الاضحية بغير بهيمة الانعام
السؤال: شيخنا في ظل تفشي مرض الحمى النزفية بين المواشي، فهل تجوز الأُضْحِيَّة بغير بهيمة الأنعام من الابل والبقر والغنم ؟ بارك الله فيكم
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد اتفق جمهور الفقهاء على أن الأُضْحِيَّة لا تكون الا من بهيمة الأنعام، وهى الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو معزا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث، فمن ضحَّى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به، فيكون صدقة من الصدقات.
قال الامام برهان الدين المرغيناني الحنفي في بداية المبتدي [1/220]:(والأضحية من الإبل والبقر والغنم).
وفي كتاب الاصل للإمام محمد بن الحسن الشيباني [5/411] : (أرأيت الرجل يضحي بالبقرة من بقر الوحش أو بظبي وحش أو حمار وحش؟ قال: لا يجزئ شيء من هذا في الأضحية ولا في غيرها، قلت: ولمَ؟ قال: لأن الوحش لا يضحى بها ولا تجزئ).
قال الامام أبو حامد الغزالي في الوسيط [7/132] : (الركن الأول الذبيح النظر في جنسه وصفته وقدره، أما الجنس فلا يجزىء إلا النعم وهو الإبل والبقر والغنم).
وقال الإمام النووي في المجموع [8/392]: (ولا يجزئ في الأضحية إلا الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقول الله تعالى: { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ...... ونقل جماعة إجماع العلماء عن التضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك).
وقال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني [9/440] : (ولا يجزئ في الأضحية غير بهيمة الأنعام، وإن كان أحد أبويه وحشيا، لم يجزئ أيضا. وحكي عن الحسن بن صالح أن بقرة الوحش تجزئ عن سبعة، والظبي عن واحد).
وقد حكي الإجماع على ذلك الإمام ابن عبد البَّر القرطبي المالكي في الاستذكار [5/321] فقال: (وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد خلافا).
وحكى الاجماع كذلك الامام ابن رشد في بداية المجتهد [2/193] : (وكلهم مجمعون على أنه لا تجوز الضحية بغير بهيمة الأنعام إلا ما حكي عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، والظبي عن واحد).
واستدل الفقهاء على أن الأضحية لا تكون إلا ببهيمة الأنعام بما يأتي:
1- قال الله تعالى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج : 27- 28].
و(بهيمة الأنعام) هي: كل أصناف الأنعام ، من الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا .
قال الامام القرطبي في تفسيره : (وأما "النعم" فإنها عند العرب ، اسم للإبل والبقر والغنم خاصة ، كما قال جل ثناؤه: { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [ سورة النحل : 5 ] ، ثم قال: { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [سورة النحل : 8 ] ، ففصل جنس النعم من غيرها من أجناس الحيوان) .
2- وقوله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحـج:34 ].
وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز ، وجزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير الطبري : وكذلك هو عند العرب.
3- وعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-- قال: (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال: "من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فإنه قبل الصلاة ولا نسك له»، فقال أبو بردة بن نيار خال البراء: يا رسول الله، فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة، قال: "شاتك شاة لحم" قال: يا رسول الله، فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين، أفتجزي عني؟ قال: "نعم ولن تجزي عن أحد بعدك") متفق عليه.
ففهم الرجل من أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بالذبح أنها بهيمة الأنعام, وكل حديث فيه ذكر الأضحية يأتي المفهوم منها أنها بهيمة الأنعام، وهو الذي نصت عليه الآية الكريمة.
وفيه ايضا دلالة أن تغير سن الأضحية من بهيمة الأنعام يجعلها لا تجزئ. فكيف بمن ذبح غيرها من الحيوانات.
4- وعن جابر بن عبدالله-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم. ولو كان هناك شيء آخر لذكره الرسول صلي الله عليه وسلم.
وذهب الامام ابن حزم الظاهري إلى أن الأضحية يجزئ فيها كل ما يحل أكله من طائر وذي أربع مباح.
فقال في المحلى[ 6/30 ]: (والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله، والأفضل في كل ذلك ما طاب لحمه وكثر وغلا ثمنه). واستدل بآثار ضعيفة عن بعض الصحابة والتابعين.
ويمكن توجيه ما ذهب اليه ابن حزم لمن يعيش في بلاد تعد الحيوانات التي تعيش في بيئتهم ومناخهم من جنس بهيمة الأنعام فيجوز أن يضحى به ، مثل حيوان اللاما وهو حيوان له شعر كثيف ورقبة طويلة ويشبه الجمل الصغير، ولكن ليس له سنام يعيش في امريكا الجنوبية.
او يكون الحيوان الذي عندهم ليس من جنس بهيمة الأنعام مثل سكان الاسكيمو والقطبين عندهم البطريق او مما يعد من فصائل الغزلان كالرنة والأيل والموظ، ولا يجدون غيرها ، فيضحي بها المسلمون هناك خيرا من عدمها.
ويمكن ان يقال ان هؤلاء الناس الذين لا يجدون بهيمة الانعام معذورون وتسقط عنهم الاضحية، ولهم اجرها مع النية الصادقة .
المفتى به:
هو ما اجمع عليه الفقهاء من السلف والخلف من أن الأُضْحِيَّة لا تكون الا من بهيمة الأنعام، وهى الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو معزا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث، ولم يثبت بحديث صحيح صريح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أو أحد من الصحابة الكرام التضحية بغير بهيمة الأنعام ، وعليه فلا يجوز العدول عن التضحية ببهيمة الانعام الى غيرها بسبب الخوف من انتشار مرض الحمى النزفية او باي سبب أخر كعدم توفرها أو نُدرت وجودها.
والمسلمون الذين يعيشون في مناطق لا توجد فيها بهيمة الانعام فهم معذورون وتسقط عنهم الاضحية، ولهم اجرها مع النية الصادقة . والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح