الاثنين، 26 أغسطس 2024

هذه أشياء أحدثها الصحابة فى حياة النبى ﷺ . هل الصحابة مبتدعة؟؟؟

 هل الصحابة مبتدعة؟؟؟



هذه أشياء أحدثها الصحابة فى حياة النبى ﷺ .
والنبى ﷺ لم ينكر عليهم بل أقر أفعالهم لحسنها
- وهذا دليل بأن البدع الحسنة من السنن الحسنة..
-من البدع التى ابتدعها الصحابه فى حياة النبى والنبى أقرها.
1_ورد عن ابي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لبِلالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ : ( يا بلَالُ ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ ) .
قالَ : ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا ، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ . صحيح البخاري
لقد عمل بلال رضي الله عنه عملا دون اقتداء او استشارة للنبي محمد ﷺ ويؤكد هذا أن رسول الله ﷺ لم يكن يعلم ما هو العمل الذي كان يعمله بلال بعدما سمع دف نعليه في الجنة .
لم يقل له رسول الله ﷺ انت مبتدع فأنا لم أعمل هذا من قبل ، ولم يقل له انت ضال قد عبدت الله بما لم يأمر ، ولم يقل له لقد أحدثت في أمرنا ما ليس فيه ، بل أقره على صنيعه فأصبح صنيعه سنة تقريرية .
٢- وما روى البخارى:من إحداث (سيدنا خبيب) ركعتين حين قدمته قريش للقتل صبرا ، فأقرها النبى ، وكانت بعده سنة.
أخرجه البخارى ، (٣/١١٠٨) برقم (٢٨٨٠)
٣- ماروى البخارى:أن صحابيا قال:"ربنا ولك الحمد"
عقب قول النبىﷺ :"سمع الله لمن حمده"فبشره النبى.
أخرجه البخارى(١/٢٧٥)رقم(٧٦٦) ومسلم(١/٤١٩) رقم(٦٠٠)
٤- ماروى عن ابن عمر : أن صحابيا جاء والناس فى الصلاة فقال حين وصل إلى الصف : الله أكبر كبيرا،والحمدلله كثيرا،وسبحان الله بكرة وأصيلا،فبشره النبى ﷺ
، بأن أبواب السماء فتحت لهن.
أخرجه مسلم(١/٤٢٠)رقم(٦٠١)
٥- وما رواه مسلم عن جماعة جلسوا يذكرون الله ويحمدونه على ما هداهم للإسلام ، ومن برسول الله عليهم،
فقالﷺ :"أخبرنى جبريل أن الله يباهى بكم الملائكة.
رواه مسلم(٤/٢٠٧٥)رقم(٢٧٠١)
٦- صلاة عمرو بن العاص: بالناس وهو جنب بالتيمم مع وجود الماء خشية على نفسه من الهلكة.
والحديث أن النبى ﷺ قال لعمرِو بنِ العاصٍ وقد تيمَّم عن الجنابةِ من شدَّةِ البرْدِ، يا عمرُو، صلَّيْتَ بأصحابِك وأنت جُنبٌ؟ فقال عمرٌو: إنِّي سمِعت اللهَ يقولَ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآيةَ، فضحِك النَّبيُّ ﷺ ولم يُنكِرْ عليه
ابن حجر العسقلاني (٨٥٢ هـ)، التلخيص الحبير ١/٢٣٥
٧- حديث الرجلين اللذَين صليا بالتيممِ، فلما وجدا الماءَ أعاد أحدُهما، ولم يعدِ الآخرُ، فذكرا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال للذي لم يُعدْ: أصبتَ السنةَ، وقال للآخرِ: لك الأجرُ مرتين
الشوكاني (١٢٥٥ هـ)، الفتح الرباني ٥/٢٦١٧
ولا أريد أحدا يخرج ويقول هذه سنن تقريرية
أقول له الإقرار هنا من النبي صلى الله عليه وسلم،
في أمرين :
أحدهما : أنه اقرهم على أصل ابتداعهم ،
والثاني : أقرهم على مافعلوه من المحدثة لما كان موافقا للشرع ، ولو كان الإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم،
لنفس الفعل الذي فعلوه،لنهاهم من أصل الابتداع
ولقال لهم : لماذا تفعلون ما لم أمركم به ؟،
ولو كان الصحابة رضي الله عنهم فهمو من النبي صلى الله عليه وسلم، التحريم مالايؤمرون به مافعلوه من أصله
وكذلك ماكانو يحدثون شيئا جديدا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم،
كسيدنا عمر رضي الله عنه، حيث قال،،نعم البدعة هذه
وكذلك سيدنا عثمان رضي الله عنه، زاد الأذان الأول في صلاة الجمعة وغير ذلك من إحداث الصحابة والتابعين
-والأمثلة كثيرة جدا على أفعال ابتدعها الصحابه من السنن الحسنة والنبى لم ينكر عليهم.
والشاهد:
١-أن الأفعال المشروعه لا ترد ، والعبادات التى لم يقيدها الشارع بقيد ليس على المرء حرج فى توقيتها بزمان ومكان ،
٢- إقرار النبى لأدعية فى الصلاة محدثة ، وتخصيص سور لم يكن يخصها على الدوام لصلاته وتهجده ، وزيادة أذكار مأثورة ، يعلمنا أنه ليس من البدعة إحداث أدعية لا تخالف الأدعية الواردة.
٣- يؤخذ من اقرار النبى مما سبق ، مشروعية الإجتماع على الخير والذكر والتلاوة فى المسجد وغيره سرا وجهرا بدون تشويش.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : أأنتم أعلم أم رسول الله ﷺ

ما هو معنى البدعـة، وكيف تعامل علماء الأمة مع البدعة، وما هو الفهم الصحيح لقضية البدعة ؟

 




لمعرفة معنى البدعة ومفهومها الصحيح، لابد أن نتعرف على معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعنى اللغوي.

البدعة في اللغة :

هي الحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّين بعد الإِكمال. ابن السكيت:  البِدْعةُ كلُّ مُحْدَثةٍ. وأَكثر ما يستعمل المُبْتَدِعُ عُرْفاً في الذمِّ. وقال أَبو عَدْنان: المبتَدِع الذي يأْتي أَمْرًا على شبه لم يكن ابتدأَه إِياه. وفلان بِدْعٌ في هذا الأَمر أَي أَوّل لم يَسْبِقْه أَحد. ويقال: ما هو منّي ببِدْعٍ و بَديعٍ... وأَبْدَعَ وابْتَدعَ وتَبَدَّع : أَتَى بِبدْعةٍ، قال الله تعالى: ورَهْبانِـيَّةً ابْتَدَعوها ... وبَدَّعه: نسَبه إِلى  البِدْعةِ. واسْتَبْدَعَه: عدَّه بَديعًا. والبَدِيعُ: المُحْدَثُ العَجيب. والبَدِيعُ: و المُبْدِعُ. و أَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْتُه لا على مِثال([1]).


البدعة في الشرع :

هناك مسلكان للعلماء في تعريف البدعة في الشرع؛ المسلك الأول : وهو مسلك العز ابن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي صلي الله عليه وسلم بدعة وقسمها إلى أحكام حيث قال : «فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى : بدعة واجبة, وبدعة محرمة, وبدعة مندوبة, وبدعة مكروهة, وبدعة مباحة, والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة : فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة, وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة, وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة, وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة, وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة»([2]).


وأكد النووي على هذا المعنى؛ حيث قال : «وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها : ما يكون حسنا، ومنها : ما يكون بخلاف ذلك»([3]).


والمسلك الثاني : جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة، والمندوبة، والمباحة، والمكروهة بدعًا كما فعل العز؛ وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده على المحرمة، وممن ذهب إلى ذلك ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -  ويوضح هذا المعنى فيقول « والمراد بالبدعة : ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة »([4]).


وفي الحقيقة فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها هي التي ليس لها أصل في الشريعة يدل عليها وهي المرادة من قوله صلي الله عليه وسلم : «كل بدعة ضلالة»([5]).


وكان على هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعين، فهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه فقد روى البيهقي عنه أنه قال : « المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابًا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا فهذه بدعة الضلالة، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة»([6]).


وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه : « ليس كل ما أبدع منهيا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع »([7]).


وقد نقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ عن سلطان العلماء الإمام عز الدين ابن عبد السلام ـ حيث قال النووي : « قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام - رحمه الله ورضي عنه - في آخر كتاب القواعد: «البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ... إلخ»([8]) وقال كذلك في مكان آخر  في حديثه عن المصافحة عقب الصلاة - وسوف نفرد لها فتوى رقم 66 -: واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء, وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه, ولكن لا بأس به, فإن أصل المصافحة سنة, وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها»([9]).


وقال ابن الأثير « البدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به رسوله صلي الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح .. ثم قال : « والبدعة الحسنة في الحقيقة سنة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث : " كل محدثة بدعة " على ما خالف أصول الشريعة، ولم يخالف السنة»([10]).


وكذلك لابن منظور كلام طيب في البدعة في الاصطلاح حيث قال - رحمه الله -   «البِدْعةُ بدْعتان: بدعةُ هُدى، و بِدعة ضَلال، فما كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، فهو فـي حَيِزّ الذّمِّ والإِنكار، وما كان واقعًا تـحت عُموم ما ندَب الله إِلـيه وحَضّ علـيه أَو رسولُه فهو فـي حيِّز الـمدح، وما لـم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الـجُود والسّخاء وفِعْل الـمعروف فهو من الأَفعال الـمـحمودة.


ولا يجوز أَن يكون ذلك فـي خلاف ما ورد الشرع به؛ لأَن النبـي صلي الله عليه وسلم قد جعل له فـي ذلك ثوابًا فقال: مَن سنّ سُنّة حسَنة كان له أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بها، وقال فـي ضدّه: مَن سَنَّ سُنّة سيئة كان علـيه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها، وذلك إِذا كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، قال : ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه : نعمتِ  البِدْعةُ هذه، لـمّا كانت من أَفعال الـخير وداخـلة فـي حيّز الـمدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأَنَّ النبـي صلي الله عليه وسلم ، لـم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلاَّها لَـيالِـيَ ثم تركها ولـم يحافظ علـيها ولا جمع الناس لها، ولا كانت فـي زمن أَبـي بكر؛ وإِنما عمر رضي الله عنه جمع الناسَ علـيها وندَبهم إِلـيها فبهذا سماها بدعة، وهي علـى الـحقـيقة سنَّة لقوله: علـيكم بسنّتـي وسنة الـخُـلفاء الراشدين من بعدي، وقوله: اقْتَدُوا باللذين من بعدي: أَبـي بكر وعمر، وعلـى هذا التأْويل يُحمل الـحديث الآخَر: كلُّ مُـحْدَثةٍ بدعة، إِنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة ولـم يوافق السنة»([11]).


كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة :


وتعامل جمهور الأمة من العلماء المتبوعين مع البدعة على أنها أقسام كما ظهر ذلك في كلام الإمام الشافعي، ومن أتباعه العز بن عبد السلام، والنووي، وأبو شامة. ومن المالكية : القرافي، والزرقاني. ومن الحنفية : ابن عابدين. ومن الحنابلة : ابن الجوزي. ومن الظاهرية : ابن حزم. ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو : أنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى بدعة واجبة ، وبدعة محرمة ، وبدعة مندوبة ، وبدعة مكروهة ، وبدعة مباحة([12]).


