قال ابن عبد البر في الاستذكار 4/317: ( وفي أخذ بن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز الأخذ من اللحية في غير الحج لأنه لو كان غير جائز ما جاز في الحج لأنهم أمروا أن يحلقوا أو يقصروا إذا حلوا محل حجهم ما نهوا عنه في حجهم, وابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعفوا اللحى وهو أعلم بمعنى ما روى فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير والله أعلم ...
وعن مالك : أنه بلغه أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب وقبل أن يهل محرما
قال أبو عمر : هذا أحسن لأنه معلوم أن الشعر يطول ويسمح ويثقل فتأهب لذلك, وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطائفة من أصحابه في الطيب قبل الإحرام ما يدفع عنهم ريح عرق أبدانهم هذا واضح والقول فيه تكلف لوضوحه, وفيه أنه جائز أن يأخذ الرجل من لحيته وذلك إن شاء الله كما قال مالك يؤخذ ما تطاير منها وطال وقبح)اه
وفي الاستذكار أيضا 8/429 :(قال أبو عمر : روى أصبغ عن بن القاسم قال سمعت مالكا يقول: لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ, وقال : فقيل لمالك : فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال : أرى أن يؤخذ منها وتقصر...
قال أبو عمر : قد صح عن ابن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وهو أعلم بما روى ) اه
وقال في التمهيد 24/145 : (اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية : فكره ذلك قوم وأجازه آخرون, وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا أصبغ عن ابن القاسم قال سمعت مالكا يقول : لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ قال فقيل لمالك : فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال : أرى أن يؤخذ منها وتقصر... قال أبو عمر : هذا ابن عمر روى اعفوا اللحى وفهم المعنى فكان يفعل ما وصفنا, وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج ) اه
وفي المنتقى شرح الموطأ 7/165 : (فصل) : وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أعفوا اللحى قال : أبو عبيد معناه وفروا اللحى لتكثر يقال منه عفا بنو فلان إذا كثروا . وقال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه: ويحتمل عندي أن يريد أن تعفى اللحى من الإحفاء ; لأن كثرتها أيضا ليس بمأمور بتركه) اه
وفي شرح الزرقاني على الموطأ 4/426 : (روى الترمذي وقال غريب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها بالسوية
أي ليقرب من التدوير من كل جانب لأن الاعتدال محبوب والطول المفرط قد يشوه الخلق ويطلق ألسنة المغتابين ففعل ذلك مندوب ما لم ينته إلى تقصيص اللحية وجعلها طاقات فيكره أو يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء
فلا منافاة بين فعله وأمره لأنه في الأخذ منها لغير حاجة أو لنحو تزيين وفعله فيما احتيج إليه لتشعث أو إفراط طول يتأذى به, وقال الطيبي : المنهي عنه قصها كالأعاجم أو وصلها كذنب الحمام وقال الحافظ : المنهي عنه الاستئصال أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور ) اه
وفي الثمر الداني 1/683 : (قال مالك ولا بأس بالأخذ) بمعنى يستحب الأخذ (من طولها إذا طالت كثيرا ) والمعروف لا حد للأخذ منها إلا أنه لا يتركها لنحو الشهرة ( و ) ما قاله مالك ( قاله ) قبله ( غير واحد ) أي أكثر من واحد ( من الصحابة والتابعين ) رضي الله عنهم أجمعين ) اه
وفي الفواكه الدواني 2/306 : ( ولا بأس بحلق غيرها أي غير العانة من شعر الجسد كشعر اليدين والرجلين ونحوهما من بقية شعر الجسد حتى شعر حلقة الدبر إلا الرأس واللحية فإن حلقهما بدعة محرمة في اللحية وغير محرمة في الرأس لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يحلق رأسه إلا في التحلل من الحج والظاهر من لا بأس الإباحة ) اه
وفي الفواكه الدواني أيضا 2/307 : (والمتبادر من قوله (وأمر) الوجوب وهو كذلك إذ يحرم حلقها إذا كانت لرجل وأما قصها فإن لم تكن طالت فكذلك, وأما لو طالت كثيرا فأشار إلى حكمه بقوله: قال مالك رضي الله عنه: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت طولا كثيرا بحيث خرجت عن معتاد غالب الناس فيقص الزائد لأن بقاءه يقبح به المنظر
وحكم الأخذ الندب فلا بأس هنا لما هو خير من غيره, والمعروف لا حد للمأخوذ وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة, وقال الباجي: يقص ما زاد على القبضة ويدل عليه فعل ابن عمر وأبي هريرة فإنهما كانا يأخذان من لحيتهما ما زاد على القبضة والمراد بطولها طول شعرها فيشمل جوانبها فلا بأس بالأخذ منها أيضا...)اه
وفي الفواكه الدواني أيضا 2/308 : (تنبيهان :
الأول : ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز إلا أخذ الزائد على المعتاد فيفهم منه أنه لا يجوز حلق ما تحت الحنك وهو كذلك فقد نقل عن مالك كراهته حتى قال إنه من فعل المجوس ونقل عن بعض الشيوخ أن حلقه من الزينة فتكون إزالته من الفطرة
وأقول: يمكن الجمع بحمل كلام الإمام على ما يلزم على بقائه تضرر الشخص ولا تشويه خلقته وكلام غيره على ما يلزم على بقائه قبح منظر صاحبه أو تضرره به وقد روي أن عليه الصلاة والسلام كان يأخذ من عرض لحيته وطولها وكان يأمر أن يؤخذ من باطن اللحية وأما شعر الخد فالذي اختاره ابن عرفة جواز إزالته ... وأما شعر العنفقة فيحرم إزالته كحرمة إزالة شعر اللحية وقيدنا ذلك بالرجل لما مر من أن المرأة يجب عليها إزالة ما عدا شعر رأسها
الثاني : لم يتكلم المصنف على نتف الشيب من اللحية وقال مالك حين سئل عنه : لا أعلمه حراما وتركه أحب إلي أي إزالته مكروهة على الصواب كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموسى تحسينا وتزيينا وإن قصد بذلك التلبيس على النساء كان أشد في النهي ) اه
وفي كفاية الطالب الرباني 2/580: ( وأمر النبي ) صلى الله عليه وآله وسلم في الموطأ ( أن تعفى ) أي توفر ( اللحية ) وقوله ( وتوفر ولا تقص ) تأكيد وقوله ( قال مالك ) رحمه الله ( ولا بأس بالأخذ ) بمعنى يستحب الأخذ ( من طولها إذا طالت كثيرا ) والمعروف لا حد للأخذ منها إلا أنه لا يتركها لنحو الشهرة ( و ) ما قاله مالك ( قاله ) قبله ( غير واحد ) أي أكثر من واحد ( من الصحابة والتابعين ) رضي الله عنهم أجمعين ) اه
وفي حاشية العدوي عليه 2/580 : (من طولها ) وكذا يندب الأخذ من عوارضها كما قال ابن ناجي, قوله ( إذا طالت كثيرا ) أي لا إن لم تطل أو طالت قليلا وفسر بعض الشراح الكثرة بأن خرجت عن المعتاد لغالب الناس أي فيندب له أن يقص الزائد لأن بقاءه يقبح به المنظر
فإن قلت : وما حكم القص عند عدم الطول أو الطول القليل قلت : صرح بعض الشراح بأنه يحرم القص إن لم تكن طالت كالحلق والظاهر أن محل الحرمة كما أفدناك سابقا إذا كان يحصل بالقص مثلة وهو ظاهر عند عدم الطول أو الطول القليل وتجاوز في القص وأما إذا طالت قليلا وكان القص لا يحصل به مثلة فالظاهر أنه خلاف الأولى وحرر
قوله ( والمعروف لا حد للأخذ منها ) أي أنها إذا طالت كثيرا وقلنا لا بأس بالأخذ منها فاختلف على قولين, المعروف منهما أنه لا حد للأخذ أي فيقتصر على ما تحسن به الهيئة ومقابل المعروف ما قاله الباجي أنه يقص ما زاد على القبضة ويدل له ما روي أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يأخذان من اللحية ما زاد على القبضة إلا أنك خبير بأن هذا المقابل لا يقضي بأن محل الخلاف إذا طالت كثيرا كما هو مفاد شارحنا فتدبر...
واختار ابن عرفة جواز إزالة شعر الخد وندب قص شعر الأنف لا نتفه لأن بقاءه أمان من الجذام ونتفه يورث الأكلة ويحرم إزالة شعر العنفقة كما يحرم إزالة شعر اللحية وإزالة الشيب مكروهة كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموسى تحسينا وتزيينا ) اه
وفي مواهب الجليل1/217 : (وحلق اللحية لا يجوز وكذلك الشارب وهو مثلة وبدعة!! ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه
قال ابن يونس في جامعه: قال مالك فيمن أحفى شاربه يوجع ضربا وهو بدعة!! وإنما الإحفاء المذكور في الحج إذا أراد أن يحرم فأحفى شاربه خشية أن يطول في زمن الإحرام ويؤذيه وقد رخص له فيه وكذلك إذا دعت ضرورة إلى حلقه أو حلق اللحية لمداواة ما تحتها من جرح أو دمل أو نحو ذلك والله تعالى أعلم ) اه
وقال القرطبي في المفهم في شرح صحيح مسلم 1/512: ( لا يجوز حلق اللحية ، ولا قصها ، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها من المشوه ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضاً فحسن عند مالك وغيره من السلف)اه