الأربعاء، 3 مايو 2017

كتاب (( صفة صلاة النبيّ ﷺ )).للشيخ الالباني رحمه الله ..دعوة للتقليد والتعصب، ولكن في ثوب جديد !

الشيخ الألباني يدعي العصمة له ولكتابه !
 في مقدمة كتابه ( صفة صلاة الشيخ الباني رحمه الله).
الذي دفعنا للكتابة في هذا الموضوع هو رؤية جماعة من المسلمين – من الذين تمذهبوا في صلاتهم على كتاب  (( صفة صلاة النبيّ () )) للشيخ الألباني – قد أخذوا بعض الحركات وبعض مظاهر الصلاة وهيئاتها مأخذ العقيدة ، فكأن هذه الحركات قد أنزل بها الوحي من السماء ، أو تواترت بها الأخبار عن رسول الله () .
        وقد إختلط عندهم النص المعصوم عن رسول الله () ، وإجتهادات الشيخ الألباني ، فحسبوهما واحداً ، ولم يفرّقوا بينهما !
        فحينما يسمعون الشيخ الألباني يقول عن حديث ما : ( هو حديث صحيح إن شاء الله ) . أو ( رواه فلان بسند صالح ) . أو ( إسناده حسن ) . فكأنما هذا هو بمرتبة الوحي المتواتر القطعي النازل من السماء ، ولا يحتمل أي خطأ ، وأدنى إحتمال !
        فلهذا مَن خالف الشيخ فيه فقد خالف رسول الله () !
        فعندهم أن الشيخ متى قال : ( هذه هي السنة ) فهي – فعلاً – قد نطق بها ، أو فعلها رسول الله () من غير أدنى شك أو ريب !
        فمن ردّها فقد ردّ على رسول الله () ، وردّ سنته ، وحارب أهل التوحيد والسنة والجماعة !
        ولم يحسبوا أي حساب لعلمائنا وسلفنا الصالح ممن خالفهم الشيخ الألباني من الفقهاء والمحدثين ، من القدماء والمعاصرين !

سلفنا الصالح وتعصبهم لآرائهم

        إن علماءنا وأئمتنا وسلفنا الصالح على قربهم من عصر النبوّة ، ووجودهم في القرون الفاضلة التي هي خير القرون على الإطلاق بنص حديث رسول الله () حيث قال :
        (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) ([1]) .
        وعلى الرغم من أخذهم العلم والحديث عن شيوخ فقهاء محدثين أجلاء بالسند المتصل ، الذي يصل إلى رسول الله () بأربعة أو خمسة رجال أقل أو أكثر بقليل .
       
إن أئمتنا هؤلاء الأفاضل نراهم قد اتخذوا لهم قاعدة أصبحت شعاراً لهم ، ينقلها عنهم الموافق والمخالف وهي :
        ( قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
        لكن هؤلاء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ الألباني الذي يفصل بينه وبين النبيّ () أربعة عشر قرنا .
        والذي ليس له سند واحد متصل إلى رسول الله () ، حيث لم يتتلمذ ، ولم يجلس على ركبتيه بين يدي محدث أو فقيه يأخذ منه العلم ، ليصبح حلقة في سلسلة العلماء والأئمة الذين أخذوا هذا الدين يداً عن يد تلقينا وتعليما ومدارسة ومذاكرة !
        نراه – غفر الله لنا وله – يكاد أن يقولها صراحة :
( قولي صواب لا يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) !
        وترى مصداق ذلك في تعابير يستخدمها الشيخ كثيراً في كتبه ، كأن يقول : ( هذا هو الذي ثبت في السنة ، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له ) . أو يقول ( وأما الذي استحسنه بعض التأخرين فبدعة ) . أو ( فهذا مما لا أعلم له أصلاً في شيء من الروايات والمصادر التي وقفت عليها ) . أو . . . إلخ
        وأوضح من كل ذلك هو قوله :
( فالجواب عنه من وجوه : الأول : إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر ، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال ، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه . . . فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة . . . ! ! ! ([2]) .
        نحن لا نريد من أقوالنا هذا أن نطعن الشيخ الألباني ونجرحه ، ولكننا نقرر واقعاً مُرّاً ملموساً ونثبته .


دعوة العصمة !

        نطق الشيخ الألباني أقوالاً ، لو قلّبتها على أي وجه من وجوهها لما رأيت فيها غير دعوة العصمة له ولكتابه !



        فهو يقول في ( تلخيص صفة الصلاة ) ( الغلاف   الخلفي ) :
        ( كيف كان رسول الله () يصلي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها بعبارة وجيزة ، لا تعقيد فيها ولا غموض ، بعيدة عن الأقيسة والآراء ) .
        ( إستقصيت فيها كل ما ثبت عن النبيّ () مما له صلة بموضوعها بحيث جمعت ما في بطون الامهات الفقهية وغيرها ، بل وأربت عليها ) .
        ( إنتخبت مادتها من عشرات الكتب الحديثية المعتمدة ، من مطبوعة ومخطوطة ) .
        ( كل مسألة فيها ، تجد مستندها من قوله () أو فعله في أصلها (( صفة الصلاة )) فهي بهذه المزايا فائقة كل ما هو معروف اليوم من الرسائل المؤلفة في بابها ) .
        ويقول في كتابه ( صفة صلاة النبيّ () ) :
        ( ولذلك فإن الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى جامعاً لشتات ما تفرق في بطون كتب الحديث والفقه على إختلاف المذاهب مما له علاقة بموضوعه .
        بينما لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب أو مذهب ، وسيكون العامل به إن شاء الله ممن قد هداه الله (( لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) ) ([3]) .
        فهذه دعوة صريحة ، ودعاية سافرة ، وادّعاء صارخ لعصمة كتابه عن الخطأ ، وتفرده في جمع الحق فيه !
        بل أصرح من هذه الدعوة ، وأوضح منها وأثخن هو ما قاله في خاتمة تقديمه لكتابه المذكور ، حيث قال بنصه :
        ( ولذلك فإني أستطيع أن أقول :
        كتابنا هذا لما جمع السنن الثابتة عنه () في صفة صلاته ، لا عذر لأحد في ترك العمل بها ، لأنه ليس فيه ما اتفق العلماء على تركه ، حاشاهم من ذلك ، بل ما من مسألة وردت فيه إلا وقد قال بها طائفة منهم ، ومن لم يقل بها فهو معذور ومأجور أجراً واحداً ، لأنه لم يرد إليه النص بها إطلاقاً ، أو ورد لكن بطريق لا تقوم عنده به الحجة ، أو لغير ذلك من الأعذار المعروفة لدى العلماء .
        وأما مَن ثبت النص عنده من بعده فلا عذر له في تقليده ، بل الواجب إتباع النص المعصوم ، وذلك هو المقصود من هذه المقدمة ، والله عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون ) ) ([4]) .
        مثل هذه الإدعاءات ، وقصر الباع في الفقه والحديث ، وعدم معرفة أقدار وعلم أئمتنا جعل أتباع الشيخ يسلمون له زمامهم فيبادرون إلى إمتثال أمره واتباع إجتهاداته وكأنها صدرت عن رسول الله () بنفسه !

أين المنطلق ؟

        إن إنطلاقة هذه الجماعة في بداية نشأتها كانت إنطلاقة صحيحة وصائبة ، حيث رفعوا أصواتهم ونادوا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله () .
        ونادوا بعدم تقديس الرجال ، والتعصب لآرائهم ، وعدم إحاطتهم بهالة من التقديس والعصمة ، بحيث لا يُتصور صدور الأخطاء منهم !
        فالإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ، هؤلاء ليسوا أنبياء ولا معصومين ، فلا يجب علينا أن نقلدهم في كل آرائهم ، حيث ( ليس أحد بعد النبيّ () إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبيّ () ) .
        وكانوا ينقلون أقوالاً عن الأئمة المذكورين ، ويذيعونها وينشرونها تخدم هذا الإتجاه .
        فعلى سبيل المثال :
        كتب الشيخ الألباني في كتابه ( صفة الصلاة ) عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال :
        ( (( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) زاد في رواية : (( فإننا بشر نقول القول اليوم ، ونرجع عنه غدا )) . وفي أخرى : (( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني ، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا ، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد )) . . (( إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول () فاتركوا قولي )) ) ([5]) .
        وكتب عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال :
        ( (( إنما أنا بشر أخطيء وأصيب ، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) ) ([6]) .

        وكتب عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال :

        ( (( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث لصحيح فأعلموني به ، أي شيء يكون : كوفيا أو بصرياً أو شامياً ، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً )) .

        (( كل مسألة صح فيها ألخبر عن رسول الله () عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي )) .

        (( إذا رأيتموني أقول قولاً ، وقد صحّ عن النبيّ ر خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب )) .

        (( كل ما قلت ؛ فكان عن النبيّ () خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبيّ أولى : فلا تقلدوني )) ) ([7]) .
        وكتب عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال :
        ( (( لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا )) . وفي رواية : (( لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبيّ () وأصحابه فخُذ به ، ثم التابعين بعد ، الرجل فيه مخير ، رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار )) .
        (( مَن ردّ حديث رسول الله () فهو على شفا هلكة )) ) ([8])


تعقيب
        قبل أن نسترسل في الكلام لنا بعض الملاحظات على قول ووصايا هؤلاء الأئمة التي نقلها عنهم الشيخ الألباني ، فنقول :
        1 – إن خطاب هؤلاء الأئمة موجه إلى تلاميذهم ، الذين هم كانوا على وشك إن يتخرجوا فيصبحوا مجتهدين مستقلين ، أو تخرجوا فعلاً ، وما كان يمنعهم التصدر في الفتوى إلا وجود شيوخهم وأساتذتهم .
وليس موجهاً إلى العوام ، أو الذين لا يملكون أدوات الإجتهاد ، ولا يتصفون بصفات المجتهد .
فإذا تأملنا في أقوالهم فسوف نرى مصداق ما قلناه واضحاً .
فأبو حنيفة قال :(( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) .
فهو يحرم الفتوى على المفتي من غير معرفة الدليل .
ثم هو يخاطب أمثال أبا يوسف الذي أطبقت شهرته الآفاق
أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد قال :
(( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني )) .
فهو يخاطب أمثال الإمام أحمد بن حنبل والذي كان تلميذاً للإمام الشافعي ، ولا يخاطب بأقواله تلك العوام وأشباههم .
أما الإمام أحمد رحمه الله فقد قال :
(( لا تقلدني . . . وخذ من حيث أخذوا )) .
هل العوام وأشباههم – من غير الأئمة المجتهدين – يستطيعون أن يأخذوا من حيث أخذ الإمام مالك والشافعي والأوزاعي والثوري ؟
2 – لو نقارن بين أقوال أولئك الأئمة الأعلام الذين هم نجوم في سماء الإسلام ، يهتدي بهم المؤمنون في ظلمات الحياة أكثر من عشرة قرون ، والذين أطبقت شهرتهم الآفاق ، وأتباعهم لا يحُصون .
لو نقارن بين أقوالهم التي تتقطر منها التواضع وهضم النفس ، وإثبات البشرية الخطاّءة ، والتي تستشعر الإثم في الإتباع المطلق لأصحابها .
نقارن بينها وبين أقوال الشيخ الألباني التي نقلناها عنه من كتابه (( صفة الصلاة )) ، والتي تستشعر الإثم في عدم إتباعها المطلق ، فستجد البون بينهما واسعاً شاسعاً .
أين المنطلق ؟

قلنا إن هذه الجماعة قد إنطلقت في بداية نشأتها إنطلاقة صحيحة فكانت – على ما يبدو – تحارب التعصب البغيض ، وتقديس الرجال وإنزالهم منزلة فوق الأخطاء والإنتقاد .
وتنشر أقوال أولئك الأئمة المتبوعين المشهورين في ذلك     وكانوا هم حملة هذه الراية وأبطالها ، فكان المفروض فيهم أن يكونوا قدوة للناس في ذلك ، وفي طليعة من لا يعرفون الحق بالرجال ، وأن يكونوا من الأوائل في إمتثال وتطبيق ما دعوا إليه !
ولكننا – مع الأسف – رأينا غير ذلك ، بل رأينا عكس ذلك تماماً ، مما جعلنا نسيء الظن بهم ن ونتهم نياتهم بناءً على مواقفهم المتناقضة جداً مع أقوالهم وادّعاء اتهم !
وقد إتهمهم البعض بأنهم ما كانت غايتهم في تلك الدعوة إلا رفع الثقة عن الأئمة المتبوعين المشهورين وغيرهم ، وإزاحتهم عن المنزلة العالية الرفيعة السامقة التي تبوؤها في قلوب الناس ، وإعطاء ومنح هذه الثقة والمكانة لأناس لا يصلحون أن يكونوا كتبة لتلاميذ أولئك الأئمة !
فعلى سبيل المثال :
ما معنى هذا التعصب الشديد للشيخ الألباني وآرائه واجتهاداته ؟
وما معنى هذا التكلف المجهد والمضني في تأويل أخطائه ، وإيراد المبررات لها ؟
حتى أنهم في سبيل بقاء الشيخ في دائرة العصمة عن الخطأ ليحاولون جاهدين تغيير بعض معاني الألفاظ العربية ، كتغييرهم ( الإشارة ) بـ ( الحركة ) مثلا ً ! !
ثم ما معنى موقفهم الغريب والعجيب من العالِم الذي ينتقد الشيخ الألباني أو غيره في بعض أخطائه ؟
وكأنه قد قام بانتقاد رسول الله () ، فهو بالتالي – عندهم – عدّو للتوحيد وأهل السنة والجماعة ! ! !
أين هو حب الحق ومناشدته ؟ أين هو التعصب للشريعة لا للرجال ؟ أين المنطلق ؟
فمثل هذه المواقف لا تنسجم أبداً مع دعواهم التي إنطلقوا بها ، وبالتالي فهُم لا يُعتبرون إلا جماعة جديدة من المقلدين ، إنضموا إلى صفوف المقلدة المتعصبين ، بل فاقوهم وسبقوهم فأصبحوا في مقدمتهم ، مع الفرق الشاسع بينهم وبين غيرهم من ناحية الإمام الذي قلدوه دينهم .
فأئمة أولئك أجمعت الأمة الإسلامية على تبحرهم في العلم ، وإمامتهم على مدار القرون !
على العكس من إمام هؤلاء فهو لا يرتقي إلى مستوى أحد تلاميذهم من الطبقة العاشرة !

بالإضافة إلى وجود آلاف مؤلفة من العلماء المجتهدين ، المتبحرين في العلم في صفوف أولئك كأمثال الأئمة : أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر بن الهذيل وبدر العيني والنووي والبيهقي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وابن تيمية وابن القيم والذهبي . . . وغيرهم كثير كثير !

تعقيب

وقد قال الأستاذ مازن بدران تعقيباً على مدح الشيخ الألباني لكتابه ( صفة صلاة النبيّ () ) ، وادّعائه صحة نصوصه :
( ها هنا ثلاث قضايا ننازعه فيها :
أولاً : صحة النصوص التي جمعها ، وضعف ما خالفها ، فلا نسلم له أبداً ، وأي حامل لنا على ذلك ؟ فهو لا يَفضُل العديد ممن ينازعه أحكامه من معاصريه علماً ودراية ، فكيف بمن خالفه من أئمة السلف ! ولا يغترن أحد بكثرة أصحاب الدعاوى من العوام المؤازرين لهذا النهج ، إذ هم قوم يميلون مع كل ريح وفي الداخل شواهد ما نقول .

ثانياً : الأحكام المستنبطة من النصوص الصحيحة ، لو وافقناه جدلاً ، وهذه من أعظم أسباب الخلاف الفقهي الدائر من زمن السلف . ولا ريب أن شطراً واسعاً من النصوص ، سواء القطعية أو الظنية الثبوت ، هي ظنية الدلالة . فالشيخ وغيره سواء في إحتمال الإصابة والخطأ ؛ ولا زال المنصفون من أصحاب الحديث يشهدون لأرباب الفقه بالإمامة والفضل والتقدم في أمثال هذه المباحث . وأما من يحسب أن ظن الشيخ يقين ، فليس كلامنا هنا معه !

ثالثاً : كون كتابه قد جمع كل النصوص الثابتة في بابه ؛ فهذا بعيد ، ولا يلزم من مراجعته الكثير من كتب الحديث ، كما يقول ، صحة دعواه ؛ بل ما يصحب ذلك من الإغترار الدافع للتقصير ، مع إمكان الغفلة والسهو – وهو غير معصوم – سيتكفل بتصويب ما نقول . . . وكم مرة إستدرك هو على الأئمة وقال : كم ترك الأول للآخر ! ) ([9]) .


       
ثم قال الأستاذ مازن تحت عنوان (( دعوة إلى التقليد )) :

( ثم إن ما تقدم من كلامه لا يرغّب القاريء في البحث والتدقيق ، بل يسلمه إلى الخمول والتقليد ، والمفروض أنه يسعى إلى خلاف ذلك ! بل إن مجمل خطته في الكتاب لا تنفع في إخراج مجتهدين ، أو حتى متبعين – كما في إصطلاحه - : إذ هو قد بتر الأسانيد ، وخلط المتون ، وما تكلم في تفاصيل التصحيح والتضعيف ؛ وإنما يأتيك بجمل مؤلفة من تداخل أحاديث عدة ، ويقول : خرّجه فلان وفلان ، وما خالفه ضعيف . وإن إرتقى فيقول : وتفصيله في كتاب كذا . أو كما بيّنت في موضع كذا ؛ فهو يفترض أن القاريء يجب أن يبتاع مع كتابه هذا : إرواء الغليل ، تمام المنة ، الصحيحة ، الضعيفة ، صحيح أبي داود ، ضعيف . . . باختصار : سلسلة كتبه المعهودة . هذا بالإضافة إلى إطلاعه على جميع المراجع التي يعزو إليها ؛ وإلا فكيف للقاريء أن يتحقق من وجود الحديث في مكان عزوه أولاً ، وصحة أو ضعف إسناده ثانيا ؟ ناًهيك عن كتب الجرح والتعديل اللازمة لذلك !

ومبرر صنيعه هذا ، كما يقول ، إرادة التسهيل والإختصار ، وغفل أن ذلك لا يجامع دعواه في الحث على الإجتهاد المطلق !

وأذكر يوماً أنّي شاهدت زميلاً ، ممن ينقد التقليد بشدة ، ينهض في صلاته معتمداً على قبضتي يديه ، فسألته إن كان في المسألة نص ، فقال : نعم . فقلت : لا أعلم فيها شيئاً يثبت ! فقال : فيها حديث صحيح . واستمهلني لحظات عاد بعدها وبيده كتاب (( الصفة )) ، كما يقولون ، وقال لي بابتهاج : أنظر إسناده صالح ! مشيراً إلى قول المؤلف ( ص 155 ) : (( رواه أبو إسحاق الحربي بسند صالح )) . وأنا أعلم تماماً أنه لا يعرف مَن هو أبو إسحاق الحربي ولا كتابه الذي أخرج فيه هذا الحديث ، فضلاً على أن يحكم على إسناده !

ونظام التفكير هذا لا يخص زميلي المذكور فقط ، بل أصحابه كثر ؛ كلهم يهزؤون بالتقليد والمقلّدة ، ويقولون لا نأخذ إلا من الكتاب والسنة . وهم حقيقة يأخذون من حيث علمت !




([1]) متفق عليه .
([2]) أحكام الجنائز ( 1 / 192 ) .
([3]) ص 22 ، الطبعة الحادية عشر .
([4]) صفة الصلاة – الطبعة الحادية عشر ، ص 51 .
([5]) صفة الصلاة – ص 25 – 26 .
([6]) نفس المصدر ص 26 .
([7]) صفة الصلاة ، ص 29 - 30
([8]) نفس المصدر ، ص 31
([9]) نقد صفة صلاة النبيّ () - مازن بدران . ص 5-6
([10]) نقد صفة الصلاة . ص 6-7

ملخص لأحكام البدعة ( بحث قيم جدا ) على شكل سؤال وجواب ؟!

ملخص لأحكام البدعة (بحث)


--------------------------------------------------------------------------------
س1/عرف البدعة لغة .
ج/ البدعة في اللغة العربية: اسم من الابتداع، يقال: أبدع الشيء يبدعه بدعاً، وابتدعه: أنشأه وبدأه. والبدع والبديع: الشيء الذي يكون أولاً.
وفي التنزيل: "قل ما كنت بدعاً من الرسل"الآية[1] أي: ما كنت أول من أرسل بل أرسل قبلي رسل كثيرون.
قال أبو البقاء في الكليات[2] : "البدعة هي عملُ عَمَلٍ على غير مثال سبق".


س2/ عرف البدعة في اصطلاح العلماء .
ج/ هناك تعاريف كثيرة للبدعة عند العلماء فمن ذلك:
1ـ تعريف الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى[3]:
قال الشافعي: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً. فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.
وروى الـبيهقـي بإسـناده في :[مناقب الـشافعـي ]: عن الــشـافعي رضي الله عنه قال: "المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدع الضلالة.
والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء وهذه محدثة غير مذمومة.."أ.هـ
وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه" يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى "وإسناده صحيح" وأخرجه من طريق آخر:أبو نعيم في حلية الأولياء.
قال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: "نعمت البدعة هي".


2ـ تعريف الحافظ علي بن محمد بن حزم رحمه الله،[4]:
قال ابن حزم: البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن منها ما يُؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه:
"نعمت البدعة هذه". وهو ما كان فعل خير وجاء النص بعمومه استحباباً، وإن لم يقرر عمله في النص، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به. "أ.هـ.


3 ـ تعريف الإمام الغزالي[5]:
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي: البدعة قسمان: بدعة مذمومة وهي ما تصادم السنة القديمة ويكاد يفضي إلى تغييرها . وبدعة حسنة ما أحدث على مثال سبق. "أ.هـ.


4-قال أبو شامة :" ثم الحوادث منقسمة إلى بدع مستحسنة، وبدع مستقبحة. (ثم نقل قول الإمام الشافعي في البدعة، الذي تقدم"


5- تعريف الإمام ابن الأثير:
قال ابن الأثير رحمه الله: »البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال .. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح.."


6- تعريف الإمام الحافظ محيي الدين النووي رحمه الله[6].
بَدَعَ : البدعة، بكسر الباء، في الشرع هي إحداث مالم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة. قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبدالعزيز بن عبدالسلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد ..."وساق كلامه الذي سيأتي قريباً.


7- قال الإمام السبكي:
" الـبدعة فـي الـشرع إنمـا يـراد بـها الأمـر الحـادث الـذي لا أصـل لــه فــي الـشـرع، وقـد يـطلق مقيـداً، فـيقال: بـدعة هـدى، وبدعة ضلالة."أ.هـ.


س3/ هل ورد دليل معتبر على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة ؟
ج/ نعم أخي الفاضل فقد جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"[7].


س3/هل نفهم من قول الله تعالى: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها.."الآية[8] ذمَّ البدعة مطلقاً ؟
ج/ المفهوم من هذه الآية : أن الذمَّ لم يكن لابتداعهم تلك البدعة بل الذم كائن لهم لعد الرعاية لها
قال العلامة الآلوسي[9]: "وليس في الآية ما يدل على ذم البدعة مطلقاً، والذي تدل عليه ظاهراً ذم عدم رعاية ما التزموه"أ.هـ.
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى[10]: "وهذه الآية دالة على أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية"أ.هـ


س4/جاء في الحديث النهي عن البدعة مطلقاً وأنها ضلالة كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة " ؟
ج/ الواجب أخي السائل الكريم : أن تنظر في النصوص جملة دون أن تأخذ بدلالة نص شرعي لا تدري أهو منسوخ أو مقيد أو مخصص أو نحو ذلك من أنواع الدلالات .
وهذا النص الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم :"كل بدعة ضلالة "[11] جاء بصيغة العموم كما جاء قوله صلى الله عليه وسلم :"كل عين زانية " بصيغة العموم والمراد منه : كل عين ناظرة للحرام فهي زانية لا كل العيون .فافهم .
ثم إنه قد ورد ما يدل على التخصيص في ذلك وهو قوله صلى اله عليه وسلم :" من ابتدع بدعة ضلالة، لا ترضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً.." فانظر لقوله صلى الله عليه وسلم : من ابتدع بدعةَ ضلالة "[12] فهو يدل على وجود بدعة أخرى هي بدعة هدى .
قال الإمام الحافظ الفقيه محيي الدين النووي رحمه الله : قوله صلى الله عليه والسلام: (وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص، والمراد غالب البدع"


س5/ إذاً فما معنى ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".؟
ج/ أقول لك أخي ما قاله الأئمة الأثبات رحمهم الله تعالى من أن مفهوم هذا النص الشريف يراد منه الإحداث في الدين بما يخالف الشرع وليس له أصل معتمد في الشريعه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه."أ.هـ
فقوله رحمه الله: "ما لا يشهد له أصل" صريح في أن هناك حوادث واختراعات في الدين يشهد لها أصل، وهذا هو الذي دل الحديث عليه بعينه ، ودل عليه ما سبق من تقرير .


س6/هل تكون البدعة واجبة ومندوبة ومكروهه ..؟ مع التمثيل تكرماً .
نعم قد تكون البدعة واجبة وقد تكون مندوبة وقد تكون مباحة وقد تكون مكروهة وقد تكون محرمة ..وقد بسط ذلك جماعة ومنهم : النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات .فراجعه
ولعلي أسوق لك كلام الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في ذلك _بتصرف _ وقد بين فيه طريقة معرفة حكم البدعة فقال :" قال العز بن عبدالسلام:
البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى:
بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة. وللبدع الواجبة أمثلة:
أحدها: الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك واجب لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بمعرفة ذلك، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
المثال الثاني: الكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم.
وللبدع المحرمة أمثلة: منها مذهب القدرية، ومنها مذهب الجبرية، ومنها مذهب المرجئة، ومنها مذهب المجسمة. والردُّ على هؤلاء من البدع الواجبة.
وللبدع المندوبة أمثلة: منها: إحداث المدارس وبناء القناطر، ومنها كل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها صلاة التراويح..
وللبدع المكروهة أمثلة: منها زخرفة المساجد، ومنها تزويق المصاحف .
وللبدع المباحة أمثلة: منها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام.."أ.هـ


س7/هل هناك ارتباط بين السنة التقريرية وبين البدعة ؟
ج/ إن السنة التقريرية تعني أن يقول أحد الصحابة قولاً أو أن يفعل فعلاً ابتداء من نفسه، دون أن يكون له سند من كتاب أو سنة يخصه بعينه، ثم يبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فيسكت عنه صلى الله عليه وسلم ولا ينكره، أو يقرره بقول منه أو فعل من جنسه أو استبشار به أو دعاء لفاعله، إلى غير ذلك مما يعلم به جواز هذا الفعل أو القول، فيصير سنة نبوية شريفة بهذا الإقرار يعلم بها جواز ما أقره له ولغيره من الأمة كما فصله وقرره علماء الشريعة الغراء
ومن هنا نقول إن سنة الإقرار في أصلها بدعة أحدثها الصحابي، ثم بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر فاعلها وجوز فعلها. ولو أن كل بدعة ضلالة في الدين لا يجوز فعلها لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فعل للصحابة لم يكن لهم به سند من كتاب أو سنة، ولكن الناظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يقررهم على كثير من الأفعال والأقوال التي ابتدؤوها من أنفسهم إن كانت داخلة في عموم دليل شرعي أو راجعة إلى قاعدة شرعية.


س8/ هل يمكن أن تضرب لي مثلاً على هذه الدعوى ؟
بكل سرور أخي : بل أضرب لك أكثر من مثال :
- جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك في الجنة " قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً قط في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي ".
فانظر ـ رعاك الله ـ إلى سيدنا بلال رضي الله عنه كيف أحدث عبادة لم يرد بها نص من قرآن، أو أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصها بعينها، وواظب عليها مدة من الزمن دون الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت موقع القبول من الله تعالى بحيث كانت سبباً في دخوله الجنة، فقد قال له صلى الله عليه وسلم ـ كما في رواية الترمذي ـ "بهما" أي: بهاتين الركعتين نلت هذه المنزلة العظيمة"
-ما رواه البخاري وغيره عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده". قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم؟ " قال: أنا: قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : استدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور اهـ.
- جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من القائل كلمة كذا وكذا« قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. قال: "عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء". قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
فانظر إلى هذا الذكر الذي فتحت له أبواب السماء، وقد قاله الصحابي ابتداء من نفسه دون أن يكون له سند من كتاب أو سنة، ثم أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر فضيلته فصار سنة نبوية شريفة التزمها سيدنا ابن عمر ومن بعده من الأمة كثيرون.


س9/ لكن ذلك جائز في حياته صلى الله عليه وسلم لأنه سيعلمه إما بإخبارهم أو بوحي من الله تعالى، فإن كان هدىً أقره، وإن كان ضلالة رده، أما بعد حياته صلى الله عليه
 وسلم وانقطاع الوحي فذلك غير جائز.
ج/ هذا غير صحيح إذ إن من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من أحدث أشياء ليس له فيها نص بعينها، وهو يعلم أنه لن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعدُ لينظر فيما فعل أهو سنة حسنة أم بدعة ضلالة، ومن ذلك صلاة سيدنا خبيب بن عدي رضي الله عنه ركعتين قبل أن يقتل حيث جاء في حديث البخاري : فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبراً.
فهل مات سيدنا خبيب ضالاً مبتدعاً بإحداثه هاتين الركعتين قبل أن يعلم بأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقره عليهما؟!! حاشا وكلا، بل هو المؤمن الصالح والشهيد الكريم الــذي رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامه فقال: "وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش" وقطعاً هاتان الركعتان لم تخفيا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كانتا بدعة ضلالة لم يجز له تأخير بيان حكمهما عن وقت الحاجة .!!


س10/ سيدي : أفعل أحيانا أشياء فيشتد الإنكار علي : بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وأصحابه من بعده . فهل هذه حجة صحيحة في ميزان العلم .؟
ج/ أخي الحبيب : إن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأشياء لا يعدُ دليلاً على المنع إذ إن تركه صلى الله عليه وسلم أنواع :
1 ــ أن يكون تركه لمانع طبعي أو نفور جبلي ، ومثاله تركه صلى الله عليه وسلم أكل لحم الضب لما قدم له، وفي الحديث سئل: أحرام هو؟ فأجاب بـ "لا" .
فدل على أن تركه لم يحرمه.
2 ـ أن يكون تركه نسياناً له، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة فترك منها شيئاً، فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني"
فهؤلاء الصحابة لما ترك شيئاً من الصلاة لم يستفيدوا من تركه حكماً، بل راجعوه ، وأجابهم صلى الله عليه وسلم بما يدل على أن تركه لا يفيد حكماً أيضاً.
3 ـ أن يكون تركه مخافة أن يفترض على الأمة: كتركه الجماعة في التراويح لما رأى اجتماع الصحابة عليها خوف أن تفترض عليهم.
4 ـ أن يكون تركه خشية الفتنة: كتركه صلى الله عليه وسلم نقض البيت وبناءه على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين. فتركه صلى الله عليه وسلم حفاظاً على قلوب الصحابة قريبي العهد بالإسلام من أهل مكة.
5 ـ وقد يكون تركه لسبب خاص به لا يشاركه فيه غيره. كتركه أكل الثوم وما شابهه من كل ذي رائحة كريهة خوف إيذاء الملك وقت الوحي، ولم يقل أحد بتحريم أكل الثوم بتركه صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون لغير ذلك من الأسباب.
يقول الشيخ عبدالله بن الصديق في كتابه :[حسن التفهم والدرك لمسألة الترك]: "والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك (أي التحريم).."أ.هـ
فاعتراض المعترض عليك بهذه الجحة باطل إذ دليله ترك النبي صلى الله عليه وسلم ، وتركه يتوجه إليه احتمالات -ذكر بعضها- والدليل إذا ورد إليه الاحتمال بطل به الاستدلال كما هو مقرر في الأصول .
ولقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعلها، وفعل الصحابة من سنن الدين التي أمرنا باتباعها كما سنبين فيما بعد، فكان فعلهم دليلاً على جواز إحداث ما ترك في الصدر الأول، إن دعت إليه مصلحة أو حاجة، وكان مما يدخل تحت أصول الشريعة وقواعدها العامة.
س11/ هل من أمثلة على هذه الدعوى ؟
نعم ، فمما فعله الصحابة من الأمور التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أ ) الأذان الأول يوم الجمعة:
فقد أخرج البخاري وابن ماجه والترمذي وغيرهم عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثُر الناس زاد النداء الثالث على الزَّوراء.
ب) زيادة ابن عمر في التشهد:
فقد أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: "التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ـ قال ابن عمر: زدتُ فيها: (وبركاته) ـ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله ـ قال ابن عمر: زدتُ فيها: (وحده لا شريك له) ـ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
جـ) تعدد صلاة العيد في مصر واحد:
أحدث عليُّ بن أبي طالب في خلافته العيد الثاني بالجامع، فإن السُّنة المعروفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنه لا يصلى في المصر إلا جمعة واحدة، ولا يصلى يوم النحر والفطر إلا عيد واحد، فلما كان عهده قيل له: إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون الخروج إلى المصلى فاستخلف عليهم رجلاً يصلي بالناس بالمسجد.
فبهـذه الأدلــة وغيــرها يتبين لنا أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم ليس دليلاً على التحريم، وإلا لما فعل الصحابة هذه الأشياء التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.


س12/هل هناك أمثلة مما فعله الفقهاء بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم ؟
نعم وخذ مثالاً على ذلك :
قال ابن قدامة في المغني[13] ما نصه: "فصل في ختم القرآن": قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبدالله فقلت: أختم القرآن؛ أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه.
قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع.
قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة."أ.هـ.
فهذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل تركه، ولو فعله لنقله الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلينا، وهم الحريصون على نقل هديه صلى الله عليه وسلم، فهذه بدعة حسنة فعلها الإمام أحمد، وأفتى بها، ومن قبله سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في ناس من أهل مكة المكرمة،دون أن يكون لهم بها دليل خاص من كتاب أو سنة يستندون إليه، وما ذلك إلا لفهمهم حقيقة الشريعة الغرّاء، والتي أقرّت القواعد والأصول العامة التي تندرج تحتها جزئيات كثيرة دون أن يكون لكل واحدة منها دليلٌ يخُصُّها بعينها.


س13/ما رأيك فيمن يحمل قول سيدنا عمر رضي الله عنه :"نعمت البدعة " في التراويح على البدعة اللغوية لا الشرعية ، إذ البدعة في الشريعة ضلالة كلها ؟
من حمل قول سيدنا عمر وابنه عبدالله: "نعمت البدعة" على البدعة اللغوية فقد أخطأ. وتشديدُ بعض الناس وإصرارهم على هذا القول يوقع الصحابة الكرام بأمر خطير، وذلك لأن حملهم البدعة هنا على المعنى اللغوي يجعلهم يعُدُّون ما فعله سيدنا عمر ووافقه عليه الصحابة أمراً منكراً وبدعة ضلالة؛ لأن هؤلاء المصرين يجعلون كل بدعة ضلالة، وصلاة الصحابة التراويح جماعة إما أن يكون حسناً في الشرع أو سيئاً، فأما كونه سيئاً، فهو قول أهل البدع، وأما كونه حسناً فهو إجماع الأمة.
وللأسف أطلعنا بعض الناس بقولةٍ شاذة في هذا الزمان فقال : ببدعية الزيادة في التراويح على إحدى عشرة ركعة استناداً على حديث :" ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة "
وهو يكشف بهذا عن جهله الفاضح إذ الحديث في صلاة الوتر ، والأمة قد اتفقت على الزيادة على هذا العدد في التراويح فالجمهور على أن التراويح عشرون ركعة وزاد المالكية إلى أربعين ..وهذا لا يدري لازم قوله : وهو تجهيل الصحابة رضي الله عنهم وفيهم : فيهم عمر وابنه وعثمان وعلي ويؤمهم أبي وخلفه وابن عباس ومعاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين ، وتواتر فعل الأمة في الحرمين وفي سائر أقطار المعمورة على ذلك ، ثم يأتي من يأتي بعد ألف سنة ليجهل الأئمة والأمة كافة فحسبنا الله ونعم الوكيل .


[1]-[الأحقاف:9].


[2]- انظر : مادة بدع


[3]- المتوفى سنة 204هـ


[4]- المتوفى سنة 456هـ


[5]المتوفى سنة 505هـ


[6]المتوفى سنة 676هـ


[7]-


[8]-[الحديد:27].


[9]-في تفسيره(15/294)


[10]-في تفسيره (17/264)


[11]-


[12]-رواه الترمذي



[13]-(1/802)
-=====================================

  أقوال العلماء عن تعريف البدعة ..

١− قال فقيه الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي في رسالة له عن
البدعة الشرعية هي التي تكون ضلالة ومذمومة, وأما البدعة التي » :( البدعة( ١٠
قسمها العلماء إلى واجب وحرام إلخ.. فهي البدعة اللغوية وهي أعم من الشرعية
اه. « لأن الشرعية قسم منها
والمراد بالبدعة: ما أحدث » :( ٤− وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم
مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه, وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه
.(١١)« فليس ببدعة وإن كان بدعة لغة
ولا يعرفون أن البدعة المذمومة » : ٥− وقال التفتازاني في شرحه على المقاصد
هو المحدث في الدين من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين ولا دل عليه
الدليل الشرعي, ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة
إياكم » : مذمومة, وإن لم يقم دليل على قبحه, تمسك ً ا بقوله عليه الصلاة والسلام
ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه « ومحدثات الأمور
١٢ ) أه. )«
من أحدث » : يشبه ما قاله ابن رجب « أن يجعل من الدين ما ليس منه » : وقوله
اه. « شيئ ً ا نسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة
. ١٠ ) أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام ص ١٢ )
( ١١ ) جامع العلوم والحكم (ص ٢٢٣ )
(٢٣٢/٥) (١٢)
 ٢٠ 
وبدعة ضلالة, ￯ البدعة بدعتان بدعة هد » : « النهاية » ٦− وقال ابن الأثير في
فهو في حيز الذم والإنكار, وما كان  فما كان في خلاف ما أمر الله به رسول
.(١٣)« واقع ً ا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح
كل » : والبدعة الحسنة في الحقيقة سنة وعلى هذا التأويل يحمل حديث » : قال
اه. « على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة « محدثة بدعة
ليس كل ما أبدع منهي ً ا عنه, بل المنهي عنه » : « الإحياء » ٧− وقال الغزالي في
١٤ ) اه. ) « بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمر ً ا من الشرع
٩− وبذلك أيض ً ا قال الإمام عز الدين ابن عبد السلام− ونقله عنه الإمام
الحافظ محي الدين النووي في تهذيب الأسماء واللغات( ١٥ ) قال النووي هناك: قال
الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد
العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد: البدعة منقسمة
إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة… الخ.
فيؤخذ مما ذكر في تحديد بدعة الضلالة أن كل عمل يشهد له الشرع بالطلب
ولو بطلب عام وإن لم يرد على عينه نص ولم يصادم نص ً ا ولا تترتب عليه مفسدة
فليس داخ ً لا في حدود بدعة الضلالة, ولا يقال فيما يفعله من الخير الذي له
اندراج تحت أصل عام إنه بدعة ضلالة.
المحدثات » : أنه قال « مناقب الشافعي » البيهقي بإسناده في كتابه ￯ ١٠ − ورو
٨٠ ) ط المطبعة الخيرية بمصر ١٣٢٨ ه. / ١٣ ) النهاية لابن الأثير ( ١ )
.(٤٢٨/ ١٤ ) إحياء علوم الدين ( ٢ )
١٥ ) تهذيب الأسماء واللغات (ق ٢/ ج ١ ص ٢٢ )ط المنيرية )
 ٢١ 
من الأمور ضربان أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتاب ً ا أو سنة أو أثر ً ا أو إجماع ً ا
فهذه بدعة الضلالة, والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا
١٦ ) اه. )« فهذه محدثة غير مذمومة
والحق أن سائر الأفعال والتصرفات ابتغاء تحقيق هدف أو مصلحة دينية كانت
المولد النبوي مث ً لا فهي أبعد ما ￯ أو دنيوية دون تصور أنها جزء من الدين, كذكر
تكون عن احتمال تسميتها بدعة ضلالة وإن كانت مستحدثة في حياة المسلمين.
وكل الأفعال والتصرفات التي لا تتعارض مع أوامر الشرع ولا نواهيه تصنف
أحكامها بحسب الآثار التي تؤدي إليها.
فما كان مؤدي ً ا إلى تحقيق أحد المصالح الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل
والمال) فهي من قبيل السنة الحسنة, وتتفاوت بين الندب والوجوب بحسب
.( الحاجة إلى تحقيق تلك المصلحة( ١٧
وأما ما كان متسبب ً ا في هدم واحدة من المصالح الخمس والإضرار بها فهي من
نوع السنة السيئة وتتفاوت بين الكراهة والحرمة حسب ما تسببه من إضرار بتلك
المصلحة.
وما كان بعيد ً ا عن أي تأثير نافع أو ضار فهو من قبيل المباح, أو من قبيل العفو
الذي سبق ذكره في الفصل السابع من هذه الرسالة.
.(١١٣/ ١٦ ) وهو أيض ً ا عند أبي نعيم في الحلية ( ٩ )
١٧ ) ولصديقنا الفاضل أسامة السيد محمود الأزهري رسالة استوعب فيها نقول العلماء وعباراتهم في )
تقسيم البدعة وما يتعلق بذلك من مسائل, نسأل الله العون على إخراجها ونشرها ضمن هذه السلسلة
(الناشر).
 ٢٢ 
وبسبب عدم التفرقة بين ما هو بدعة سيئة وما هو بدعة حسنة غلط من غلط
في التطبيق بإدراجه في بدعة الضلالة أمور ً ا زعم أنها من العبادات التوقيفية, وأنها
تزيُّ ٌ د في الدين وتغيير فيه بينما الذي يقصد من مزوالة بعض الأمور هو تحقيق
هدف أو مصلحة دون تصور أنها جزء من الدين فهي أبعد ما تكون من احتمال
تسميتها بدعة ضلالة وإن كانت مستحدثة في حياة المسلمين.
اقتضاء الصراط المستقيم » ونختم هذا الفصل بكلمة مفيدة لابن تيمية في كتابه
ما رآه » : قال  فبعد أن بين أن من المحدثات ما لم يكن له مقتضى في عهده «
فها هنا يجوز إحداث ما  المسلمون مصلحة إن كان بسبب أمر حدث بعد النبي
١٨ ) اه. )« تدعو الحاجة إليه
١٨ ) ص ٢٥٨ ط دار الحديث. )
 ٢٣ 
 محدثات الصحابة في زمنه
 ونسوق هنا ما ورد في السنة من محدثات عملها الصحابة في زمنه
بالقبول مصحوب ً ا أحيان ً ا بالتبشير بالجنة, أو برضا الله أو  باجتهادهم فتلقى ذلك
اهتمام الملائكة برفعه, أو بافتتاح أبواب السماء له إلى غير ذلك.
ركعتين عقب كل  فمن ذلك ما روي في الصحيحين من إحداث بلال
.( وبشره بالسبق في الجنة( ١٩  طهور فأقره
البخاري من إحداث ُ خ َ ب ْ ي ٍ ب صلا َ ة ركعتين حين ق ّ دمته قريش للقتل ￯ وما رو
.( وكانت بعده سنة( ٢٠  صبر ً ا فأقرها
البخاري عن رفاعة بن رافع أن صحابي ً ا قال: ربنا ولك الحمد عقب ￯ وما رو
.(٢١)  فبشره « سمع الله لمن حمده » :  قوله
في مصنف عبد الرزاق والنسائي عن ابن عمر أن صحابي ً ا جاء ￯ وما رو
والناس في الصلاة, فلما دخل إلى الصف قال: الله أكبر كبير ً ا والحمد لله كثير ً ا,
.( بأن أبواب السماء فتحت لهن( ٢٢  وسبحان الله بكر ً ة وأصي ً لا فبشره
٣٤ فتح) كتاب التهجد, باب فضل الطهور بالليل والنهار, وفضل / ١٩ ) البخاري في الصحيح ( ٣ )
١٩١٠ ) كتاب فضائل الصحابة, باب: من / الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار, ومسلم في الصحيح ( ٤
.  فضائل الصحابة, باب: من فضائل بلال
٣٧٩ ) كتاب المغازي, باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان… إلخ. / ٢٠ ) البخاري في الصحيح ( ٧ )
. ٢٨٤ ) كتاب الأذان, باب رقم ١٢٦ / ٢١ ) البخاري في الصحيح ( ٢ )
١٢٥ ) كتاب الافتتاح, باب: القول الذي يفتتح به الصلاة, وعبد الرزاق في / ٢٢ ) النسائي في السنن ( ٢ )
٤٨٥ معالم) عن أنس / نحوه أبو داود في السنن ( ١ ￯ ٧٦ ) عن ابن عمر رضي الله عنهما, ورو / مصنفه ( ٢
. 
 ٢٤ 
وما رواه الترمذي أن رفاعة بن رافع عطس في صلاة فقال : الحمد لله كثير ً ا
ابتدرها بضعة وثلاثون ملك ً ا » :  طيب ً ا مبارك ً ا عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال
.( أيهم يصعد بها( ٢٣
وما رواه مسلم والنسائي عن جماعة جلسوا يذكرون الله ويحمدونه على ما
إن جبريل » :  عليهم فقال رسول الله  هداهم للإسلام, و َ منَّ برسول الله
.(٢٤)« أخبرني أن الله يباهي بهم الملائكة
من قبول ذلك ما يأتي:  ويؤخذ من تصرف رسول الله
ما كان ير ّ د طاعة توافق المشروع ولا تخالفه ما دام صاحب الحدث  ١− أنه
مؤدي ً ا للطلب العام الذي لم يعارضه منع, فيعتبر ذلك من القربات في أي وقت
فعله من ليل أو نهار, ولا يعد ذلك مكروه ً ا ولا بدعة ضلالة.
٢− العبادات المطلقة التي لم يقيِّدها الشارع بقيد ليس على المرء حرج في توقيتها
من بلال توقيت صلاة بعد كل وضوء, كما  بزمان أو مكان, فقد قبل الرسول
قبل من خبيب توقيت صلاة عند القتل صبر ً ا.
لأدعي ٍ ة في الصلاة محدثة وتخصيص سور لم يكن يخصصها  ٤− من إقراره
على الدوام لصلواته وتهجده وزيادة أذكار غير مأثورة في الصلاة يعلم أنه ليس من
البدعة إحداث أدعية لا تخالف الأدعية الواردة, وخاصة إحداثها في مواطن
٢٥٤ ) أبواب الصلاة, باب: ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة وقال: / ٢٣ ) رواه الترمذي في السنن ( ٢ )
حديث حسن.
٢٠٧٥ ) كتاب الذكر, باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى / ٢٤ ) رواه مسلم في صحيحه ( ٤ )
٢٤٩ ) وغيرهما. / الذكر, والنسائي في السنن ( ٨
 ٢٥ 
الإجابة كالدعاء عقب الصلوات, وعقب الأذان, والتحام الصفوف, وعند نزول
المطر ونحو ذلك, كما يعلم أنه ليس من البدعة ما أنشأه العلماء والصالحون من
أدعية وابتهالات وأذكار تتخذ أوراد ً ا ما دام كل ذلك من جنس المشروع.
لاجتماع الصحابة في المسجد وذكرهم فيه ومذاكرتهم في  ٥− من إقرار النبي
على الأمة يؤخذ مشروعية الاجتماع على الخير  منة الله سبحانه وتعالى بنبيه
والذكر والتلاوة في المسجد وغيره سرً ا وجهر ً ا بدون تشويش. وطالما يكون المرء
فيما يحدث مؤدي ً ا للطلب العام الذي لم يعارضه منع فإن فعله من القربات وليس
من البدع.
 ٢٦ 
بدعة الضلالة
فإكثار البعض من الحكم ببدعة الضلالة على كثير من الأمور المحدثة بذريعة
والصحابة لم يفعلوها, وتبديع الناس وتضليلهم بذلك, هو من  أن الرسول
الغلو في الدين وعدم الفقه والتفقه في مقاصد الشريعة وقواعدها, مع الإعجاب
بالنفس وتسفيه آراء علماء السواد الأعظم من المسلمين وأفهامهم وعدم المبالاة
الحق إلا فيما تعتقده أو حب ً ا في التسلط على عباد الله, ￯ بمخالفتهم, حتى لا تر
والإقدام بجهالة على ما لا يحسنون. ￯ فنعوذ بالله من الهو
مما لم » : ما خلاصته « اقتضاء الصراط المستقيم » وأيض ً ا قال ابن تيمية في كتابه
فما رآه المسلمون من مصلحة إن كان لسبب أمر حدث  يكن له مقتضى في عهده
.(٢٥) « فها هنا يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه  بعد النبي
ومن ظن أنه لا يعمل إلا بما ثبت فعله بخصوصه وهيئته فمنقوض لما ثبت من
عبادات وأدعية وأذكار من اجتهاد الصحابة وقد قبلها مصحوبة أحيان ً ا  قبوله
بالتبشير برضاء الله وبالجنة, واهتمام الملائكة وانفتاح أبواب السماء لها إلى غير
ذلك.
٢٥ ) ص ٢٥٨ , ط دار الحديث. )
 ٢٧ 
الترك لا يفيد تحريم الشيء
 ونختم هذه الرسالة اللطيفة بالكلام عن الترك− أي ما لم يفعله النبي
استفدنا ذلك ولخصناه من رسالة (حسن التفهم والدرك لمسألة الترك):
شيئ ً ا لم يفعله, أو يتركه السلف الصالح,  نقصد بالترك هنا: أن يترك النبي
من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك الشيء والمتروك يقتضي تحريمه أو
كراهته.
وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها, وأفرط في
استعماله بعض المتنطعين المتزمتين, ورأيت ابن تيمية استدل به واعتمده في عدة
مواضع.
والحق أن الترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور ومحرم لا يكون
حجة في المنع والتحريم, بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل أو القول مشروع
جائز. وأما أن يفيد تحريم ذلك الفعل أو القول فلا يدل على ذلك, وإنما يستفاد
ذلك من دليل يدل عليه.
ثم وجدت الإمام أبا سعيد بن لب ذكر هذه القاعدة أيض ً ا.
: وفي المحلى أكثر من موضع يدل عليها, من ذلك ما جاء ج ٢/ص ٢٧١
وأما حديث علي فلا حجة فيه أص ً لا; لأنه ليس فيه إلا إخباره بما علم من أنه لم
صلاهما, وليس فيه نهي عنهما ولا كراهة لهما, فما صام عليه  ير رسول الله
السلام شهر ً ا كام ً لا غير رمضان, وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل
تطوع ً ا أ.ه فهذا نص صريح في أن الترك لا يفيد كراهة فض ً لا عن الحرمة.
 ٢٨ 
ودليل هذه القاعدة ما يأتي:
١− أن التحريم لابد فيه من ورود أحد أمور:
إما النهي أو لفظ التحريم أو ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب أو دخوله تحت
قاعدة شرعية تقتضي تحريمه.
الحشر: )  َ و َ ما آ َ تا ُ ك ُ م الرَّ ُ سو ُ ل َ ف ُ خ ُ ذو ُ ه َ و َ ما َ نهَا ُ ك ْ م َ عنْ ُ ه َ فا ْ ن َ ت ُ هوا  : ٢− قال الله تعالى
من الآية ٧) ولم يقل: وما تركه فانتهوا, فالترك لا يفيد التحريم.
ما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه » :  ٣− قال النبي
ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه, فكيف دل الترك على التحريم? « فاجتنبوه
٤− لم يذكر أحد من الأئمة الأصوليين الترك كدليل على التحريم. ولا ذكروه
.  في تعريف سنة رسول الله
٥− أن الترك يحتمل أنواع ً ا غير التحريم, والقاعدة الأصولية تقول: إن ما
دخله الاحتمال سقط به الاستدلال.
أنواع الترك
شيئ ً ا فيحتمل وجوه ً ا غير التحريم:  إذا ترك النبي
َ ضبٌّ مشو ّ ي فم ّ د يده ليأكل منه,  ١) أن يكون تركه عادة; فقد قدم إليه )
فقيل: إنه ضب, فأمسك عنه, فسئل: أحرام هو? فقال: لا, ولكنه لم يكن بأرض
قومي فأجدني أعافه. والحديث في الصحيحين.
في الصلاة فترك منها شيئ ً ا فسئل: هل حدث  ٢) أن يكون تركه نسيان ً ا, سها )
. « إنما أنا بشر أنسى كما تنسون, فإذا نسيت فذكروني » : في الصلاة شيء? فقال
 ٢٩ 
٣) أن يكون تركه مخافة أن ُ يفرض على أمته, كتركه صلاة التراويح حين )
اجتمع الصحابة ليصلوها معه.
يخطب الجمعة  ٤) أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه, ولم يخطر على باله. كان )
إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة, فلما اقترح عليه
عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره; لأنه أبلغ في الإسماع.
٥) أن يكون تركه لدخوله في عموم آيات أو أحاديث, كتركه صلاة الضحى, )
َ وا ْ ف َ ع ُ لوا ا ْ لخَ ْ َ ير َ ل َ علَّ ُ ك ْ م  : وكثير ً ا من المندوبات; لأنها مشمولة لقول الله تعالى
الحج: من الآية ٧٧ ) وأمثال ذلك كثيرة. )  ُ ت ْ ف ِ ل ُ حو َ ن
٦) أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم, قال عليه الصلاة )
لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس » : والسلام لعائشة
. « إبراهيم عليه السلام, فإن قريش ً ا استقصرت بناءه
وهو في الصحيحين.
نقض البيت وإعادة بنائه حفظ ً ا لقلوب أصحابه القريبي العهد  فترك
بالإسلام من أهل مكة.
ُ تعلم من تتبع كتب السنة. ,￯ وجوه ً ا أخر  ويحتمل تركه
إذا ترك شيئ ً ا كان حرام ً ا. انتهى  ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي
ما أردنا تلخيصه ونقله من الرسالة المذكورة سابق ً ا. ومن أراد الاستزادة فليرجع
إليها.
فمن جمد بعد هذا على إلزام الناس بالتقييد بما ورد فقط ونهيهم عما لم يرد وإن
 ٣٠ 
كان خير ً ا− فقد ابتعد عن الصراط السوي, وساعد في تشويه صورة الإسلام, فإن
الإسلام جاء لكل زمان ومكان.
إذ من المعلوم أن لكل عصر أساليبه وأدواته, والناس تختلف نوازعها وأذواقها
نوعية ما يؤثر فيها.
علماء الإسلام أن الأعمال بالنيات, وأن الأمور ￯ كما أنه من المعلوم أيض ً ا لد
بمقاصدها, فما دامت الوسيلة تؤدي إلى الخير ولم يرد نهى عنها, ولم تعارض أمر ً ا

من أوامر الله ورسوله, فالأخذ بها جائز لا شيء فيه.