الأحد، 10 مارس 2024

*أحكام الهلال ، بين اعتماد الرؤية والحسابات الفلكية .. الأقوال والأدلة*

 


🌴
✍ : وليد فائق الحسيني
-------------------------------
كثيرا ما يحصل اختلاف بين الدول الإسلامية في إثبات دخول رمضان أو الخروج منه، وذلك أن بعض الدول تعتمد رؤية الهلال شرطاً لدخول الشهر، وهذا ما عليه أغلب الدول، بينما تكتفي دول إسلامية أخرى بالاعتماد على الحسابات الفلكية ..
ويحصل بسبب هذا الأمر كلام كثير وربما تُهمٌ وإنكار وتشهير بأنه تغيير للشرع، وربما تصدر فتاوى ببطلان العبادات ونحو ذلك، وهذا مما لا ينبغي، ولا مبرر لكل ذلك..
وسنبين أقوال العلماء في مسألة اعتماد الرؤية أو الحسابات الفلكية على عجالة مع ذكر أدلتهم إن شاء الله..
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وجوب رؤية الهلال وعدم اعتماد الحسابات الفلكية التي تتكلم قبل رأس الشهر عن ولادة الهلال وتحدد له يوما.
وهذا قول الجمهور، وبه قال الحنفية (المبسوط للسرخسي: 78/2) ، والمالكية (الذخيرة للقرافي: 493/2) والشافعية (المجموع للنووي: 270/6) والحنابلة (وبل الغمامة لابن قدامة المقدسي: 125/2)
القول الثاني: يجوز اعتماد الحسابات الفلكية، مع اختلاف وتفاصيل أصحاب هذا القول، ما بين جوازه في دخول الشهر او خروجه، ومابين وجود الغيم من عدمه، ونحو ذلك.
وهذا القول مروي عن ابن سريج ومطرف بن عبد الله بن الشخير وابن قتيبة وابن السبكي، ونسب ابن سريج هذا القول للإمام الشافعي، ولكن هذه النسبة لا تصح، فقد رد ابن عبد البر وابن حجر العسقلاني وغيرهم نسبة هذا القول للشافعي، وبينوا أن مذهبه هو مذهب الجمهور في وجوب الرؤية وعدم اعتماد الحسابات الفلكية.
الأدلة ..
*أدلة الفريق الأول:*
1- قوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
فمعنى (شهد) أي رأى، والآية واضحة في بيان طريقة إثبات الشهر ووجوب الصيام بالرؤية حصرا.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما)
وفي روايات أخرى (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين) و (فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) وغيرها
والروايات في الصحيحين على اختلاف بينها في الالفاظ.
وجه الاستدلال أن النص جعل علامة الشهر رؤية الهلال، فإن لم يكن فإتمام الثلاثين، ولم يذكر طريقة ثالثة، وهذا في دخول الشهر وخروجه، فالروايات نصت على عدة شعبان ورمضان.
3- نقل غير واحد من العلماء إجماع الأمة على وجوب الرؤية قبل ظهور الخلاف، والإجماع لا يضره الخلاف بعده .
*أدلة الفريق الثاني:*
احتج القائلون بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية بأدلة، منها:
1- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأقدروا له) رواه الشيخان.
وجه الاستدلال أن الحديث يصرح بذكر التقدير والحساب (فاقدروا له) فمتى ماتوفرت سبل الحساب والتقدير فنعمل بها، والنص حدد التقدير في حال عدم عدم الرؤية.
2- قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) وجه الاستدلال أن الله تعالى خلق الشمس والقمر وأمرنا ان نتعلم كيف تجري ونحسب لها، ونقيس فيها السنين والدهور، كما في قوله تعالى (ولتعلموا عدد السنين والحساب) وقوله (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) .
3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين) رواه الشيخان
وجه الاستدلال هو أن النبي صلى الله عليه وسلم علل مسألة الاعتماد على الرؤية بعلة، وهي عدم معرفة الحساب، فإذا انتفت هذه العلة، وتمكنا من معرفة الحساب وصار عندنا يقين كيقيننا بالرؤية فيجوز عندئذ، فكيف إذا صار اليقين بها أقوى من الرؤية ؟
4- قياس إثبات الهلال على الشمس في تقدير دخول اوقات الصلوات الخمس، فالصلاة صارت في أغلب بقاع الأرض تعتمد على الحساب فقط دون مراقبة يومية لدخول وخروج وقت الصلاة، دون ان نرى نكيرا من علماء المسلمين عليها.
5- بالنسبة لحديث (صوموا لرؤيته) قالوا: كما ان لفظ (الرؤية) يعطي معنى (الرؤية الحاصلة)، فهي تعطي معنى (تحقق الرؤية) قبل وقوعها، فهذا اللفظ محتمل، كقوله تعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم : (انك ميت وانهم ميتون) مع انه كان لا يزال حيا صلوات ربي وسلامه عليه، انما المعنى (ان موتك متحقق) ، فمتى كانت الرؤية للهلال متحققة فهي تعطي معنى (صوموا لرؤيته) اي اذا تحققتم من رؤيته.
والراجح من حيث الأدلة الصريحة والذي عليه جماهير الأئمة سلفا وخلفا هو الأول، بسبب قوة الأدلة ووضوح معناها وصراحتها .
لكن لا يعني هذا أن نصف من يفتي بالقول الثاني بأنه مبدل لحكم الله تعالى ومغير لنصوص الشريعة، فمادام مستندا على تعليل وفهم؛ فلا يحق لنا ان نحكم عليه بهذه الأحكام المجحفة، انما يكفي أن يقول من لا يرى هذا القول بأنه مرجوح وكفى.
*(حكم الحاكم يرفع الخلاف)*
عند اختلاف الأقوال فإن حكم الحاكم وقضاء القاضي يرفع الخلاف، فإذا حكم الحاكم المسلم او نائبه من قاض ونحوه في قضية خلافية فيجب اتباع الحاكم، والعهدة تكون عليه، غير أن الإمام مالكا رحمه الله لم يجز اتباع الإمام في هذه المسألة، أي مسألة اعتماد الحسابات الفلكية في دخول وخروج رمضان، كما ذكر الحطاب في مواهب الجليل (387/2)
وفي زماننا يكون اتباع الإمام اولى، والإمام هو الجهة الشرعية المخولة بتحديد دخول وخروج رمضان، وإلا لحدث اختلال واختلاف وفوضى لا ترضاها الشريعة، وتكون مفسدة اقوى من قضية تقديم المرجوح على الراجح، فعند وجود ضررين يعمل بأخفهما، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لذلك فمن عاش في دولة مسلمة فيجب عليه اتباع حكم الجهات المعنية في دخول الأشهر وخروجها .
والله أعلم
----------------
---------

حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة .... فيه كلام كثير في ثبوته وفي دلالته ؟!

 حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة .... سنة أم سياسة؟!


في البداية نودّ أن نعرف درجة الحديث الذي وضعوا كلّ ثقلهم عليه ، واستندوا عليه في تضليلهم للأمة الإسلامية – بما فيهم خير الدعاة والأئمة وأفضلهم .
وكأنه هو حديث متواترٌ ، لاشك في صحته ، وأنه صادر – بلا ريب – من رسول الله ﷺ ، فمن ردّه ولم يأخذ به ، ولم يعترف بصحة صدوره عن رسول الله ﷺ ، فهو قد ردّ على رسول الله ﷺ ، وخالفه وعصاه !
حديث افتراق الأمة إلى فرق فوق السبعين كلها في النار إلا واحدة ،
ففيه كلام كثير في ثبوته وفي دلالته .
أ - فأول ما ينبغي أن يعلم هنا أن الحديث لم يرد في أي من الصحيحين ، برغم أهمية موضوعه ، دلالة على أنه لم يصح على شرط واحد منهما
وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح ، فهذا مسلم ، ولكنهما حرصا أن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا ولو حديثا واحدا .
ب - إن بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة ، وإنما ذكرت الإفتراق وعدد الفرق فقط . وهذا هو حديث أبي هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفيه يقول :
" افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " .
والحديث ـ وإن قال فيه الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم ـ مداره على محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، ومن قرأ ترجمته في " تهذيب التهذيب " ، علم أن الرجل متكلم فيه من قبل حفظه ، وإن أحدا لم يوثقه بإطلاق وكل ما ذكروه أنهم رجحوه على من هو أضعف منه .
ولهذا لم يزد الحافظ في التقريب على أن قال : صدوق له أوهام .
والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط ، فكيف إذا كان معه أوهام ؟ ؟ !
ومعلوم أن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح ، وقد وصف الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح .
وهو هنا صحح الحديث على شرط مسلم ، باعتبار أن محمد بن عمرو احتج به مسلم ، ورده الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا ، بل بانضمامه إلى غيره .
على أن هذا الحديث من رواية أبي هريرة ليس فيه زيادة : أن الفرق " كلها في النار إلا واحدة " وهي التي تدور حولها المعركة .
وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة : عبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وعوف بن مالك وأنس ، وكلها ضعيفة الإسناد ، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض .
والذي أراه أن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها ، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه ، كما يبدو ذلك في كتب التخريج ، والعلل ، وغيرها !
وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له ، ولا إشكال في معناه .
وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية ،
وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها .
وهو يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة أنها الناجية ، وأن غيرها هو الهالك ، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض ، مما يضعفها جميعا ، ويقوي عدوها عليها ، ويغريه بها .
ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة ، وفي هذه الزيادة خاصة ، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض ، بل تكفيرها بعضها لبعض .
قال رحمه الله في " العواصم " وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة ، والحذر من التورط في تكفير أحد منها ،
قال : وإياك والاغترار بـ " كلها هالكة إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة ، غير صحيحة القاعدة ، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة .
قال : وعن ابن حزم : إنها موضوعة ، عير موقوفة ولا مرفوعة ،
وكذلك جميع ما ورد في ذم القدرية والمرجئة والأشعرية ، فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية .
ج - إن من العلماء قديما وحديثا من رد الحديث من ناحية سنده ، ومنهم من رده من ناحية متنه ومعناه .
فهذا أبو محمد بن حزم ، يرد على من يكفر الآخرين بسبب الخلاف في الإعتقاديات بأشياء يوردونها .
وذكر من هذه الأشياء التي يحتجون بها في التكفير حديثين يعزونهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هما :
1 . " القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة " .
2 . " تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة ، كلها في النار حاشا واحدة ، فهي في الجنة " .
قال أبو محمد : هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد ، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد ، فكيف من لا يقول به ؟
وهذا الإمام اليمني المجتهد ، ناصر السنة ، الذي جمع بين المعقول والمنقول ، محمد بن إبراهيم الوزير يقول في كتابه " العواصم والقواصم " أثناء سرده للأحاديث التي رواها معاوية رضي الله عنه ، فكان منها
( الحديث الثامن ) : حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا فرقة واحدة ،
قال : وفي سنده ناصبي ، فلم يصح عنه ، وروى الترمذي مثله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقال : حديث غريب .
ذكره في الإيمان من طريق الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عنه .
وروى ابن ماجه مثله عن عوف بن مالك ، وأنس .
قال : وليس فيها شيء على شرط الصحيح ، ولذلك لم يخرج الشيخان شيئا منها .
وصحح الترمذي منها حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة ، وليس فيه " كلها في النار إلا فرقة واحدة " وعن ابن حزم : أن هذه الزيادة موضوعة ذكر ذلك صاحب " البدر المنير " .
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) ، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا واحدة " ولم يزد على ذلك فلم يصفه بصحة ولا حسن ، رغم أنه أطال تفسير الآية بذكر الأحاديث والآثار المناسبة له .
وذكر الإمام الشوكاني قول ابن كثير في الحديث ثم قال :
قلت : أما زيادة " كلها في النار إلا واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين ، بل قال ابن حزم : إنها موضوعة .
على أن الحديث ـ وإن حسنه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ، أو صححه بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد طرقه ـ لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة وهذا العدد ، أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة ، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات .
فقد توجد بعض هذه الفرق ، ثم يغلب الحق باطلها ، فتنقرض ولا تعود أبدا .
وهذا ما حدث بالفعل لكثير من الفرق المنحرفة ، فقد هلك بعضها ، ولم يعد لها وجود .
ثم إن الحديث يدل على أن هذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم أعني أمة الإجابة المنسوبة إليه ، بدليل قوله : " تفترق أمتي "
ومعنى هذا أنها ـ برغم بدعتها ـ لم تخرج عن الملة ، ولم تفصل من جسم الأمة المسلمة .
وكونها ( في النار ) لا يعني الخلود فيها كما يخلد الكفار ، بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين .
وقد يشفع لهم شفيع مطاع من الأنبياء أو الملائكة أو آحاد المؤمنين وقد يكون لهم من الحسنات الماحية أو المحن والمصائب المكفرة ، ما يدرأ عنهم العذاب .
وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه ، ولا سيما إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق ، ولكنهم لم يوفقوا وأخطئوا الطريق ،
وقد وضع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] .
ويُضاف إلى ضعف أسانيد هذه الأحاديث ، واختلاف المحدّثين حولها ؛ أي : لم تثبت هذه الأحاديث بدون إشكالات عليها ، ولم يتّفق المحدّثون على تصحيحها ، يُضاف إلى ذلك : أنها تخالف القرآن الكريم من ناحية معانيها !
فالله سبحانه وتعالى يقول : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .
[ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ فَقَالَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } .
قَـالَ الْبُخَـارِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَيْسَرة ، عَنْ أَبِـي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ] .
بينما هذه الأحاديث تقول : كنتم شرّ أمّة أخرجت للناس ، واليهود والنصارى أفضل منكم ، وخير منكم !
فاليهود إفترقت على إحدى وسبعين فرقة .
والنصارى إفترقت على اثنتين وسبعين فرقة .
بينما أمّة محمد افترقت على ثلاث وسبعين فرقة ، فهي شرّ الأمم !
أيريدون إثبات أفضلية اليهود والنصارى على الإسلام ، بإلحاحهم على تصحيح هذا الحديث ؟ !
أم أنّهم موجّهون من حيث لا يدرون ؟ !
قد تكون صورة ‏نص‏
عرض الرؤى والإعلانات
أعجبني
تعليق
مشاركة

حديث الفرقة الناجية.. سنة أم سياسة؟


 
تحتاج الأحاديث النبوية الشريفة إلى دراسة نقدية مستمرة، وذلك بهدف التمييز بين الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمكذوب عليه. ويختلف المشتغلون في علم الحديث النبوي الشريف في هذه القضية،
على رأيين هما:
 الأول: التسليم المطلق للنتائج التي توصل إليها العلماء السابقون.
والثاني: ضرورة إعادة دراسة الأحاديث وخاصةً الإشكالية منها، والتي لا يطمئن الدارس الي  ثبوت صحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا منهج قديم سلكه من الصحابة السيدة عائشة رضي الله عنها، ولم يخل زمان ممن سلك هذا المسلك، ومن كبار العلماء الذين سلكوا هذا المسلك، الإمام البخاري، والإمام مسلم، والإمام الدارقطني. كل هؤلاء اعادوا دراسة أحاديث وصفت في زمنهم بأنها صحيحة صادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا بعدم ثبوتها.

 وفق رؤيتي الشخصية، فإنه يمكننا إعادة دراسة الأحاديث الشريفة المُشكلة، وذلك وفق القوانين النقدية المتعارف عليها بين علماء الحديث النبوي الشريف، وسبب ذلك أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل في دائرة العصمة، ولا يدخل غيره.
من هذه الروايات: الحديث المشهور المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والذي يقول فيه: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ".
سيكون كلامي في هذا الحديث من خلال محورين: الأول: سند هذا الحديث، وأقصد بالسند: الرواة الذين ينقلون الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. الثاني: متنه، وأقصد بالمتن: نص كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، والدافع لاختياري هذا الحديث أن هذا الحديث كان وما زال يشكل محرك الافتراق والاحتراب بين المسلمين، والآثار الكارثية له لا يمكن حصرها.
أولا: سند هذا الحديث. رُوي هذا الحديث بأسانيد كثيرة، وقد قمت بتجميع رواياته في أكثر من عشرين صفحة ودرستها، ثم قرأت ورقة علمية للدكتور حاكم المطيري بعنوان "حديث الافتراق بين القبول والرد"عالج فيها سند هذه الرواية، وكان ما توصلت إليه مطابقا لما توصلت إليه دراسة المطيري، بأن هذا الحديث لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا بد من التنبيه هنا إلى أن بعض العلماء صححوا هذا الحديث، اعتمادا على كثرة رواياته، وأجابوا عن الضعف الموجود في أسانيد الروايات: بأن الضعيف يُقوي الضعيف؛ وبالتالي فهو صحيح، وحكم بعضهم عليه بالتواتر ولا يصح قولهم، إذ الضعيف لا يقوي الضعيف، والتواتر يُدرس ويثبت بعد ثبوت صحة الاسانيد، ولا يصح له إسناد، فالحديث بالنظر إلى إسناده آحادا يعني: ظني الثبوت، وهو مع ظنيته ضعيف وبجميع طرقه دون استثناء.
 ومما يجدر ذكره أن غالب الفرق الإسلامية المتخالفة قد صححت هذا الحديث من جهة الإسناد. الخلاصة: سند هذ الحديث لا يصح بوجه من الوجوه.
ثانيا: متن هذا الحديث.
من خلال قراءة متأنية لمتن هذا الحديث، وجدت أن متن هذا الحديث مُشكِل، وسأجمل الحديث عن الإشكال في أربع ملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن هذا الحديث مخالف لكتاب الله العزيز، ومخالفته لكتاب الله تعالى من وجوه:
الوجه الاول: أن هذا الحديث يؤسس للفُرقة بين المسلمين، ويمتدح فريقا من المتفرقين، ويستخدم لفظة أمة، في حين نجد أن القرآن الكريم يستخدم لفظة أمة، ويؤسس للوحدة ويذم الفرقة، فقد قال الله تعالى:" وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ *فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ".  
الوجه الثاني: أن هذا الحديث استخدم الانتماء للطائفة كمعيار للنجاة، وأناط النجاة بالانتماء للطائفة، في حين أن القرآن الكريم استخدم التقوى كمعيار للنجاة وأناط النجاة بالفرد، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
الوجه الثالث: من خلال هذه الرواية، فإن الأمة الإسلامية هي الأسوأ بين الأمم، ودليل ذلك أنها الأكثر تشرذما، وهذا مخالف لما جاء به كتاب لله العزيز، من أن هذه الأمة هي خير الأمم، قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ " وقال تعالى: و"َكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "، وأنبه هنا إلى أن الخيرية والوسطية مشروطة وليست مطلقة.
الوجه الرابع: أن هذا الحديث يؤسس لطريقة في الحكم على الآخرين رفضها القرآن الكريم، فوفق هذا الحديث: يقول أهل السنة ليست الشيعة على شيء، وتقول الشيعة ليست أهل السنة على شيء، وتقول السلفية ليست الصوفية على شيء، وتقول الصوفية ليست السلفية على شيء، واذا ما أنعمنا النظر في كتاب الله تعالى نجد أن الحق يقول:" وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"، من خلال هذه الآية فقد لفت الحق سبحانه وتعالى نظر الناس إلى ضرورة البعد عن اطلاق الأحكام على الآخرين، وضرورة الالتفات الى المشترك بين الناس، وعدم بخس الناس أشياءهم، وإن أمر الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إنما هو لله تعالى ويكون في يوم القيامة وليس في الدنيا.
الملاحظة الثانية: يشكل هذا الحديثُ عائقا امام أي حوار أو تقارب بين الطوائف الاسلامية المختلفة، وذلك بسبب الشوفينية-ويقصد بها وفق موقع ويكيبيديا: الاعتقاد المغالي والتعصب لشيء والعنجهية في التعامل مع خلافه- التي يولدها هذا الحديث في نفوس جميع أتباع الفرق، فجميع الفرق الإسلامية تؤمن به، وتؤمن أنها المعنية به، وبمجرد أن ترى الفرقة نفسها أنها على الحق وفي الجنة، وأن الفرقة الأخرى على الباطل وفي النار فكيف يتحاورون؟ وكيف يتقاربون؟ خاصة إذا آمنوا أن قتلاهم في الجنة وقتلا غيرهم في النار.
الملاحظة الثالثة: أن العدد المذكور في الرواية لم يقع لا لليهود ولا للنصارى ولا للمسلمين، مع أن المصنفين في الملل والنحل كالشهرستاني وغيره، تكلفوا إيصال عدد الفرق إلى العدد المذكور لكنهم عجزوا عن ذلك، فكيف يمكن لنا تفسير العدد المذكور في الرواية، هنا قد يقول قائل: إن المقصود بالعدد التكثير، ويُرد عليه: أنه لوكان للتكثير لما احتوى على هذا التفصيل الدقيق في الأرقام.
الملاحظة الرابعة: حضور السياسية.
عند تتبع الروايات المختلفة لهذا الحديث نجد أنها تشير وبإشارات صريحة لحضور السياسية، من هذه الإشارات: أنك عندما تقرأ صفة الفرقة الناجية تجدها تنطبق على فرقة بعينها، وهي الفرقة التي سميت بالجماعة، نسبة إلى العام الذي تنازل بموجبه الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما وهو العام 41 هجرية، ويقابل فرقة الجماعة الفرق المعارضة، وهي: الْقَدَرِيَّةُ، -فرقة رفضت أن يكون الوضع القائم من الظلم والقتل إنما هو بقدر الله تعالى وأن الإنسان فاعل أساسي فيه-، وَالْمُرْجِئَةُ-وهم الذين فصلوا بين الإيمان والعمل-، وَالشِّيعَةُ -وهم الذين شايعوا الإمام على رضي الله عنه-، وَالْخَوَارِجُ، وهم الذين رفضوا فكرة التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
وقد وضعت هذه الرواية لتعزز أحقية وشرعيّة "فرقة الجماعة"، في مقابل الفرق الأخرى، وقد افادت منها تلك الفرق المعرضة لفرقة الجماعة؛ لتدعيم شرعيتها وأحقيتها بالنجاة.
 ومن الإشارات لحضور السياسة أيضا: ما ورد في رواية ابن أبي شيبة في مصنفه7/ 554،حيث أخبرت الرواية عن حال قتل جماعي لسبعين ممن ينتمون إلى الحرورية -اسم آخر للخوارج-، وقد كان سوق هذه الرواية شرعنةً لذلك الفعل، وكأن هذه الرواية قد فصلت على قياس فرقة الجماعة في ذلك الزمن، وكذلك فقد جاء فيها الحث على السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لأمراء فرقة الجماعة، وضرورة الإذعان والامتثال لهم، ومجانبة الفرق المعارضة.
ومن المفيد هنا التنبيه إلى أنه لم يقتصر الاحتجاج بهذا الحديث على الفرق، بل تعدى ذلك إلى الاحزاب فقد بات كل حزب اسلامي يعتقد به، ويحسب أنه المعني به، وأن غيره لن ينجو إلا باتباع منهجه، كذلك فقد احتجت الجماعات الجهادية بهذا الحديث، وكان سببا رئيسا من اسباب استحلال الدم، والقتل فيما بين هذه الجماعات.
الخلاصة: هذا الحديثُ لا يصحُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحال، فضلا عن مخالفته الصريحة لكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد كان لهذا الحديث وما يزال الأثر الأسوأُ في تقطيع أوصال الأمة الإسلامية، وهو سبب مركزي من أسباب فرقة الأمة واختلافها، وتشتتها وتشرذمها.
توصية: أوصي المؤسسات التعليمية، والدينية بأن يتم حذف هذا الحديث من المناهج التدريسية، وحذف كل ما ابتنى عليه، وذلك حتى نستطيع أن نتخلص مما عانى منه ابن سينا، حيث قال: بلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم.