السبت، 23 مارس 2024

حكم إخراج زكاة الفطر نقدا أو مالاََ؟!

 #في_زكاة_الفطر (١)


• سأشرح هذا الموضوع واحدة واحدة حتى يتسنى (يتيسر) لنا فهمه..
بادئ ذي بدء، فيزعم كثير من الناس أن صدقة الفطر، سُميت فطرًا لأنها تخرج طعاما، وبالتالي لا يجوز إخراجها قيمةً بناء على هذا، وهذا للآسف خطأ، فزكاة الفطر سميت بهذا لأنها تَـجِـبُ بفطر المسلمين، أو بصيغةٍ أخرى تَـجِـبُ بسبب فطر المسلمين وانتهاء صيامهم.
• ولعل هذا مما يخفى على كثيرٍ من الناس فزكاة الفطر تجب بدخول يوم العيد (أي ليلة العيد أو فجر العيد على اختلاف بين العلماء) ولا تجب بدخول رمضان، فمثلا من عاش حتى أتى رمضان ومات في خلاله فلا يجب علينا إخراج زكاة الفطر عنه، ولو وُلد مولودٌ بعد غروب شمس آخر يوم فى رمضان ودخول ليلة العيد فيجب علينا إخراج الزكاة عنه، لأنه حضر وقت فطرنا وانتهاء صيامنا، لأنه حضر سبب الوجوب لتلك الزكاة، أرجو أن تكون هذه النقطة قد وضحت.
ثانيا: مسألة إخراج النقود فى زكاة الفطر ليست خاصة بزكاة الفطر في الحقيقة وكذلك ليست خاصة بالنقود أيضا..
بل العلماء يبحثون هذا بصفة عامة في كل باب الزكاة، تحت عنوان "إخراج القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة" والعنوان يعني ما حكم إخراج القيمة بدلا من الشيء الذي نصَّ عليه الرسول فى زكاةٍ ما، فلو قلنا مثلا أن زكاة النقدين (الذهب والفضة) يجب فيهما إخراج قدر معين من الذهب والفضة، فهل يجوز إخراج شيءٌ بدلا منهما يساوي قيمة القدر المنصوص عليه.
ولو قلنا مثلا أن زكاة الأنعام على اختلاف أنواعها يجب إخراج فى شيء منها مثلا شاة، فهل يجوز إخراج شيء من الأموال يساوي قيمة هذه الشاة ((وسأشرح لاحقا معنى كلمة مال)
إذن الحديث هو بوجه عام عن جواز إخراج ما يساوي (قيمة) ما حدده النص في الإخراج، سواءً كان هذا في زكاة الفطر، أو الزروع والثمار، أو الأنعام أو زكاة النقد (الفلوس) ... إلخ.
- وحينما نقول كلمة "مال" فهي لا تعني الفلوس بالمعنى الدارج، بل المال يعني كلُّ ما له قيمة، أو كل ما هو مُـتَـقَـوِّم بثمن محدد، فالأثاث مال والسيارة مال والدابة مال والأجهزة الكهربائية مال، والعمارة والبيت مال والأرض الزراعية مال، وكذلك (الفلوس) مال، وتسمى في الشرع "النقد"، فالنقد (الفلوس يعني) جزء من المال.
لذلك حينما تسمع كلمة مال في الزكاة أو الشرع بصفة عامة، فلا ينصرف ذهنك للفلوس.
ولذلك حينما يقول الفقهاء جواز إخراج الزكاة مالا أو عدم جواز ذلك، فهم يعنون ويقصدون جواز إخراج قيمتها من أي شيء له قيمة وليس فقط من النقد (الفلوس).
الموضوع ليس بجديد، بل هو خلافٌ قائم منذ القرن الأول الهجري من بين سلف الأمة أنفسهم، لكن أين المشكلة؟
المشكلة أن هؤلاء الشباب وغيرهم يزعمون أن موضوع جواز إخراج القيمة ليس عليه دليل! وهذا خطأ علمي فاحش.
بداية نقول أن الجميع اتفق على أن الأصل هو إخراج المنصوص عليه في الأحاديث ومنها حديث رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (أخرجه البخاري ومسلم.
- لكن الخلاف وقع في جواز إخراج القيمة بدلا من الطعام المنصوص عليه في الأحاديث..
- وسبب الاختلاف كما قال الإمام ابن رشد المالكي: "هل الزكاة عبادة، أو حق واجب للمساكين؟ فمن قال: إنها عبادة، قال: إن أخرج من غير تلك الأعيان لم يجز، لأنه إذا أتى بالعبادة على غير الجهة المأمور بها، فهي فاسدة. ومن قال: هي حق للمساكين، فلا فرق بين القيمة والعين عنده."
معنى كلام ابن رشد هل الزكاة عبادة محضة غير معقولة المعنى بالنسبة لنا مثل كون صلاة الظهر أربعا والمغرب ثلاثا... إلخ، أم هي عبادة معقولة المعنى ومعللة التشريع بالنسبة لنا والمقصود فيها مصلحة الفقير وحاجته، فالذين قالوا بأنها عبادة محضة قالوا يجب التوقف عند المنصوص عليه من الشعير والتمر... إلخ، والذين قالوا بأنها معللة قالوا يلزم النظر لمصلحة الفقير أين هي.
- وأدلة الرأي الأول معروفة وهي كثيرة وأقواها التشبث بما ورد في الأحاديث وأن هذا هو الوارد عن النبي فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره إلا بنص.
- على أنني أود في هذا المنشور التركيز على الرأي الثاني نظرًا لما يقوله البعض أنه ليس له دليل ولا نصوص.
- أقول: أولا: أن هذا الرأي مذهب السادة الأحناف وهو مذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، قال الإمام ابن حجر في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري: (قال ابن رشيد: "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل").
- وكذلك مذهب أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة التابعين- وقد قال: "أدركتهم (أي أدرك الصحابة أو بعضهم) وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.
وعن وَكِيع عن قُرَّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: "نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.
فهذا واضح فيه أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يأخذون بالقيمة، وأن هذا القول ليس بمنكر ولا جديد.
ثانيا: الأخذ بمبدأ القيمة مفهوم من نصوص شرعية، مثلًا:
1- رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً مُسِنَّةً، فَغَضِبَ وَقَالَ: " مَا هَذِهِ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ، فَسَكَتَ" أخرجه أحمد.
وفي رواية البيهقي "أَنَّهُ رَأَى فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَ الْمُصَدِّقُ: إِنِّي أَخَذْتُهَا بِإِبِلٍ فَسَكَتَ".
واضح في هذا الحديث أن الصحابي كان حقه في جمع الزكاة بعيرين بقيمة أقل فاستبدلهما بناقة من أغلى الأنواع ولا شك أن هذا باعتبار قيمة كل منهما، فقد أخذ واحدا في مقابل اثنين من نفس النوع، والذي اختلف هو قيمة كلٍّ من.
2- أن النبي حينما بعث سيدنا معاذا على اليمن لأخذ زكاتهم وغيرها قال لهم معاذ رضي الله عنه "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ (نوع من الثياب) أَوْ لَبِيسٍ (يعني شيء ملبوس هُدوم يعني) فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ" وهذا حديث من ضمن أحاديث استدل بها البخاري على القيمة، بل وجعل عنوان الباب فيه " الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ" أي المبادلة في الزكاة.
3- وواضح في الحديث أن سيدنا معاذا كان يجب عليه أخذ الزكاة شعيرا وذرة لكنه استبدلهما بأخذ ملابس لصحابة النبي صلى اللهُ عليه وسلم بما يعادل قيمة الزكاة الأصلية لأن هذا أنفع لهم إذ كانت اليمن مشهورة بالملابس والمدينة بها قلة في هذا.
يتضح من هذه النقطة أن القيمة موجودة في النصوص الشرعية بصورة أو أخرى وهناك أدلة أخرى عليها في زكاة الأنعام يضيق الوقت عن ذكرها.
4- النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت النصوص عنه كما في سنن النسائي ومسند أحمد وغيرهما من حيث ابن عمر؛ اِعتبر في التمر والشعير إخراج صاعٍ وفي البُرِّ نصف صاع، وذلك لكونه أعلى ثمنًا لقلته بالمدينة في عصره، فدل على أنه اعتبر القيمة، ولم يعتبر الأعيان، لأنه لو اعتبر عين الشيء نفسه لساوى بينهم في المقدار (الوزن(. (وإن كان الحديث في هذا فيه ضعف).
لكن الأقوى منه ما جاء في البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه:
(فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) والناس المقصود بهم الصحابة أو بعضهم أو بعضهم والتابعون لاشك، فابن عمر مَن عاصرهم الصحابةُ والتابعون.
ثالثا: استدلوا أيضا بقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" فهو تنصيص على أن المأخوذ مال، والقيمة مال فأشبهت المنصوص عليه.
رابعا: استدلوا على أن المقصود في زكاة الفطر خصيصا هو "أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم" وفي رواية "أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم" أخرجه البيهقي والدار قطني وغيرهما، وهذا الإغناء يحصل بالحبوب وغيرها مما يساويها من القيمة، وربما كانت القيمة أنفع للفقير وأكثر منعا له من السؤال والذل في هذا اليوم.
وهذا الرأي السابق أجاز إخراج القيمة بإطلاق بحاجة ودون حاجة.
وهناك رأي ثالث وهو رأي إسحاق ابن راهويه وأبي ثور ورواية عن أحمد وهو اختيار ابن تيمية: أن القيمة إذا كانت للحاجة والضرورة ومصلحة الفقير، ولم يكن الاستبدال بين عين الزكاة وقيمتها بغرض الضرر بالفقير والمستحقين، فلا بأس بها.
وهذا الرأي متوسط بين الرأيين وهو تحقيق جيد وتفصيل جميل وقد يكون هو الراجح.
من هنا نعلم أن القيمة لها أدلة وقول معتبر عند السلف أنفسهم وليست من تساهل شيوخ اليوم كما يزعم البعض.. واللهُ أعلم.
نقاط على السريع في موضوع "زكاة الفطر":
١- أَعلمُ ابتداءً أنَّ الوهابية لا يتبعون "كتاب وسنة بفهم سلف الأمة" بل يتبعون مشايخهم وما يحددونه لهم من أقوال.
٢- ما كنتُ أتوقع يومًا هذا الهجوم الضاري على سلف الأمة وعلمائها القائلين بجواز إخراج القيمة في الزكاة، وفيهم صحابة وتابعون وأئمة حديث مثل البخاري وفيهم خلفاء عادلون مثل عمر بن عبد العزيز!
ما كنتُ أتوقع -مع علمي أنَّ الوهابية لا يتبعون السلف حقيقةً- أنْ يتم اتهام سلف الأمة بأنهم يعادون النبي ﷺ ويخالفون السنة هكذا قولا واحدًا!
٣- وإذا كان إبراهيم عيسى مثلا وإسلام بحيري ومَنْ على شاكلتهم يقولون: "إننا ليس لدينا مشكلة مع الدين لكن مشكلتنا مع أئمة الدين الذين شوهوا الدين وغيروه وبدلوه"، فهل ما يقوم به الوهابية الآن مِنْ هجوم ضارٍ على طائفة ليست بالقليلة مِنْ سلف الأمة وعلمائها بحجة أنهم خالفوا السنة وحرفوها وابتدعوا ويعادون قول النبي ﷺ؛ يختلف في شيء عن هذا الطرح العلماني!
٤- ولذلك أيها الفضلاء إنَّ الوهابية قولا واحدًا هي الوجه الثاني للعلمانية؛ بل الوجه الأصيل لها.
٥- وحتى أدلل لك على كمية الجهل منهم بالدين وتضليل الناس في هذا الشأن، وأنهم هم المحرفون للدين والعلم؛ وبغض النظر عن الراجح مِنْ المرجوح في المسألة إليك تلك الحقائق العلمية الدينية الشرعية التي يحرفها الوهابية بجهل أحيانا وعمد أحيانًا أخرى:
أ- زكاة الفطر لا تسمى فطرا لأنها تخرج طعامًا كما يكذب الوهابية؛ بل تسمى ذلكَ لأنها تجب بدخول ليلة الفطر (ليلة العيد) أو فجر العيد (عند البعض)، فهي تجب بفِطْر المسلمين ودخولهم في أيام الفطر بعد صومهم، ولذلك مَنْ مات خلال شهر رمضان من المسلمين لا زكاة فطر عليه، إنما الزكاة على من حضر جزءًا مِنْ رمضان ثم دخل عليه ليلة العيد وغربت عليه شمس آخر يوم من رمضان.
أظن هذه المعلومة صادمة للكثيرين ممن يتم اللعب بعقولهم واستغلال تشابه الألفاظ، فيشرحون الدين بفهم عامي وليس وفق معلومات الدين الشرعية العلمية.
وهذا هو التحريف للدين فعلا.
ب- يقولون للناس إذا أردت دفع النقود للناس فادفعها في زكاة الأموال، لأنَّ هذه زكاة طعام!
وإليك المعلومة الصادمة: الحبوب تسمى في الشرع أيضا مال، فـ "المال في الشرع كل ما له قيمة" فالسيارة مال والحبوب مال والزروع مال، والنقود مال.
إذًا فالمُخرجُ في زكاة الفطر هو أيضا مال، وهو جنس زكوي موجود في زكاة الأموال، لأنَّ زكاة الأموال فيها زكاة "الزروع والثمار".
لكن ما القصة:
القصة أنَّ الزكاة عندنا نوعان:
الأولى: زكاة أموال، وهي التي تجب على الأموال نفسها، يعني مَنْ كان لديه نقودا أو ذهبا أو فضة أو مواشي أو زروعًا وثمارًا وبلغت حدًا ونصابًا معينا، فالواجب إخراج الزكاة حتى ولو كان هذا المال لصبي غير بالغ، فيجب على وليه إخراج الزكاة.
الثانية: زكاة الأبدان (وهي زكاة الفطر) فهي تجب على الرؤوس يعني على الأفراد، يعني نشوف عندنا كم نسمة في البيت كم فرد في البيت ونخرج عنهم زكاة الفطر بغض النظر عن كونهم لديهم "أموال" كثيرة أم لا، فهي تجب على كل المسلمين بعدد رؤوسهم، على الغني والفقير، والذي يخرج فيها أيضا أموال، فالحبوب شرعا واقتصادًا اسمها أموال، والحبوب كذلك تخرج في زكاة المال أيضًا 😀
هذا للعلم، أردت إيضاحه حتى يتبين لكم مَنْ الذي يحرف العلم والشرع.
واعلموا أيها الأفاضل أنَّ الترجيح بين الآراء في الفقه الإسلامي لا تكون بتحريف المعلومات الدينية والشرعية، ومصطلحات الشرع الشريف، الذي لوثوه بتحريفهم.
٦- الأئمة الثلاثة القائلين بعدم جواز إخراج القيمة في الزكاة وهم مالك والشافعي وأحمد، لم يقولوا كما يقول الوهابية وأشياعهم مِنْ الدهماء؛ "أنت مع قول النبي أم مع قول أبي حنيفة" لم يقل أحد منهم هذا اللفظ الشعبوي شديد الجهل بالدين، أنَّ أبا حنيفة ومَنْ سبقوه من السلف كالحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وعمر بن عبد العزيز ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم يخالفون "قول النبي"، فلا يوجد أحد يجرؤ على مخالفة قول النبي صلى اللهُ عليه وآله وسلم.
لأنَّ الحقيقة أن القرآن والسنة تسمى "نصوص شرعية" فقول الرسول هو "نص شرعي" وليس قول فقهي يصح وضعه كرأي فقهي، وأقوال الفقهاء حول هذا النص تسمى "اجتهادات فقهية" أو "أقوال علمية شرعية" تستنبط مِنْ النص الحكم الشرعي.
تاني: النص الشرعي هو الحديث النبوي، واجتهادات الفقهاء حوله اسمها أقوال فقهية، والعلماء لا يضعون أقوالهم لمعاداة النص الشرعي، بل لفهم النص الشرعي بأدوات فقهية.
إذن مَنْ يقول: (تأخذ بقول النبي أو قول أبي حنيفة) جاهل محرف مدلس للدين مُفْتَـرٍ على الدين ورسوله وورثته العلماء.
أنا شرحت في منشور مكتوب وكذلك فيديو مرئي أدلة القائلين بجواز إخراج القيمة، ووضحت بما لا يدع مجالا للشك أنَّ لديهم أدلة قوية، وقوية جدًا، وأنها ليست معاداة للسنة بل شرح وفهم في السنة المطهرة.
اللهم قد بلغتُ اللهم فاشهد.
ويبقى السؤال: هل تنازل السلفيون عن سلفيتهم وأصبحوا كما قرأت بعيني يتهمون السلف في دينهم بل ويصفون قولهم بأنه أقرب للكفر!

حكم التهنئة بيوم الجمعة

 






سألني أكثر من شخص أن البعض يقول إن التهنئة بيوم الجمعة بدعة، وأنه لا يجوز ذلك، فتعجبت من قوله، ووجدت أن هذا الأمر شائع عند بعض من الناس؛ بل وجدت من يقول بذلك من العلماء، لذلك رأيت أن أوضح هذا الأمر في النقاط التالية:

أولا: أيهما أفضل الجمعة أم عرفة؟

ليوم الجمعة في الإسلام ما ليس لغيره من أيام الأسبوع من الفضل والميزة، بل عدّه البعض أفضل من يوم عرفة، قال ابن القيم: "وقد اختلف العلماء هل هو أفضل، أم يوم عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي". [1]

ثانيا: من خصائص يوم الجمعة

وقد ذكر ابن القيم 33 خصيصة ليوم الجمعة منها:

  • كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي "السجدة" و "الإنسان".
  • استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته.
  • خيرة الله من أيام الأسبوع، وفيه صلاة الجمعة التي هي من أكثر فروض الإسلام تأكيدا.
  • الأمر بالاغتسال في يومها، والتطيب فيه، والسواك فيه، وأنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب.
  • التبكير للصلاة، وأن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.
  • قراءة "الجمعة والمنافقين" أو "سبح والغاشية" في صلاة الجمعة، وقراءة الكهف في ليلة الجمعة ويومها.
  • يوم تكفير السيئات، وفيه ساعة الإجابة، ويستحب أن يتفرغ فيه للعبادة.
  • لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان.
  • للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور.
  • يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة، وزيارتهم له، فيكون أقربهم منهم أقربهم من الإمام، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة.
  • يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وهو اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض، والجبال والبحار، والخلائق كلها إلا الإنس والجن؛ مخافة قيام الساعة.
  • يوم عيد متكرر في الأسبوع، لذا يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم. [2]

ثالثا: مظاهر العيد في يوم الجمعة

ويتضح لنا الشبه بين العيد الأسبوعي والعيد السنوي (الفطر والأضحى)، ومن أهم هذه المظاهر:

  • الغسل والتطيب

روى البخاري عن سلمان الفارسي، قَال: قال رسول اللَّه صلّى الله عَلَيه وَسلّم "مَن اغْتَسل يومَ الجمعة، وتطَهّر بما استطَاعَ مِن طُهْر، ثُمّ ادَّهَن أو مسَّ مِنْ طِيب، ثُمَّ راح فلمْ يُفَرِّقْ بين اثنين، فَصَلَّى مَا كُتِب لَه، ثُمّ إذا خَرَج الإمام أَنْصَت، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" [3]. وروى ابن ماجه عن ابن عبّاس، قَال: قَال رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عليه وسلّم: "إنّ هذا يوم عيد، جعله اللَّه للمسلمين، فَمَنْ جاء إلى الجمعة فَلْيَغْتَسِلْ، وَإنْ كَان طِيب فَلْيَمَسَّ مِنْه، وعَليكم بالسِّواك". [4]

  • لبس أحسن الثياب

روى أحمد عن أبي سعِيد الْخُدْرِيّ، وأبي هُرَيْرَة قالا: قال رَسُول الله صَلَّى الله عَليه وسَلّم "مَن اغْتسل يوم الجمعة، واستاك، ومَسّ مِن طِيب إِن كَان عِنده، وَلَبس مِنْ أَحسَن ثِيابه، ثُمّ خَرج حَتّى يأْتِي المسجد، فلم يَتَخطَّ رِقاب النّاس، ثمّ ركع مَا شاء أَنْ يركع، ثمّ أَنصت إذَا خَرج الإِمامُ، فَلَم يَتكلّمْ حَتّى يفْرُغ مِن صَلاته، كانت كَفّارةً لما بَينَها وَبين الْجمعة الّتِي قَبلَها. قَال وَكان أبو هريرة يقول "وثلَاثة أيّام زيادة، إنَّ اللهَ جعل الْحَسَنة بِعَشر أمثالها". [5]

  • تقديم قربان كيوم الأضحى

روى البخاري ومسلم عَن أبي هريرة رضي اللّهُ عنه أَنّ رسول اللّهِ صلّى الله عَليه وَسلَّم قال "مَن اغتسل يوم الجمعة غُسْلَ الجنابة ثمّ راح، فَكأنّما قَرَّب بَدَنَةً، وَمَن راح في السّاعَة الثّانِيةِ، فَكأَنّما قرَّب بَقَرَةً، وَمَنْ راح في السّاعَة الثّالِثة، فَكأَنّما قَرَّب كَبْشا أَقرن، وَمَن راح في السّاعَة الرّابعة، فَكأَنّما قَرَّب دجاجة، وَمن راح في السَّاعَة الخامسة، فَكَأَنّما قَرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكَة يستمعون الذّكر". [6]

  • النهي عن إفراده بالصوم

روى مسلم عن أَبي هُريرَة رَضي الله عنه، عن النّبِيّ صَلّى الله عليه وَسلّم، قال "لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجمعة بقِيام مِن بين اللّيالي، ولا تَخُصّوا يومَ الجمعة بِصيام مِنْ بين الأيام، إلّا أَنْ يكون في صوم يصومه أحدكم". [7]

رابعا: حكم التهنئة بيوم الجمعة

لقد شاع بين الناس في أيامنا هذه التهنئة بيوم الجمعة، ومما سهل عليهم ذلك ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، فما يمر يوم جمعة إلا وعشرات الرسائل تأتي للمرء من كل حدب وصوب، تحمل رسائل مختلفة فيها من التهاني والتبريكات بيوم الجمعة ما لم يكن في القديم.

والحق أنه لم يرد في أمر التهنئة بيوم الجمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يصح، كل ما ورد حديث مكذوب لا يرقى للعمل به، فقد رُوي عن ابن عباس يرفعه "مَن لَقِيَ أَخَاه عِند الانصراف مِنَ الجمعة، فليقل: تَقبّل اللَّه منّا ومنك، فإنّها فريضة أَدَّيْتموها إلى ربكم"، والحديث حكم عليه علماء الحديث بوضعه، منهم الشوكاني في "الفوائد المجموعة"، والكتاني في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة"، والألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة".

ولم تنقل تهنئة الجمعة عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن السلف رحمهم الله تعالى، لكن الذي أميل إليه هو البعد عن التحريم في مثل هذه الأمور، وإنما الأمر بالجواز هو الأليق والأقرب إلى روح الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك لما يلي:

  • أن التهنئة في الجمعة وفي غيرها من أمور العادات لا العبادات، وما كان من أمور العادات ففيه متسع كبير.
  • أن الأصل في هذه العادات الإباحة، ويبقى الأمر على إباحته ما لم يرد في ذلك نص يحرم.
  • أنه لم يرد نص يمنع من مثل هذه التهنئة، وما لم يرد نص يمنع فيبقى الأمر على أصله، والأصل في الأشياء الإباحة.
  • أن هذا من التحية التي يتعارف عليها الناس، وما لم يكن في التحية مخالفة فلا بأس بها.
  • أن المقصود من التهنئة التودد وإظهار الفرح والسرور، وليس هناك من مانع أن يسر العبد ويفرح بما وفقه الله من إتيان طاعة، والله يقول {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].
  • لا مانع من هذه التهنئة ما دامت مصحوبة بالتذكير بما في يوم الجمعة من سنن وآداب.
  • قياس ذلك على التهنئة بيومي الفطر والأضحى، فحيث جازت التهنئة في العيد السنوي فلا مانع منها في العيد الأسبوعي، وقد نقلت التهنئة عن الصحابة والتابعين في عيدي الفطر والأضحى.

 

المراجع

  • (1) زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 363).
  • (2) راجع: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 369- 409).
  • (3) رواه البخاري في الجمعة (910).
  • (4) رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة (1098) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (901).
  • (5) رواه أحمد (11768) وقال محققو المسند: إسناده حسن.
  • (6) رواه البخاري في الجمعة (881) ومسلم في الجمعة (850).
  • (7) رواه مسلم في الصيام (1144).

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا؟

الشيخ محمد حسان _من أخرج #زكاة_الفطر مالاًَ يؤجر مرتين .



الشيخ محمد حسان _من أخرج زكاة الفطر مالاًَ يؤجر مرتين .

أيهما افضل زكاة الفطر نقدا ام مالاََ ؟!