الخميس، 28 أكتوبر 2021

هل يجوزكشف المرأة لقدميها في الصلاة ؟!

 

دار الإفتاء المصرية 



 
تغطية قَدَم المرأة في الصلاة
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب على المرأة تغطية كامل جسدها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ". ولحديث أم سلمة رضي الله عنها أنَّ امرأة سألتها عن الثياب التي تصلى فيها المرأة، فقالت: «تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا». أي: الذي يغطي ويستر ظاهر القدمين.
وذهب الحنفية وسفيان الثوري إلى جواز كشف المرأة قدميها ؛ لأن الشرع استثنى من زينة المرأة: الوجه والكفين والقدمين، قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].
والراجح وهو المفتى به جواز كشف المرأة لقدميها في الصلاة؛ تيسيرًا عليها ولرفع الحرج عنها، فإذا صلَّت وقدمها مكشوفة فصلاتها صحيحة. ولا يُنْكَر المختلَفُ فيه .
والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل مخالطة الناس أفضل أم اعتزالهم ؟

 سؤال يكثر السؤال عنه ، باﻷخص في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وتغيرت أخلاق الناس وطباعهم ..


(( هل مخالطة الناس أفضل أم اعتزالهم )) ؟
أبدأ بحديث رواه الحاكم (5466) في المستدرك :
عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسَ السُّوءَ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ )
قال الذهبي في تلخيصه : (( لم يصح )) ..
وقال الحافظ في الفتح : (11/ 331):
(( الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ).
فالصحيح في هذا الحديث أنه من قول أبي ذر ضي الله عنه ، أما مرفوعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم : فلا يصح .
ورواه ابن أبي شيبة (7/ 142) :
عَنْ أَبِي كَبْشَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، به موقوفا على أبي موسى ، من قوله .
ولا يصح هذا الوجه ، فأبو كبشة هذا مجهول ، انظر : "الميزان" (4/564) .
وليس في هذا الأثر تفضيل الوحدة على الاختلاط بالناس في جميع الأحوال ، بل فيه : أن الوحدة والانفراد خير من مجالسة أهل السوء ، وأن مجالسة أهل الصلاح خير من الوحدة ..
وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ [يعطيك] وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ، ومسلم (2628) .
قال النووي رحمه الله :
(( فِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ )) ..
شرح النووي على مسلم " (16/ 178) .
أما ما رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجة (4032) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) ..
فهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومخالطتهم لأجل ذلك ، وإسداء النصح لهم ، لا لمجرد المجالسة والمؤانسة .
فمن خالط الناس ، ودعاهم إلى الله ، ووعظهم ، ونصحهم ، وذكرهم ، وصبر على أذاهم في سبيل ذلك ؛ فهو خير ممن لا يخالطهم ولا يدعوهم ، ولا يصبر على أذى يلقاه منهم في سبيل ذلك .
قال الصنعاني ( رحمه الله ) في ( سبل السلام ) :
(( فِيهِ أَفْضَلِيَّةُ مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ مُخَالَطَةً يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيُحْسِنُ مُعَامَلَتَهُمْ ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَعْتَزِلُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ .
وَالْأَحْوَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ )) ..
إن مخالطة أهل الخير فيها الخير والفلاح والسداد والسعادة، كما أن الصبر على رعونات بعض الناس وتخرصاتهم فيه الأجر والثواب ..
ومن نماذج ذلك الصبر ما رواه الشيخان من أن النبي ( صلى الله عليه )وسلم قسم قسمة كبعض ما كان يقسم ، فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل.
وبلغت تلك القالة الظالمة مسامع الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) فشق ذلك عليه وتغير وجهه وغضب، ثم قال: (( قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر )) . فذهب الغضب وهدأت النفس الكريمة السمحة الصفوح للرسول الكريم ( صلوات ربي وسلامه عليه ) ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أسوة حسنة في الصبر على أذى الناس ..
فإذا قدر أن الإنسان بين خيارين : إما الانفراد ، وإما مجالسة أهل السوء ؛ فلا شك أن الانفراد أفضل ، وهو ما يدل عليه الحديث الأول .
قال ابن عبد البر رحمه الله : (( وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ " .
انتهى من "التمهيد" (6/127) .
وأما إذا دار الأمر بين مخالطة الناس ونفعهم والاستفادة منهم مع احتمال أذاهم ، وبين عدم مخالطتهم ، ولا نفعهم ، ولا الاستفادة منهم ، ولا الصبر على أذاهم ؛ فمخالطتهم على هذا الوجه أفضل ، ولا شك .
ثانيا :
أما نفس المفاضلة بين العزلة والخلطة ، من حيث الأصل ، فلا يطلق فيه قول عام لكل أحد ؛ بل ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، والأزمان ، والبلاد .
فإذا كان الشخص عالما يخالط الناس ، ويعلمهم وينصحهم ويصبر على أذاهم ، فالمخالطة في حقه أفضل ممن ليس كذلك .
وإذا كان الشخص لا علم عنده ، ولا يصبر على أذى الناس له ، فالعزلة أفضل له .
وقد يكون في بعض البلاد أو الأزمان : الخلطة أفضل ، إذا كان الغالب على الناس الخير وحسن الخلق .
وقد يكون في بلاد أخرى ينتشر الفساد بين الناس ، وسوء الخلق ، فتكون العزلة أفضل لمن لا يقدر على إنكار المنكر وتغييره ... وهكذا ..
جعلكم الله من أهل الصلاح والفلاح ..