وضربوا لذلك أمثلة : فالبدعة الواجبة : كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والبدعة المحرمة من أمثلتها : مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج. والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد. والبدعة المكروهة : مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف. والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس. واستدلوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلة منها :


(أ) قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان نعمت البدعة هذه. فقد روي عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله. ([13])


(ب) تسمية ابن عمر صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة، وهي من الأمور الحسنة. روي عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم، فقال : بدعة» ([14]).


(ج) الأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة والسيئة، ومنها ما روي مرفوعا : «من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » ([15]).


ومما سبق يتضح أن هناك رؤيتين رؤية إجمالية: وهي التي ذهب إليها ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه وغيره، وهو أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلا لا تسمى بدعة شرعًا، وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمى بدعة مذمومة شرعًا، والرؤية التفصيلية وهي ما ذكره العز بن عبد السلام رضي الله عنه وأوردناه تفصيلاً.


ما ذُكر ينبغي للمسلم أن يحيط به في قضية باتت من أهم القضايا التي تؤثر في الفكر الإسلامي، وكيفية تناوله للمسائل الفقهية، وكذلك نظره لإخوانه من المسلمين، حيث يقع الجاهل في الحكم على الآخرين بأنهم مبتدعين وفساق والعياذ بالله بسبب جهله بهذه المبادئ التي كانت واضحة، وأصبحت في هذه الأيام في غاية الغموض والاستغراب، نسأل الله السلامة، والله تعالى أعلى وأعلم


([1]) لسان العرب، ج8، ص 6، مادة (بدع).


([2]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص 204.


([3]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 394.


([4]) جامع العلوم والحكم، صـ 223.


([5]) أخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 310، ومسلم في صحيحه، ج2 ص 592.


([6]) رواه البيهقي بإسناده في كتاب " مناقب الشافعي " ، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية (9/113).


([7]) الإحياء لأبي حامد، الجزء الثاني، صـ 248.


([8]) تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول، صفحة 22، طـ الميرية.


([9]) النووي في الأذكار.


([10]) النهاية لابن الأثير ، الجزء الأول، صفحة 80، طـ المطبعة الخيرية بمصر.


([11]) لسان العرب، الجزء الثامن، صفحة 6.


([12]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص 205.


([13]) أخرجه البخاري في صحيحه ج2 ص 707.


([14]) أخرجه البخاري في صحيحه ج2 ص 630، ومسلم في صحيحه ج2 ص 917.


([15]) أخرجه ومسلم في صحيحه ج2 ص 705.

أقوال العلماء في الأحتفال بالمناسبات الإسلامية وبالمولد النبوي ؟

 أقوال العلماء في الأحتفال بالمناسبات الإسلامية وبالمولد النبوي:





بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمناسبات الإسلامية كالمولد النبوي وهذا الكلام ينطبق على ما نحن بصدده من أمر الاحتفال بالهجرة النبوية المشرفة.

1- رأي فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:


يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هناك من المسلمين من يعتبرون أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية، أو بالهجرة النبوية، أو بالإسراء والمعراج، أو بمولد الرسول ﷺ، أو بغزوة بدر الكبرى ، أو بفتح مكة ، أو بأي حدث من أحداث سيرة محمد ﷺ، أو أي حديث عن هذه الموضوعات يعتبرونه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين، ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله ﷺ، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!


إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة ، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب ، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا ، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) ، يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة ، يذكرهم الله بهذا ، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء ، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها ، وفي آية أخرى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيدهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله ﷺ ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع ، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .


2- رأي الأزهر:


جاء في فتوى مطولة لفضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق ـ رحمه الله ـ  نشرت في كتاب بيان للناس


إننا لا نرى بأسًا في الاحتفال بأية مُناسَبَة دينية أو دنيوية، على شرط ألا يكون أسلوب الاحتفال خارجًا عن حدود الشرع، وأن يكون الهدف صحيحًا، وهناك نقطتان يُثِيرهما مَن يمنعون هذه الاحتفالات التي لم يُنَصَّ عليها، وهما:


1ـ أنها بِدْعة لم تكن على أيام الرسول وصحابته، وأبسط ردٍّ على ذلك أنه ليس كل جديد بدعةً مذمومة، وقد سبق توضيح ذلك؛ فقد قال عمر عندما رأى اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح: “نعمت البدعةُ هذه” ولم ينكر عليه أحد.


2ـ إن هذه الاحتفالات يُطلَق عليها أعياد، وليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وأبسط ردٍّ على ذلك أن اسم العيد لم يُنَصَّ على مَنْع إطلاقه على غيرهما بالأسلوب الذي تحدث فيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عنهما؛ فقد أطلقه هو على يوم الجمعة كما سبق ذِكْره، كما يُرَدُّ على ذلك بأن العبرة ليست بالأسماء، بل بالمضمون والمُسَمَّيَات، فهل لو سُمِّيَت الخمر باسم آخر يُحَلُّ شُرْبُها؟ إن التحايُل بالشكليات بابُه واسع، على أن إطلاق اسم العيد على الاحتفال بأية مناسبة قد يكون من باب التشبيه بالأعياد الدينية، في إشاعة الفرح والسرور بها، وللحقيقة والمجاز دَوْر كبير في البلاغة العربية؛ فقد نُسِبَت إلى الله في القرآن الكريم: “اليد والعين والوجه” ولم يُرَدْ بذلك حقيقتها على الوجه الذي نراه في عالَم الحوادث، فهو ـ سبحانه ـ ليس كمثله شيء.


وبعد، فلعل في الاحتفال بهذه المُناسبات واستخلاص العِبَر منها ربطًا لقلوب المسلمين بالدين وتاريخه وأمجاده، حتى لا تُنْسَى في غمرة الاحتفالات الدنيوية الأخرى، التي تُحْشَد لها الاستعدادات وتُنْفَق الأموال وتَعْلُو الشعارات، وليس في الاحتفالات الدينية تشريع جديد من صلاة وصيام ونحوهما مما شُرِع في عيدَي الفطر والأضحى، وعلى هذا فليس هناك إحداث في الدين ما ليس منه حتى يُرَدَّ، والمهم أن يَتِمَّ كل ذلك في إطار الحدود المشروعة، وعدم التعصُّب للشكليات؛ فالعبرة بالجوهر، وعلى الله قصد السبيل، والأعمال بالنيات.


ذكر النعمة مطلوب إذن ، نتذكر نعم الله في هذا، ونذكر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس ، أيعاب هذا ؟ أيكون هذا بدعة وضلالة.






3ـ رأي ابن الحاج ـ رحمه الله ـ في الاحتفال:

من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين.


فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ـ ﷺ ـ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ ﷺ ـ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.


فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” ولقوله عليه الصلاة والسلام: “آدم ومن دونه تحت لوائي”.

وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.

فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ـ ﷺ ـ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ـ ﷺ ـ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.

ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: “كان النبي ـ ﷺ ـ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان” فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.



4 ـ رأي ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الاحتفال:

معروفة شدة ابن تيمية وتشدده، ومع ذلك كان كلامه لينا في قضية المولد ومن كلامه في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم“: (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.


واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين..

فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ـ ﷺ ـ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.


 5ـ رأي السيوطي ـ رحمه الله ـ في الاحتفال:

وللسيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوى ” رسالة مطولة أسماها: “حسن المقصد في عمل المولد” وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ـ ﷺ ـ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ـ ﷺ ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.


وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان:


أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة، أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة.


والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.


وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.


وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:


 أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ـ ﷺ ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.


وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وكما كان حراما أو مكروها فيمنعه وكذا ما كان خلفا الأولى. انتهى.


قال السيوطي تعليقا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ـ ﷺ ـ عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ـ ﷺ ـ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلى على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى عرف التعريف بالمولد الشريف ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته فقيل له ما حالك؟. قال في النار إلا أنه يخفف عني كلي ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي ـ ﷺ ـ وبإرضاعها له، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي ـ ﷺ ـ به ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ـ ﷺ ـ يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ـ ﷺ ـ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.


والخلاصة أن هذه الاحتفالات كلها جائزة ما دام القصد من ورائها هو التأسي وتذكير المسلمين بقضايهم ولم يصاحبها محرم . 

بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي

 بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي


رأي ابن الحاج رحمه الله في الاحتفال

من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربًا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعًا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين. فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرًا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ﷺ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ﷺ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: ﴿‌بِالْمُؤْمِنِينَ ‌رَءُوفٌ ‌رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].


لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه)[1] فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” ولقوله عليه الصلاة والسلام: “آدم ومن دونه تحت لوائي”[2]. وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.


فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ﷺ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ﷺ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.


ألا ترى إلى ما رواه البخاري رحمه الله تعالى: “كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان[3] فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.


رأي ابن تيمية رحمه الله في الاحتفال

اختار ابن تيمية مذهب التفصيل في قضية المولد ومن كلامه في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم“، فقال:


وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرًا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين.


فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ﷺ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.


رأي السيوطي رحمه الله في الاحتفال

وللسيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوى” رسالة مطولة أسماها: “حسن المقصد في عمل المولد” وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ﷺ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ﷺ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.


وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان:


أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة، أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة.


الثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.


والمولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.


رأي ابن حجر في الاحتفال

وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:


أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال:


وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.


والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.


وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنعه وكذا ما كان خلفًا الأولى. انتهى.


قال السيوطي تعليقًا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[4]، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات.

شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر العسقلاني عن عمل المولد فأجاب بما نصه :

 رأي ابن حجر في الاحتفال


وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:



أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال:


وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.


والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.


وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنعه وكذا ما كان خلفًا الأولى. انتهى.


قال السيوطي تعليقًا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[4]، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات. 

ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة؟

 ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة؟







يعود تاريخ بداية الاحتفال بالمولد النبوي إلى عصر الدولة العبيدية الفاطمية في مصر سنة (361هـ)، وهذا العصر متأخر جدا عن عصور علماء المذاهب الأربعة، وهذا دليل على أن الاحتفال به بدعة لأنه أمر لم يأت به دليل، ولم يفعل في عهد الخلفاء الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولا قال به أحد من أئمة المذاهب الأربعة رحمهم الله تعالى.


قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي، المشهور بالفاكهاني، رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين. . . بل هو بدعة أحدثها البطالون.


وقال الحافظ السخاوي الشافعي، رحمه الله تعالى: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد.


وقال الشيخ نصير الدين المبارك، الشهير بابن الطباح، رحمه الله تعالى: ليس هذا من السنن. وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي، رحمه الله تعالى: هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له ﷺ إعظامًا ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم، ولا ذرة منه. 

ما الحكمة من الاحتفال بالمولد النبوي ؟!

 الحكمة من الاحتفال بالمولد النبوي



يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعا ًللمسلمين، ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول ﷺ ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟


لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول ﷺ، كان الرسول ﷺ حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله ﷺ كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي ﷺ، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء.


ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.


وفي الهجرة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي ﷺ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب 21 ] لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي ﷺ، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: “يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”.


نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي ﷺ ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال ؛ ولا نقر أحدًا عليها .


بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي

رأي ابن الحاج رحمه الله في الاحتفال

من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربًا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعًا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين. فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرًا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ﷺ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ﷺ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: ﴿‌بِالْمُؤْمِنِينَ ‌رَءُوفٌ ‌رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].


لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه)[1] فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” ولقوله عليه الصلاة والسلام: “آدم ومن دونه تحت لوائي”[2]. وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.


فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ﷺ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ﷺ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.


ألا ترى إلى ما رواه البخاري رحمه الله تعالى: “كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان[3] فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.


رأي ابن تيمية رحمه الله في الاحتفال

اختار ابن تيمية مذهب التفصيل في قضية المولد ومن كلامه في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم“، فقال:


وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرًا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين.


فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ﷺ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.


رأي السيوطي رحمه الله في الاحتفال

وللسيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوى” رسالة مطولة أسماها: “حسن المقصد في عمل المولد” وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ﷺ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ﷺ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.


وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان:


أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة، أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة.


الثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.


والمولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.


رأي ابن حجر في الاحتفال

وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:


أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال:


وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.


والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.


وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنعه وكذا ما كان خلفًا الأولى. انتهى.


قال السيوطي تعليقًا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[4]، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات.


ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة؟

يعود تاريخ بداية الاحتفال بالمولد النبوي إلى عصر الدولة العبيدية الفاطمية في مصر سنة (361هـ)، وهذا العصر متأخر جدا عن عصور علماء المذاهب الأربعة، وهذا دليل على أن الاحتفال به بدعة لأنه أمر لم يأت به دليل، ولم يفعل في عهد الخلفاء الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولا قال به أحد من أئمة المذاهب الأربعة رحمهم الله تعالى.


قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي، المشهور بالفاكهاني، رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين. . . بل هو بدعة أحدثها البطالون.


وقال الحافظ السخاوي الشافعي، رحمه الله تعالى: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد.


وقال الشيخ نصير الدين المبارك، الشهير بابن الطباح، رحمه الله تعالى: ليس هذا من السنن. وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي، رحمه الله تعالى: هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له ﷺ إعظامًا ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم، ولا ذرة منه.

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين: https://fiqh.islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A-%D8%AD%D9%83%D9%85%D9%87-%D9%88%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%AA%D9%87/

كيف نحتفل بالمولد النبوي ؟!

 كيف نحتفل بالمولد النبوي



مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي: كيفية الاحتفال بالمولد النبوي:  بدع يجب تركها لمن يحتفل بالمولد النبوي:

مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي:

الله تعالى كرم يوم الموت ويوم الولادة فقال سبحانه:” وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا”مريم وقال تعالى :” وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ” مريم 33

سئل ـ ﷺ ـ عن صوم الاثنين فقال: “فيه وُلِدْتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ. رواه مسلم ، فجعل ولادته في يوم الاثنين سببًا في صومه .

اهتمامه –ﷺ- بيوم عاشوراء وصومه فيه، يقول ابن حجر معلقا على حديث صوم عاشوراء “فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة” وليست هناك نعمة على المسلمين أفضل النبي-ﷺ.

فهذه النصوص تدل على مشروعية الاحتفال.

كيفية الاحتفال بالمولد النبوي:

الاحتفال وإن كان مشروعا فله كيفيات وضوابط : أولا: الاحتفال لا يكون إلا بأمر مشروع فقد احتفل النبي-ﷺ- بالصيام.

ثانيا: الإقبال على سنته وتطبيقها وتنفيذها تنفيذا عمليا .

ثالثا: مدارسة سيرته، وتعويد الأطفال عليها تعويدا عمليا.

رابعا: فعل القربات كالصدقات وغيرها، وهو أصل عام، ولكن استغلال المواسم للتذكير به وفعله أمر لا بأس به.

خامسا: التوسعة على الآخرين، وكذلك من يعول الفرد.

بدع يجب تركها لمن يحتفل بالمولد النبوي:

من البدع التي يجب تركها : 1-   عمل الموالد لما يحدث فيها من اختلاط مذموم، نهى الشرع عنه، ولما في ذلك من محدثات منكرة يجب على المسلم أن يبتعد عنها.

2-   الغناء الفاحش والتراقص مما يدل على خواء الفكر والعقل والقلب ويدل في الوقت نفسه على.

3-   نصب خشبة وتقبيلها، وهو مما يفعله كثير من الناس، وهي عادة سيئة منكرة، لا ينبغي أن تكون بين المسلمين.

ويلخص الأمر كله فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف من علماء مصر بقوله:

“وما يقوم به الناس من احتفال إذا كان بقصد التذكير وإعطاء العظات والعبر والدعوة إلى التزام منهجه، فيرى البعض أنه لا بأس بذلك بهذا القصد، وإن كان المفترض أن يكون دومًا.

أما ما يحدث في الموالد من رقص واختلاط بين الرجال والنساء، ولعب القمار، وغير ذلك فهذا كله حرام سواء أكان في مناسبة أو بدون مناسبة.


أما واجبنا تجاه النبي ﷺ فهو كثير، نختصره في الآتي:

1 – محبته. 2 – طاعته. 3 – التأسي به. 4 – الاحتكام إلى شريعته. 5 – الدعوة إلى الدين الذي جاء به. 6 – نصرة دينه وشريعته والعمل على تطبيقها. 7 – الإكثار من الصلاة عليه كلما ذكر وفي يوم الجمعة خاصة، وفي غير ذلك من المواطن المبينة في مواضعها. 8 – حب آل بيته ـ ﷺ. وهذا اختصار لما ورد في الكتب المختصة”.أ.هـ 

من هو أول من احتفل بمولد النبي ﷺ:

 

الاحتفال بالمولد النبوي جائز إن لم يشتمل الاحتفال على شيء محرم،وذلك تعظيمًا لرسول الله ﷺ ،وقد احتفل النبي ﷺ بيوم عاشوراء لما علم أن اليهود تصومه شكرًا لله تعالى ،لنجاة موسى فيه، فقال:(نحن أحق بموسى منهم)،ولأنه ﷺ كان يصوم يوم الاثنين لأنه ولد فيه ،ولكن لابد أن يراعى في الاحتفال ألا تكون فيه مخالفة شرعية ،وكان أول من احتفل به الملك المُظَفَّر أبو سعيد كُوكبَري بن زين الدين عليّ ابن بُكْتُكِين. 




من هو أول من احتفل بمولد النبي ﷺ:

يقول الشيخ عبد الله صديق الغماري من علماء الأزهر : للحافظ جلال الدين السيوطيّ كلام قيم في هذا الموضوع نلخصه فيما يأتي، قال رحمه الله: إن أصلَ عمل المَوْلِد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تَيَسَّر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبيّ ـ ﷺ ـ وما وقع في مَوْلِده من الآيات، ثم يُمَدّ لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك ـ هو البِدَع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها لِما فيه من تعظيم النبيّ ـ ﷺ ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمَوْلِده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب “إربل” الملك المُظَفَّر أبو سعيد كُوكبَري بن زين الدين عليّ ابن بُكْتُكِين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عَمَّر الجامع المظفَّريّ بسفح قاسيون. 






قال ابن كثير في تاريخه: كان يعمل المَوْلِد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وقد صَنَّف له الشيخ أبو الخطاب بن دِحية مجلدًا في المَوْلِد النبويّ سمَّاه “التنوير في مَوْلِد البشير النذير” فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلْك إلى أن مات وهو مُحاصِر للفرنج بمدينة عكا سنة 630هـ محمودَ السيرة والسريرة.. إلى أن قال: وحَكَتْ زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أختُ الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم، قالت: فعاتبتُه في ذلك فقال: لُبس ثوب بخمسة والتصدقُ بالباقي خير من أن ألبس ثوبًا مثمَّنًا وأدَعَ الفقير والمسكين. 


وقال ابن خَلِّكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دِحية: كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قَدِمَ من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة 604هـ فوجد ملكَها المُعَظَّم مظفَّر الدين بن زين الدين يَعتني بالمَوْلِد، فعمل له كتاب “التنوير في مَوْلِد البشير النذير” وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار. 


الاحتفال بمولد النبي ﷺ:

تكلم أبو عبد الله بن الحاج في كتابه “المدخل على عمل المَوْلِد” فأتقن الكلام فيه جدًّا، وحاصلُه مدحُ ما كان فيه من إظهار شعارٍ هو شكرٌ، وذم ما احتوى عليه من مُحَرَّمات ومُنْكَرات، فمن ذلك قوله: وإن كان النبيّ ـ ﷺ ـ لم يَزِدْ فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ ﷺ ـ لأمته ورفقه بهم؛ لأنه ـ ﷺ ـ كان يترك العمل خشيةَ أن يُفْرَض على أمته رحمة منه بهم، لكن أشار ﷺ إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين: “ذاك يومٌ وُلِدْتُ فيه” فتشريف هذا اليوم مُتَضَمِّن لتشريف هذا الشهر الذي وُلِد فيه، فينبغي أن نحترمَه غايةَ الاحترام ونُفَضِّلَه بما فَضَّل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله ﷺ: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونَه تحت لوائي”. وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خَصَّها الله به من العبادات التي تُفْعَل فيها لِما قد عُلِمَ أن الأمكنة والأزمنة لا تَشْرُف لذاتها وإنما يَحْصُل لها التشريف بما خُصَّتْ به من المعاني، فانظر إلى ما خَصَّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم لأنه ﷺ وُلِدَ فيه.


فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يُكَرَّم ويُعَظَّم ويُحْتَرم الاحترام اللائق به اتباعًا له ـ ﷺ ـ في كونه كان يَخُصُّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البِر فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى قول ابن عباس: كان رسول الله ـ ﷺ ـ أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضان. فلنمتثلْ تعظيمَ الأوقاتِ الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا. 


فإن قال قائل: قد التزم النبيّ ـ ﷺ ـ في الأوقات الفاضلة ما التزمه مما قد عُلِم، ولم يَلْتَزِم في هذا الشهر ما التزمه في غيره. 


فالجواب أن ذلك لِما عُلِم من عاداته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه. ألا ترى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حَرَّم المدينة مثلما حَرَّم إبراهيمُ مكة، ومع ذلك لم يَشْرَع في قتل صيده ولا شجره الجزاءَ تخفيفًا على أمته ورحمة بهم، فكان ينظر إلى ما هو من جهته، وإن كان فاضلاً في نفسه، فيتركه تخفيفًا عنهم. فعلى هذا تعظيمُ هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القُرُبات، فمن عجز عن ذلك فأقل أحواله أن يجتنب ما يَحْرُم عليه، ويَسْكُن له تعظيمًا لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوبًا في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احترامًا، كما يتأكد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرام اهـ. 


وقد سُئِلَ شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عن عمل المَوْلِد فأجاب بما نصه: أصل عمل المَوْلِد بدعة لم تُنْقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابع التابعين ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسنَ وضدِّها، فمن تَحَرَّى في عملها المحاسن وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنة وإلا فلا. 


قال الحافظ السيوطيّ: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ ﷺ ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نِقْمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سَنَة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأية نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبيّ الرحمة في ذلك اليوم. 

ليس كل بدعة ظلالة كما يفهم البعض من ظاهر الحديث وحديث رسول الله ﷺ .. ليس على اطلاقه ؟؟؟

 

ليس كل بدعة ظلالة كما يفهم البعض من ظاهر الحديث وحديث رسول الله ﷺ .. ليس على اطلاقه ؟؟؟


 بسم الله الرحمن الرحيم

                                                   مقدمة            

 

        الحمد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .

        أما بعد :

        فقد كثر القيل والقال عن  البدعة ،  والحكم على كثير من الأمور بالبدعة ( الضلالة ) .

        ومفهوم البدعة غامض عند كثير من المسلمين ، ولاسيما الذين يكثرون من إستخدامها ، والحكم على الأمور بها !    

        وكلما حلت مناسبة ؛ حدثت فيها نعمة في الإسلام ، وأراد المسلون إحياء ذكراها ، واستثمارها في تجميع الناس ، وتوعيتهم ، وبيان رسالة الإسلام لهم ، وإبعاد الناس – ولو لفترة قصيرة جداً – عن صخب الحياة المادية ، في رحاب بيت من بيوت الله تعالى ، إنبرى أولئك لهم ، ونشطوا في محاربتهم بتوزيع منشورات ، ومطويات ؛ تحارب تللك المناسبة ، وتصم القائمين بها بالبدعة الضلالة ، والانحراف ، والخروج عن سنة رسول الله r !

        فأحببت أن أجمع في ذلك  ، آيات ، وأحاديث ، وأعمال ، وأقوال الخلفاء الراشدين ، والصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، وكذلك أقوال الأئمة الأعلام ، حتى نكون على بيّنة من أمرنا !

        وأنا – مقدّماً – أعلم أنّ أولئك التبديعيين لا يصغون إليّ ، ولو أتيتهم بكل آية ! وذلك لأنهم مُوجَّهون من غيرهم ، وينفذون الأوامر ، ويتركون الأمور ، ويطبقونها بصورة جماعية ، بتوجيهات وبتنظيم ، وأنهم يفعلون ما يظنون أنه الواجب ، والسنة ، ويحاربون غيرهم عليها ، ثم بعد فترة من الزمان يتركون ذلك ، وبتوجيه أيضاً ! ! أو يعيبون غيرهم ، ويطعنون فيهم ، ويصمونهم بالمبتدعة على أمر ما ، ثم بعد فترة هم يفعلون نفس الأمر ، وذلك بأمر ، وتوجيه ، وتنظيم أيضاً ! !

        فقد كانوا يعيبون على غيرهم ، ويطعنون فيهم ، فتره من الزمان على السفرات الترفيهية ، والتربوية ، ويصفونها بالبدعة ( طبعاً البدعة الضلالة ! ) ، ثم بعد فترة من الزمان أصبحوا يفعلون هم ذلك ، ويقومون بسفرات ، وبأعداد كبيرة ، ونسوا ما كانوا يعيبون غيرهم عليه ، ويطعنونهم فيه ، وكل ذلك بتوجيه ، وتنظيم ، ثم يقولون : ليس في الإسلام حزبية ، وأحزاب ! !

        ولقد قرر شيوخ ، ومسؤولو إحدى الكليات الشرعية ، في محافظة من المحافظات ، بتنظيم تجمع داخل ساحة الكلية ، تضامنا مع إخوانهم ، في استنكار الظلم ، والحيف ، في بقية المحافظات ، واستنكارا لمقتل عدد منهم ، وهو مجرد تجمع ، داخل الكلية ، وليس خارجها ، فقاموا باتصالات بالهواتف الخلوية ، يستأذنون مسؤوليهم ، هل يشاركوا ، أم لا ؟  فجاءتهم الأوامر بعدم المشاركة ، فانسلوا من بين المجموع ، وخرجوا بدون مشاركة ! ! وهكذا . . .

        ولذا أقول لو جئتهم بكل آية ، أو دليل ، فلا يغيّر – عندهم –  من القضية شيء !

        وهـذا لاشـك خطـأ فظيـع فـي  المنهج ، والسـلوك ، فقد قال تعالى ، عن اليهود الضُّلّال :         (  وَإِذَا قِيـلَ لَهُـمْ آمِنُوا بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَــالُــوا نُؤْمِنُ بِمَـــا أُنْـزِلَ عَلَيْنَـــا وَيَكْفُرُونَ بِمَــا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ . . . ) ( [1] )  .

        لقد فضح الله تعـالـى ، أمر اليهود ، وبيّن أنّ غايتهم ، هي ليست مرضاة الله تعالى ، واتباع الحق ، [ وما لهم وللحق ؟ وما لهم أن يكون مصدقاً لما معهم ! ما داموا لم يستأثروا هم به ؟ إنهم يعبدون أنفسهم ، ويتعبّدون لعصبيتهم . لا بل إنهم ليعبدون هواهم ] ( [2] ) .

فالذين تشبّهوا بهم في منهجهم ، لا يؤمنون إلّا باجتهادات علمائهم ؛ الذين يعدّون على أصابع اليد ! ولا يؤمنون باجتهادات غيرهم من الأئمة المجتهدين ؛ ولو كانت اجتهاداتهم حقّاً !

أصلاً لا يعلمون : هل اجتهادات غير علمائهم حق أم باطل ؟ صحيح أم خطأ ؟ صواب أم لا ؟ لأنهم لا يصغون إليهم أصلاً ! ولا يستمعون أو ينظرون إلى أدلتهم ! فالأدلة والصواب والحق ليس مبتغاهم ، بل ما يُؤمرون به ، وما تأتيهم من معلومات وأوامر من جماعتهم ! !

ولهذا قلنا : إن هذا المسلك خطأ فظيع ، ومنهج يشبه إلى حدٍّ بعيد منهج اليهود ! !

وكذلك يتّبع هذا المسلك المشين : منهج المشركين ؛ في صدودهم عن النور ، وعدم الإصغاء لصوت الحق ، والفرار منه :

يقول تعالى ، عن مشركي مكة ، زمن النبيّ r : (   وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( [3] ) .   

[  يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن ، وتواصيهم بذلك ، فقال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ }

 أي : أعرضوا عنه بأسماعكم ، وإياكم أن تلتفتوا ، أو تصغوا إليه ولا إلى من جاء به ،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فإن اتفق أنكم سمعتموه ، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه ، فـ { الْغَوْا فِيهِ }

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه ( [4] ) ، بل فيه المضرة ، ولا تمكنوا - مع قدرتكم - أحدًا يملك عليكم الكلام به ، وتلاوة ألفاظه ومعانيه ،

 

 

 

 

 

 

هـذا لسـان حـالهم ، ولسـان مقالهم ، في الإعراض عـن هـذا القرآن ،

 

 

 

 

 

 

{ لَعَلَّكُمْ } إن فعلتم ذلك { تَغْلِبُونَ } ] وهذه [  شهادة من الأعداء ، وأوضح الحق ، ما شهدت

به الأعداء ، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك ،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومفهوم كلامهم ، أنهم إن لم يلغوا فيه ، بل استمعوا إليه ، وألقوا أذهانهم ، أنهم لا يغلبون ،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فإن الحق ، غالب غير مغلوب ، يعرف هذا ، أصحاب الحق وأعداؤه ] ( [5] ) .

 

        وقال النبيّ نوح عليه السلام ، عن قومه الكفار المشركين ، كما ذكر الله تعالى ، ذلك في القرآن الكريم :

        (  وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) ( [6] ) .

        [  أبوا إلا تماديا على باطلهم ، ونفورا عن الحق ، { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام ،

{ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ } أي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق وبغضا له ، { وَأَصَرُّوا } على

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كفرهم وشرهم { وَاسْتَكْبَرُوا } على الحق { اسْتِكْبَارًا } فشرهم ازداد ، وخيرهم بعد ] ( [7] ) .

 

وقال تعالى عن المنافقين  : (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ    السُّفَهَاءُ . . . ) ( [8] ).

يعني : أنهم يعتبرون عامة المسلمين ضُلّال مبتدعون ( سفهاء ) ( [9] ) ، وأنهم هم الناجون فقط من النار ، من بين آلاف الملايين من المسلمين ! ! 

فمسلكهم ومنهجهم بعيد جداً عن منهج عباد الله تعالى ، الذين بشّرهم الله سبحانه ، وأمر نبيّه سيّدنا محمد r أن يبشّرهم بالفوز والجنة !  يقول تعالى :

(   وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ   ) ( [10] ) .

فوصف الله تعالى عباده – الذين يستمعون للأقوال جميعاً ( ولاسيما إجتهادات علماء وأئمة المسلمين ) فيتّبعون أحسن وأفضل الأقوال والإجتهــادات – وصفهم بالموحّدين والهُداة وأصحاب العقول !

فهذا شأن الموحدين المخلصين ؛ الذين اجتنبوا طاغوت النفس وهواها ، واستسلموا لله تعالى خالصاً مخلصاً ، بعيداً عن الحزبيات والتعصبات ! !   

فكلامنـا هنـا ليس موجّهاً إلى أولئك ؛ الذين يشبه منهجهم مناهج اليهود ، والمشركين ، والمنافقين ! بل إلى الذين يتّبعون المنهج الذي يمدحه الله تعالى !

 إلا إذا أراد الله تعالى هداية عبد من عباده من أولئك ، فسيجعله من الذين يستمعون القول  فيتبعون أحسنه !      

        و عسى ، ولعلّ ، أن يكون بعضهم من أولئك ؛ ينشد الحقيقة ، ولا يهتم بمن قالها ! بل يهتم بما

 قال !

        وفي الحقيقة أنا لم أجمع ما جمعته لأولئك ، بل لأناس ينشدون الحقيقة ، فهي ضالّتهم ومبتغاهم ، فلأولئك الأعزة أقدم هذه الرسالة المتواضعة ، أسأل الله تعالى أن يتقبلها منّي ، وأن ينفعني بها ، وسائر من يقرأها بتدبر وتجرد ، إنه سميع قريب ، وبالإجابة جدير ، ونِعم المولى ونِعم النصير . 

        ملاحظة :

        عند نقلي لأقوال الأئمة ، والعلماء ، قمت بوضع عناوين فرعية على أقوالهم ، وقد استخرجت تلك العناوين من ضمن أقوالهم ، وذلك كي لا يمل القاريء الكريم ، ولا تأخذه السآمة من طول النقل ، وأظن أني قد عزوت كل الأقوال لأصحابها ، وأبدأ النقل بفتح قوس ( [ ) ، ثم لا أسد القوس حتى أنتهي من نقل قول ذلك الإمام ، أو العالم ، وذلك بقوس يدل على انتهاء ما أردت نقله ( ] ) ، ثم أشير في الهامش إلى المصدر ، والمرجع . فلا يحسبن أحد أن تلك الأقوال هي أقوالي ! 


تكملة المقال هنا 
ليس كل بدعة ظلالة وحديث رسول الله صل الله عليه وسلم .. ليس على اطلاقه ؟؟؟