السبت، 24 أغسطس 2019

نظرات في أحاديث السمع والطاعة



نظرات في أحاديث السمع والطاعة
مُقَدَّمة
قبل سنوات سألت نفسي سؤالا بعد دراسات شرعية في العقيدة وخصوصا في أحكام الإمامة، هل يُعقل أن يكون في الدمقراطية أصولا تحمي حقوق الناس وتمنع من وقوع الظلم عليهم وجعلت للشعب الحق في محاسبة الحاكم ومراقبة تصرفاته على السلطة حفاظا على مصالح الناس ثم لا يكون في شرع الله إلا تلك الأفهام المستهجنة التي بُنيت على نصوص السمع والطاعة فصارت تكرس الظلم وتحميه باسم الرب سبحانه؟!
فاجتهدت كثيرًا في البحث قراءة مطولة وسؤالا للعلماء الربانيين عن أحاديث السمع والطاعة رواية ودراية وقد شرح الله صدري لتلك المفاهيم التي أزعم أنها توافق الفطرة السليمة فضلا عن موافقتها للشريعة في النصوص والمقاصد وأيقنت أن في الشريعة الإسلامية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ما هو أعظم من الدمقراطية الغربية التي لا تسلم من أخطاء كبيرة ومخالفة صريحة لنصوص الوحيين، وعرفت أنه ليس في الشريعة ما يُعين ظالمًا على ظلمه أو يُسوغ السكوت عنه، بل جعلت الشريعة مبنى كل شيء فيها على الرحمة والعدل وهذا مقصد إرسال الرسل وإنزال الكُتب
قال سبحانه
‏{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]
فالدين دين عدل وقسط لا دين ظلم وبغي وبذلك أمر الله الناس، ففي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا )
وغير ذلك من النصوص القطعية التي قضت بوجوب إقامة العدل في كل شيء وحرمت الظلم على كل شيء، ورغم ذلك أتت تلك المفاهيم التي لا تقرها الفِطر السليمة وتَتَرَّسَتْ بنصوص الشريعة لتسوغ ظلم الحاكم وجوره وجعلت السكوت عنه من الهدى وَرَدَّ ظلمه من الفتنة والعمى! وأصبح خطابهم يشيطن المظلوم ويحمله عقوبة الظلم ويسكت عن المتسبب الجائر ويعتذر له باسم الله جل وعلا عن ذلك، وأسقطوا النصوص الشرعية في السمع والطاعة على غير مستحق لها، ومن هنا كان التلبيس وصاروا يدعون إلى دين ممسوخ مشوه يُدخل العباد والبلاد إلى أنفاق مظلمة لا عدل فيها ولا رحمة ولا خير باسم طاعة ولي الأمر.
..
الواقع السياسي يشهد بتدخل الحكام الطغاة في المناهج الشرعية وتكييف الأحكام على مرادهم فصارت دعوة المصلحين إلى الحق والعدل دعوةً نشازًا مستهجنة لأن الباطل علا وأعمى أبصار كثيرٍ من الخلق ولكن لا يزال في الأمة من الأخيار الذين يردون تحريف المبطلين وتزييف المنحرفين وأخرجوا المفاهيم الصحيحة لنصوص السمع والطاعة وبينوا الحكم عليها رواية ودراية رغم اجتهاد الطغاة وفقهائهم طمس هذه المفاهيم العادلة، وقد جمعت في هذا البحث عشرات الأحاديث في السمع والطاعة وأحكام الإماراة من جانب الرواية وهو نقل ما صح عن النبي ﷺ في باب السمع والطاعة وضبط ألفاظ الأحاديث وتحريرها، ومن جانب الدراية جمع ما جاء في شروح هذه الأحاديث وما حوته من الأحكام والمسائل، وقبلها سأحرر لكم مفهوم ولي الأمر، ومن الحاكم الشرعي المستحق للسمع والطاعة؟ وأرجو الله أن أكون في هذه المقالات المسلسلة من الآمرين بالقسط الذين عظَّم الله شأنهم وأعلى منزلتهم، فربنا سبحانه حين أنكر على بني إسرائيل كفرهم به وقتلهم لأنبيائه أردف بعد ذلك تشنيعه قتلهم للآمرين بالقسط من الناس ولم يُردف العلماء
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢٢]
فأردف بعد الأنبياء الآمرين بالقسط من الناس لِعظم مكانتهم عند الله وعِظم أثرهم على الخلق.
..
قد تكون بعض المفاهيم المغلوطة على أحاديث السمع والطاعة قال بها بعض الأفاضل من أهل العلم والتقوى وَرَدُّنا عليهم لا يُنقص من قدرهم ولا يقلل من علمهم وقد رُدَّ على من هو خيرٌ منهم من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الإسلام، وقد يكون عند المفضول ما لا يدركه الفاضل، كما قال الهدهد في حضرة سليمان عليه السلام: {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
وأهل الفضل والعلم هم بين الأجر والأجرين أصابوا أم أخطأوا وجزاهم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
وأما دعاة السوء فردنا عليهم هو من قبيل إنكار المنكر والتحذير من باطلهم وهم أخشى من خشيهم النبي ﷺ على أمته ففي الترمذي عن ثوبان قال: قال ﷺ (إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ)
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر قال: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: «الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»
ويدخل فيهم العلماء الفجرة الذين سوغوا للحاكم ظلمه وجوره وحرضوا على قتل الناس حماية لجناب الطاغية!
أولو الأمر أم ولي الأمر؟
..
من المعلوم شرعًا وعقلا أنه لا بُدَّ للناس من حاكمٍ يدير شؤونهم ويحفظ حقوقهم وقبل ذلك أن يقيم دين الله كما أمر
والإمامة واجبة بالشرع والعقل وإلا صار الناس في فوضى وتنازع، قال ابن حزم: ( اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله ﷺ ) الفِصل 4/72
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
( يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس )
السياسة الشرعية ص129
وذلك أن مصالح الناس الدينية والدنيوية لا قيام لها إلا بالإمارة والقوة، فيقام دين الله وتقام الحدود وتُفض النزاعات وتحفظ الثغور وتنتظم مصالح الناس وتُحفظ حقوقهم؛ فنصب الإمام إذن فريضة دينية وضرورة اجتماعية باتفاق العلماء.
استكمالا لهذه الفريضة الدينية جعلت الشريعة حق السمع والطاعة للسلطان إذ لا إمامة إلا بسمعٍ وطاعة، وبهذا أمر النبي ﷺ الناس كما سيأتي معنا مفصلا في مقالات قادمة إن شاء الله، وطاعة الإمام مصلحية تعود على البلاد والعباد بالخير وطاعته من طاعة الله فهي تابعة لا مستقلة فلو أمر بأمرٍ يخالف أمر الله لوجبت معصيته ووجب رد أمره، في التبويب على صحيح مسلم قال:
(باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية)
وذكر الحديث عن علي، أن رسول الله ﷺ بعث جيشا، وأمَّر عليهم رجلا، فأوقد نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: «لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة»، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف»
متفقٌ عليه واللفظ لمسلم
وقال سبحانه
( يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
فطاعة أولي الأمر هنا ليست بمستقلة وإنما معطوفة على طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ ولذا قال الله بعدها ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول ) فلو كانت طاعة السلطان تعبدية بذاتها لما كان النزاع مما دل على أنها طاعة معطوفة تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ .
..
والسؤال من هو ولي الأمر؟
بدايةً ينبغي أن يُعلم أن لفظة ولي الأمر لم ترد في الكتاب ولا في السنة وإنما الذي ورد
( أولوا الأمر ) و ( وأولي الأمر ) ومفردها ليس (ولي) فضلا أنه لا مفرد لهذه اللفظة الواردة في القرآن، قال القرطبي في تفسيره ( وَ (أُولُو) وَاحِدُهُمْ (ذُو) عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُ الْجَمْعِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ) 5/261
فدلت الآية أن السلطة في الإسلام لا تختص بشخص واحد ولو كان الحاكم، ويشهد بذلك الواقع السياسي في دولة النبوة فالنبي ﷺ لم يتفرد في سياسته للناس بغير الوحي، فالوحي محل تسليم كما قال الله
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
وأما رأيه ﷺ في غير الوحي فهو محل الشورى التي أمر الله بها نبيه ﷺ
(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )
وقال سبحانه في معرض المدح
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وتأمل كيف أن الله جعل الشورى بين الأمر بالصلاة والزكاة تأكيدا لِعظم شأنها وأمرها
وكان النبي ﷺ ينزل على خلاف رأيه فيما لم ينزل به الوحي، مثل غزوة بدر كما جاء في مسند أحمد عن أنس أن رسول الله ﷺ
( شاور الناس يوم بدر )
وفي غزوة أحد حين أراد النبي ﷺ التحصن بالمدينة خلافا للأغلبية، فانطلق رسول الله ﷺ فلبس لأمته (الدرع الحصينة). فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا لأمرك تَبَعٌ) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم قد تلاوموا فقالوا: أمرنا لأمرك تبع). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز) راجع مسند أحمد 14787
والسنن الكبري للنسائي 7600
قال الدكتور أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية معلقا: ( ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى لو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا لأنه اخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام، فلا بد أن يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ) 2/380
الشاهد من ذلك أن النبي ﷺ لم يتفرد بغير الوحي، ( وكان هذا دأبه في المواقف كلها تأليفاً لقلوب أصحابه ويقتدي به من بعده وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية الأخرى، وتدريباً لهم على التفكير بالمشاكل التي تواجه المجتمع والدولة فيظهر فيهم القادة النابهون والساسة المتمرسون، وليشعروا بمسئوليتهم تجاه القضايا العامة ومشاركتهم فيها ) السيرة النبوية الصحيحة للعمري 2/420
ومن هنا نعلم أن السلطة في الإسلام لا تختص برأي الحاكم وشخصه بل هي منظومة رأسها السلطان، وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء ورؤوس الناس ووجوهم وتضبط قرارتهم الشورى فيما لا وحي فيه، وقد تعارف العلماء على مصطلح أهل الحل والعقد كونهم يمثلون الأمة من ورائهم وليسوا أُناسا يُعَيِّنهم الحاكم صوريا ولا قيمة لاجتماعهم ورأيهم! وسأنقل لكم كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية يوضح فيهم من هم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم فيما اجتمع عليه أغلبهم
( فَلِهَذَا كَانَ أُولُوا الْأَمْرِ صِنْفَيْنِ: الْعُلَمَاءُ؛ وَالْأُمَرَاءُ. فَإِذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ وَإِذَا فَسَدُوا فَسَدَ النَّاسُ؛ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للأحمسية لَمَّا سَأَلَتْهُ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: مَا اسْتَقَامَتْ لَكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُلُوكُ وَالْمَشَايِخُ وَأَهْلُ الدِّيوَانِ؛ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَتْبُوعًا فَإِنَّهُ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيَنْهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ أَنْ يُطِيعَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ؛ وَلَا يُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه )
مجموع الفتاوى 28/170
والخليفة العام هو رأسهم والشورى ملزمة له ولهم ورأيه يؤخذ به ويُرد وعلى ذلك كان النبي ﷺ والخلفاء الأربعة من بعده وقد أمرنا ﷺ بذلك فقال: ( عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه ابن ماجه وغيره
وقال خليفته الصديق من بعده
( إِنِ اسْتَقَمْتُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا، وَإِنْ زِغْتُ عَنْهَا فَقَوِّمُونِي، كَمَا قَالَ أَيْضًا: أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ) منهاج السنة5/462
وهذا بيان لحق الأمة أو من يمثلها بتقويم اعوجاج الخليفة فهو ورعيته شركاء في إدارة الحكم، قال ابن تيمية رحمه الله: ( وَإِنَّمَا هُوَ وَالرَّعِيَّةُ شُرَكَاءُ يَتَعَاوَنُونَ هُمْ وَهُوَ عَلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِعَانَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِعَانَتِهِ، كَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ الَّذِي يَسِيرُ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ: إِنْ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ اتَّبَعُوهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ نَبَّهُوهُ وَأَرْشَدُوهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ صَائِلٌ يَصُولُ عَلَيْهِمْ تَعَاوَنَ هُوَ وَهُمْ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ أَكْمَلَهُمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَرَحْمَةً كَانَ ذَلِكَ أَصْلَحَ لِأَحْوَالِهِمْ )منهاج السنة 5/463
وهذا كلامٌ كليم يبين لك مفهوم السلطة في الإسلام وأنها غير مختصة بشخص الحاكم وإنما هي منظومة متكاملة اختارها الناس لتدبير شؤونهم وتيسيرها في شتى المجالات.
..
[ وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالك 1 ]
..
