الجمعة، 5 مارس 2021

الحصاد المر - قصة وإعترافات خطيرة لتائب كان مدخليا !!

قصة تائب زيد بن عيادة المشري
الإنطلاقة
1- حائل منطقة صحراوية هادئة، تقع على سفوح جبلي أجا وسلمي، تلك المنطقة التي جاورها أشهر عربي امتاز بسجية الكرم، هو حاتم الطائي الذي أوقد تلك الجذوة التي لم تخبو في المنطقة على مدى الأيام.




خرج ذلك الفتى اليافع من تلك البيئة النقية نقاء الصحراء، متجهاً صوب المدينة للدراسة في الجامعة، لقد اختار تلك الوجهة من بين وجهات كثيرة لأنها هي التي كانت الرفقة تشيد بها، ويتحدث من سبقهم في الدراسة فيها عن تلك الأجواء العلمية الباهرة، التي تنشر بعبقها روحاً من التميز العلمي والفكري، الشيء الذي تفتقده سائر البيئات العلمية المختطفة من قبل توجهات حزبية مؤدلجة، تسعى لتقويض بنيان المنهج الصحيح.
لم يكن ذلك الفتي يحمل كثيراً من التصورات العلمية والفكرية سوى ما تلقاه من الدراسة النظامية، وبعضاً من الأحاديث الجانبية التي تدور بين رفقاءه ما بين الفينة والأخرى، تحذيراً من توجه هنا وشخص هناك، ولا يخلو الأمر من نقاش يحتدم بين الحضور، وغالباً ما يحسم الموقف بذكر رأى لشيخ يحترمه الجميع، ويعود الهدوء من جديد.
دخل ذلك الفتى أبواب الجامعة، ورأى مزجاً من الأجناس والألوان والطباع التي لم يألفها في بيئة الغائرة في قلب الصحراء، إنه لشيء مثير حقاً، لكن لم يلبث أن تغلغل في تلك البيئة، وأخذ له موقعاً في زاوية منها، وانهمك في تلقي الدروس بشغف كبير وهمة عالية.
لقد رتب له من سبقه للدراسة -وكما هو المعتاد- غرفة يقطنها، مع مجموعة من أبناء بيئته، مما خفف وطأة الغربة التي لم يألفها قبل ذلك، فقد لبث مقتبل عمره في رعاية والدية، ولم يجرب مرارة الاغتراب التي فصلته عن بيته واسرته، كما فصلته عن الصبى ومراتعه، لذا لا بد أن يكون شخصاً مختلفاً، وأن يقاوم ليكون رجلاً يعتمد على نفسه، ويثبت للجميع أنه ليس هو الشخص الذي يحتاج لغيره ليثبت على قدميه. 2-
المقطع الثاني
نموذج لحياة الطالب المدخلي في الجامعة الإسلامية
في موازاه الدروس النظامية التي كان يتلقاها داخل الجامعة، كان الشباب يتنقلون بين الشيوخ لتلقى العلوم المختلقة، لقد كان هذا هو السائد بين الشباب تلك الأيام، ومن لا يحضر تلك الدروس ينظر إليه على أنه مقصر في الطلب، وأنه ضعيف الهمة ولن يفلح في التحصيل.
كانت الدروس في تلك الأيام على نوعين، دروس علمية في الحديث والعقيدة وعلوم الآلة، ودروس منهجية، وهي التي يجتمع فيها الشباب لتعلم المنهج السلفي، وترتكز على التحذير من الحزبيين، وكانت الموجه الضاربة في تلك الأيام هي التحذير من السروريين وهم: الجماعة التي يتزعمها محمد سرور زين العابدين، وقد انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين، وكانوا يسمونهم بالقطبيين، أي: الشق الذي يتبنى أراء سيد قطب رحمه الله، وأخوه محمد قطب، وقد ظهر في تلك الفترة كتاب: (القطبية هي الفتنة فاعرفوها) للدكتور ترحيب بن ربيعان الدوسري، وكانوا شديدي الاحتفاء به، لدرجه أنه كان يوزع مجاناً على الشباب.
كان (زيد) يتنقل بين الدروس المنهجية، وكانت هي التي تستهويه، باعتبارها متنفساً من الكم الثقيل من المحاضرات التي كان يتلاقاها في الكلية، ولأنها غالباً ما تكون في بيت الشيخ أو في استراحة يجتمع فيها الشباب، وتمتاز بالخروج عن الرتابة، والحرية في تجاذب أطراف الحديث، إلا أنها كانت مرتعاً خصباً لتناقل الأخبار عن الخصم اللدود وهم الحزبيين!.
وما إن يتخابر الشباب بأن اللقاء عند هذا الشيخ أو ذاك حتى يبادر (زيد) والشباب للذهاب والتبكير في الحضور حتى يتسنى لهم القرب من الشيخ أكثر، والتمكن من سماع أكبر قدر ممكن من الحديث، وهذا الشغف جزء من تنشئته الاجتماعية، حيث أن مجالس المنطقة التي خرج منها يغلب عليها هذا اللون من اللقاءات لكن بمحتوى لاشك مختلف.
يذهب الشباب غالباً إلى أقطاب التوجه السلفي (الجامي)، -هذا الاسم المستفز لأولئك القوم إلى أبعد الحدود-، ومن أبرزهم: الشيخ فالح الحربي، ومحمد هادي مدخلي، وصالح بن سعد السحيمي، وعبيد الجابري، وغيرهم، أما الشيخ ربيع المدخلي فقد انتقل إلى مكة المكرمة، وأما الشيخ محمد أمان الجامي فلم يره لأنه غادر الحياة.
3 - المقطع الثالث
وصف مجالس شيوخ الجرح والتجريح
كان لكل مجلس من تلك المجالس طابع مختلف، فقد كان يغلب على مجلس الشيخ محمد المدخلي الكلام على السنة والحث عليها، والتحذير من البدع، والتعريج على أفكار سيد قطب، ومن تأثر بها من رموز الحركيين كسلمان العودة وسفر الحوالي وعائض القرني، والنيل منهم ومحاولة تشويه صورتهم بكل سبيل، ولا يخلو الحديث عن بيان كثرة الحزبيين، وتغلغلهم في المجتمع، والتذمر من تلك الأحوال، ثم تتقاطر الأسئلة المتشنجة من الحضور السعوديين وغيرهم عن بعض رموز الحركيين في الداخل والخارج، فينبري الشيخ مزمجراً، دعوكم منهم هؤلاء نعرف حالهم، الشيخ ربيع حذر منهم، ثم ينهش فيهم واحداً تلو الآخر، والعجب أنه لا يكاد يسلم في تلك المجالس أحد.
أما مجلس فالح الحربي فهو لون مختلف، إنك إذا رأيته رأيت فيه رجلاً بدوي السحنة، حاد الطبع والملامح، أثرت فيه الصحراء بصلافتها وتقلبها، فأخرجت منه شخصاً لا يقبل الانصياع ولا يلين، وهذا هو سر التوجس الساكن في أعماق ربيع المدخلي منه، وإن بدا في تلك الحقبة أنه ولي حميم.
كان فالح مع حفاوته وترحيبه رجلاً لا يقبل المخالفة أو حتى النقاش، يتحدث طول فترة اللقاء بحديث لا يعتريه التحفظ أو التكنية، ما طرأ على باله قاله بلسانه، مع ما يشوب ذلك من سلاطة في اللسان، و اعتداد بعلاقاته المتجذرة مع المسؤولين، مما يبعث الرهبة في نفوس الحاضرين، ويدفع إلى مزيد من التملق والمطاوعة طمعاً في الاستفادة من ذلك النفوذ.
لقد كان سيئاً حقاً، يكيل السباب والشتائم لكل من يخالفه كبيراً كان أو صغيراً، ولا يتحاشى في حديثه إلا السلطة، السلطة فقط، وذلك منبعه من علاقة فالح القديمة بـ(الجماعة السلفية المحتسبة) أو ما يعرف بـ (جماعة جهيمان)، والأحداث التي مرت بها.
لقد أُثرت عنه أقوال سيئة، حدت بالشباب فيما بعد إلى النفور الشديد منه، إلا أن التزكيات من أقطاب المنهج لم تزل تتوالي في مدحه إلى حين.
لم يحصل لـ (زيد) شرف اللقاء بربيع المدخلي، مع ما كان يعتريه من التلهف لرؤية ذلك الأسد الهمام، ناصر السنة وحامل لواء الجرح والتعديل في هذا الزمان، إلا أن ذلك الأمر لم يدم طويلاً، لقد أخبره زملاؤه في الجامعة أن الشيخ ربيع سيأتي للمدينة، وقد صنع له تلميذه ووصيه على المنهج في المدينة محمد هادي وليمة دعي إليها الشباب أجمعين، لقد كانت لحظة تكتم الأنفاس، وتبعث في النفس القشعريرة والرهبة، هل حقاً سيأتي الشيخ ربيع إلى المدينة؟!!.
توافد الشباب من كل صوب تجاه تلك الاستراحة، وكان الحشد كبيراً جداً، تغلغل(زيد) بين الحشود، ليقترب أكثر من الشيخ الكبير السن والقدر، الجالس في صدر المجلس وبجواره عدد من الأشياخ، لقد كان رث الهيئة ذا سحنة داكنة، ولحية طويلة مخضوبة بالحناء، وصوت جهوري حاد النبرة، شديد الهياج والتوتر، سريع الانفعال.
كان الحديث بمجمله يدور حول التحذير من الحزبيين وخطرهم الداهم على بلاد التوحيد، مع الإجابة على أسئلة تقرأ على الشيخ من مريده الشيخ محمد هادي.
4- المقطع الرابع
الطعن في كبار العلماء
لقد كان الولاء للشيخ ربيع ولاء تراكمياً عبر السنين، وذلك بسبب المعارك المنهجية التي خاضها تجاها الحزبيين، لقد كان حاد المزاج جداً، لا يسمح لأحد بمخالفته قط، ولا أنسى تلك النصيحة الذهبية ذائعة الصيت التي كتبها العلامة بكر أبو زيد للتنبيه على بعض المؤاخذات على مؤلفات ربيع التي رد فيها على سيد قطب، لقد قابل ربيع تلك الوريقات بمؤلف عدد صفحاته بالمآت، وكان مستعداً للتصعيد كلما صعَّد خصومه لا يستسلم ولا يستكين.
وبالمناسبة فقد كان الجدل دائراً في أوساط السلفيين هل يؤخذ عن الشيخ بكر أبو زيد العلم أم لا؟ هل هو سلفي في منهجه أم أنه يدافع عن القطبيين؟ وكان أهداهم سبيلاً يقول: يؤخذ عنه العلم ولا يؤخذ عنه المنهج!! لماذا؟!! أليس هو ذلك العالم الجليل!! أليس عضواً في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء!! وكان الجواب يأتي سريعاً: إنه ضد الشيخ ربيع!! والهيئة مخترقة من الحزبيين.
وفي الآونة الأخيرة طفى ما كان يقال سراً على السطح، فقد قال الشيخ عبيد الجابري -وهو من كبار القوم ويأتي في المرتبة بعد ربيع وفالح-: ((بكر عبد الله أبي زيد لا يستحق الثناء، بل هو رجل قطبي محترق، ويدافع عن سيد قطب دفاعاً مستميتاً))!!!
وكذلك كان الموقف من العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين، فقد كان يصنف على أنه من رؤوس السروريين، ولا يسمح بذكر اسمه فضلاً عن قراءة كتبه أو حضور دروسه ومحاضراته، وقد ظهر مؤخراً تسجيل بصوت ربيع المدخلي يؤكد هذا البغض الشديد لذلك العلم الكبير، حيث قال: ((ابن جبرين إخواني واضح، لا يجوز التغاضي عنه أبداً، ابن جبرين يُمْسَكُ الآن يَرد عليه أي واحد، من أول ما طلع صبرنا عليه كثيراً، الآن لا بد من الرد على ابن جبرين، في التفويض وفي مواقفه هذه المخزية، التي وقفها ينصر فيها أهل الباطل وهو يعلم أنه على باطل... ابن جبرين ما هو عالم!! ... لا بد من إيقافه عند حده وبيان ماذا عنده... ولا يجوز لأحد أن يغضب له أبداً، ولا يصنف في السلفيين ولا العلماء)).
وتطول القائمة جداً بأسماء الأشخاص الذين رد عليهم وأخرجهم من السلفية، وطعن في عقيدتهم، الشيء الذي كان يثير العجب، هل كل هذا التهجم على الناس والتحامل عليهم لنصرة الحق، والذب عنه! اين العلماء الأجلاء من أمثال ابن باز وابن عثيمين من كل هؤلاء الضالين، أوَ يرضى ابن باز وسائر العلماء في بقائهم بين ظهرانيهم في الرياض وبالأخص في دار الافتاء وهم بهذا القدر من الضلال والانحراف عن منهج السلف.
ويجيب ربيع المدخلي مرة أخرى بأن الشيخ بن باز: طعن في السلفية طعنة شديدة، بتغاضيه عن هؤلاء، وهذا ما كان (زيد) يسمعه بين الشباب، بأن الشيخ بن باز لم ينصر السلفية، ولم يكن حازماً مع الحزبيين الحركيين، وبعض السذج منهم يقول بأن الشيخ منصبة كمفتي عام يقتضي منه المداراة لهؤلاء وتألفهم، ولكن الجميع متفق على خطأ منهج ابن باز، وصواب منهج ربيع في جرح هؤلاء والطعن فيهم.



5- المقطع الخامس
أركان المنهج المدخلي
إن المنهج الذي رسمه ربيع المدخلي للتعامل مع المخالفين له في المنهج يرتكز على نقطتين، تظهر جلياً لكل من تعامل مع هذا التوجه، وخالط أتباعه ولو لفترة يسيرة:
الأولى: الرد على المخالف يستوجب ذكر مساوئه فقط، ولا يجوز ذكر شيء من محاسنة، لأن هذا يستلزم التزكية له، والرفع من قدره ومنزلته، وهذا أمر لا يجوز، ثم تنهال عليك النقول الكثيرة عن السلف في التحذير من الثناء على صاحب البدعة، ورفع منزلته، ومن ذلك قول الفضيل بن عياض رحمه الله: ((من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله على محمد، ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطـع رحمهـا، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع))، ولك أن تتصور بأن هذا الذي لا يعظم ولا يتبسم في وجهه ولا يزوج ولا تتبع جنازته هو الشيخ بكر أبو زيد أو ابن جبرين وأمثال هؤلاء الكرام الفضلاء، والعلماء الأجلاء!! ياله من بغي ليس بعده بغي، وانحراف عن الهدي النبوي والمنهج السلفي ليس وراءه انحراف.
وهذا يسمى عنده بمنهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، وقد كثر الكلام في التحذير من هذا المنهج من ربيع وأتباعه، بل ضمنه بعض كتبه ومؤلفاته، ومنها كتاب: (المحجة البيضاء في الذب عن السنة الغراء) قال فيه: ((وسترى في هذا السفر ما يجعلك على مثل الثلج من اليقين ببطلان منهج الموازنات))، ثم ذكر مفاسد القول بالموازنات، ثم قال: ((وبهذا القول والتقرير يسقط المذهب المبتدع المختَرع : " مذهب وجوب الموازنات بين الحسنات والسيئات)).
النقطة الثانية: أن من حكم عليه ربيع المدخلي أو أحد أتباعه ومقدمي منهجه بالضلال أو البدعة أو الخروج عن منهج السلف، أو أنه حزبي حركي قطبي سروري محترق...الخ فلا يجوز بحال من الأحوال التلقي عنه، أو مجرد مدحه ولو في جزئية معينة، كمدح أسلوبه أو تمكنه في فنه أو أو ... لأن ذلك يعتبر تزكية له، ومن فعل ذلك فالويل ثم الويل له، فيبدأ التحذير من أقرانه بخطورة فعله، فإن تعنت وأخذته العزة بالإثم وكابر وعاند، تبرع أحد الشباب المتحمس بإبلاغ الشيخ، وهنا تظهر حكمه الشيخ في احتواء ذلك الآبق عن المنهج، فيستدعيه للمحاسبة والنقاش، دون سابق علم بجريرته وجنايته، وبعد أن يسقيه فنجاناً من القهوة، والمدعي والشهود حاضرون، والأعين ترمقه شزراً، حتى يفرغ من شرب الفنجان الذي غص في حلقة، وألهب فؤاده بحرارته، يتحدث الشيخ قائلاً: أخبرني الثقة أنك تثني على بعض أهل البدع، فتبلغ روحه حلقومه، ويقول مستنكراً؟ أنا يا شيخ؟ فيقول نعم أنت! أما تعلم أن فلان هذا محسوب على الحزبيين؟ فإن نكس رأسه مذعناً ذليلاً، سمح له بالانصراف، وإلا سلط عليه سوط الهجر، الذي يلهب ظهره صباح مساءً، فيكون بين أقرانه كالبعير الأجرب، حتى يرجع خاسئاً وهو حسير، ويقسم بالله جهد أيمانه أنه لن يعود إلى مثل هذا الضلال أبداً!! 


المقطع السادس
وسائل الإعلام المدخلية
كان المركز الإعلامي الذي ينطلق منه صوت الدعوة هو (تسجيلات ابن رجب) ومقرها في حي الأعمدة بالمدينة على مسافة قصيرة من بيت الشيخ فالح القديم، والجامع الذي يخطب فيه الشيخ عبيد، وهي عبارة عن مقر مقتطع من مكتبة ابن رجب التي يملكها أبناء الشيخ محمد الجامي رحمه الله، وكان القائم عليها هو الأخ محمد الصيني، والمشرف العام هو الشيخ محمد هادي، وكان يبيع فيها شاب وديع اسمه اسحاق الصيني أخو محمد، وشاب باكستاني اسمه حمزة.
كانت المكتبة عبارة عن أرفف يوضع فوق كل رف منها اسم الشيخ الذي فيه أِشرطته، وكان لكبار العلماء رف واحد، وللشيخ الجامي رف، ولربيع المدخلي رف، ولعبيد الجابري رف وهكذا حتى تأتي على المجموعة كلها.
لم يكن يباع في تلك التسجيلات إلا أشرطة المشايخ السلفيين! فقط، وكانت تنشط نشاطاً ملحوظاً في التوزيع، وتستوعب من الأشرطة فوق طاقتها المكانية، وذلك بفضل وجود دور ثانٍ فوق التسجيلات، تسجل فيه تلك الأشرطة.
كانت تلك التسجيلات تستهوي (زيد) فيذهب إليها كلما سنحت له الفرصة، وتوفر لدية بعض النقود، وكان يسأل أحياناً عن بعض العلماء والدعاة فلا يجد لهم أشرطة، ولا يعرف لعدم وجودها جواباً.
السمة الغالبة للأشرطة التي تباع في الردود على الدعاة، وتحتوي على تصريحات لاذعة أحياناً، تمجها الآذان عند سماعها ولا تقبلها، وكان ذلك يفسر بأنه من الشدة على أهل البدع، وهو شبيه بفعل موسى
كان لا فتاً في كثير من الأشرطة أنه إذا بقي في الشريط متسع يملأ بدرس أو محاضرة للشيخ محمد الجامي!
أيضاً ظهر في ذلك الوقت موقع على الانترنت اسمه (سحاب) يحتوي على المنتدى العام الذي يتلقى مشاركات المسجلين في المنتدى، وأغلبها بأسماء مستعارة، ويغلب على المشاركات في بدايات ظهور الموقع أنها في الحديث ومصطلحه وعلله، مع فوائد أخرى نافعة، ثم انزلق الموقع لوحل التصنيف، وصار مرتعاً خصباً لجرح الناس والنيل منهم ومن عقائدهم، وبهذا انتقل ما كان يقال في المجالس والاستراحات، إلى الفضاء المفتوح.
كان لهذا الموقع (سحاب) دور بارز في إشعال الفتنة بين المشايخ السلفيين!، ونقل التراشقات التي يرميها كل طرف على الآخر، ثم لما حدث التصدع في العلاقة بين ربيع وفالح، انحاز مديرو الموقع للشيخ ربيع بحكم أنه الأكثر تأثير في الشباب، والأقدر على قهر خصومه والتشفي منهم! فامتلأت صفحاته بأقوال ربيع في فالح ومن وافقه وأيده، إضافة إلى الخصوم التقليديين وهم: (عبد الرحمن عبد الخالق، والعرعور، والمغراوي، والحلبي فيما بعد، ومشهور سلمان، والمأربي، والحويني، ومحمد حسان، والحجوري، ووو.. إلخ).


7- المقطع السابع
موقف الشيخ العباد من منهج التجريح (1)
كان (زيد) يتردد على بعض الدروس العلمية، وكان غالب الشباب يذهبون للحرم للاستماع لدروس فضيلة الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد، كان الشيخ عبد المحسن رجلاً طويلاً فارع الطول، ضخم الكراديس، قليل الكلام جداً، تعلو محياه الهيبة والوقار، شرح الكتب الستة بأسانيدها في المسجد النبوي.
كان السائد عند الشباب في ذلك الوقت أن الشيخ عبد المحسن هو شيخ السلفيين في المدينة، وهذا ما جعل (زيد) وكثير من أقرانه يطمئنون لمثل هذا الأمر، فشيخ بمثل مقام الشيخ عبد المحسن وعلمه، وصلته بالشيخ ابن باز، حيث قدم معه إلى المدينة، وأوصى إليه برئاسة الجامعة الإسلامية بعد ما رحل عنها، لا بد وأنه يتحرى السنة والسلفية.
لم يكن الشيخ الجليل يُسمع في مجلسه ودرسه شيء من القيل والقال، إنما العلم والعلم فقط، وهذا ما أكسب تلك المجالس قيمة خاصة، واطمئنان من قبل الكثير إلى أن الاعتدال والمنهج الوسط ثَمَّ، وكان الشباب ينقلون للشيخ شيئاً مما يقال عن فلان وفلان، فكان يثنيهم عن نقل تلك الأخبار، ويذكرهم بمحاسن المتحدث فيه، أو يطلب توثيق الخطأ ويتواصل مع المخطىء وينبهه، وينتهي الأمر، وهذه المسحة الأبوية اكتسبها الشيخ من كبر سنه وسعة عقله أولاً، ومن تدريسه في الجامعة الإسلامية فقد كان عامة طلاب العلم في المدينة من أبناءه وتلاميذه.
هذا التفرد في الطريقة التي تميز بها هذا الشيخ، جعل منه موضع توجس وخوف من أقطاب الفكر (الجامي)، فقد تكشف مع الأيام مدى البون الشاسع بين طريقتهم وطريقته، فقد أصبح كالمحور الذي تدور حوله حركة المنهج في المدينة، فمن شك في طريقته التي هو عليها أو تذبذب نظر إلى هذا الشيخ وسمته فاطمأنت نفسه، وسكن روعه.
ومن هذا المنطلق بدأ المشايخ في السر يتذمرون من طريقته، ويصفونه بالتمييع المنهجي، وهذه الكلمة لمن لا يعرف حقيقتها تدل على أن الشخص المميع للمنهج، لا يقول الحق في ذم المبتدعة والضلال، ويداهنهم بالسكوت عليهم، وصرح فالح في أحد جلساته بأنه اخذ التمييع عن شيخه ابن باز والعثيمين، وأنه منذ سنين يبين له الطريق الصحيح ولا يلتزم به! وكأنه يحتاج لأمثال فالح ليدله على الجادة، لكنه الجنون وأي جنون!
لم يدم هذا الوئام الظاهري والمدح والتبجيل كثيراً، فقد ظهر على السطح ما كان يخفيه القوم من التبديع والتضليل لكثير من طلبة العلم والعلماء، ووصل الأمر بفالح الحربي إلى تبديع ثلة من أساتذة الجامعة، الذين ينتمون إلى ذات التوجه والمنهج، ومنهم: د. عبد الرزاق العباد ابن الشيخ عبد المحسن، ود. إبراهيم الرحيلي، ود. سليمان الرحيلي، ود. عبد الله بخاري، ود. علي التويجري، وغيرهم ويقول: بأن لهم طريق غير طريق السنة. 8 -

المقطع الثامن
موقف الشيخ العباد من منهج التجريح (2)
وكان قد بلغ الشيخ عبد المحسن قبل ذلك أنهم يطعنون في الشيخ محمد المختار الشنقيطي، المدرس في المسجد النبوي، وهذا فصل مهم من فصول القصة لا بد من توثيقه، وذلك أن (زيد) وهو يتردد على المسجد النبوي، يرى ويسمع درس الشيخ المختار، ذلك الدرس الذي يتميز بغزارة العلم وكثرة الفائدة، وكثرة الحضور، لقد كان درساً ممتعاً، وكان وقته بعد مغرب كل خميس، لقد أحب (زيد) ذلك الشيخ وتعلق به، وتمنى لو لزمه واستفاد منه، لكن عند إبداء تلك الرغبة لزملائه، أخبروه بأنه ليس بسلفي، فقد تكلم فيه الشيخ ربيع!
-وماذا قال؟
-الشيخ ربيع يقول: ((الرجل لا يميز بين الأحاديث الضعيفة، وانه يمشي مع الحزبيين ومع الصوفية ،ولا علاقة له بأهل السنة ... ثم من الذي يروج لهذا الرجل؟ فأهل السنة لا يروجون له وإنما يروج له الحزبيون!)).
وكذلك طعن فيه فالح وعبيد ومحمد هادي وغيرهم.
وأما المآخذ عليه فهي كثيره منها: أن مجالسه لا يحضرها إلا الحزبيين والصوفية! وأنه يقبل رأس صاحب أبيه الأشعري! ويحضر مجلساً لأصدقاء أبيه فيهم صوفيه! ولم يعرف له كلام في التحذير من المبتدعة والحزبيين!
لكن (زيد) يعلم بفطرته أن ذلك كله مبالغات وتهويلات منشأها الحسد، وإلا فهو قد شرح كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، ويدعو إلى التوحيد والسنة في دروسه ويحذر من البدع! لكنه لا يسير على هوى أولئك القوم، ولذا سلقوه بألسنتهم الحداد.
أظهر الشيخ عبد المحسن الثناء والمدح للشيخ محمد المختار، بل ووزع شريطاً له في التوحيد على الدعاة في الحج، ليدحض قول من طعن في عقيدته، فجن جنون القوم، ألهذا الحد من التمييع بلغ الشيخ العباد ونحن ساكتون، وهنا خرج المارد من قمقمه، وأظهروا التمايز في الطريقة عن الشيخ ومن تأثر به، وبدأوا في امتحان كل من يرى رأي الشيخ أو يقلده، وأما الشيخ فهيهات.
عندها ألف الشيخ عبد المحسن كتاباً سماه: (رفقاً أهل السنة بأهل السنة) قرر فيه المنهج الصحيح في التعامل مع الخلاف، وأنه لا يجوز التبديع والتهاجر بين أهل السنة، وأتباع السبيل الواحد.
إلا أن ذلك زاد من حنقهم وغيظهم، فكلمة من الشيخ العباد تزلزل عروشهم، فكيف بكتاب كامل، لقد قوض الشيخ بنيانهم وأتى عليه من القواعد.

9 - 
المقطع التاسع
موقف المداخلة من الشيخ العباد والجبهات المشتعلة
تباينت ردود الأفعال حول ذلك الكتاب، فأصدر الشيخ ربيع وأحمد النجمي فتوى تبدع من يوزع الكتاب، وحذر منه باقي المشايخ كفالح ومحمد هادي وعبيد الجابري وغيرهم.
وأما من طالهم التجريح وتُكلم في أعراضهم فقد فرحوا بهذا الكتاب، ووزعوه بين تلاميذهم، وهنا بدأ الشق يكبر على الراقع.
بدأت الوساطات تتنقل بين الشيخ عبد المحسن من جهة، وربيع وفالح من جهة أخرى، وكان حامل رايتها الشيخ صالح السحيمي والشيخ إبراهيم الرحيلي، وبعض الأطراف من خارج المدينة، لعل وعسى تلك الصفحة من الخلاف أن تطوي وتعود المياه إلى مجاريها، ولكن تعنت ربيع وفالح منع من تكللها بالنجاح، ولعل السر –والله أعلم- أن الشيخ العباد في نظرهما جرأ صغار الطلبة على مخالفة منهج التجريح، هذا المنهج الذي قاموا على بنائه وترسيخ معالمه سنين، ثم يأتي الشيخ في لحظات ليهدم أركانه. إن ذلك مالا يمكن أن يكون.
زادت الحرب استعاراً بين غلاة التجريح والمميعين، وتعالت صيحات ربيع وفالح، تنادي بقمع من تمرد وعصى، وخالف الحق والهدى، وبدأت تعقد محاكم التفتيش في بيت فالح أو محمد هادي، بحضور عدد من كبار رموز غلاة التجريح، وسعى كثير من المنافقين في طلاب العلم يبغونهم الفتنة، والمشايخ سمَّاعون لهم، والشيخ ربيع يشرف بنفسه على سير الأمور في المدينة، وتصدر توجيهاته بالرد على هذا، وهجر ذاك، وإخراج الثالث من المنهج وهكذا.
وهنا بدأت تتفصم عرى الجامية في المدينة، وبدا الانقسام هو السائد على المشهد في تلك الأثناء.
توالت الصراعات بعد ذلك، وتحولت ساحة المعركة من المركز إلى الأطراف، لتصل إلى الأردن واليمن ومصر والمغرب والجزائر وبعض دول أوربا، فجاهر ربيع ومن معه بتبديع أبو الحسن المأربي، وعلي حسن حلبي، ومشهور حسن سلمان، وسليم الهلالي في الأردن، وكان ذلك التبديع امتداد لفتنة! (عدنان عرعور، والمغراوي) كما يسميها هو وأتباعه.
أما العرعور والمغراوي، فقد سبقت فتنتهما! (زيد) فلم يعاصرها، ولكنه عاصر فتنه! (أبي الحسن المأربي)، ومن بعده، والذي أدركه من تلك الحروب المتفجرة بين ربيع وفالح وخصومهما أن الخلاف ليس في العقيدة، فكلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست في المنهج فكلهم سلفيون، وإنما الخلاف في منهج التجريح الذي ابتكراه ليجعلا منه سلاحاً يصيب كل من لا يدخل تحت الطاعة، ويتمرد على المرجعية، ولا يستبعد (زيد) أنه لولا قوة الدولة لصنع ربيع وفالح ميليشيا مسلحة تعتقل وتصفي كل متمرد على التنظيم.


10 -
المقطع العاشر
أسلوب المداخلة في النقد والتجريح
وقد ظهر في هذه الأزمات مدى دناءة الأسلوب الذي يتخذه أصحاب المنهج الجامي في تصفية الخصوم، وذلك بوضع الشخص المراد إسقاطه وضربه تحت المجهر، والجلوس له بالمرصاد، وتصيد عثراته وزلاته، ثم مواجهته بها، فإما أن ينصاع للتوجيهات، وإلا يتم فضحه ونشر عيوبه وأخطائه، ولا يحق لأحد من أتباع ذلك المنهج أن يدافع عنه، لأن ذلك داخل في منهج الموازنات المذموم، ومن هنا تعلم خطورة ذلك التوجه، ومدى الجرم الذي ارتكبه في حق العلماء والدعاة من جهة، وفي حق الشباب المتأثرين به من جهة أخرى.
وكشاهد على ذلك أنقل فقط ما فعله ربيع بالشيخ محمد المغراوي، فقد ورد في موقع (سحاب) مقال بعنوان: ((فتنة محمد المغراوي ومراحلها)) ذكر فيه كاتبه أن الشيخ ربيع كان ينقم على طالبه الصغير محمد المغراوي عدم ارتباطه به، فهو لا يصدر عن رأيه ولا يتصل به، ويأتي المدينة ولا يزوره! وهذه مصيبه عند ربيع، فإن الذي يأتي المدينة ولا يزوره فهو مغموص في عقيدته!
وكانت مصيبة المصائب أن المغراوي على صلة بعدنان عرعور، بل كان يشاركه في عدد من الندوات، وقد حاول منعه ربيع فلم يفعل، وهنا ثارت ثائرته، وحرك أتباعه في المغرب ((فتناولوا كتبه وأشرطته فوجدوا فيها البلايا التي تحمل المنايا، ووجدوا فيها المنهج القطبي التكفيري، ووجدوه يترسم خطى سيد قطب بحماس منقطع النظير، يردد ذلك المنهج بألفاظه ومعانيه وأصوله وفروعه، يهذي به هذيان الوالهين، قاموا بهذه الدراسة الأمينة، وعرضوها على العلماء فأجابوا إجابات علمية منطلقة من منهج السلف الصالح تدين المغراوي)).
لقد تمرد هذا المغراوي، ولكي يرتدع عن تمرده على المرشد الأعلى للمنهج الجامي، اتخذ المرشد فيه إجراءين، أحدهما تحريك الأتباع للنيل منه وتتبع تراثه العلمي، وجمع الهفوات، والرفع بها للمرشد, أما الثاني فهو استصدار الفتاوى التي تسقطه على أم رأسه سقطة لا ينهض بعدها أبداً.
أرأيتم ياسادة كيف أدرك ربيع بعد أن رفض المغراوي الانصياع أن في كتبه البلايا التي تحمل المنايا، وأن فيها المنهج القطبي التكفيري!!! هكذا سبحان الله ظهرت تلك المصائب فجأة، وتحول هذا التلميذ من ولي حميم إلى ضال شرير يجب أن يسحق ويقضى عليه.
وبالمناسبة فهذه العبارات (يسحق، يقضى عليه، يجب أن يسقط، ساقط، كلب مسعور، كلب عاوي، قطبي محترق) ترددت على مسامع (زيد) كثيراً فما عاد يلقي لها بالاً، أو يتأثر بسماعها.

11 - المقطع الحادي عشر
الصراع مع أبي الحسن المأربي وآثاره على المداخلة
أما ما فعل بأبي الحسن المأربي، فأعجب من أن يروى، فقد بلغت الردود عليه من ربيع وأتباعه أكثر من مائتين وثمانين رداً!!!، لقد تصور (زيد) وبعض البسطاء أن المأربي من ألد أعداء منهج السلف الصالح، وأنه ينتمي إلى أشد طوائف الغلاة، ولكن تبين وياللغرابة أنه أحد المنتسبين لدار الحديث في اليمن، ومن تلاميذ مقبل الوادعي رحمه الله. ولشدة ما يسمع الشباب من هجاءه والتحذير منه انبرى أحد السذج ليسأل الشيخ ربيع، هل ورد في أبي الحسن حديث، فقال له الشيخ: أتهزأ بي، فقال: لا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر ممن هم أقل فتنة من أبي الحسن! فقلت يمكن يكون حذر من فتنته أيضاً.
أثر ذلك الوضع المتأزم على الشباب السلفي! في المدينة ومنهم (زيد)، فتفجرت الخصومات فيما بينهم، وكثر الجدل والمشاحنات، ووصلت إلى التناوش بالأيدي في بعض الحالات، وتعالت أصوات التيار الوسط (المميع) مصرحة بنبذ منهج (التجريح) بعد أن كانوا مقهورين بسطوة ربيع وفالح ومن معهم، وأبرز أولئك: د. صالح السحيمي، ود. عبد السلام السحيمي، ود. إبراهيم الرحيلي، ود. سليمان الرحيلي، ود. محمد بن عبد الوهاب العقيل، ود. صالح سندي وغيرهم.
وكان رأيهم أن التجريح ينبغي أن لا يطال السلفيين بزعمهم، مع اتفاقهم على أن تبديع وتجريح غيرهم كان صواباً، وأمر سائغ لا بأس به!!
وهنا بيت القصيد، فقد انقلب السحر على الساحر، فبعد أن تآلبوا على الناس جرحاً وتصنيفاً، نهشتهم المخالب التي صنعوها بأيديهم، وتجرأ التلاميذ على الأشياخ نهشاً وكلماً وتجريحاً.
وهناك طرف آخر لا بد من الإشارة إليه، وهم من اعتزل الفتنة، ورجع على نفسه متأملاً في المألات التي أدى إليها ذلك المنهج المزعوم، بل وشاركوا في توجيه الشباب إلى ترك الخوض في الفتنة، واعتزال سائر الأطراف، والانشغال بالعلم الشرعي، ومن أبرزهم: د. علي ناصر فقيهي، ود. عبد الرزاق العباد، ود. ترحيب الدوسري، ود. عبد الله الجربوع، ود. علي غازي التويجري وغيرهم.
12 -

المقطع الثاني عشر
الصراع الداخلي
بدا (زيد) متذبذباً حائراً، حتى أثر ذلك في مسيرته العلمية، وتمنى لو لم يأت إلى المدينة ويدرس فيها، وقال في نفسه: ليتني ذهبت إلى جامعة القصيم أو إلى جامعة الإمام في الرياض، ما كل هذا الدخان الذي لبد الأجواء، أيعقل أن الحق يخفى إلى هذا الحد حتى يتنازع القوم فيه كل هذا التنازع.
إلا أن تلك الخواطر لم تلبث طويلاً فقد اجتمع الشباب ليتحدثوا عن أمر آخر، أشد بكثير مما سبق، هو نشوب الخلاف بين قطبي (الجامية) ربيع بن هادي وفالح الحربي، وهو أمر لم يكن في الحسبان، ولم يتوقعه أحد.
لم يطل الاستغراب كثيراً، فقد تكشف مع الأيام أن الخلاف بينهما قديم جداً، وأنهم يتتبعون بعضاً قبل ذلك بسنين، وأن بينهما من الشر ما لا يعلمه إلا الله، وأن عدم ظهوره في السابق كان خوفاً من الافتضاح عند العلماء، أمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني ومقبل الوادعي، وغيرهم.
والخوف أيضاً من سقوطهم من أعين السلفيين! الذين لن يلتفتوا إليهم إذا صدر التحذير منهم من أولئك العلماء، وهما أذكى من أن يوقعا نفسيهما في مثل هذه الحفرة ويعرضوا أنفسهم لذلك التهميش، ويخسرا المكانة السامقة بين أتباعهما بصفتهما إمامين من أئمة الجرح والتعديل.
فالح الحربي يزعم كما في شريط(إشراع الأسنة في دحض افتراءات المدخلي على أهل السنة) أن ربيع يبحث عن الصدارة، وأنه ورثها من جماعة الإخوان المسلمين التي انتمى إليها خمسة عشر عاماً، إلا أن ربيع يرتعد فرقاً من ظهور هذا الأمر، كيف لا، وهو الذي لم يُعرف إلا سلفياً!، ومع ذلك هو يعلم أن فالح لديه معرفة بهذا الأمر، وهو المنافس الأقوى في المدينة، وعندما أظهر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وفالح ذلك فيما بعد، زعم ربيع أنه دخل معهم لأجل إصلاحهم وتربيتهم على المنهج السلفي لا لأجل غرض دنيوي!
أما ربيع فيدعي بأن فالح هو الذي يبحث عن الزعامة، وأنه متعالم يضع نفسه فوق منزلتها، ويطعن في العلماء مثل الألباني، ومقبل الوادعي!
وهذه النزعة للزعامة من فالح يحكي (زيد) أتت من أن عم فالح كان أميراً لقرية صغيرة بجوار الحناكيه تسمى (المُحَفَّرْ)، وكما يُعلم من عادات البادية فإن بيت الأمارة له شأن، والأمير وأسرته ينالون تقديراً مطلقاً من أهل القرية.
وكان لدى فالح نقطة ضعف أخرى، ألا وهي كونه انضم لجماعة التبليغ برهة من الزمن، ثم خرج منها لينظم إلى (جماعة جهيمان) التي سجن بسببها سنتين، وهو أيضاً ينكر موافقته لجهيمان على باطلة وما ارتكبه من جريمة بحق المسلمين. 






13 - الحرب الأهلية بين ربيع المدخلي وفالح الحربي
بعد موت العلماء الثلاثة (ابن باز وابن عثيمين والألباني) وهم الأكثر تأثير على أتباع الجامي، تصارع الاثنان على زعامة السلفيين في العالم، وكلٌ منهما يرى أنه هو الأجدر بهذه الزعامة لما يمتلك من ميزات قيادية منقطعة النظير، إضافة إلى أن كلاً منهما قد حصد من التزكيات من العلماء ما يؤهله لتلك الزعامة.
ولكي يصل كل واحد منهما لمبتغاه بدأ بإظهار نفسه على أنه هو الشيخ الجدير بالثقة، وأن الثاني لا يستحق تلك الثقة لوقوعه في زلات وهفوات، وأصبح السلاح الذي كانا يوجهانه ضد الخصوم موجهاً إليهما ألا وهو سلاح الجرح والتبديع، وقد مضى ذلك السلاح فيهما وأصاب كلاً في مقتل.
تراشق الطرفان بالاتهامات، وتنادوا على بعض بالظلم والبهتان، وتشويه الحقائق، وقالوا في بعضهم قولاً عظيماً، والعياذ بالله.
عندها أصبح الوضع لا يطاق وانقسم أتباع التيار الجامي بمشايخه وطلابه إلى أقسام:
الأول: تيار غلاة التجريح بشقيه الربيعي والفالحي، وهؤلاء ما زالوا يخوضون في الفتن والعياذ بالله، فأتباع فالح يصفون ربيعاً وطلابه بأنهم مرجئة ضلال، وأتباع ربيع يصفون فالحاً ومن معه بأنهم حدادية تكفيريون غلاة، وقد بقي على هذا التوجه كلاً من ربيع المدخلي وفالح الحربي ومحمد هادي وعبيد الجابري وعبد الله عبد الرحيم بخاري، وأسامة عطايا الأردني، ومحمد بازمول وأخوه أحمد، وعدد غير قليل من الأتباع، وهؤلاء هم من اشتهروا قبل ذلك بتصنيف الناس بالحق تارة وبالباطل تارات، فابتلاهم الله بأن جعل بأسهم بينهم، وأشغل بعضهم ببعض، والله يهدي ضال المسلمين.
القسم الثاني: تيار التمييع، وهؤلاء أسسوا لهم توجهاً مغايراً لتوجه أولئك، قائم على ترك القدح في أتباع المنهج الجامي، واحتواء أخطائهم مهما كان الأمر! وعلى رأس هؤلاء: الشيخ صالح السحيمي والشيخ إبراهيم الرحيلي، ووسعوا دائرتهم لتشمل جميع من طالهم أذى (ربيع وفالح ومحمد هادي) في داخل المملكة وخارجها، وهذا القسم يحوي الشريحة العريضة من التيار.
القسم الثالث: من أدرك أن هؤلاء جميعاً أهل فتنة وشر، وأنهم أحدثوا في المسلمين أمراً عظيماً، بتفريقهم كلمتهم، وبث الفرقة والشقاق بينهم، وهذا فعله عدد من الأشياخ مضى ذكر بعضهم، وجمع لا يعلمه إلا الله من الشباب الذين خدعوا بهذا الفكر المنحرف، فتخلوا عنه بالكلية، وانتهجوا منهج العلماء الربانيين من أمثال الشيخ ابن باز والعثيمين والألباني والجبرين رحمهم الله رحمة واسعة.آمين.

14 - المقطع الرابع عشر
سمات المنهج المدخلي وأبرز عيوبه
حصَّل (زيد) خلال دراسته في الجامعة ما يسر الله له من العلم، ودرس على أساتذة فضلاء ما زالت صورة كثيرٍ منهم محفوراً في ذاكرته، لا تمحوها الأيام، وبالإضافة إلى تلك الدروس العلمية التي في الجامعة، كان (زيد) ورفاقه يذهبون لحضور الدروس العلمية للمشايخ المشهورين، ومنهم كم أسلفنا درس الشيخ عبد المحسن العباد، إضافة إلى الدورات العلمية المقامة في الصيفية، وكانت تقام في مسجد قريب من الحرم هو مسجد (ذي النورين)، ثم انتقلت بعدها إلى مسجد (بلال) سنة واحدة، ثم إلى مسجد القبلتين عدة سنوات.
وهناك دروس خاصة في علوم الآلة عند الشيخ عبد الرحمن كوني في أصول الفقه والقواعد الفقهية والنحو والصرف، والشيخ محمد أحيد الشنقيطي في علوم العربية، أحمد محمود عبد الوهاب في الأصول، والشيخ محمد زليباني في الفرائض وغيرهم.
ومما يجدر ذكره أنه كانت تقام دورات علمية أخرى في المدينة لا تنتسب لذلك التيار، إحداها في مسجد (البلوي)، والأخرى في مسجد (آل الشيخ) وكان عامة من يشارك فيها من خارج المدينة، وقد عرَّفت الشباب بالعلماء وطلاب العلم الذين طالهم التصنيف كثيراً، ومن أبرزهم: الشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ عبد العزيز الراجحي، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ عبد العزيز السدحان، والشيخ يوسف الشبيلي، والشيخ يوسف الغفيص، والشيخ محمد العريفي، والشيخ خالد المصلح وغيرهم.
وقد كان (زيد) يحضر هذه الدورات العلمية، ورأى بأم عينه هؤلاء النخبة الذين طالما حجبوا عنه، وحال التصنيف دون الاستفادة منهم، أو حتى مجرد حسن الظن بهم، لقد ظهر التمايز العلمي والأخلاقي بينهم، وبين أدعياء السلفية في المدينة، فدروس هؤلاء مليئة بالتأصيل العلمي، والحس الفقهي الذي كان مفقوداً في المدينة بسبب المسار العلمي الذي كان ينتهجه هؤلاء، والذي تميز بأمور:
الأمر الأول: نبذ المذاهب الفقهية، فقد كانوا يحذرون من كتب المذاهب، بحجة أنها كتب جامدة خاليه من الدليل، ويوجهون أتباعهم إلى الأخذ من الدليل مباشرة، وهذا المنهج أخرجهم من تقليد الأئمة المتبوعين، إلى تقليد علماء متأخرين كالألباني ومقبل الوادعي وصديق حسن خان والشوكاني، بحجة أن هؤلاء غير مقلدة، والفقهاء مقلدة ، وبذلك أوهموا الطلاب أن من درس كتاباً مذهبياً فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، ولأجل ذلك كثرت بينهم الشذوذات الفقهية، والعمل بالآراء المهجورة.
الثاني: التحذير من التكفير جملة، وتقييده بقيود تجعل منه أمراً متعذراً، ومن هنا نحوا منحى المرجئة في مسائل الإيمان والتكفير، فقد جعلوا العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان، ولا أثر له في صحة الإيمان، بل قد يبقى الرجل مؤمناً وهو لم يعمل أي عمل صالح ظاهر، ومن خالفهم في هذه المسائل قالوا عنه تكفيري وحدادي. ومن هنا جاءت ردود اللجنة الدائمة للإفتاء على عدد منهم.
.الثالث: التركيز على كتب الاعتقاد عند السلف المتقدمين، وبالأخص ما يتعلق بمسألة (ولاة الأمر) وهذا جانب حسن، إلا أنهم بالغوا في تأصيل تلك المسألة، مما أدى إلى الغلو في ولاة الأمر في جميع الأقطار الإسلامية، وليس في السعودية والخليج فقط، فمن تولى على قطر من الأقطار فهو ولي أمر شرعي، له ما لولاة أمور المسلمين وعليه ما عليهم، ولو كان محارب لله ولرسوله غاية المحاربة، وقد ظهر ذلك في موقفهم من الطغاة كالقذافي وابن علي وبشار الأسد، إضافة إلى الغلو في الثناء على ولاة الأمر، والدفاع عن أخطائهم وتبريرها، والنيل من كل شخص يذكر خطأ وقع في أجهزة الدولة، وينسبونه إلى مذهب الخوارج، ومن هنا وصفوا عدداً من أهل العلم بأنهم تكفيريون بناء على موقفهم من أخطاء الحكام، ووصل الأمر ببعضهم إلى منع حتى الإنكار العلني على المنكرات الظاهرة التي يفعلها ولاة الأمر، وعدوا ذلك من أنواع الخروج، خلافاً لسيرة الصحابة والتابعين
الرابع: التركيز على مسألة البدعة والتحذير منها، وألفوا فيها مؤلفات كثيرة، وهذا جانب حسن أيضاً، إلا أنهم بالغوا في مسألة التبديع، فجعلوا من خالف في مسألة من مسائل العقيدة والعمل والسلوك، مبتدعاً، بل ونص عدد من مشايخهم على تبديع من خالف في مسائل اجتهادية وقع فيها الخلاف بين السلف المتقدمين.
ورتبوا على التبديع مسألة أخرى هي الهجر، فمن وقع في بدعة استحق الهجر، ومن هنا تهاجر القوم، وتنافرت قلوبهم.


15 - 

المقطع الخامس عشر
العودة الصعبة والنتيجة المريرة
عاد (زيد) إلى مسقط رأسه ومرتع صباه، بغير الوجه الذي ذهب به، لقد عاداً محملاً بكم ثقيل من الأحكام والتصنيفات، والصراعات الفكرية، والنزاعات المنهجية، التي تزاحمت في ذاكرته على مدى الأعوام، وما عاد قادراً على الانفكاك من آثارها السلبية على عقله ونفسه، لدرجة أنه كلما سمع اسماً لعلم، أو مؤسسة خيرية، أو دار قرآنية هجم عليه داء التصنيف البغيض، فيدفعه بالاستعاذة والحوقلة، حتى ترتد تلك الأفكار حسيرة خاسئة.
دخل (زيد) معترك الحياة، وأصبحاً معلماً وأباً لعدد من الأبناء، واستثمر ما حصله من العلم على تواضعه في تعليم من حوله، ولكن ما كان يؤرقه هو استفحال هذا الفكر، وتغريره بالشباب، فمازالت أصداء ذلك التيار البغيض تقرع مسامعه صباح مساء، وما زال الشباب وخاصة في منطقته يلقون إليهم بالمودة، ويحسبون أنهم على شيء، ذلك ما حز في نفس (زيد) كثيراً، وجعل يجول في خاطره أن يكتب للجيل الصاعد ذلك الحصاد المر، لحقبة من الزمن عاشها مع تلك الفئة، متشبثاً بالوهم والخيال، يظن أنه على منهج السلف، وهو أبعد ما يكون عن سمت السلف وأدب السلف، وطريق السلف في التعامل مع الناس.
لقد كان السلف من أورع الناس عن الولوغ في الأعراض، والبحث عن المعايب والسقطات، إنك إذا رأيت ردودهم على أهل البدع الغليظة كالرفض والتجهم والإعتزال وجدتها قليلة بالنسبة لتراثهم العلمي المجيد، وحتى في ردهم يتحرون الصدق والنصح، بعيداً عن ساقط القول وبذي الكلام، وإنما النصح والنصح فقط، لا تجريح ولا إسقاط.
ومما يحب (زيد) أن يقوله في ختام هذه التجربة، أن هذا التيار وإن تمسح بأعتاب العلماء، وادعى وصلاً بهم، إلا أنه أبعد ما يكون عن طريقتهم وسمتهم، ولا أنسى تلك الكلمة العظيمة للشيخ الألباني حينما سرد له أحدهم بعض أخطاء أحد الدعاة، فقال فيما معناه: أن الحامل لك على ذلك هو حظ النفس الأمارة بالسوء، وصدق والله، فأكثرهم يحمله على البغي والجرح في إخوانه المسلمين، حظوظ النفس، والهوى المصبوغ بصبغة الهدى، سراب يحسبه الظمآن ماءً.
لقد خالطهم (زيد) كثيراً وأدرك بفطرته، وحسن منبته أن تلك البيئات يعشعش فيها الحسد، والتسلط على الناس والتعدي عليهم وبهتهم، ويرتع فيها خبثاء النفوس، وأهل الدناءة والوضاعة لينالوا مآربهم الخسيسة، وقد علم (زيد) أن منهم من سعى بالوشاية في بعض إخوانهم، وكتب فيهم إلى المسؤولين، مما تسبب في وقوع الأذى بهم في أنفسهم وأموالهم ومصالحهم، وعند الله تجتمع الخصوم، (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة أتينا بها وكفى بنا حاسبين)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين.