الأحد، 25 أغسطس 2024

تحرير معنى قوله تعالى: ما منعك أن " تسجد لما خلقت بيدي"

 


✅تحرير معنى قوله تعالى: ما منعك أن
تسجد لما خلقت بيدي✅
-قال الوهابي: قال تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}؛ المراد هنا صفة يدين حقيقيتين خلق الله بهما ٱدم خصوصية له !!! والمثنى المقرون بالباء يحمل على الحقيقة وليس على المجاز.
الجواب: هذه قاعدة عجيبة قد ابتدعها المجسمة الحشوية لتأييد عقيدتهم الباطلة و هم أبعد الناس عن اللغة و فهمها وعلومها !!
و الحقيقة أن اليد ( مفرد أو مثنى أو جمع) في اللغة تأتي مضافة و تأتي غير مضافة.
وتأتي مستعملة مع حرف الجر وبدون حرف الجر ، وتستعمل في جميعها في الحقيقة والمجاز بلا فرق .
وأدلة اللغة من الكتاب والسنة ولسان العرب على خلاف و نقيض قولهم الذي يراد به التشبيه و التجسيم و العياذ بالله !!!
وها أنا أسرد بعض الأدلة على ذلك:
1_قال تعالى:{تبت يدا أبي لهب و تب} .
(يدا) هنا جاءت مضافة، ومعنى (تبت) : أي هلكت، ولا شك أن أبا لهب هو الذي هلك بذاته فاستوجب النار بما فعل وليس يداه فقط، وإن كان السياق جاء بذكر اليدين .
والشاهد هنا أن (يدا) في (يدا أبي لهب) جاءت مضافة وحملت على هلاك أبي لهب بذاته لا يديه فقط، فكذلك صيغة اليدين في ٱية خلق ٱدم عليه السلام تحمل على الذات الإلاهية بلا فرق يعني:( ما منعك يا إبليس أن تسجد لما خلقت أنا ).
2_قوله تعالى عن الكفار المستحقين لجهنم:{ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}؛ الأنفال51.
فلفظة (أيديكم) صيغة جمع جاءت مضافة و المعنى:( ما قدمتموه أنتم)؛ يعني الكفار و ليس أيديهم فقط، لأنه في أعمالهم أعمال أخرى من غير اليدين كمعاصي اللسان والبصر والفرج و غيرها كما قال عليه الصلاة والسلام:( وهل يكب الناس في جهنم إلا حصائد ألسنتهم).
فذكر الأيدي هنا لا يدل على الأيدي الحقيقية بل يدل على الذات كاملة وفعل الذات.
3_ قال تعالى {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه}؛ جاءت ( يد )هنا مثنى مضافة أي بمعنى بما قدم هو ذاته من أعمال .
4_قال عليه الصلاة والسلام في شأن يأجوج ومأجوج عند خروجهم كما في صحيح مسلم : ( لا يدان لأحد بقتالهم) أي : لا قدرة ولا قوة لأحد بقتالهم ؛ فاليدان هنا بمعنى القدرة أو القوة.
و (اليدان) بصيغة المثنى لا يجعل القدرة قدرتين كما ادعى بعض الجهال .
5_ قال تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؛ هنا دخل حرف الجر على جمع يد وهو ( أيدي) مع تعلقه بالفعل ولم تدل على حقيقة الأيدي بل دلت على الذات والنفس بمعنى ( لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة) .
6_ قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}الذاريات 47 ؛ قال ابن عباس أي بقوة كما في تفسير الطبري، و(الأيد) هنا جمع ( يد) كما في قوله تعالى : ( ألهم أيد يبطشون بها) .
7_ قال تعالى::{ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون} يس71 ؛ أي من المواشي التي خلقها الله كما في تفسير الطبري.
وسؤال الوهابية الذي لم يجدوا له جوابا لقلة بضاعتهم حيث قالوا: ولم خص الله ٱدم بالذكر وكل الخلق خلقهم الله بقدرته الذاتية سبحانه!؟
قلنا: الغرض هو التكريم و التشريف و التقريب له و مزيد عناية به واختصاص ،لا لأن الله يخلق ويفعل بآلة كما هو شأن خلقه ، وهذا موجود مشهور في كلام العرب و أساليبهم خصوصا في مقام المدح.
وعلى سبيل المثال قوله عليه الصلاة والسلام وٱله الكرام في حق أبي بكر الصديق كما رواه أهل الحديث في مناقبه:( فهل أنتم تاركوا لي صاحبي).
فالسؤال للوهابية الجهال: ولم خص أبابكر بالصحبة وكل الصحابة أصحاب له بلا شك، أليس لمزيد عناية به و تشريف و تكريم له واختصاص في القرب.
ويدل عليه أيضا أنك إذا فعلت أمرا بدون اهتمام ولا عناية فعلته بيد و إذا اعتنيت به فعلته بكلتا اليدين ، فاستعير هذا اللفظ للدلالة على لازمه وهو العناية والاهتمام بالشيء.
ولنسف آخر شبهة في هذه العقيدة الباطلة نذكر الوهابية هنا أن الله جل شأنه الذي خلق آدم وهو أعلم به منهم لم يجعل له هذه الخصوصية في خلقه بل جعل له الخصوصية في خلافته في الأرض حيث قال :{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}.
و قد رد على ادعاء هؤلاء المجسمة بما رد به على النصارى في خلق عيسى عليه السلام بأنه خلقه وآدم عليه السلام بقدرته الذاتية المطلقة وهي المعبر عنها ب( كن فيكون) حيث قال جل شأنه :{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} ؛ وهذه ٱية قاصمة لظهر الوهابية في هذه المسألة لأنها تدل على استواء خلق ٱدم و عيسى عند الله جل جلاله ولا تفاضل بينهما في الخلق، فلا فرق بينهما في هذا المقام ، وبالله التوفيق

هل حرّم الإسلام الغناء والموسيقى بكل أنواعه؟!

 

هل حرّم الإسلام الغناء والموسيقى؟!

 نحب ان نذكركم بأن مسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، ولم يرد نص فى الشرع صحيح وصريح في الكتاب والسنة فى تحريم الغناء والموسيقى،بل بالعكس لدينا ادلة صحيحة وصريحة في حلها ولكن صوت من يحرمها اكبر بدون دليل .. !ولذلك لا ينبغى للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا، ولا ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية، فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه.


وجواب لمن يسأل عن السماع الغناء والموسيقى أيؤتى به يوم القيامة أيؤتى به يوم القيمة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟! انظر اول تعليق👇

روي عن ابن جريج : أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيمة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لا في الحسنات و لا في السيئات ؛ لأنه شبيه باللغو ، قال تعالى : (لا يؤَخِذ كم اللَه بِالَلغُو ِفِي أَيُمَانَكمُ ) (البقرة : 225 ، المائدة : 89 .) .
على أننا نقول : ليس كل غناءٍ لغواً ؛ إنه يأخذ حكمه و فق نية صاحبه ، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة ، و المزح طاعة ، و النية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة . باطنه الرياء : « إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم » (رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، كتاب « البر و الصلة و الآداب » ، باب : تحريم ظلم المسلم)

ولمن يسأل عن أدلة حل الغناء الوموسيقى ليقرأ معنا

الدليل الأول :

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى اله عليه وسلم دخل عليها أيام منى، وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بدُفين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى على وجهه الثوب (وفي رواية مستتر بثوبه) لا يأمرهنّ، ولا يناههنّ، فنهرهنّ (وفي رواية: فانتهرهما) أبوبكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه عن وجهه، فقال: "دعهن (وفي رواية: دعهما) يا أبا بكر فإنها أيام عيد" (حديث صحيح، أخرجه أحمد وابن راهويه، والنسائي وابن حبان والبخاري ومسلم وابن ماجه والبيهقي والطبراني وأبونعيم الاصبهاني وابن أبي الدنيا)./>

دعنا نذكر الفوائد من هذا الحديث:

1.      جواز غناء البنات. ههنا سيدات أو ابنتان تغنيان مع عائشة رضي الله عنها.

 

2.      جواز سماع المرأة لغناء البنت أو المرأة. فهنا السيدة عائشة رضي الله عنها تسمع للجاريتين تغنيان.

 

3.      جواز سماع الرجل للمرأة وهي تغني. فهذا النبي صلى الله عليه وسلم موجود في البيت ولا شك أنه يسمع رغم أنه لا ينظر ربما لخصوصية في وضع الجاريتين مع السيد عائشة. وكذلك أبوبكر استمع لهما بعد أن طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعهما، وهو متواجد في البيت، واستمرتا تغنيان.

 

4.      اقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمشروعية الاحتفال بالغناء من قبل البنات بدليل لفظ "دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد"، فشرع الاحتفال بالمناسبات كما سيأتي في أدلة أخرى أو في العيد كما هو هنا.

 

5.      رد من أنكر الاحتفال، فشرع لك النبي صلى الله علسه وسلم أن ترد على من لا يريد من الناس أن تحتفل في العيد. ومن ذلك كلام الخطباء بالجملة غير السوية: "ليس العيد باللبس الجديد ولكن العيد بتذكر يوم الوعيد" فهذا خلاف السنة. فالسنة اللبس الجديد، ويوم القيامة هو شعور ملازم للمسلم في كل وقت ولا يفزعه بالضرورة طوال الوقت. والاحتفال بالعيد سنة.

 

6.      رد من أنكر على غناء المرأة، فالنبي صلى الله عليه وسلم صوب أبا بكر ولم يقره، بل حتى أبوبكر لم ينكر غناء المرأة لكنه استنكر الفعل في بيت النبوة. فجاز لك أن ترد على من ينكر على البنت تغني.

 

7.      جواز السماح أو جلب المغنيات للبيت والأهل. لو أن شخصاً جاء ببنات يغنين في بيته لكان عمل بهذه السنة الكريمة التي تدخل البهجة والسرور على البيت والأهل خاصة في المناسبات السعيدة. وطبعاً هذه السنة لا يعمل بها المتنطعون!

 

8.      جواز استخدام آلة موسيقية في البيت للغناء. هذه مسألة سيأتي شرحها لاحقاً، لكن يكفي الاتفاق على جواز استخدام الدف. فهذا الدف في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويعزف من قبل مغنية والسيدة عائشة وربما أبوبكر كذلك يسمعون كلهم. وهذه الآلة شرعت في مواضع كثيرة جداً في أحاديث أخرى متواترة، وهي هنا صريحة جداً بأنها عزف وغناء في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبحضوره وحضور زوجته الكريمة.

 

9.      جواز استخدام أكثر من آلة في المجلس أو العزف. فالحديث نصه: "دفين" كما في هذه الرواية. والمعنى أن كل جارية منهما بيدها دف تعزف فيه.

 

10. الدف آله موسيقية معتبرة بدليل لفظ أبي بكر في رواية صحيحة كذلك: "مزمار الشيطان؟" (وهذه الرواية عند البخاري). فاعتبرها أبوبكر مثل أي عارف آله موسيقية. والمزمار آلة موسيقية ليست الدف بل هي من الآلآت النفخية كالناي والشبانة والكليرينت والساكسفون والكاوالا والمجوز والأرجول وهناك آلة لليوم تسمى المزمار. فقوله مزمار أي آلة. فدل الحديث على جواز الآلة كما سيأتي لاحقاً بإذن الله جواز آلآت أخرى.

 

11. خلل عقدي فيمن استشهد بكلام أبي بكر وترك عدم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم. تعريف السنة أنها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو إقرار. وتسمى سنة فعلية أو قولية أو تقريرية. فهنا دلالة واضحة على عدم إقرار كلام أبي بكر رضي الله عنه. بل رده وطلب منه تركهما؛ ففيه مؤشر بأن فعلهم (البنات الثلاثة: السيدة عائشة والجاريتان) صحيح ولا شيء فيه ولا هو من فعل الشيطان. ومعلوم أن كلام النبي صلى عليه وسلم مقدم على كل أحد بما في ذلك أبي بكر رضي الله عنه، لكن لاحظ الفكر غير السوي في هوس التحريم كيف يستدل بقول أبي بكر ويرد كلام نبيه صلى الله عليه وسلم. أدخل اليوتوب واسمع كلام ألف شيخ في هذا الاستدلال لتعلم الانحراف الفعلي في الخطاب الديني!

 

12. جواز التعبير بالبهجة من خلال الغناء والعزف. وهذا ما فعلته أمنا رضي الله عنها بجلب الجاريتين.

 

13. رد طعن من رأى أن هذا خاص بعائشة، كما حاول الشيخ راضي الحبيب في الكويت في رده على مقابلتي في قناة الوطن. فالسيدة عائشة أكرم وأعلم من كل علماء الدنيا اليوم بما فيهم الشيخ الحبيب. والإمام ابن حجر العسقلاني عندما ترجم لعائشة قال: "أعلم نساء الأرض إطلاقاً!". فلا اعتبار لهذا الكلام، وحتى لو افترضنا ذلك، والعياذ بالله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصلا موجود.

 



إن هذا الحديث وحده، وسنأتي بإذن الله لذكر عشرات أخر، كاف من كون الغناء والعزف بالدف والسماع أقل ما يقال فيه الجواز.

نقل الإمام الشوكاني قول العلامة الفاكهاني: "لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثاً صحيحاً صريحاً في تحريم الملاهي (يعني الآلات الموسيقية) وإنما هي ظواهر وعمومات يستأنس بها لا أدلة قطعية" (الشوكاني: نيل الأوطار جـ 8/104)، وبنفس هذا القول قال الإمام العلامة بن حزم والإمام المجدد أبوحامد الغزالي.

الدليل الثاني: :/>
عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كنت نذرتي فاضربي، وإلا فلا"، فجعلت تضرب. (حديث صحيح، أخرجه أحمد (5/353، 356) والترمذي (رقم 3691) وابن حبان (رقم 4386) والبيهقي (10/77) وأبوداود (3312) وغيرهم)./>
والحديث فيه تتمة مشكلة "... فجعلت تضرب، فدخل أبوبكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب، ثم دخل أبوبكر وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف".

قال الشيخ الجديع: قلت: فهذا الحديث حجة قوية في إباحة العزف والغناء بغير محذور، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه" (رواه البخاري ومالك وأحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وابن ماجه). وقال: "لا نذر في معصية الله"، وفي رواية: "لا وفاء لنذر في معصية" (رواه مسلم وأحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والدارمي). فلو كانت هذه المرأة نذرت محرماً لما أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء به، وإنما أذن لها به لكونها نذرت مباحاً ..
وهذا من أبلغ ما يكون في رد زعم أن العزف بالدفوف والغناء لا يحل إلا في عرس وعيد، فلم تكن هذه المناسبة عيداً ولا عرساً. قد جمع الكل معنى السرور؛ فالعرس والعيد وقدوم الغائب العزيز مناسبات سرور، فأبيح فيها العزف والغناء من أجل هذا المعنى .. (الجديع، الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام ص222-223).

إن الإشكالية في الحديث هي في قوله لعمر "إن الشيطان ليخاف منك" في مثل هذا الموضع. إن هذه الفقرة من الحديث إما علة في المتن أو زيادة من الراوي من حديثين مختلفين أو لغة دارجة بين الحجازين. إن المقصود بالعلة في المتن هي اضطراب في كلام الراوي؛ فالحديث الصحيح هو ما ما نُقل عن العدل الثقة بسنده متصلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير علة ولا شذوذ. لهذا التعريف 6 شروط:
 1- اتصال السند
2- عدالة الراوي
3- ثقة الراوي
4- نهايته للنبي صلى الله عليه وسلم
 5- خلوه من الشذوذ
6- خلوه من العلة.
الأخيرتان صناعة دقيقة جداً لا يتقنها إلا كبار العلماء مثل البخاري والدارقطني وأمثالهما،
أما الشروط الأولى فقد يتقنها محدث متمكن. مثال ذلك أن يخالف الحديث آية قرآنية أو حديث متواتر فهنا يدلك أن في الحديث علة وشذوذ. فلو صحت الزيادة هذه بفقرتيها (وهو كذلك وفقاً للمختصين) فهذا يعني أن هناك تأويلاً مختلفاً لما قد يظهر من المعنى. لأن ظاهر المعنى أن الشيطان كان موجوداً مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ففر لما رأى عمر رضي الله عنه، وهذا يستحيل، كون هناك رجلان أفضل من عمر ورجلان فاضلان من أعلى فضلاء الأمة. فلا يعقل أن الشيطان فر من عمر لكنه تقوى في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان وعلي. هذا يقوله من قل علمه واختلت عنده الموازين. وبعض العلماء والمشايخ يستدلون به من هذا الوجه، وهو خطأ عقدي مخل.

والمعنى قد يكون أن لكلمة "شيطان" في الحجازية معنى مخفف. والحجازية هي لغة القرآن الكريم ولغة السنة النبوية الأصيلة والحكم لها في النهاية. مثال: أن القرآن في سورة يوسف يقول: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف/31) ولا يقال في اللغة العربية الدارجة وقواعدها (ما هذا بشراً) بالفتح وإنما يقال (ما هذا بشرٌ) بالضم. لكن أهل الحجاز وقتها يلفظونها هكذا، ولذا سماها العلماء "ما الحجازية" والتي تنصب في لغة الحجازيين. من لا يفهم هذا يُخطأ القرآن الكريم ويضن أنه خطأ في قواعد اللغة وإعرابها. مثال آخر مختلف: القرآن الكريم يقول: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء/34) فهنا أمر بضرب النساء في حالة النشوز، وهناك أحاديث صحيحة كثيرة نهت عن ضرب النساء وشددت بكون هذا الفعل مشين وأن صاحبه ليس خيّراً. فكيف السنة تخالف القرآن؟ والجواب: أن الضرب هنا في القرآن بلغة أهل الحجاز؛ فأهل الحجاز لا يضربون نساءهم، وهذا عندهم يخدش بكرامة الإنسان، لكنهم يقولون الضرب للسعي والتأديب والتعليم، كقوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (المزمل/20) وهذا لا يعني ضرب الأرض بل مجازية تعني السعي في الأرض. وكما في حديث أبي سعيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولا يدع أحدا يمر بين يديه فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان". (رواه ابن ماجه وهو عند البخاري وغيره). فلا يعتقد إنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد أن يقتله، والعياذ بالله. فلا يُقتل الإنسان بكونه يصر أن يمر بين يدي المصلي! وإنما في اللغة "قاتله" غير "اقتله". والمقصود ادفعه أو رده، وهو موضوع إجماع بين كل العلماء في التاريخ، لم يقل منهم أحد بجواز قتل المار بين يدي المصلي، بل لو فعل شخص ذلك لجاز قتله حداً لأنه قتل نفساً بريئة، وفي العادة يحكم عليه القاضي بالإعدام لجرمه.

لهذا فيقيناً أن المقصود مختلف في الحديث وهو أن "الشيطنة" كما هو الدارج في اللغة اليوم واللهجات يعني اللعب والمرح فاستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم ودمجها مع كون الشيطان يفر منه. ولا شك أن الشيطان كذلك يفر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبي بكر ومن عثمان ومن علي رضي الله عنهم جميعاً. ولاحظ في الحديث الآخر الذي ذكرته أيضاً في المرور بين يدي المصلي لفظ: "فإنه شيطان" ولا يعقل أن يكون الإنسان أو الحيوان شيطان، أي أبليس، ولكن شيطان بهذا التصرف غير السليم، مع ذلك فهو مسلم ومحترم كإنسان وبشر. فاستعير بكلمة "شيطان" هنا كذلك لتعزيز المعنى وتقويته والتنفير من فعل ذلك تعمداً. والناس تقولها أحياناً: "فلان شيطان" وهي تضحك أي ذكي أو حيّال أو فطن أو كثير الحركة.

وحتى لو كان المعنى أن الشيطان جاء ليستمع معنا إلى غناء المرأة - رضي الله عنها - وجلس معنا فلما جئت يا عمر فر، فهذا لا يدل بحال على أن الغناء والعزف حرام. لأن هذا خدش في الاعتقاد كذلك أن تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يصر وأبوبكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على الحرام! بينما يكون صاحب التقى عمر رضي الله عنه.

ومع ذلك فسنأتي بالدلائل عن عمر رضي الله عنه في سماع الغناء لاحقاً بإذن الله من الآثار الصحيحة. (تأكد من شيء أني لن أنقل لك آثار وأحاديث غير صحيحة، إلا إذا وضحتها، كما يفعل من يستدل بالتحريم عندما نناقش أدلتهم. أنا أقتصر على الأحاديث والآثار الصحيحة فقط رغم أن هناك مئات المرويات غير الصحيحة).

ونستفيد من هذا الحديث التالي:

1.      جواز غناء المرأة أمام الرجال. فهذه إمرأة، وليست طفلة، والمستمعون لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.

 

2.      جواز سماع الأخيار من الناس للغناء والعزف. قل لي بربك من أخير منهم؟!!!!

 

3.      جواز الغناء بالضرب. أي باستخدام آلة معينة للغناء، وهنا أستخدم الدف.