أعتقد أن أكثر حديث دار الكلام عليه رواية ودراية حديث حذيفة الذي اشتُهر بطرف منه ( وإن ضُرِبَ ظهركَ وأُخِذَ مالك ) وللأسف كيف استغل هذه اللفظة أولياء الطاغوت فجعلوها شريعة لكل ظالم وأسقطوها على من ظهر منهم الكفر البواح وأعرضوا تماما عن قطعيات الكتاب والسنة التي تأمر بالعدل في جميع شؤون الرعية وتحرم الظلم ولو وقع على بهيمة، وتجاوز بعضهم في فهم هذا النص وأوجبوا السكوت عن الحاكم ولو أفسد البلاد والعباد وألزموا المصلحين بلوازم باطلة وهي أن الحسبة والإنكار على الحاكم والمطالبة بالحق هي من قبيل الخروج الذي نهى عنه النبي ﷺ وهذا ما سأبينه لاحقا في الكلام على حديث أم سلمة أن النبي ﷺ قال:
«سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»
رواه مسلم رقم 1854
وحديثي في هذه المقالة من جهة الرواية على حديث حذيفة رضي الله عنه وهو حديث متفقٌ عليه بغير هذه الزيادة وهذا لفظه
أن حذيفة بن اليمان يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»
البخاري 3605 ورواه مسلم 1847
حذيفة روى عنه هذا الحديث بهذا اللفظ وبعضهم زاد هذه الزيادة المشهورة
( وإن ضُرِبَ ظهركَ وأُخِذَ مالك )
والذين رووا عن حذيفة ثمانية:
1- أبومسلم الخولاني عن حذيفة وهي المتفق عليها في الصحيحين وفي غيرهما بغير هذه الزيادة وهذا سندها
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ. ثم ذكر الحديث الذي ذكرتُه أعلاه بدون زيادة
( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
2- رواية السفر بن نسير الأزدي عن حذيفة بغير الزيادة في مسند الإمام أحمد برقم 23382
..
3- الراوي الثالث عن حذيفة هو زيد بن وهب وقد جاء بالحديث بدون الزيادة كذلك
أخرج الحديث عن طريقه البزار في مسنده 7/237 ورقم الحديث 2811
..
4- الراوي الرابع عن حذيفة هو مكحول وقد رواها كذلك بدون الزيادة وأخرج حديثه هذا نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1/31 برقم 16
..
5- الراوي الخامس عن حذيفة هو يونس بن ميسرة وروايته بدون الزيادة كذلك رواها نعيم بن حماد في الفتن 1/36 برقم 32
..
6- الراوي السادس عن حذيفة هو حسان بن عطية وروايته بغير الزيادة في مجموع مصنفات أبي العباس الأصم ص116 ورقم الحديث 186
..
7- الراوي السابع عن حذيفة هو أبوسلام وقد أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول متابعة للرواية المتفق عليها من طريق أبي مسلم الخولاني وفيها الزيادة
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وذكرها بطوله وفيه
( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
وقد أعلَّ الإمام الدارقطني هذه الرواية وانتقدها فقال:
( وهذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان (رضي الله عنه) بليال، وقد قال فيه حذيفة فهذا يدل على إرساله )
الإلزامات والتتبع للدارقطني ص 182 رقم 54
وقد وافقه النووي رحمه الله في الحكم بالإرسال والانقطاع، والحديث المرسل إذا رُوِيَ من طريق آخر متصلا تبين به صحة المرسل وجاز الاحتجاج به إذا وافق نفس الألفاظ وفي حال المخالفة فلا يُقبل الاحتجاج به، والإمام مسلم قد يأتي بالمتابعة للحديث إشارةً منه لعلة فيه
، قال الإمام مسلم رحمه الله
( إلا أن يأتي موضع لا يُستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد، لعلة تكون هناك )
وقال النووي في شرح مسلم
( السبب الثاني أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لافي الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا باسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبعه باسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه ) 1/25
المهم أن الحديث من طريق أبي سلام ضعيف للانقطاع بين أبي سلام وحذيفة رضي الله عنه.
..
8- الراوي الثامن عن حذيفة هو سبيع بن خالد اليَشْكُرِيُّ وَثَقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب
( مقبول ) يعني: عند المتابعة
تقريب التهذيب ص 229
سبيع بن خالد اليشكري هذا روى عنه ثلاثة:
الأول: صخر بن بدر روى عن سبيع الحديث بالزيادة ( فإن رأيت خليفةً فالزمه وإن نهك " ظهرك ضربا وأخذ مالك ) وسندها
عن أبي التياح عن صخر بن بدر عن سبيع بن خالد عن حذيفة " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 7/447 برقم 37113
وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب 38/421 برقم 23425 وأخرجه غيرهم
وصخر بن بدر قد خالف بروايته المحفوظ من رواية نصر بن عاصم بدون هذه الزيادة ونصر بن عاصم ثقة وروايته عن حذيفة بغير الزيادة كما سيأتي معنا، فرواية صخر منكرة بهذه الزيادة.
الثاني: علي بن زيد بن جدعان وقد روى الحديث عن سبيع بن خالد اليشكري الحديث بغير الزيادة كما في مسند الإمام أحمد 38/439
برقم 23449
وعلي بن زيد هذا ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص401
الثالث: هو نصر بن عاصم الليثي وقد روى عن سبيع بدون الزيادة وهو المحفوظ عنه وسندها
( أبوأسامة حماد بن أسامة عن سليمان بن المغيرة قال: قال حميد وهو بن هلال حدثنا نصر بن عاصم الليثي ) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم 37114
ورواية نصر بن عاصم التي رواها عنه حميد بن هلال وهو ثقة بدون الزيادة وهو المحفوظ في الرواية عن سبيع بن خالد، وأما رواية قتادة عن نصر بن عاصم بالزيادة فهي في سنن أبي داود برقم 4244
بلفظ ( إن كان لله في الأرض خليفة فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه )
وطريقها " من قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن سبيع بن خالد " وفيها عنعنة قتادة بن دعامة وهو مشهور بالتدليس وإن كان ثقةً إلا أن زيادته تخالف جزءًا من رواية صخر بن بدر وتخالف المحفوظ عن سبيع بن خالد من رواية حميد بن هلال عن نصر بن عاصم بدون هذه الزيادة وطريق حميد بن هلال عن نصر بن عاصم أصح الطرق إلى سبيع بن خالد اليشكري وليس فيها ذكرُ السيف ولا ضرب الظهر وأخذ المال، وعلى ذلك فذكر السيف وضرب الظهر وأخذ المال لا يصح عن سبيع اليشكري، بل هو شاذ لمخالفته الطريق الصحيحة.
..
الخلاصة
1- أصح طُرق الحديث سندًا ومتنا المروي في الصحيحين من طريق أبي مسلم الخولاني عن حذيفة رضي الله عنه.
2- الصحيح والمحفوظ عن سبيع بن خالد اليشكري طريق حميد بن هلال قال حدثنا نصر بن عاصم الليثي قال أتينا اليشكري
بدون الزيادة.
3- أن ذكر ضرب الظهر وأخذ المال لا يصح عن حذيفة رضي الله عنه.
..
والله أعلم وأحكم
ونكمل معكم في لقاء قادم إن شاء الله
وكتبه حجاج بن فهد العجمي
——————————-
نظرات في أحاديث السمع والطاعة ( 4 )
[ وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالك 2 ]
..
قدَّمنا في المقالة السابقة أن هذه الزيادة من حديث حذيفة لا تصح عنه، وأن المتفق عليه وأكثر طُرق الحديث جاءت صحيحةً بغير هذه الزيادة، وهناك حديث آخر مرويٌّ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وفيه ما يوافق هذه الزيادة من حديث حذيفة بلفظٍ مُقارب
عن عبادة عن النبي ﷺ أنه قال:
"اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ"
وهذا أخرجه ابن حبَّان في صحيحه 10/425
برقم 4562 وزاد فيه ( إلاَّ أن تكون معصية )
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم 1026
..
وسنناقش من جهة الرواية هذا الحديث برواته وألفاظه، فأقول روى هذه الحديث عن عبادة بن الصامت أربعة من الرواة وهم:
1- الراوي الأول الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه بغير هذه الزيادة ولفظ روايته
«بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ»
رواه البخاري برقم 7199
ورواه مسلم بلفظ مقارب برقم 1709
..
2- الراوي الثاني عن عبادة هو خالد بن معدان
بغير الزيادة ولفظ الحديث
( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ لَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَلَوْ رَأَيْتَ أَنَّهُ لَكَ )
وخالد بن معدان تابعي ثقة وثَّقه العجلي في كتابه الثقات، وقال عنه الحافظ ابن حجر
( خالد ابن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يُرسل كثيرا من الثالثة مات سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك )
التقريب ص190
وحديثه هذا عن عبادة رجاله ثِقات غيرَ أن الوليد بن مسلم مُدَلِّسٌ وقد عنعنه، والشاهد أنه مروي من طريق خالد بن معدان عن عبادة بغير الزيادة
..
3- الراوي الثالث هو سعد بن عبادة بغير الزيادة كذلك وأخرج روايته البزار في مسنده 9/189 برقم 3735
..
4- الراوي الرابع عن عبادة هو جنادة بن أبي أمية وقد روى عن جنادة هذا الحديث ستة من الرواة، خمسةٌ منهم بغير زيادة
( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك )
1-الراوي الأول عن جنادة هو الأوزاعي بدون الزيادة، قال الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ لِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ( عَلَيْكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِكَ وَعُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَأَنْ لا تُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحا )
أخرجه أبوالعباس الأصم كما في مجموع مصنفاته ص63 برقم 45
وأخرجه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة برقم 2302
..
2- الراوي الثاني عن جنادة هو أبوقلابة وبدون الزيادة كذلك
أخرجه معمر بن راشد في جامعه 11/331
برقم 20687
ولفظ روايته
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، لِجُنَادَةَ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا جُنَادَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِالَّذِي لَكَ وَالَّذِي عَلَيْكَ؟ إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَفِي الْأَثَرَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْ تَدَعَ لِسَانَكَ بِالْقَوْلِ، وَأَلَّا تُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بَرَاحًا، فَإِنْ أُمِرْتَ بِخِلَافِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاتَّبِعْ كِتَابَ اللَّهِ»
..
3- الراوي الثالث عن جنادة هو بُكَيْرُ بن عبدالله الأشجّ وقد روى عنه بغير الزيادة كذلك، أخرج الرواية ابن أبي شيبة في مصنفه 7/464 برقم 37258 وأخرجها ابن أبي عاصم في السنة 2/494 برقم 1033
..
4- الراوي الرابع عن جنادة هو مُجاهد بن جبر، بدون الزيادة وأخرج الرواية من طريقه الشاشي في مسنده 3/148 برقم 1222
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ مِمَّنْ فَقَّهَهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا عَلَيْكَ وَمَا لَكَ، إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَأَنْ تُقِيمَ لِسَانَكَ بِالْعَدْلِ , وَأَنْ لَا تَنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ»
5-الراوي الخامس عن جنادة هو عُمير بن هانئ بدون الزيادة، وأخرج روايته الإمام أحمد في مسنده 37/403 برقم 22735
ولفظه
عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَلَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ»
..
6- الراوي السادس عن جنادة بن أبي أمية هو أبو النَضْر حيَّان الأسدي وأبو النضر ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين وقال أبوحاتم الرازي: صالح، انظر تاريخ دمشق (15/376) ومعنى صالح: أي عند المتابعة
ويُروى عن أبي النضر من طريقين:
أ- الطريق الأول: من طريق مُدرك بن أبي سعد الفزاري وفيه زيادة ( وإن ضربوا ظهرك وأكلوا مالك ) وقد رواها ابن حبان في صحيحه برقم 4562 وابن أبي عاصم في السنة برقم 1026 ومدرك بن أبي سعد الفزاري مختلفٌ فيه: فوثقه جماعة منهم ابن معين والدارمي وقال أبوحاتم الرازي وأبوداود: لا بأس به، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: لا بأس به ص524، وعلى هذا فهو حَسَن الحديث ويؤخذ من حديثه المعروف إلا أن يـخالف!
قال أبو مسهر عن مدرك الفزاري
"صالح" أي يُعتبر بحديثه ويُكتب، ويحتاج لمُتابِع، وقال: "يؤخذ من حديثه المعروف" أي الحديث الذي يُتابع عليه ويُرد ما تفرَّد به راجع تهذيب التهذيب 10/80 .
الشاهد أنه زاد في الحديث لفظة تفرَّد بها عن أبي النضر، وغير أبي النضر لا يذكر هذه الزيادة. وقد خالفه في هذا أيضاً سعيد بن عبدالعزيز عن أبي النضر كما سيأتي.
ب- الطريق الثاني: سعيد بن عبدالعزيز عن أبي النضر من غير ذكر الزيادة وهو الوجه المحفوظ الموافق لبقية رواة الحديث، وروايته في مسند أحمد برقم 22736
وسعيد بن عبدالعزيز ثقةٌ إمام إلا أنه اختلط قبل موته كما في التقريب ص238
وروايته هنا مستقيمة ليس فيها أثر اختلاطه؛ لأنها موافقة لرواية الثقات.


والخلاصة ومن خلال هذا العرض يتضح أن زيادة ( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ) لا تصح في حديث عبادة بن الصامت بل هي زيادة شاذة أو منكرة فقد خالف مدرك بن أبي سعد الفزاري ثمانية من الرواة في طبقته وطبقة شيوخه وشيوخ شيوخه، وأيضا فإن هذه الزيادة لم تَرِد في طُرق حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ،
فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» رواه البخاري برقم 7053
ورواه مسلم برقم برقم 1709
وعلى ذلك فالزيادة المشهورة من حديث حذيفة
( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )
والزيادة في حديث عبادة بن الصامت
( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك )
لا تصح نسبتهما إلى النبي ﷺ وقد جمعتُ ألفاظ الأحاديث وطرقها وبينت ما أراه دينا أتقرب به إلى الله سبحانه، ومع ذلك سأبين في المقالات القادمة في جانب الدراية مفصلا على افتراض صحة هذه الزيادة.
..
والله تعالى أعلم وأحكم

لايجوز تكفير أحد من المسلمين إلا بعد إقامة الحجة عليه ولاكن مامعنى : إقامة الحجة:


معناها : تبليغ الدليل لمن لم يبلغه او خفى عليه وتوضيحه و فهمه لمن بلغه وتأوله تأويل فاسد بشبه أو بفهم خاطئ
قال العلامة : محمد بن عبد الهادي السندي رحمه الله
وقوله : بعد إقامة الحجة عليهم ، أي : بإظهار بطلان دلائلهم.
حاشية السندى على صحيح البخارى (4/92)
وقال العلامة بن بطال رحمه الله
وأما قول البخارى: باب قتال الخوارج بعد إقامة الحجة عليهم فمعناه أنه لا يجب قتال خارجى ولا غيره إلا بعد الإعذار إليه، ودعوته إلى الحق، وتبيين ما ألبس عليه، فإن أبى من الرجوع إلى الحق وجب قتاله بدليل قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قومًا بعد إذا هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [التوبة: 115] {شرح البخاري لابن بطال 16/140 }وبه قال {الحافظ بن حجر فى الفتح 12/299}وغيره من العلماء
الدليل على وجوب إقامة الحجة :
من القرآن الكريم :
1}قال تعالي { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }(15)الاسراء
ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب. { التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح عبد العزيز آل الشيخ }
2} { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115] }
وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به، وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم، فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبيَّن لكم ما به تنتفعون، وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته. {التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح عبد العزيز آل الشيخ }
3} {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (165)النساء
أرسَلْتُ رسلا إلى خَلْقي مُبشِّرين بثوابي, ومنذرين بعقابي; لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل. وكان الله عزيزًا في ملكه,حكيمًا في تدبيره. { التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح آل الشيخ }
من السنة النبوية :
1} عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ » .البخاري ومسلم (وعن ابن مسعود)
قال النووي في شرح مسلم
فالعذر هنا بمعنى الاعذار والانذار قبل أخذهم بالعقوبة ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
2} في صحيح مسلم وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:” والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار“.
والسماع يوضحه شيخ الإسلام بن تيمية بقوله : قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه (القرآن )إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به عليه الحجة ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه فعلينا ذلك.
وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعري لما قاس المسيح على آلهة المشركين {الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص-138 }
والأدلة كثيرة ولكن نكتفى بذلك خشية الإطالة
الإجماع :
1} قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :
(الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطاياه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،وجماهير أئمة الإسلام) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 346).
2} قال الشيخ : وليد بن راشد السعيدان :
وأجمعوا على أن التكفير العام لا يستلزم تكفير المعين إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع
{تشنيف الأسماع ببعض مسائل الإجماع صـ4 }
3} الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله :
قال : (إن المتأولين من أهل القبلة الذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة، مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقاً والتزموا ذلك، لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العملية، فهؤلاء قد دل الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك) ((الإرشاد في معرفة الأحكام)) (ص: 207).
بعض أقوال العلماء :
1} الإمام ابن حزم رحمه الله :
وكل ما قلنا فيه إنه يفسق فاعله أو يكفر بعد قيام الحجة عليه فهو ما لم تقم عليه الحجة معذور مأجور وإن كان مخطئاً، وصفة قيام الحجة عليه هو أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها” {الإحكام لابن حزم1/67.}
2} قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :
وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتىتقام عليه الحجة وتبين له المحجةومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة” (مجموع الفتاوى (12/466)
و قوله – رحمه الله -: (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و إن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم– مما يخالفه) (الرد على البكري 376، وانظر مجموع الفتاوى1/372،).
3} الإمام ابن قدامة رحمه الله :
قال : (( وكذلك كلُّ جاهل بشيء يُمكن أن يجهله، لا يُحكم بكفرهحتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهةويستحله بعد ذلك )). المغني(12/277).
4} قال الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
عن بعض من يعمل الشرك أنه لا يكفر: (لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة … ) ((الهداية السنية)) لسليمان بن سحمان (46/ 47).

نصيحة الشيخ الامام محمد الغزالي الى ادعياء السلفية


  نصيحة الشيخ الامام محمد الغزالي الى ادعياء السلفية
مقال للشيخ الداعية محمد الغزالي بعنوان تهافت الفكر التكفيرى وسقوط التشدد السلفى
نتيجة بحث الصور عن محمد الغزالي
تزايدت مؤخراً الصيحات التى تنادى بضرورة العودة إلى القرآن الكريم أو استدعاء القرآن إلى حياتنا ، وقولنا " تزايدت الصيحات " يعنى أننا نقر أن القرآن فى مرحلة سابقة كان مغيباً عن حياتنا ، ممنوع عن ممارسة دوره فى صياغة الإنسان وتوجيه الحياة ، وقد نختلف على هذه المقولة بقدر ما نختلف على الطريقة التى يمكن من خلالها استدعاء القرآن الكريم وتمكينه من ممارسة دوره الذى أنزله الله من أجله .
هل يتم ذلك كما يعتقد البعض عبر ضبط الشكل من أحكام التجويد وإشاعة مدارس تعليم أصول التلاوة وبرامج التحفيظ فى الإذاعة والتليفزيون والاهتمام بتراث الأقدمين وما تركه السلف الصالح فى مجال التفسير وعلوم القرآن الكريم ؟ .
أم أن الحل يكمن فى أن نقفز على التراث ونعطيه ظهورنا ونتجه إلى القرآن الكريم مباشرة بلا حاجة إلى توسط شئ فى ذلك ، فالقرآن خاطب البشر جميعاً ونحن بشر لا فرق بيننا وبين أسلافنا الذين أصبح فهمهم حجة علينا .
يقول الشيخ الغزالى:"موقف المسلمين من القرآن الذى شرفوا به يثير الدهشة،ومن عدة قرون ودعوة القرآن مجمدة،ورسالة الإسلام كنهر جف مجراه أو بريق خمد سناه ".
ففى الوقت الذى يبقى فيه حكم الحلال والحرام ثابتاً لا تناله يد التبديل والتغيير ، هناك فسحة فى مجال التطبيق وتنزيل الحكم على الواقع ، ويضرب الشيخ الغزالى لذلك مثلاً فيقول : "لابد من الجزم أن الخمر رذيلة وشربها مبعد عن طبيعة الإسلام وطبيعة الطاعة لله ، لكن فى معاملتى للشاربين لازم أن أكون هيناً ليناً ، فلا أقسو .. أتدرج هنا فى تطبيق الأحكام ، كما تدرجت فى الأول ، أنا ممكن أن أمشى فى العقوبات هنا بالطريقة التى مشى بها الأولون ، أخوف أولاً وأشدد أخيراً " .
فإن العقل المسلم وحتى بدء سبعينيات القرن الماضى كان يستطيع تحمل الحوار ويتقبل شيئاً فشيئاً التجديد ، ولكن التشويه الدائم للإصلاح أفضى بالوعى المسلم المعاصر لعدم تقبل أى إصلاح فى الفكر الدينى ولو كان هو الأقرب للحق والنص والعقل ، بل لا يستطيع تحمل ما كان مطروحاً من أئمة الأزهر فى عصور ما قبل الوهابية .
وحتى لو كان فى غير كبائر الأمور ، فغلبة التدين الوهابى البدوى على الوعى العام لم تجعل صغيرة على حالها ، فقد أصبح لا يصدق إلا أصحاب " الطرحة " البيضاء أو الحمراء على الرأس ، وهذه هى الثقافة البائسة للأعراب التى تعشعش بفضل أزلام الوهابية وذيولها فى مصر الذين استأجرهم الوهابيون بحق الانتفاع ، ولذلك لن تجدى كل حملات التوعية ولن يجدى سن القوانين ، طالما بقيت الأشياء الوهابية متمكنة ومتربعة على الوعى العام فى شاشاتها ، ليل نهار .
من ذلك نتبين أهمية دور العالم الجليل فضيلة الشيخ محمد الغزالى ، الذى ساهم فى تطور أفكارنا نحو الاعتدال والوسطية وكيف ساهم فى صياغة العقل المسلم بطريقة عميقة ومنظمة وفق أولويات تحتاجها الأمة وليس وفق قضايا فرعية تلى فى الترتيب كثير من القضايا الهامة.
وعندما صدر كتابه " كيف نتعامل مع القرآن " اصطدمت أفكاره بالكثير من ثوابت الوهابية التى قرر شيوخها منع الكتاب من دخول السعودية ، بل وأخذوا فى شحذ قواهم المالية عن طريق أذنابهم ومتبعيهم لمحاربة ما جاء فى الكتاب من أفكار ، وهو ما حدا بالشيخ الجليل إلى تفنيد الأفكار الوهابية السلفية وشرح تناقضاتها مع صحيح الإسلام ، وهذا هو موضوع كتاب هذا العدد الذى ضمناه أيضاً كل ما كتب الغزالى عن الوهابية فى باقى كتبه حتى تعم الفائدة ، فإصلاح الفكر الدينى ، ببعده النظرى ، والتخلص من رق التخلف الموروث ، حتى لو لم يثمر فورياً ، هو غاية مرجوة بعينها لأن الإصلاح فى الفترة الراهنة أصبح غاية فى ذاته وليس مجرد وسيلة .
ترددت طويلاً قبل أن أكتب هذه الكلمة ، ولكن مصادرة كتابى " كيف نتعامل مع القرآن " الذى صدر أخيراً أملت علىّ أن أحسم الموقف .
إننى أحب المملكة العربية السعودية لأن علمها يحمل شعار التوحيد ، ولأن ملكها يخدم الحرمين الشريفين ، ولأن ترابها شهد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وهم يخرجون من ديارهم لإخراج العالم من الظلمات إلى النور .
شئ آخر ينبغى أن أذكره ، لقد أوتنى المملكة عندما تنكر لى السادات ، واضطرنى أن أترك وطنى مهزوماً مظلوماً ، إننى وجدت أذرعه مفتوحة ، وصدروا مشروحة ، واشتغلت بالتعليم مع نفر من أنبل العلماء وأذكاهم ، وأديت واجبى على نحو أرضيت به ربى وأرحت به ضميرى .
بيد أننى لاحظت ما رابنى وأعيانى ، هناك شيوخ على عقولهم إغلاق ، وفى قلوبهم قسوة ، يتعصبون للقليل الذى يعرفون ، ويتنكرون للكثير الذى يجهلون ، قلت ، لعل الزمن يفتح إغلاقهم ويلين قلوبهم ، ويظهر أنى كنت متفائلاً أبعد من الواقع ، إنهم لا يعطون الرأى الآخر أى حرمة .
أذكر أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال بعد انقضاض الأحزاب من حول المدينة (من كان يؤمن بلله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة) ، وصدع الصحابة بالأمر ، ولكنهم بعد مراحل من الطريق اختلفوا ، قال بعضهم : ما نضيع وقت العصر ، وما أراد بكلمته إلا استعجالنا وقهر كل عائق من المسير ، ويجب أن نصلى العصر قبل دخول المغرب ، وصلوا فى الطريق ، وأنفذ الآخرون الأمر على ظاهره ، وصلوا فى بنى قريظة .
قلت لو كان هؤلاء الحنابلة المتشددون حاضرين لقالوا لمن استعجل الصلاة ، يا عدو الله ورسوله . تعصى النبى وترفض عزيمته علينا (أى عزمه عليهم بالإسراع فى المسير)!!إن هذا نفاق !! كيف نصلى فى الطريق وقد أمرنا بالصلاة فى بنى قريظة ؟؟ .
ولكن المجتمع الأول كان أنقى وأطهر ، صاحب الرأى ذكر ما عنده دون محاذرة أو خشية ، فالحرية فطرة ، وذكر ما عنده على أنه وجهة نظر إسلامية ، ما يمكن قطعها عن نسبها الدينى وبلغ الأمر الرسول الكريم ، فلم يُلق إليه بالاً ، وجمع أصحابه كلهم فى جبهة واحدة ضد اليهود وأحرزوا النصر .
على هامش العقيدة ، وفى فقه الفروع تبدو وجهات نظر شتى ، يستطيع كل ذى رأى أن يذكر ما عنده مقروناً بدليله ، ومع تلاقى العقول وتلاقى الحوار ، يظهر خير كثير . أما أن يزعم بعض الحنابلة أن الرأى رأيهم ، وأنه وحده هو الدين الحق ، وأنهم المتحدثون الرسميون عن الله ورسوله ، فهذا غرور وطيش !! .
وقد خرج هؤلاء من أرضهم وانساحوا فى العالم الإسلامى ، فكانوا بلاء يوشك أن يقضى على الصحوة الإسلامية الناجحة ، وكانوا بفقههم المحدود وراء تكوين فرق التكفير والهجرة ، وجماعات الجهاد والإنقاذ ، فإذا الصف الواحد ينشق أنصافاً وأعشاراً ، هذا يقاتل من أجل الجلباب القصير ، وهذا يقاتل من أجل أن تكون وظيفة المرأة محصورة فى الولادة !! وهذا يقاتل لمحو المذاهب الفقهية ، وهذا يعلن الحرب على الأشاعرة ، وهذا وهذا .. فماذا كانت العاقبة ؟ انهدام البناء وشماتة الأعداء .
إن لى فوق الخمسين كتاباً أخدم بها الإسلام ، ومصادرة كتابى (كيف نتعامل مع القرآن) عمل طائش يُكتب لأصحابه فى صحائف السيئات .. إن مسالك هؤلاء الشيوخ أساءت إلى المملكة فى حرب الخليج وجعلت التيار الإسلامى يضل الطريق ، وما ينتظر من بلائهم أعظم ، وحسبنا الله .
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه الكرام ومن والاه ، وبعد. فانطلاقاً من قول النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : " الدين النصيحة . قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " .
فبعد صدور كتابى (الرد المحكم المنيع) وصدور عدة كتب لأهل العلم انتظرت لعله ينصلح أو يتغير شئ من تصرفاتكم وأساليبكم ، ولكن لم يحصل من ذلك شئ ، وحيث إن الله تعالى يقول فى سورة العصر : " وَالْعَصْرِ (1) إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إلاَّ الَذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " .
فقد عزمت بعد الاستخارة أن أتوجه إليكم بهذه النصيحة التى أرجو أن تكون مقبولة سائلاً المولى تعالى أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وإلا يجعله علينا متشابهاً فنتبع الهوى ، والله الهادى للصواب . فأقول وبالله التوفيق :

1- لا يجوز اتهام المسلمين الموحدين الذين يصلون معكم ويصومون ويزكون ويحجون البيت ملبين مرددين : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " .

لا يجوز شرعا اتهامهم بالشرك كما تطفح كتبكم ومنشوراتكم ، وكما يجأر خطيبكم يوم الحج الأكبر من مسجد الخيف بمنى صباح عيد الحجاج وكافة المسلمين ، وكذلك يروع نظيره في المسجد الحرام يوم عيد الفطر بهذه التهجمات والافتراءات أهل مكة والمعتمرين ، فانتهوا هداكم الله تعالى ، وترويع المسلم حرام ، لا سيما اهالي الحرمين الشريفين ، وفي هذا المعنى نصوص شريفة صحيحة .

2- لقد كفرتم الصوفية ثم الاشاعرة وانكرتم واستنكرتم تقليد وإتباع الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ) في حين أن مقلدي هؤلاء كانوا ولازالوا يمثلون السواد الأعظم من المسلمين ، كما ان المنهج الرسمي لدولتكم والذي وضعه الملك عبد العزيز رحمه الله ينص على اعتماد واعتبار المذاهب الأربعة فانتهوا هداكم الله تعالى .

ومن كان كافرا بعد إسلامه فهو في حكم المرتد الذي يباح دمه فتذكروا حديث نبيكم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ( 1 ) .



3 - بعد ان فرغتم ممن سبق ، سلطتم من المرتزقة الذين تحتضونهم من رمى بالضلال والغواية الجماعات والهيئات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة والناشطة لإعلاء كلمة الله تعالى والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كالتبليغ ، والإخوان المسلمين ، والجماعة (الديوبندية) التي تمثل أبرز علماء الهند وباكستان وبنغلاديش، والجماعة ( البريلوية ) التي تمثل السواد الأعظم من عامة المسلمين في تلك البلاد ، مستخدمين في ذلك الكتب والأشرطة ونحوها ، وقمتم بترجمة هذه الكتب الى مختلف اللغات وتوزيعها بوسائلكم الكثيرة مجانا، كما نشرتم كتابا فيه تكفير أهل ابو ظبي ودبي والاباضية الذين معكم في مجلس التعاون .

أما هجومكم على الأزهر الشريف وعلمائه فقد تواتر عنكم كثيرا .

4- ترددون جملة الحديث الشريف : " كل بدعة ضلالة " ( 1 ) بدون فهم للإنكار على غيركم ، بينما تقرون بعض الأعمال المخالفة للسنة النبوية ، ولا تنكرونها ولا تعدونها بدعة ، سنذكر بعضا منها فيما يأتي.

5- إنكم تغلقون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء مباشرة – وهو الذي لم يكن يغلق قبلكم في حياة المسلمين – وتمنعون الناس عن الاعتكاف والتهجد فيه ، وتنسون قول الله تعالى :

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114] .

6- تفرضون على المؤذنين الحجازيين أسلوبا معينا في الأذان هو أسلوبكم في نجد ، وزمنا معينا محدودا ، وتطلبون عدم ترخيم الصوت وتحليته بنداء المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة ( الصلاة ).

7- تمنعون التدريس والوعظ في الحرمين الشريفين ولو كان المدرس من كبار علماء المسلمين حتى لو كان من علماء الحجاز والأحساء ما لم يكن على مذهبكم وبإذن صريح منكم مكتوب ومختوم منكم فقط ويمنع غيركم حتى لو كان شيخ الأزهر الشريف ، فاتقوا الله ولا تغلوا في مذهبكم واحسنوا الظن بإخوانكم من علماء المسلمين .

تمنعون دفن المسلم الذي يموت خارج المدينة المنورة ومكة المكرمة من الدفن فيهما وهما من البقاع الطبية المباركة التي يحبها الله ورسوله ، فتحرمون المسلمين ثواب الدفن في تلك البقاع الشريفة المباركة ، فعن عبد الله بن عدي الزهري رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته واقفا بالحزورة يقول : "والله إنك لخير ارض الله واحب ارض الله الى الله ، ولولا أخرجت منك ما خرجت " ( 1 ) .

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استطاع ان يموت بالمدينة، فليمت بها ، فإني اشفع لمن يموت بها " ( 1 ) .

9- تمنعون النساء من الوصول إلى المواجهة الشريفة أمام قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه أسوة بالرجال ، ولو استطعتم لمنعتم النساء من الطواف مع محارمهن بالبيت الحرام، خلافا لما كان عليه السلف الصالح والمسلمون ، وتحقرون النساء المؤمنات المحصنات القانتات ، تنهرونهن ، وتحجبونهن عن رؤية المسجد والإمام بحواجز كثيفة ، وتنظرون إليهن نظرة الشك والارتياب . وهذه بدعة شنيعة لأنه إحداث مالم يحدث في زمنه عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ، فقد كان يلي الإمام صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء ، يصلون جميعا وبلا حواجز خلفه صلى الله عليه وآله وسلم .

10- أتيتم بالمرتزقة والجهال من العابسين عند المواجهة الشريفة يستدبرون المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأقفيتهم وظهورهم ويستقبلون زواره والمسلمين بوجوه عابسة مكفهرة تنظر إليهم شزرا متهمة إياهم بالشرك والابتداع يكادون أن يبشطوا بهم ، يوبخون هذا وينتهرون ذلك ويضربون يد الثالث ويرفعون أصواتهم زاجرين متجاهلين وناسين قول الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [ الحجرات : 2 ، 3 ، 4 ]

كل هذا مع الكبر والاستمرار في إهانة أحباب المصطفى وزواره المؤمنين في حضرته الشريفة وقبالة مضجعه الشريف الذي اعتبره شيخ الحنابلة ابن عقيل أفضل بقعة على اليابسة كما نقل ذلك عنه الشيخ ابن القيم في كتابه " بدائع الفوائد " ( 1 ) .

11- تمنعون النساء من زيارة البقيع الشريف بلا دليل قطعي مجمع عليه من الشرع ، وتضيقون على المسلمين في الزيارة إلا في أوقات محدودة وقصيرة ، حتى أن بعضهم ينتهز فرصة تشييع الجنائز ليزور البقيع الشريف .

وقد منعتم المزورين في المدينة المنورة من مرافقة الزائرين وقطعتم أرزاقهم وبدونهم صار الناس يتخبطون ولا يعرفون أماكن قبول آل البيت الكرام وأمهات المؤمنين والصحابة رضي الله عنهم ، وهذا ظلم وتعسف وقهر وبطر لا يرضاه الله تعالى ورسوله الكريم ، فانتهوا هداكم الله تعالى .

12- هدمتم معالم قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت الكرام رضي الله عنهم وتركتموها قاعا صفصفا وشواهدها حجارة مبعثرة ، لا يعلم ولا يعرف قبر هذا من هذا ، بل سكب على بعضها ( 1 ) (البنزين) فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

فهلا أبقيتم وسمحتم بالتحجيز وهو مباح ، وارتفاع القبر شبرا ، وهو مباح مع الشاهدين فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع حجرا على قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه ثم قال : " أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي " ( 2 ) .



وقال خارجة بن زيد : " رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه " ( 3 ) .

أنشأتم مكتب استجواب ومحاكمة وتحقيق في زواية الحرم النبوي ( القديمة سابقا ) وكذلك بجوار البقيع حاليا وصرتم تحاكمون فيها من ترقبونه يتوسل أو يكثر الزيارة أو يخشع أو يبكي أو يدعو الله تعالى أمام القبر الشريف متوسلا به إلى الله تعالى ، حيث توجهون لهم قائمة

من الأسئلة – الجاهزة سلفا – عن مشروعية الزيارة والتوسل والمولد الشريف فمن وجوتموه مخالفا لذلك سجنتموه وألغيتم إقامته وأبعدتموه من البلاد ، مع أن هذه أمور تدور بين الاستحباب والإباحة عند العلماء حتى عند الحنابلة فلا يجوز تكفير المسلم بها ومعاقبته .

وقد حدثني من أثق به من السجناء انه كانت الأغلال في يديه طيلة فترة السجن الذي امتد شهرا ، وكان يتوضأ ويصلي وهي في يده ، كما كان ممنوعا حتى من قراءة القرآن الكريم ، فاتقوا الله تعالى فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .

ولا يجوز أن يكون فعل ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعاملين الذي قال : " إنما أنا رحمة مهداة " ( 1 ) . وبعثه الله تعالى رحمة للعاملين فكيف بالمسلمين الذي تعاملونهم هذه المعاملة القاسية المنكرة بجواره الكريم وفي مسجده الشريف وهو القائل عليه الصلاة والسلام : " الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون " ( 2 ) . و " إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " ( 3 ) .

14- سمحتم لأحد المحسنين من أهل المدينة بهدم وإعادة بناء مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جبل الخندق على حسابه الخاص ، وبعد الهدم أوقفتم رخصة البناء لأنكم تعتبرون زيارة المساجد السبعة في موقع معركة الخندق النازلة فيها سورة الاحزاب بدعة ، بل وتتمنون هدمها .

- تمنعون الناس من ادخال وقراءة كتاب ( دلائل الخيرات ) للشيخ العارف بالله محمد سليمان الجزولي الحسني في الصلوات على النبي عليه الصلاة والسلام ، وكذا غيره من الكتب في حين أنكم تعلمون ما يدخل ويعرض من الكتب والمجلات والمطبوعات المنكرة شرعا ، فاتقوا الله تعالى . 16- تتجسسون وتلاحقون وتستجوبون وتعاقبون من يقيم مجالس الاحتفال والاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف التي تخلو من أي منكر في الشرع ، في حين لا تعترضون على مجالس اللهو والطرب والغناء ومظاهرها بشتى ألوانها وانواعها – فهل يجوز الكيل بمكيالين ؟ وهل تجوز إهانة المؤمن المحب ومراضاة الفاسق المستهتر ؟

17- تمنعون الأئمة من ( القنوت ) في المساجد في صلاة الصبح وتعتبرونه بدعة علما بأنه ثابت شرعا لدى إمامين من الأئمة الاربعة هما : الشافعي ومالك رضي الله عنهما فلماذا فرض الرأي الواحد ، والتضييق على المسلمين ؟ فاتقوا الله تعالى .

18- لا تعهدون بالإمامة في الحرمين الشريفين إلا لأحدكم ( من نجد ) وتحظرونها على من سواكم من علماء الحجاز والاحساء وغيرهم فهل هذا من العدل أو من الدين بالضرورة ، فاتقوا الله تعالى ، واقسطوا إنه تعالى يحب المقسطين .

19- أعملتم معولكم في هدم آثار النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام في المدينة المنورة خاصة والحرمين الشريفين عامة ، حتى كاد أن لا يبقى منها الا المسجد الشريف وحده في حين أن الامم تعتز وتحتفظ بآثارها ، ذكرى وعبرة ودليلا على ماضيها التليد ، وترون أن كل اثر يقصد للاطلاع والزيارة شرك بالله تعالى … والله تعالى امرنا بأن نسير في الارض لننظر آثار المشركين فنعتبر بها كعاد وثمود الموجودة في ( ديار صالح – العلا قرب المدينة المنورة ) ، والتي لا تزال مزارا للسائحين حيث قال الله تعالى : قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [ آل عمران : 137 ]

وقال تعالى : أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ غافر : 21 ، 22 ] .
وقال تعالى : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [ إبراهيم : 9 ]

فلما تحرمون المسلمين من مشاهدة معالم وآثار معركة بدر وأحد والحديبية وحنين والاحزاب وغيرها من ( أيام الله ) التي نصر بها رسوله وعباده الصالحين وهزم الشرك والمشركين ؟ فاتقوا الله وكونوا من أولي الألباب لعلكم ترحمون .

20- آويتم ( نصار الألباني ) ونصرتموه وسمحتم له بنشر كتابه : (أحكام الجنائز وبدعها) . الذي طالب فيه جهارا بإخراج قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الشريف ( 1 ) ،

21 - احتضنتم تلميذ الألباني ووكيله في الكويت ( عبدالرحمن عبدالخالق ) ووجهتم أتباعكم إليه وأمددتموه بالمدد الكامل وهو الذي هاجم في كتابه ( فضائح الصوفية ) عامة الأولياء الصالحين واعتبر كل الصوفية زنادقة باطنيين وضالين ولو كان منهم من أثنى عليه وزكاه ابن تيمية وابن رجب والذهبي وبقية مشايخكم المعتمدين عندكم ، وفي الحديث القدسي الصحيح : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ( 2 ) فاتقوا الله تعالى وانتهوا .

22- تنتهزون كل عام فرصة صيانة وصباغة وترميم المسجد النبوي الشريف ، لتزيلوا كثيرا من المعالم الإسلامية الموجودة في خلوة المسجد الشريف من الآثار النبوية للبوصيري ، وقد أردتم طمس البيتين الشهيرين – المكتوبين على الشباك الشريف – الواردين في قصة العتبي كما ذكرها ابن كثير في التفسير ( 1 ) :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فـطاب من طيبـهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنـه

فيه العـفاف وفيه الجود والكرم

لولا أن نهاكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد عندما بلغه الأمر وأمر بإعادتها ، فما هذا الجفاء والصد عن نبيكم صلى الله عليه وسلم والواسطة بينكم وبين ربكم تعالى ؟ ما الامر الذي بينكم وبينه ؟ وكأنكم نسيتم قوله تعالى : وإِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَ اللَّهِ لَهُم عَذّابُ أَلِيمُُ [التوبة : 61 ] . وقوله تعالى : وإِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [ الأحزاب : 57 ]

- سمحتم للمدعو مقبل بن هادي الوادعي المعروف بكثرة سبابه وطعنه على مخالفيه من العلماء والدعاة إلى الله وصلحاء هذه الامة كما تشهد بذلك كتبه واشرطته أن يتقدم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، بعنوان : ( حول القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وإشراف الشيخ حماد الأنصاري ، طالب فيها جهارا نهارا بإخراج القبر الشريف من المسجد النبوي واعتبر وجود القبر والقبة الشريفة بدعة كبيرة وطالب بإزالتها وهدمها.

ومنحتموه على ذلك درجة الفوز والنجاح !

فهل تكرمون من يحاد رسول الإسلام ، حبيب الله ، رحمة للعالمين وخليله عليه الصلاة والسلام ؟!

وقد وجه هذا الرجل المئات من أتباعه ومقلديه ونحوهم ممن تأثر بمذهبكم ، وجههم – وهم حاملي السلاح – إلى هدم ونبش قبور المسلمين الصالحين ( 1 ) في عدن باليمن منذ سنوات قليلة فعاثوا في الأرض فسادا وخرابا فنبشوا قبور الموتى بالمساحي ونحوها ، حتى أخرجوا عظام بعض الموتى وانتهكوا حرماتهم ، وأثاروا فتنة عمياء ، وبلغنا أنهم استخدموا في ذلك المتفجرات ( الديناميت ) في بعض المواضع في اليمن . ( وهذا كله في صحيفة أعمالكم ) . 26

- سميتم المصحف الشريف الذي أمر بطبعه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد جزاه الله خيرا ، بـ : ( مصحف المدينة النبوية ) بدلا من أن يسمى ( مصحف المدينة المنورة ) وكأنكم لا تقرون أن هذه المدينة المباركة قد استنارت بل استنارت الدنيا كلها ببعثة ورسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وقديما هتفت جواري الأنصار عند هجرته الشريفة مرحبات :

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجـب الشكر علينا ما دعـا لله داع

فهو البدر والقمر والنور ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا وقال سبحانه : قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ المائدة : 15 ، 16 ]

وارجعوا إلى كتب التفاسير وهي كثيرة لتروا انهم فسروا النور في الآية الشريفة بأنه المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وهنا لا نجادلكم في نور ذاته الشريفة بل نقول : إنه عليه الصلاة والسلام ، كان نورا ورحمة بما جاء به من كتاب وسنة وهداية ، قال تعالى : وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ المائدة : 16 ]



- تصرون على تسمية الجهة المشرفة على شؤون الحرمين الشريفين ( رئاسة الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف ) ولا تقولون ( الحرم النبوي الشريف ) وكذلك في إعلانات الطرق الدالة على ذلك والموجهة إليه .. فلماذا لا يكون مسجد صلى الله تعالى عليه وسلم حرما ؟!

كيف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كلها حرما ، فقد قال عاصم بن سليمان الأحول : قلت لأنس : أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؟ قال : نعم ، ما بين كذا إلى كذا ، فمن أحدث فيها حدثا ، قال لي : هذه شديدة ، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.

وفي رواية عن أنس ايضا قال : " ثم اقبل حتى اذا بدا له احد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه ، فلما اشرف على المدينة قال : اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم ابراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " ( 1 ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المدينة حرم " ، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة ، والناس أجمعين ، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف " .

تزوير التراث : دأبتم على أن تحذفوا مالا يعجبكم ويرضيكم من كتب التراث الإسلامي التي لا تستطيعون منع دخولهم المملكة لأن عامة المسلمين يحتاجون إليها ، وفي هذا اعتداء شرعي وقانوني على آراء المؤلفين من علماء السلف الصالح الذين لا يستطيعون مقاضاتكم في الدنيا بل عند الديان في الآخرة .. ومما حذف أو غير وزور :

كتاب ( الأذكار ) للإمام محيي الدين النووي وذلك في طبعة (دار الهدى ) بالرياض سنة 1409 هـ .

بتحقيق عبد القادر الارناؤوط الشامي ، استبدل (ص295) عنوان فصل في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعنوان فصل في زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع حذف عدة اسطر من اول الفصل وآخره وحذف قصة العتبي التي ذكرها الامام النووي بكاملها .

وهذا اعتداء جائر على المؤلف وكتابه ، ولما روجع المحقق أجاب بأن وكلاءكم هم الذين غيروا وبدلوا ولدي صورة بخط يده بذلك .

حذفت عبارات لا تعجبكم من حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .

حذف الفصل الخاص بالأولياء والابدال والصالحين من ( حاشية ابن عابدين الشامي ) في الفقه الحنفي .

حذف الجزء العاشر من الفاتوي لابن تيميه وهو الخاص بالتصوف في طبعتكم الأخيرة للفتاوي .

حاول الشيخ ابن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ( سابقا ) أن يستدرك على ما لا يعجبه في كتاب ( فتح الباري بشرح البخاري ) للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فأصدر مع معاونيه ( ثلاثة أجزاء ) ثم توقف عن التعليق . وقد فتح باب شر بهذه التعليقات .

فسح إلى ابي بكر الجزائري بأن يعمل تفسيرا للقرآن الكريم يكون بديلا ومنافسا لتفسير الجلالين ولبس على الناس انه هو ليتم ترويجه على العامة .

27 - في الوقت الذي تفصلون النساء عن ذويهن ومحارمهن في المسجد النبوي بحجة الغيرة على العرض والدين ، توقفون الرجال من اتباعكم امام مداخل النساء يستشرفونهن وكأنهم معصومون عن كل ما يصدر عن غيرهم ، كما انكم توقفون مراقبيكم من الرجال بين صفوف الطائفين والطائفات من الحجاج والمعتمرين يستشرفون وجوه النساء ، ويطالبونهن بالحجاب خلافا لما عليه الجمهور من وجوب كشف الوجوه عند اداء هذه الشعيرة .

28- لا تعترضون على من يرعب المسلمين الموجودين في الحرم المكي ويحقق معهم ثم يقبض عليهم اذا لم يجد معهمه ( سند الاقامة ) خلافا لقول الله تعالى عن الحرم الشريف : وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [ آل عمران : 97 ] وهو ايضا مما يشوش ويعكر الصفو والهدوء والسكينة والهيبة على المعتكفين والركع السجود .

29- تمنعون وتمتنعون في المحاكم الشرعية عن إبرام عقود الزواج والنكاح بين المسلمين والمسلمات لكل مسلم غريب ومسلمة إذا كان زائرا ولا يملك سند الإقامة الدائم ، وهذه بدعة وظلم وفي ذمتكم لو ارتكب ما هو محرم شرعا .

30- ترفضون أن تسجلوا أي طالب للدراسات العليا في جامعاتكم إلا بعد أن تمتحنونه في ما تسمونه : ( العقيدة الصحيحة ) ولا تكتفون بأنه مسلم من عامة المسلمين الموحدين ، وهذه عصبية ممقوتة .

31- إذا اختلف معكم احد في موضوع أو امر فقهي أو عقدي ، اصدرتم كتبا في ذمه وتبديعه أو تشريكه ، ومع هذا لا تمنحونه حقه في الدفاع عن نفسه وتبرئتها من ذلك كما حصل مع السيد المالكي وأبو غدة والصابوني وغيرهم كثير .

32- سعيتم لبدعة كبيرة لم تسبقوا إليها حتى من اسلافكم في العقيدة والمنهج ، وهي انكم سعيتم لغلق وقفل ( البقيع الشريف ) ومنع الدفن فيه ونقل دفن الأموات الجدد إلى موقع آخر بعيد عن موقع الشرك والبدع في رأيكم ، ولمنع الناس من الدخول إلى البقيع وزيارة من فيه من الآل والصحابة والتابعين وبقية الصالحين ، ولكن الله تعالى أحبط مسعاكم وهيأ من قام بإبلاغ الملك فهد خادم الحرمين الشريفين بذلك ، فرفض ما نويتم وأمر بتوسعة البقيع الشريف حتى لا تكون الحجة عندكم ضيقه عن استيعاب من يموت من المسلمين .

33- رضيتم ولم تعارضوا هدم بيت السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين والحبيبة الأولى لرسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم المكان الذي هو مهبط الوحي الاول عليه من رب العزة والجلال ، وسكتم على هذا الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه وبيوت خلاء وميضآت .



فأين الخوف من الله تعالى ؟ وأين الحياء من رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ؟

34- حاولتم ولازلتم تحاولون وجعلتم دأبكم هدم البقية الباقية من آثار رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ألا وهو ( البقعة الشريفة التي ولد فيها ) التي هدمت ثم جعلت سوقا للبهائم ثم حولها بالحيلة الصالحون إلى مكتبة هي ( مكتبة مكة المكرمة ) فصرتم ترمون المكان بعيون الشر والتهديد والانتقام وتتربصون به الدوائر وطالبتم صراحة بهدمه واستعديتم السلطة وحرضتموها على ذلك بعد اتخاذ قرار بذلك من هيئة كبار علمائكم قبل سنوات قليلة ( وعندي شريط صريح بذلك ) غير أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد العاقل الحكيم العارف بالعواقب ، تجاهل طلبكم وجمّده . فيا سوء الأدب وقلة الوفاء لهذا النبي الكريم الذي اخرجنا الله به وإياكم والأجداد من الظلمات إلى النور ! ويا قلة الحياءة منه يوم الورود على حوضه الشريف .. ! ويا بؤس وشقاء فرقة تكره نبيها سواء بالقول أو بالفعل وتحقره وتسعى لمحو آثاره ! . والله تعالى يقول لنا : وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى .

والله تعالى ممتنا على بني اسرائيل بطالوت وموسى وهارون : وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [ البقرة : 248 ]

وقال المفسرون : إن البقية المذكورة هي عصاة موسى ونعليه و…… إلخ .

واقرؤوا إن شئتم الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلق بآثار النبي صلى الله عليه وسلم واهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بها المذكورة في ثنايا أبواب صحيح البخاري ففيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وفيه الغنية لقوم يعقلون ويتدبرون .

35- كان أسلافكم حنابلة المذهب يتبعون ويقلدون مذهب الإمام الشيخ أحمد بن حنبل رضي الله عنه ابتداء من ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن عبد الهادي وابن قدامة المقدسي ومرورا بالزركشي ومرعي ابن يوسف وابن هبيرة والحجاوي والمرداوي والبعلي والبهوتي وابن مفلح وختاما بالشيخ محمد ابن عبد الوهاب وأولاده والمفتي محمد بن إبراهيم وابن حميد رحمهم الله تعالى جميعا …

ولكنكم الآن تخليتم عن هذا المذهب وقلتم ( إنكم سلفيون ) حيث أعلن الشيخ عبد العزيز بن باز ( القائم بالفتوى والارشاد ) لمجلة ( المجلة السعودية ) قريبا في مقابلة معه انه لا يلتزم ولا يعتمد على المذهب الحنبلي وفقه الحنابلة ، وأنكم تلتزمون بالكتاب والسنة فقط .

فسبحان الله تعالى … هل كان الإمام أحمد ، واخوانه الأئمة الآخرون إلا ملتزمين بذلك ؟ ام هل بلغتم والشيخ واتباعكم مرتبة ( المجتهد المطلق ) – ومرتبة الامام الذي يجتهد رأيه ولا يتبع أو يقلد من سبقه ؟! نعظكم أن تزعموا ذلك ونعوذ بالله تعالى من الجهل والغرور والدعوى وان نكون في الزمان الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : " إن بين يدي الساعة أياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج والهرج القتل " .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ( 1 ) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ( 2 ) .

سمحتم للصغار وسفهاء الأحلام بمهاجمة السلف الصالح الأعلام لهذه الأمة ومنهم حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى حيث سمحتم وفسحتم للمدعو محمود الحداد أن ينشر كتابا يزعم فيه أنه يجمع تخريجي العراقي والزبيدي لكتاب إحياء علوم الدين فبدأه بمقدمة رمى فيها الإمام الغزالي بالضلال وبعظائم الأمور .

وذلك طبعا بعد التهجم بشتى وسائل مطبوعاتكم على الإمام أبي الحسن الأشعري وأتباعه من السواد الأعظم من المسلمين منذ مئات السنين حيث وصفتموهم بالضالين المضلين ( راجعوا أعداد مجلتكم ، البحوث الإسلامية ، ومنهج أهل السنة والجماعة لسفر الحوالي وسواها) وقد اطلعت بنفسي الشيخ عبد الله عبد المحسن التركي وزير الأوقاف على بعض هذه الأعداد … ولم يتغير شيء .

37- ضيقتم ثم أوصدتم وأقفلتم ( باب النصيحة ) من المسلمين لأئمتهم وحكامهم وأولي الأمر منهم وأفتيتم بمعصية من يخالف ذلك وعاديتموه في الوقت الذي فيه المسلمون وحكامهم بأمس الحاجة إلى الوعظ والنصيحة بالحسنى وصلى الله تعالى على القائل : " الدين النصحية – قلنا لمن قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " ( 1 ) .

38- عبتم واستنكرتم على الخميني الزعيم الإيراني وصحبه اتخاذ الآية في قوله تعالى : إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ المائدة : 33 ] .

___

حجة شرعية لإصدار أحكام الموت والاعدام على خصومهم ، ولكنكم بعد ذلك اتخذتموها وليجة لفعل الأمر نفسه في حق خصومكم وطوعتموها لضرب اعناق الاغرار من الغرباء والمستضعفين ولو بقطعة ( حشيش اوقات ) ، لمأسمع أنكم استفتيتم ( مجمع الفقه الاسلامي ) الذي عندكم في جدة ولا استأنستم برأي غيره كالأزهر الشريف والعلماء الكبار من المسلمين في هذا الشأن كأنكم تناسيتم كقضاة ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ، إلا في الحدود " رواه أبو داود وغيره ( 2 ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " . رواه الترمذي وقال : قد روي عنها ولم يرفع وهو أصح ( 1 ) .



قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ( 4/56 ) : " قال (البخاري) : وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن ابي وائل عن عبدالله بن مسعود قال : " ادرؤا الحدود بالشبهات ، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم " . وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا موقوفا ، وروي منقطعا وموقوفا على عمر . ورواه ابو محمد بن حزم في كتاب الايصال من حديث عمر موقوفا عليه بإسناد صحيح ، وفي ابن ابي شيبة من طريق ابراهيم النخعي عن عمر : " لأن أخطئ في الحدود بالشبهات احب إلى من أن اقيمها بالشبهات " . وفي مسند ابي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس بلفظ الاصل مرفوعا " . ا هـ .

ونسيتم قوله تعالى وهو أصدق القائلين عن النفس البشرية : من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [ المائدة : 32 ]

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء " ( 1 ) .

فاتقوا الله تعالى ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، واحذروا موجبات الندامة يوم الحسرة والقيامة .

39- أغريتم الشباب الأغرار بمذهبكم وآرائكم المتشددة كجهيمان العتيبي قتيل الحرم المكي وجماعته وكان شيخكم شيخهم ومرشدهم يثوبون إليه ويرجعون ويصدرون عن آرائه هو والشيخ والجزائري ، وكانوا يسرحون تحت أنظاركم يضايقون المسلمين في الحرمين يأمرون وينهون ويمرحون حتى إذا قويت شوكتهم وطالت أظافرهم وارتكبوا فعلتهم واحيط بهم فسقطوا بين قتيل وجريح واسير .. قلتم انكم براء منهم ومما كانوا يفعلون .. وكتبهم ونشراتهم التي خلفوها خير شاهد ودليل على ذلك ، فمن آرائكم المتشددة استقت ومنها شربت حتى ثملت ولازلتم على استحياء تفعلون .. باسم الكتاب والسنة فاتقوا الله الذي إليه ترجعون .

40- كفّرتم الصوفية ثم الاشاعرة والماتريدية وهو سواد المسلمين ، ثم التفتم إلى الاخوان ، ثم التبليغيين ثم بقية الدعاة والمفكرين . فماذا ابقيتم غيركم من المسلمين ؟

40- كفّرتم الصوفية ثم الاشاعرة والماتريدية وهو سواد المسلمين ، ثم التفتم إلى الاخوان ، ثم التبليغيين ثم بقية الدعاة والمفكرين . فماذا ابقيتم غيركم من المسلمين ؟

41- منعتم الدروس إلا دروسكم والمذاهب إلا مذهبكم والوعظ إلا وعظكم والدعاة إلا دعاتكم فتعطلت مجالس العلم ودرست محافل الوعظ وخوت حلقات القرآن واستخفت مجالس الذكر فماذا غدا انتم لربكم قائلون .. ؟ يوم يقول : وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [ الصافات : 24 ]

42- كفرتم ابن عربي ثم ألحقتم به حجة الإسلام الغزالي ثم التفتم لأبي الحسن الاشعري وبعده قلتم ما ما ت حسن البنا شهيدا ولا كذلك الشهداء في افغانستان لأن عقيدتهم لم تكن صحيحة وسليمة بل كانوا احنافا مقلدة تائهين هالكين وابقيتم انفسكم وحدكم الناجين ، ونسيتم قوله عليه الصلاة والسلام : " إذا قال الرجل : هلك الناس ، فهو أهلكهم " ( 1 ) .



أنشأتم جامعة في المدينة المنورة سميتموها (الجامعة الإسلامية) بجوار سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فهرع الناس والعلماء إليها بفلذات أكبادهم وأبنائهم مسرعين فرحين لينهلوا من هذا المنبع ظانين أنها ستزيدهم محبة واتباعا لحبيبهم صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين وأصحابه والتابعين .. فإذا بكم تدرسونهم كيف يجافونه ويجافونهم أجمعين .. وتجعلون الطلاب على بعضهم يتجسسون لينقلوا إليكم أسماء وأخبار من سميتموهم ( القبوريين ) الذين يكثرون الزيارة والسلام على سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين حتى يكونوا من المحاربين المنبوذين المفصولين إلا من والاكم وأطاعكم فهو وحده الصادق الأمين .

ومن تخرج بكم وتشرب بآرائكم من الناجحين صرتم ترسلونهم إلى بلادهم وكلاء عنكم منذرين ومبشرين لتجديد إسلام آبائهم وأقوامهم الضالين بزعمكم ، وتغدقون عليهم الرواتب وتفتحون لهم المكاتب وتفسحون الميادين ، فتقوم القيامة وينشب الخلاف والعداء بينهم وبين العلماء والصلحاء من آبائهم وشيوخهم السابقين وكأنهم (قنابل موقوتة) عبأتموها وملأتموها بكل سوء ظن وحقد دفين مما جعل البلاد الإسلامية وخاصة إفريقيا وآسيا ساحة للمعارك والخلافات بين المسلمين بل وصل الامر هذا إلى البلدان الاسلامية التي استقلت حديثا من روسيا والى الاقليات والجاليات المسلمة في اوروبا وامريكا واستراليا وغيرها فإلى الله المشتكى .

44- لم يقل ابن تيمية ولا ابن القيم ولا احد من أئمة السلف من قبلهما أن الصوفية كلهم مشركون بل قالوا أن منهم من يصل إلى مقام الصديقين فراجعوا أن شئتم كتب الذهبي وابن رجب وفتاوي ابن تيميه ومدارج السالكين لابن القيم وغيرها . ولكنكم تكفرون الصوفية ( كافة ) وتصفونهم بالابتداع والشرك .

ويفعل الشيء نفسه احبابكم وتلاميذكم المحدثون كأمثال عبدالرحمن عبد الخالق والجزائري وزينو ودمشقية والألباني ، ومقبل الوادعي ومن لف لفهم فهل آراؤكم هذه تابعة للسلف الصالح ام انتم بها منفردون مبتدعون ؟! وهل يجوز بعدها أن تقولوا نحن سلفيون ولم يسبقكم سلفي إلى هذا الامر المقيت ؟!

45- بلاد امريكا وأوربا وصلها داؤكم الدفين فاشتعل الخلاف في مساجد ومدارس المسلمين هذا تابع لابن باز وابن عثيمين ، يكفر الصوفية والذاكرين وهذا أشعري أو ماتريدي وهذا ديوبندي أو بريلوي … إلخ ، يحارب بعضهم بعضاً ويحرم الصلاة خلفهم والزواج والتواصل فيما بينهم ويقطع أواصر الدين ، وقد شاهدت ذلك بنفسي وحضرت منع الخطيب من الخطابة في مسجد بأمريكا لأنه صوفي فقام الشجار بين المصلين … فالتوبة التوبة إلى الله رب العالمين القائل : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ النور : 31 ]

46- إن ما يحصل من مذابح ومجازر ومآسي تشوه سمعة الإسلام وتفتك بالمسلمين خاصة كالتي في الجزائر ومصر أو التي حدثت في الحرم المكي ما هي إلى ثمرة خريجيكم وآرائكم وقراءة كتبكم ومطبوعاتكم التي بنيت على التكفير والتشريك والتبديع وسوء الظن بالمسلمين .

ولتتبينوا ويتبين الناس انظروا هل فيهم ( المتشددون ) صوفي أو أزهري أو أشعري أو مقلد للمذاهب الأربعة المجتهدين؟! وبعد أن أطلقتموهم سكتم ولزمتم الصمت وتفرجتم ولم تشجبوا أعمالهم ولم تكونوا لهم من الناصحين ، فليت شعري من هو ( لغوي المبيت ) ؟!

47- تتهمون المخالفين لكم من المسلمين بأنهم ة أو معتزلة مارقين . وأنتم الة لأنكم وافقتموهم في بعض آرائهم . وحقاً أنتم المعتزلة لأنكم شاركتموهم في إنكار الولاية والأولياء والكرامة والكرامات ، وحياة الموتى وتحكيم العقل في المغيبات من أمور الدين .

وقديماً قيل : ( رمتني بدائها وانسلت ) .

وقيـل :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عـار عليك إذا فعلت عظيم

فهل أنتم للحق سامعون ؟!

48- تعملون عمل الخوارج ، فإذا جاءكم أحد من المسلمين – وخاصة طلبة العلم – تبدأون في عقيدته أصحيحة عندكم أم لا ؟ ما تقول في كذا ، وكذا … وأين الله ؟ و … ؟

وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق فكانوا إذا جاءهم أو مر بهم المسلم الموحد امتحنوه فإذا خالفهم قتلوه – أما المشرك أو الكافر فيتلطفون به ويتلون الآية : وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [ التوبة : 6 ] . أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [ القلم : 35 ، 36 ]

49- كان للمذاهب الأربعة في الحرم المكي منابر فهدمتموها ثم كراسي للتدريس فمنعتمونها وكان من آخرها كرسي الدكتور السيد محمد بن علوي المالكي الذي أحياه بعد أبيه وجده فضاقت أعينكم أن تراه فاتهمتموه بالضلال وبالكفر البواح في كتابكم ( الحوار ) ولولا أن أعانني الله تعالى فدافعت عنه بكتاب ( الرد المنيع ) ، ودافع عنه آخرون من أهل العلم في كتبهم ، وتدخل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد فحماه لكان الآن في خبر كان

وكان هناك علماء يدرسون في الحرم النبوي الشريف على المذاهب الأربعة من آخرهم الشيخ ( عبد الرحمن الجهني الشافعي ) صاحب كتاب (قطف الثمار في أحكام الحج والاعتمار) فمنعتموه حتى يحصل على تصريح من الشيخ ابن باز ولم يمنح له التصريح فأوقف .

ومنهم العلامة الوزع المفتي الشيخ سعيد اللحجي الشافعي رحمه الله تعالى ، أوقفه عن الدرس جاسوس لكم ، ولم تنجح المساعي لدى ابن باز لإعادة الشيخ اللحجي للدرس فحرم الطلبة من دروسه النافعة .

ومن قبله أوقف العلامة المحقق الشيخ إسماعيل عثمان الزين الشافعي رحمة الله عليه ، وضيق عليه ، فالله حسيبكم .

وبذلك أقفل في الحرمين الشريفين باب تدريس علوم المذاهب الأربعة ( المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي ) الذي كان مستمراً ومتواصلاً منذ العصور الزاهية للإسلام أيام التابعين وتابعيهم من خير القرون الممدوحة وحتى في أيام أسلافكم لما دخلوا الحجاز ، وتركتم المجال فيها للجزائري وصهره وأضرابه ينادي بأعلى صوته بجوار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن ( أبوي النبي في النار ، أبوي النبي في النار ، يكررها ) ويرفع بها عقيرته ( 1 ) . فإنا لله وإن إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وهذا في حسابكم وذمتكم عند الله الجبار – بلا خوف ولا وجل من الله تعالى القائل : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [ الأحزاب : 57 ] ، والقائل : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ التوبة : 61 ]

50- كان هناك أثر ( مبرك الناقة ) ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد ( قباء ) يوم قدومه مهاجراً إلى المدينة في مكان نزل فيه قوله تعالى : لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [ التوبة : 108 ] ، فأزلتم هذا الأثر ، وكنا نشاهده حتى وقت قريب .

51- وكان في مسجد القبلتين علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الحرام علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الأقصى المنسوخة فأزلتموها باعتبارها بدعة .

52- أزلتم بستان الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي صلى الله عليه وسلم وردمتم بئر ( العين الزرقاء ) قرب قباء وبئر أريس (بئر الخاتم) ومنعتم مشاهدة بئر رومة التي اشتراها عثمان رضي الله عنه من اليهودي وأوقفها في سبيل الله . وهناك آثاراً أخرى كثيرة هامة إما أزيلت كلية أو غيرت معالمها .

53- وكان لأهل الأحساء من أصحاب المذاهب الأربعة مدارس خاصة لكل مذهب أغلقتموها ومنعتم التدريس فيها لأنه لا يجوز عندكم تدريس ما سوى مذهبكم في المدارس التي تشرفون عليها للذكور والإناث ، ولما صاروا يقيمون بعض الدروس في بيوتهم راقبتموهم وضايقتموهم وحاصرتموهم وتجسستم عليهم ، فهل هذه أعمال الدعاة الأبرار والرجال الأخيار التقاة الزهاد الورعين الخائفين من الله تعالى القائل : وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [ البقرة : 281 ]

والقائل : أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ المطففين : 4 ، 5 ، 6 ]

54- وضعتم معاولكم في بيت الصحابي الجليل ( أبي أيوب الأنصاري ) الذي استضاف فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قدومه المدينة المنورة قبل بناء حجراته الشريفة ، وقد حافظت عليه كل العهود السابقة بما فيها عهد أسلافكم فهدمتم هذا الأثر الشريف الذي كان في قبلة محراب المسجد النبوي الشريف وذلك بزعم أن المسلمين " المشركين " يتبركون به .

55- وهدمتم بجوار بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مكتبة شيخ الإسلام ( عارف حكمت ) المليئة بالكتب والمخطوطات النفيسة وكان طراز بنائها العثماني رائعاً ومميزاً .

هدمتم كل ذلك في حين أنه بعيد عن توسعة الحرم ولا علاقة له بها .



56- كما ردمتم ( بير حاء ) التي دخلت في التوسعة ولم تتركوا عليها أثراً أو علامة كأثر دخله النبي صلى الله عليه وسلم ورد ذكره في صحيح البخاري ( 1 ) وغيره . ولم تبقوا في المدينة المنورة من آثار المصطفى وأصحابه غير المسجد النبوي وحده فهلا التفتم لخيبر وغيرها وهل يجوز أن نقلد اليهود في إزالتهم لكل أثر إسلامي في القدس الشريف فنزيل آثارنا في المدينة المنورة ؟!

وماذا أبقيتم للأجيال القادمة ، من تراثنا المجيد ؟

57- وتوسعتم في إصدار الأحكام باسم الشرع الحنيف في قتل المخالفين لكم من أصحاب الرقية والعلاج الروحي وسميتموهم (سحرة) ولم تفرقوا بين المحقين منهم وبين المبطلين منهم ، وتركتم لأنفسكم مطلق الفتوى والحكم بذلك فأسلتم دماء الكثيرين من الأبرياء بحجة أنهم سحرة تستباح دماؤهم متناسين قوله تعالى : وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وقول البشير النذير صلى الله عليه وسلم : " أول ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء " . ( 1 )



فقفوا عند الحدود وادرؤها بالشبهات ، واتقوا يوم يقتص للجماء من القرناء ، يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [ النبأ : 40 ] ، وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [ البقرة : 281 ]