السبت، 28 أبريل 2018

إحياء ليلة النصف من شعبان هل لها اصل ام عبادة مخترعة ؟

إحياء ليلة النصف من شعبان هل لها اصل ام عبادة مخترعة ؟
عندما نقرأ ما ذكره الفاكهي أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي (المتوفى: 272هـ) في أخبار مكة ج3/ص84
باب عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها فيقول :
وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد فصلوا وطافوا وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام حتى يختموا القرآن كله ويصلوا ومن صلى منهم تلك الليلة مائة ركعة يقرأ في كل ركعة ب الحمد و قل هو الله أحد عشر مرات وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة فشربوه واغتسلوا به وخبؤوه عندهم للمرضى يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة )
وما ذكره علماء آخرون كابن تيمية في قوله في اقتضاء الصراط صفحة 302
( ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب وقال لا فرق بينها وبين غيرها
لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها وما يصدق ذلك من الآثار السلفية وقد روى بعض فضائلها في المسانيد والسنن وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر)
لذلك استحب بعض الفقهاء قيام هذه الليلة لتعرض المؤمن إلى رحمة الله ومغفرته.
قال القسطلاني في كتابه المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (3/ 300)
وقد كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال: إنه بلغهم فى ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء، وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: إنه يستحب إحياؤها جماعة فى المساجد، وكان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهواه على ذلك، وقال فى قيامها فى المساجد جماعة ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله.
الثانى: أنه يكره الاجتماع لها فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
وقال الامام الشافعي في كتابه الأم ج1/ص231
( وبلغنا أنه كان يقال إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة وليلة الأضحى وليلة الفطر وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان
وقال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العيد فيدعون ويذكرون الله حتى تمضي ساعة من الليل وبلغنا أن بن عمر كان يحيى ليلة جمع وليلة جمع هي ليلة العيد لأن صبيحتها النحر قال الشافعي وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا )
وحاول البعض ان يدعي انها الليلة المباركة التي تقدر فيها المقادير كل سنة ولم يصح ذلك لان تلك الليلة هي ليلة القدر من شهر رمضان كما نطق القرآن الكريم بذلك
أقول : مثل هذه النقول عن علماء أفاضل قد يجعل المسلم يتسرع فيظن ان لهذه الليلة أصلا شرعيا في قيامها او صيام نهارها وكنت اظن ذلك لولا انني عثرت على أقوال اخرى للمدققين والمحققين من اهل العلم الثقات يحذرون منها وانها امر اخترعه الزنادقة وموهوه على المسلمين فاجتمعوا معهم ليعبدوا آلهتهم في تلك الليلة والمسلمون يظنون انهم مجتمعون لعبادة الله الواحد الاحد .
وسانقل اليكم طائفة من هذه الاقوال موثقة من مصادرها فلا يغتر احد بها .
قال القرطبي في تفسير القرطبي ج16/ص127
في معنى قوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم)
(قال القاضي أبو بكر بن العربي وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر ومنهم من قال إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فنص على أن ميقات نزوله رمضان ثم عين من زمانه الليل ها هنا بقوله في ليلة مباركة فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها )
ومعلوم عندنا في العراق ان هذه الية يسمونها المحيا لان الناس يحيونها ويوقدون فيها الشموع والآس
وقد قال النووي في المجموع ج2/ص203
(من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة منها مضاهاة المجوس في الإعتناء بالنار والإكثار منها ومنها إضاعة المال في غير وجهه ومنها ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من إجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وإمتهانهم المساجد وإنتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من إفرادها)
وقال ايضا في المجموع ج4/ص61
(الصلاة المعروفة بصلاة لرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم لدين ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه لله)
وقال الملا علي القاري من علماء الحنفية المتأخرين في مرقاة المفاتيح ج3/ص350
قال علي بن إبراهيم ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد لم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ولا تغتر بذكر صاحب القوت والأحياء وغيرهما وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم حتى التزم بسببها كثرة الوقيد وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف وهو يوافيها إلى البراري وأول حدوث هذه الصلاة ببيت المقدس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة قال قد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة لرغائب ونحوهما شبكة لجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم وتحصيل الحطام ثم إنه أقام الله أئمة الهدي في سعي إبطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سني المائة الثامنة قلت يجوز العمل بالخبر الضعيف وإنما أنكر ولما يقارنه من المنكرات قال تعالى 16 أرأيت الذي ينهي عبدا إذا صلى
والعجب من ابن الصلاح أنه نازع ابن عبد السلام ومال إلى ندب تلك الصلاة المروية بعد موافقته له أو لأنها موضوعة لا يحل لأحد روايتها ولا ذكرها إلا مع بيان حالها قيل وأول حدوث الوقيد من البرامكة وكانوا عبدة النار فلما أسلموا أدخلوا في الإسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ومقصودهم عبادة النيران حيث ركعوا وسجدوا مع المسلمين إلى تلك النيران ولم يأت في الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة في موضع .
وقال الامام ابو شامة شيخ النووي في الباعث على إنكار البدع ج1/ص35
لم يكن عندنا بيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلي في رجب وشعبان وأول ما حدثت عندنا في سنة 448 هـ ثمان وأربعين وأربعمائة قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء وكان حسن التلاوة فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فاحرم خلفه رجل ثم انضاف اليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استقرت كأنها سنة الى يومنا هذا
... قال أبو بكر وروى ابن وضاح عن زيد بن اسلم قال ما ادركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون الى ليلة النصف من شعبان ولا يلتفتون الى حديث مكحول ولا يرون لها فضلا على سواها قال وقيل لابن ابي مليكة أن زياد النميري يقول أن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال لو سمعته وبيدي عصا لضربته قال وكان زياد قاسيا وأخبرنا الحافظ أبو الخطاب بن دحيه قال في كتاب أداء ما وجب وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان احاديث موضوعه وواحد مقطوع وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعه فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله .
وقال في كتاب ما جاء في شهر شعبان من تأليفه أيضا قال أهل التعديل والتجريح ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا موضوعا يسوقه في معرض الخير فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعيه وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله به من سلطان ثم قال ومما أحدثه المبتدعون وخرجوا به عما رسمه المتشرعون وجروا فيه على سنن المجوس واتخذوا دينهم لهوا ولعبا الوقيد ليلة النصف من شعبان ولم يصح فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد وصدق من الرواة وما احدثه المتلاعب بالشريعة المحمدية راغب في دين المجوسية لأن النار معبودهم وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه في سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو اخسر الأديان حتى إذا صلى المسلون وركعوا وسجدوا وكان ذلك الى النار التي أوقدوا ومضت على ذلك سنون وإعصار تبعت بعد ذلك فيء سائر الأمصار هذا مع ما يجتمع في تلك الليله من الرجال والنساء واختلاطهم فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم وإنما شرف شعبان لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه فقد صح الحديث في صيامه صلى الله عليه وسلم شعبان كله أو أكثره والله أعلم )
وقال العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج11/ص82
(وكان بين الشيخ تقي الدين بن الصلاح والشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه الصلاة مقاولات فابن الصلاح يزعم أن لها أصلا من السنة وابن عبد السلام ينكره - يقصد احياء ليلة النصف من شعبان -
وأما الوقود في تلك الليلة فزعم ابن دحية أن أول ما كان ذلك زمن يحيى بن خالد بن برمك أنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام قال ولما اجتمعت بالملك الكامل وذكرت له ذلك قطع دابر هذه البدعة المجوسية من سائر أعمال البلاد المصرية