 

4.      جواز الغناء في المناسبات السعيدة وقدوم المسافرين وفي غير العيدين، فهنا ليست مناسبة عيد.

 

5.      جواز تحدث المرأة مع الرجل في المكان العام. وصوتها ليس عورة ولا حديثها مع الرجل.

 

6.      جواز احتفال المرأة بالرجل من باب سلامته أو فوزه أو نصره. فهذه إمرأة أجنبية للنبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك نذرت لسلامته.

 

7.      جواز الإطالة في الغناء، كون هذا الغناء لم يكن لثواني أو دقائق بسيطة، فالحديث يشير إلى أنه سمعها ثم جاء أبوبكر ثم جاء عثمان ثم جاء علي ثم جاء عمر، فهذه دلالة على طول الوقت.

 

8.      تغير رأي أبي بكر رضي الله عنه عن موقفه السابق؛ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الحديث قبل حادثة غناء الجاريتين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لأنكر هنا كذلك. لكنه لما أنكر هناك وصوبه النبي صلى الله عليه وسلم قبل وعرف فسكت هنا. وأبوبكر رضي الله عنه رجل وقاف عند كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

 



هذا دليل آخر على وجود الغناء في بيئة ومحيط الصحابة وبإقرار سيد الخلق صلى الله عليه وسلم .. وستأتي التتمة ..


ملاحظة: أطلب من البعض ألا يستعجلوا في رد الحديث، فقط مناقشة الحديث نفسه. سنأتي لمناقشة كل الأدلة التي ترى التحريم، وهي من قبل أناس محترمين كذلك ومقدرين ورأيهم محترم، لكننا سنفندها واحدة واحدة بالدليل والبرهان، ولا تُرد الحجة إلا بالحجة ..

قال الإمام العلامة ابن حزم - رحمه الله -: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى" فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق -وكذلك كل شيء غير الغناء- ومن نوى ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، وقعوده على باب داره متفرجا، وصبغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك" ( المحلى ج٩ ص60).

ويقول الشيخ د. يوسف القرضاوي: "ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب، وتنعم به الآذان الغناء، وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم، ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة"، وقال في الأحاديث المروية في النهي: "كلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه"، (القرضاوي: "الحلال والحرام في الإسلام" ص/273).


الدليل الثالث:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين، ويقللن:

نحن جوار من بني النجار
يا حبذا محمدٌ من جار

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله يعلم إني لأحبكن" وفي رواية: "اللهم أنتم من أحب الناس إليّ، اللهم أنتم من أحب الناس إليّ" يعني الأنصار (صحيح. رواه ابن ماجه في سننه (1899)، وصحح إسناده البوصيري في "زوائد ابن ماجه"، ورواه الخلال في "الأمر بالمعروف النهي عن المنكر" (رقم 148)، والطبراني في "الصغير" (رقم 72)، والبخاري في صحيحه (رقم 3574 و4885)، ومسلم (رقم 2508)، والرواية الثانية لهما./>

في هذا الحديث الكريم جملة من الفوائد والدلالات. وممكن أن يستفاد من الحديث التالي:

1.      جواز الغناء من قبل النساء.

 

2.      جواز الضرب بآلة، وهي هنا تحديداً الدف.

 

3.      جواز الجمع بين الغناء والعزف معاً.

 

4.      جواز ذكر الشخص في الغناء، خاصة إذا كان عظيماً؛ "يا حبذاً محمدٌ".

 

5.      جواز أن يستمع الرجل للنساء تغني.

 

6.      جواز علو الصوت في الأفراح حتى يسمعه المارة، فهنا سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مار أي في طريقه، ولم ينكر ذلك بل رد عليهم برد جميل جداً يسوى الدنيا.

 

7.      جواز أن يقول الرجل للنساء "إني أحبكن" وحتى دون زيادة "في الله" إلا إذا ظن أن يساء فهمها من قبل الطرف الآخر.

 

8.      جواز الاستشهاد بالله لما في الداخل، كما في قوله: "الله يعلم إني لأحبكن" أي الله مطلع على ما في قلبي ويشهد أني أحبكن محبة عامة كريمة غير مشروطة.

 

9.      جواز التشجيع على الغناء، فكونه يقول لهن هذا الكلام الجميل جداً في الحب ومنه شخصياً صلى الله عليه وسلم ويشهد الله على ذلك دلالة على قبول هذا العمل من الغناء له أو للاحتفال.

 


وينبغي العلم بأن الجواري هنا لا يقصد بهن الجاريات المستعبدات أو الخادمات من بني النجار لا بل نساء وفتيات بني النجار، والدليل قول الراوي في نهاية الحديث "يعني الأنصار"، فهو لا يقول "اللهم أنتم من أحب الناس إليّ" يقصد الجواري المستعبدات بل يقصد الأنصار الأحرار، وكذلك قوله "إني لأحبكن" في الرواية الثانية أي أنتم يا أخواتي وبناتي من بني النجار لا العبيد!

دعنا نكمل في دليل آخر:

الدليل الرابع:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أهديتم الفتاة؟"، قالوا: نعم. قال: "أرسلتم معها من يغني؟"، قالت: لا. فقال رسول الله عليه وسلم: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم" (حسن. رواه ابن ماجه (رقم 1900)، وصحح إسناده البوصيري في "زوائد ابن ماجه"، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه"، والطحاوي في "شرح المشكل" (3321)، وعن جابر رواه أحمد (391/3)، والبيهقي (289/7)، وعن عائشة رواه الطبراني في "الأوسط" (3289)، وآخرون. وفي رواية البخاري (4765): "يا عائشة: أليس معهم لهو؟ إن الأنصار يعجبهم اللهو"/>

والحديث معناه أن عائشة زوجت أحداً من أقربائها الرجال بفتاة من الأنصار، أو، وهو الأصح زوجت فتاة من أهلها كانت يتيمة بأحد من الأنصار. والحديث هذا فيه دلالة عن منهجية حياتية لطيفة. وقد يستفاد من هذا الحديث التالي:

1.      جواز السؤال عن العروس والتأكد من إهدائها شيئاً بهذه المناسبة السعيدة.

 

2.      جواز الدعوة للغناء وطلب عمل ذلك بدليل قوله "أرسلتم معها من يُغني؟" يعني هل فعلتم ذلك؟ وهل ستفعلون ذلك أو معناه افعلوا ذلك.

 

3.      جواز أن يحتوي الاحتفال على من يُغني بل هو الأوجب بالذات في مناسبة الزواج السعيدة.

 

4.      جواز وصف القوم بالغزل بدليل قوله "قوم فيهم غزل"، ولاشك أنه كان يقصد الغزل العفيف اللطيف.

 

5.      جواز أن يقترح رب الأسرة أو الحاكم أو المسؤول بعض الأغاني المعروفة؛ فهذه الكلمات مشهورة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها:

أتيناكم أتيناكم *** فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر *** ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السمرا *** ما سمن عذاريكم

 

6.      جواز الغناء بالغزل العفيف في مثل هذه المناسبات. والغزل المقبول يُروى كثيراً أمام العظماء ويستخدمونه، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه كعب بن زهير فأنشد قصيدته الشهيرة عن سعاد التي كان يحبها ودمج معها طلب العفو من النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان قد حُكم عليه بالإعدام، ومنها قوله في القصيدة التي قيلت أمام النبي صلى الله عليه وسلم:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
متيم إثرها لم يفد مكبولُ

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحولُ

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكى قصر منها ولا طول

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
كأنه منهل بالروح معلولُ

شجت بذي شيم من ماء محنية
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول

تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه
من صوب غادية بيض يعاليل

فيا لها حلة لو أنها صدقت
بوعدها أو لو إن النصح مقبول

لكنها خلة قد سيط من دمها
فجع وولع وإخلاف وتبديل

فما تدوم على حال تكون بها
كما تلون في أثوابها الغول

وما تمسك بالعهد الذي زعمت
إلا كما يمسك الماء الغرابيل

فلا يغرنك ما منت وما وعدت
إن الأماني والأحلام تضليل

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل

أرجو وآمل أن تدنو مودتها
وما إخال لدينا منك تنويل

أمست سعاد بأرض لا يبلغها
إلا العتاق النجيبات المراسيل

إلى أن قال:

وقال كل صديق كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغولُ

فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم
فكل ما قدر الرحمن مفعول ُ

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة الحدباء محمول

نبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

لقد أقوم مقاما لو يقوم به
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

لظل يرعد إلا أن يكون له
من الرسول بإذن الله تنويل

حتى وضعت يميني ما أنازعه
في كف ذي نقمات قيله القيل

فلهو أخوف عندي إذ أكلمه
وقيل إنك منسوب ومسئول


إلى أن قال:

ولا يزال بواديه أخو ثقة
مضرج البز والدرسان مأكول

إن الرسول لنورٌ يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلولُ

في عصبة من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
عند اللقاء ولا ميل معازيل

شم العرانين أبطال لبوسهم
من نسج داود في الهيجا سرابيل

بيض سوابغ قد شكت لها حلق
كأنها حلق القفعاء مجدول

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم
ضرب إذا عرد السود التنابيل

لا يقع الطعن إلا في نحورهم
وما لهم عن حياض الموت تهليل

فهذا شعر مليء بالغزل والوصف وقد أسقطت بعضه في وصف سعاد حيث توفرت الإشارة واكتفينا بها. وبهذا الشعر الغزلي تبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم عفا عنه مطلقاً وأنزل فيه العفو العام! فانظر لما تفعل اللطافة وما تجلب لك.



إن الحديث كريم يدلك علي عيش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في وسط المجتمع ورحمته فيهم وبما تهوى النفوس من المباحات والافراح والإسعاد.


فقط أنبه إلى أن استدلالاتي هذه ليست لها مقصد التحريم أو التحليل بل فقط لتعلم أن أمتنا وهذا يشمل معظم مشايخنا ودعاتنا بل وعلماءنا لا يقرأون وإذا قرأوا لايفهمون وإذا فهموا لا يستنبطون وإذا استنبطوا لا يترفعون عن الميل كل الميل للتقليد والاتباع لغير النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهاهم عن ذلك، بعدما يقرأون كلام النبي ويتأكدون من أفعاله يصدون ثم يقولون قال فلان وأقسم علان .. يحسبون أنهم على شيء.


الدليل الخامس:
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عائشة، أتعرفين هذه؟ قالت: لا يا نبي الله، فقال: "هذه قينة بني فلان تُحبين أن تغنيك؟"، قالت: نعم، قال: فأعطاها طبقاً، فغنتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد نفخ الشيطان في منخريها". (صحيح. رواه أحمد (3/449 على شرط الشيخين)، والطبراني في "الكبير" (7/187)، وصححه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (3282)./>

مؤشر آخر قوي من النبي صلى الله عليه وسلم في الغناء. وممكن أن يستفاد من الحديث التالي:

1.      معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس حتى مغنياتهم.

 

2.      جواز أن يُسمع الرجل زوجته شيئاً من الغناء. فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخير زوجته هنا "أتحبين أن تغنيك؟" ولا يمكن أن يعرض عليها حراماً، فهذا مستحيل منه. فدل على جواز أن تعرض على الزوجة أغنية أو مغنية.

 

3.      جواز غناء المرأة، وإلا لما أقر ذلك وعرضه على زوجته.

 

4.      جواز تسليم المغنية شيئاً تضرب فيه، فقد أعطاها ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بدليل "فأعطاها طبقاً".

 

5.      جواز النظر إلى المرأة، وإلا كيف عرفها النبي صلى الله عليه وسلم.

 

6.      جواز الغناء في أي وقت، لا اعتبار لتحديد ذلك بالعيد والأفراح والعودة من السفر. وقد يكون أمر به النبي صلى الله عليه وسلم هنا لعلمه أن ذلك يدخل السرور على قلب زوجته.

 

7.      جواز أو أدب أن تقبل الزوجة عرض زوجها إذا طلب منها عرض غناء عليها أو مغنية.

 


وصدقاً أن من استدل بأن هذا الحديث يدل على التحريم فقد دل على انخفاض مستوى ذكائه أو ارتفاع نسبة تعصبه. كيف وفيه العرض على زوجته، وتسميتها باسمها مغنية ("قينة")، واعطائها شيئاً يعينها في ضبط الوزن للغناء! وأما قوله صلى الله عليه وسلم "قد نفخ الشيطان في منخريها" فقد تقدم شرح لفظ الشيطان، ومثله قول الشعراء جاءني شيطان الشعر، فهذا لا يعني أن الشيطان يأتيه! وربما تعبير لجمال صوتها، كأنه نفخ فيه الشيطان من جماله أو قوته وهو تعبير مجازي.

الدليل السادس:
عن خالد بن ذكوان قال: كنا بالمدينة يوم عاشوراء، والجواري يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا على الرُّبيّع بنت مُعوِّذ فذكرنا ذلك لها فقالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنيَ علىّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويرات يضربن بالدف، يندبن من قُتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبيٌّ يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين" (صحيح. رواه البخاري (3779)، وأبوداود (4922)، والترمذي (1090)، والنسائي (5563)، وابن حبان (5878)، والطبراني في "الكبير" (275/24)، والبيهقي (288/7)، وأحمد (359/6)./>

والصحابية راوية الحديث هي الرُّبيِّع بنت معوذ وتحدث الراوي خالد بن ذكوان. والربيع بنت معوذ بن عفراء بن حرام بن جندب الأنصارية النجارية من بني عدي بن النجار، أبوها معوّذ بن عفراء، من كبار أهل بدر، قتل أبا جهل، تزوجها إياس بن البكير الليثي، فولدت له محمدا. أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثت عنه وكانت تخرج معه في الغزوات وهي في شبابها قالت كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخدم القوم ونسقيهم ونرد الجرحى والقتلى الى المدينة والسلام.
وقصة هذه الرواية أن التبي صلى الله عليها وسلم جاء صبيحة زواجها يهنيها على زواجها، فوجد عندها بنات يغنين ببراءة للعروس محتفلين وكان من ضمن ما قالوا: وفينا نبي يعلم ما في غد فردهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد يستفاد من هذا الحديث:

1.      زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمرأة في بيتها مع جمعة من الناس لتهنئتها بزواجها.

 

2.      جواز التحدث لإمرأة أجنبية - غير محرم - بمكان عام أو محترم. وقولها فجلس على فراشي كمجلسك مني لا يدل على خصوصية كما اليوم، لأن هذا اليوم غير لائق لخصوصية فراش النوم وغرفة النوم، ولكن الفراش عندهم مجلس، وبيوتهم هي غرفة واحدة في الغالب، فلا يقصد سرير النوم في غرفة النوم، وانما هو أصلاً مجلس عام. (وكلمة "أجنبية" أصلاً غير لائقة اليوم في لغتنا، لكنها لغة شرعية ولغة قديمة مقبولة وقتها).

 

3.      جواز التهنئة صباحية الزواج.

 

4.      جواز غناء المرأة والضرب في الدف، وقد تقدم كثيراً في الأحاديث، وهنا إقرار النبي لهن بالاستمرار بالغناء والعزف بالدف لكن دون ما كانت تقول لقوله: "لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين".

 

5.      لا اعتبار لمن قال أنهن جواري وليسوا أحراراً، فهذا من قلة الملاحظة والتدقيق أو من التعصب والعمى، فالصحابية مع صحابيات ونص الحديث "وجويرات يضربن بالدف، يندبن من قُتل من آبائهن يوم بدر" بل هؤلاء خيرة الصحابيات، أباؤهن ممن شهد بدراً. سيأتي لاحقاً كيف أن خيرة من يسمع الغناء هم من خيرة الناس، يكفيك فقط من ذلك هذه ستة مجالس مختلفة للنبي صلى الله عليه وسلم..

 

6.      جواز أن يكون ذلك في ثاني يوم كذلك وليس فقط في اليوم الأول للاعلان، كما هو السنة، وستأتي.

 

7.      جواز رد المتحدث وتصحيحه إذا قال ما يتنافي مع الأصول، كما كان هنا من كون هذا الكلام حرام لا يجوز، وبذلك يصير الغناء هنا حراماً، مثله مثل الكلام.

 

8.      عدم سماع أو تشجيع الأغاني التي تحتوي شركاً أو خللاً في العقيدة كتلك التي فيها اليوم: "وحياتك" أو "وحياتي" أو "باسم الحب" وهي كثيرة في الأغاني، فيقيناً هذه أغاني مخالفة وتخدش بالمعتقد.

 

9.      مشروعة الفرح في يوم عاشوراء والغناء، رغم أنه يوم صيام.

 



هذا المجلس السادس بروايات مختلفة برواة مختلفين بأسانيد ومتون مختلفة، قد تعمدت فيها ذلك، وفيها النبي صلى الله عليه وسلم، لتعرف كما سنبين من أن من يسمع الغناء هم من خيرة البشر، وسأتيك بإذن الله، بروايات صحيحة لأفضل عشرة تحترمهم في الدنيا، ثم أختم لك بعشرة من الأنبياء ثم بعشرة من الخلفاء المحترمين فقط لتعرف أن ما يدعو إليه هؤلاء لا علاقة له بالدين .. هذا منهج مختلف، ونتستثني من ذلك من لم يشنع في الخلاف ولم يعتبره خروجاً عن الملة أو الأدب أو الشرع، فهؤلاء مجتهدون لهم رأيهم، ويُحترم خيارهم، وتُقدر اجتهاداتهم، ولهم ألا يسمعوا الغناء والمعازف، بل ويدعوا الناس لرأيهم ما دام باحترام دون تفسيق الناس وتخطيأهم، ولو تحققوا لعرفوا أنهم أقرب للخطأ، وأدني عن الصحة، ونتائج أقوالهم وأفعالهم ساهمت في انتاج هذه المجتمعات المتباينة، والقسوة، والجفوة، والتكفير والتفسيق، وقلة الأدب في الخلاف، والشتم، والسب، وشباب عنيفين، ميسيئين للأدب، لا يثمرون شيئاً سوى العزلة أو التخريب.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينْسى شيئاً"، وتلا: (وما كان ربك نسياً) (سورة مريم/64). (رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار، وحسنه الشيخ الألباني في "بلوغ

الدليل السابع:
عن وهب بن كيسان قال: قال عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وكان متكئآً، تَغنى بلال، قال: فقال له رجل: تُغني؟ فاستوى جالساً ثم قال: وأيُّ رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب؟! وفي لفظ: ما أعلم رجلاً من المهاجرين إلا قد سمعه يترنم. (رواه ، البيهقي (255/10)، وعبدالرزاق في "المصنف" (5-6/11)، والفاكهي 27/3 رقم 1735). قال الشيخ الجديع: أثر صحيح، وقال الشيخ الألباني في "تحريم آلآت الطرب": إسناده صحيح على شرط الشيخين).

في هذا الحديث دلالة قوية من مؤذن الإسلام الكبير بلال، وشهادة حق عظيمة من أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير بأن هذا الفعل كان دارجاً في الصحابة بالذات الأكثر شدة في الطرفين؛ فالأنصار معروفون بذلك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يحبون اللهو، وهي كلمة دلت في الحديث على الطرب أو الغناء، ولذلك طلب من عائشة أن ترسل مع الفتاة للحفل مغنية، كما تقدم في الأدلة السابقة. نقول ثبت في الأنصار لكن هذه دلالة في المهاجرين. وهذا الكلام فيه مؤشر على عموم ذلك وانتشاره بين المهاجرين من قوله "وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب؟!"، وفيه استنكار لمن سأله. والمقصود بالغناء هنا هو الغناء الشعبي.

وقد يستفاد من هذا الأثر:

1.      تغني الرجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الأمر هذا مقتصر على النساء كما يقول البعض، بل على الرجال بشهادة عبدالله بن الزبير عن بلال، وبلال عن جمع إن لم يكن كل المهاجرين الذين عرفهم.

 

2.      جواز الاستنكار على من استنكر الغناء، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في رده استنكار أبي بكر رضي الله عنه. فيجوز أن تستنكر على من استنكر الغناء لاستنكار بلال رضي الله عنه على من استغرب عليه الغناء.

 

3.      جواز الغناء أمام الناس وفي العلن، فلفظ "تغنى بلال" أي بدأ الغناء وأعلنه.

 

4.      كثرة هذا العمل في المهاجرين حتى أن بلالاً رضي الله عنه كأنه قال لا أعلم من المهاجرين من لا يتغنى!

 

الدليل الثامن:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء حبش يزفنون (وفي رواية: جاء السودان يلعبون بين يدي رسول الله) (وفي رواية: كان الحبش يلعبون بحراب لهم) (وفي رواية: إن الحبشة لعبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم منكبيه، فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم من فوق عاتقه، حتى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم (وفي رواية: حتى شبعت، ثم انصرفت" (وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة". (صحيح. أصله في البخاري كما تقدم (رقم 949)، ومسلم (رقم 1483)، والترمذي (رقم 3624)، وأحمد (116/6)، وابن حبان، وغيرهم)./>

وهذا الحديث كريم في معانيه، رحمة على العباد، حجة على من زعم أن ديننا دين شقاء وغم وهم وجفوة وأنه ضد الفطرة السليمة؛ فالطفل بفطرته السليمة عندما تغني له يفرح ويطرب ويأنس، فجاء الحديث يبين وجود ذلك كله، وعززه النبي صلى الله عليه وسلم كأسلوب للدعوة وصحة منهجنا. أما من يتشددون في ذلك فيصح فيهم قول الناس أن دينهم دين شقاء وجفوة، ويحق لليهود أن تعيبهم وتقول أن ليس في دينهم فسحة ولا سماحة.

وقد يستفاد من هذا الحديث:

1.      جواز الزفن. وهي كلمة لا زال الكويتيون واليمنيون والماليزيون يستخدمونها وتعني الرقص الشعبي. الكويتيون يقولون "يزفن" أي يطرب ويغني ويرقص، وفي الغالب بمرواس أو طار. والزفن فن يدرسه الموسيقيون بالذات في الخليج واليمن يعتبر من التراث. وفات كثير من الفقهاء تعريفه لأن أغلبهم لا يعرف في الفن. والدلالة في الحديث أن مشاهدة عائشة لذلك ووجوده هو أيضاً معها صلى الله عليه وسلم دليل أنها سنة تقريرية وبجواز على الأقل هذا النوع من الرقص.

 

2.      جواز فعل ذلك أمام السلطان أو الحاكم، وهو ما دعى الشيخ الفاضل عبدالمحسن العبيكان لعمله يوم رقص في العرضه، كونه يطبق السنة وينشر الصحيح بين أبناء مجتمعه، وهو التجرد بعينه، في حين يخاف غيره أن يقال! فهو يعمل ذلمك احتساباً ونشراً للخير والفرح والبهجة والفسحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فجزاه الله خيراً علي جراءته وكسره لعهود من الخوف.

 

3.      جواز دعوة الزوجة لمشاهدة عروض الرقص الشعبي (الزفنه) بدليل "فدعاني".

 

4.      جواز ركوب المرأة فوق ظهر زوجها ومشاهدة شيئاً.

 

5.      الصبر على الزوجة حتى إكتفت هي بنفسها.

 

6.      جواز تسمية الإسلام بدين فسحة ودين سماحة والتفاخر بذلك. ولا يسمى دين قتال ودين التشدد. الإسلام دين سمح يقبل الناس على تنوع مشاربها؛ ففيهم المتشدد وفيهم المتوسط وفيهم المتساهل، وكلهم مقبول ما دام في دائرة عدم المضرة على النفس والآخرين، فمن قال الشهادة ولم تمس يده دماً حراماً ضمن الجنة، كما في الحديث.

 


وجدت في الإنترنت آلآف المواقع التي تعيب على النبي صلى الله عليه وسلم أو عائشة رضي الله عنها وأرضاها أو الرواة المحدثين أو السُنّة النبوية، فقط لو وضعت، ولا أنصحك، بعض كلمات هذا الحديث فسترى العجب في رد هذه المنهجية!! ليس لديهم المقدرة في تخيل أن نبياً أو زوجته كانوا يستمتعون ويفرحون، صوروا النبوة والدين والناس ببؤس! ولو عملت منهجيتهم هذه لسمي كوكبنا بالكوكب الكئيب. والحمدلله أن حفظ لنا هذه السنن والأحاديث ليضل الإسلام قابلاً للاتباع والتطبيق، دالاً على البهجة والسعادة للخلق، واقعياً لا يدعو الناس لرد الفطرة التي جبل الله الناس عليها من حبهم للطرب والغناء والحداء والحركة والزفن، والحمدلله الذي جعل الإسلام سمحاً لا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الاختيار كأن الإنسان محبوس في صومعة عبادة، والحمدلله الذي جعل الإسلام فيه الفسحة للرقص الحشم والبهجة والتسامح، والحمدلله الذي جعل الإسلام يقدر خيارات الشعوب ويحترم تراثها، فهذا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يقدر لهؤلاء الأفريقيين الأكارم تراثهم ويشهد عرضهم ويُعجب به حتى أنه يدعو زوجته لحضوره. صدق الله سبحانه إذ قال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

قال الإمام إبوبكر بن العربي المالكي في أحاديث التحريم: (لم يصح في التحريم شئ بحال) (أحكام القرآن 1494 /3). ومثله قاله كذلك الإمام المجدد أبوحامد الغزالي وابن النحوي في العمدة وابن طاهر، وزاد: إنه لم يصح منها حرف واحد (النيل: 107 /8).

وقال عبدالغني النابلسي في إيضاح الدلالات: (ويلزم من هذه الأحاديث إذا قلنا بإطلاق التحريم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل حراماً أو أمر به، ومن ظنّ ذلك بنبيه فقد كفر، وقد ثبتت النصوص بضرب الدف بحضرته، وغناء الجاريتين في بيته، ورقص الأحباش في مسجده، وإنشاء الشعر بالأصوات الطيبة بين يديه). مع أن لفظ التكفير هنا غير مقبول بالإطلاق هكذا، ولا نقول به ولا نقبله، فقد يكون الشخص متأولاً أو جاهلاً وهذا لا يدخله في كفر، والعياذ بالله.

الدليل التاسع:
عن محمد بن حاطب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح". (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم في المستدرك وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح، وحسنه الألباني في صحيح الجامع وإرواء الغليل (1994)./>

في هذا الحديث دلالة على الغناء والدف في الأعراس. والحديث فيه وضوح أكثر في الأمر بالتفريق بين الحلال والحرام باستخدام الغناء والضرب (أي العزف)، وهو حديث جليل. وقد يستفاد من هذا الحديث:

1.      الأمر بالغناء والعزف من باب إعلان الزواج. وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الضرب في العرس لكون الأمر هنا يقتضي الوجوب، وشدد الإمام النووي على الوجوب وختم: (وأقل ما يفيده هذا الحديث هو الندب). فإما الوجوب وإما الندب (أي الاستحباب) ومن قال بغير ذلك فقد خالف السنة. قال ابن بطال في شرح البخاري: (قال المهلب: السنة إعلان النكاح بالدف والغناء المباح؛ ليكون ذلك فرقاً بينه وبين السفاح الذي يستسرُ به، وفيه: إقبال العالم والإمام إلى العرس وإن كان فيه لعب ولهو ما لم يخرج اللهو عن المباحات فيه).

 

2.      جواز وسنية الصوت (الغناء) والدف (آلآلة) في الزواج، وهي السُنّة، وما تركت سنة إلا استبدلت ببدعة، مثل بدعة المحاضرات والوعظ في الأعراس، وهي غريبة على البشرية؛ فالعرس فرح وليس وعظ وتعليم. وما دخلت هذه التي فيها الوعظ إلا حديثاً.

 

3.      الأمر بالإعلان في الزواجات لا السرية مثل تلك المسماة بالمتعة والمسيار والعرفي .. الخ. وهذا الفرق فيه بين الحلال والحرام في الزواجات.

 

4.      بطلان قول من قال أن الغناء والدف جائز في الأعراس فقط. فلو كان حراماً فكيف يجوزه النبي صلى الله عليه وسلم في الأعراس؟! هل يجوز "الحرام" في الأعراس؟ أم هو حلال في الأعراس حرام في غيره؟

 

الدليل العاشر:/>
عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود "، فقال أبو موسى – رضي الله عنه-: "لو علمت أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيراً". (رواه البخاري (5048)، ومسلم (793)، والترمذي وأحمد وغيرهم)./>

يستفاد من هذا الحديث عدة أمور:

1.      جواز أن تمدح شخصاً بوصف ألة موسيقية، كأن تقول له: عندك صوت جميل كالعود، أو لديك ميل رياضي كالكمان، أو لديك بحة كالناي. نقول في الأمثال: "يضرب على الوتر الحساس" أي الوتر السادس في العود، فالعود خمس أوتار أدخل عليه المتأخرون وتراً سادساً حساساً. تقول: كان الجو كسمفونية، كان البحر كمقطوعة كلاسيكية.

 

2.      دليل وجود المزامير عند آل داود عليهم السلام، كما سأبينه في فصل قادم من أستدلالاتي في الكتب السماوية الأخرى.

 

3.      لا يعقل أن يشبه النبي صلى الله عليه وسلم صوت صاحبه الجميل بشيء محرم. فالذين قالوا أن المزامير (المعازف) حرام سيُشكل عليهم هذا الحديث هنا، فكيف يشبه النبي صلى الله عليه وسلم تلاوة القرآن وصوت صاحبه بشيء حرام، والعياذ بالله. وأما من قال بأن المزمار يعني المغني أو الصوت الجميل فهو أيضاً رد عليه، فهذه أيضاً دليل كذلك على أنه شيء جميل سواء الغناء أو الصوت، ومع ذلك فهذا لا يصح من التاريخ، فالمزامير معروفة في الكتاب المقدس، كما سأتي إلى شرحها باذن الله.

 

4.      جواز التغني بالقرآن؛ فقوله "لحبرته لك تحبيراً" أي جملته وغنيت به. قال تعالى:( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) (الروم/15). قال يحيى بن أبي كثير: يعني سماع الغناء (تفسير الإمام ابن كثير). بل جاء الأمر بالتغني بالقرآن كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري في صحيحه "ليس منا من لم يتغى بالقرآن". وهذا الحديث يرد من قال بعدم التغني بالقرآن بالمقامات العربية المعروفة كشيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - وغيره. والغناء معروف لغة، والنبي صلى الله عليه وسلم فصيح يريد بهذا المعنى دلالة واضحة، فلم يعيقه أن يقول: "ليس منا من لم يرتل القرآن ترتيلاً"، فهناك آية تسند هذا اللفظ أصلاً، أو يقول: "ليس منا من لم يجمل القرآن بصوته" .. الخ. لماذا استخدم لفظ الغناء بالتحديد؟! والغناء هو تجميل الصوت وتلحينه ووزنه، وأنا لما تعلمت التجويد في صغري لم أفهم الشيخ عندما كان يشرح المد اللازم ومد اللين والغنة .. الخ. حتى لفظ كلمة "ست حركات" "حركتين" الخ. ثم أشار بحركة إيقاعية بأصبعه ففهمته فوراً من كونه يقصد الوزن الإيقاعي، ولذلك جميع من تعلم الموسيقى بأصولها (من الذين تعلموا التجويد) يحسنون التلاوة والتجويد، وكذلك المصريون المشايخ والسوريون يتعلمونها على أصولها الغنائية، بينما من لا يعرف هذا يخطأ كثيراً، ومنهم قراء كبار وحتى بعض مشايخ الحرم الأكارم يقرأون والمد عندهم غير موزون، فربما يمد مد اللين ثلاث حركات، وهذا خطأ، فهي اثنتين أو أربع أو ست ويمد المد اللازم أربع أو خمس حركات، وهو ست حركات لازمة، من لا يعرف الوزن لا يضبط هذه المسألة.

 



سنكتفي في عشرة أدلة من الحديث النبوي لأن في الموضوع دلائل أخري، نكملها بكتاب الله سبحانه والكتب السابقة لأهل الكتاب في الجزء السابع بإذن الله.

ملخص الأحاديث:
قد يستفاد من الأحاديث الصحيحة العشرة التي ذكرناها أنه ثبت في السنة النبوية:

1.      سماع الغناء والدف في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحضرته وأمامه وفي مجتمعه.

 

2.      مشروعية الغناء والعزف بالدف في المناسبات وغير المناسبات،

 

3.      جواز الرد على من أنكر الغناء والعزف بالدف وعلى مشروعيته، بل هي السنة النبوية التي عملها النبي صلى الله عليه وسلم تجاه أبي بكر رضي الله عنه، فتعلم، فلم يكررها، وهي كذلك كما سيأتي بيناها في أفعال الصحابة بإذن الله. فلو سكت من يرى الحرمة فاسكت، ولو أنكر عليك سماعك أو سماع أهلك أو أهل حيك، فأنكر عليه، واعمل بالسنة النبوية.

 

4.      غناء المرأة الصغيرة وغير الصغيرة وأمام الرجال.

 

5.      الغناء يسمعه الأخيار من الناس كالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - كما سيأتي بيانه - وعثمان وعلي - كما ثبت عندنا حتى الآن، وسيأتي إثبات البقية الأكارم، ومن زعم أنه صنيع "المخنثين" أو المتشبهين أو الفساق فإما متقصد وهذا يوقعه في خطر على عقيدته ودينه ونيته، وإما جاهل لم تمر عليه هذه الأدلة، وإما متعصب أغفلته عاداته وقناعاته عن رؤية الحقيقة.

 

6.      التشجيع على الغناء بالذات في المناسبات الداعية للسرور كما حصل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة والبنت التي زوجتها وهي من أهلها وطلبه أن يرسلوا لهم مغنية تغني وتضرب بالدف.

 

7.      جواز الزفن أو الرقص الشعبي وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له ودعوة زوجته للمشاهدة.

توضيحات في الاختلاف:
أود في البداية أن أقول أنه من الخطأ أن تقول أثبت لي ما يدل على الحلال! السبب أن الأصل في الأشياء والأفعال أنها حلال، إلا ما ورد فيه تحريم صحيح وصريح. كما قلنا موضوع الغناء يصدق فيه ما قاله الإمام ابن حزم: إما صحيح غير صريح وإما صريح غير صحيح. يعني إما شيء غير واضح الدلالة، وإما لا تثبت فيه الأحاديث والأخبار. (أو كما يقول العلماء: لا يوجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة في تحريم الغناء والموسيقى). ومع ذلك فقد ذكرنا الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة التي دلت على مشروعية هذا الأمر الفطري، وسنناقش بإذن الله أدلة من يرون التحريم وننظر فيها وفيما يقول أهل العلم فيها. ونؤكد بأن من يرى بالتحريم بناء على أدلة هو يراها أو تبعاً لعلماء يحترمهم ويجلهم فهذا له الحق في ذلك، بل وله أن لا يرى بالأدلة التي ذكرناها، ويرى بأدلة أخرى، فقط المهم أن يدرك أن الرأي الآخر مبني على الدين كذلك، وفيه دلالات، وفي الأمر متسع. أما من رأى بفسق أو ضلال من رأي برأي الحلة في الغناء والموسيقى فهذا من أهل التطرف والتعصب والخطأ. وما وسعه ما وسع الصحابة والخلفاء؛ فقد وسعهم قبوله في المجتمع فلم يحاربوه ولم يكسروه ولم يمنعوه بقوة الدولة، وما وسعهم يجب أن يسع من هم أدنى ولا يزكوا أنفسهم، فالله أعلم بالمهتدين وهو أعلم بالمعتدين.

ونقول في من رأي التحريم بل ورأى أنه شيء عظيم، نقول: شيء في هذا الحجم الذي يراه المحرمون، هل يُعقل أن يلمح له القرآن ثم يؤتى بتفسيرات غير كاملة أو باردة أو غير ثابتة، أو تلمح له السنة وتخالفه في أحاديث صحيحة؟! حتى ذكر الإمام العلامة ابن قيم الجوزية أن تحريمه أشد من تحريم الخمر!! هل يُعقل هذا الكلام ثم يتناقله النُقال دون تحقيق في الكلام؟! وكلام ابن القيم هذا مردود ومرفوض وهو تعصب في الرأي، مع الاحتفاظ بمنزلة الإمام الكبيرة والعظيمة في سيرة الإسلام. هل بلغ الحد في العقول أن تسيّر بهذه الطريقة دون تحقيق، ثم هم يعيبون على أتباع الكنيسة أن القسيس يقول لهم ضعوا عقولكم في الخارج وادخلوا الكنيسة؟! وفي المقابل لا نقبل كذلك كلام سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حسن العطار الذي قال: من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار!! فلا نقول أن السامع للغناء مخمور العقل ولا نقول أن من لا يطرب للسماع جلف حمار. الأمر يقبل هذا وذاك، وكلاهما في دائرة القبول. ومن ذلك أننا نقبل أن يدافع شخص عن رأيه الآخر ويسند القول بالتحريم، فهذا حقه كذلك في الدفاع والدعوة لرأيه، ولا ينكر عليه ذلك، فللمانعين رأيهم وللمجوزين رأيهم.

القرآن منهج البشرية:
إن المتدبر للقرآن الكريم بصدق يجد أن القرآن الكريم منهج حياة، ودستور عام كبير وعميق، وخط مسار واضح. لكن قلّ أن تجد من يفهم القرآن الكريم حقاً؛ فالفهم عند غالبية المسلمين ممزوج أحياناً بتفسيرات وتشويهات مخلة ومسرفة ومكررة ومبتورة وخالية من الوعي والعمق. تعال انظر ما يقوله القرآن الكربم في أصل الحلال:

الدليل الأول: الأصل في الأشياء الحلة:

قال تعالي:
1- (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/32).
2- (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية/13).
3- (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/119).
4- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/87).
5- (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل/116).
6- (وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (الأنعام/140)
7- (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (يونس/59)./>

إقرأ هذه الآيات ثم استشعر عظمة الله ورحمته وسعته فيها. ثم قارن ذلك بهوس التحريم الذي عم الأمة من ألف سنة إلى اليوم، فبما تشعر؟ وانظر كلمة "المعتدين" في الإشارتين الثالثة والرابعة تذكر في التعدي بالتحريم! والتحريم بغير دلالة صريحة تعدي على من يملك حق التحريم وحده وهو الله. لا يملك هذا الحق سوى الله وحده، وأي تحريم دون بينة تعدي على شرعه ونهجه سبحانه. بل قيل أن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام! والمحرم مُتقول على الله، ما لم يأتي بالبينة.

إن هذه الآيات تدل على صريح القرآن الكريم ووضوحه، كتاب لا لبس فيه لا يأتيه الباطل من بين يديه، هل غقل، حاشى الله سبحانه، أن يقول "المعازف" أو "الغناء" حرام أو "حرمت عليكم المعازف"، "أو حرم عليكم الغناء". فهم يزعمون أنه مرة يستخدم كلمة حميرية، ومرة يستخدم "لهو الحديث" ليعبر عن غناء .. أليس لدي القرآن الكريم وضوح في تحريم الغناء والمعازف بشكل معلن وواضح وصريح؟!! لو كان كما يقول بعض المحرمين أشد من الخمر فلما تركه الله سبحانه هكذا ملبساً على العباد؟! (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأحقاف/4). نحن ننتظر كلام الله! هل ممكن آية لا كلام أحد من العباد؟ أتينا هنا بسبع آيات في العموم في الحلال، إئتني بآية واحدة صريحة يفهمها عربي تحرم الغناء أو المعازف.

ورغم أننا سنناقش ما جاء عن المفسرين والصحابة في بعض الآيات ونبين خطأ فهم البعض لها، إلا أنه يجب العلم بأن قول الصحابي والتابعي ليس حجة على الأمة. بل أن الأحاديث دلت على أنه قد يوجد من الأمة من هو أعلم من الصحابي والتابعي؛ ففي الحديث: "ربَّ مُبَلغ أوعى من سامع" (متفق عليه)، والسامع هو الصحابة في خطبة الوداع - رضي الله عنهم - والمُبلغ هم من جاء بعدهم ولو بعد ألفين سنة. ولا يحتاج القرآن الكريم صحابي ولا تابعي يبين عنه مسألة سهلة وبسيطة يجب أن يفهمها كل إنسان بسهولة لا بلبس.

الدليل الثاني: المعازف والغناء في الكتب السماوية:
جميع الكتب السماوية السابقة تذكر الغناء جزءاً من تراث الشعوب، بل إن أكبر دلالة هي أن يكون اسم كتاب سماوي "المزامير"!! وهذا الكتاب بالذات ذكره الله في القرآن الكريم قائلاً: (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (النساء/163، الإسراء/55)، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/105). وهذه الآية في "المزامير": (الصديقون يرثون الأرض) (المزمور 37 الآية 29). إن هذه الآية الزبورية مصدق عليها من القرآن الكريم. والزبور هو مزامير داود (
Psalms)، وهكذا اسمه بالعربية، وهو الكتاب رقم 19 في الكتاب المقدس، ويحتوي علي 150 إصحاحاً كلها عبارة عن أغاني، وأشعار، وترانيم، ولذلك يغنونها من أمد في الكنائس وقبل الكنائس. وداود نبي من أنبياء الله عليه السلام، عُرف بذلك في تسبيحاته وترنيماته، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما سمع صوته الجميل بالتلاوة: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود" (متفق عليه، وتقدم ذكره بالتفصيل). واستدلال بعض العلماء بأن المقصود هو صوت داود الجميل دليل ركيك وبارد، بل وفقدان للبلاغة في اللغة، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغ من ذلك، فهذه ركاكة، ولو أراد ذلك لقال: "لقد أوتيت صوتاً جميلاً كصوت داود"، وهل يعقل أن يقول "مزماراً من مزامير" ويريد حسن صوته؟! والمزامير جمع مزمار، وهو يقول "مزماراً من مزامير" أي واحداً من مجموعة المزامير التي كانت عند داود. والمزمار في الكتاب المقدس اسمه مزمور، والآلات الموسيقية ذكرت بكثرة في التوراة والأنجيل والزبور وصحف أيوب وموسى وميكا وحزقيال وإشعياء ودانيال وآخرين من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وقد ذُكر الغناء في أكثر من ثلاثين موقعاً في هذه الكتب، وذكرت آلات موسيقية كالبوق (Trumpet)، والقرن (Horn)، والدف وهو بالعبرية توف (العربية دُف والعبرية تُف)، وذكر في الزبور والتوراة والكتب الأخرى أكثر من ست مرات، والتمبرين (tambourine) وهي آلة إيقاعية ذكرت أكثر من عشر مرات في التوراة والكتب المقدسة ومنها سفر التكوين أول الكتب السماوية نزولاً على موسى عليه السلام. وهناك مئات الأدلة من الكتب السماوية القديمة في وجود الموسيقى والغناء في حياة الأنبياء وشعوبهم وأتباعهم. وهذه المسألة ليست محل نقاش في التراث المسيحي واليهودي. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (رواه البخاري وأحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم)، والمقصود اليهود والمسيحيين. وقد ورد استخدام الموسيقى والغناء فيهم بشكل متواتر يستحيل فيه توطأ الكذب.

#مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى:

من الملاحظ بأن أدلة من يرى التحريم تتصف بالتالي:

1.      خلو ما يستدلون به من التصريح بالتحريم؛ فكلها تأويلات وشروحات وتوضيحات تنم عن فهم من يرى بهذا الرأي وليس الشرع، كما سنبين بإذن الله. لو طالبت أياً منهم بأن يأتيك بلفظ "حرام" أو "حُرم عليكم" فلن يستطيع. هي يثبت فيها أنها صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة. ففي هذا الباب من التحريم جملة ضخمة من الأحاديث الواهية والموضوعة والضعيفة (سنذكر بعضها لاحقاً إن شاء الله). والصحيح منها، والذي سنذكره هنا، غير صريح، هو فهم من المنقول له.

 

2.      قلة عدد أدلة المحرمين بالمقارنة بما ذكرناه من الأدلة الثابتة والصحيحة في وجود ذلك في بيئة ومجتمع الأنبياء ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 

3.      تكرارها بنفس الأسلوب ومن نفس الأشخاص فهي تقريباً كلها تنسب لكتاب السماع لابن القيم - رحمه الله - ما زاد المتأخرون شيئاً جديداً بالمقارنة بأدلة المجوزين الذين يضيفون كل يوم معلومة مبهرة. فقط هذه المقالات شهدت عشرات من الناس يقولون بأنهم ولأول مرة يسمعون هذا الكلام أو الاستدلال، بينما كلام من يرى التحريم هو نفسه سمعه الكل ومن الكل وبنفس الأسلوب.

 

4.      كل الأدلة التي يستدل بها من يرون بالتحريم والتي سنذكرها قابلة للتأويل المعاكس، بينما ما ذكرناه من أدلة التحليل يستحيل أو يصعب فيها التأويل لغير ما ورد واضحاً بالجواز. ولهذا تلاحظ من يرى التحريم يفغل عن ذكرها لأنها واضحة الدلالة. بينما من يرون بحلية الغناء والموسيقى يظهرون أدلة المحرمين ويناقشونها، وهو بالضبط ما نفعله هنا في بحثنا.

 

5.      معظم من يرى التحريم منتمي لفكر، لم أقرأ لعالم أو شيخ غير منتمي يرى بالحرمة حتى الآن. وربما تكون هذه ملاحظة دقيقة فلاحظها، وقد تلمس فيهم بعض التعصب والشدة لفكرهم، كما أنهم يزكون أنفسهم دائماً، فيرون أنهم أفضل من الآخرين، وأن الله سيغفر لهم ولكن سيعذب المغنين والرقاصين والملحنين والفنانين، ويهزأون بالمغنين والمغنيات ويغتابونهم ويبهتونهم أحياناً، حتى أني أقول ربما يدخل الله سبحانه وتعالى جميع الفنانين والمطربين الجنة بسبب ما تلقوه من غيبة ونميمة ممن ربما اتصف بالدين أحياناً فضلاً عن من لا يتمسك بأدبيات الدين العالية. وقد شاهدت في اليوتوب وسمعت من الأشرطة مشايخ ودعاة يذكرون المغنين والمغنيات بطريقة خشيت عليهم دينهم وعقيدتهم. كم فيها من التجرؤ على الله! وفيها لغة أنهم قد ضمنوا الجنة لهم وأخلدوا فيها من خالفهم. والله يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم/32). لا ينتبهون بأن الله سبحانه قد يدخل راقصة متعرية الجنة ويدخل شيخ زاهد أفنى عمره في العلم النار! ما يدريك؟! المسألة نية وإخلاص ومصداقية. قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد/30). تعرفهم من لغتهم العنيفة، وألسنتهم الغليظة، يضاربون الأدلة ببعضها، يخفون ما يحل ويأتون بما يعتقدون أنه يحرم، يقدمون كلام صحابي على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام تابعي على صحابي، وكلام ابن القيم على ابن الماجشون، وكلام عشرة مشايخ في الجزيرة لم يختلطوا في العالم ولا يعرفونه على مائة شيخ من مصر والأندلس والمغرب والعراق والشام كلهم عاشر الدنيا ولف أطرافها وبلغ من العلم أضعافاً، تختلط عندهم الأمور عندما تربكهم بمجموعة مسائل يحومون حولها مثل الاختلاط والغناء والموسيقى ومس الجن وعمل وخروج المرأة والبراء من كل البشر سوى المسلمين .. ولو كلمتهم بالحجة والديل يتهمونك بدينك! لديهم اعتقاد باطن بأنهم يمتلكون الله ويتحكمون في دينه، كما قالت الكاتبة الأمريكية الفذة، صاحبة واحد من أجمل الكتب المعاصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كارين أرمسترونج، أنهم (أي رجال الدين) يشكلون الله وفق مفاهيمهم (The Case for God).

 

6.      يندر من تجد فيه اللين فيمن يرون بالتحريم وهذا مؤشر ربما على القسوة والتعصب، وأشد منهم أتباعهم إذ يتصفون - أي الاتباع - بالتقليد وبقلة العلم والوعي والاطلاع وعندهم التكرار مبرمجاً، ونسبة ذكائهم منخفضة كونهم مكررين. ومع ذلك فلا يخلو أن يكون من المشايخ والدعاة والعلماء من فيه لين وهو يرى بأدلة التحريم كالشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين وأمثالهما رحمهما الله، يرون بالتحريم لكنهم ليسوا على تعصب ولا تكفير ولا تفسيق ولا ينكرون على مخاليفهم بعنف بل يناقشون معتقدين أنهم على صواب مع احتمالية الخطأ. وفي الحديث: "إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". (رواه البخاري).

 

7.      ويتصف المعتقدون بالتحريم بضعف الحجة، فلا يناقشون الأدلة، بل يسردون ما يحفظون، ويشخصنون الردود على المتحدث، ويهزأون به، ويزعمون لهم العلم وليس لغيرهم، لأن صاحب التحريم في غالب الأديان يأخذ مأخذ القوة كونه يتحدث عن الله، أو على وصف الإمام ابن القيم، والعياذ بالله، يُوقعون عن الله!! ولو كنت في زمن الإمام - رحمه الله - لألفت رداً على هذا العنوان الخطير. وقد رأينا بعض أتباعهم أو مريدهم هنا كيف كانوا يُعلقون، بتواضع في المعلومات، وسطحية، تذكر لهم الحديث يذكرون لك قول ابن مسعود رضي الله عنه، تذكر له حديث يقولون لك قال فلان وعلان، مضطربون يخيفهم أن تقول قال الله وقال رسوله إذا كان لا يتوافق مع هواهم. وعندما تذكر لهم الأدلة يقولون "مالك ومال الغناء والموسيقى؟ أليس أفضل لك أن تنشغل بشيء آخر؟"، وتحسبهم على شغل، لا يوجد فيهم مخترع واحد، ولا رجل نفع الدنيا بشيء، ولا إمرأة ربت عالم فضاء أو فيزياء، ولا بنتاً مشغولة بالكيمياء وتجارب الأرض، ولا ولداً قام بتمثيل المسلمين أمام العالم فنال حبهم! يصدق فيهم "ما ترك قوم العمل إلا أتوا الجدل".


ودعنا ندخل في الموضوع مباشرة، وسوف أذكر أشهر الأدلة التي يستند لها العلماء الأفاضل الذين يرون بتحريم الغناء والموسيقى، وسوف أسردها أولاً ثم نناقشها على هدوء كون غالب "أتباع" من يرون بذلك متسرعين لا يصبرون، ولا يعرفون أصول البحث والنقاش، لذا فنسردها لنريحهم أولاً وإذا كان لديهم أي دليل آخر فسوف أيضاً نناقشه وننظر فيه، ولو ثبت لدينا الدليل بالتحريم فأعلن لله أني سوف أتوب وأعلن خطأي وأبين ذلك للناس، والله على ما أقول شهيد. ومن اتهمني بنيتي فالله حسيبه، وهو يتولى أمره، وهو المستعان، والَله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

أولاً: أدلة من التفسير:
قالوا:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.

٢- ويقول الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) (الإسراء/64)، قالوا: قال مجاهد: بصوتك: المزامير.

٣- وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال/35)، قالوا: كون الله عاب المشركين على صلاتهم التي هي عبارة عن مكاء (صفير) وتصدية (تصفيق) فلذا فهي حرام وما هو أشد منها وهي المعازف حرام.

٤- ويقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/72)، قالوا: قال مجاهد: لا يشهدون الزور: لا يسمعون الغناء، وروي في الباب نفسه عن الحسن البصري رحمه الله قوله (الغناء والنياحة).

٥- ويقول الله تعالي: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) (النجم/59-61)، قالوا: قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية. وهذا دال على التحريم.

ثانياً: أدلة من أحاديث:
قالوا:
١- أقوى الأدلة ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.

٢- وحديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور"، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير".

٣- وحديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.

٤- وحديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).

٥- وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي).

ثالثاً: الإجماع وأقوال العلماء:
١- ادعاء البعض بالإجماع على تحريم الغناء و / أو المعازف.
٢- وقالوا: أن أكثر أهل العلم على تحريم الغناء والمعازف، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة والمشاهير مثل شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً.
٣- أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال:لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال:ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول ابن القيم: لا يجتمع كلام الرحمن ومزمار الشيطان في قلب إمرء مؤمن أو اثنان لا يجتمعان حب القرآن وحب الأغان.

هذه أهم الأدلة، ولو عندك غيرها وتعتقد أنها بقوتهم أو أقوى فاذكرها مشكوراً سواء كنت ترى بالتحريم أو لا ترى أو غير محدد، حتى نجمعها ونثري البحث، وننظر فيها وما يقول العلماء فيها. مع الانتباه إلى أننا كمسلمين لا نعتد بالحديث الضعيف في الأحكام، وسوف أسرد أهم الأحاديث المشهورة الواهية والمكذوية مثل حديث "الغناء ينبت النفاق" "ويصب في أذنيه الضنك" .. الخ. وأمثالها. فلا اعتبار لها ويجب التحذر من ذكرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب عليه ونقل الكذب.

  .. مناقشة أدلة من يرون بالتحريم ..

-=================================

كيف تحدد حكم الإسلام في الغناء والموسيقى؟/>

قبل مناقشة أدلة التحريم أود أن أقول ليس من هدف هذا البحث تحليل أو تحريم الغناء والموسيقى، لو كنت تحب تعرف الحكم في هذه المسألة أو غيرها فأقترح عليك التالي:

·         تعلم ولا تقبل أن تكون تابعاً لشيخ أو لعالم أو مذهب، فلا يخلو هذا المنهج من التسطيح لشخصيتك ووقوعك في التبعية العمومية، وهذا يجعل منك إنساناً عاماً ليس له قلب وعقل يستخدمه كما يجب، شخصاً سلم عقله وقلبه لمجموعة من الناس في الغالب لا تعرف إلا ظواهرهم. إن هذا طبعاً يتطلب منك جداً واجتهاداً خاصة إذا كنت في مقتبل العمر. إبدأ باختيار بعض المعلمين (يُفضل غير المنتمين لجماعات وأفكار، ضماناً للحيادية) ثم استرشد منهم العلم والقراءة والتعلم. ثم عود نفسك الوصول إلى المصادر وتعلم الفهم والاستنباط حتى لو أخذ منك هذا الموضوع سنين.

 

·         لو لم تستطع، لأي سبب، فاجتهد ألا تتبع شيخاً واحداً بالذات من المنتمين فكرياً لجماعة أو مذهب. نوّع قليلاً مع أخذ الحيطة بعمل ذلك من باب العلم والانفتاح لا الأسهل.

 

·         انتبه من المتحدثين باسم الله وباسم السماء وباسم الجنة وباسم الأنبياء. هؤلاء في الغالب ليسوا على صواب. غالب الدجالين والمتعصبة والطائفيين والمتطرفين لغتهم هي تلك، يرعبونك ويخوفونك ويؤنبونك باسم الله. اعلم أن الله سبحانه لم يخلق العباد ليعذبهم، ويتربص بهم، ويوقعهم في الشرك (الفخ)، ويفتنهم ليل نهار، ويتصيد عليهم .. إن هذه العقيدة سطحية، وتقلل من منزلة المولى عزوجل. إن الله كل يوم هو في شأن، والأرض في المجموعة الشمسية مثل الإبرة في ملعب كرة قدم، المجموعة الشمسية في المجرة كلها مثل خرم الإبرة في الأرض، المجرة التي ننتمي لها مثل طرف الخرم في المجرة كلها!! نحن صغار صغار صغار جداً جداً جداً في ملكوت الله! قد يكون في الكون مليار أرض مليئة بالخلق، خلق أفضل أو أقل أو أعلى أو أنزل أو تماماً مثلنا، قد يكونون في بُعد لا يمكن أن ندركه، في علم لم نسمعه، ومنطق لم نتحدث به، ومرئً لم نره، وأصوات لم نسمعها وأحاسيس لم نشعرها .. احذر التصغير من عظمة الله بهذه الترهات السطحية المقللة من قدر الله. إن الله لو نظر لعبد، وهذا من شبه المستحيلات، لم يعذب لا في دنيا ولا في آخرة أبداً! إن الله سبحانه وضع نظاماً في الكون يمشي على الكل، نظام غفور، متسامح، لا يتربص، يتجاوز رغم عدله، ومع ذلك لله سبحانه قوانين في كونه لو فهمتها قد تصل لمبتغاك من خلالها. ومع ذلك فلا شك أن نظامه عادل قد ينال من يجهل أو يخطئ. إذا رأيت الشخص يكثر من التخوين والتخويف فاتركه في حاله وابحث عن الرحماء. هذا غارق في جهله، ومن عمق جهله أنه يعتقد أنه يعلم! لا يدري ولا يدري أنه لا يدري!

 

·         لو لم تستطع أن تلزم أياً من هذا فالزم شيخاً تثق بكلامه وإخلاصه وفوض أمرك لله، واسأله عن حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ثم اتبع رأيه.

 

مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى:/>

أولاً: أدلة من التفسير:/>
ولاحظ أننا قلنا من التفسير وليست من القرآن الكريم. قد يوهمك البعض أنه كلام الله وهذا خطأ؛ لأن التفسير ما لم يكن من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رأي صاحبه، ولا يلزم أي أحد بالأخذ فيه، ولا يعتقد ذلك أحد سوى أن الشيعة الجعفرية والإسماعيلية لديهم أن الأئمة من سادات آل البيت أيضاً من ضمن المعصومين، ومع ذلك فغير آل البيت اتفاق بين المسلمين بأن أقوالهم غير ملزمة ولو كان هذا الشخص أبوبكر أو عمر، وهما خير البشر بعد الأنبياء، ومن يعتقد بعصمة الصحابة أو إلزام الخلق بأقوالهم فهو يخالف الله سبحانه في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، بل يخالف المنهجية التي جاء بها الإسلام. لذلك نقول التفسير؛ فالقرآن جليّ، نزل بلغة العرب، لا يحتاج له ترجمان، يقرأه شخص بعد ألف سنة يستنتج ما لم يستنتجه الصحابي الكريم. وقد يأتي من يفسر القرآن أو السنة أفضل من الصحابي رغم علو منزلة الصحابي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في خطبة الوداع: "ربَّ مُبلغ أوعي من سامع" المبلغ (بضم الميم وفتح اللام) هو الذي يصله كلام النبي صلى الله عليه وسلم والسامع المقصود في الحديث هنا هو الصحابي. فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول لك رب تابعي أو تابع تابعي أو من سيأتي بعد خمسمائة سنة أو من في عصرنا الآن أو من سيأتي بعد ألف سنة أوعي - أي أكثر وعياً - من الصحابي السامع لخطبة الوداع هذه. فلا تغتر بقول الشخص يقول قال تعالى ثم يقول لك قال مجاهد فتعتقد أن ذلك يعني قال الله! حاشا لله، هذا معناه: قال مجاهد أو قال اين مسعود رضي الله عنهما.
مع ذلك فأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين معتبرة ومقدرة ونستشهد فيها طوال الوقت، وقد تكون الحاجة لها كبيرة في الفهم، بالذات في معرفة أسباب النزول، كما سنستفيد منها هنا كذلك في أدلة من رأى التحريم. لكن لو لم يأخذ فيها إنسان فهي ليست ملزمة له. ولو شاء الله التحريم الصريح ما تركها لقول مفسر بل وضحها وضوح الشمس مثل تحريمه للقتل والسرقة والخمر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل .. الخ.

قالوا في الاستدلال بالتحريم:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.

والتحقيق: لم يرد في أي من قواميس العرب ولا لغتهم أن معنى "لهو الحديث" الغناء، رغم أن البعض قد يرها كوسيلة للهو الحديث. قال الجوهري: اللهو: اللعب. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: اللهو: ما شغلك من هوى وطرب. وقيل: النكاح، قال إمرؤ القيس:

ألا زعمتْ بسياسة اليوم أنني
كبرتُ وأن لا يُحسن اللهو أمثالي

وقيل: المرأة، وفسروها بقوله تعالي: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء/17). وفي لسان العرب: للَّهْو: ما لَهَوْت به ولَعِبْتَ به وشغَلَك من هوى وطَربٍ ونحوهم، وفيه أيضاً: وقد يكنى باللَّهْوِ عن الجماع. وفي سَجْع للعرب: إذا طلَع الدَّلْوُ أَنْسَلَ العِفْوُ وطلَب اللَّهْوَ الخِلْوُ أَي طلَب الخِلْوُ التزويجَ. واللَّهْوُ: النكاح، ويقال المرأَة. قال ابن عرفة في قوله تعالى: لاهيةً قُلوبُهم؛ أَي مُتشاغِلةً عما يُدْعَوْن إِليه، وهذا من لَها عن الشيء إذا تَشاغل بغيره يَلْهَى؛ ومنه قوله تعالى: فأَنْتَ عنه تلَهَّى أَي تتشاغل، وفيه أيضاً: وقيل: اللهوُ كلُّ ما تُلُهِّيَ به، لَها يَلْهُو لَهْواً والْتَهى وأَلهاه.

ولاشك أن المعازف والطرب والأغاني من اللهو، وكذا الفيس بوك والإنترنت والتلفزيون والمسرح ولعب كرة القدم والورق واللعب مع الأولاد والأهل والأصحاب وصيد السمك .. كل ذلك لهو، وهو يشكل غالبية ما تعمله في يومك. والآية الكريمة عامة تعني أنه من الناس من يشتري أي يدفع ويتعب ويشتري لهو الحديث وذلك بنية الصد عن سبيل الله واتخاذ آيات الله هزواً، فهذا لو عملها بموسيقى أو غناء أو فيس بوك أو محاضرة أو يوتوب أو كتاب أو شيء من ذلك فهو محرم ويؤدي لعذاب مهين. ولا تعني أن من استخدم الغناء والموسيقى فهو في عذاب مهين، وأن من صد عن سبيل الله واتخذ آياته هزواً فله ذلك! كلا، بل أي وسيلة تستخدم بنية الصد عن سبيل الله والاستهزاء بآيته فهي منكرة هنا، ولذا فالآية عامة.

وحتى تعرف معنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو من القدماء في الإسلام وشهد نزول الآيات من أوائلها وعليم بها، لهذا روى هنا سبب نزول الآية، حيث كان بعض كفار قريش يتعمدون في شراء الجواري المغنيات ويأتون بهم في أوقات يتلو ابن مسعود القرآن أو يتحدث صحابي في الدعوة ليحولون دون سماعهم. فهؤلاء الكفار الذين يشترون الجواري المغنيات بنية الصد عن سيبيل الله أو اتخاذ آيات الله هزواً فسيؤدي لهم ذلك إلى العذاب المهين. أما شراء الجواري اللاواتي يغنين فلا حرج، وقد فعلها كثير من الصحابة، كما سأذكره في فصل لاحق بإذن الله، ومنهم أمير المؤمين عبدالله بن الزبير رضي الله عنه: قال إمام الحرمين وابن أبي الدم: إن الإثبات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن ابن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله له فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير: توزن به العقول. نيل الأوطار للإمام الشوكاني (8/104) وترتيب المدارك للقاضي عياض (2/134) وإيضاح الدلالات لعبدالغني النابلسي (ص 15) وإبطال دعوى الإجماع للشوكاني (ص1). وسنأتي لها لاحقاً إن شاء الله، ونذكر مصادرها.

ولا يعقل أن يخالف ابن مسعود رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي سمع الغناء والدف وفي بيته ومجتمعه وأمر به في مواقف ذكرناها في الأجزاء الأولى. ولو خالف ابن مسعود، وحاشاه، لردينا قول بن مسعود بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى بالاتباع والاقتداء. ويكفيك كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لعائشة في زواج قريبتها: "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" (رواه البخاري وغيره، وتقدم في الأدلة). فلا يعقل أن يأمر باللهو والله يوعده بالعذاب المهين؟! هذا قلة علم وقلة تأدب في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

٢- يقول الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) (الإسراء/64)، قالوا: قال مجاهد: بصوتك: المزامير. فالمزامير هي صوت الشيطان.

والتحقيق: الأثر رواه ابن أبي الدنيا عن مجاهد وقال: إسناده لين. قال الشيخ الجديع تعليقاً: قلت: وهذا لم يصح عن مجاهد. انظر كم من الناس تناقلت هذا الأثر!! وحتى لو صح، فقد يكون الغناء والموسيقى والخطب والمحاضرات والقصص والشعر والإيميلات كلها وسائل الشيطان المستفزة. رُوي عن ابن عباس (شيخ مجاهد رحمه الله) رضي الله عنه قوله: صوته: كل داع دعا إلى معصية الله. وهذا التفسير وإن لم يصح سنده لابن عباس أيضاً إلا أنه ما رجحه الطبري في تفسيره. وعن قتادة: بصوتك: دعائك. (رواه ابن جرير بإسناد صحيح). فهل الدعاء حرام؟ وهل كل صوت حرام؟ إنما يكون الحرام وفقاً لنية استخدامه؛ فالصوت والغناء والموسيقى والمزامير والإيميل والقصص والشعر وغير ذلك كله حلال أو حرام ليس لذاته بل باتجاه استخدامه.

٣- وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال/35)، قالوا: كون الله عاب المشركين على صلاتهم التي هي عبارة عن مكاء (صفير) وتصدية (تصفيق) فلذا فهي حرام، قالوا: وما هو أشد منها وهي المعازف حرام كذلك.

التحقيق: وهذا من أوهن الأدلة، وتنم عن قص وتلصيق، وعدم تحقيق، وضعف في الحجة. وهل نمنع صوت الحمار لأن الله استنكره؟ قال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/19). بل شرعت السُنة في جعل التصفيق في الصلاة للنساء. ولا حجة على التحريم. كيف فهم المحرمون التحريم؟! الله سبحانه يقول هذه صلاتهم ما هي إلا تصفيق وتصفير. الله يعيب عليهم ذلك، مع أن المرأة ممكن تصفق في الصلاة حال أرادت التصحيح للإمام!
ومن تأدب الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله رغم أنه يرى بحرمة الغناء لما سئل عن ذلك تورع. قيل له: ما حكم التصفيق والتصفير، وأي نوع من التصفير محرم، وما دليل التحريم؟
الجواب: الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!! فما هو سبب التصفيق والتصفير؟
السائل: ما يحدث في المباريات ونحوها!
الشيخ: قل مثلا التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً، أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً؛ لأنه ما عندي دليل.
السائل : التصفيق؟
الشيخ: ما فيه شيء.
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء)، فهذا في الصلاة؛
وأما قوله تعالى: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق، فهذا كانوا قريش عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك، بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تقدم و تفوق على غيره وأراد أن يشجعه وصفق فلا أرى في هذا بأساً.
السائل: والآية فيها دليل؟
الشيخ: ما فيها دليل، سمعت: يتخذونها عبادة.
السائل: التصفير يا شيخ أي نوع من التصفير؟ مثل صفارة الحكم في المباريات؟
أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية، وليس عندي دليل، ولو أن شخصاً طالبني بالدليل، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل.
(الشيخ بن عثيمين: لقاء الباب المفتوح: شريط 119). هذا النقاش يعلم التأدب مع الله، ونفي وجود هوس التحريم.

٤- يقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/72)، قالوا: قال مجاهد: لا يشهدون الزور: لا يسمعون الغناء، وروي في الباب نفسه عن الحسن البصري رحمه الله قوله (الغناء والنياحة).

التحقيق: أما رواية مجاهد رواها ابن أبي حاتم فهي ضعيفة. وما رواه ابن جرير بسنده عن مجاهد، قال الشيخ الجديع: هذا إسناد ساقط، فيه محمد بن مروان السدي الكوفي متهم بالكذب! وشيخه ليث مشهور بالضعف! وأما رواية الحسن البصري عن ابن أبي حاتم، قال الشيخ الجديع: وهذا إسناد ظاهر الضعف! يا جماعة اتقوا الله في الناس. كيف يبني هؤلاء أدلتهم؟!! نقول لهم رواه البخاري ومسلم وصححه العلماء يروون لنا ما رواه الكذبة! أخطأ ابن القيم فأخطأت أمم مقلدة وراءه!! والتفسير الصحيح للآية والذي تعمل به الأمة اليوم هو أن الزور: الكذب وليس الغناء.

٥- ويقول الله تعالي: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) (النجم/59-61)، قالوا: قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية. وهذا دال على التحريم.

التحقيق: ما روي في الرواية الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه: (سامدون) هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وهي بلغة أهل اليمن، يقول اليماني إذا تغنى: اسمد. والمقصود هو التعالي بالصوت تعمداً عندما يتلى القرآن الكريم، فهذا فعل مشين. لو أن فرقة موسيقية جاءت عند مسجد وبدأت تعزف بصوت عالي أمام المسجد حين أذان المؤذن فهذا يدل على التعمد، ولكان يجب أن يحاسب هؤلاء الناس من قبل ولي الأمر أو السلطات. أما أن تقول أن الغناء كله حرام من هذا الدليل فهذا دليل فقدان الحجة، وإلا لكان الضحك كذلك حراماً فهو أيضاً في الآية الكريمة!!

من هذه الاستدلالات يتبين لك أن لا حجة لمن استدل بالقرآن الكريم على أنه حرم الغناء والمعازف، بل هذه استدلالات حملت القرآن ما لا يحتمل، غفر الله لهم.

ذكرنا، بفضل الله، كل الأقوال التي احتجت بتفسير آيات من القرآن الكريم قالوا أن فيها إشارات إلى تحريم الغناء والمعازف، وبينا أن هذه الاستدلالات ليست قوية وقد تكون حملت القرآن الكريم ما لم يحتمل، وأنها خصصت العام بدون أي دليل واضح، وأن هذه التفسيرات لاشك لا تتوافق والسنة الصريحة بإباحة الغناء وآلة من المعازف وهي الدف في المناسبات وغير المناسبات. وبينا كذلك أن كثيرآً ممن يرون التحريم يغفلون عن مناقشة أدلة الإباحة ولا يناقشونها، وأفضل ما يعملونه أحياناً هو أن يضاربوا الأحاديث ببعضها، وهو صنيع غير جيد يوقع عامة الناس في تشكك واضطراب، لكنك عندما تعرض كل الأدلة وتوفق بينهم حتى ولو كنت ترى التحريم فهذا يجعل القلوب تقر والنفوس تطمئن لشمول المنهج النبوي في الحياة. نكمل ما استدلوا به من السنة النبوية:

الأحاديث النبوية التي استدل بها من يرى التحريم:

١- أقوى استدلال هو ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.

التحقيق: يصحح البعض من العلماء هذا الحديث رغم أنه من الأحاديث التي أنكرها كثيرون على البخاري كون أن البخاري لم يرويه من ضمن إسناداته في صحيحه ولكن علقه في الاستدلال في عنونة الباب، ورده علماء كثيرون وعليه اشكالات كثيرة. والحديث المعلق هو الذي سقط من سنده راو أو أكثر، مثل أن يروي تابع تابعي عن صحابي ولا يذكر التابعي الذي روى له الحديث فهذا يعتبره العلماء حديثاً معلقاً، والحديث المعلق لا يستدل به في الأحكام، لأنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مرفوعاً (أي إلى النبي) أو موقوفاً (أي إلي الصحابي). وسبب اعتقاد العلماء بأن الحديث معلق أي لم يسمعه البخاري من شيخه مباشرة هو قوله في "صحيحه" قال هشام بن عمار حدثنا .. ثم ذكر السند والمتن (أي لفظ الحديث)، والبخاري التزم الدقة الشديدة في صحيحه فهو لا يقول "قال فلان" وإنما يقول "حدثني"، فقوله "قال فلان" شكك العلماء في الحديث، وأن البخاري لم يسمعه من هشام أصلاً. لماذا في هذا الحديث خالف البخاري القاعدة في صحيحه؟ رغم أنه يقول "قال فلان" في رواياته خارج "الصحيح" كما فعلها في "التاريخ الكبير" وغيره. وهذا الحديث رغم ما عليه من كلام كثير ورد كثير من العلماء له إلا أنه حديث صححه كثير من المتبحرين في الحديث كالإمام ابن حجر العسقلاني ومحمد بن إسماعيل الإسماعيلي وغيرهما، ومن المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ الجديع؛ لذا جاز الاستدلال فيه على خلاف الكثير من الدلائل الأخرى التي لا تصح في التحريم والإشارة لها.

الحديث فيه إشارتان لمن يرون التحريم: (١) "يستحلون .. المعازف" و(٢) العقاب الشديد وهو المسخ لهؤلاء القوم. وههنا بعض الإشكاليات في كون هذا الحديث ليس فيه حكم التحريم الصريح:

1.      أولاً هذا الحديث خبر وليس حكماً، فهو يخبر عن حادثة ستحصل في المستقبل، الله بها وبتفاصيلها عليم، عن قوم هذه صفاتهم فسوف يصير لهم هذا المسخ. إن الإخبار عن حدث غير الحكم. والخبر لم يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسمع أنه حصل حتى زمننا رغم استمرار وجود هذه الأمور المذكورة في الحديث منذ ألف وأربعمائة سنة. وهذا يعطيك مؤشر على أن الموضوع أكثر من شرب الخمر والمعازف والزنى وإلا فهذا الموضوع يتكرر مليون مرة في اليوم كل يوم في العالم!

 

2.      لفظ "يستحلون" يدل على استحلال الحلال والحرام، مثل ما هو وضع المعازف والغناء هي حلال وحرام، هي وسيلة قد تستخدم في الحلال وقد تستخدم في الحرام. والدليل على كونها تستخدم في الحلال والحرام هو قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه مسلم 1218)، فهذا حرام واستحلل. وقوله "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" (رواه أحمد والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وغيرهم)، فهذا حلال واستحلل. فبطل لفظ من قال "يستحلون" أي كان حراماً فأحلوه. أين الدليل على الحرمة أصلاً؟ أين في كتاب الله سبحانه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن المعازف حرام حتى يستحلونه؟ هل يعقل أن يكون تحريم المعازف لم يأتي إلا في هذا الحديث وفي هذا المعنى في التحريم غير الصريح. واللفظ برأي من يرى التحريم مشكل كون "يستحلون" إذا قُصد بها هو حرام وهم يعلمون أنه حرام لكنهم يحللونه فهذا والعياذ بالله موضوع كبير، يرى العلماء أنه يوقع الشخص في الكفر، وإذا قُصد فيه أنهم يستحلونه من خلال تأويل وفهم، فهم مجتهدون ومعذورون، ولا لوم عليهم ولا عتب ولا يستدعي كل هذا النقاش العقيم. وأنت لو قرأت عنف كلام الشيخ الألباني في الرد على الشيخ محمد الغزالي أو الشيخ القرضاوي أو الإمام المبجل ابن حزم الأندلسي لتمنيت أن لا يُنقل هذا الكلام عن مسلم فضلاً عن عالم جليل كالشيخ الألباني، رحمه الله؛ فالكلام لا يليق فعلاً بطالب علم فضلاً عن عالم جليل، وهي شطحة نرجو ألا يأخذ بالاقتداء بها المسلمون، ونقترح أن لا يعملوا بعمله هذا، ولهم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الاختلاف والرد والحوار والجدل بالتي هي أحسن. لهذا نقول كلٌ يأخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يُرد فعلاً ويرفض ولا يقبل ولا نظلم علماء المسلمين به، قال تعالي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)،وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54)، وقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125)، وقال: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). ولقد تسبب هذا الكلام مثل ما تسبب كلام ابن تيمية وابن القيم لما تشددا في تشجيع عشرات الآلآف من المتطرفين والمتشددين والمتدخلين على العلم والمتعصبين فملأوا النت والكتب والمجالس شتماً وسباً وجدلآً وتكفيراً وتفسيقاً وأذىً، وتناولوا أعراض الناس والعلماء والمغنين والمغنيات والبشرية جمعاء، وقالوا كلاماً ما قاله نبي في مجحديه ومعذبيه. فالله المستعان وعليه التكلان. وغفر الله للشيخ الألباني على هذه الألفاظ التي أطلقها، وهي من عادته في مناقشاته وردوده، وليس هو بها قدوة ولا مثلاً جيداً، ويكفي ما قاله في الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز وغيره من علماء نجد، واللفظ له، وادعى على الشيخ بن باز في قوله بوضع اليدين على الصدر "بدعة ضلالة"، ورد عليه الشيخ بن باز رحمهما الله بعدما أثنى عليه بأن "هذا خطأ ظاهر لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم من أهل العلم، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها" وزاد الشيخ بن باز: "ولكنه قد غلط في هذه المسألة غلطاً بينا". فلاشك أن الشيخ الآلباني مثل غيره يقع في الخطأ ويخالف الأحاديث الصحيحة، كما قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله (مجموع الفتاوى ورسائل في الصلاة). لهذا فلا اعتبار لكلام من يقول ما يقول، الاعتبار كما قال الشيخ الألباني نفسه، رحمه الله، بمعرفة الحق، فإذا عرفت الحق عرفت الرجال عدا ذلك فسوف تضيع في ترهات الردود وأهل الجدل كما في بعض التعليقات والردود من المضطربين نفسياً أو اجتماعياً أو إيمانياً أو روحياً والباحثين عن قضية فلا قضية لهم، وهم بذلك يشعرون أنهم ينصرون دينهم، وما أذكى الشيطان بهذه المعاني، يوهم للناس أنهم يدافعون عن الله أو دينه وربما ما صنعوا شيئاً غير تنفير الناس. ووالله لو لم يكن للشيطان إلا أن أوحى لهم التعالي والتزكية للنفس واستصغار الآخرين لكفى، ولبلغ مراده في الكبر والتحريش بينهم. وهؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات أكثر الناس تقليلاً للعباد، لو تقدم الشيخ الألباني لبنته ما زوجه لأنه ألباني أو سوري أو مصري .. وهم أكثر الناس عندنا في الكويت معارضة لتجنيس المستحقين بسبب العنصرية التي يطبعونها بالدين أحياناً وبالعرف أحياناً أخرى، وهم أكثر الناس تقليلاً في الهنود والأسيويين، وأكثر الناس طعناً في الأمم، وهذا كله لا صلة له بدين ولا أصل. وبعضهم يعتقد أنهم في العلو والناس من ذوي الجنسيات الآخرى لهم تبع ثم البقية كافرة مخلدة في النار. وكم فضح هذا الحديث من أخلاقيات الناس فشطوا وشردوا في الطعن في نوايا الناس وأخلاقهم وأعمالهم، ونصبوا أنفسهم قضاة على البشر، والله المستعان على ما يصفون.

 

3.      لا يشير الحديث لكون هؤلاء الناس الذين سيعاقبون بسبب أنهم يستمعون إلى المعازف. فقوله صلى الله عليه وسلم عن صفات الخوارج "تكرهون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلي صيامهم، يفرون من الإسلام كما يفر السهم من الرمية" لا يعني حرمة الصلاة والصيام بسبب أن هؤلاء المارقين من الدين يعملونه! وأهل الصلاح وأهل الباطل يستمعون للمعازف، كما سنشير بأدلة واضحة من كونه فعل يعمله بعض الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء والخلفاء وفضلاء البشر.

 

4.      وأقوى إشارة في الحديث هو كون الفقير يأتيهم لحاجة فيبخلون عليه بينما يسرفون ويفرطون في الشرب واللهو والخطيئة مستعذبين ذلك، متنعمين بالحرير. ومع ذلك يردونه، والله أعلم، كم ليلة فعلوا ذلك، وكم مرة فعلوها. إن مَن صنيعهم ذلك قد تقوم القيامة عليهم أو يحصل لهم هذا الحدث المريع. إن الله سبحانه برحمته وكرمه لا يخسف بشارب الخمر، وعازف المعازف، ولابس الحرير، وإلا لكان هذا الحدث يحصل خمسين مليون مرة في اليوم كل يوم!! إن اجتماع هذه الأمور هو الحرام لا مفردها، مثلها مثل ما ذكرناه في الآية الكريمة (وأنتم سامدون) التي أستدل البعض بأنها في المغنين بينما غفلوا عن (ويضحكون) فحرموا الغناء وأباحوا الضحك!! فلا الضحك حرام ولا الغناء حرام في الآية المذكورة ولكن اجتماع ذلك من خلال رد الآيات والاستعجاب، وهي هنا كذلك اجتماعها المحرم. يجب أن يجتمع الزنا مع الخمر مع المعازف مع رد ذي الحاجة مع لبس الحرير مع أمور أخرى حتى يصدق هذا الحدث والخبر. ومعلومة هي المحرمات لكن المعازف لم يرد فيها التحريم، وإلا فهذا القرآن الكريم وهذه السنة النبوية عليهم أن يأتوك بدليل واضح وصريح في ذلك. تركوا كل الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة وتشبثوا بالمتشابهات.

 

5.      قوله "ويمسخ آخرين" فيه إشارة إلى أناس غير هؤلاء يعني هؤلاء الله يبيتهم ويسقط عليهم الجبل وآخرين يمسخهم قردة وخنازير. لماذا؟ لا علم لنا ولا دراية، كون رواية الحديث غير مترابطة.

6.      إن في الحديث شبهات واضطراب فنحن لا نعرف سبب تعليق البخاري له من بين أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة حديث يقول فيهم "حدثني" وفي هذا وثلاثة فقط أخرى يقول "قال"، وحديث يأتي بلفظ "يستحلون" والحرير أصلاً حلال لبسه على النساء وحلال بيعه من قبل الرجال، والمعازف أصلاً حلال لم يرد فيها تحريم ألبته، والحر يعني الفرج، وهو حلال بين الزوجين، ويبدأ عن أبي عامر أو أبي مالك، ويسرد الراوي الحديث ثم يقول "ويمسخ آخرين"، وما سبب مسخهم؟ لا نعلم. فهل هذا يعني أن بعضاً منهم يقع عليه الجبل وآخرين يمسخهم الله قردة وخنازير؟! الله أعلم. فالحديث فيه غموض، وقد تحمس له المحرمون ومنهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله - حيث بسببه نقل كل من بعده كلامه ومعناه، ما زادوا حرفاً (نفس الكلام في أربعين ألف منتدى وموقع cut-paste)، ومما قال في "مجموع الفتاوى": فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها، وقال: وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خرسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ولا بدفّ ولا بكفّ ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. انتهى كلام الإمام بن تيمية - رحمه الله - وهو لفظ تجده في آلآف المواقع في النت. وهذا الكلام غير صحيح. فهذا الحديث لا يدل على التحريم، والمعازف لو كانت تتناول كل الآلآت لشملت الدف، فالدف آلة موسيقية هو اتفاق بين كل البشر في الأزمان ممن يعرفون العزف، والنبي صلى الله عليه وسلم أباحه، وأمر به، والطبل كذلك سمعه وسمح به، كما في حديث الأحباش الذي ذكرناه. وقوله "أن ذلك لم يحدث ولا حتى بدف" خطأ كبير، بل حدث وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة، والتابعون، ورواة الحديث وسنأتي بذكر عشرة أو عشرين منهم أو أكثر من أجل الأئمة وأعدل الخلفاء وفي المائة الأولى، وممن هم بمنزلة بن تيمية وأعلى منه فقهاً وعلماً وسعة. وهذا الكلام يتناقل في المنتديات والمجالس وكتب الكتاب، لا يحققون بالكلام؛ ينقلونه دون تحقيق ولا تأكد، ومن هنا أصبنا بكثرة التحريم والخلط وهجر البحث الدقيق وتخدرت الأمة في الجدل والتكرار. وما يدري شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل اليمن والشام ومصر وخرسان .. الخ. سبحان الله هل أعطي هذا الكشف؟ أم وحي بعد رسول الله؟! ومع ذلك فكلامه خطأ بل موجود في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وفي المدينة ومكة والشام ومصر وخرسان والأندلس والدنيا كلها ومن قبل أشارف الناس وأكارمها كما سأبينه بإذن الله. وهذا الكلام غير مقبول، والإمام بن تيمية ليس حجة على الأمة ولا غيره، يأخذ من كلامه ويرد منه الكثير، وهو ليس حجة إلا على المقلدين، مع علو منزلته وكريم فضله على الأمة في مسائل وتضحيات وجهاد وعلم وعطايا كثيرة. فهذا الحديث فيه إشكاليات كثيرة ولذا رده الإمام ابن حزم ليس فقط سنداً بل متناً. وكثير من العلماء قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور على (هشام بن عمار) وقد ضعفه الكثيرون. وهشام بن عمار، لا شك رجل صالح تقي، روى عنه الأئمة البخاري والترمذي وأبوداود، وامتنع أن يروي عنه مسلم، إلا أن عليه كلام كثير بالذات في آخر عمره. قال العلامة الذهبي رحمه الله في ميزان الإعتدال في نقد الرجال (7 / 86، ترجمة 9242): هشام بن عمار السلمي الإمام أبو الوليد خطيب دمشق ومقرؤها و محدثها وعالمها، صدوق، مكثر له ما ينكر. قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن فأظن هذا مما لقن، روى عن مروان بن معاوية عن أبي خالد عن قيس عن جرير قال النبي صلى الله عليه وسلم من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة قال أبو حاتم: هذا باطل، وإنما يروى من قول قيس، وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها! قال: وقال المروزي ذكر أحمد (يعني الإمام أحمد بن حنبل) هشاماً فقال طياش خفيف، قال المروزي ورد كتاب من دمشق سل لنا أبا عبد الله فإن هشام بن عمار قال لفظ جبريل و محمد عليهما السلام بالقرآن مخلوق فسألت أبا عبد الله فقال أعرفه طياشا قاتله الله لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمد صلى الله عليه وسلم هذا قد تجهم وفي الكتاب أنه قال في خطبته الحمد الله الذي تجلى لخلقه بخلقه فسألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) فقال هذا جهمي الله تجلى للجبال يقول هو تحل لخلقه بخلقه إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة، ومع ذلك فقد دافع عنه الذهبي في ترجمته وبأنه يؤخد من كلامه ويترك. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص: 573، ترجمة 7303): هشام بن عمار نصير بنون مصغر السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق، مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح.


حديث تدور عليه كل هذه الشبهات وهي قليل مما ذكره الباحثون والعلماء ولم تتلقاه الأمة بالقبول والرضى بل ردته وشرحته وأولته وفصلت فيه، فصار الاستدلال ضعيف، ولا يوجد فيه تصريح بالتحريم، ومن فهمها كذلك فهو فهمه وعليه أن يعمل بفهمه، والله أعلم.


٢- وحديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور" (رواه ابن أبي شيبة مرسلاً)، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير" (رواه ابن أبي الدنيا واللفظ له، والترمذي، والحديث صححه الشيخ الجديع وذكره الإمام ابن حزم في "المحلى"، والرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيهة الأمة وركن سنتها.

التحقيق: أولاً لاحظ أن الحديث قلنا ذكره ابن حزم، وقلنا صححه الجديع، والرواية عن عائشة! هل يعقل أن تروي هذا الحديث عائشة وترى حرمة القينات (المغنيات)، وهي التي في بيتها قينات (مغنيات) وبشهادة وإقرار وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! (تقدم في الدليل الأول، صحيح البخاري). لاشك أن في الموضوع أمراً، وهو واضح جليّ، فلفظ الظهور يُقصد فيه الكثرة والانتشار، وإلا فالقينات وشرب الخمور موجودة في كل الأزمان بما فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة. وموجود في كل زمن منذ زمنه إلى اليوم. فلو أن إنساناً كانت حياته كلها معازف أو كلها فيس بوك وإنترنت أو كلها لعب كرة قدم، وهذا كله صعب في غالب الناس، لكان حراماً لأنه بذلك يضيع مصالحه ومصالح من يعول، ويضيع رسالته. ومن ذا الذي يفعل ذلك من الأكارم الذين سنذكرهم لاحقاً بما فيهم عائشة رضي الله عنها والجديع وابن حزم؟؟!! لم أعرف مغنياً من المغنين الأفاضل ولا من الملحنين الأفاضل، وهم أصحاب الاختصاص، إلا رأيتهم يحترمون أوقات الصلاة ويؤدونها، ويقومون بأعمالهم، ويرعون أسرهم، ويعيشون رسالاتهم في الحياة من صناعة الجمال، وإضافة الرفق واللين، ونشر المعين في الطبائع. ولو كان نص الحديث "باتخاذهم القينات" فقط لقوى، ولكن حتى لو كان نص الحديث "المسخ والقذف إذا ظهرت المعازف" فلا يدل على التحريم. مثل لو قال "إذا تطاول الناس بالبنيان" فلا يعني حرمة تطاول البنيان، بل 90% ممن يرون التحريم مبانيهم طويلة! فلا دلالة على التحريم. ومعنى الحديث أن من أشراط قيام الساعة (المسخ والقذف والخسف) أن ترى انتشار المغنيات وشرب الخمور، وفي أحاديث أخرى تطاول البنيان وتحدث الحديد وكثرة الأموال وكثرة الكتابة .. الخ، وليست كلها حرام، بل بعضها جميل وإيجابي.

٣- وحديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.

التحقيق: ولقد رددنا على من قال بذلك، وهو لو كان يقصد فعلاً أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وحاشاه، يرد على النبي صلى الله عليه وسلم أو يصوبه، فهذا الاعتقاد يخشى فيه على دين المرء! فالنبي صلى الله عليه وسلم رد أبا بكر، ولم يقره بهذا الكلام، وقال له: "دعهما"، وهو الأمر الذي استمر واكملتا المغنيتان الجاريتان غناءهما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شرحناه بتفصل في الدليل الأول في الجزء الأول. وما عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه عمله مع عمر رضي الله عنه كذلك ولم يقره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم، إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يحصبه بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهم يا عمر" (متفق عليه. البخاري (2745)، ومسلم (893))، حتى لا يقال أن عمر لا يلتقي معه الشيطان لكن الشيطان يلتقي مع رسول الله وعائشة!! والعياذ بالله من هذه العقيدة غير السوية.

٤- حديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).

التحقيق: وهذا من أوهن الحجج. وسمعت مرة شيخاً صديقاً لي في الديوانية يسرد الأحاديث ويطيل في التحريم فذكر هذا الحديث، فسألته: متى يا شيخ تم هذا الكلام؟ في أي عصر؟ فقال: ربما في عصر أبي بكر أو على الأرجح عصر عمر رضي الله عنهم جميعاً. فقلت له: ولم يسع عمر بن الخطاب الخليفة أن يمنع هذه المحرمات في خلافته؟! هل عجز عن منعها أم تهاون فيها؟ أم أنها كانت مباحات لا خلاف فيها. والحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عملها، يعني وضع أصبعيه في أذنيه، ولم ينكر على الراعي، ولم ينكر ابن عمر علي الراعي!! والنبي صلى الله عليه وسلم رسول يعتد بأفعاله وإقراره، وابن عمر معروف في الصدع بالحق حتى مع الخلفاء، فلما توقف عن الإنكار؟! مثله قولهم: سمع ابن مسعود رضي الله عنه في العراق رجلاً يغني (يقصدون مالك بن دينار) فقالك ما أجمل صوته لو كان في تلاوة القرآن. أيقول حاكم العراق هذا الكلام في منكر عظيم؟! فقط؟؟ هذا ما وسعه! أفلا يسعكم إذاً أن لا تحرموا وتقولوا ما يقوله ابن مسعود ويحكم به عمر ويفعله ابن عمر؟!! هذا الحديث حجة علي من حرم الغناء والمعازف، فهو يدل على وجود المعازف بين المسلمين في الخلافة الراشدة وفي العراق تحت حكم الصحابي الجليل اين مسعود الذي قال عنه عمر لآهل العراق: لقد آثرتكم بعبدالله بن مسعود. فهذا والحمدلله يشير لوجود زمارة في عصر الخلافة وعصر النبي صلى الله عليه وسلم دون إنكار على الراعي ولا منع. فمن منع زمارة أو أنكر على عازف أو راعي فقد عمل بخلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه. فلا حجة بهذا الأثر وأشباهه من أقوال بعض الأصحاب.

٥- وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي). قالوا ولفظ "نهى" أو "بئس الكسب" دليل التحريم.

التحقيق: روى الإمام مسلم في (صحيحه): "شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام" وفي رواية: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكسب البغي وثمن الكلب وعسب الفحل" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وفي صحيح مسلم وغيره: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر" .. وفي الباب الكثير. ففقه هؤلاء المحرمين أن الحجامة حرام! لأن النهي ورد في كسبه! والكلب حرام. والنذر حرام. ولا يقول بهذا أحد رغم أن العلماء اختلفوا في كسب الحجامة وثمن الكلب .. الخ. فكون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الزمارة لا يعني تحريم المعازف! هذا فقه معوج.
وعلى أية حال فالزمارة لها معنيان عند العرب وأهل الحديث:المعنى الأول أنها المغنية، فإذا كان هذا المعنى فإنه يعني أنه ورد النهي في التكسب من المغنية، مثل ما ورد النهي في التكسب من الحجامة، وكلا الأمرين مباحان في الأصل، أي المغنية والحجامة؛ لأننا ذكرنا أحاديث المغنيات في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت غيره في وقته وإقراره بل وطلبه من عائشة أن ترسل للعروس مغنية تلهو لأن الأنصار يحبون اللهو، كما ذكرنا في الحديث الصحيح. والمعنى الثاني، وهو ما رجحه أبو عبيد القاسم بن سلام: "قال الحجاج (شيخه ابن محمد المصيصي): الزمارة الزانية"، وهذا لاشك في حرمته، قال تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 33). وكلا المعنيين ذكرهما الجاحظ. وسواء ذهبت مع المعنى الأول أو الثاني فلا دليل على الحرمة ألبته.

هذه أقوى الأحاديث على ما وجدت التي استند إليها من يرى بالتحريم، فقارن بين ما ذكرناه من القوة والوضوح في الحلال وبين التأويلات الصعبة والتركيبات والتي لم تدل على التحريم، بل على فهم هذا الإمام أو ذاك، مع التقدير والاحتزام لآرائهم، لكن لا يلزمنا من كان في قول عالم أو شيخ، ما لم يأتي بالدليل المقنع والواضح، فنحن أحرار نختلف عن جموع كبيرة من أتباع الأديان، بما فيهم غالبية المسلمين اليوم، لا نتبع عمياناً بل ما وجدناه مدعماً في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قبلناه، وما لم نجده حكمنا رأينا ومصلحتنا وقلوبنا، مع تقديرنا لمن رأي الحرمة، ونتأول له صلاحه وحسن نيته وورعه وخشيته، ونرجو الله أن يكافأه على نيته. ولما ذكرنا العلماء في هذه المقالة فإننا لم ولن نقصد أن ننزل من مكانتهم، بل العكس، أنزلناهم منزلتهم، فهم بشر، يخطئون، ويتجاوزون، ويسهون، ولهم بذلك الأجر حتى إذا أخطآوا، ومنزلتهم عالية وكريمة بالذات الشيخ الألباني والإمام بن تيمية وابن القيم، فهؤلاء ممن تأثرت بهم ولا زلت، وتعلمت منهم ولا زلت، وعكفت الساعات والليالي أقرأ لهم ولازلت، لكن كل يؤخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يرد، وإلا صاروا، كما هم عند البعض، أنبياء مجردون من الخطأ، فأنزلناهم منزلتهم في الاجتهاد لا التشريع ولا الحق في ذلك. والمشرع هو الله ومن خلال كتبه وأنبياءه، والله أعلم.


 

سئل الإمام بدر الدين بن جماعة عن الغناء وحكمه فقال: هذه مسألة خلافية تباينت فيها الطرق تباينا لا يوجد في غيرها، وصنف العلماء فيها تصانيف، ولم يتركوا فيها لقائل مقالاً، وملخص القول أن الناس على أربعة أقسام فرقة استحسنت، أي استحبت، وفرقة أباحت وفرقة كرهت وفرقة حرمت وكل واحدة من هذه الفرق على قسمين: فمنهم من أطلق القول ومنهم من قيده بشرط (الإتحاف للزبيدي: 7/7).
وذكر ابن حجر الهيتمي في "كف الرعاع" (2/277-278) أحد عشر قولاً في حكم القسم الثاني من الغناء الذي أصبح صناعة يتفنن فيها المتفنون ويدخلها التلحين والتحسين، وهو الذي اختلف فيها إذ الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان لنفسه أو غناء الأم لطفلها أو حداء الأعراب ونحو ذلك لا يشك أنه مباح.

ثالثاً: دعوى الإجماع وأقوال العلماء:/>
ذكرنا الأدلة التي استند لها من يرون تحريم الغناء والموسيقى من تفسير آيات وأحاديث نبوية، دعنا نكمل مع من رأى بأدلة التحريم.

1- ادعاء البعض بالإجماع على تحريم الغناء و / أو المعازف: أولاً يجب العلم بأن مدعي الإجماع يعمدون إلى ذلك القول عندما تبطل حججهم؛ فالإجماع يستحيل إدعائه، كون العالم الإسلامي ليس لديه هذه القدرة لا في القديم ولا في الحديث من تكنولوجيا متابعة الأقوال في كل الأمكنة. وقد كان من الممكن حصول ذلك في العصر الأول (عصر النبوة) كون أن الأعداد كانت قليلة، لكن ما توفى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وأصحابه آلآف الكيلومترات وبالآلآف من أهل العلم مفرّقون على الأرض شرقاً وغرباً. وإدعاء الإجماع في عصر النبوة والصحابة خطأ وخطر، فهل يُعقل أن يكون حلالاً ثم يحرمه الصحابة أو التابعون؟! هذا اتهام للإسلام بالتقصير أو للصحابة والتابعين بالتطاول!
وإدعاء الإجماع بالذات في القضايا الخلافية غير ممكن ولهذا قال الإمام أحمد: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه! ونسب الإمام أحمد ذلك الفعل لبشر المريسي المتهم بالبدع العظام (مسائل أحمد لابنه عبدالله نص 1826). ومع ذلك فقد ادعى إجماع أهل العلم كثيرون!
وقد ألف العلماء كتباً في ابطال من زعم الإجماع في الغناء، ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني وله كتاب: “إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع“، بل نقل فيه عن ابن طاهر العكس من أهل المدينة، وهو قوله في إباحة العود: هو إجماع أهل المدينة. فلا إجماع على هذه المسألة بل أنه ثبت من يقول بحليته في كل عصر من العصور، كما سنذكر بعضاً منهم وفي مدن وعصور مختلفة بداية بالصحابة وإلى أفاضل الخلفاء.

٢- وقالوا: أن أكثر أهل العلم على تحريم الغناء والمعازف، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة والمشاهير مثل شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً: وهذا الكلام لا يؤخذ بجملته، ولا يُسلم له، ولربما رأى أبو حنيفة ومالك بحرمة مجالسه وكراهيته، وأن الصحيح في مذهبي الشافعي وأحمد الكراهة، وأن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رأيا في التحريم كذلك، لكن الإسلام ليس هؤلاء الفقهاء فقط، بل العلماء خالفوا هؤلاء العلماء الأجلاء في مئات بل آلآف المسائل، ومثال محاكم الكويت الشرعية عندنا خالفت، وحسناً فعلت، اجماع الأئمة الأربعة، وأخذت بقول عمر رضي الله عنه في عدم وقوع الطلاق ثلاثاً إلا بمراجعة، بل طلقة واحدة ولو قالها ألف مرة، وتلقى هذا الرأي الصائب علماء الكويت بالقبول والرضى. ومع ذلك فقل خالف أئمة المذاهب شيوخهم وأئمتهم عملاً بأقوالهم في الاتباع لا التقليد، والعجيب والمفارقة في محاربة المحرمين للمذاهب واتباعها والتقليد إلا في المسائل التي تتوافق مع رأيهم فهم يستنيرون بها. وللتذكير فقط فإن الأئمة يقولون "إذا صح الحديث فهو مذهبنا". قال الإمام أبو حنيفة: حرام على من يفتى بقولى ولم يعرف دليلى، قال الأمام مالك: كل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، قال الإمام الشافعى: إذا جاءكم الحديث يخالف قولى فاضربوا به عرض الحائط، وقال الإمام أحمد: لاتكتبوا عنى بل خذوا مما أخذت منه (أى القرآن والسنة). فهذا مذهب الأئمة الأربعة لا التقليد والنقل دون تمحيص، فبدلاً من نقل الفتوى، لو نُقل لنا الدليل نناقشه!

ومن أئمة المذاهب المعتبرين الذين قالوا بالجواز: الإمام أبو منصور البغدادي الشافعي (ت 429)، وله مؤلف في السماع نقل فيه الأدلة والأقوال، وابن عبدالبر القرطبي المالكي (ت 463)، قيل أنه لم يكن أحد بحفظه في الحديث في زمنه، وكانت له الإمامة في المغرب (ابن خلكان)، والشيخ عبدالغني بن إسماعيل النابلسي الحنفي (ت 1143)، وله عشرات المؤلفات، وله كتاب " إيضاح الدلالات فى سماع الآلات"، وأبو الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي الأدفوي (ت 748)، وله مؤلف "الامتاع في أحكام السماع"، ومنه اختصر الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي (ت 748) رسالته "رسالة الرخصة في الغناء والطرب" هذه الرسالة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم (7159)، والذهبي عاصر بن تيمية ويحبه ويحترمه لكنه خالفه في مسائل في الأصول والفروع ومنها هذه، ومنهم أيضاً سلطان العلماء (هكذا لقبه شيخ الإسلام بن دقيق العيد) العز بن عبدالسلام الشافعي (ت 660)، وكان يقول بإباحة العود، والإمام الكبير أبو بكر بن العربى المالكى (ت 543) وقد أباح الغناء والعود، وحجة الإسلام المجدد إبو حامد الغزالي الشافعي (ت 555)، صاحب كتاب "إحياء علوم الدين"، وبالغ أخوه في تكفير من رأي التحريم، وهو أبو الفتوح أحمد الغزالى الواعظ المؤثر وله كتاب "بوارق الإلماع فى تكفير من يحرم السماع" مطبوع عن دار الحرمين. ومن الحنابلة آبوبكر الخلال صاحب الإمام أحمد بل روى عن الإمام أحمد عدوله عن الكراهية وإياحة الغناء، وفي ذلمك ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 221): وقد روينا أن أحمد سمع قوالاً عند ابنه صالح فلم ينكر عليه. فقال له صالح: يا أبت أليس كنت تنكر هذا؟ فقال: إنما قيل لي أنهم يستعملون المنكر فكرهته، فأما هذا فإني لا أكرهه . قال ابن الجوزي رحمه الله: قلت، وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء. ومن الظاهرية كثير جداً، فغالبهم إن لم يكن جميعهم يرى بجواز الغناء، ومعظمهم على حلية الآلآت، ومنهم شيخ الظاهرية بن عقيل في كتابه المسمى بالفصول، قال: صحت الرواية عن أحمد أنه سمع الغناء عن ابنه صالح وذكر ذلك شارح المقفى .. وجمع غفير من العلماء الأكارم من أئمة المذاهب.

ومع ذلك فقد ذكر الشافعي في كتاب "الأم" ( 6 – 209 ): ليس بمحرم بيّن التحريم. ونقل الماوردي في الحاوي (2 – 545) أن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي لم يحرموه (يعني الغناء). وقيل أن المحرم حتى لدى الأئمة الأعلام الذين رأوا ذلك ليس الغناء بذاته ولكن ما يصاحبه في تلك المجالس المعروفة وقتها، قال البغوي في شرح السنة (4 –322): الغناء بذكر الفواحش والابتهار بالحرام و المجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء. فحتى زعم أن الأئمة الأربعة حرموه لا يُسلم له.

ومن غير أئمة المذاهب ممن رأوا بالجواز: أبومحمد بن قتيبة الدينوري (ت 276)، وألف كتب "الرخصة في السماع"، وأبو محمد ابن حزم الأندلسي (ت 456)، الإمام الحجة، ومحمد بن طاهر المقدسي (ت 507)، نقل الشعراني في "الميزان الكبرى": صنف الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي كتاباً نقض فيه أقوال من قال بتحريم السماع، وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم، وذكر من جرحهم من الحفاظ، واستدل على إباحة السماع واليراع والدف والأوتار بالأحاديث الصحيحة وجعل الدف سنة. ومؤلفه وصف بأنه واسع البحث وقد تداوله أجلاء. انتهى. قال السمعاني: سألت أبا الحسن الكرخي الفقيه عن بن طاهر فقال: ما كان على وجه الأرض له نظير. قال الشيخ ابن غفار القوصي: وقد قرأت ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به الحافظ أبو طاهر السلفي الأصبهاني بسماعه من المصنف. وقال: لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت الهزار والبلبل وكل طير حسن الصوت فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الأوتار.

ومن المشايخ المعاصريين مئات ممن يرون بعدم حرمة الغناء والموسيقى، ومنهم العلامة يوسف القرضاوي (قطر) الذي تلقته الأمة بالقبول والمحبة عدا بعض المتشددين، والشيخ محمد الغزالي (مصر)، والشيخ د. خالد المذكور (الكويت)، د. عبدالستار أبو غدة (سوريا) ، الشيخ د. أحمد بن قاسم الغامدي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة (السعودية)، والشيخ احمد الكبيسي (العراق)، والشيخ عبد العزيز المشعل (السعودية)، وإمام الحرم الشيخ عادل الكلباني (السعودية) (بالخصوص العرضات والرقصات الشعبية والغناء العفيف)، والشيخ عبدالمحسن العبيكان (السعودية)، ورقص في العرضة علناً ليدلل على حليتها، والشيخ محمد مختارالسلامي (تونس)، والشيخ د. عصام احمد البشير (السودان)، والشيخ الدكتور محمد عماره (مصر)، وشيخ الأزهر محمود شلتوت (مصر)، الشيخ عبدالله الجديع (العراق)، والشيخ عبدالحليم محمود (مصر) ... ومئات آخرون، ليس همنا تكثيرهم لكن رد وبطلان قول من قال أن هذه المسألة لم يقل فيها أحد من أهل العلم المعتبرين، فهؤلاء معتبرون وفوق الاعتبار سواء من أئمة المذاهب أو المستقلين.

ومن هنا سقط قول من قال بإجماع المذاهب أو علماء عصر، ومنهم قول الشيخ الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها" (السلسلة الصحيحة 1/145)، فهذا كلام غير صحيح وغير دقيق وغير علمي، وقد أثبتنا عكسه، ومثله يقال كثير.

٣- واستند المحرمون على أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال: ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال في نونيته رحمه الله:
حب القرآن وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان

والله ما سلم الذي هو دأبه
أبدا من الإشراك بالرحمن

وإذا تعلق بالسماع أصاره
عبداً لكـل فـلانة وفلان

التحقيق: إذا كان يوم القيامة فالناس لا تدخل الجنة والنار بحسب سماعها للموسيقى أو الغناء من عدمه! إن هذه المسألة أعلى وأكبر لمن استدلوا بذلك، وإذا صح هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنه فلا يمكن يقصد به أن الغناء يدخل جنة أو ناراً، والعياذ بالله، فهذا يخالف ما يعتقده المسلمون سنة وشيعة وغيرهم؛ فالناس لا تدخل الجنة بأعمالها بل برحمة الله وتفضله، ومن خلال اعتقاد المرء. وإذا كان يوم القيامة فالغناء سيكون مع أهل الحق ومع أهل الباطل، وسيرافق أهل الحق في الجنة، قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (الروم/15)، أي يغنون. والغناء لا يرافق أهل الباطل إلى النار؛ فالغناء ليس من بيئة النار، ولا من صنيع أهله يوم القيامة، والعياذ بالله، ولكنه من صنيع أهل الجنة. وهذا القول، على أية حال، ضدهم ليس معهم؛ فهذا ترجمان القرآن يقول ليس في كتاب الله ما يحرم!! ولم يحرمه. فحري بمن قال بالتحريم أن يقال عنه أنه خالف ترجمان القرآن الذي قال: لا أقول أنه حرام!

وأما قولهم فيما نقلوه عن ابن القيم في أنه لا يجتمع حب القرآن ومزمار الشيطان، فهو مردود، وخطأ، وهو إدعاء أكبر من حجم من أدعى ذلك. فكم دراسة قام بها من يقول بهذا القول ليثبت هذا المزعم الكبير. وإذا كان ابن القيم - رحمه الله - يرى هذا القول، فهو رأيه، وهو عالم جليل له منزلته وقدره، لكن من ينقلون هذا الكلام على ماذا أثبتوا ذلك، بل كل المؤشرات تكذب هذا الكلام حتى مع من يحترف الغناء لا فقط يسمعه، فهذه أم كلثوم تحفظ القرآن الكريم وتغني، وسمعت لها آخر لقاء إذاعي قبل موتها بيوم وهي في قمة الإيمان وتذكر حبها للقرآن الكريم ولله، وهذا عبدالحليم حافظ يحفظ من القرآن ويحبه، وهذا الشيخ زكريا أحمد، الأزهري الحافظ، والذي لحن لأم كلثوم، ومثله الشيخ أبو العلا محمد، والشيخ سلامة حجازي، والشيخ سيد درويش، وهذا الشيخ مشاري العفاسي يغني الأناشيد ويحفظ القرآن ويصلي بالناس، ومئات من الملحنين والمغنين والمنشدين، وهذا الكلام مزعم كبير ولا يصح كما سأبين ذلك من كبار البشرية المحبوبين. وهذا الملك عبداللله بن عبدالعزيز - حفظه الله - يحضر ويسمع الموسيقى والغناء من الرجال: محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وغيرهما، ومن النساء: يارا وغيرها، ويقوم فيرقص في الجنادرية، ويتم تخصيص ميزانية ضخمة من الدولة لهذه الأعمال، فهلا قام المنكرون فأنكروا، أو قالوا كلمتهم في الحق!! ولا نقر الإمام ابن القيم فيما قال في نونيته؛ فهذا كلام مرفوض، وفيه مزعم كبير، وهو خطأ عقدي، وكيف يقسم بالله بأنه لا يسلم ممن هذا دأبه، ويقصد في دأبه في السماع، من الإشراك؟ والعياذ بالله، فهذا يوقع مليار مسلم اليوم في الإشراك!! وهذا مزعم يحتاج المرء فيه للوقوف بين يدي الله ليثبته على البشرية واحداً واحداً. وكيف سيواجه في هذه العقيدة غير السوية الأئمة الأجلاء الذين سنذكرهم أدناه، وهاك بعض الكبار التي لو قرأ أسمائها شخص يؤمن بصنيع الرجال (وأنا لا أقر ذلك في مبدئي) فلن يتفوه بكلمة سوء على من يسمع الغناء أو الموسيقى بعدها:

خيار البشرية سمعوا الغناء و / أو الآلآت وحضروا مجالسها:/>
ههنا بعض الشخصيات عالية القدر في الإسلام غير ما أثبتناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1- أبوبكر الصديق رضي الله عنه: كما ذكرنا في حديث البخاري الأول، لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعهما" فسكت وأكملتا الجاريتان الغناء والضرب على الدف في بيت النبوة. وفي الحديث الآخر الذي نذرت فيه المرأة الغناء والضرب بالدف فسمح لها النبي صلى الله عليه وسلم وسمع لها ثم جاء أبوبكر فسمع لها .. الخ. الحديث، وتقدم في الدليل على وجوده في السنة.

2- عمر بن الخطاب: في حديث السائب بن يزيد .. بينا رباح يغنيه أدركهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في خلافته، فقال: ما هذا؟ فقال عبدالرحمن (يعني بن عوف): ما بأس بهذا، نلهو ونقصر عنا، فقال عمر: فإن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب (قال الشيخ الجديع: أثر صحيح. رواه البيهقي (224/10) وابن عساكر وإسناده صحيح، وأحمد رقم 1668). وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب، قال: سمع عمر رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض، فقال: الغناء من زاد الراكب (رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، قال الجديع: أثر حسن). وروى البيهقي (10/224): عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجاً مع عمربن الخطاب رضي الله عنه، قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، قال: فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده، يعني من شعره، قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر، فقال عمر رضي الله عنه: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: هلم إلى رجل أرجو ألا يكون شراً من عمر رضي الله عنه، قال: فتنحيت و أبو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر.
(وانظر الإصابة لابن حجر 1/457، والاستيعاب لابن عبد البر 1/4147).

3- عثمان بن عفان: وتقدم في حديث التي نذرت أن تغني عند عودته صلى الله عليه وسلم بالسلامة، ولا تلتفت بقول بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لأنه نذر فقط، فهذا زيغ والعياذ بالله، وهذا يعني لو نذر شخص الزنا علناً أو شرب الخمر علناً لجاز له!! وحاشى لله من هذا الفقه المعوج.

4- حمزة بن عبد المطلب: ثبت في صحيح مسلم (4/658) أنه كان عنده قينة تغنيه.

5- عبدالله بن الأرقم: وعن عبدالله بن عتبة أنه سمع عبدالله بن الأرقم رافعاً عقيرته يتغنى، قال عبدالله: ولا والله، ما رأيت رجلاً قط ممن رأكيت وأدركت كان أخشى لله من عبدالله بن الأرقم (البيهقي بإسناد صحيح (225/10).

6- حسان بن ثابت: وكان سمع جاريتين تغنيان بشعره عند ابنه عبدالرحمن ويبكي. (والأثر صحيح عن الزبير بن بكار، قال الجديع: أثر حسن).

7- عبد الله بن جعفر: صحابي جليل، بايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع، هو وعبدالله بن الزبير، رضي الله عنهما، وهو ابن جعفر الطيار بن أبي طالب، عمه الإمام الخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وزوجه الإمام علي بابنته وابنة السيدة فاطمة زينب، وكان عالماً فقيهاً ورعاً واسع المعرفة، وكان من أسخى الناس. كان يصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهم جميعاً. (الشوكاني في رسالته "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع" ص 17 وفي "نيل الأوطار" 8/105). وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/276): كان عبد الله لا يرى بسماع الغناء بأساً. (كذلك انظر العقد الفريد لابن عبد ربه 6/18، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 7/330). وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/456) ترجمة 93: "كان –أي عبد الله- وافر الحشمة كثير التنعم وممن يستمع الغناء". فلله دره من رجل جمع الدين والأدب والفن معاً.

8- عبد الله بن الزبير: روى البيهقي وابن دقيق العيد بسنديهما عن وهب بن كيسان قال: سمعت عبد الله بن الزبير يترنم بالغناء وقال عبد الله: ما سمعت رجلاً من المهاجرين إلا وهو يترنم. وروى نحوه الفاكهي في "أخبار مكة" (3/27) بسند صحيح، وتقدم ذكره. قال إمام الحرمين وابن أبي الدم: إن الأثبات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن ابن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله له فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير: توزن به العقول. (نيل الأوطار 8/104، وترتيب المدارك 2/134، وإيضاح الدلالات ص 15 وإبطال دعوى الإجماع ص1، وتاج الدين الفزاري ونقله عنه الأدفوي في الإمتاع).

9- معاوية بن أبي سفيان: ذكر ابن قتيبة في كتاب "الرخصة" (إبطال الإجماع ص2 وإيضاح الدلالات ص 15): أن معاوية دخل على عبد الله بن جعفر يعوده فوجد عنده جارية في حجرها عود فقال: ما هذا يا ابن جعفر؟ قال: هذه جارية أرويها رقيق الشعر فتزيده حسنا قال فقلت: فلتقل فحركت العود وغنت شعرا:

أليس عندك شكر للتي جعلت ما ابيض من قادمات الرأس كالحمم؟
وجددت منك ما قد كان أخلفه طول الزمان وصرف الدهر والقدم

قال: فحرك معاوية رجله فقال له عبد الله: لم حركت رجلك ؟فقال: إن الكريم لطروب. وروى ابن قتيبة بسنده: أن معاوية سمع عند ابنه يزيد الغناء على العود فطرب لذلك.

10- عمرو بن العاص: روى الماوردي: أن معاوية وعمراً – رضي الله عنهما - مضيا إلى عبد الله بن جعفر – رضي الله عنه - لما استكثر من سماع الغناء وانقطع إليه واشتغل به ليكلماه فيه فلما دخلا عليه سكتت الجواري فقال له معاوية: مرهن يرجعن إلى ما كن عليه فرجعن فغنين فقال عمرو: إن من جئت تلحاه أحسن حالاً منك فقال له:إليك يا عمرو فإن الكريم طروب. (وانظر الحاوي "الشهادات" (2/547) وإبطال دعوى الإجماع ص2 والإحياء (2/248).

11- المغيرة بن شعبة: رضي الله عنه، حامي رسول الله صلى الله عليه وسلم. نقل الغزالي (الإحياء 2/284)) وأبو طالب المكي في قوت القلوب والشوكاني في النيل (8/105) وفي رسالة إبطال دعوى الإجماع ص 8 والكتاني في التراتيب الإدارية (2/134) والنابلسي في إيضاح الدلالات ص 17 والشيخ تاج الدين الفزاري: أنه كان يبيح السماع.

12- أسامة بن زيد: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاب القائد لجيوش الحرب ضد الردة، رضي الله عنه، روى البيهقي (10/224) وكذلك عبد الرزاق (11/5) بسنده عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: رأيت أسامة بن زيد جالسا في المجلس رافعا إحدى رجليه على الأخرى رافعا عقيرته قال: حسبته قال: يتغنى النصب. (البيهقي 68/10، وابن عبد البر في التمهيد 197/22، قال الجديع: أثر صحيح، وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" ص 128 وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين).

13- وسئل الحسن البصري عن الحداء، فقال: كان المسلمون يفعلونه (ابن أبي شيبة 263/4).

14- سعيد بن المسيب: عن غنيمة جارية سعيد بن المسيب قالت: كان سعيد لا يأذن لابنته في اللعب ببنات العاج، وكان يرخص لها في الكَبَر، يعني الطبل (بن سعد في "الطبقات").

15- عطاء بن رباح: لما سُئل عن الغناء بالعشر، قال: لا أرى به بأساً ما لم يكن فحشاً (البيهقي في "السنن الكبرى" (225/10)، وابن عبد البر في "التمهيد" (198/22).

16- محمد بن سيرين: قال هشام بن حسان أن محمد بن سيرين كان يعجبه ضرب الدف عند الملاك، أي التزويج (المطالب العالية/1815).

17- إبراهيم بن عبدالأعلي الجُعفي، قال: كان سويد بن غفلة يأمر غلماناً له فيحدو لنا (قال الشيخ الجديع أثر صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 264/4، وإسناده صحيح).

18- عبدالعزيز بن الماجشون، عالم المدينة، فقيه الأمة، من جلساء عمر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير، رحمها الله، من التابعين، ثقة، روى له أصحاب الصحاح والسنن ومنه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه، وغيرهم، من أتقى الرجال، وأعرفهم في الدين والعلم والرواية والحديث، قال مصعب بن عبدالله الزبيري: "كان يُعلّم الغناء (يعني يدرسه)، ويتخذ القيان (يعني المغنيات) ظاهراً من أمره في ذلك" أي بالعلن، قال: "وكان أول من علم الغناء من أهل المروءة" (تاريخ ابن عساكر (28/54)، وتهذيب الكمال للمزي (32/337) وسير أعلام النبلاء للذهبي (5/447)).

19- ابنه يوسف بن الماجشون، من أعظم الثقات، رجل علم ودين، روى عن إمام السنة الزهري وكان من طلبته، روى له أهل الصحاح والسنن ومنهم البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه والدارمي والترمذي وغيرهم، طال عمره حتى أدركه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ووثقاه، قال عنه يحيى بن معين: "كنا نأتيه فيحدثنا في بيت، وجوار له في بيت آخر يضزبن بالمعزفة" (التعديل والتجريج للباجي 1240/3)، والمعزفة أي الآلة الموسيقية. قال الخليلي: هو وإخوته يرخصون في السماع"، قال يحيى بن معين: "وهو وإخوته وابن عمه يُعرفون بذلك، وهم في الحديث ثقات، مخرجون في الصحاح" (الإرشاد 2/310).

20- وابن أخيه عبدالعزيز بن عبدالله ابن أبي سلمة، من أتباع التابعين، كان مفتي المدينة هو والإمام مالك، قال الحافظ المحدث أبو يعلى الخليلي: "يرى التسميع، ويُرخص في العود" (الإرشاد 310/1). والتسميع يعني الغناء والعزف.

21- وابنه عبدالملك بن عبدالعزيز، كان مفتي المدينة بعد أبيه كذلك، من أصحاب الإمام مالك، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: "كان فقيهاً فصيحاً، دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته، وعلى أبيه عبدالعزيز قبله، فهو فقيه ابن فقيه"، وقال: "روى عن مالك وعن أبيه، وكان مولعاً بسماع الغناء ارتحالاً وغير ارتحال، قال أحمد بن حنبل: قدم علينا ومعه من يُغنيه" (الانتقاء لابن عبدالبر، ص104). فانظر في هذه العائلة الكريمة من الفقهاء المحدثين الذين يروي لهم الأئمة ومنهم البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومالك بن أنس، فهل تصدق بعد هذا أن يقول الإمام مالك: إنما يفعله عندنا الفساق؟! فإذا كان رواة الحديث من عائلة الماجشون من الفساق وهم في أصول الأحاديث، فكيف يأخذ الحديث من الفساق؟!! سامح الله من كذب على الأئمة دون تحقيق! والرجاء من الله أن يحشر المرء مع هؤلاء المغنين الفقهاء المحدثين يوم القيامة.

22- أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، كان من الثقات، ومن الأئمة الأعلام، ومن كبار الحفاظ، من أتباع التابعين، صاحب الإمام الزهري، روه له كبار الأئمة ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكان مشهوراً بالغناء وسماعه. قال الذهبي: "كان إبراهيم يجبد صناعة الغناء" (سير أعلام النبلاء 274/8). وغنى لهارون الرشيد:

يا أم طلحة إن البنين قد أفِدا
قل الثواءُ لئن كان الرحيل غدا

قال له الرشيد: من كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال: من ربطه الله! قال: فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا الشيء؟ قال: لا والله، إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت لبني يربوع، وهم يومئذ جلة، ومالك أقلهم من فقهه وقدره، ومعهم دفوف ومعازف وعيدان، يغنون ويلعبون، ومع مالك دف مربع، وهو يغنيهم:

سليمى أجمعت بينا
قأين لقاؤها أينا

وقد قال لأتراب
لها زهر تلاقينا

تعالين فقد طاب
لنا العيشُ تعالينا

فضحك الرشيد، ووصله بمال عظيم. (خرج سنده الشيخ الجديع عند ابن عساكر في تاريخه والخطيب في تاريخه، وعد سنده مما يستشهد به ص194).

23- ومن أئمة العراق الكبار الفقيه العلامة عبيدالله بن الحسن العنبري، من كبار الثقات، له علم واسع في الدين، وكان حسن الصوت، يغني، ويسمع الغناء (أخبار القضاة لمحمد بن خلف المعروف 115/2).

24- المنهال بن عمرو الأسدي، المحدث الثقة، الكوفي، احتج به البخاري في صحيحه ووثقه بن معين والنسائي، وكان يضرب بالطنبور (رواه الخطيب في "الكفاية ص183)، وابن عساكر في التاريخ 373/60، قال الجديع: بإسناد صحيح).

- ومن الخلفاء:
25- الخليفة عبد الملك بن مروان (ت 86ﻫـ)، وكان موسيقياً وملحناً عازفاً بأنواع الغناء، يشجع الموسيقا وأهلها.

26- الخليفة سليمان بن عبد الملك (ت 99)، وكان رفيق دربه ومساعده ومستشاره الخليفة الرباني عمر بن عبدالعزيز، وكان سليمان هو وراء تعيين عمر خليفة بعده. وأقام سليمان المسابقات بين المغنيين وأجزل لهم العطاء.

27- وحظى الموسيقيون بالتقدير في عهد يزيد بن عبد الملك (ت 105).

28- الخليفة الوليد بن يزيد (ت 126) وكان يضرب العود ويوقع بالطبل والدف وكان عالماً بصناعة الألحان وله فيها أصوات مشهورة.

29- المتوكل العباسي (ت 247) وكان موسيقياً، وروى أنه كان أحذق من عنى وضرب على العود، وكان كثير التقدير للموسيقا وأهلها، وكانت زوجته "فريدة" تتقن الغناء. أعاد للإمام أحمد بن حنبل منزلته وأكرمه ورد عنه المظالم التي وقعت عليه ممن حكموا قبله، قال عنه الإمام أحمد: المتوكل في بني العباس كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية. وقالوا: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بنى أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة. وكان يسمع لاسحاق الموصلي، فنان العرب آنذاك، والذي كان أقدر عازفى العود واكثرهم حظوة عند خلفاء الدولة العباسية وهو تلميذ "زلزل" وقد نعاه الخليفة المتوكل يوم وفاته بقولة: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته.

30- أمير المؤمنين العادل المجاهد هارون الرشيد (ت 193)، وكان أشهر الخلفاء في دعم الفن في مملكته التي حكمت نصف الأرض، وفي زمنه صار للفن احترام، فخرج زرياب، صاحب الفن العربي الراقي، والذي صدره لأوربا بعد هجرته إلى الأندلس، أول من أضاف للعود وتراً خامساً، وعندما هاجر إلى الأندلس استقبله أمير الأندلس عبدالرحمن الأوسط، وأعجب في فنه وشعره وعلمه الواسع، فطلب منه أن يؤسس معهداً للموسيقى، وقيل أنه من أكثر من أثر في الأندلس ونقلها من البداوة إلى الحضارة والتنظيم والرقي، وتألق في زمن الرشيد أستاذ زرياب إسحاق الموصلي، وكان مرافقاً دائماً للخليفة يغنيه ويطربه، وكان يعزف العود، وكان الرشيد حاكماً صالحاً، قيل أنه يصلي مائة ركعة في اليوم نافلة، ويتصدق كل يوم، ويحج كل عامين مرة، ويقود الجهاد بنفسه كل عامين، عيّن للدولة قاضي قضاة هو القاضي يعقوب أبو يوسف صحاب الإمام إبي حنيقة المشهور، وعين الزاهد المشهور ابن السماك واعظاً له، دفن في خرسان وهو يقود الجهاد. حاكم هذا عدله، وهذه صفاته، ومات في أرض الجهاد لا في قصره، وازدهرت بلاده العظيمة في وقته، يسمع الغناء والموسيقى ويعزف العود ويدعو المغنيين الكبار لجلساته، فهل هو ممن فيه إشراك ونفاق؟!

31- وأخته عليه بنت المهدي، قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 10/187)، عن عُلَيَّة أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد: «أديبة، شاعرة، عارفة بالغناء، والموسيقى، رخيمة الصوت، ذات عِفَّة، وتقوى، ومناقب. كانت لا تغني إلا زمن حيضها، فإذا طهرت أقبلت على التلاوة، والعلم، إلا أن يدعوها الخليفة، ولا تقدر تخالفه. وكانت تقول: "لا غُفِرَ لي فاحشةٌ ارتكبتُها قطُّ، وما أقول في شعري إلا عَبَثاً"». فاجتمع لها: معرفة الغناء والموسيقى مع التقوى.

ويذكر التاريخ أن أول ضارب بالعود (المهذب) في صدر الاسلام هو "ابن سريج" وكان في مكة، ومنه أخذ العرب إلى اليوم حب آلة العود، ثم "سيرين" التي كانت تتمتع بصوت شجي، والتي نقلت العود المصري ذا الرقبة الطويلة الي الجزيرة العربية، ثم قام "ابن حارث" (ت 624م ) بتعريف أهل مكة بآلة العود والغناء بطريقة صحيحة فنية، وسما قدر الموسيقا وشاع استعمال آلة العود حتى عزفت مائة قينة معاً (يعني سيمفونية متكاملة). وأطلق العرب على آلة العود أسماء مختلفة منها: (ذو الزير)، و(ذو العتب) و(المستجيب)، و(المعزاف) الذى كان له وجه من الرق، و(المزهر أو الموتر) و(البربط).

ونكتفي بهذا القدر وإلا ففي الذاكرة والبحث ما نملئ به كتاباً كاملاً من أفاضل البشرية ممن يسمعون ويستمتعون بالغناء والموسيقى ليس فقط من المسلمين بل من مشارق الأوض ومغاربها.

أحاديث واهية يتناقلها المحرمون وهي مكذوبة:/>
إن هذه الأحاديث التي سأذكرها تدلك على أن من يستشهد فيها إما يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهل. لقد أستدلينا بعشرة دلائل صحيحة لا ينكرها المسلمون ولا يختلفون فيها، ورددنا على حجج من استدل بأحاديث صحيحة لكنها غير صريحة بالتحريم، وذكرنا أقوال أهل العلم المعتبرين فيمن لم يروا في الغناء والآلآت حرجاً، ثم ذكرنا أمثلة من أخيار الناس ممن يستمعون الغناء و / أو الآلآت، ونسرد هنا أهم أشهر الأحاديث المتداولة التي ذكرها الشيخ عبدالله الجديع في كتابه القيم (الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام) تحذيراً من استخدامها:

١- "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" أعله ابن حزم في "المحلى"، وابن طاهر في "السماع" وابن القيم في "إغاثة اللهفان" والبيهقي في "شعب الإيمان" وابن رجب الحنبلي في "نزهة الاسماع" قال الشيخ الجديع: فحاصل ما تقدم أن هذا الحديث لا يثبت عن ابن مسعود لا مرفوعاً ولا موقوفاً. ومثله حديث "إياكم واستماع المعازف والغناء، فإنهما ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"، ومثله "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع،، وأمثاله كلها أحاديث واهية، ولو كان ينبت النفاق ما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يفعلونه.
٢- "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الدف ولعب الطبل (وفي موضع الصنج) وصوت الزمارة". قال الشيخ الجديع: حديث ضعيف جداً.
٣- "إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة: لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان". حديث منكر. ومثله "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة". من طريق أنس ضعيف ومن طريق ابن عباس كذب.
٤- "بعثني الله رحمة للعالمين وبعثني لمحق المعازف والمزامير" وأمثاله. بعض طرقه منكرة والأخرى ضعيفة جداً.
٥- "إنما نزلت هذه الآية في ذلك: (ومن الناس يشتري لهو الحديث)" يعني في المغنيات. حديث منكر وسنده واه ويرويه المناكير، ومثله كل ما ورد في بيع القينة وحرمتها.
٦- "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغناء والاستماع إلى الغناء ..". حديث منكر. قال الشيخ الجديع في تحقيقه لهذا الحديث: أورد يعقوب بن سفيان بعد عبارته المذكورة في الهلكى الذين عد فراتاً فيهم، بإسناد صحيح عن الإمام عبدالرحمن بن مهدي قال: "لا ينبغي للرجل أن يشغل نفسه بكتابة الأحاديث الضعاف، فإن أقل ما فيه أن يفوته ما يكتب من حديث أهل الضعف أن يفوته من حديث أهل الثقات". قلت: إذا كان مجرد كتابتها وروايتها فكيف بالاحتجاج بها؟!
٧- "نهى عن المزمار ونهى عن الدف والكوبة ونهى عن الرقص ونهى عن كل ذي وتر ونهى عن اللعب كله .. ونهى عن الغناء ونهى عن الاستماع إلى الغناء .. ". حديث موضوع وأمثاله.
٨- "لعن الله المغني والمغنى له". لا أصل له. يذكره الجهلة والمناكير.
٩- "إن الله يبغض صوت الخلخال ... لا تلبس خلخالاً ذات صوت إلا ملعونة". حديث مضطرب ومتنه باطل.
١٠- "من جلس إلى قينة فسمع لها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة". حديث منكر.
١١- "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة والمغني والمغنى له". حديث منكر.
١٢- أحاديث الحديث بين الله وأبليس وأن قرآنه الشعر والغناء .. الخ. أحاديث خرافة.
١٣- "إن الله يغفر لكل مذنب إلا صاحب عرطبة أو كوبة". لا أصل له يرويه الجهلة.
١٤- "يكون في هذه الأمة خشف ومسخ وقذف في متخذي القيان وشاربي الخمر ولابسي الحرير". ضعيف جداً، ومثله: "إذا ظهر الترد والمعازف ،شرب الخمور ولبس الحرير"، موضوع.
١٥- "ليستحلن ناس من أمتي الحرير والخمر والمعازف وليأتين على أهل حاضر منهم عظيم بجبل حتى ينبذه عليهم ويمسخ آخرون قردة وخنازير". ضعيف.
١٦- "إذا اتخذ الفىء دولاً، والأمانة مغنماً ... وظهرت القينات والمعازف ..". حديث منكر، ومثله "إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة ..". حديث باطل.
١٧- "استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها كفر". حديث كذب لا أصل له.

وينبغي لمن يروي الأحاديث أن يتحرى الصدق، فلا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وفي الحديث أيضاً "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" (رواه مسلم وابن ماجه وأحمد وآخرون)، ومن عرف أن هذه الأحاديث واهية ومكذوبة وجب عليه الكف عن روايتها ونقلها، ولو كانت في بحثه أو صفحته وجب عليه مسحها، ولو كانت لتعليق له وجب عليه مسحه والاعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللبشرية من فعله.

التنبيه من التساهل في التحريم:/>
نقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: (أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير (لاحظ: "بيناً بلا تفسير"!!!). وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم - وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
قال أهل العلم: هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته. وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).

إن بعض الناس تطاولوا على حق الله سبحانه وتعالى بالتساهل في التحريم؛ فكلمة حرام عندهم أسهل من كلمة "أهلا"، وخذ فكرة بسيطة من خلال تصفحك على النت وفي الفيس بوك لترى أمة مبتلاة بالتعدي على الله سبحانه ومعتادة على الأمر كأنها، والعياذ بالله، تملك الذات الإلهية! فليحذر هؤلاء الناس من التقول على الله، فالسابقون ما كانوا يقولون حلال وحرام، بل كان أشد أقوالهم "أحبه" أو "لا أحبه" أو "أكرهه" أو "لا نرى بذلك"، أما الكفار في الجاهلية والمبتدعة بعدهم فكانوا هم الذين يتكلمون بالحرام والتحريم. وإذا رأيت المرء يكثر من التحريم فاعتزل مجالسه فهذا مشكوك في عقيدته ولا يأمن الإنسان على دينه معه.

أنواع الناس في التحريم:/>
ونلحظ ونحن نناقش هذا الموضوع أن الناس في حدة التحريم - ممن يرون التحريم - كالتالي:

·         أناس رأوا أن هناك رأيين قويين أو أكثر، لكنهم رجحوا الرأي الذي يقول بالتحريم سواء بناء على ما توصلوا له من أدلة أقنعتهم أو تورعاً في ترك الريبة فيما يريبهم. فهؤلاء محترمون، ومثال في الخلاف. هؤلاء نحتسب لهم الصدق والإخلاص والإيمان.

 

·         أناس يشددون في أن من يستمع للغناء والموسيقى، ولا يرى بالتحريم يخالف آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وكثر منهم يتهمون من خالفهم في دينهم ويسمونهم بأسماء وكنى، وهذا ينم عن ضعف الحجة؛ لأن الواثق من حججه يقال له استمر، بارك الله فيك، لا تحارب أحداً، صاحب الحجة لا يحتاج العراك والصراع والصراخ والتتبع والمحاربة والشتام، بل أن هذا مما ضعف حججهم وقلل أتباعهم أكثر فأكثر.

 

·         قوم تطرفوا فرأوا التفسيق والفجور فيمن يسمعون الغناء والموسيقى، وشددوا جداً، حتى جعلوه أشد حرمة من الخمر والزنى، فهؤلاء لا يُلتفت إليهم، وفي الغالب منهجهم منفر أصلاً فلا اعتبار لرأيهم. بل قد تكون المغنية المتفسخة المكسورة بين يدي الله في السر أكرم في السماء من هذا الذي يتهم الناس بالفجور والفسق ويدخلهم النار وفق مزاجه، والعياذ بالله. وكم من حديث شريف ذكر دخول عاهر الجنة وعابد النار بسبب هذا التحجرف والتغطرس والتعالي.

خلاصة نأمل أن نصل إليها:/>
أتمنى بعد سرد هذه المعلومات ونقلها للناس هنا أن يتحقق التالي:

1.      تخفيف حدة التعالي والتغطرس التي يسلكها المتشددون في الدين.

2.      تبيين أن التحريم بغير أدلة واضحة تعدي على حق الله وتطاول على ما لا يملكه الإنسان من حق. وأن الأمة المتدينة ظاهراً مبتلاة بهوس التحريم، وتلحظ عدم صدقهم من خلال الشتم والسب وتفريغ تلك الأمراض النفسية الداخلية على شكل غضب وسباب.

 

3.      معرفة أن هذه المسائل وأشباهها خلافية والإسلام يسع الخلاف فيها، ولا يستدعي كل هذه المغالطات والتشدد، فتخطيئ الناس ممن يرون بالحلة يعني تخطيئ الملايين والإسفاف بأقوال آلآف من علماء الإسلام. ذكر الفنان محمد عبده، وهو يتحدث عن الشيخ محمد بن عثيمين، قائلاً: كان الشيخ رحمه الله يقول: أنا أرى حرمة الغناء، لكن محمد عبده يتبع قولاً لعلماء آخرين من أهل السنة والجماعة يرون إباحته. كانت لقاءات الشيخ العثيمين ومحمد عبده كثيرة، وبينهما ود، ومحبة، وهي تؤكد أن الشيخ الراحل، كان يدرك أن محاولة البعض فصل المجتمع وتقسيمه إلى فئات من المقبولين والمرفوضين لمجرد اختلافات قابلة للاجتهاد، هي أمر سيؤدي إلى العزلة الشعورية، التي قادت إلى الهجرة النفسية من مجتمع إلى مجتمع، وإن كان المجتمعان يعيشان في نفس البلد، ثم إلى شقاق وتباغض وربما عنف وشحناء (جريدة الوطن السعودية http://www.alwatan.com.sa/NEWS/writerdetail.asp?issueno=2713&id=4679&Rname=96)

4.      تبيين أن العلماء مجتهدون وليسوا مشرعين؛ فالبينة على من ادعى، ونحن مع الدليل الواضح، وأن معظم ما يستند إليه المحرمون تفسيرات وزيادات وأقوال لا دلالة لها على التحريم.

5.      تبيين أن كلمة "حرام" أو "تحريم" مع الغناء والمعازف مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية والصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة الأربعة، ولم تقال إلا بعد العصور الزكية الطاهرة التقية، فتشجع عليها المبتدعة والمتعصبة والمتشددون، كما يفعلون اليوم. وكان أشد ما يقولون من لا يستحسنون ذلك "لا أحبه" أو "كرهه" أو "لم يستحسنه" أو "لا يعمله أصحابنا" أو "تورعاً" أو شيئاً من هذا القبيل تجنباً لمجارة الله ورسوله وخشية من التقليل في الله ورسوله من كونهم نسوا ذلك أو تجاهلوه، والعباذ بالله. قال الإمام المالكي "ابن العربي" في "أحكام القرآن 3/9" : " وكل حديث يروى في التحريم، أو آية تتلى فيه، فإنه باطل سنداً، باطل معتقداً، خبراً وتأويلاً "، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد. وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع. ووالله لأن قول "الغناء أو الموسيقى حرام" قولة تستحق التوبة النصوح.



كتبت هذا الكلام في ردي على من أنكر علينا لقاء قناة الوطن مع الأستاذ أحمد الفهد، وتعودت أن يكون ردي في الحياة عملاً وفعلاً لا جدالاً، فإن أصبت فهذا بفضل الله ومنته على، وإن أخطأت فالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلماء الإسلام منه براء، والله أعلم.

صلاح الراشد
الكويت
19 ابريل 2010


فتاوى إباحة الغناء والموسيقى بشروط .
كثير من الناس بدون علم نراه يحكم وينهي ويجيز ويكفر دون علم.
وترى كثير منهم متشدد في موضوع سماع الاغاني.. واحب في هذا الموضوع أن اورد بإختصار رأي بعض العلماء..كوني كنت حاضرا لبعض إجتماعاتهم قبل سنوات في جدة ومكة المكرمة تناقشوا فيما بينهم بإسهاب في جلسات علنية . وأصدروا فتاوي في عدة مجالات من بينها الغناء فيها شيء جديد يختلف عما يتداولة الناس .
واليكم الفتاوي-
اولا ( الغناء اداء واستماعا من الرجل أو المرأه , اذا خلا عما يعرض له أو يترتب عليه من مفاسد مباح في ذاته , سواء صاحبه عزف علي ألات الموسيقي أم لم يصاحبه, لافرق في ذلك بين نوع أو اخر من تلك الآلات).
ثانيا (هناك امور تخرج الأغاني والعزف عن الإباحه إلي احكام اخري , فيكون الغناء مستحبا في المناسبات التي وردت فيها السنه كالزواج والاعياد وقدوم الغائب وما يقاس عليها في الطلب غير الجازم لمايترتب عليها من مصالح تحقق مقاصد الشارع , وللوسائل حكم المقاصد. ويكون مكروها اذا ادي الي مفاسد علم كونها مفاسد بنهي غير جازم, ويكون حراما إذا ادي إلي مفاسد علم كونها مفاسد بنهي جازم).
ثالثا(العزف علي آلات الموسيقي , بكل انواعها في ذاته ودون النظر إلي ما قد يصاحبه او يترتب عليع مباح. سواء صاحب العزف الاغاني او مان منفردا مالم تكن الأغاني حراما).
والضوابط الشرعية لإباحة الغناءمع الموسيقي او بدونها مايلي:-
1_ ألا يمس مضمونه العقيده ولاينافي مقررات الشريعه ,وألايخل بالقيم والاخلاق.
2_ ألا يستغرق الغناء او استماعه وقت الشخص ويطغي علي اهتمامه , بحيث يشغله عن واجباته الدينيه اوالدنيويه.
3_ خلو الاداء عما يثير الغرائز والرغبات المحرمه, حتي لايكون خضوعا بالقول ويطمع الذي في قلبه مرض.
4_ خلو مجالس الغناء من المحرمات والمفاسد كشرب الخمر واختلاط الرجال بالنساء ومراقصة الرجال النساء وما حول ذلك.
الاصول والقواعد التي استند اليها الشيوخ في الفتاوي ثمان اصول.
1- الاصل في الاشياء والافعال الحلوالاباحه.
-2 قاعدة سدالذرائع-
-3 رفع الحرج.
-4 تقديم القطع علي الظن.
-5 الحل اصل والحرمة إستثناء , والإستثناء لايتوسع فيه ولا يقاس عليه.
-6 المحرم لذاته والمحرم لغيره.
-7 المباح بالجزءحرام بالكل.
-8 إعطاء الوسائل حكم المقاصد.
أما العلماء الذين افتوا بهذا فهم مزيج من علماء افاضل من العالم العربي
منهم العالم الجليل حفظه الله عبدالله المنيع من السعوديه
والشيخ يوسف القرضاوي من مصر
والشيخ عبد الستار ابو غده من سوريا
والشيخ احمدالكبيسي من العراق
والشيخ عبد العزيز المشعل من السعوديه
والشيخ جاسم المطوع من الكويت
والشيخ محمد مختارالسلامي من تونس
والشيخ الدكتورعصام احمد البشير من السودان
والشيخ الدكتور محمد عماره من مصر
حفظهم الله جميعا
وكما أوضحت فقد افتوا للغناء الذي لايخدش الحياء ولا ميوعة فيه ولا تسمع فيه كلمات نابيه والفتاوي مطبوعه في كتاب إسمه "الاصل الفقهي لقضاياالاعلام"
تحرير الدكتور أحمد محي الدين أحمد
مراجعة الشيخ الدكتورعبد الستارأبوغده.
- الشيخ كلباني
وغيرهم كثير
--------------------------------------------------------------------------------------
ونستكمل وكما هو معروف فإن الأصل في الأشياءالإباحة لقوله تعالى : ( هوَ الَذِي خَلَقَ لَكم مَا فِي الُأَرُضِ جَمِيعَاَ) . (البقرة 29) ،
ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسوله صلي الله عليه و سلم ) ،
أو إجماع ثابت متيقن ، فإذا لم يرد نص ولا إجماع . أو ورد نص صريح غير صحيح ،
أو صحيح غير صحيح ، بتحريم شيء من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حله ، و بقي في دائرة العفو الواسعة ، قال تعالى : ( وَقَدُ فَصَلَ لَكم مَا حَرَمَ عَلَيُكمُ إِلَا مَا اضُطرِرُتمُ إِلَيُهِ ) .الأنعام 119
وقال رسول الله صلي الله عليه و سلم ) ( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، و ما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً )،
و تلا عليه الصلاة والسلام : - ( وَ مَا كَانَ رَبكَ نَسِيَاَ (سورة مريم 64) (رواه الحاكم عن أبي الدر داء و صححه ، أخرجه البزّار) . .
و قال عليه السلام : ( إن الله فرض فرائض فلاتضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، و سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثواعنها .)
(أخرجه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني ، و حسنه الحافظ أبو بكر ا لسمعا ني في أماليه ، والنووي في الأربعين) . فإذ كانت هذه هي القاعدة . فما هي النصوص و الأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء ، و ما موقف المجيزين منها ؟
https://hahtek.blogspot.com/2016/04/blog-post_94.html



* سماحة الشيخ عادل الكلباني يجيز الغناء والعرضة والسامري والخبيتي والموسيقى والآلآت
http://tube.m3com.com.sa/video/view/video_id/72635

* الشيخ عبدالمحسن العبيكان يحضر رقصة العرضة ويقوم بها بنفسه وبحضور مفتي المملكة العربية السعودية وإقراره
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203757971392&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout