النقود . وقد توجد النقود عند الإنسان ، ولكنه لا يجد الطعام ] ( )       


 

( تاسع عشر ) / :


على ضوء تلك المباديء التي أثبتناها ، وبيّنّا صحتها ، والإستدلال عليها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة والعلماء ، ولاسيما :

( خامساً ) : الحجة على الخلق أجمعين ، هي فقط في كلام الله تعالى ، وسنة رسول الله  . ص 36 .


و ( سادساً ) : هنـاك فرق بين الحكم وبين الفتوى.ص 60

  

و ( سابعاً ) : النظر إلى المآلات عند تقدير المصالح والمفاسد . ص 79 .


و ( ثامناً ) : الفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال والعوائد والنيات . ص 82 .


على ضوء تـلك المباديء والمعلومات ، نستطيع أن نقــول وبقوة وثبات ، أنه يجوز إعطاء زكاة الفطر نقداً ، بلا أدنى شك أو ريب


ونحن مع إجتهاد كل أولئك الأئمة والعلماء ؛ من السلف الصالح 


 وأن الإعتراض على ذلك ، هو مجرد إجتهاد مرجوح .



وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيّدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين

فهرس الموضوعات


المواضيع                                             الصفحة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولاً : هذا الموضوع من المواضيع المختلفة فيها . .         1 

*1 – العلماء مختلفون في العلم والفهم والذكاء . . .        2 

*2 – الموضوع المعالج يحتمل الإختلاف

*وفي كلتا الحالتين ، لكل من المختلفَين أجر 

*العالم الذي يجتهد فيخطيء هو غير آثم . . . . . .           3 

* إختلف الأنبياء فيما بينهم . . . . . . . . . . . . . .         4

* إختلف الصحابة في حياة النبيّ     . . . . . . .           5  

* ضالة الإبل   . . . . . . . . . . . . . . . . . . .            7 

* أمر النبيّ  ، وهديه في ضوال الإبل . . . . .            8 

* ضالة الإبل في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما       9 

* إختلاف الأحكام باختلاف الأحوال ! . . . . . . . .       10 

* ثانياً : نصوص الشرع دلالاتها ليست واحدة . . .        12

* ثالثاً : نصوص الشرع جاءت باللغة العربية . . .        15 

* أيّنا أسرع بك لحوقاً ؟ . . . . . . . . . . . . . . .        16

* المجاز والكناية  . . . . . . . . . . . . . . . . . .        17 

* التفسير على أربعة أوجه . . . . . . . . . . . . .        22 

* كلام ابن الجوزي عن الظاهرية . . . . . . . . .        22 

* رابعاً : الإخلاص . . . . . . . . . . . . . . . . .        23

* من عادى لي ولياً . . . . . . . . . . . . . . . ..         25

* الخوارج . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .        28 

* قول الفضيل : أخلصه وأصوبه . . . . . . . . ..        34

* خامساً : كلام الله ورسوله هما الحجة على الخلق       36

* الحاكم هو الله وحده . . . . . . . . . . . . . . . .       38 

* القنوت في صلاة الفجر   . . . . . . . . . . .           42 

* الذكر بعد الصلوات ، والجهر به ، ومكوث المصلي

في مكانه بعدها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .      48 

* سادساً : الفرق بين الحكم والفتوى . . . . . . . .       60 

* أنواع الرخص . . . . . . . . . . . . . . . . . . .      62 

* أدلة تعليل الأحكام بالحِكم والمصالح . . . . . . .      67 

* فقهاء الصحابة ومقاصد الشريعة . . . . . . . . .      68 

* مصالح منصوص عليها وأخرى غير منصوص عليها70 

* صلة المقاصد بالقرآن الكريم . . . . . . . . . . .      74 

* صلة المقاصد بالسنة . . . . . . . . . . . . . . . .     76 

* صلة المقاصد بالإجماع . . . . . . . . . . . . . .      77

* صلة المقاصد بالقياس . . . . . . . . . . . . . . .     77 

* سابعاً : المآلات عند تقدير المصالح والمفاسد . . .   79 

* ثامناً : الفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان . . . .    82 

* أمثلة على تغيير الفتوى . . . . . . . . . . . . . .     83 

* تغير الفتوى بتغيّر العرف . . . . . . . . . . . . .    87 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تاسعاً : يُرتكب أخف الضررين لدفع أعظمها . . . 88 

* دليلها : نبيّ الله هارون وعبادة العجل . . . . . .   90 

* أعرابيّ يبول في المسجد . . . . . . . . . . . .     92 

* الأمثلة على إرتكاب أخف الضررين . . . . . .    92 

* عاشراً : هل يجوز إعطاء زكاة الفطر نقداً ؟ . . . 93 

* أقوال ابن حزم . . . . . . . . . . . . . . . .        94 

* أدائها قبل خروج الناس إلى الصلاة . . . . .       99 

* الأخذ من اللحية وتقصيرها . . . . . . . . .       102 

* أحاديث بنفس صيغة الأمر بإعفاء اللحية . .       108 

* الصحابة فهموا الغاية من الزكاة . . . . . . .      110 

* حادي عشر : أبو حنيفة لم ينفرد بالجواز . . .    112

* الذين قالوا بإخراج زكاة الفطر نقداً . . . . . .    113

* 1 – الحسن البصري . . . . . . . . . . .         113 

* 2 – طاووس . . . . . . . . . . . . . . . .        115 

* 3 – سعيد بن المسيّب . . . . . . . . . . .        117 

* 4 – عروة بن الزبير . . . . . . . . . . .         120 

* 5 – أبي سلمة عبد الرحمن بن عوف . . . .     121 

* 6 – سعيد بن جبير . . . . . . . . . . . . . .     123

* 7 – الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز . . .    124 

* 8 – مجاهد . . . . . . . . . . . . . . . .         127 

* 9 – سفيان الثوري . . . . . . . . . . . .         128 

* 10 – أبو حنيفة . . . . . . . . . . . . . .        138 

*11 – أبو يوسف يعقوب إبراهيم . . . . .        142 

* 12 – محمد بن الحسن الشيباني . . . . .        143 

* 13 – الإمام زفر . . . . . . . . . . . . .        144 

* 14 – الإمام الأوزاعي . . . . . . . . . .       145 

* 15 – الليث بن سعد . . . . . . . . . . .        150 

* نلاحظ ما يلي . . . . . . . . . . . . . . .        154 

* ثاني عشر : قال الشيخ أحمد الزومان . . .     155 

* أنصبة الزكاة . . . . . . . . . . . . . . .        157 

* إبن تيمية وإخراج القيمة . . . . . . . . .        163 

* شبهات حول حديث البخاري عن معاذ . . .    163 

* تحقيق حديث معاذ : أجتهد رأيي ولا آلو . . .  168 

* ثالث عشر : كلام الإمام أحمد . . . . . .       169 

* رابع عشر : معاوية بن أبي سفيان 

و مدين من سمراء الشام . . . . . . . . .         173 

* خامس عشر : أقوال ابن تيمية المساندة . .    175 

* كلام سلمان العودة . . . . . . . . . . . .       183 

* سادس عشر : الأقوال النابية . . . . . . .     186 

* سابع عشر : أدلتهم العقلية . . . . . . . .     197 

* ثامن عشر : الإسلام – الرسالة الأخيرة .    198 

* رباط الخيل . . . . . . . . . . . . . . . .     205 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الجلباب . . . . . . . . . . . . . . . .     206 

* الإبل . . . . . . . . . . . . . . . . .      207 

* السنة بين اللفظ والروح . . . . . . . .   212 

تاسع عشر : على ضوء تلك المباديء 

يجوز إخراجها نقداً . . . . . . . . . . .    214 

* فهرست الموضوعات . . . . . . . .     215