الأحد، 24 يناير 2021

حكم إعفاء اللحية...؟

حكم إعفاء اللحية مختلف فيه بين العلماء ما بين:

1 - قائلٍ باستحباب الإعفاء دون الوجوب
#دليلهم: قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وغيّروا الشيب خالفوا المشركين"
فحُمِل فعل الأمر هنا على الاستحباب بدليل أن تغيير الشيب المذكور في نفس السياق مستحب فكانت العلة هي مخالفة المشركين استحبابا فجعلوا سياق الحديث دليلا على صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
2 - وبين قائل بالوجوب
#ودليلهم: أن فِعل الأمر يراد به الوجوب ودلالة الاقتران في أصول الفقه ضعيفة فقد يرد في السياق الواحد فعل أمر يراد به الوجوب مع فعل أمر يراد به الاستحباب وتكون القرينة المرجحة لاستحباب الثاني خارجة عن السياق ويبقى الفعل الأول على أصله.
والقائلون بوجوب الإعفاء اختلفوا في المراد بالإعفاء أهو
2 - 1: الإعفاء المطلق
#واستدلوا: بعموم الحديث دون تقييده.
أم
2 - 2: مطلق الإعفاء
#والدليل: أن الأصل في أفعال الأمر هو مطلق الفعل وإنما الفعل المطلق هو نوع من أنواع التقييد والقائل به هو المحتاج إلى الدليل كما أن القائلين بالإعفاء المطلق في اللحية قالوا بمطلق القص في الشوارب رغم أن العلة واحدة "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى" ومعلوم أن الآمر لو قال "أعطني ماءً فيُحمل الأمر على مطلق إعطاء الماء "المهم أن يأتيه بالماء والحد الأدنى منه يكون مجزئا ما لم يقيد الآمر أمره بالحد المطلوب" لا على إعطاء الماء المطلق فيجلب له كل الماء وكذلك قول الله "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر" فمن المعلوم أن المقصود هنا هو مطلق الأكل "المهم كسر الصيام وعدم الوصل بين النهارين صياما" وليس المراد هنا هو الأكل المطلق بحيث يأكل بلا توقف إلى غاية الفجر.
والقائلون بمطلق الإعفاء اختلفوا في كون هذا المطلق
2 - 2 -1: بقي على إطلاقه
#وذلك: لعدم ورود الدليل على التقيد وما فعله عبد الله بن عمر من باب الاختيار الشخصي في المباح كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار أن يجعل شعره لشحمة أذنيه لا من باب الحد الشرعي للشعر؛ ولو أخذ ابن عمر مقدارا أعلى أو أقل بما يناسب لحيته لما جاز أن يكون فعله حدا.
كما أن الحد الشرعي لابد له من مصدر تشريعي قطعي في الدلالة على الحد وفعل عبد الله بن عمر ليس فيه دلالة على أنه اختيار شرعي؛ ولو كان اختيارا شرعيا لكان أصله في الكتاب والسنة موجودا.ك (وهذا ما أراه صوابا)
وقال بعضهم:
2 - 2 -2: بل حُدّ "واعتمدوا على فعل عبد الله بن عمر حيث كان يأخذ من لحيته طولا وعرضا مقدار القبضة فقالوا ما كان ليفعل ذلك لو لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ منها مقدار القبضة؛ ومع ذلك فقد رُد على ذلك بأنه اختيار شخصي حتى ولو ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال في شعر النبي صلى الله عليه وسلم لشحمة إذنيه مادام الأصل هو مطلق الإعفاء.
وذلك يشبه أن يحل النبي صلى الله عليه وسلم أصناف المأكولات عدا الاستثناءات المحرمة ثم لا يأكل من بعض أصنافها فذلك لا يدل على أنها استثنيت أيضا وإنما اختياره ألا يأكل منها.
ثم إن الذين رأوا أنه حُدّ اختلفوا في الحد أهو:
2 -2 - 2- 1: شرعي
#فقالوا: مثل ما سبق ذكره في 2-2-2.
أم هو:
2 - 2- 2- 2: حد عرفي
فجعلوا اختيار ابن عمر راجعا للعرف "ما نسميه اليوم بموضة اللباس والقصات" وجعلوا معيار اللحية ما يُعرف عند الناس أنه لحية وهذا القول لا يختلف كثيرا عن القول بمطلق الإعفاء دون حد "عند التنزيل".
والذين قالوا بأنه حد شرعي اختلفوا في حكم الحد أهو
2 - 2- 2 - 1 - 1:جائز
فقالوا بجواز الأخذ من اللحية قدر القبض وجواز إطالتها لتتجاوز القبضة ولكنه حد في الإعفاء لذلك لم يجيزوا الأخذ ما دون القبضة.
أم
2 - 2 - 2 - 1 - 2: حد واجب
فقالوا بأنه حد واجب لا يجوز النزول تحته ولا فوقه فجعلوا نزول اللحية أسفل القبضة حراما والواجب هو الأخذ منها وليس الجواز فحسب.
والذين قالوا بجوازه اختلفوا في زمن الحد أهو
2 - 2 - 2- 1 - 1 - 1: في كل الأوقات
وقالوا: لو كان محرما الأخذ من القبضة لما فعلها ابن عمر لا في الحج والعمرة ولا في غيره واحتجوا بروايات أخرى عن أخذ ابن عمر في غير الحج والعمرة.
أم هو:
2 - 2 - 2 - 1 - 1 - 2: خاص بالحج والعمرة.
وقالوا: إن فعل ابن عمر كان في الحج والعمرة لذلك يكون هذا الأخذ خاصا بالحج والعمرة استحبابا دون غيره من الأوقات.
#أخيرا: فإن تبين ما سبق عُلم أن الراجح عندي هو الأخذ من اللحية بقدر ما يشاء صاحبها شرط ألا يحلقها حلاقة تامة؛ ومن حلقها مقتنعا بقول العلماء المجيزين للحلق فلا يُنكَر عليه كذلك لا يُنكَر على بقية الآراء والأقوال والمسألة فرعية بكل الأحوال أخذت أكبر من حجمها بسبب ظهورها على الإنسان بينما قد يغرق الإنسان في الذنوب والخطايا التي تخفى على الناس ولا يلتفت إليه أحد؛ ومن باب الاستفادة العلمية قررت أن أكتب هذا المقال والحمد لله رب العالمين.
#الصورة: مقارنة بين صورتي عندما كنت أعتقد بحد القبضة وبينها عندما اعتقدت بمطلق الإعفاء "دون حد".