بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد كثر القيل والقال عن البدعة ، والحكم على كثير من الأمور بالبدعة ( الضلالة ) .
ومفهوم البدعة غامض عند كثير من المسلمين ، ولاسيما الذين يكثرون من إستخدامها ، والحكم على الأمور بها !
وكلما حلت مناسبة ؛ حدثت فيها نعمة في الإسلام ، وأراد المسلون إحياء ذكراها ، واستثمارها في تجميع الناس ، وتوعيتهم ، وبيان رسالة الإسلام لهم ، وإبعاد الناس – ولو لفترة قصيرة جداً – عن صخب الحياة المادية ، في رحاب بيت من بيوت الله تعالى ، إنبرى أولئك لهم ، ونشطوا في محاربتهم بتوزيع منشورات ، ومطويات ؛ تحارب تللك المناسبة ، وتصم القائمين بها بالبدعة الضلالة ، والانحراف ، والخروج عن سنة رسول الله r !
فأحببت أن أجمع في ذلك ، آيات ، وأحاديث ، وأعمال ، وأقوال الخلفاء الراشدين ، والصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، وكذلك أقوال الأئمة الأعلام ، حتى نكون على بيّنة من أمرنا !
وأنا – مقدّماً – أعلم أنّ أولئك التبديعيين لا يصغون إليّ ، ولو أتيتهم بكل آية ! وذلك لأنهم مُوجَّهون من غيرهم ، وينفذون الأوامر ، ويتركون الأمور ، ويطبقونها بصورة جماعية ، بتوجيهات وبتنظيم ، وأنهم يفعلون ما يظنون أنه الواجب ، والسنة ، ويحاربون غيرهم عليها ، ثم بعد فترة من الزمان يتركون ذلك ، وبتوجيه أيضاً ! ! أو يعيبون غيرهم ، ويطعنون فيهم ، ويصمونهم بالمبتدعة على أمر ما ، ثم بعد فترة هم يفعلون نفس الأمر ، وذلك بأمر ، وتوجيه ، وتنظيم أيضاً ! !
فقد كانوا يعيبون على غيرهم ، ويطعنون فيهم ، فتره من الزمان على السفرات الترفيهية ، والتربوية ، ويصفونها بالبدعة ( طبعاً البدعة الضلالة ! ) ، ثم بعد فترة من الزمان أصبحوا يفعلون هم ذلك ، ويقومون بسفرات ، وبأعداد كبيرة ، ونسوا ما كانوا يعيبون غيرهم عليه ، ويطعنونهم فيه ، وكل ذلك بتوجيه ، وتنظيم ، ثم يقولون : ليس في الإسلام حزبية ، وأحزاب ! !
ولقد قرر شيوخ ، ومسؤولو إحدى الكليات الشرعية ، في محافظة من المحافظات ، بتنظيم تجمع داخل ساحة الكلية ، تضامنا مع إخوانهم ، في استنكار الظلم ، والحيف ، في بقية المحافظات ، واستنكارا لمقتل عدد منهم ، وهو مجرد تجمع ، داخل الكلية ، وليس خارجها ، فقاموا باتصالات بالهواتف الخلوية ، يستأذنون مسؤوليهم ، هل يشاركوا ، أم لا ؟ فجاءتهم الأوامر بعدم المشاركة ، فانسلوا من بين المجموع ، وخرجوا بدون مشاركة ! ! وهكذا . . .
ولذا أقول لو جئتهم بكل آية ، أو دليل ، فلا يغيّر – عندهم – من القضية شيء !
وهـذا لاشـك خطـأ فظيـع فـي المنهج ، والسـلوك ، فقد قال تعالى ، عن اليهود الضُّلّال : ( وَإِذَا قِيـلَ لَهُـمْ آمِنُوا بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَــالُــوا نُؤْمِنُ بِمَـــا أُنْـزِلَ عَلَيْنَـــا وَيَكْفُرُونَ بِمَــا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ . . . ) ( ) .
لقد فضح الله تعـالـى ، أمر اليهود ، وبيّن أنّ غايتهم ، هي ليست مرضاة الله تعالى ، واتباع الحق ، [ وما لهم وللحق ؟ وما لهم أن يكون مصدقاً لما معهم ! ما داموا لم يستأثروا هم به ؟ إنهم يعبدون أنفسهم ، ويتعبّدون لعصبيتهم . لا بل إنهم ليعبدون هواهم ] ( ) .
فالذين تشبّهوا بهم في منهجهم ، لا يؤمنون إلّا باجتهادات علمائهم ؛ الذين يعدّون على أصابع اليد ! ولا يؤمنون باجتهادات غيرهم من الأئمة المجتهدين ؛ ولو كانت اجتهاداتهم حقّاً !
أصلاً لا يعلمون : هل اجتهادات غير علمائهم حق أم باطل ؟ صحيح أم خطأ ؟ صواب أم لا ؟ لأنهم لا يصغون إليهم أصلاً ! ولا يستمعون أو ينظرون إلى أدلتهم ! فالأدلة والصواب والحق ليس مبتغاهم ، بل ما يُؤمرون به ، وما تأتيهم من معلومات وأوامر من جماعتهم ! !
ولهذا قلنا : إن هذا المسلك خطأ فظيع ، ومنهج يشبه إلى حدٍّ بعيد منهج اليهود ! !
وكذلك يتّبع هذا المسلك المشين : منهج المشركين ؛ في صدودهم عن النور ، وعدم الإصغاء لصوت الحق ، والفرار منه :
يقول تعالى ، عن مشركي مكة ، زمن النبيّ r : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( ) .
[ يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن ، وتواصيهم بذلك ، فقال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ }
أي : أعرضوا عنه بأسماعكم ، وإياكم أن تلتفتوا ، أو تصغوا إليه ولا إلى من جاء به ،
فإن اتفق أنكم سمعتموه ، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه ، فـ { الْغَوْا فِيهِ }
أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه ( ) ، بل فيه المضرة ، ولا تمكنوا - مع قدرتكم - أحدًا يملك عليكم الكلام به ، وتلاوة ألفاظه ومعانيه ،
هـذا لسـان حـالهم ، ولسـان مقالهم ، في الإعراض عـن هـذا القرآن ،
{ لَعَلَّكُمْ } إن فعلتم ذلك { تَغْلِبُونَ } ] وهذه [ شهادة من الأعداء ، وأوضح الحق ، ما شهدت
به الأعداء ، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك ،
ومفهوم كلامهم ، أنهم إن لم يلغوا فيه ، بل استمعوا إليه ، وألقوا أذهانهم ، أنهم لا يغلبون ،
فإن الحق ، غالب غير مغلوب ، يعرف هذا ، أصحاب الحق وأعداؤه ] ( ) .
وقال النبيّ نوح عليه السلام ، عن قومه الكفار المشركين ، كما ذكر الله تعالى ، ذلك في القرآن الكريم :
( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) ( ) .
[ أبوا إلا تماديا على باطلهم ، ونفورا عن الحق ، { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام ،
{ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ } أي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق وبغضا له ، { وَأَصَرُّوا } على
كفرهم وشرهم { وَاسْتَكْبَرُوا } على الحق { اسْتِكْبَارًا } فشرهم ازداد ، وخيرهم بعد ] ( ) .
وقال تعالى عن المنافقين : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ . . . ) ( ).
يعني : أنهم يعتبرون عامة المسلمين ضُلّال مبتدعون ( سفهاء ) ( ) ، وأنهم هم الناجون فقط من النار ، من بين آلاف الملايين من المسلمين ! !
فمسلكهم ومنهجهم بعيد جداً عن منهج عباد الله تعالى ، الذين بشّرهم الله سبحانه ، وأمر نبيّه سيّدنا محمد r أن يبشّرهم بالفوز والجنة ! يقول تعالى :
( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( ) .
فوصف الله تعالى عباده – الذين يستمعون للأقوال جميعاً ( ولاسيما إجتهادات علماء وأئمة المسلمين ) فيتّبعون أحسن وأفضل الأقوال والإجتهــادات – وصفهم بالموحّدين والهُداة وأصحاب العقول !
فهذا شأن الموحدين المخلصين ؛ الذين اجتنبوا طاغوت النفس وهواها ، واستسلموا لله تعالى خالصاً مخلصاً ، بعيداً عن الحزبيات والتعصبات ! !
فكلامنـا هنـا ليس موجّهاً إلى أولئك ؛ الذين يشبه منهجهم مناهج اليهود ، والمشركين ، والمنافقين ! بل إلى الذين يتّبعون المنهج الذي يمدحه الله تعالى !
إلا إذا أراد الله تعالى هداية عبد من عباده من أولئك ، فسيجعله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه !
و عسى ، ولعلّ ، أن يكون بعضهم من أولئك ؛ ينشد الحقيقة ، ولا يهتم بمن قالها ! بل يهتم بما
قال !
وفي الحقيقة أنا لم أجمع ما جمعته لأولئك ، بل لأناس ينشدون الحقيقة ، فهي ضالّتهم ومبتغاهم ، فلأولئك الأعزة أقدم هذه الرسالة المتواضعة ، أسأل الله تعالى أن يتقبلها منّي ، وأن ينفعني بها ، وسائر من يقرأها بتدبر وتجرد ، إنه سميع قريب ، وبالإجابة جدير ، ونِعم المولى ونِعم النصير .
ملاحظة :
عند نقلي لأقوال الأئمة ، والعلماء ، قمت بوضع عناوين فرعية على أقوالهم ، وقد استخرجت تلك العناوين من ضمن أقوالهم ، وذلك كي لا يمل القاريء الكريم ، ولا تأخذه السآمة من طول النقل ، وأظن أني قد عزوت كل الأقوال لأصحابها ، وأبدأ النقل بفتح قوس ( [ ) ، ثم لا أسد القوس حتى أنتهي من نقل قول ذلك الإمام ، أو العالم ، وذلك بقوس يدل على انتهاء ما أردت نقله ( ] ) ، ثم أشير في الهامش إلى المصدر ، والمرجع . فلا يحسبن أحد أن تلك الأقوال هي أقوالي !
تكملة المقال هنا
ليس كل بدعة ظلالة وحديث رسول الله صل الله عليه وسلم .. ليس على اطلاقه ؟؟؟