الثلاثاء، 5 يونيو 2018

موعد الإمساك عن الطعام ( السحور ) هل هو بالدقيقة والثانية ام ان الامر فيه سعه ؟!

موعد الإمساك عن الطعام
الشيخ يوسف القرضاوي
السؤال: توزع أحيانا إمساكيات في شهر رمضان ويحدد فيها موعد للإمساك يختلف عن موعد أذان الفجر فما حكم ذلك؟ وهل من أكل بعد هذا الموعد الذي تم تحديده وقبل الأذان يكون صومه باطلا؟
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالسحور سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم- وفيه تقوية للصائم على الصوم، وبالحرص على السحور ندرك الدقائق الغالية حيث قرب الزمان والمكان من الله تعالى، ويبدأ السحور من منتصف الليل، وينتهي بتيقن طلوع الفجر، ومن ثم فتحديد وقت للإمساك قبل الفجر بدقائق هذا لا أساس له من الصحة.
مما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم للصائم أن يتسحر، وأن يؤخر السحور. والسحور: ما يؤكل في السحر، أي بعد منتصف الليل إلى الفجر، وأراد بذلك أن يكون قوة للصائم على احتمال الصيام، وجوعه وظمئه، وخصوصًا عندما يطول النهار؛ ولذا قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان-665) ، وفيه تمييز كذلك لصيام المسلمين عن غيرهم، وفي الصحيح: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر" (مسلم -1096، وأبو داود (2343)، والنسائي (2168)، والترمذي (907) عن عمرو بن العاص) .
والأصل في السحور أن يكون طعامًا يؤكل، ولو شيئًا من التمر، وإلا فأدنى ما يكفي شربة من ماء. روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "السحور كله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين" (قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد، وإسناده قوي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3683)، عند ابن حبان (883، 884) عن حديث ابن عمر: "تسحروا ولو بجرعة ماء".
ومن بركة السحور: أنه - بجوار ما يهيئه للمسلم من وجبة مادية - يهييء له وجبة روحية، بما يكسبه المسلم من ذكر واستغفار ودعاء، في هذا الوقت المبارك، وقت السحر الذي تنزل فيه الرحمات، عسى أن يكون من المستغفرين بالأسحار. ومن السنة تأخير السحور، تقليلاً لمدة الجوع والحرمان، قال زيد بن ثابت: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، فسأله أنس: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -666) .
وقوله تعالى: (فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) تفيد جواز الأكل إلى أن يتبين الفجر. ومن شك هل طلع الفجر أم لا، جاز له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن، وهكذا قال حبر الأمة ابن عباس: كل ما شككت حتى تستيقن. ونقله أبو داود عن الإمام أحمد: أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه.
بل روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النهار، إلا أن الشمس لم تطلع (ذكره ابن كثير في تفسيره -222/1) . وحمله النسائي على أن المراد قرب النهار. عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه" (رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي 426/1) ، وعن عائشة: أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم: فإنه لا يؤذن، حتى يطلع الفجر" (البخاري في الصوم) .
قال ابن كثير: (وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف: أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر، وعمر، وعلى، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعن طائفة كثيرة من التابعين، منهم محمد بن علي بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النخعي، وأبو الضحى، وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود، وعطاء والحسن، والحكم بن عيينة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش، وجابر بن راشد) (تفسير ابن كثير -222/1 ط. عيسى الحلبي) .
ومن هنا نعلم أن الأمر في وقت الفجر، ليس بالدقيقة والثانية، كما عليه الناس اليوم، ففي الأمر سعة ومرونة وسماحة، كما كان عليه الكثير من السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وما تَعَوَّدَه كثير من المسلمين من الإمساك مدة قبل الفجر من قبيل الاحتياط مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكتابة ذلك في الصحف والتقاويم والإمساكيات مما ينبغي أن يُنكر.
قال الحافظ ابن حجر: (من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس. وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت - زعموا - فأخَّروا الفطور وعجَّلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر الشر، والله المستعان)! (فتح الباري -102/5 ط. الحلبي) .
والله أعلم

حكم صلاة القادر على القيام جالسا لعجزه عن السجود أو الركوع

حكم صلاة القادر على القيام جالسا لعجزه عن السجود أو الركوع
فضيلة شيخنا، نرجو منكم بيان حكم الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام، فإن بعض المرضى يكون عاجزا عن السجود، لكن قادر على القيام، ومع ذلك يصلي قاعدا، فما حكم صلاته؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
القيام في الصلاة ركن من أركانها، لا تصح الصلاة إلا به عند القدرة عليه، فلا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة جالساً، إلا لعذر من مرض أو خوف أو ضعف عن القيام، قـال تعالى: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ البقرة-238، قال في البحر الرائق شرح الكنز: "والمراد به القيام في الصلاة بإجماع المفسرين، وهو فرض في الصلاة للقادر عليه في الفرض وما هو ملحق به، واتفقوا على ركنيته".
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ. فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)، وفي حديث المسيئ في صلاته قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قمت إلى الصلاة .. الحديث) مما يدلُّ على أن القيام أمرٌ متقرِّرٌ في الصلاة، وقد اتفق أهل العلم على ركنية القيام في الصلاة، وأنه من آكد أركانها، ومعلوم أن ترك الركن مع القدرة على الإتيان به يبطل الصلاة، قال ابن قدامة : "فأما من وجب عليه القيام فقعد فإن صلاته لا تصح لأنه ترك ركناً يقدر على الإتيان به".
لكن يسقط القيام بالاتفاق عند العجز عنه كما دل عليه حديث عمران السابق، وقواعد رفع الحرج في الشرع، ولما في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ أَوْ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا .. الحديث.
كذا إن كان الشخص قادرا على القيام لكن القيام يضعفه، أو يزيد من مرضه، فقد حكي الاتفاق على جواز صلاته قاعدا.
بناء على ذلك فإن كان الشخص مريضا، ويعجز عن الركوع أو السجود ونحوه مع قدرته التامة على القيام، فإن الذي يسقط عنه فقط هو ما يعجز عن الإتيان به، فلا يعني أنه عاجز -مثلا- عن السجود أن يبدأ صلاته قاعدا وهو قادر على القيام، بل يقوم، ثم يسقط عنه السجود في موضعه، ويأتي به على الوجه الذي يقدر عليه، عملا بقواعد الشرع في هذا الباب، من التخفيف ورفع الحرج ونحوه، فإن قعد مع القدرة على القيام بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها.
تنبيه:
يحسن التنبيه على أن للشخص أن يترك القيام مع القدرة عليه في النفل خاصة، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ .. الحديث) فهذا الحديث فيه الدلالة على جواز الصلاة قاعدا مع تنصيف الأجر، لكنه محمول على صلاة النفل في قول عامَّة أهل العلم، وليس فيه خلاف فيما أعلم، قال ابن قدامة: "لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً وأنه في القيام أفضل"؛ وذلك أن الشريعة تيِّسر في النوافل ما لا تيسره في الفرائض، أرأيتَ الصائمَ نفلاً؟ له أن يصوم أثناء النهار، وذلك تسهيلا عليه، ولا يجوز ذلك في الفريضة، لكن لما كان الشرع يتشوَّف لكثرة النوافل يسَّر فيها ما لم ييسره في غيرها.
وبهذا يظهر بطلان قول من قال: "من نسي وهو صائم نفلا فأكل أو شرب فصومه باطل"!!
قلت: بل قوله هو الباطل، فإن الله عذره في الفريضة، فعذر الناسي في النفل من باب أولى، وأقول - كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم -: "فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"، والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي