الجمعة، 28 أبريل 2017

حكم قراءة القرآن وإهداؤها ثوابها للميت تطوعا جائز ام لا ؟

س : حكم قراءة القرآن وإهداؤها ثوابها للميت تطوعا جائز ام لا ؟ 
ا لحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين




و بعد :
(أ م لم ينبأ بما في صحف موسى *وا إبراهيم الذي وفى *ألاتزر وازرة وزر أخرى
وان ليس للإنسان إلاما سعى ) سورة النجم 39
اخي المسلم ....
 قد جاء في تفسير هذه الاية (وان ليس للا نسان الا ما سعى ) أي ا م لم ينبا بما في صحف موسى وإبراهيم أن ليس للإنسان الا سعيه !؟فلا يثاب بعمل غيره . كما لا يواخذ بذنب غيره . اما في شريعتنا فقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع انتفاع انسان بعمل غيره . ونقل العلامة الجمل في حاشيته على الجلالين بثا نفيسا لشخ الاسلام ابن تيمية ننقل خلاصته لمزيد فائدته ، قال (( من اعتقد ان الإنسان لا ينتفع الا بعمله فقد خرف الاجماع . وذلك باطل من وجوه :
 إحداها : أن الإنسان ينتفع بعمل . ودعاء النبي للاموات فعلا وتعليما ودعاء الصحابة والتابعين والمسلين عصرا بعد عصر اكثر من ان يذكر واشهر من ان ينكر وقد جاء ان الله يرفع درجة العبج في الجنة أنى لي هذا فيقال بدعاء ولدك لك .
ثانيهما : أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها . ِ
ثالثهما : يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار . وهذا انتفاع بسعي الغير .
رابعها ان الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض ، وذلك منفعة بعمل الغير .
 خامسها ن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ( أي من المؤمنين ) بمحض رحمته ، وهذا انتفاع بغير عملهم .
سادسها : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم . وذلك انتفاع بحض عمل الغير .
 سابعها : قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين ( وكان أبوهما صالحاً ) فانتفع بصلاح ابيهما وليس من سعيهما .
 ثامنها أن الميت ينتفع بصدقة عنه بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير . ( وفي صحيح مسلم ) عن أبي هريرة قال النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن أبي مات وترك مالا ولم يوصي فهل يكفي أن أتصدق عنه ؟ قال نعم .
 تاسعها أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير . ( ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ان امراةمن جهينة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفاحج عنها ؟ قال : حجي عنها ، ارايت لو على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالقضاء .
عاشرها: ان الحج المنذور او الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة.
 حادي عشر : الدين قد امتنع (صلى الله عليه وسلم ) من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة وقضى دين الأخر علي بن أبي طالب ، ((وهذا دليل على ان الإنسان ينتفع بعمل الغير وان لم يكن ولده )) .
 ثاني عشرها : إن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال لمن صلى وحده : ( إلا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ) فقد حصل معه فضل الجماعة بفعل الغير .
ثالث عشرها : إن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقط عنه ن وهذا ابتاع بعمل الغير .
 رابع عشها : إن الجار الصالح ينتفع في المحيا والممات ( كما جاء في الأثر ) . وهذا انتفاع بعمل الغير .
 خا س عشرها : ان جليس اهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، فقد انتفع بعمل الغير . 
 سادس عشرها : الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه ، وهو عمل غيره .
أخي المسلم ....
 من تأمل وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى . فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب ولسنة وإجماع الأمة !! )) .
ويقول الحافظ ابن القيم : 
 وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل اليه كما يصل ثواب الصوم والحج . فإن قيل فهذا لم يكن معروفا في السلف ولا يمكن نقله عن احد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي (صلى الله عليه وسلم ) وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام ولو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب إن مورد هذا السؤال إن كان معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار. قيل ما هذا الخاصية التي منعت وصل ثواب القران واقتضت وصول ثواب هذا الأعمال وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات، وان لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع. وأما السبب الذي لأجله لم يظر ذلك في السلف فهو إنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان احدهم يشهد من الناس على ان ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا هذه الصدقة والصوم . ثم يقال لهذا القائل لو كلفت ان تنقل عن واحد من السلف انه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت ، فإن القوم كانوا احرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا ليشهدوا على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم . 
 فإن قبل فرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أرشدهم على الصوم والصدقة والحج دون القراءة . قيل هو (صلى الله عليه وسلم ) لم يبدتهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميتة فغذن له ، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له ، وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ، ولم يمنعهم مما دون ذلك . 
 • وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر . وأما استدلالكم بقوله (صلى الله عليه وسلم ) إذا مات العبد انقطع عمله فاستدلال ساقط فعنه (صلى الله عليه وسلم ) لم يقل انقطع انتفاعه وإنما اخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غيره فهو لعامله فمن وهبه له وصل عليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء أخر وكذلك الحديث الأخر وهو قوله عن مما يلحق الميت من حسناته وعمله فلا ينفي أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته . والقائل إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك قلئل ما لا علم له به فغن هذه شهادة على نفي ما لم يعمله فما يدريه إن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه ، بل يكفي إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهداء لا يشترط كما تقدم . وسر المسالة إن الثواب ملك العامل فإذا تبرع به وأهداه إلى أخيه المسلم أوصله الله إليه ن فما الذي خص من هذا ثواب قراءة القرآن وحجر على البد ان يوصله إلى أخيه ن وهذا عمل سائر الناس حتى المنكرين في سائر الإعصار والأمصار من غير نكير من العلماء . وبالجملة فأفضل ما يهدي إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار له والدعاء له والحج عنه . ولا مانعة من قراءة القرآن للأموات وإهداء ثوابها إليهم فإن إهداء ثواب قراءة القرآن بصورة عامة مشروع ويصل الى الميت . ولا مانع من قراءة الفاتحة بخصوصها لأنها تقرأ في الصلاة على الميت ن ولإنها ام التاب والسبع المثاني ن واعتبرها النبي (صلى الله عليه وسلم ) رقية ، ولها فضائل عديدة أخرى على انه قد نقل الشيخ محمد عبدا لوهاب النجدي في كتابه أحكام عن الموت ضمن مجموعة مؤلفاته القسم الثاني (الفقه ) نقل حديثاً عن أبو هريرة مرفوعا (( من دخل المقابر ثم قرا فاتحة الكتاب وقل هو الله احد وألهاكم التكاثر ن ثم قال ك جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا له شفعاء )) وعلى فرض عدم ورود اثر في ذلك فان قراءتها ليست بدعة لان البدعة هو كل عمل لم يرد به نص من كتاب او سنة او احماع او قياس او ام يدخل تحت قاعدة من قواعد الإسلام . 
 ولكن حكم قراءة القرآن في مجالس التعزية بالشكل الذي اعتاده الناس اليوم محرمة او مكروهة لما يأتي : 
 قراءة القرآن فيها باجر واتخذ القران وسيلة إعلام تدل الناس على مجلس الفاتحة كما اتخذ شعارا للعزاء المآتم وكأن الله انزله ليقرأ في هذه المجالس وللاموات فقط ثم انه يهان بعدم احترامه من قبل السامعين بالتدخين ، واللغط ، وعدم الاستماع له قد يكون اشد حرصا على نصب مكبرات الصوت لرفع القرآن في هذا المجالس من لم يعبأ بالقرآن وبأحكامه أو من هز تارك للصلاة ، فيحرص على الفاتحة وهو لا يقرا في المكان المشروعة فيه وهي الصلاة .
أقول ذلك حتى لا نخطيء فهم القرآن
 وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

مراجعااات في .... حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ..!!!

بسم الله الرحمن الرحيم
حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
 الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم ، الذي ألف قلوب عباده بالإسلام وشريعته الآمر لهذه الأمة بالاجتماع والائتلاف على كتابه المنزل ، المحذر لها من الفرقة والاختلاف حتى لا تفشل وتذهب ريحها ن والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الذي أنار الله به القلوب بعد إظلامها ، وهدى به النفوس بعد ضلالها . وعلى اله وصبه الذين اهتدوا بهدى الله ، واقتفوا اثر رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) ، وعلى من سلك سبيلهم وسار مسارهم إلى يوم الدين وبعد :
 حرص الإسلام على التآلف ونبذ التنازع وحذر من خطر الاختلاف الذي يؤدي إلى تمزيق وتفريق الأمة المسلمة .
قال تعالى : (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) 1
وقال سبحانه ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ).
وقال ( اقرأوا القرآن ما ائتلف عله قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا )
اتفق عليه الشيخان .
تذكير الشباب .
بما جاء في ..
الأصول في كيفية التعامل مع أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
 أخي المسلم .. ينبغي لمن يتعامل مع السنة النبوية ، لكي ينفي عنها انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين إن يتثبث بعدة أمور تعتبر مباديء أساسية في هذا المجال :-
 أولا ـ إن يستوثق من ثبوت السنة وصحتها حسب الموازين العلمية الدقيقة التي وضعها الأئمة الإثبات ، والتي تشمل السند والمتن جميعا سواء كانت السنة قولا أم فعلا ، أم تقريرا .
 ثانيا ـ إن يحسن فهم النص النبوي ، وفق دلالات اللغة ن وفي ضوء سياق الحديث وسبب وروده ، وفي ضلال النصوص القرآنية والنبوية الأخرى وفي إطار المبادىء العامة ، والمقاصد الكلية للإسلام ، مع ضرورة التميز بين ما جاء منها على سبيل تبليغ الرسالة ، وما لم يجيء كذلك ، وبعبارة أخرى : ما كان من السنة تشريعا وما ليس بتشريع ، وما كان من التشريع له صفة الصوم والدوام ، وما له صفة الخصوص أو التوقيت ، فإن من أسوأ الآفات في فهم السنة خلط احد القسمين بالأخر .
 ثالثا ـ إن يتأكد من سلامة النص من معارض أقوى منه ، من القرآن ، أو أحاديث أخرى أوفر عددا ، أو اصح ثبوتا ، أو أوفق بالأصول وأليق بحكمة التشريع ، أو من المقاصد العامة للتشريع ، التي اكتسبت صفة القطعية ، لأنها لم تؤخذ من نص واحد أو نصين بل أخذت من مجموعة من النصوص والأحكام أفادت – بانضمام بعضها إلى بعض – يقينا وجزما بثبوتها .
حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
خذ مثلا حديث افتراق الأمة إلى فرق فوق السبعين كلها في النار إلا واحدة ، برغم أهمية
في ثبوته وفي دلالته .
أ – فأول ما ينبغي إن يعلم هنا إن الحديث لم يرد في أي من الصحيحين برغم من أهمية موضوعه ، دلالة على انه لم يصح على شرط واحد منها .
وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح ، فهذا مسلم ، ولكنهما حرصا إن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا ولو حديثا واحدا .
ب – إن بعض روايات الحديث لم تذكر إن الفرق كلها في النار إلا واحدة ، وإنما ذكرت الافتراق وعدد الفرق فقط ، وهذا هو حديث أبو هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفيه يقول : -
(( افترقت اليهود على أحدى – أو اثنتين – وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على أحدى –اواثنتين – وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) .
والحديث – وان قال فيه الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم –
علم إن الرجل متكلم فيه من قبل حفظه ، وان أحدا لم يوثقه بإطلاق وكل مل ذكروه أنهم رجحوه على من هو اضعف منه ولهذا لم يزد الحافظ في التقريب على إن قال : صدوق له أوهام . والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط فكيف إذا كان معه أوهام ؟؟! ومعلوم إن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح ، وقد وصف الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح . وهو هنا صحح الحديث على شرط مسلم ، باعتبار إن محمد بن عمرو احتج به مسلم ، ورده الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا ، بل بانضمامه إلى غيره ( 1\6 ) . على هذا الحديث من زاوية أبي هريرة ليس فيه زيادة : إن الفرق (( كلها في النار إلا واحدة )) وهي التي تدور حولها المعركة . وقد روي الحديث بهذا الزيادة من طريق عدد من الصحابة : عبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وعوف بن مالك وانس ، وكلها ضعيف الإسناد ، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض .
والذي تراه إن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها ، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه ، كما يبدوا ذلك في كتب التخريج ، والعلل ! وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له ، ولا إشكال في معناه .
وهنا إشكال أي أشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية ، وبان هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة . وهو يفتح بابا لان تدعى كل فرقة أنها الناجية ، وان غيرها هو الهالك ، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض ، مما يضعفها جميعا ن ويقوي عدوها عليها ، ويغريه بها . ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة ، وفي هذه الزيادة خاصة ، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض ن بل تكفيرها بعضها لبعض .
قال رحمه الله في " العواصم " وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة، والحذر من التورط في تكفير احد منها ، قال : وإياك والاغترار ب((كلها هالكة إلا واحدة )) فنها زيادة فاسدة ، غير صحيحة القاعدة ، ولا يؤمن إن تكون من دسيس الملا حدة
في ذم القدرية والمرجئة والشعرية ، فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية .
من كراهية الإسلام للفرقة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم(( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويم الخميس ، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ( أي عداوة ) فيقال : انظروا (أي أخروا) هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا)).
ج- إن من العلماء قديما وحديثا من رد الحديث من ناحية سنده ، ومنهم من رده من ناحية متنه ومعناه .وفي متن هذا الحديث إشكال من حيث انه جعل هذه الأمة التي بوأها الله منصب الشهادة على الناس، ووصفها بأنها خير امة أخرجت لناس ، أسوأ من اليهود ، والنصارى في مجال التفرق والاختلاف ، حتى إنهم زادوا في فرقهم على كل من اليهود والنصارى .
هذا مع إن القرآن قال في شأن اليهود ( والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) سورة المائدة 64
وقال في شان النصارى : ( ومن الذين قالوا : إنا نصارى ، أذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به ، فاغوينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) سورة المائدة 14
ولم يجيء في القرآن عن امة الإسلام شيء يشبه هذا ، بل فيه التحذير إن يتفرقوا ويختلفوا كما اختلف الذين من قبلهم أما السنة النبوية فقد قررت وأكدت وفصلت ما جاء به القرآن .
ومن كراهية الإسلام للفرقة والاختلاف ، نجد الرسول الكريم ، يأمر بالانصراف عن قراءة القرآن إذا خشي من ورائها إن تؤدي إلى التفرق والاختلاف وكيفه بحديث قد اختلف العلماء في صحته من ناحية سنده ، ومتنه ومعناه !!.. والحديث يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة إنها الناجية ، وان غيرها هو الهالك ، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض ن مما يضعفها جميعا ، ويقوي عدوها عليها ، ويغريه بها . قال صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم ) ثم إن الحديث حكم على فرق الأمة كلها – إلا واحدة – بأنها في النار ، أو نصف أهل الجنة . على إن الخبر عن اليهود والنصارى بأنهم افترقوا إلى هذه الفرق التي نيفت على السبعين غير معروف غي تاريخ الملتين ، وخصوصا عند اليهود . فلا يعرف إن فرقهم بلغت هذا المبلغ من العدد .
وهذا الإمام اليمني المجتهد ، ناصر السنة ، الذي جمع بين المعقول والمنقول ، محمد بن إبراهيم الوزير( ت840 ه) يقول في كتابه ( العواصم والقواسم ) أثناء سرده للأحاديث التي رواها معاوية رضي اله عنه ، فكان منها ،( الحديث الثامن ) : حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا فيرقة واحدة ، قال : وفي سنده ناصبي ، فلم يصح عنه ، وروى الترمذي مثله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقال : حديث غريب . ذكره في الأيمان من طريق الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن زياد وروى ابن ماجه مثله عن عرف بن مالك ن وانس .
قال : وليس فيها شيء على شرط الصحيح ن ولذلك لم يخرج الشيخان شيئا منها . وصحح الترمذي منها حديث أبي هريرة عن طريق محمد بن عمرو بن علقمة ، وليس فيه ( كلها في النار إلا واحدة ) وعن ابن حزم : إن هذه الزيادة موضوعة ذكر ذلك صاحب (البدر المنير )
وقد قال الحافض ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة الإنعام ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض )، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم ، انه قال : ( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار غلا واحدة ) ولم يزد على ذلك فلم يصفه بصحة ولا حسن ، رغم انه أطال في تفسير الآية بذكر الأحاديث والآثار المناسبة لها .
وذكر الإمام الشوكاني قول ابن كثير في الحديث ثم قال : قلت : أما زيادة (كلها في النار إلا واحدة ) فقد ضعفها جماعة من المحدثين ، بل قال ابن حزم : إنها موضوعة .
على إن الحديث- وإن حسنه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ، أو صححه بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد طرقه – لا يدل على إن هذا الافتراق بهذا الصورة وهذا العدد ، أمر مؤيد ودائم إلى أن تقوم الساعة ، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات .
فقد توجد بعض هذه الفرق ، ثم يغلب الحق باطلها ، فتنقرض ولا تعود أبدا .
وهذا ما حدث بالفعل لكثير من الفرق المنحرفة ، فقد هلك بعضها ، ولم يعد لها وجود . ثم إ، الحديث يدل على أ، هذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم اعني امة الإجابة المنسوبة إليه بدليل قراءة ( تفترق أمتي ) ومعنى هذا إنها – برغم بدعتها – لم تخرج عن الملة ، ولم تفصل من جسم الأمة المسلة .وكونها ( في النار ) لا يعني الخلود فيها كما يخلد الكفار ، بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين .
وقد يشفع لهم شفيع مطاع من الأنبياء أو الملائكة أو أحاد المؤمنين وقد يكون لهم من الحسنات الماحية أو المحن والمصائب المكفرة ، ما يدرأ عنهم العذاب .
وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه ، ولا سيما إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق ، ولكنهم لم يوفقوا وأخطئوا الطريق ، وقد وضع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان .
أخي المسلم ...
ولو كان التفرق قدرا مفروضا على الأمة بصورة عامة ودائمة لكانت هذه الأوامر والنواهي عبثا ، لأنها تأمر بما لا يمكن وقوعه ، وتنهى عما يستحيل اجتنابه .
وإلا لم يكن هناك معنى لقوله تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بع ما جاءهم البنات وأؤائك لهم عذاب عظيم ) آل عمران 105
ولا لقوله سبحانه : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) سورة الأنفال ) 46
ولا لقوله جل شأنه :( إ، الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) سورة الصف 4
ولا لقوله عز من قائل :( ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، كل حزب بما لديهم فرحون ) سورة الروم 31-32
وقوله:( وإن هذا أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) سورة المؤمنين 52
فالأمة ما هي مالكو أمر نفسها ، لم يجبرها الله على شيء ، ولم يخصها – في هذا المجال –بشيء ، فإذا هي استجابت لأمر ربها ، وتوجيه نبيها ، ودعوة كتابها ، ووحدت كلمتها ، وجمعت صفها ، عزت وسادت وانتصرت على عدو الله وعدوها ، وحققت ما يرجوه الإسلام منها ن وإن هي استجابت لدعوات الشياطين ، وـهواء الأنفس تفرقت بها السبل ، وسلط عليها أعداؤها ، من خلال تفرقها ، وتمزق صفوفها ، وقد بشرت أحاديث أخرى بان الإسلام ستعلو كلمته ن وانه سيدخل أوروبة مرة أخرى ، بعد إن طرد منها مرتين ، وأنه سيفتح( رومية) كما فتح من قبل ( القسطنطينية ) ....
ومعلوم إن هذا كله لايمكن إن يتم والأمة ممزقة يضرب بعضها رقاب بعض ن إنما يتم ذلك حين تتوحد الكلمة على السلام ، وتمضي الأمة تحت راية الأيمان .
أخي المسلم ...
ينبغي إن يفهم عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير ، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ن وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ، مالا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو اصل كل خطأ في الأصول وللفروع ن ولا سيما إن أضيف إليه سور القصد ، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع ، مع حسن قصده ، وسوء القصد من التابع ، فيا محنة الدين وأهله ! والله المستعان .
وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حكم تقبيل المصحف :؟

حكم تقبيل المصحف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
 فقد اختلف العلماء في حكم تقبيل المصحف؛ فمنهم من استحبه، ونقل ذلك عنالسبكي، وذهب آخرون إلى إباحة ذلك، وهو المشهور عند الحنابلة، قال في كشاف القناع الحنبلي: ويباح تقبيل المصحف، قال النووي في التبيان روينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن أبي مليكة: أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي، وقال الزركشي في البرهان: مسألة: في أحكام تتعلق باحترام المصحف وتبجيله
ويستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي، ويجوز تحليته بالفضة إكراما له على الصحيح، روى البيهقي بسنده إلى الوليد بن مسلم قال سألت مالكا عن تفضيض المصاحف فأخرج إلينا مصحفا فقال حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ وأنهم فضضوا المصاحف على هذا ونحوه، وأما بالذهب فالأصح يباح للمرأة دون الرجل وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه والأظهر التسوية، ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم، لأن فيه إذلالا وامتهانا، وكذلك مد الرجلين إلى شيء من القرآن، أو كتب العلم، ويستحب تقبيل المصحف، لأن عكرمة بن أبي جهل كان يقبله وبالقياس على تقبيل الحجر الأسود، ولأنه هدية لعباده فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير، وعن أحمد ثلاث روايات الجواز والاستحباب والتوقف. اهـ.
 وذهب المالكية إلى القول بكراهة تقبيل المصحف، قال الخرشي في شرحه لخليل: يكره تقبيل المصحف وكذا الخبز. اهـ
 ولعل التوقف عن تقبيل المصحف هو الأصوب لعدم ورود شيء من ذلك، وروي ذلك عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئاً مأثوراً عن السلف، وقد سئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف فقال: ما سمعت فيه شيئاً. انتهى.
 وقد جاء في فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ من فتاوى مجلة الدعوة العدد: 1643
 هل يجوز تقبيل القرآن؟ الجواب: لا حرج في ذلك، لكن تركه أفضل لعدم الدليل، وإن قبله فلا بأس، وقد روي عن عكرمة بن أبي جهل ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقبله ويقول: هذا كلام ربي، لكن هذا لا يحفظ عن غيره من الصحابة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي روايته نظر، لكن لو قبله من باب التعظيم والمحبة لا بأس ولكن ترك ذلك أولى. اهـ.

شروط وضوابط الجمع بسبب المطر في ضوء المذاهب الأربعة”



شروط وضوابط الجمع بسبب المطر في ضوء المذاهب الأربعة”
 إنّ الصلاة عهد وميثاق غليظ وهي أمانة ثقيلة ورابطة متينة بحيث إذا حسنت تلك الرابطة انعكست آثارها على سلوكيات الفرد وأخلاقياته وتصرفاته. وممّا يؤكّد ذلك ما رَواه الطبرانِيُّ بسنده مرفوعاً: “أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ” أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1929). أي أنّ الذي لا يُصلِحُ صَلاَتَهُ من حيث الحفاظ على هيئاتها وآدابها وأركانها وشروطها دَخَلَ الخلل إلى سائرِ أعمالِهِ، ومَن كَانَتْ صَلاتُهُ تامة كاملة فإنّ أنوار وروحانية صلاته تنعكس على تصرفاته الفعلية والقولية على حدّ سواء. لذا حرصاً على أداء شعيرة الصلاة كاملة وحسماً للفوضى والإضطرابات الفقهية التي نراها في مساجدنا في فصل الشتاء فإنّنا نضع بين يدي الأئمة الكرام الذّين بهم يصلح الدّين ويوحد أمر المسلمين هذه الخلاصة الفقهية بخصوص الجمع بين الصلوات في فصل الشتاء في ضوء المذاهب الأربعة سعياً في توحيد صفوف المسلمين وتأدية الصلاة على أتمّ وجه وأكمل حال: أولاً:حكم الجمع بين الصّلوات بسبب البَرْد بين الظهر والعصر: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين الظهر والعصر. ثانيا: الجمع بين الصلوات بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء. ثالثاً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة. رابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرياح شديدة: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرّياح الشّديدة. خامساً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر: انفرد المذهب الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولو كان يوم جمعة بشروط وقيود شديدة يجب الإلتزام بها وعدم التفريط بشرط منها، وإلاّ حرم الجمع وبطلت الصلاة بالإتفاق لأنّها لا تستقر حينئذ على مذهب فقهي، ومع ذلك نصّ المذهب الشافعي على عدم استحباب الجمع بين الظهر والعصر ولو توفرت الشروط خروجاً من خلاف الجمهور. حيث قد اشترط الشافعية للجمع بين الظهر والعصر: أن يكون المطر موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما (أي الظهر والعصر) وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية ولا يضر انقطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما.
 وصفة المطر الذي يبيح الجمع عند الشافعية هو ما يبلّ أعلى الثوب أو أسفل النعل ومثل المطر الثلج والبَرَد. وبناءً على ذلك فما يفعله بعض الأئمة من الجمع بسبب البرْد والريح والمطر المتوقع بين الظهر والعصر فإنّه لا يصح اتفاقاً. سادساً: حكم الجمع بين الظّهر والعصر بسبب المطر المتوقع: اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب مطر متوقع. سابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر والثلج والبَرَد: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب (المطر والثلج والبَرَد) عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على تفصيل واختلاف بينهم في صفة المطر وشروطه: أ. أمّا بالنسبة لمذهب السادة الشافعية بخصوص الجمع بين المغرب والعشاء فإنّها نفس شروط الجمع بين الظهر والعصر كما سبق بيانها آنفاً. ب. أجاز المذهب الحنبلي الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر الذي يبلّ الثياب ويترتب عليه حصول مشقة، شريطة أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى، ووجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما (أي عند تكبيرة الإحرام في الصلاتين) وعند السلام من الأولى، 
ومثل المطر والثلج والبَرَد. ج. أجاز المذهب المالكي الجمع بين المغرب والعشاء خاصةً بسبب مطر غزير يحمل أواسط النّاس على تغطية رؤوسهم، ولا يشترط عند المالكية وجود المطر أول الصلاتين كما اشترطه الجمهور. ثامناً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع: انفرد المذهب المالكيّ بالقول بجواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع وذلك إن توقع نزول مطر وابل (غزير) قبل دخول وقت العشاء فإن لم ينزل المطر قبل العشاء فإنّه ينبغي إعادة الصلاة، ونرى عدم الأخذ بهذا القول لما قد يترتب عليه من إرباك واضطراب. تاسعاً: حكم الجمع بسبب الوحل والظلمة والطين بين المغرب والعشاء: لا يجمع بين المغرب والعشاء بسبب الوحل والطين والظلمة وهذا مذهب الحنفية والشّافعية، وذلك لأنّ هذه الأسباب ليست موجودة في حياتنا اليومية من ناحية ونظراً لصيانة الشوارع في القرى والمدن وانتشار الإضاءة فيها من ناحية أخرى.
 *صفة المطر الذي يباح معه الجمع: لم يشترط المذهب الشافعي غزارة المطر لجواز الجمع بين الظهرين (الظهر والعصر) أو بين العشاءين (المغرب والعشاء) وإنّما اكتفى المذهب الشّافعي بوجود مطر يبلّ أعلى الثياب أو أسفل النّعلين بخلاف المذهب المالكي والحنبلي حيث اشترطوا لجواز الجمع بين العشاءين أن يكون المطر غزيراً وأضاف الحنابلة شرط ترتب وحصول المشقة. المراجع: أولاً: مراجع المذهب المالكي: 1. الشرح الصغير على أقرب المسالك (1\175) وحاشية الصاوي عليه. 2. حاشية الدسوقي، للعالم العلامة أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي على الشرح الكبير، للشيخ أبي البركات سيدي أحمد بن محمد العدوي الشهير بالدردير وبالهامش تقريرات العلامة المحقق محمد بن أحمد بن محمد الملقب بعليش، 1\588، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1417ه – 1996م. ثانياً: مراجع المذهب الشّافعي: 1. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ شمس الدّين محمّد بن الخطيب الشربيني،1\412، دار المعرفة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، (1418ه\1997م). 2. حاشية إعانة الطالبين، للعلاّمة أبي بكر عثمان بن محمّد شطّا الدمياطي البكري على حلّ ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمّات الدّين، للإمام العلاّمة زين الدّين عبد العزيز بن زين الدّين المليباري، 2\229. 3. حاشية الشيخ إبراهيم البيجوري على شرح ابن القاسم الغزّي على متن أبي شجاع، ج1\ 309، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1429 – 1430ه\2009 م. مراجع المذهب الحنبلي: 1. كشّاف القناع، 
للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، عن متن الإقناع للإمام موسى بن أحمد الحجّاوي الصّالحي، ج2\ص6، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة الأولى، 1418ه\1997م. 2. مطالب أولي النُّهى في شرح غاية المنتهى، الفقيه العلامة الشّيخ مصطفى السّيوطي الرّحيباني، (ج2\234-236)، الطبعة الثالثة \1421ه – 2000 م. توصيات المجلس الإسلامي للإفتاء بخصوص الجمع بين الصلوات بسبب المطر: هذا ويوصي المجلس الإسلامي للإفتاء الأئمة الكرام سعياً لتحقيق الوحدة الشّعائرية في العبادة وحسماً للفوضى والتهاون في ركن الإسلام الأعظم بما يلي: أولاً: نوصي الأئمة بعدم تتبع الرّخص والفتاوى الفردية التّي تخالف ما درَج وعاش عليه سلفنا على مدار قرون من الزّمان. ثانياً: نوصي الأئمة بالتيسير والتّوسعة على النّاس ومراعاة أعرافهم وما عمّت به البلوى واشتدت إليه الحاجة في نطاق المذاهب الفقهية الأربعة. ثالثاً: نوصي الأئمة ببثّ روح الورع والتقوى والأخذ بالعزائم لدى المأمومين، عملاً بالقاعدة الفقهية: “الخروج من الخلاف مستحب” مع مراعاة مبدأ الحكمة والرّفق واللّين. رابعاً: نوصي الأئمة بحثّ وشحذ همم المصلين على أداء الصلاة بوقتها الأصلي من خلال الخطب ومجالس الوعظ والمحاضرات مع التوضيح للنّاس بأنّ الجمع ليس مندوباً ولا مستحباً بل هو في أحسن أحواله خلاف الأولى بالإتفاق. رابعاً: نوصي الأئمة بالتّواجد في وقت الصّلاة المجموعة الأصلي أو توكيل مؤهلٍ بالإمامة إن تعذر عليه الحضور. وأخيراً نؤكّد على الإخوة الأئمة بعدم التهاون بمسألة الجمع بين الصلوات ولحسم باب الفوضى ينبغي ألاّ يجمع بين الصّلوات إلاّ إذا وجد المطر عند افتتاح الصّلاتين بالنسبة للظهر والعصر وعند افتتاح الصلاة الأولى بالنسبة للمغرب والعشاء، فإن كان المطر قبل ذلك ثمّ توقف قبل الشّروع فيها فلا جمع بالإتفاق.

فتاوى أهل العلم في حلق اللحيه ... لمن يسأل ويهتم ؟

فتاوى أهل العلم في حلق اللحيه ... لمن يسأل ويهتم ؟
1-قول جمهور العلماء الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية تحريم حلق اللحية.
22-قول جمهور الشافعية وبعض المالكية بكراهةحلق اللحية وتبعهم بعض المعاصرين كالشيخ القرضاوي وغيره
33-قول بعض الحنفية المتأخرين باستحباب إعفاء اللحية وليس الوجوب وتبعهم عليه بعض المعاصرين كالشيخ جادالحق -شيخ الأزهر السابق
44-قول بعض المعاصرين بأنه اعفاء اللحية من العادات فقط كالشيخ شلتوت والشيخ محمد أبو زهرة -رحمهما الله- وغيرهما.
وتفصيله:
أولا:حكم اللحية:
 جمهور الفقهاء من أحناف ومالكية وحنابلة وقول عند الشافعية على وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها والكلام في هذه المسألة قليل جدا في كتب الفقه المذهبية والمستقلة وذلك لأنه لم يكن بهم حاجة للخوض في هذه المسألة لأن المجتمع كله-تقريبا-كان ملتحيا عادة أكثر منه عبادة فلم تكن بهم حاجة لحلقها.
,من المعروف أن المعتمد عند الشافعية كراهية حلق اللحية لا حرمته .
 ذكر ذلك شيخا المذهب الشافعي: الإمام النووي والإمام الرافعي، وأقرهم عليه المتأخرون كابن حجر الهيتمي والرملي وهما عمدة من جاء بعدهم في الفتوى على المذهب .
وانظر كلام الرملي في الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر 4/ 69:
 ( باب العقيقة ) ( سئل ) هل يحرم حلق الذقن ونتفها أو لا ؟ ( فأجاب ) بأن حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام , وقول الحليمي في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف .
,والقول بالكراهة لحلق
 اللحية صرح به في كتاب الشهادات البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب لمتن أبي شجاع في الفقه الشافعي.
,وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى كما في شرح مسلم (1/1544( :"يكره حلقها وقصها وتحريقها أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن".
, وقد قال شطا الدمياطي في حاشيته النفيسة في المذهب "إعانة الطالبين" 2 / 2400 عند قول الشارح (ويحرم حلق
اللحية) ما نصه :
 " المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام _ أي القاضي زكريا الأنصاري كما هو اصطلاح المتأخرين _ وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب _ أي الشربيني _ وغيرهم الكراهة ."
وأما فتاوى العلماء المعاصرين فأغلب علماء السعودية على حرمة حلقها –
فتوى رقم 1:
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق -رحمه الله تعالى- :
 من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد تابع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما كان يفعله وما يختاره.
 وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء..
 وممَّا اتفق الفقهاء عليه ـ أيضًاـ أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".
 وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "احْفُوا الشوارِبَ واعْفُو اللِّحَى". حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ.
 وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف ". ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء). قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.
البدعةالثانية:
التخاصموالتفرقوالتنابزبسبب هذا الاختلاف ورمى المخالف بالتبديع والتفسيق والتضليل والتكفير.
 وهذافيه شق لأمر الأمة خاصة في مثل الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوممنضعف واستهداف من قبل أعدائه، فهم بذلك يسهلون العدو دورة، بدلاً من التآلفوالتلاحمووحدة الصف.
 وقدجاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تدعو إلى الوحدة وتحذرمنالتفرق وتتوعد من يعمل على تفريق الأمة واضعاً فهما.
(واعتصموا بحبل اللهجميعاًولا تفرقوا).
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ويحكم).
 نخرجمن هذا بأناللحيةأوحلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم-ولذلكفمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناًولكنلا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أوالابتداعأو غيره لأنه يلزمه بذلك أن يرمى الصحابة والتابعين الذين أطالوا شواربهمأوحلقوها تماما أو تركوا الصبغ أو صلوا حفاة بأنهم مبتدعون أو واقعون في الحرام،وهذاخطر عظيم يقع فيه من لم يحيطوا بعموم المسائل.والله تعالى أعلى وأعلم.
 بالنسبةلتطبيقالحكم فالأمر يختلف أنا شخصيا اعمل وافهم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية فيكتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)(ص 176-177) في معرض حديثه عنمخالفةالكفار في الهدي الظاهر يقول رحمه الله وأجزل مثوبته:
 ((إن المخالفةلهملا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كانالمسلمونفي أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرعذلكومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورابالمخالفةلهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجبعليهأن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلىالدينوالإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحوذلكمن المقاصد الصالحة.
 فأمافي دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيهادينهوجعل على الكافرين بها الصغار والجزية:ففيها شرعت المخالفة وإذا ظهرت الموافقةوالمخالفةلهم باختلاف الزمان ظهر حقيقة الأحاديث من هذا))أ.هـ.
 والله تعالى أعلم.
وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية ـ على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته ـ بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا "خالِفوا المُشركين..".
 وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم". (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي) مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة : سُئل عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ عن قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود". فقال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..
 مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس.
 وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ـ وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير ـ إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان...
 وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة.
 لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.
 والله أعلم.
ويقول الدكتور/محمد سيد أحمد المسير-أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر-:
 اختلف العلماء في حكم إطلاق اللحية، والذي نراه ونطمئن إليه أنها سنة تُفعل عند المقدرة وعدم الموانع، ويستطيع كل إنسان أن ينوي إطلاقها إذا كان غير مطلقٍ لها، ويتخير الوقت المناسب لإطلاقها إذا كان يجد في مجتمعه أو بيئته بعض الموانع والمضار، وليس الأمر يتوقف على المظهر وحده إنما نحن في حاجة إلى مخبر ومظهر، وإلى عقيدة وسلوك ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الموضوعات المتعلقة باللحية أو الثوب القصير أو الإسبال مصادر خلافات ومنازعات، فإن قضايا الإسلام أعمق من ذلك كله، وهناك أولويات في فقه الدعوة يجب أن نراعيها حتى لا تتبدد الجهود ونستهلك الوقت والعقل فيما لا طائلة من ورائه، والله أعلم .
,ويقول الشيخ عبد الرزاق القطان -مقرِّر هيئة الفتوى والرقابة الشرعيَّة ببيت التمويل الكويتي-:
 اللحية معدودة في السنن المؤكدة عند جمهور العلماء، على خلاف في ذلك بين موجب وغير موجب، مع أنه لم ير بعض الفقهاء شيئاً في حلقها لغير عذر.
 وأما حلقها لعذر؛ سواء كان بدنياً من مرض حساسية مثلاً، أو غيره، أو كان عذراً عاماً: كمتطلبات مهنة، أو متطلبات أمن، فإن حالقها معذور.
 وأما طولها؛ فليس فيه نص يوجب حدًّا معيناً؛ لأن التوجيه في الحديث إلي مطلق الترك. ومعلوم أن من ترك لحيته، ولو شيئا يسيراً؛ فهو يقع في مفهوم مطلقي اللحية، إلا أنه ثبت أن لحية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانت على عادة أهل زمانه عظيمة وافرة، وكذلك كانت لحى أصحابه (رضوان الله عليهم).
 وقد ورد أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) كان إذا فرغ من موسم الحج قبض بيده على لحيته، ثم أخذ ما زاد عن ذلك.
 على أنه ينبغي التنبه إلي قضية هامة، وهي أنه لا يمكن إلزام جميع المسلمين بقول واحد في المسائل الخلافية، كما أنه لا يجوز أن يشنع المسلم على الآخرين إذا خالفوه في مسائل الخلاف.
ويقول فريق من الباحثين:
 وردت أحاديث كثيرة في أمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحية مقروناً بالأمر بمخالفة المشركين أو المجوس أو اليهود والنصارى كحديث ابن عمر مرفوعاً (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) متفق عليه وجاء في اللحية (اعفوا أوفوا وأرخوا وارجوا ووفروا) ومعناها كلها تركها على حالها.
 ومع ذلك فقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً في الأخذ من اللحية أو نتفها أو حلقها أو إطلاقها دون أخذ منها، وما بين منكر لنتفها أو حلقها وجعل ذلك بدعة محرمة وبين مجيز لذلك وجعله من سنن الفطرة التي هي من المستحبات أو المكروهات ومنهم من قال هي سنة واجبة ومنهم من جعلها سنة مؤكدة ومنهم من جعلها من المستحبات ومنهم من جعلها من سنن العادات- عادت القوم والبيئة- ومنهم من جعلها من خصائص النبي.
 وكل هؤلاء علماء مجتهدون على مختلف العصور، ولم ينكر بعضهم على بعض اجتهادهم وإنما قبلوا هذا الاختلاف الذي هو نوع اختلاف التنوع وليس التضاد.
 وهذا الخلاف ناتج من فهم العلماء للأمر في الحديث; فالحديث يشتمل على نوعين من الأمور: الأمر الأول بمخالفة المشركين وهذا الأمر يفيد الوجوب حتماً لأن الكثير من الآيات والأحاديث شددت في ذلك وتوعدت عمن لا يخالفهم تديناً كما سردها ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم. أما الأمر الآخر فهو مخالفتهم في بعض السمات والمظاهر كاللحية والشارب. فهل الأمر الأخير ينزل كالأول منزلة الوجوب أم أن للندب أم للعادة أم للإشادة. هذا هو مناط الإختلاف بين العلماء،.
 ولكي نحرر موضع النزاع هذا ننظر إلى أقوال العلماء فيما شابه هذا الحديث، فقد وردت أحاديث أخرى فيها الأمران معاً الأول بالمخالفة والأخر بتعيين صفة ما لتحقيق هذه المخالفة، مثل حديث أبن عباس مرفوعاً وأن اليهـود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، وفى رواية للترمذي (وغيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود) ومع ذلك فقد اتفق الجميع على وجوب مخالفتهم خاصة في ما يتعلق بأمور دينهم، ولكن العلماء والصحابة والسلف الصالح قد اختلفوا في الخضاب وجنسه، فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل، وبعض الصحابة خضب وأخرون لم يخضبوا.
 وقال الطبري: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهى في ذلك للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض (نيل الأوطار 1/ 141) وشرح النووي على مسلم (14/80).
 وقال القاضي عياض: وقال غيره يعنى غير الطبري من العلماء- هو على حالين فمن كان في موضوع عادة أهل الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة شهرة ومكره، والثاني أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب، فمن كان شيبته تكون نقية احسن منها مصبوغة فالترك أولى ومن كانت شيبته تستبشع فالصبغ أولى.
وكذلك حديث الصلاة في النعال ومخالفة اليهود.
فلم يقل أحد بوجوب الصلاة في النعال وإن كان الجميع متفقون على وجوب المخالفة.
 بل حديث اللحية نفسه، جمع اللحية والشارب معاً في مخرج واحد (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى) رواه أحمد ومسلم عن أبى هريرة (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) متفق عليه عن ابن عمر.
 ومع ذلك فقد اختلف العلماء في تطبيقه، فكثير من السلف والكوفيين كأبي حنيفة وزفر وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وكذلك أحمد وأصحاب الشافعي كالمزني والربيع المرادي كل هؤلاء ذهبوا إلى استئصال الشارب وحلقه لظاهر قوله (احفوا وانهكو) وذهب مالك وآخرون إلى منع الحلق والاستئصال، وكان مالك يرى تأديب من حلقه وروى عن ابن القاسم تلميذ مالك أنه قال (إحفاء الشارب مثله) وبعضهم يرى قص ما طال عن الشفتين، وهو ما اختاره مالك والنووي من المتأخرين، وفى رواية عن أحمد أنه ساوى بين الإحفاء والقص وما فيهما لا بأس.
راجع نيل الأوطار للشوكاني (1/138)
 إذاً لماذا أختلف العلماء في فهم الأمر بإحفاء الشارب حتى قال بعضهم إن الإحفاء مُثْلَهَ وكلمة الإحفاء هي نص الحديث في إحدى الروايات، لعل ذلك راجع إلى العرف أو البيئة وفهم الأمر الذي هو عندهم للإرشاد كوسيلة من وسائل المخالفة وإلا ما اختلفوا هذا الاختلاف.
 وفى مثل هذه الأحاديث عقب الأمر بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم كما يقول ابن تيمية وغيره ويقول: ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبى من هدى المجوس، وضرب مثلاً بكراهة أحمد لحلق القفا لأنه من فعل المجوس وانزل المفهوم من حديث اللحية منزلة حديث صبغ الشيب فقال والتقرير من هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله (لا يصبغون فخالفوهم) (اقتضاء الصراط المستقيم/ 59) وهذا هو الحق فكل أحاديث المخالفة تحتوى شقين:
الأول: وجوب المخالفة للمشركين في هديهم وما يتعلق بدينهم وعبادتهم وهذا لا خلاف فيه.
 الثاني: الإرشاد إلى بعض الجوانب والمظاهر التي بها يحصل التميز وتظهر المخالفة ويمكن الجمع بين الأمرين بأنه على المسلم أن يأتي عملاً أو مظهراً أو سلوكاً يظهر منه التميز عن المشركين وليس شرطاً وجوب الامتثال بالمخالفة في اللحية أو الصبغ أو الصلاة في النعال، بدليل أن الصحابة كثير منهم لم يصبغوا ولم يصلوا في النعال ولم يلتزموا هيئة واحدة في الشارب بل روى مالك عن عمر أنه كان إذا غضب برم شاربه لذلك يقول الشيخ محمود شلتوت ونحن لو تمشينا مع التحريم لمجرد المشابهة في كل ما عرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى لأن شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالف في الدين، ولوجب الحكم بالحرمة على لبس القبعة وبذلك تعود مسألتها جذعة (أصلية ) بعد أن طوى الزمن صفحتها، وأخذت عن الناس مسلك الأعراف العامة التي لا تتصل بتدين ولا فسق ولا بإيمان وكفر.
 ويقول: والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل على استحسان البيئة فمن(وجدت) بيئته على استحسان شئ منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة راجح الفتاوى للشيخ شلتوت ص( 129)
 وقد روى ابن كثير في تاريخه في فتح بيت المقدس أن صلاح الدين أمر جنوده أن يحلقوا لحاهم ويغيروا من ثيابهم وهيئتهم لخداع العدو ولمصلحة المسلمين ولم ينكر عليه أحد مع العلم بأن صلاح الدين كان عالماً محدثاً وكان في عصره مئات العلماء والأئمة ولم يؤثر عن أحدهم إنكار ذلك، بل ابن كثير يسوق هذا الخبر سياق المشيد بحكمة صلاح الدين وحسن تصرفه.
بل قديماً طلب النبي من نعيم بن مسعود كتم خبر إسلامه لمصلحة الدعوة، وفى القرآن (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه رجلاً أن يقول ربى الله…) الآية.
 ولا شك أن كتم الإسلام والإيمان أشد من كتم مظهر من مظاهرهما بل سمح النبي لمحمد بن مسلمة وصحبه أن يذكروه ببعض سوء حين أمرهم بقتل كعب الأشراف اليهودي، وذلك من أجل أن يتمكنوا منه.
 الثانية: هناك بعض المتحمسين الذين لا يدركون دقائق العلم ولا يلمون بقول العلماء من السلف والخلف يسارعون بالإنكار على من خالف رأيهم بل يبدعونه ويضللونه ويكفرونه أحياناً لا لشئ إلا لمجرد خلافه لهم وقد يصل الحال إلى الخصومة والفرقة والتشتت والتنابز بالألقاب في الدروس وعلى المنابر.
 وهؤلاء حتماً وقعوا في بدعتين عظيمتين:
البدعة الأولى: هي الإنكار على المخالف فيما اختلف فيه العلماء وفيما تطرق إليه الاحتمال والقاعدة الأصولية على أنه (ما اختلاف فيه لا إنكار فيه) وكذلك (ما يتطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال) والمأثور عن النبي والصحابة والسلف قبول الاختلاف في أمور كثيرة كقصة صلاة العصر في بنى قريظة وكذلك (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) وغير ذلك كثير وقول عمر بن عبد العزيز (اختلاف الأمة رحمة) وامتناع مالك عن جمع الناس على مذهب أو رأى واحد وقول الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب، وقول أبى حنيفة وأحمد إذا وافق قولي الحديث وإلا فاضربوا به عرض الحائط).
 وإذاً الخلاف الفقهي أمر مقرر في الشريعة والتاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة ورافض هذا الاختلاف مبتدع في الدين بدعة أصلية لا وكيل عليها إلا الانتصار للنفس واتباع ما تهوى الأنفس.
البدعة الثانية:
التخاصم والتفرق والتنابز بسبب هذا الاختلاف ورمى المخالف بالتبديع والتفسيق والتضليل والتكفير.
 وهذا فيه شق لأمر الأمة خاصة في مثل الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم من ضعف واستهداف من قبل أعدائه، فهم بذلك يسهلون العدو دورة، بدلاً من التآلف والتلاحم ووحدة الصف.
وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تدعو إلى الوحدة وتحذر من التفرق وتتوعد من يعمل على تفريق الأمة واضعاً فهما.
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
 (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ويحكم).
نخرج من هذا بأن اللحية أو حلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم- ولذلك فمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناً ولكن لا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أو الابتداع أو غيره لأنه يلزمه بذلك أن يرمى الصحابة والتابعين الذين أطالوا شواربهم أو حلقوها تماما أو تركوا الصبغ أو صلوا حفاة بأنهم مبتدعون أو واقعون في الحرام، وهذا خطر عظيم يقع فيه من لم يحيطوا بعموم المسائل.والله تعالى أعلى وأعلم.
 بالنسبةلتطبيقالحكم فالأمر يختلف أنا شخصيا اعمل وافهم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية فيكتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)(ص 176-177) في معرض حديثه عنمخالفةالكفار في الهدي الظاهر يقول رحمه الله وأجزل مثوبته:
 ((إن المخالفةلهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كانالمسلمونفي أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرعذلكومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورابالمخالفةلهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجبعليهأن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلىالدينوالإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحوذلكمن المقاصد الصالحة.
 فأمافي دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيهادينهوجعل على الكافرين بها الصغار والجزية:ففيها شرعت المخالفة وإذا ظهرت الموافقةوالمخالفةلهم باختلاف الزمان ظهر حقيقة الأحاديث من هذا))أ.هـ.
والله تعالى أعلم.
-
ادلة جواز حلق اللحية ، واعفائها من الامور المستحبة
 أولا:حكم اللحية:
جمهور الفقهاء من أحناف ومالكية وحنابلة وقول عند الشافعية على وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها والكلام في هذه المسألة قليل جدا في كتب الفقه المذهبية والمستقلة وذلك لأنه لم يكن بهم حاجة للخوض في هذه المسألة لأن المجتمع كله-تقريبا-كان ملتحيا عادة أكثر منه عبادة فلم تكن بهم حاجة لحلقها.
,من المعروف أن المعتمد عند الشافعية كراهية حلق اللحية لا حرمته .
ذكر ذلك شيخا المذهب الشافعي: الإمام النووي والإمام الرافعي، وأقرهم عليه المتأخرون كابن حجر الهيتمي والرملي وهما عمدة من جاء بعدهم في الفتوى على المذهب .
وانظر كلام الرملي في الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر 4/ 69:
‏( باب العقيقة ) ( سئل ) هل يحرم حلق الذقن ونتفها أو لا ؟ ( فأجاب ) بأن حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام , وقول الحليمي ‏في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف .‏
,والقول بالكراهة لحلق اللحية صرح به في كتاب الشهادات البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب لمتن أبي شجاع في الفقه الشافعي.
,وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى كما في شرح مسلم (1/1544( :"يكره حلقها وقصها وتحريقها أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن".
, وقد قال شطا الدمياطي في حاشيته النفيسة في المذهب "إعانة الطالبين" 2 / 240 عند قول الشارح (ويحرم حلق اللحية) ما نصه :
 " المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام _ أي القاضي زكريا الأنصاري كما هو اصطلاح المتأخرين _ وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب _ أي الشربيني _ وغيرهم الكراهة ."
,وأما فتاوى العلماء المعاصرين فأغلب علماء السعودية على حرمة حلقها –وفتاواهم في ذلك أشهر من أن تذكر- ولكن الغريب أنه لا تنشر الفتاوى الأخرى المبيحة أو الكارهة فقط لحلقها, وكذلك لا تنشر فتاوى من حرم حلقها في الظروف العادية ورخص في حلقها في ظروف استثنائية كالظروف التي تعيشها بلادنا وقد جمعنا طرفا من ذلك:
فتوى رقم 1:
 يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق -رحمه الله تعالى- :
من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.
 والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد تابع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما كان يفعله وما يختاره.
 وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء..
 وممَّا اتفق الفقهاء عليه ـ أيضًاـ أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".
 وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "احْفُوا الشوارِبَ واعْفُو اللِّحَى". حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ.
 قال الإمام النووي في شرحه حديث: "احْفُوا الشوارب واعْفوا اللِّحَى": إنه وردت رواياتٌ خمسٌ في ترْك اللحْية، وكلها على اختلافها في ألفاظها تدلُّ على ترْكها على حالها...
 وممَّا رَتَّبُوه على القول بوُجوب إعفاء اللحية: ما نقله ابن قدامة الحنبلي في المُغني: أن الدية تجب في شَعْر اللحية عند أحمد، وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدْلٍ، وهذا يُشير إلى أن الفقهاء قد اعتبروا إتلاف شَعر اللحية حتى لا يَنبت جِنايةٌ من الجنايات التي تَستوجب المُساءلة: إما الدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو دِية يُقدرها الخبراء كما قال الإمامان: مالك والشافعي.
 وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف ". ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء). قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.
 حيث أفاد الحديث أن إعفاء اللحية من السُنَن والمَندوبات المَرغوب فيها إذ كل ما نصَّ عليه من السُنَن العادية.
 وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية ـ على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته ـ بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا "خالِفوا المُشركين..".
 وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم". (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي) مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة : سُئل عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ عن قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود". فقال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..
 مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس.
 وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ـ وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير ـ إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان...
 وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة.
 لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.
 والله أعلم.
وهناك كتاب فريد من نوعه وهو اول كتاب شرعي مؤصل يكتب عن اللحية
كتاب " اللحية دراسية حديثية فقيهة " للعلامة المحدث السعودي عبدالله يوسف الجديع الأمين العام للمجلس الأوربي للإفتاء سابقا
فتوى رقم 2 من مشروع فتاوى الأزهر في مائة عام:
الموضوع (1198) حلق اللحية واعفاؤها.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.
11 أغسطس 1981 م.
المبادئ:
1- إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تابعه الصحابة رضوان الله عليهم فيما كان يفعله ويختاره.
2 - ما ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ما لم يخالف نصا أو حكما غير مختلف عليه.
3 - الأمر الوارد في إعفاء اللحية مختلف فيه بين الوجوب والسنة والندب.
4 - إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
سئل : بالطلب المتضمن أن السائل طالب في رعاية والديه، وأنهما يأمرانه بحلق لحيته وألا يطيلها.ويطلب بيان حكم الشرع في حلق لحيته، وهل يحرم عليه شرعا أن يحلقها طاعة لوالديه أو يطيلها كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يحب أن يطيلها ولا يحلقها تمسكا بالسنة الشريفة؟
أجاب : إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.وقد كان يعنى بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها - وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره - وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، كالأحاديث المرغبة في السواك وقص الأظافر والشارب - وقد حمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الأمر، وسماها كثير منهم سنة يثاب عليها فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا دليل لمن قال إن حلق اللحية حرام أو منكر إلا الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين، والأمر في الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى الأفضل ( زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم وشرحه فتح المنعم ج 1 ص 178 و 179 تعليقا على الحديث رقم 423 طبعة ثانية مؤسسة الحلبي ) والحق الذي ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات التي ينبغي على المسلم الالتزام فيها بما ورد في شأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ويعتادونه ما لم يخالف نصا أو حكما غير مختلف عليه - وإعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف على حكم الأمر الوارد فيها بالإعفاء على ما تقدم، ولما كان السائل يقول إن والديه أمراه بحلق لحيته، وبألا يطيلها، ويتساءل هل حرام حلق اللحية إذ أنه يرغب في إطلاق لحيته كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.لما كان ذلك كان السائل بين مخافتين أو محظورين، هما عصيان الوالدين وإيذاؤهما بهذا العصيان بإعفاء اللحية وإطالتها، وفى حلقها طاعة لهما مخالفة للسنة.وإذ كانت مصاحبة الوالدين بالمعروف ثابتة بنص القرآن في قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } لقمان 15 ، وبغير هذا من الآيات الكريمة في القرآن وبالأحاديث الشريفة، وهذا من الأوامر الواجبة الاتباع قطعا، ولذلك كان إيذاء الوالدين بعصيان أوامرهما من الكبائر، إلا في الشرك أو فيما يوازيه من الكبائر، وليس حلق اللحية من الكبائر، وإذ كان إطلاق اللحية أو حلقها من الأمور التي اختلف العلماء في مدلول الأمر الوارد في السنة في شأنها، هل هو من باب الواجب أو السنة أو الندب.إذ كان ذلك كان على السائل الالتزام بالأمر الوارد في القرآن الكريم الثابت قطعا والذي يؤدى تركه إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر هي إغضاب الوالدين وإيذاؤهما، بينما حلق اللحية ليس من المعاصي الثابتة قطعا، إذ إعفاؤها من السنن، والسنة تفسر بمعنى الطريقة كما تفسر بما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.ولا شك أن الأولى تنفيذ الأمر بحسن الصحبة مع الوالدين، إلى أن يقنعهما برغبته في إطلاق لحيته اتباعا للسنة أيا كان المقصود بها.ووجه آخر ذلك أنه بافتراض تساوى حسن صحبة الوالدين، وإعفاء اللحية في الحكم والثبوت، فقد تعارضت مفسدتان هما إغضاب الوالدين وإيذاؤهما بإعفاء اللحية وهذا الإيذاء من الكبائر، وحلق اللحية عمل مخالف للسنة - وقد نص الفقهاء على أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما - قال الزيلعى في باب شروط الصلاة (ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلى ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ) ( الأشباه والنظائر لابن نجيم في القاعدة الخامسة - الضرر يزال، وفروعها ) ولا شك أن حلق اللحية أهون وأخف ضررا من إغضاب الوالدين وإيذائهما بإطلاقها، لأن إيذاء الوالدين بعصيانهما لا يكون إلا في الشرك بالله .

, اقتني من هنا افضل مكتبة علمية للرد على ادعياء السلفية كي لاتقع في شباكهم باسم السلفية ..

وقل ربي زدني علما ... 
 نهديكم هذه الكتب وبحوث فقهية في مسائل خلافية 
 يمكنكم تنزيلها مباشرتا من هنا 
 
من أفضل ما كتب في الرد على أدعياء السلفية

اعلم فقط حجم الملف  عند التنزيل هو 101 Mb
اللهم أرنا الحـــــــــــــــق حــــــــــقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
  

هل يجوز السؤال أين الله؟وهل هو عال فوق عباده؟ وهل هذا من التجسيم؟

هل يجوز السؤال أين الله؟
وهل هو عال فوق عباده؟ وهل هذا من التجسيم؟
السؤال
هَل يَجُوزُ أَن نَسألَ بِقَولِنا: أَينَ اللهُ؟ وهَل هُوَ عالٍ فَوقَ عِبادِهِ؟، أَم أَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّجسِيمِ والعِياذُ باللهِ؟.
 وما مَوقِفُنا مِن القائلين بِعَدَمِ جَوازِ هَذا السُّؤالِ؟. وأَنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ مُنَزَّهٌ عَن كُلِّ مَكانٍ وأَنَّ مَن عَمِلَ ذَلِكَ فَهوَ مُجَسِّمٌ مُبتَدِعٌ؟.
الجواب
 إنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى وَصَفَ نَفسَهُ بِالعُلوِّ فَقالَ ( سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلى ) وقالَ ( هُوَ العَلِيُّ ) قالَ ( إنَّهُ العَلِيُّ القَدِيرُ ).
 فَعُلوُّ اللهِ سُبحَانَهُ وتَعالى لا يَتَمارى فِيهِ أَحدٌ ولا يَجُوزُ لِمُسلِمٍ أَن يَقُولَ سِوى ذَلِكَ. أَمّا أَن تَقُولَ كَيفَ؟ فَهَذا لَيسَ مَطلوباً مِنكَ.
 قَد وَرَدَ حَدِيثُ آحادٍ وهوَ أَنَّ أَمَةً جاءَ بِها سَيُّدها لِيعَتِقَها إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَليه وسَلَّمَ فَقالَ لَها: أَينَ الله؟.
 وَرَدَ هَذا الحَدِيثُ؛ حَدِيثُ آحادٍ ولَم يَرِد فِي أَيِّ مَكانٍ آخَر أَنَّهُ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ سَأَلَ أَحَداً هَذا السُّؤالَ ولا أَنَّ أَحَداً مِنَ السَّلَفِ كان يَسأَلُ هَذا السُّؤالَ. فَمِثلُ هَذِهِ الأَسئلَةِ لَيسَت مَطلُوبَةً ولَيسَت مَرغُوبَةً.
 فَعَلَيكَ أَن تَقرأَ آياتِ الإثباتِ وآياتِ النَّفيِ؛ آياتِ إثباتِ العُلوِّ كَما هِي وآياتِ النَّفي ( لَيسَ كَمِثلهِ شَيءٌ ) وأَلا تَخُوضَ فِي مِثلِ هَذا. هَذا لَيسَ مِنَ الأُمُورِ العَمَلِيَّةِ. إنَّ اللهَ يَسأَلُكَ عَن أَعمالِكِ ولا يَسأَلُكَ عَن ذاتِهِ يَومَ القِيامَةِ.
 فَعَلَيكَ أَن تُؤمِنَ بِها فَهَذا مَذهَبُ سَلَفِ الأُمَّةِ الذي لا شَكَّ فِيهِ كَما يَقُولُ الطُوفِيُّ: مَذهَبُ الإمامِ أَحمَدَ وسائرُ عُلَماءِ أَعيانِ السَّلَفِ إمرارُها كَما هِيَ مَعَ السَّكُوتِ.
 فَلا يَقُولُ أَحَدٌ شَيئاً كَما يَقُولُ أَبُو نُعَيمٍ شَيخُ البُخاريَّ، وذَكَرَ هَذا الحافِظ ابنُ كَثِيرٍ عِنَدَ تَفسِيرِ قَولهِ تَعالى فِي سُورَةِ الأَعرافِ ( ثُمَّ استَوى عَلى العَرشِ يُغشِي اللَيلَ النَّهارَ ) يَقُولُ: نُمِرُّها كَما هِيَ مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالى عَمّا يَتَبادَرُ إلى الأَذهَانِ؛ هَذا كَلامُ أَبِي نُعَيمٍ شَيخِ البُخارِيِّ وشَيخِ الإمامِ أَحمَدَ وشَيخِ يَحيى بنِ معين.
 فَالخِلافُ حَولَ هَذا وإثارَةُ الجَدَلِ حَولَ المَكانِ وحَولَ الزَّمانِ؛ هَذا أَمرٌ لَم يَكُن مِن صَنِيعِ السَّلَفِ وهوَ مُخالِفٌ لَما عَلَيهِ السَّلَفُ.
 فَلا تَقُل شَيئاً، اقرَأها كَما هِيَ فَقَط. وعَلَيكَ أَن تُؤمِنَ كَما آمَنَ السَّلَفُ دُونَ زِيادَةٍ ولا نُقصانٍ. واقرَأ فِي الإثباتِ عُلوَّ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالى فَأَنتَ تَقُولُ فِي صَلاتِكَ: سُبحانَ رَبِيَ الأعلى. واقرَأ فِي النَّفي ( لَيسَ كَمِثلهِ شَيءٌ وهوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ).
وهَذا المَطلُوب مِنكَ ولا تُجادِل فِي هَذا واللهُ أَعلَم.
#فتوى العلامة/ابن بيه

سئل الشبلي عن قوله تعالى : {الرحمن على العرش استوى} فقال: الرحمن لم يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى.

وقال جعفر الصادق: من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك إذ لو كان على شيء لكان محمولا ولو كان في شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا.

حكم الخروج على الحاكم ..؟



الإسلام والخروج على الحاكم
بسم الله الرحمن الرحيم
تدور هذه الأيام حوارات ساخنة في الأوساط الإسلامية حول مدى شرعية الخروج على الحكام في عصرنا هذا... بعض الذين يتصدّرون العمل الإسلامي نلاحظ عليهم حماساً مُضاداً لكلِّ فكرة تؤيّد الخروج على الحكام، أكثر من ذلك فهم قد غلوا في موقفهم واتهموا كل من لا يرى رأيهم بالغباء وقلّة الفقه والخروج عن الملّة في كتابات لبعضهم، ونحن ننصحهم - والدين النصيحة - بالابتعاد عن هذا الغلو ونُطالبهم - كإخوة في الله - أن يتقوا الله ويحذروه وألا يحسنوا الظن كثيراً بأنفسهم ويُسيئوا الظن كثيراً بإيمان غيرهم، وإذا اختلفنا في هذه القضية فليكن الخلاف رفيعاً.
نحن نقف في هذه القضية مع الذين يقولون بالخروج على الأنظمة الحاكمة في أرض الإسلام اليوم، ونقف هذا الموقف استناداً إلى دليلين:
1-الدليل الشرعي.
2-والدليل العقلي.
الدليل الشرعي
يقول جلّ القائل في كتابه الكريم:
1) { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأول-ئك هم الكافرون} [المائدة : 45].
2) { فاحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة : 48].
3) { فلا وربك لا يُؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم} [النساء : 65].
4) { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [الجاثية : 18].
5) { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حُكماً} [المائدة : 50].
6) { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء : 105].
1) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيليكم أمراء من بعدي يعرّفونكم ما تنكرون، ويُنكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله ) [1].
2) وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون عليكم أُمراء يُؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ويحُدِثون البدع. قلت: فكيف أصنع؟ قال: تسألني يابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كيف تصنعُ؟ لا طاعةَ لمن عصَى الله ) [2].
3) وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليأتين عليكم أُمراء يُقرّبون شرار النّاس، ويُؤخِّرُون الصَّلاة عن مواقيتها، فمن أدركَ ذلك منهم فلا يكُونن عرِيفاً، ولا شُرْطياً، ولا جَابِيا،ً ولا خَازِناً ) [3].
4) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فكان من خطبته أن قال: ( ألا إني أُوشك أَنْ أُدعَى فأُجِيب... فَيلِيكم عُمّال من بعدي يقولون ما يعلمون ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً ثم يليكم عمّال من بعدهم يقولون ما لا يعلمون ويعملون ما لا يعرفون، فمن ناصحهم ووازرهم وشدّ على أعضادهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خالطوهم بأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن بأنه محسن وعلى المسيء بأنه مسيء ) [4].هذه مجموعة من أشهر النصوص التي وردت حول قضية الخروج على الحاكم ولأهل العلم فيها وجوه كثيرة، لكن قبل استعراض آراء الأئمة حول هذه القضية يجب علينا أن نوضح بعض النقاط الضرورية:
1) هذه النصوص التي ذكرنا إنما جاءت لتخاطب الواقع المسلم القائم آنذاك.
2) اجتهادات الأئمة حولها إنما بُنيت على أساس أنها - أي النصوص - إنما جاءت لتخاطب الواقع المسلم القائم آنذاك.
3) أن الحكّام الذين كانوا يُعاصرون الأئمة كانوا يحكمون بما أنزل الله.
4) أن أصحاب الآراء التي كانت توصف بالتطرّف والتي كانت تُنادي - آنذاك - بالخروج على حكام ذلك الزمان كانوا من خارج أهل السنة والجماعة كالمعتزلة والخوارج.
فلم يكن يتصوّر الفقهاء - أيامها - وجود حاكم لا يحكم بما أنزل الله بالصورة الكلية والشمولية التي نعيشها اليوم، لم يكن يتصور الفقهاء وجود حاكم يتنكر لشرع الله ويتآمر على الإسلام ويُنكلّ بالمسلمين ويُوالي أعداء الله كما هو حال حكام اليوم...
يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى - في معرض تفسير قوله: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يُوقنون} [المائدة : 50] : ( يُنكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كلّ خيرٍ الناهي عن كلّ شرٍّ، وعَدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة... كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات... فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل أو كثير ) [5].
يُعلق محمد حامد الفقي على كلام ابن كثير هذا في كتاب "فتح المجيد" صفحة 406 فيقول: ( ومثل هذا وشرٌّ منه من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال، ويقدمها على ما عَلِمَ وتبيّن له من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصرَّ عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمّى به ولا أي عملٍ من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لما سُئل عن قتال التتار مع تمسكهم بالشهادتين ولمِا زعموا من اتباع أصل الإسلام، قال: ( كلّ طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم و غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانِعي الزكاة. وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم...
 فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، و الميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين - ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها و تركها - التي يكفر الجاحد لوجوبها. فإن الطائفة الممتنعة تُقاتل عليها وإن كانت مقرّة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء...
 وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته ) [6].
قال القاضي عياض - رحمه الله -: فلو طرأ عليه (أي الخليفة) كفر أو تغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل.
وهكذا نرى أنه ليس هناك أي تناقض بين آراء العلماء حول مسألة الخروج على النظام الحاكم في حالة كفره وإعراضه عن شرع الله، فالكلُّ مجمعٌ على ذلك كما نقل ابن تيمية هذا الإجماع وأشار إليه عندما قال: ( وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ).
هناك بعض الناس يُسيئون فهْمَ بعض الأحاديث لرسول اللهز فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حرّم مالُه ودمُه وحسابه على الله ) [7].
قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - حول ذلك: ( اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان وأنّ المراد بهذا مشركُو العرب وأهل الأوثان... فأما غيرهم ممن يقرّ بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره ) [8].
لقد أجمع العلماء على أنّ من قال لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها، أو اعتقد معناها ولم يعمل بمقتضاها يجب أن يقاتل حتى يعمل بما دلّت عليه من النفي والإثبات.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أُمرتُ أن أُقاتلَ النّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) [9].
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في تعليقه على الحديث: ( فيه وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرهما من واجبات الإسلام قليلاً أو كثيراً ) [10].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : ( إنما اختلف العلماء في الطائفة الممتنعة إذا أصرّت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبها - ونحو ذلك من الشعائر. فهل تُقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها ) [11].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق لمانعي الزكاة وقتال علي للخوارج.
ويقول ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: ( وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شرّ الخلق والخليقة، مع قوله: ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم ) فعلم أن مجرّد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمُسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كلّه لله وحتى لا تكون فتنة. فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب ) [12].
والذين يَرون عدم الخروج على الأنظمة الحاكمة اليوم يستدلون خطأ ببعض الأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فمثلاً هناك حديث يقول: ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية ) [13].
هذا الحديث يطرح أمامنا عدة أسئلة:
1) من هو الأمير المقصود في هذا الحديث؟
2) ما هي نوعية الكره؟
3) ما هي حدود الصبر؟
4) وأي جماعة تلك المقصودة في الحديث؟
5) أهي الجماعة الكبرى أم الصغرى؟
من البديهي أن الأمير الذي ذكره الحديث هو الأمير المسلم، فهذا هو المعنى الذي يتماشى مع طبيعة الشرع، فمن ثم يجب على المسلم أن يطيعه لأنه - أي الأمير - متقيّد بالشرع خاضع لأمره، لكن قد يرى المسلم منه ما يكره؛ أي بعض السلوكيات الخاطئة من قبل الأمير كحال الأمراء الأمويين والعباسيين... لكن ليس هذا مبرراً شرعياً للخروج عليه، ومن هنا فإن الصبر المَعنيّ بالحديث هو الوسيلة لمحاصرة هذا الكره الذي ذكرنا مواصفاته... الكره الذي لا تتجاوز حدوده الفرد إلى حدود الجماعة. وعلى ضوء هذا الفهم يتبين لنا خطأ الذين يُحاولون تطبيق هذا الحديث اليوم على الأنظمة التي تجثم فوق صدور المسلمين.
والذين يَرون عدم الخروج على الأنظمة الحاكمة اليوم يستدلّون بحديث لست مُطمئناً لصحته يقول: ( شرارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله أفلا نُنابذهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ).
وحتى لو كان الحديث صحيحاً [14] فلا نفهمه بالصورة التي يُحاولون من خلالها عرضه... يقولون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أقاموا الصلاة ) ويعتقدون أن المقصود هو أنه مادام الحاكم يُصلي ولا يمنع الناس من الصلاة فلا يجوز الخروج عليه، وهذا فهمٌ قاصرٌ وغير صحيح ولا يلتقي مع أقوال جمهور العلماء وبالأخص ابن تيمية في أقواله التي دوّناها في الصفحات السابقة؛ فالتتار كانوا يُقيمون الصلاة بل منهم من كان فقيهاً مُتعبداً ومع ذلك جعل قِتالهم واجباً لإيمانهم بالياسق [15].
والمقصود بالمنابَذة - التي ورد ذكرها في الحديث - هو نقض البيعة التي أعطاها الناس لهؤلاء الحكام والخروج عليهم. يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وإمَّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء} أي أعلمهم بنقض العهد الذي بينك وبينهم.
وفي الحديث إشارة واضحة إلى أن هناك بيعة أُعطيت لهؤلاء الأمراء كي يقوموا بأمر المسلمين حسب كتاب الله وسنة رسوله، فالبيعة - ويجب أن تكون عن رضا واختيار لا عن إكراه وإجبار - هي الوسيلة الشرعية في الإسلام لتولي السلطة السياسية، وما دامت هناك بيعة بين الحاكم والمحكوم فمعنى ذلك أن الحاكم يجب أن يُطاع؛ لأن البيعة إلزام للحاكم بالتقيّد بشرع الله وإلزام للمحكوم بطاعة هذا الحاكم في حدود هذا الشرع. ومن هنا فإن الأمراء الذين طلب الصحابة منابذتهم والخروج عليهم كانوا يحكمون بما أنزل الله لكن سلوكهم الشخصي لا يُرضي المحكومين وأفعالهم تُبيح لعنهم من قِبل الناس، ومن ثَمَّ هم يلعنون الناس كما يلعنونهم.
 على ضوء هذا الفهم يتبيّن لنا أن المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أقاموا الصلاة) ليس هو مجرّد إقامة الصلاة في حد ذاتها، وإنما لأن الواجب على الأمير المسلم أن يُقيم في الناس الصلاة ويخطب فيهم الجمعة، هذا العمل صورة من صور الممارسة الشرعية لمسؤولياته في الإسلام ومادام يقوم بهذا العمل... وهذا يعني أيضاً تقيّده وإلتزامه بشرع الله... لأجل ذلك لا تجوز منابذته، وليس المقصود - كما يفهم البعض - أنه مادام الحاكم يُصلي ولا يمنع الناس من الصلاة فلا يجوز الخروج عليه وإن لم يكن يلتزم شرع الله، فهذا الفهم يُخالف مخالفة صريحة ما كان عليه الصحابة وأجمعوا عليه وكذلك ما أجمع عليه الفقهاء.
وهل يُعقل أن يكون المقصود بالحديث هو الحاكم الذي يُقيم الصلاة فقط دون بقيّة أحكام الشرع؟! إن محاولة تطبيق هذا الحديث على حكّام اليوم هي محاولة لدعم الباطل على حساب الإسلام، فحكّام اليوم وأنظمة هذا العالم المترامي المسمّى مجازاً بالإسلامي لم يصلوا إلى الحكم بالطريق الشرعي (البيعة)، بل فرضوا أنفسهم على المسلمين بقوة الحديد والمال ودعم القوى الكافرة المتربّصة بالإسلام ودُعاته الحقيقيين، ومن هنا ينقطع الطريق أمام دعاة الضلالة الذين يحاولون ترقيع الجاهلية بأحكام الإسلام وإلباس هذه الأنظمة الكافرة ثوب الإمامة العادلة!!.
لقد استحلت هذه الأنظمة ما حرّم الله في كلّ قرار تصدره وكلّ خطوة تخطوها، فهي - كما نلاحظ - لا تقوم على بيعة وقد عطلّت حق الأمة في الشورى ومراقبة الحاكم وتسديده وترشيده وعزله، وأخذت تتوسع في إباحة المحظورات الشرعية بل تيسّر السبل والوسائل كي تنتشر هذه المحظورات وتسود الواقع، والاستحلال كفر بإجماع الأمة لا يُخالف في ذلك أحد وبالإضافة إلى ذلك استباحت دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فهل هناك براهين على الكفر الصريح أكثر من ذلك.
إن حكّام اليوم كفروا بما أنزل الله وأعرضوا عنه مهما لبسوا من أزياء الإسلام، وهم يُوالون أعداء الله وينصرونهم على جماهير الإسلام والمسلمين، وينشرون الفساد في الأرض، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط والعدل بين الناس... والجماهير - لَهْفِي عليها - استسلمت لهذه الأوضاع المنحرفة ودانت لها حتى صبغت تصوراتها وسلوكها وأخلاقها بصبغة الكفر، فأصبحت تُوالي الحكام وتهتف لهم وتتقرب منهم وتنصرهم وتدعمهم على حساب الإسلام، وهي أولاً وآخراً لا تدري ماذا يُراد بها؟ وأصبحت لا تحمل من الإسلام سوى اسمه.
فهل هناك كفرٌ أكثر بواحاً من هذا؟.
--------------------------------------------------------------------------------
 الدليل العقلي
إن المتأمل في واقع هذه الأنظمة الحاكمة اليوم في أرض الإسلام تتكشف له حقيقة هامّة وهي: أن هذه الأنظمة لم تتسلّم زمام الأمور في بلاد المسلمين اعتباطاً، هذه الأنظمة هي امتداد طبيعي للاستعمار الغربي الكافر، وإذا كان من الواجب الشرعي علينا أن نُقاتل القوى الاستعمارية الغربية الكافرة حتى يكون الدين كلّه لله، فمن البديهي أن نُقاتل هذه الأنظمة التي تُعتبر الجبهة الأمامية لهذه القوى الغربية الاستعمارية الكافرة. ومن المؤسف أن تتخوّف بعض الأوساط الإسلامية من الأساليب ((الثورية)) في التغيير.
وإذا كانت ((الثورة)) - كمصطلح - هي العِلم الذي يُوضع في الممارسة والتطبيق من أجل تغيير المجتمع تغييراً جذرياً شاملاً - كالتغيير الذي أسسه وكرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم - والانتقال بالمجتمع من مرحلة معيّنة إلى أخرى متقدمة على صعيد تحقيق العدالة الإجتماعية؛ إذا كانت ((الثورة)) - كمصطلح - تعني ذلك وهي كما نعلم تعنيه، فليست الثورة إذاً غريبة علينا كمسلمين... ولسنا كمسلمين - أيضاً - غرباء على الثورة. وإذا كانت الثورة تقف مع مجموع الأمة، وإذا كان مجموع الأمة يقف مع الثورة، فإنها لا شك ثورة حق؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أكّد أن الأمة لا تجتمع على ضلالة.
وإذا كانت الثورة تنحاز انحيازاً تاماً لمصالح الأمة، ومطالبها، وللمستضعفين فيها، والجائعين المعذَّبين، فإنها لا شك ثورة حق، لأن الهدف الأساسي من رسالات السماء إلى الأرض كان وما زال: تحقيق العدل والقسط وتحطيم الظلم والظالمين، يقول جلّ القائل: {لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد : 25].
ولم تكن هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فراراً وهروباً، بل كانت فعلاً ايجابياً عن طريق الثورة على المجتمع الظالم والقرية الظالمة، والتحضير لها والتحريض عليها. والذين لا يهجرون المجتمع الظالم لتغييره، والذين يأتلفون مع الظلمة هم ظالمون لأنفسهم... وهو أشد أنواع الظلم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتُهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}.
ذلك أن كونهم مستضعفين في الأرض لا يُعفيهم من مسؤولية التغيير للظلم، لأن منطقهم الاستسلامي هذا يُعاكس إرادة الله سبحانه، تلك الإرادة التي صاغها القرآن الكريم في آية واحدة: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهمُ الوارثين} [القصص : 5]. فإرادة الله أن تكون القيادة والإمامة للمستضعفين في الأرض من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تكون لهم وراثة ما في حوزة أوطانهم من ثروات وعلوم وإمكانيات. وأن الدعوة إلى الله وتوحيده ليست ولم تكن في أي يوم من أيامها منفصلة عن قضايا الأمة وأوضاعها وهمومها وتطلعاتها إلى العدل والكرامة والحرية والارتفاع... لقد كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يدعون أممهم إلى العقيدة (التوحيد) لكن ينبغي التأكيد هنا أنهم كانوا يربطون هذه الدعوة بالمسائل والقضايا التي تهم أممهم.
فدعوة شعيب عليه السلام ارتبطت بمشكلة اقتصادية:
 {وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخيرٍ} [هود : 84].
ودعوة موسى عليه السلام ارتبطت بمشكلة سياسية:
{ فأتِيا فرعون فقولا إنّا رسول رب العالمين * أنْ أرسِلْ معنا بنِي إسرائيل} [الشعراء : 16،177].
ودعوة لوط عليه السلام ارتبطت بمشكلة اجتماعية:
 {كذّبت قوم لوطٍ المرسلينَ * إذْ قال لهم أخُوهُم لوطٌ ألا تتَّقون * إنِّي لكم رسولٌ أمينٌ * فَاتَّقواْ اللهَ وأطيعُونِ * ومَا أسألُكُمْ عليه مِنْ أجرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاَّ على ربِّ العالمينَ * أتأتونَ الذُّكْرانَ من العالمينَ * وتَذَرونَ ما خلَق لكم ربُّكُم مِنْ أزواج-كم بل أنتم ق-ومٌ عادونَ * قالواْ لئن لم تَنْتَهِ يا لوطُ لتكوننَّ منَ المخْرَجِينَ} [الشعراء : 160،167].
نلاحظ أن دعوة شعيب كانت موجّهة ضد جشع التجار وضد أشكال الدناءة التجارية التي كانت شائعة فيهم ومازالت شائعة في كثير من المجتمعات العصرية التجارية... نقص في المكيال والميزان. {ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون}. كان هذا أمراً شائعاً في مدين - قوم شعيب - رغم أنهم - أي هذه الطبقة من التجار - كانوا دوماً في ازدهار {إني أراكم بخير} يعني بثروة وسعة في الرزق تُغنيكم عن الدناءة وبخس حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، فدعوة شعيب - إذن - لم تكن دعوة مجردة إنما جاءت باسم الله لتُحارب واقعاً اقتصادياً يقوم على الاستغلال والدناءة والابتزاز.
ودعوة موسى كانت موجّهة ضد الطاغوت والتسلّط والعجرفة التاريخية التي كان يمثلها فرعون... وما أكثر فراعنة عصرنا هذا!! كان فرعون يستبيح كلّ الناس وكلّ الأرواح وكلّ النساء وكلّ الأطفال حتى قال يوماً: {أنا ربكمُ الأعلى} ويأتي إليه موسى - رسولاً من الله - ويقول له: أرسِل معنا بني اسرائيل لأن بني اسرائيل، كانوا ضحايا طغيان وجبروت فرعون... طلب منه موسى - باسم الله - أن يرفع يده عن بني اسرائيل ويخلي سبيلهم بأمرٍ من الله. الموقف فيه مُواجهة للطاغية وكل أشكال الطغيان السياسي.
ودعوة لوط كانت مرتبطة بواقع اجتماعي مُنحل سقط سقوطاً ذريعاً، جاء لوط باسم الله ليهاجمه ويُعلن المفاصلَة معه.
وهكذا يقف أنبياء الله ورسله صفّاً مُعارضاً للجشع التجاري والطُغيان السياسي والتحلُّل الاجتماعي، وهي كما نلاحظ أخطر قضايا عصرنا هذا... وبالأخص في العالم الإسلامي ( إن الله أرسل رُسُلَه وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسْفَرَ صُبحه بأيِّ طريق كان؛ فثَمَّ شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طُرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبّه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها، ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شِرْعَة وسبيل للدلالة عليها، وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟ ) [16] اهـ.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين
 د. عبدالله النفيسي
Iلهوامش:
[1] رواه الحاكم والطبراني وهو حديث صحيح.
[2] رواه الطبراني في الكبير وهو حديث صحيح.
[33] رواه ابن ماجة وسنده صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وأحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الصغير، والخطيب في تاريخ بغداد.
[4] رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الزهد الكبير وهو حديث صحيح.
[5] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/225.
[6] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 28/502،503.
[7] رواه مسلم.
[8] نقلاً عن الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم 1/206-207 .
[9] رواه مسلم.
[10] رواه مسلم.
[11] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 28/503 .
[12] المصدر السابق 28/502-503 .
[13] رواه البخاري ومسلم وغيرهما من رواية ابن عباس رضي الله عنه.
[14] قلت (أي الناشر): الحديث صحيح أخرجه مسلم 6/24، والدارمي 2/324، وأحمد 6/24-288. من حديث عوف بن مالك.
 (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويُصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا نُنابذهم بالسيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من وُلاتكم شيئاً تكرهونه، فأكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة).
[155] عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها "جنكز خان" عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملّة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه... كما يصنع الحكام المرتدين في عصرنا هذا.
[16] اعلام الموقعين، ابن القيم الجوزية 4/3733 .
_______
مسالة خارج النص في تخريج حديث حذيفة
قال الدارقطني في الإلزامات والتتبع (ص 1811) - فيما انتقده على مسلم- و: وأخرج مسلم حديث معاوية بن سلام عن زيد (ابن سلام) عن أبي سلام قال : قال حذيفة : فذكر الحديث ثم قال (وهذا عندي مرسل، أبوسلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا بالعراق لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان بليال وقد قال فيه حذيفة فيدل على إرساله).
 وقال النووي في شرح مسلم: (هو كما قال الدارقطني)، وقال المزي في ترجمة أبي سلام ( روى عن حذيفة ويقال مرسل)، وقال ابن حجر: أرسل (أبو سلام) عن حذيفة وأبي ذر وغيرهما، وأيد ذلك العلائي في جامع التحصيل في الرواة (المحكوم على روايتهم بالإرسال)!
وقال الشيخ مقبل الوادعي في تحقيقه للإلزامات والتتبع (ص1822) : (وفي حديث حذيفة هذا زيادة ليست في حديث حذيفة المتفق عليه وهي قوله (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)! فهذه الزيادة ضعيفة لأنها من هذه الطريق المنقطعة)
----------
وأوضح الشيخ يوسف القرضاوي - في تعقيبه - " أن استدلالهم بقول الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " في غير محله ".
 وأكد " أن طاعة ولي الأمر تجب إذا ما تحقق بطاعة الله ورسوله وقام بتنفيذ شرعه وما تم الإتفاق عليه بينه وبين شعبه ".
وشدد القرضاوي على أن " الخروج الذي يُنكر هو الخروج بالسلاح لقتاله ، وهذا لم يحدث بل هو الذي يقاتل ويسيل الدماء ، لقد نسي هؤلاء العلماء الكثير من الحقائق والمسلمات في دفاعهم عن حكام مستبدين بالسلطة منذ 33 او 40 عاماً ، كما نسوا أن الدستور والقوانين تبيح الخروج في مظاهرات سلمية ، ولا يجوز للحاكم ولا لغيره أن يعتدي عليها ".
وأضاف " كان على العلماء أن ينصحوا الحاكم بالإستجابة لمطالب شعبه في إختيار حاكمهم بإرادتهم ليقوم بمسؤوليته ، لا أن يفرض نفسه عليهم ويراوغ للإستمرار في حكمهم وإذلالهم وقتلهم بالحديد والنار ".