السبت، 12 مايو 2018

كم عدد ركعات التراويح التي صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو صلاها أصحابه؟

السؤال:
كم عدد ركعات التراويح التي صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو صلاها أصحابه؟ هل هي ثمانية فقط، أو عشرون أو أكثر؟ وهل صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين أو صليت بهذا العدد في عهد سيدنا عمر -رضي الله عنه-؟
الجواب:

إن صلاة التراويح من المسائل الفرعية في الدين وليست من المسائل الاعتقادية، ومما يؤسف أن هناك جماعة كلما عاد رمضان أثاروا زوبعة الخلاف والشقاق بين المسلمين في المساجد وخارجها يظنون أن الزيادة على ثمان ركعات بدعة، وأن من يفعل هذه الزيادة مبتدع ويستحق دخول النار عليها؛ لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وإليك الإجابة على ذلك مفصلة:
1- إن صلاة التراويح سنة مؤكدة لو تركها المسلم ولم يصلها لا يأثم، وإنما يحصل الإثم إذا اتخذنا من عدد ركعاتها موضع خلاف وتنازع بين المسلمين وإحداث البلبلة في المساجد وغيرها.
2- أجمع الفقهاء والمحدثون على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاّها جماعة مع الصحابة ثلاثة أيام أو أربعة ولم يخرج إليها في اليوم التالي، وقد بين السبب الموجب لانقطاعه إذ قال -صلى الله عليه وسلم- : {خشيت أن تُفرضّ عليكم} (1). إذ استمراره على العمل دون انقطاع دليل على الفرضية.
3- صلاتها جماعة أفضل من صلاتها منفرداً، وهو مذهب جمهور الفقهاء وهو الراجح؛ وذلك لأن سيدنا عمر -رضي الله عنه- جمع المسلمين على أُبَيّ بن كعب فقام بهم في رمضان؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاها جماعة قبل أن ينقطع عنها.
وفي رواية لمالك -وهو قول أبي يوسف وبعض الشافعية- أن صلاتها في البيت أفضل كسائر النوافل.
4- لم يَردْ دليل قاطع يدل على عدد ركعاتها التي فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ قد اختلفت الروايات في عددها.
لذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله- : "وإنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُوقِّت فيها عدداً" انتهى. وما هي إلا قيام رمضان كلما أكثر المسلم منها كثر ثوابه وحقق إحياء ليلة من ليالي شهر رمضان.
5- ادعى البعض أن عددها ثمان ركعات والزيادة على الثمانية بدعة، أي يدخل النار من يزيد على الثمانية؛ لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. مستدلين بالأثر الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- : كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" (2).
وذهب جمهور العلماء إلى أنها عشرون ركعة، وهم الشافعية، والحنفية، والرواية الراجحة عن أحمد، وقول الثوري وداود وغيرهم.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
1- ما رواه البيهقي وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: "وكانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر رمضان بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمئتين – أي قراءة مئتي آية فيها" (3) وقد صححه الحافظ العراقي والسبكي.
2- بما نقل الحافظ في فتح الباري رواية عبد الرزاق عن محمد بن يوسف، أنها إحدى وعشرون ركعة، وإسناده صحيح، وقد أعلّه البعض بعبد الرزاق صاحب المصنف، إلا أن الحافظ ابن حجر قال في هدي الساري عنه "أحد الأئمة الأثبات، وَثَّقَهُ الأئمة، ولم يتكلم فيه أحد إلا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده".
3- بما رواه ابن أبي شيبة أن ابن أبي مليكة كان يصلي في رمضان عشرين ركعة وإسناده صحيح (4).
4- بما رواه ابن أبي شيبة عن البحتري أنه كان يصلي خمس ترويحات في رمضان بعشرين ركعة، ويوتِر بثلاث، وبمثله روى عن علي بن ربيعة وإسناده صحيح (5).
وهناك روايات أخرى تدل على أن السلف الصالح كانوا يصلونها عشرين ركعة وهي وإن كان في سندها ضعف فإنها تقوى وترقى مع هذه الروايات الصحيحة إلى درجة الحسن لغيره.
ويجاب عما استدل به القائلون بأنها ثمان فقط بما يأتي:
إن السؤال الموجه إلى السيدة عائشة يُقصد منه الاستفسار عن القيام الاستمراري الذي تقيمه كل ليلة هل زاد عليه في رمضان لأن الحسنات تضاعف فيه؟ فأجابت بنفي الزيادة، ولا تعني به صلاة التراويح.
وعلى فرض أن المراد به التراويح، فإن الأثر المروي عن عائشة -رضي الله عنها- ما هو إلا مجرد اجتهاد منها لما يأتي:
1- أنه مُعارَض بما ذكرنا من الروايات الصحيحة بأن السلف من الصحـابة والتابعين كانوا يصلونها أكثر من ثمان ركعات، فلو كانت الثمانية هي الثـابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقط لما زادوا عليها لأنها مخالفة لسنته -صلى الله عليه وسلم-.
كما أن هناك روايات عن بعض السلف لا يسع المقام لذكرها أنهم صلوها بأكثر من عشرين ركعة، فقد صلاها بعضهم 46 وبعض 41 وبعض 39 وبعضهم 36 وآخر 34 وبعض 24 ركعة. وروايات أخرى عن بعضهم بأنه صلاها 16 ركعة وبعض 13 ركعة وهي بمجموعها تعارض الأثر الذي ينفي الزيادة على إحدى عشرة ركعة.
2- أن نفي الزيادة على إحدى عشرة ركعة من قبل عائشة -رضي الله عنها- فيه نظر، فإنها إن استطاعت أن تنفي الزيادة في الليلة التي هي حقها في القَسْمِ فإنه لا يمكنها أن تنفي الزيادة في ليالي نسائه الثمان الأخريات؛ إذ قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- زاد على ذلك في ليلة هي ليست ليلتها بل لزوجة أخرى غيرها.
3- أن النفي بهذه الصورة يتنافى مع ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وشدّ مئزره وأيقظ أهله.
فلولا أنه كان يصلي أكثر لما استلزم أن يشد مئزره في العشر الأواخر في حين أنه لم يشده في غيرها.
وكذا إحياء الليل يستلزم الإكثار من الصلاة والزيادة عن سائر ليالي الأيام الأخرى.
لذا أصبح من الضروري أن نحمل نفيها الزيادة على إحدى عشرة ركعة على النفي في ليلتها هي فقط دون بقية ليالي زوجاته -صلى الله عليه وسلم- (6).
أو أن المراد بالقيام القيام الاستمراري كما ذكرنا وهو تهجده -صلى الله عليه وسلم- في آخر الليل لم يختلف في رمضان عما هو خارج رمضان من حيث العدد (7).
(1) رواه البخاري برقم 924، ومسلم برقم 761، وغيرهما.
(2) رواه البخاري برقم 1147، ومسلم برقم 738 وغيرهما.
(3) رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم 4393.
(4) رواه ابن أبي شيبة برقم 7683.
(5) رواه ابن أبي شيبة برقم 7686.
(6) فتح الباري 4/253، المغني 2/167، عمدة القارئ 7/204، الزرقاني علي الموطأ 1/239، مصنّف ابن أبي شيبة 2/392، منهاج السنة 4/225، المجموع 4/32، الفتاوى لابن تيمية 23/112.
(7) ثم إن الذين ينكرون الزيادة على الثمان ركعات هم أنفسهم يزيدون في العشر الأواخر عشر ركعات قياماً للعشر الأواخر وإذا كان النبي (صلى ألله عليه وسلم) لا يزيد في رمضان فلماذا هم يزيدون.