الثلاثاء، 8 مايو 2018

هل یمكن الافطار بسبب الامتحانات والمهن الشاقة؟!

الافطار بسبب الامتحانات والمهن الشاقة



السؤال: شيخنا سيكون بإذن الله موعد الامتحانات موافقا لشهر رمضان المبارك مع الأجواء الحارة وعدم توفر التيار الكهربائي احيانا ، فهل يعد هذا من الاعذار المبيحة للإفطار في نهار رمضان؟ افتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان صوم رمضان أحد أركان الاسلام التي بني عليها ، وهو واجب على كل مسلم مكلَّف صحيح مقيم، ومن ترك الصوم تقاعسا بلا مرض او عذر شرعي فقد ترك ركناً من أركان الإسلام ، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، الا اذا استحل الافطار في نهار رمضان والعياذ بالله فانه يكفر عند العلماء. 
فإذا عجز المكلَف عن الصوم أو لحقَتْه منه مشقةٌ لا قدرة له على تحملها؛ جاز له الإفطار شرعًا، لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، ولا يجوز أن يفطر فيه إلَّا أَصْحَابَ الاعذار الْمُرَخَّصَ لهم فِي الْفِطْرِ كالمسافر، والمريض، والمرأة المرضعة أو الحامل، والهرم ، والمكره في افطاره . 
وقد نص الفقهاء ايضا على إباحة الفطر لمن يجهدهم العمل الذي لا بد لهم من أدائه ويشق عليهم الصوم نهارا، ولم يستطيعوا تأخير ساعات عملهم الى الليل ، ومنهم أصحاب المهن الشاقة، كعُمَّال المناجم ،ومعامل صهر وصب الحديد ،وقطع الأحجار، والحصَّادين، والخبازين، وعمال البناء ، والذين لا بد لهم من مزاولة هذه الأعمال لضرورة الحياة أو نفقة العيال ، فالواجب عليهم أن يبيتوا نية الصوم فإن تضرروا بالصوم فلهم أن يفطروا بقدر ما يدفعون به الضرر عن أنفسهم، وعليهم القضاء في الايام المعتدلة او الباردة او في اوقات اجازاتهم إن استطاعوا والا فعليهم الفدية فحسب كالمرضى الزمنى، قال تعالى:  وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  [ البقرة من الاية:184]، وقوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  [ البقرة من الاية:185].
فمن أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنه يفطر ويقضي . وقيده الحنفية بأمرين:
الأول: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظن، لا بمجرد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواس. والمحترف المحتاج إلى نفقته كالخباز والحصّاد، إذا علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة. ينظر: الدر المختار 2 / 116 والقوانين الفقهية ص 82.
وقال أبو بكر الآجري –رحمه الله تعالى- من الحنابلة: (من صنعته شاقة، فإن خاف بالصوم تلفا، أفطر وقضى، إن ضره ترك الصنعة، فإن لم يضره تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر). ينظر: كشاف القناع عن متن الاقناع 2/310.
وألحقه بعض الفقهاء بالمريض، وقالوا: إن الخوف على النفس في معنى المرض كما في حاشية البيجرمي على الاقناع 2/346.
واما الامتحان او الاختبار فليس من الأعذار الشرعية التي تبيح الافطار، بل على الطالب في الامتحان أن يقرأ ويمارس الامتحان ويصبر ويكمل صومه، ويتوكل على الله تعالى ويدعوه ويطلب منه التوفيق والعون والمدد على الصيام والنجاح ، لان رخصة الافطار في رمضان كما قرر العلماء هي فقط لكل من يتعرض لمكروه أو لمرض، أو ضعف، والواجبات الشرعية منوطة بالقدرة والاستطاعة؛ فإذا عجز الطالب عن الصوم أو لحقَتْه منه مشقة لا قدرة له على تحملها او ضرر محقق جاز له الإفطار شرعاً ولكن عليه ان لا ينوي الإفطار قبل يوم الامتحان، بل ينوي الصيام ويتأهب له ويتناول سحوره قبل أذان الفجر ويذهب إلى الامتحان صائما، فإذا شعر بدوخة وأنه لا يستطيع الاستمرار ويشق عليه ذلك فله أن يفطر ، وهو حسيب على نفسه في ذلك، وهو أمين على دينه وعلى وازعه ومدى مراقبته لله تعالى في معرفة مدى انطباق الرخصة عليه، وتقدير الضرورة التي تسوغ له الإفطار في فترة الامتحانات في رمضان من عدمه ، لان هذه ضرورة ،والضرورة تقدر بقدرها، وهذا يعني أن العمل بهذه الرخصة مشروط بشروط ذكرها العلماء لا بد من توافرها، وهي كونه يتضرر بالصوم في رمضان تضرراً حقيقيّاً لا موهوما لأنه ضعيف ، وأن يغلب على الظن عدم تمكنه من النجاح واجتياز الامتحان وتدهور المستوى بسبب الصوم، وكون الدراسة مضطراً إليها في شهر رمضان ولا يمكن تأجيلها، وأن لا يتجاوز فى الإفطار أيام الاحتياج والضرورة للمذاكرة أو الامتحانات إلى غيرها. وفي حالة عدم توافر هذه الشروط وجب الصوم على الطالب وحرم الإفطار . 
وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى - عن ذلك فأجاب : (لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان ، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية ، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار . 
وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة ، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين ، مصلحة الصيام ، والتفرغ للإعداد للامتحان ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه " أخرجه مسلم في صحيحه ، فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات ، وألا يجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق). والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح